وعلى ما قررناه لا يحتاج إلى شيء من ذلك
المثال السابع والعشرون: إذا أعسر الزوج بنفقة المرأة ملكت الفسخ فإن تحملها عنه غيره لم يسقط ملكها للفسخ لأن عليها في ذلك منة كما إذا أراد قضاء دين عن الغير فامتنع ربه من قبوله لم يجبر على ذلك وطريق الحيلة في إبطال حقها من الفسخ: أن يحيلها بما وجب لها عليه من النفقة على ذلك الغير فتصح الحوالة وتلزم على أصلنا إذا كان المحال عليه غنيا
وطريق صحة الحوالة: أن يقر ذلك الغير للزوج بقدر معين لنفقتها سنة أو شهرا أو نحو ذلك ثم يحيلها الزوج عليه فإن لم يمكنه الإجبار على القبول لعدم من يرى ذلك وكل الزوج الملتزم لنفقتها في الإنفاق عليها والزوج مخير بين أن ينفق عليها بنفسه أو بوكيله
وهكذا العمل في مسألة أداء الدين عن الغريم سواء
المثال الثامن والعشرون: إذا خاف المضارب أن يضمنه المالك بسبب من الأسباب التي لا يملكها بعقد المضاربة كخلط المال بغيره أو اشترائه بأكثر من رأس المال والاستدانة على مال المضاربة أو دفعه إلى غيره مضاربة أو إبضاعا أو إيداعا أو السفر به فطريق التخلص من ضمانه في هذا كله: أن يشهد على رب المال أنه قال له: اعمل برأيك أو ما تراه مصلحة
المثال التاسع والعشرون: إذا كان لكل من الرجلين عروض وأرادا أن يشتركا فيها شركة عنان ففي ذلك روايتان
إحداهما: تصح الشركة وتقوم العروض عند العقد ويكون قيمتها هو رأس المال فيقسم الربح على حسبه أو على ما شرطاه وإذا أرادا الفسخ رجع كل منهما إلى قيمة عروضه واقتسما الربح على ما شرطاه وهذا القول هو الصحيح
والرواية الثانية: لا تصح إلا على النقدين لأنهما إذا تفاسخا الشركة وأراد كل واحد منهما الرجوع إلى رأس ماله أو يقتسما الربح لم يعلم ما مقدار رأس مال كل منهما إلا بالتقويم وقد تزيد قيمة العروض وتنقص قبل العمل فلا يستقر رأس المال
وأيضا فمقتضى عقد الشركة: أن لا ينفرد أحد الشريكين بربح مال الآخر وهذه الشركة تفضي إلى ذلك لأنه قد تزيد قيمة عروض أحدهما ولا تزيد قيمة عروض الآخر فيشاركه من لم تزد قيمة عروضه وهذا إنما يصح في المقومات كالرقيق والحيوان ونحوهما فأما المثليات فإن ذلك منتف فيها ولهذا كان الصحيح عند من منع الشركة بالعروض: جوازها بالمثليات فالصحيح: الجواز في الموضعين لأن مبنى عقد الشركة على العدل من الجانبين وكل من الشريكين متردد بين الربح والخسران فهما في هذا الجواز مستويان فتجويز ربح أحدهما دون الآخر في مقابلة عكسه فقد استويا في رجاء الغنم وخوف الغرم وهذا هو العدل كالمضاربة فإنه يجوز أن يربحا وأن يخسرا وكذلك المساقاة والمزارعة
وطريق الحيلة في تصحيح هذه المشاركة عند من لا يجوزها بالعروض: أن يبيع كل منهما بعض عروضه ببعض عروض صاحبه فإذا كان عرض أحدهما يساوى خمسة آلاف وعرض الآخر يساوي ألفا فيشتري صاحب العرض الذي قيمته خمسة آلاف من صاحبه خمسة أسداس عرضه الذي يساوي ألفا بسدس عرضه الذي يساوي خمسة آلاف فإذا فعلا ذلك صارا شريكين فيصير للذي يساوي متاعه ألفا سدس جميع المتاع وللآخر خمسة أسداسه أو يبيع كل منهما صاحبه بعض عرضه بثمن مسمى ثم يتقابضان فيصير مشتركا بينهما ثم يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فما حصل من الربح يكون بينهما على ما شرطاه عند أحمد وعلى قدر رءوس أموالهما عند الشافعي والخسران على قدر المال اتفاقا
المثال الثلاثون: إذا تزوجها على أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى عليها فالنكاح صحيح والشرط لازم هذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه صح عن عمر وسعد ومعاوية ولا مخالف لهم من الصحابة وإليه ذهب عامة التابعين وقال به أحمد
وخالف في ذلك الثلاثة فأبطلوا الشرط ولم يوجبوا الوفاء به
فإذا احتاجت المرأة إلى ذلك ولم يكن عندها حاكم يرى صحة ذلك ولزومه فالحيلة لها في حصول مقصودها: أن تمتنع من الإذن إلا أن تشترط بعد العقد أنه إن سافر بها أو نقلها من دارها أو تزوج عليها فهي طالق أو لها الخيار في المقام معه أو الفسخ فإن لم تثق به أن يفعل ذلك فإنها تطلب مهرا كثيرا جدا إن لم يفعل وتطلب ما دونه إن فعل فإن شرط لها ذلك رضيت بالمهر الأدنى وإن لم يشرط ذلك طالبته بالأعلى وجعلته حالا ولها أن تمنع نفسها حتى تقبضه أو يشرط لها ما سألته
فإن قيل: فعلى أي المهرين يقع العقد
قيل: يقع على المهر الزائد لتتمكن من إلزامه بالشرط فإن خاف أن يشرط لها ما طلبت ويستقر عليه المهر الزائد فالحيلة: أن يشهد عليها أنها لا تستحق عليه بعد الاشتراط شيئا من المبلغ الزائد على الصداق الأدنى وأنها متى ادعت به فدعواها باطلة فيستوثق منها بذلك ويكتب هو والشرط ولها أن تطالب بالصداق الزائد إذا لم يف لها بالشرط لأنها لم ترض بأن يكون الأدنى مهرا إلا في مقابلة منفعة أخرى تسلم لها وهي المقام في دارها أو بلدها أو يكون الزوج لها وحدها وهذا جار مجرى بعض صداقها فإذا فاتها فلها المطالبة بالمهر الأعلى
المثال الحادي والثلاثون: إذا زوج ابنته بعبده صح النكاح فإن حضره الموت فخاف هو أو المرأة أن ترث جزءا منه فينفسخ النكاح
فالحيلة في بقائه: أن يبيع العبد من أجنبي فإن شاء قبض ثمنه وإن شاء جعله دينا في ذمته يكون حكمه حكم سائر ديونه فإذا ورثت نصيبها من ثمنه لم ينفسخ نكاحها وإن باع العبد من أجنبي قبل العقد ثم زوجه الابنة أمن هذا المحذور أيضا
وكذلك إذا أراد أن يزوج أمته بابنه وخاف أن يموت فيرث الابن زوجته فينفسخ النكاح باعها من أجنبي ثم زوجها الابن أو يبيعها من الأجنبي بعد العقد
المثال الثاني والثلاثون: إذا أحاله بدينه وخاف المحتال أن يتوى ماله عند المحال عليه وأراد التوثق لماله
فالحيلة في ذلك أن يقول: لا تحلني بالمال ولكن وكلني في المطالبة به واجعل ما أقبضه في ذمتي قرضا فيبرآن جميعا بالمقاصة
فإن خاف المحيل أن يهلك المال في يد الوكيل قبل اقتراضه فيرجع عليه بالدين
فالحيلة له: أن يقول للمحال عليه: اضمن عني هذا الدين لهذا الطالب فيضمنه فإذا قبضه قبضه لنفسه فإن امتنع المحال عليه من الضمان احتال الطالب عليه على أنه إن لم يوفه حقه إلى وقت كذا وكذا فالمحيل ضامن لهذا المال ويصح تعليق الضمان بالشرط فإن وفاه المحيل عليه وإلا رجع إلى المحال وآخذه بالمال
المثال الثالث والثلاثون: إذا كان له دين على رجل فرهنه به عبدا فخاف أن يموت العبد فيحاكمه إلى من يرى سقوط الدين بتلف الرهن
فالحيلة في تخليصه من هذا المحذور: أن يشتري العبد منه بدينه ولا يقبض العبد فإن وفاه دينه أقاله في البيع وإن لم يوفه الدين طالبه بالتسليم وإن تلف العبد كان من ضمان البائع ورجع المشتري إلى دينه الذي هو ثمنه
المثال الرابع والثلاثون: إذا كان له عليه دين فرهنه به رهنا ثم خاف أن يستحق الرهن فتبطل الوثيقة
فالحيلة فيه: أن يضمن دينه لمن يخاف منه استحقاق الرهن فإذا استحقه عليه طالبه بالمال أو يضمنه درك الرهن أو يشهد عليه أنه لاحق له فيه ومتى ادعى فيه حقا فدعواه باطلة
المثال الخامس والثلاثون: إذا كان له عليه مائة دينار خمسون منها بوثيقة وخمسون بغير وثيقة وجحده الغريم القدر الذي بغير وثيقة
فالحيلة له في تخليص ماله: أن يوكل رجلا غريبا بقبض المال الذي بالوثيقة ويشهد على وكالته علانية ثم يشهد شهودا آخرين: أنه قد عزله عن الوكالة ثم يطالب الوكيل المطلوب بذلك المال ويثبت شهود وكالته فإذا قبض الخمسين دينارا دفعها إلى مستحقها وغاب ثم يطالبه المستحق بهذه الخمسين فإن قال: دفعتها إلى وكيلك أقام البينة أنه كان قد عزله عن الوكالة فيلزمه الحاكم بالمال ويقول له: اتبع القابض فخذ مالك منه
فإن كان الغريم حذرا لم يدفع إلى الوكيل شيئا خشية مثل هذا ويقول: لا أدفع إليك إلا بحضرة الموكل وإقراره أنك وكيله فتبطل هذه الحيلة
المثال السادس والثلاثون: إذا حضره الموت ولبعض ورثته عليه دين وأراد تخليص ذمته فإن أقر له به لم يصح إقراره وإن وصى له به كانت وصية لوارث
فالحيلة في خلاصه: أن يواطئه على أن يأتي بمن يثق به فيقر له بذلك الدين فإذا قبضه أوصله إلى مستحقه فإن خاف الأجنبي أن يلزمه الحاكم أن يحلف أن هذا الدين واجب لك على الميت ولم تبرئه منه ولا من شيء منه لم يجز له أن يحلف على ذلك وانتقلنا إلى حيلة أخرى وهي أن يقول له المريض: بع دارك أو عبدك من وارثي بالمال الذي له علي فيفعل فإذا لزمته اليمين بعد هذا حلف على أمر صحيح فإن لم يكن له ما يبيعه إياه وهب له الوارث عبدا أو أمة فقبضه ثم باعه من الوارث بالدين الذي على الميت