صفحة 24 من 33 الأولىالأولى ... 142223242526 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 93 إلى 96 من 132

الموضوع: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان


  1. #93
    << صديق الدرب >>
    الحالة : السكون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 989
    المشاركات: 6,756
    معدل تقييم المستوى : 752
    Array


    مشكور ابو حمزة

    تسلم ايدك

    دمت بخير


  • #94
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فصل

    ومنها: أنه لما جهزهم في المرة الثانية بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه وهذا القدر يتضمن اتهام أخيه بأنه سارق
    وقد قيل: إنه كان بمواطأة من أخيه ورضا منه بذلك والحق كان له وقد أذن فيه وطابت نفسه به ودل على ذلك قوله تعالى: فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون. فهذا يدل على أنه عرف أخاه نفسه وقد قيل: إنه لم يصرح له بأنه يوسف وأنه إنما أراد بقوله: إنعي أنا أخوك أي أنا مكان أخيك المفقود
    ومن قال هذا قال: إنه وضع السقاية في رحل أخيه والأخ لا يشعر بذلك والقرآن يدل على خلاف هذا والعدل يرده وأكثر أهل التفسير على خلافه ومن لطيف الكيد في ذلك: أنه لما أراد أخذ أخيه توصل إلى أخذه بما يقر إخوته أنه حق وعدل ولو أخذه بحكم قدرته وسلطانه لنسب إلى الظلم والجور ولم يكن له طريق في دين الملك يأخذه بها فتوصل إلى أخذه بطريق يعترف إخوته أنها ليست ظلما فوضع الصواع في رحل أخيه بمواطأة منه له على ذلك ولهذا قال: لا تبتئس بما كانوا يعملون
    ومن لطيف الكيد: أنه لم يفتش رحالهم وهم عنده بل أمهلهم حتى جهزهم بجهازهم وخرجوا من البلد ثم أرسل في آثارهم لذلك
    قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: أمهلهم حتى إذا انطلقوا فأمعنوا من القرية أمر فأدركوا ثم جلسوا ثم ناداهم مناد: أيتها العير إنكم لسارقون فوقفوا وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم ونوفكم كيلكم ونحسن منزلتكم ونفعل بكم ما لم نفعله بغيركم وأدخلنا كم علينا في بيوتنا ومنازلنا قالوا: بلى وما ذاك قال إنكم لسارقون
    وذكر عن السدي فلما ارتحلوا أذن مؤذن أيتها العير والسياق يقتضي ذلك إذ لو كان هذا وهم بحضرته لم يحتج إلى الأذان وإنما يكون الأذان نداء لبعيد يطلب وقوفه وحبسه
    فكان في هذا من لطيف الكيد: أنه أبعد من التهمة للطالب بالمواطأة والموافقة وأنه لا يشعر بما فقد له فكأنه لما خرج القوم وارتحلوا وفصلوا عن المدينة احتاج الملك إلى صواعه لبعض حاجته إليه فالتمسه فلم يجده فسأل عنه الحاضرين فلم يجدوه فأرسلوا في أثر القوم فهذا أحسن وأبعد من التفطن للحيلة من التفتيش في الحال قبل انفصالهم عنه بل كلما ازدادوا بعدا عنه كان أبلغ في هذه المعنى
    ومن لطيف الكيد: أنه أذن فيهم بصوت عال رفيع يسمعه جميعهم ولم يقل لواحد واحد منهم إعلاما بأن ذهاب الصواع أمر قد اشتهر ولم يبق فيه خفاء وأنتم قد اشتهرتم بأخذه ولم يتهم به سواكم
    ومن لطيف الكيد: أن المؤذن قال: إنكم لسارقون ولم يعين المسروق حتى سألهم عنه القوم فقالوا لهم: ماذا تفقدون قالوا: نفقد صواع الملك فاستقر عند القوم أن الصواع هو المتهم به وأنهم لم يفقدوا غيره فإذا ظهر لم يكونوا ظالمين باتهامهم بغيره وظهر صدقهم وعدلهم في إتهامهم به وحده وهذا من لطيف الكيد ومن لطيف الكيد: قول المؤذن وأصحابه لإخوة يوسف عليه السلام فما جزاؤه إن كنتم كاذبين أي ما عقوبة من ظهر عليه أنه سرقه منكم ووجد معه أي ما عقوبته عندكم وفي دينكم قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه فأخذوهم بما حكموا به على نفوسهم لا بحكم الملك وقومه
    ومن لطيف الكيد: أن الطالب لما هم بتفتيش رواحلهم بدأ بأوعيتهم يفتشها قبل وعاء من هو معه تطمينا لهم وبعدا عن تهمة المواطأة
    فإنه لو بدأ بوعاء من هو فيه لقالوا: وما يدريه أنه في هذا الوعاء دون غيره من أوعيتنا وما هذا إلا بمواطأة وموافقة فأزال هذه التهمة بأن بدأ بأوعيتهم أولا
    فلما لم يجده فيها هم بالرجوع قبل تفتيش وعاء من فيه الصواع وقال: ما أراكم سارقين وما أظن هذا أيضا أخذ شيئا فقالوا: لا والله لا ندعكم حتى تفتشوا متاعه فإنه أطيب لقلوبكم وأظهر لبراءتنا فلما ألحوا عليهم بذلك فتشوا متاعه فاستخرجوا منه الصواع وهذا من أحسن الكيد فلهذا قال تعالى: كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم
    فالعلم بالكيد الواجب أو المستحب الذي يتوصل به إلى طاعة الله تعالى ورسوله ونصر المحق وكسر المبطل مما يرفع الله به درجة العبد
    وقد ذكروا في تسميتهم سارقين وجهين:
    أحدهما: أنه من باب المعاريض وأن يوسف عليه السلام نوى بذلك أنهم سرقوه من أبيه حيث غيبوه عنه بالحيلة التي احتالوا بها عليه وخانوه فيه والخائن يسمى سارقا وهو من الاستعمال المشهور
    الثاني: أن المنادي هو الذي قال ذلك من غير أمر يوسف عليه السلام قال القاضي أبو يعلى وغيره: أمر يوسف بعض أصحابه أن يجعل الصاع في رحل أخيه ثم قال بعض الموكلين به لما فقده ولم يدر من أخذه أيتها العير إنكم لسارقون على ظن منهم أنهم كذلك ولم يأمرهم يوسف عليه السلام بذلك ولعل يوسف عليه السلام قال للمنادي هؤلاء قد سرقوا وعنى سرقته من أبيه والمنادي فهم سرقة الصواع وصدق في قوله: إنكم لسارقون ولم يقل: صواع الملك ثم لما جاء إلى ذكر المفقود قال: نفقد صواع الملك وهو صادق في ذلك فحذف المفعول في قوله لسارقون وذكره في قوله: نفقد صواع الملك وكذلك قال يوسف عليه السلام لما عرضوا عليه أن يأخذ أحدهم مكان أخيهم معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ولم يقل: أن نأخذ إلا من سرق فإن المتاع كان موجودا عنده ولم يكن سارقا وهذا من أحسن المعاريض
    وقد قال نصر بن حاجب: سئل سفيان بن عيينة عن الرجل يعتذر إلى أخيه من الشيء الذي قد فعله ويحرف القول فيه ليرضيه أيأثم في ذلك فقال: ألم تسمع قوله عليه السلام: ليس بكاذب من أصلح بين الناس فكذب فيه فإذا أصلح بينه وبين أخيه المسلم كان خيرا من أن يصلح بين الناس بعضهم في بعض وذلك أنه أراد به مرضاة الله وكراهية أذى المؤمن ويندم على ما كان منه ويدفع شره عن نفسه ولا يريد بالكذب اتخاذ المنزلة عندهم ولا طمعا في شيء يصيبه منهم فإنه لم يرخص في ذلك ورخص له إذا كره موجدتهم وخاف عداوتهم
    قال حذيقة بن اليمان رضي الله عنه: إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن أقدم على ما هو أعظم منه
    قال سفيان: وقال الملكان: خصمان بغى بعضنا على بعض أرادا معنى شيء ولم يكونا خصمين فلم يصيرابذلك كاذبين
    وقال إبراهيم عليه السلام: إني سقيم. وقال: بل فعله كبيرهم هذا. وقال يوسف عليه السلام إنكم لسارقون أراد يعني أخاهم
    فبين سفيان رحمه الله تعالى أن هذا كله من المعاريض المباحة مع تسميته كذبا وإن لم يكن في الحقيقة كذبا
    وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على أنه يجوز للإنسان التوصل إلى أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا من عليه الحق
    قال شيخنا وهذه الحجة ضعيفة فإن يوسف عليه السلام لم يكن يملك حبس أخيه عنده بغير رضاه ولم يكن هذا الأخ ممن ظلم يوسف حتى يقال قد اقتص منه وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك نعم كان تخلفه عنهم مما يؤذيهم لتأذي أبيهم وللميثاق الذي أخذه عليهم وقد استثنى في الميثاق بقوله إلا أن يحاط بكم وقد أحيط بهم ويوسف عليه السلام لم يكن قصده باحتباس أخيه الإنتقام من إخوته فإنه كان أكرم من هذا وإن كان في ضمن ما فعل من تأذي أبيه أعظم من أذى إخوته فإنما ذلك أمر أمره الله تعالى به ليبلغ الكتاب أجله ويتم البلاء الذي استحق به يوسف ويعقوب عليهما السلام كمال الجزاء وعلو المنزلة وتبلغ حكمة الله تعالى التي قدرها وقضاها نهايتها ولو فرض أن يوسف عليه السلام قصد الإقتصاص منهم بما فعل فليس هذا بموضع خلاف بين العلماء فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به وإنما موضع الخلاف هل له أن يخونه كما خانه أو يسرقه كما سرقه ولم تكن قصة يوسف عليه السلام من هذا النوع
    نعم لو كان يوسف عليه السلام أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتج شبهة مع أنه لا شبهة له أيضا على هذا التقدير فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالإتفاق ولو كان يوسف قد أخذ أخاه واعتقله بغير رضاه كان في هذا ابتلاء من الله تعالى لذلك المعتقل كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه فيكون المبيح له على هذا التقدير وحيا خاصا كالوحي إلى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه وتكون حكمته في حق الأخ امتحانه وابتلاءه لينال درجة الصبر على حكم الله والرضا بقضائه ويكون حاله في هذا كحال ابيه يعقوب عليه السلام في احتباس يوسف عليه السلام عنه
    وقد دل على هذا نسبة الله سبحانه ذلك الكيد إلى نفسه بقوله 12: 76 كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذه أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله وهو سبحانه ينسب إلى نفسه أحسن هذه المعاني وما هو منها حكمة وحق وصواب وجزاء للمسيء وذلك غاية العدل والحق كقوله 86: 15 إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا وقوله 3: 54 ومكروا ومكر الله وقوله 2: 15 الله يستهزيء بهم وقوله 4: 142 إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وقوله 7: 138 وأملي لهم إن كيدي متين
    فهذا منه سبحانه في أعلى مراتب الحسن وإن كان من العبد قبيحا سيئا لأنه ظالم فيه وموقعه بمن لا يستحقه والرب تعالى عادل فيه موقعه بأهله ومن يستحقه سواء قيل إنه مجاز للمشاكلة الصورية أو للمقابلة أو سماه كذلك مشاكلة لاسم ما فعلوه أو قيل إنه حقيقة وإن مسمى هذه الأفعال ينقسم إلى مذموم ومحمود واللفظ حقيقة في هذا وهذا كما قد بسطنا هذا المعنى واستوفينا الكلام عليه في كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
    فصل

    وإذا عرف ذلك فيوسف صلوات الله عليه وسلامه أكيد من وجوه عديدة
    أحدها أن إخوته كادوه حيث احتالوا في التفريق بينه وبين أبيه كما قال له يعقوب عليه السلام 12: 5 لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا
    وثانيها أنهم كادوه حيث باعوه بيع العبيد وقالوا إنه غلام لنا أبق
    وثالثها كيد امرأة العزيز له بتغليق الأبواب ودعائه إلى نفسها
    ورابعها كيدها له بقولها 12: 24 ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم فكادته بالمراودة أولا وكادته بالكذب عليه ثانيا ولهذا قال لها الشاهد لما تبين له براءة يوسف عليه السلام 12: 28 إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم
    وخامسها كيدها له حيث جمعت له النسوة وأخرجته عليهن تستعين بهن عليه وتستعذر إليهن من شغفها به
    وسادسها كيد النسوة له حتى استجار بالله تعالى من كيدهن فقال 12: 33 وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ولهذا لما جاء الرسول بالخروج من السجن قال له 12: 50 إرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم
    فإن قيل فما كان مكر النسوة اللاتي مكرن به وسمعت به امرأة العزيز فإن الله سبحانه لم يقصه في كتابه
    قيل بلى قد أشار إليه بقوله 12: 30 وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين وهذا الكلام متضمن لوجوه من المكر
    أحدها قولهن امرأة العزيز تراود فتاها ولم يسموها باسمها بل ذكروها بالوصف الذي ينادى عليها بقبيح فعلها بكونها ذات بعل فصدور الفاحشة منها أقبح من صدورها ممن لا زوج لها
    الثاني أن زوجها عزيز مصر ورئيسها وكبيرها وذلك أقبح لوقوع الفاحشة منها
    الثالث أن الذي تراوده مملوك لا حر وذلك أبلغ في القبح
    الرابع أنه فتاها الذي هو في بيتها وتحت كنفها فحكمه حكم أهل البيت بخلاف من طلب ذلك من الأجنبي البعيد
    الخامس أنها هي المراودة الطالبة
    السادس أنها أنها قد بلغ بها عشقها له كل مبلغ حتى وصل حبها له إلى شغاف قلبها
    السابع أن في ضمن هذا أنه أعف منها وأبر وأوفى حيث كانت هي المراودة الطالبة وهو الممتنع عفافا وكرما وحياء وهذا غاية الذم لها
    الثامن أنهن أتين بفعل المرادودة بصيغة المستقبل الدالة على الإستمرار والوقوع حالا واستقبالا وأن هذا شأنها ولم يقلن راودت فتاها وفرق بين قولك فلان أضاف ضيفا وفلان يقري الضيف ويطعم الطعام ويحمل الكل فإن هذا يدل على أن هذا شأنه وعادته
    التاسع قولهن إنا لنراها في ضلال مبين أي إنا لنستقبح منها ذلك غاية الإستقباح فنسبن الإستقباح إليهن ومن شأنهن مساعدة بعضهن بعضا على الهوى ولا يكدن يرين ذلك قبيحا كما يساعد الرجال بعضهم بعضا على ذلك فحيث استقبحن منها ذلك كان هذا دليلا على أنه من أقبح الأمور وأنه مما لا ينبغي أن تساعد عليه ولا يحسن معاونتها عليه


  • #95
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    العاشر أنهن جمعن لها في هذا الكلام واللوم بين العشق المفرط والطلب المفرط فلم تقتصد في حبها ولا في طلبها أما العشق فقولهن قد شغفها حبا أي وصل حبه إلى شغاف قلبها وأما الطلب المفرط فقولهن تراود فتاها والمراودة الطلب مرة بعد مرة فنسبوها إلى شدة العشق وشدة الحرص على الفاحشة فلما سمعت بهذا المكر منهن هيأت لهن مكرا أبلغ منه فهيأت لهن متكأ ثم أرسلت إليهن فجمعتهن وخبأت يوسف عليه السلام عنهن وقيل إنها جملته وألبسته أحسن ما تقدر عليه وأخرجته عليهن فجأة فلم يرعهن إلا وأحسن خلق الله وأجملهم قد طلع عليهن بغتة فراعهن ذلك المنظر البهي وفي أيديهن مدى يقطعن بها ما يأكلنه فدهشن حتى قطعن أيديهن وهن لا يشعرن وقد قيل إنهن أبن أيديهن والظاهر خلاف ذلك وإنما تقطيعهن أيديهن جرحها وشقها بالمدى لدهشهن بما رأين
    فقابلت مكرهن القولي بهذا المكر الفعلي وكانت هذه في النساء غاية في المكر
    والمقصود أن الله سبحانه كاد ليوسف عليه السلام بأن جمع بينه وبين أخيه وأخرجه من أيدي إخوته بغير اختيارهم كما أخرجوا يوسف من يد أبيه بغير اختياره
    وكاد له بأن أوقفهم بين يديه موقف الذليل الخاضع المستجدي فقالوا 12: 88 يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين فهذا الذل والخضوع في مقابلة ذله وخضوعه لهم يوم إلقائه في الجب وبيعه بيع العبيد
    وكاد له بأن هيأ له الأسباب التي سجدوا له هم وأبوه وخالته في مقابلة كيدهم له حذرا من وقوع ذلك فإن الذي حملهم على إلقائه في الجب خشيتهم أن يرتفع عليهم حتى يسجدوا له كلهم فكادوه خشية ذلك فكاد الله تعالى له حتى وقع ذلك كما رآه في منامه
    وهذا كما كاد فرعون بني إسرائيل 28: 4 يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم خشية أن يخرج فيهم من يكون زوال ملكه على يديه فكاده الله سبحانه بأن أخرج له هذا المولود ورباه في بيته وفي حجره حتى وقع به منه ما كان يحذره كما قيل
    وإذا خشيت من الأمور مقدرا... وفررت منه فنحوه تتوجه
    فصل

    وكيد الله سبحانه لا يخرج عن نوعين أحدهما أن يفعل سبحانه فعلا خارجا عن قدرة العبد الذي كاد له فيكون الكيد قدرا محضا ليس من باب الشرع كما كاد الذين كفروا بأن انتقم منهم بأنواع العقوبات وكذلك كانت قصة يوسف عليه السلام فإن يوسف أكثر ما قدر عليه أن ألقى الصواع في رحل أخيه وأرسل مؤذنا يؤذن أيتها العير إنكم لسارقون فلما أنكروا قال فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه أي جزاؤه استعباد المسروق ماله للسارق إما مطلقا وإما إلى مدة وهذه كانت شريعة آل يعقوب عليه السلام
    حتى قيل إن مثل هذا كان مشروعا في أول الإسلام أن المدين إذا أعسر بالدين استرقه صاحب الحق وعليه حمل حديث بيع النبي سرّق
    وقيل بل كان بيعه إياه إيجاره لمن يستعمله وقضى دينه بأجرته وعلى هذا فليس بمنسوخ وهو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى أن المفلس إذا بقيت عليه ديون وله صنعة أجبر على إجارته نفسه أو أجره الحاكم ووفى دينه من أجرته
    وكان إلهام الله تعالى لإخوة يوسف عليه السلام قولهم من وجد في رحله فهو جزاؤه كيدا من الله تعالى ليوسف عليه السلام أجراه على ألسن إخوته وذلك خارج عن قدرته وكان يمكنهم أن يتخلصوا من ذلك بأن يقولوا لا جزاء عليه حتى يثبت أنه هو الذي سرق فإن مجرد وجوده في رحله لا يوجب أن يكون سارقا
    وقد كان يوسف عليه السلام عادلا لا يأخذهم بغير حجة وكان يمكنهم التخلص أيضا بأن يقولوا جزاؤه أن يفعل به ما تفعلونه بالسراق في دينكم وقد كان من دين ملك مصر فيما ذكر أن السارق يضرب ويغرم قيمة المسروق مرتين فلو قالوا له ذلك لم يمكنه أن يلزمهم بما لا يلزم به غيرهم فلذلك قال سبحانه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله أي ما كان ليمكنه أخذه في دين ملك مصر لأنه لم يكن في دينه طريق إلى أخذه
    وقوله إلا أن يشاء الله استثناء منقطع أي لكن إن شاء الله أخذه بطريق آخر ويجوز أن يكون متصلا والمعنى إلا أن يهيء الله سببا آخر يؤخذ به في دين الملك غير السرقة
    وفي هذه القصة تنبيه على الأخذ باللوث الظاهر في الحدود وإن لم تقم بينة ولم يحصل إقرار فإن وجود المسروق مع السارق أصدق من البينة فهو بينة لا تلحقها التهمة وقد اعتبرت شريعتنا ذلك في مواضع
    منها اللوث في القسامة والصحيح أنها يقاد بها كما دل عليه النص الصحيح الصريح
    ومنها حد الصحابة رضي الله عنهم في الخمر بالرائحة والقيء
    ومنها حد عمر رضي الله عنه في الزنا بالحبل وجعله قسيم الإعتراف والشهادة فوجود المسروق مع السارق إن لم يكن أظهر من هذا كله فليس دونه
    فلما فتشوا متاعه فوجدوا فيه الصواع كان ذلك قائما مقام البينة والإعتراف فلهذا لم يمكنهم أن يتظلموا من أخذه ولو كان هذا ظلما لقالوا كيف يأخذه بغير بينة ولا إقرار
    وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب الإعلام باتساع طرق الأحكام
    والمقصود أنه ليس في قصة يوسف عليه السلام شبهة فضلا عن الحجة لأرباب الحيل
    فإنا إنما تكلمنا في الحيل التي يفعلها العبد وحكمها في الإباحة والتحريم لا فيما يكيد الله سبحانه وتعالى لعبده بل في قصة يوسف عليه السلام تنبيه على أن من كاد غيره كيدا محرما فإن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يكيده وأنه لا بد أن يكيد للمظلوم إذا صبر على كيد كائده وتلطف به فالمؤمن المتوكل على الله إذا كاده الخلق فإن الله تعالى يكيد له وينتصر له بغير حول منه ولا قوة
    فهذا أحد النوعين من كيده سبحانه لعبده
    النوع الثاني أن يلهمه أمرا مباحا أو مستحبا أو واجبا يوصله به إلى المقصود الحسن فيكون على هذا إلهامه يوسف عليه السلام أن يفعل ما فعل هو من كيده سبحانه أيضا فيكون قد كاد له نوعي الكيد ولهذا قال سبحانه نرفع درجات من نشاء وفي ذلك تنبيه على أن العلم الدقيق بلطيف الحيل الموصلة إلى المقصود الشرعي الذي يحبه الله تعالى ورسوله من نصر دينه وكسر أعدائه ونصر المحق وقمع المبطل صفة مدح يرفع الله تعالى بها درجة العبد كما أن العلم الذي يخصم به المبطل ويدحض حجته صفة مدح يرفع بها درجة عبده كما قال سبحانه في قصة إبراهيم عليه السلام ومناظرته قومه وكسر حجتهم 6: 83 وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء
    وعلى هذا فيكون من الكيد ما هو مشروع ولكن ليس هو الكيد الذي تستحل به المحرمات وتسقط به الواجبات فإن هذا كيد لله تعالى ودينه فالله سبحانه ودينه هو المكيد في هذا القسم فمحال أن يشرع الله سبحانه هذا النوع من الكيد
    وأيضا فإن هذا الكيد لا يتم إلا بفعل يقصد به غير مقصوده الشرعي ومحال أن يشرع الله تعالى لعبد أن يقصد بفعله ما لم يشرع الله ذلك الفعل له
    وأيضا فإن الأمر المشروع هو عام لا يختص به شخص دون شخص فالشيء مباح لكل من كان حاله مثل حاله فمن احتال بحيلة فقهية محرمة أو مباحة لم يكن له اختصاص بتلك الحيلة عمن لا يفهمها ولا يعلمها وإنما خاصية الفقيه إذا حدثت به حادثة أن يتفطن لاندراجها تحت الحكم العام الذي يعلمه هو وغيره والله سبحانه إنما كاد ليوسف عليه السلام كيدا خاصا به جزاء له على صبره وإحسانه وذكره في معرض المنة عليه وهذه الأفعال التي فعلها يوسف عليه السلام والأفعال التي فعلها الله سبحانه له إذا تأملها اللبيب رآها لا تخرج عن نوعين
    أحدهما إلهام الله سبحانه له فعلا كان مباحا له أن يفعله
    الثاني فعل من الله تعالى به خارج عن مقدور العبد
    وكلا النوعين مباين للحيل المحرمة التي يحتال بها على إسقاط الواجبات وإباحة المحرمات


  • #96
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فصل

    لعلك تقول قد أطلت الكلام في هذا الفصل جدا وقد كان يكفي الإشارة إليه
    فيقال بل الأمر أعظم مما ذكرنا وهو بالإطالة أجدر فإن بلاء الإسلام ومحنته عظمت من هاتين الطائفتين أهل المكر والمخادعة والإحتيال في العمليات وأهل التحريف والسفسطة والقرمطة في العلميات وكل فساد في الدين والدنيا فمنشؤه من هاتين الطائفتين
    فبالتأويل الباطل قتل عثمان رضي الله عنه وعاثت الأمة في دمائها وكفر بعضها بعضا وتفرقت على بضع وسبعين فرقة فجرى على الإسلام من تأويل هؤلاء وخداع هؤلاء ومكرهم ما جرى واستولت الطائفتان وقويت شوكتهما وعاقبوا من لم يوافقهم وأنكر عليهم ويأبى الله إلا أن يقيم لدينه من يذب عنه ويبين أعلامه وحقائقه لكيلا تبطل حجج الله وبيناته على عباده
    فلنرجع إلى ما نحن بصدده من بيان مكايد الشيطان ومصايده
    فصل

    ومن مكايده ومصايده ما فتن به عشاق الصور وتلك لعمر الله الفتنة الكبرى والبلية العظمى التي استعبدت النفوس لغير خلاقها وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشاقها وألقت الحرب بين العشق والتوحيد ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد فصيرت القلب للهوى أسيرا وجعلته عليه حاكما وأميرا فأوسعت القلوب محنة وملأتها فتنة وحالت بينها وبين رشدها وصرفتها عن طريق قصدها ونادت عليها في سوق الرقيق فباعتها بأبخس الأثمان وأعاضتها بأخس الحظوظ وأدنى المطالب عن العالي من غرف الجنان فضلا عما هو فوق ذلك من القرب من الرحمن فسكنت إلى ذلك المحبوب الخسيس الذي ألمها به أضعاف لذتها ونيله والوصول إليه أكبر أسباب مضرتها فما أوشكه حبيبا يستحيل عدوا عن قريب ويتبرأ منه محبة لو أمكنه حتى كأن لم يكن له بحبيب وإن تمتع به في هذه الدار فسوف يجد به أعظم الألم بعد حين لا سيما إذا صار الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوا إلا المتقين
    فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس وشهوة عاجلة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة وزالت النشوة وبقيت الحسرة فوارحمتاه لصب جمع له بين الحسرتين حسرة فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم وحسرة ما يقاسيه من النصب في العذاب الأليم فهناك يعلم المخدوع أي بضاعة أضاع وأن من كان مالك رقة وقلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع فاي مصيبة أعظم من مصيبة ملك أنزل عن سرير ملكه وجعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيرا وجعل تحت أوامره ونواهيه مقهورا فلو رأيت قلبه وهو في يدمحبوبه لرأيته
    كعصفورة في كف طفل يسومها... حياض الرديء والطفل يلهو ويلعب
    ولو شاهدت حاله وعيشه لقلت
    وما في الأرض أشقى من محب... وإن وجد الهوى حلو المذاق
    تراه باكيا في كل حين... مخافة فرقة أو لاشتياق
    فيبكي إن نأوا شوقا إليهم... ويبكي إن دنوا حذر الفراق
    ولو شاهدت نومه وراحته لعلمت أن المحبة والمنام تعاهدا وتحالفا أن ليس يلتقيان ولو شاهدت فيض مدامعه ولهيب النار في أحشائه لقلت
    سبحان رب العرش متقن صنعه... ومؤلف الأضداد دون تعاند
    قطر تولد عن لهيب في الحشا... ماء ونار في محل واحد
    ولو شاهدت مسلك الحب في القلب وتغلغله فيه لعلمت أن الحب ألطف مسلكا فيه من الأرواح في أبدانها
    فهل يليق بالعاقل أن يبيع هذا الملك المطاع لمن يسومه سوء العذاب ويوقع بينه وبين وليه ومولاه الحق الذي لا غناء له عنه ولا بد له منه أعظم الحجاب فالمحب بمن أحبه قتيل وهوله عبد خاضع ذليل إن دعاه لباه وإن قيل له ما تتمنى فهو غاية ما يتمناه لا يأنس ولا يسكن إلى سواه فحقيق به أن لا يملك رقة إلا لأجل حبيب وأن لا يبيع نصيبه منه بأخس نصيب
    فصل

    إذا عرف هذا فأصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة فهما مبدأ لجميع الأفعال والحركات كما أن البغض والكراهية مبدأ كل ترك وكف إذا قيل إن الترك والكف أمر وجودي كما عليه أكثر الناس وإن قيل إنه عدمي فيكفي في عدمه عدم مقتضيه
    والتحقيق أن الترك نوعان ترك هو أمر وجودي وهو كف النفس ومنعها وحبسها عن الفعل فهذا سببه أمر وجودي وترك هو عدم محض فهذا يكفي فيه عدم المقتضى
    فانقسم الترك إلى قسمين قسم يكفي فيه عدم السبب المقتضى لوجوده وقسم يستلزم وجود السبب الموجب له من البغض والكراهة وهذا السبب لا يقتضي بمجرده كف النفس وحبسها
    والالتئام مسبب عن المحبة والإرادة تقتضي أمرا هو أحب إليه من هذا الذي كف نفسه عنه فيتعارض عنده الأمران فيؤثر خيرهما وأعلاهما وأنفعهما له وأحبهما إليه على أدناهما فلا يترك محبوبا إلا لمحبوب هو أحب إليه منه ولا يرتكب مبغوضا إلا ليتخلص به من مبغوض هو أكره إليه منه
    ثم خاصية العقل واللب: التمييز بين مراتب المحبوبات والمكروهات بقوة العلم والتمييز وإيثار أعلى المحبوبين على أدناهما واحتمال أدنى المكروهين للتخلص من أعلاهما بقوة الصبر والثبات واليقين
    فالنفس لا تترك محبوبا إلا لمحبوب ولا تتحمل مكروها إلا لتحصيل محبوب أو للتخلص من مكروه آخر وهذا التخلص لا تقصده إلا لمنافاته لمحبوبها فصار سعيها في تحصيل محبوبها بالذات وأسبابه بالوسيلة ودفع مبغوضها بالذات وأسبابه بالوسيلة فسعيه في تحصيل محبوبه لما له فيه من اللذة وكذلك سعيه في دفع مكروهه أيضا لما له في دفعه من اللذة كدفع ما يؤلمه من البول والنجو والدم والقيء وما يؤلمه من الحر والبرد والجوع والعطش وغير ذلك
    وإذا علم أن هذا المكروه يفضي إلى ما يحبه يصير محبوبا له وإن كان يكرهه فهو يحبه من وجه ويكرهه من وجه وكذلك إذا علم أن هذا المحبوب يفضي إلى ما يكرهه يصير مكروها له وإن كان يحبه فهو يكرهه من وجه ويحبه من وجه
    فلا يترك الحي ما يحبه ويهواه مع قدرته إلا لما يحبه ويهواه ولا يرتكب ما يكرهه ويخشاه إلا حذار وقوعه فيما يكرهه ويخشاه لكن خاصية العقل أن يترك أدنى المحبوبين وأقلهما نفعا لأعلاهما وأعظمهما نفعا ويرتكب أدنى المكروهين ضررا ليتخلص به من أشدهما ضررا
    فتبين بذلك أن المحبة والإرادة أصل للبغض والكراهة وعلة لهما من غير عكس فكل بغض فهو لمنافاة البغيض للمحبوب ولولا وجود المحبوب لم يكن البغض بخلاف الحب للشيء فإنه قد يكون لنفسه لا لأجل منافاته للبغيض وبغض الانسان لما يضاد محبوبه مستلزم لمحبته لضده وكلما كان الحب أقوى كانت قوة البغض للمنافي أشد
    ولهذا كان أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وكان من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان
    فإن الإيمان علم وعمل والعمل ثمرة العلم وهو نوعان: عمل القلب حبا وبغضا ويترتب عليهما عمل الجوارح فعلا وتركا وهما العطاء والمنع
    فإذا كانت هذه الأربعة لله تعالى كان صاحبها مستكمل الإيمان وما نقص منها فكان لغير الله نقص من إيمانه بحسبه
    فصل

    إذا عرف هذا فكل حركة في العالم العلوي والسفلي فسببها المحبة والارادة وغايتها المحبة والارداة
    فإن الحركات ثلاث: إرادية وطبعية وقسرية
    فإن المتحرك إن كان له شعور بحركته وإرادة لها فحركته إرادية وإن لم يكن له شعور بحركته أو له بها شعور وهو غير مريد لها فحركته إما على وفق طبعه أو على خلافه فالأولى طبعية والثانية قسرية
    أظهر من هذا أن يقال: مبدأ الحركة إما أن يكون أمرا مباينا للمتحرك أو قوة فيه فالأول الحركة فيه قسرية والثاني إما أن يكون له به شعور أم لا فالأول: الحركة فيه إرادية والثاني طبعية فالحركة متى لازمت الشعور والإرادة فهي إرادية ومتى انتفى عنها الأمران فإن كانت بقوة في المتحرك فهي الطبعية وإن كانت من غير قوة في المحرك فهي القسرية
    فكل حركة في السموات والأرض: من حركات الأفلاك والنجوم والشمس والقمر والرياح والسحاب والنبات والحيوان فهي ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسموات والأرض كما قال تعالى: فالمدبرات أمرا. وقال: فالمقسمات أمرا. وهي الملائكة عند أهل الإيمان وأتباع الرسل عليهم السلام وأما المكذبون للرسل المنكرون للصانع فيقولون: هي النجوم
    وقد أشبعنا الرد على هؤلاء في كتابنا الكبير المسمى بالمفتاح وقد دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة وأنها موكلة بأصناف المخلوقات وأنه سبحانه وكل بالجبال ملائكة ووكل بالسحاب والمطر ملائكة ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظه وملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته ووكل بالموت ملائكة ووكل بالسؤال في القبر ملائكة ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها ووكل بالشمس والقمر ملائكة ووكل بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكة ووكل بالجنة وعمارتها وغراسها وعمل الأنهار فيها ملائكة فالملائكة أعظم جنود الله تعالى ومنهم المرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ومنهم: النازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا ومنهم: الصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ومنهم: ملائكة الرحمة وملائكة العذاب وملائكة قد وكلوا بحمل العرش
    وملائكة قد وكلوا بعمارة السموات بالصلاة والتسبيح والتقديس إلى غير ذلك من أصناف الملائكة التي لا يحصيها إلا الله تعالى
    ولفظ الملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر غيره فليس لهم من الأمر شيء بل الأمر له لله الواحد القهار وهم ينفذون أمره لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا تتنزل إلا بأمره ولا تفعل شيئا إلا من بعد إذنه فهم عباد له مكرمون منهم الصافون ومنهم المسبحون ليس منهم إلا من له مقام معلوم لا يتخطاه وهو على عمل قد أمر به لا يقصر عنه ولا يتعداه وأعلاهم الذين عنده سبحانه لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ورؤساؤهم الأملاك الثلاث: جبريل وميكائيل وإسرافيل وكان النبي يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
    فتوسل إليه سبحانه بربويبته العامة والخاصة لهؤلاء الأملاك الثلاثة الموكلين بالحياة
    فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم، فسأله رسوله بربوبيته لهؤلاء أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه لما في ذلك من الحياة النافعة
    وقد أثنى الله سبحانه على عبده جبريل في القرآن أحسن الثناء ووصفه بأجمل الصفات فقال: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين فهذا جبريل فوصفه بأنه رسوله وأنه كريم عنده وأنه ذو قوة ومكانة عند ربه سبحانه وأنه مطاع في السموات وأنه أمين على الوحي
    فمن كرمه على ربه: أنه أقرب الملائكة إليه
    قال بعض السلف: منزلته من ربه منزلة الحاجب من الملك ومن قوته: أنه رفع مدائن قوم لوط على جناحه ثم قلبها عليهم فهو قوي على تنفيذ ما يؤمر به غير عاجز عنه إذ تطيعه أملاك السموات فيما يأمرهم به عن الله تعالى قال ابن جرير في تفسيره عن إسمعيل بن أبي خالد عن أبي صالح: أمين على أن يدخل سبعين سرادقا من نور بغير إذن
    ووصفه بالأمانة يقتضي صدقه ونصحه وإلقاءه إلى الرسل ما أمر به من غير زيادة ولا نقصان ولا كتمان وقد جمع له بين المكانة والأمانة والقوة والقرب من الله
    ونظير الجمع له بين المكانة والأمانة: قول العزيز ليوسف عليه السلام: إنك اليوم لدينا مكين أمين والجمع بين القوة والأمانة: نظير قول ابنة شعيب في موسى عليهما السلام: إن خير من استأجرت القوي الأمين وقال تعالى في وصفه: علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى قال ابن عباس رضي الله عنهما: ذو منظر حسن وقال قتادة: ذو خلق حسن وقال ابن جرير: عنى بالمرة صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات والجسم إذا كان كذلك من الإنسان كان قويا والمرة واحدة المرر وإنما أريد به ذو مرة سوية ومنه قول النبي لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي
    قلت: هذا حجة من قال: المرة القوة في الآية وهو قول مجاهد وابن زيد وهو قول ضعيف لأنه قد وصفه قبل ذلك بأنه شديد القوى
    ولا ريب أن المرة في الحديث هي القوة لا المنظر الحسن فإما أن يقال: المرة تقال على هذا وعلى هذا وإما أن يقال وهو الأظهر: إن المرة هي الصحة والسلامة من الآفات والعاهات الظاهرة والباطنة وذلك يستلزم كمال الخلقة وحسنها وجمالها فإن العاهة والآفة إنما تكون من ضعف الخلقة والتركيب فهي قوة وصحة تتضمن جمالا وحسنا والله تعالى أعلم وقالت اليهود للنبي من صاحبك الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك بالخبر قال: هو جبريل قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال ذاك عدونا لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالنبات والقطر والرحمة فأنزل الله تعالى: من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوك للكافرين
    والمقصود: أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة فهي تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة لكونهم هم المباشرين للتدبير كقوله فالمدبرات أمرا ويضيف التدبير إليه كقوله: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر وقوله: قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فهو المدبر أمرا وإذنا ومشيئة والملائكة المدبرات مباشرة وامتثالا
    وهذا كما أضاف التوفي إليهم تارة كقوله: توفته رسلنا وإليه تارة كقوله: الله يتوفى الأنفس ونظائره

  • صفحة 24 من 33 الأولىالأولى ... 142223242526 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 12 (0 من الأعضاء و 12 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. حوار مع الشيطان
      بواسطة king-of-nothing في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 08-03-2010, 11:35 PM
    2. الشيطان
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 07-19-2010, 06:06 PM
    3. كن مثل الشيطان
      بواسطة nano في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 07-11-2010, 10:47 PM
    4. الكبرياء خلة الشيطان
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 02:25 AM
    5. الشيطان المثقف !!!
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 05-01-2010, 11:30 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1