فالحيلة في تخلص المعفو عنه: أن يشهد على المجني عليه: أنه عفا عن هذه الجناية أو الشجة وما يحدث منها فيتخلص عند الجميع
المثال الثامن والأربعون: إذا مات وترك زوجة وورثة فأرادت الزوجة أن يصالحها الورثة عن حقها نظرنا في التركة وفي الذي وقع عليه الصلح فإن كان في التركة أثمان: ذهب وفضة فصالحتهم على شيء من الأثمان لم يصح لإفضائه إلى الربا فإن صلحها بيع نصيبها منهم وإن صالحتهم على عرض أو عقار أو كان في التركة دراهم فصالحتهم بدنانير أو بالعكس جاز ولا تضر جهالة حقها لأن عقد الصلح أوسع من البيع كما تقدم
فإن كان في التركة ديون لم يصح الصلح لأن بيع الدين من غير الذي هو في ذمته لا يصح ويحتمل أن يقول بصحته كما يصح عن المجهول وإن لم يصح بنفسه
فالحيلة في صلحها عن الدين أيضا: أن يعجل لها حصتها من الدين يقرضها الورثة ذلك وتوكلهم في اقتضائه ثم تصالحهم من الأعيان على ما اتفقوا عليه لأنهم إذا أقرضوها حصتها من الدين ثم وكلتهم بقبض حصتها من الدين فإذا قبضوا حصتها من الدين فقد حصل في أيديهم بمالها من جنس مالهم عليها فيتقاصان ويكون عقد الصلح قد وقع على العروض والمتاع خاصة
فإن لم تطب أنفسهم أن يقرضوها قدر حصتها من الدين وأحبت تعجيل الصلح صالحتهم عن حقها من المتاع والعروض دون الديون وكلما قبض من الدين شيء أخذت حقها منه فإن تعسر ذلك وشق عليها وأحبت الخلاص حاسبوها في الصلح من الأعيان بأكثر من حقها منها وأقرت أن الدين حق للورثة دونها من ثمن متاع باعه الميت لهم فإن أرادوا قسمة الدين في الذمم فالمشهور: أنه لا يصح لأن الذمم لا تتكافأ وفيه رواية أخرى تجوز قسمته وهي الصحيحة فإنه قد تكون مصلحة الورثة والغرماء في ذلك وتفاوت الذمم لا يمنع القسمة فإن التفاوت في المحل والمقسوم واحد متماثل وإن اختلفت محاله وإذا كان الغرماء كلهم موسرين أو معسرين أو بعضهم موسرا وبعضهم معسرا فأخذ كل من الورثة موسرا ومعسرا كان هذا عدلا غير ممتنع وقد تراضوا به فلا وجه لبطلانه وبالله التوفيق
المثال التاسع والأربعون: إذا كان لرجل على رجل دين فقال: تصدق به عني ففعل لم يبرأ وكان الصدقة عن المخرج ودينه باق قاله أصحابنا لأنه لم يتعين ولأنه لا يكون مبرئا لنفسه بفعله قالوا: وطريق الصحة أن يقول: تصدق عني بكذا بقدر دينه ويكون ذلك إقراضا منه فإذا فعل ثبت له في ذمته ذلك القدر وعليه له مثله فيتقاصان
وكذلك لو قال له: ضارب بالمال الذي عليك والربح بيننا لم يصح
والحيلة في صحته: أن يقول: أذنت لك في دفعه إلى ابنك أو زوجتك وديعة ثم وكلتك في أخذه والمضاربة به
والظاهر: أنه لا يحتاج إلى شيء من ذلك ويكفي قبضه من نفسه لرب المال وإذا تصدق عنه بالذي قال كان عن الآمر هذا هو الصحيح وهو تخريج لبعض أصحابنا ولا حاجة به إلى هذه الحيلة فإذا عينه بالنية تعين وكان قابضا من نفسه لموكله وأيمحذور في ذلك
المثال الخمسون: يجوز استئجار الأجير بطعامه وكسوته عندنا وكذلك الدابة بعلفها وكذلك المرضعة وهو مذهب مالك وقال الشافعي: لا يجوز فيهما وجوزه أبو حنيفة في الظئر خاصة
فإذا عقد الإجارة كذلك ثم خاف أن يرفعه إلى حاكم يرى بطلانها فيلزمه بأجرة مثله فالحيلة في تصحيح ذلك أن يستأجر بنقد معلوم يكون بقدر الطعام والكسوة ثم يشهد عليه أنه وكله في إنفاق ذلك على نفسه وكسوته وكذلك في الدابة المثال الحادي والخمسون: يجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره المؤجره كما يجوز لغيره وأبو حنيفة يبطل هذه الإجارة فالحيلة في لزومها: أن يؤجر ذلك لأجنبي غير المؤجر ثم يؤجره إياها الأجنبي
المثال الثاني والخمسون: إذا كفل اثنان واحدا فسلمه أحدهما برىء الآخر كما لو ضمنا دينا فقضاه أحدهما فإن خاف أن يرفعه إلى حاكم لا يرى ذلك ويلزم الآخر بتسليمه
فالحيلة في خلاصه: أن يكفلا هذا المكفول به على أنه إذا دفعه أحدهما فهما جميعا بريئان أو يشهدا عليهما أن كل واحد منهما وكيل صاحبه في دفع المكفول به إلى الطالب والتبرئة إليه منه فيبرآن على قول الجميع
المثال الثالث والخمسون: يصح ضمان المجهول وضمان ما لم يجب عندنا كما يصح ضمان الدرك فإذا قال: ما أعطيت لفلان فأنا ضامن له صح ولزمه وقال الشافعي: لا يصح
فالحيلة في صحته لئلا يبطل ذلك حاكم يرى بطلانه: أن يقول: ما أعطيت لفلان من درهم إلى ألف فأنا ضامن له
فإن ضمنه اثنان وأطلقا جاز واستويا في الغرم فإن ضمناه على أن على أحدهما الثلث وعلى الآخر الثلثين جاز ذلك لأن المال إنما يجب على كل منهما بالتزامه فإذا التزماه على هذا الوجه صح
فإن أراد أحد الضامنين أن يضمن الآخر ما لزمه من هذا الضمان فيصير ضامنا جاز ذلك أيضا لأن المال قد ثبت في ذمة كل واحد منهما فإذا ضمنه أحدهما جاز كما يجوز في الأصل
المثال الرابع والخمسون: إذا اشترك رجلان شركة عنان فسافر أحدهما بالمال بإذن شريكه فخاف أن يموت المقيم فيشتري بالمال بعد موته متاعا فيضمن لأنه قد انتقل إلى الورثه وبطلت الشركة
فالحيلة في تخلصه من ذلك: أن يشهد على شريكه المقيم أن حصته في المال الذي بينه وبينه لولده الصغار وقد أوصى إلى شريكه بالتصرف فيه وأمره أن يشتري بها ما أحب في حياته وبعد وفاته فإن كان ولده كبارا أشهد على نفسه أن هذا المال لهم ثم يأمر ولده الكبار هذا الشريك أن يعمل لهم في مالهم هذا بما يرى ويشتري لهم ما أحب
المثال الخامس والخمسون: إذا كان لرجلين على امرأة ألف درهم مثلا فتزوجها أحدهما على نصيبه في المال الذي عليها صح النكاح وبرئت ذمة المرأة من ذلك المقدار ولم يلزم الزوج أن يضمن لصاحبه شيئا منه لأنه لم يقبض شيئا من نصيبه ولم يحصل في ضمانه فجرى مجرى إبرائها له منه
وبعض الفقهاء يضمنه نصيب شريكه من المهر ويجعله كالمقبوض لأنه عاوض عليه بالبضع فهو كما لو اشترى منها به سلعة فإنها تكون بينهما وههنا تعذرت مشاركته في البضع فيشاركه في بدله وهو المهر فكأنها وفته نصيبه من الدين
وطريق الحيلة في تخليصه من ذلك: أن يهب لها نصيبه مما عليها ثم يتزوجها بعد ذلك على خمسمائة في ذمته ثم تهب له المرأة ما لها عليه من الصداق فإن أحد الشريكين إذا وهب نصيبه من المال المشترك لا يضمن لشريكه شيئا لأنه متبرع
فإن خاف أن يهبها أو يبرئها فتعذر به ولا تتزوج به فالحيلة له: أن يشهد على إقرارها أنه يستحق عليها ذلك المبلغ ما دامت أجنبية منه وأنه لا يستحق على زوجته فلانة شيئا من ذلك المال
وأكثر ما فيه: أنه يسميها زوجة قبل العقد فإذا تم العقد برئت من الدين
فإن خاف أن لا تبرئه من الصداق وتطالبه به ويسقط حقه من المال الذي عليها فالحيلة له: أن يشهد عليها في العقد: أنه برىء إليها من الصداق وأنها لا تستحق المطالبة به