صفحة 31 من 33 الأولىالأولى ... 212930313233 الأخيرةالأخيرة
النتائج 121 إلى 124 من 132

الموضوع: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان


  1. #121
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وهؤلاء هم الذين أوجبوا لأعداء الرسل من الفلاسفة والملاحدة أن يتمسكوا بما هم عليه فإنهم شرحوا لهم دينهم الذي جاء به المسيح على هذا الوجه ولا ريب أن هذا دين لا يقبله عاقل فتواصى أولئك بينهم أن يتمسكوا بما هم عليه وساءت ظنونهم بالرسل والكتب ورأوا أن ما هم عليه من الآراء أقرب إلى المعقول من هذا الدين وقال لهم هؤلاء الحيارى الضلال: إن هذا هو الحق الذي جاء به المسيح فتركب من هذين الظنين الفاسدين إساءة الظن بالرسل وإحسان الظن بما هم عليه
    ولهذا قال بعض ملوك الهند وقد ذكرت له الملل الثلاث فقال: أما النصارى فإن كان محاربوهم من أهل الملل يحاربونهم بحكم شرعي فإني أرى ذلك بحكم عقلي وإن كنا لا نرى بحكم عقولنا قتالا ولكن أستثني هؤلاء القوم من بين جميع العوالم
    لأنهم قصدوا مضادة العقل وناصبوه العداوة وحلوا ببيت الاستحالات وحادوا عن المسلك الذي انتهجه غيرهم من أهل الشرائع فشذوا عن جميع مناهج العالم الصالحة العقلية والشرعية واعتقدوا كل مستحيل ممكنا وبنوا على ذلك شريعة لا تؤدى ألبتة إلى صلاح نوع من أنواع العالم إلا أنها تصير العاقل إذا تشرع بها أخرق والرشيد سفيها والمحسن مسيئا لأن من كان أصل عقيدته التي جرى نشوءه عليها: الإساءة إلى الخالق والنيل منه ووصفه بضد صفاته الحسنى فأخلق به أن يستسهل الإساءة إلى المخلوق مع ما بلغنا عنهم من الجهل وضعف العقل وقلة الحياء وخساسة الهمة فهذا وقد ظهر له من باطلهم وضلالهم غيض من فيض وكانوا إذ ذاك أقرب عهدا بالنبوة
    وقال أفلاطون رئيس سدنة الهياكل بمصر وليس بأفلاطون تلميذ سقراط إذ ذاك أقدم من هذا: لما ظهر محمد بتهامة ورأينا أمره يعلو على الأمم المجاورة له رأينا أن نقصد اصطمر البابلي لنعلم ما عنده ونأخذ برأيه فلما اجتمعنا على الخروج من مصر رأينا أن نصير إلى قراطيس معلمنا وحكيمنا لنودعه فلما دخلنا عليه ورأى جمعنا أيقن أن الهياكل قد خلت منا فغشى عليه حينا غشية ظننا أنه فارق الحياة فيها فبكينا فأومأ إلينا أن كفوا عن البكاء فتصبرنا جهدنا حتى هدأ وفتح عينيه وقال: هذا ما كنت أنهاكم عنه وأحذركم منه إنكم قوم غيرتم فغير بكم أطعتم جهالا من ملوككم فخلطوا عليكم في الأدعية فقصدتم البشر من التعظيم بما هو للخالق وحده فكنتم في ذلك كمن أعطى القلم مدحة الكاتب وإنما حركة القلم بالكاتب
    ومن المعلوم أن هذه الأمة ارتكبت محذورين عظيمين لا يرضى بهما ذو عقل ولا معرفة
    أحدهما: الغلو في المخلوق حتى جعلوه شريك الخالق وجزءا منه وإلها آخر معه وأنفوا أن يكون عبدا له والثاني: تنقص الخالق وسبه ورميه بالعظائم حيث زعموا أنه سبحانه وتعالى عن قولهم علوا كبيرا نزل من العرش عن كرسي عظمته ودخل في فرج امرأة وأقام هناك تسعة أشهر يتخبط بين البول والدم والنجو وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن ثم خرج من حيث دخل رضيعا صغيرا يمص الثدي ولف في القمط وأودع السرير يبكي ويجوع ويعطش ويبول ويتغوط ويحمل على الأيدي والعواتق ثم صار إلى أن لطمت اليهود خديه وربطوا يديه وبصقوا في وجهه وصفعوا قفاه وصلبوه جهرا بين لصين وألبسوه إكليلا من الشوك وسمروا يديه ورجليه وجرعوه أعظم الآلام هذا هو الإله الحق الذي بيده أتقنت العوالم وهو المعبود المسجود له
    ولعمر الله إن هذه مسبة لله سبحانه ما سبه بها أحد من البشر قبلهم ولا بعدهم
    كما قال تعالى فيما يحكي عنه رسوله الذي نزهه ونزه أخاه المسيح عن هذا الباطل الذي: تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدزا فقال: شتمنى ابن آدم وما ينبغى له ذلك وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك أما شتمه إياى فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما تكذيبه إياى فقوله: لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في هذه الأمة: أهينوهم ولا تظلموهم فلقد سبوا الله تعالى مسبة ما سبه إياها أحد من البشر ولعمر الله إن عباد الأصنام مع أنهم أعداء الله تعالى على الحقيقة وأعداء رسله عليهم السلام وأشد الكفار كفرا يأنفون أن يصفوا آلهتهم التي يعبدونها من دون الله تعالى وهي من الحجارة والحديد والخشب بمثل ما وصفت به هذه الأمة رب العالمين وإله السموات والأرضين وكان الله تعالى في قلوبهم أجل وأعظم من أن يصفوه بذلك أو بما يقاربه وإنما شرك القوم: أنهم عبدوا من دونه آلهة مخلوقة مربوبة محدثة وزعموا أنها تقربهم إليه لم يجعلوا شيئا من آلهتهم كفوا له ولا نظيرا ولا ولدا ولم ينالوا من الرب تعالى ما نالت منه هذه الأمة وعذرهم في ذلك أقبح من قولهم فإن أصل معتقدهم: أن أرواح الأنبياء عليهم السلام كانت في الجحيم في سجن إبليس من عهد آدم إلى زمن المسيح فكان إبراهيم وموسى ونوح وصالح وهود معذبين مسجونين في النار بسبب خطيئة آدم عليه السلام وأكله من الشجرة وكان كلما مات واحد من بني آدم أخذه إبليس وسجنه في النار بذنب أبيه ثم إن الله سبحانه وتعالى لما أراد رحمتهم وخلاصهم من العذاب تحيل على إبليس بحيلة فنزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن مريم حتى ولد وكبر وصار رجلا فمكن أعداءه اليهود من نفسه حتى صلبوه وتوجوه بالشوك على رأسه فخلص أنبياءه ورسله وفداهم بنفسه ودمه فهرق دمه في مرضاة جميع ولد آدم إذ كان ذنبه باقيا في أعناق جميعهم فخلصهم منه بأن مكن أعداءه من صلبه وتسميره وصفعه إلا من أنكر صلبه أو شك فيه أو قال: بأن إلاله يجل عن ذلك فهو في سجن إبليس معذب حتى يقر بذلك وأن إلهه صلب وصفع وسمر فنسبوا الإله الحق سبحانه إلى ما يأنف أسقط الناس وأقلهم أن يفعله بمملوكه وعبده وإلى ما يأنف عباد الأصنام أن ينسب إليه أوثانهم وكذبوا الله تعالى في كونه تاب على آدم عليه السلام وغفر له خطيئته ونسبوه إلى أقبح الظلم حيث زعموا أنه سجن أنبياءه ورسله وأولياءه في الجحيم بسبب خطيئة أبيهم ونسبوه إلى غاية السفه حيث خلصهم من العذاب بتمكينه أعداءه من نفسه حتى قتلوه وصلبوه وأراقوا دمه ونسبوه إلى غاية العجز حيث عجزوه أن يخلصهم بقدرته من غير هذه الحيلة ونسبوه إلى غاية النقص حيث سلط أعداءه على نفسه وابنه ففعلوا به ما فعلوا وبالجملة فلا نعلم أمة من الأمم سبت ربها ومعبودها وإلهها بما سبت به هذه الأمة كما قال عمر رضي الله عنه: إنهم سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر وكان بعض أئمة الاسلام إذا رأى صليبيا أغمض عينيه عنه وقال: لا أستطيع أن أملأ عيني ممن سب إلهه ومعبوده بأقبح السب ولهذا قال عقلاء الملوك: إن جهاد هؤلاء واجب شرعا وعقلا فإنهم عار على بني آدم مفسدون للعقول والشرائع
    وأما شريعتهم ودينهم فليسوا متمسكين بشيء من شريعة المسيح ولا دينه ألبته
    فأول ذلك أمر القبلة فإنهم ابتدعوا الصلاة إلى مطلع الشمس مع علمهم أن المسيح عليه السلام لم يصل إلى المشرق أصلا بل قد نقل مؤرخوهم أن ذلك حدث بعد المسيح بنحو ثلثمائة سنة وإلا فالمسيح إنما كان يصلي إلى قبلة بيت المقدس وهي قبلة الأنبياء قبله وإليها كان يصلي النبي مدة مقامه بمكة وبعد هجرته ثمانية عشر شهرا ثم نقله الله تعالى إلى قبلة أبيه إبراهيم
    ومن ذلك: أن طوائف منهم وهم الروم وغيرهم لا يرون الاستنجاء بالماء فيبول أحدهم ويتغوط ويقوم بأثر البول والغائط إلى صلاته بتلك الرائحة الكريهة فيستقبل المشرق ويصلب على وجهه ويحدث من يليه بأنواع الحديث كذبا كان أو فجورا أو غيبة أو سبا وشتما ويخبره بسعر الخمر ولحم الخنزير وما شاكل ذلك ولا يضر ذلك في الصلاة ولا يبطلها وإن دعته الحاجة إلى البول في الصلاة بال وهو يصلي صلاته
    وكل عاقل يعلم أن مواجهة إله العالمين بهذه العبادة قبيح جدا وصاحبها إلى استحقاق غضبه وعقابه أقرب منه إلى الرضا والثواب ومن العجيب أنهم يقرؤن في التوراة ملعون من تعلق بالصليب وهم قد جعلوا شعار دينهم ما يلعنون عليه ولو كان لهم أدنى عقل لكان الأولى بهم أن يحرقوا الصليب حيث وجدوه ويكسروه ويضمخوه بالنجاسة فإنه قد صلب عليه إلههم ومعبودهم بزعمهم وأهين عليه وفضح وخزي
    فيا للعجب بأي وجه بعد هذا يستحق الصليب التعظيم لولا أن القوم أضل من الأنعام
    وتعظيمهم للصليب مما ابتدعوه في دين المسيح بعده بزمان ولا ذكر له في الإنجيل البتة وإنما ذكر في التوراة باللعن لمن تعلق به فاتخذته هذه الأمة معبودا يسجدون له
    وإذا اجتهد أحدهم في اليمين بحيث لا يحنث ولا يكذب حلف بالصليب ويكذب إذا حلف بالله ولا يكذب إذا حلف بالصليب ولو كان لهذه الأمة أدنى مسكة من عقل لكان ينبغي لهم أن يلعنوا الصليب من أجل معبودهم وإلههم حين صلب عليه كما قالوا: إن الأرض لعنت من أجل آدم حين أخطأ وكما لعنت الأرض حين قتل قابيل أخاه وكما في الإنجيل: إن اللعنة تنزل على الأرض إذا كان أمراؤها الصبيان
    فلو عقلوا لكان ينبغي لهم أن لا يحملوا صليبا ولا يمسوه بأيديهم ولا يذكروه بألسنتهم وإذا ذكر لهم سدوا مسامعهم عن ذكره ولقد صدق القائل: عدو عاقل خير من صديق أحمق لأنهم بحمقهم قصدوا تعظيم المسيح فاجتهدوا في ذمه وتنقصه والإزراء به والطعن عليه وكان مقصودهم بذلك التشنيع على اليهود وتنفير الناس عنهم وإغراءهم بهم فنفروا الأمم عن النصرانية وعن المسيح ودينه أعظم تنفير وعلموا أن الدين لا يقوم بذلك فوضع لهم رهبانهم وأساقفتهم من الحبل والمخاريق وأنواع الشعبذة ما استمالوا به الجهال وربطوهم به وهم يستجيزون ذلك ويستحسنونه ويقولون: يشد دين النصرانية وكأنهم إنما عظموا الصليب لما رأوه قد ثبت لصلب إلههم ولم ينشق ولم يتطاير ولم يتكسر من هيبته لما حمل عليه وقد ذكروا أن الشمس اسودت وتغير حال السماء والأرض فلما لم يتغير الصليب ولم يتطاير استحق عندهم التعظيم وأن يعبد ولقد قال بعض عقلائهم: إن تعظيمنا للصليب جار مجرى تعظيم قبور الأنبياء فإنه كان قبر المسيح وهو عليه ثم لما دفن صار قبره في الأرض وليس وراء هذا الحمق والجهل حمق فإن السجود لقبور الأنبياء وعبادتها شرك بل من أعظم الشرك وقد لعن إمام الحنفاء وخاتم الأنبياء اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأصل الشرك وعبادة الأوثان من العكوف على القبور واتخاذها مساجد
    ثم يقال: فأنتم تعظمون كل صليب لا تخصون التعظيم بذلك الصليب بعينه فإن قلتم: الصليب من حيث هو يذكر بالصليب الذي صلب عليه إلهنا
    قلنا: وكذلك الحفر تذكر بحفرته فعظموا كل حفرة واسجدوا لها لأنها كحفرته أيضا بل أولى لأن خشبة الصلب لم يستقر عليها استقراره في الحفرة
    ثم يقال: اليد التي مسته أولى أن تعظم من الصليب فعظموا أيدي اليهود لمسهم إياه وإمساكهم له ثم انقلوا ذلك التعظيم إلى سائر الأيدي
    فإن قلتم: منع من ذلك مانع العداوة فعندكم أنه هو الذي رضي بذلك واختاره ولو لم يرض به لم يصلوا إليه منه فعلى هذا فينبغي لكم أن تشكروهم وتحمدوهم إذ فعلوا مرضاته واختياره الذي كان سبب خلاص جميع الأنبياء والمؤمنين والقديسين من الجحيم ومن سجن إبليس فما أعظم منة اليهود عليكم وعلى آبائكم وعلى سائر النبيين من لدن آدم عليه السلام إلى زمن المسيح والمقصود: أن هذه الأمة جمعت بين الشرك وعيب الإله وتنقصه وتنقص نبيعهم وعيبه ومفارقة دينه بالكلية فلم يتمسكوا بشيء مما كان عليه المسيح لا في صلاتهم ولا في صيامهم ولا في أعيادهم بل هم في ذلك أتباع كل ناعق مستجيبون لكل ممخرق ومبطل أدخلوا في الشريعة ما ليس منها وتركوا ما أتت به
    وإذا شئت أن ترى التغيير في دينهم فانظر إلى صيامهم الذي وضعوه لملوكهم وعظمائهم فلهم صيام للحواريين وصيام لماري مريم وصيام لماري جرجس وصيام للميلاد وتركهم أكل اللحم في صيامهم مما أدخلوه في دين المسيح وإلا فهم يعلمون أن المسيح عليه السلام كان يأكل اللحم ولم يمنعهم منه لا في صوم ولا فطر وأصل ذلك: أن المانوية كانوا لا يأكلون ذا روح فلما دخلوا في النصرانية خافوا أن يتركوا أكل اللحم فيقتلوا فشرعوا لأنفسهم صياما فصاموا للميلاد والحواريين وماري مريم وتركوا في هذا الصوم أكل اللحم محافظة على ما اعتادوه من مذهب ماني فلما طال الزمان تبعهم على ذلك النسطورية واليعقوبية فصارت سنة متعارفة بينهم ثم تبعهم على ذلك الملكانية


  • #122
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فصل

    ثم إنك إذا كشفت عن حالهم وجدت أئمة دينهم ورهبانهم قد نصبوا حبائل الحيل ليقتنصوا بها عقول العوام ويتوصلوا بالتمويه والتلبيس إلى استمالتهم وانقيادهم واستدرار أموالهم وذلك أشهر وأكثر من أن يذكر
    فمن ذلك: ما يعتمدونه في العيد الذي يسمونه عيد النور ومحله بيت المقدس فيجتمعون من سائر النواحي في ذلك اليوم ويأتون إلى بيت فيه قنديل معلق لا نار فيه فيتلوا أحبارهم الإنجيل ويرفعون أصواتهم ويبتهلون في الدعاء فبيناهم كذلك وإذا نار قد نزلت من سقف البيت فتقع على ذبالة القنديل فيشرق ويضىء ويشتعل فيضجون ضجة واحدة ويصلبون على وجوههم ويأخذون في البكاء والشهيق
    قال أبو بكر الطرطوشي: كنت ببيت المقدس وكان واليها إذ ذاك رجلا يقال له سقمان فلما نما خبر هذا العيد إليه أنفذ إلى بتاركتهم وقال: أنا نازل إليكم في يوم هذا العيد لأكشف عن حقيقة ما تقولون فإن كان حقا ولم يتضح لي وجه الحيلة فيه أقررتكم عليه وعظمته معكم بعلم وإن كان مخرقة على عوامكم أوقعت بكم ما تكرهونه فصعب ذلك عليهم جدا وسألوه أن لا يفعل فأبى ولج فحملوا له مالا عظيما فأخذه وأعرض عنهم
    قال الطرطوشي: ثم اجتمعت بأبي محمد بن الأقدم بالإسكندرية فحدثني أنهم يأخذون خيطا دقيقا من نحاس وهو الشريط ويجعلونه في وسط قبة البيت إلى رأس الفتيلة التي في القنديل ويدهنونه بدهن اللبان والبيت مظلم بحيث لا يدرك الناظرون الخيط النحاس وقد عظموا ذلك البيت فلا يمكنون كل أحد من دخوله وفي رأس القبة رجل فإذا قدسوا ودعوا ألقى على ذلك الخيط النحاس شيئا من نار النفط فتجرى النار مع دهن اللبان إلى آخر الخيط النحاس فتلقى الفتيلة فيتعلق بها
    فلو نصح أحد منهم نفسه وفتش على نجاته لتتبع هذا القدر وطلب الخيط النحاس وفتش رأس القبة ليرى القبة ليرى الرجل والنفط ويرى أن منبع ذلك النور من ذلك الممخرق الملبس وأنه لو نزل من السماء لظهر من فوق ولم يكن ظهوره من الفتيلة
    ومن حيلهم أيضا: أنه قد كان بأرض الروم في زمان المتوكل كنيسة إذا كان يوم عيدها يحج الناس إليها ويجتمعون عند صنم فيها فيشاهدون ثدي ذلك الصنم في ذلك اليوم يخرج منه اللبن وكان يجتمع للسادن في ذلك اليوم مال عظيم فبحث الملك عنها فانكشف له أمرها فوجد القيم قد ثقب من وراء الحائط ثقبا إلى ثدى الصنم وجعل فيها أنبوبة من رصاص وأصلحها بالجبس ليخفى أمرها فإذا كان يوم العيد فتحها وصب فيها اللبن فيجرى إلى الثدي فيقطر منه فيعتقد الجهال أن هذا سر في الصنم وأنه علامة من الله تعالى لقبول قربانهم وتعظيمهم له فلما انكشف له ذلك أمر بضرب عنق السادن ومحو الصور من الكنائس وقال: إن هذه الصور مقام الأصنام فمن سجد للصورة فهو كمن سجد للأصنام
    ولقد كان من الواجب على ملوك الإسلام أن يمنعوا هؤلاء من هذا وأمثاله لما فيه من الإعانة على الكفر وتعظيم شعائره فالمساعد على ذلك والمعين عليه شريك للفاعل لكن لما هان عليهم دين الإسلام وكان السحت الذي يأخذونه منهم أحب إليهم من الله تعالى ورسوله أقروهم على ذلك ومكنوهم منه
    فصل

    والمقصود: أن دين الأمة الصليبية بعد أن بعث الله تعالى محمدا بل قبله بنحو ثلاثمائة سنة مبني على معاندة العقول والشرائع وتنقص إله العالمين ورميه بالعظائم فكل نصراني لا يأخذ بحظه من هذه البلية فليس بنصراني على الحقيقة
    أفليس هو الدين الذي أسسه أصحاب المجامع المتلاعنين على أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد
    فيا عجبا كيف رضى العاقل أن يكون هذا مبلغ عقله ومنتهى علمه أفترى لم يكن في هذه الأمة من يرجع إلى عقله وفطرته ويعلم أن هذا عين المحال وإن ضربوا له الأمثال واستخرجوا له الأشباه فلا يذكرون مثالا ولا شبها إلا وفيه بيان خطئهم وضلالهم كتشبيه بعضهم اتحاد اللاهوت بالناسوت وامتزاجه به باتحاد النار والحديد وتمثيل غيرهم ذلك باختلاط الماء باللبن وتشبيه آخرين ذلك بامتزاج الغذاء واختلاطه بأعضاء البدن إلى غير ذلك من الأمثال والمقاييس التي تتضمن امتزاج حقيقتين واختلاطهما حتى صارا حقيقة أخرى تعالى الله تعالى عن إفكهم وكذبهم ولم يقنعهم هذا القول في رب السموات والأرض حتى اتفقوا بأسرهم على أن اليهود أخذوه وساقوه بينهم ذليلا مقهورا وهو يحمل خشبته التي صلبوه عليها واليهود يبصقون في وجهه ويضربونه ثم صلبوه وطعنوه بالحربة حتى مات وتركوه مصلوبا حتى التصق شعره بجلده لما يبس دمه بحرارة الشمس ثم دفن وأقام تحت التراب ثلاثة أيام ثم قام بلاهوتيته من قبره
    هذا قول جميعهم ليس فيهم من ينكر منه شيئا
    فيا للعقول ! كيف كان حال هذا العالم الأعلى والأسفل في هذه الأيام الثلاثة ومن كان يدبر أمر السموات والأرض ومن الذي خلف الرب سبحانه وتعالى في هذه المدة ومن الذي كان يمسك السماء أن تقع على الأرض وهو مدفون في قبره
    ويا عجبا ! هل دفنت الكلمة معه بعد أن قتلت وصلبت أم فارقته وخذلته أحوج ما كان إلى نصرها له كما خذله أبوه وقومه فإن كانت قد فارقته وتجرد منها فليس هو حينئذ المسيح وإنما هو كغيره من آحاد الناس وكيف يصح مفارقتها له بعد أن اتحدت به وما زجت لحمه ودمه وأين ذهب الاتحاد والامتزاج وإن كانت لم تفارقه وقتلت وصلبت ودفنت معه فكيف وصل المخلوق إلى قتل الإله وصلبه ودفنه ويا عجبا ! أي قبر يسع إله السموات والأرض هذا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون
    الحمد لله ثم الحمد لله تعالى الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
    يا ذا الجلال والإكرام كما هديتنا للإسلام أسألك أن لا تنزعه عنا حتى تتوفانا على الإسلام
    أعُبًّادَ المسيح ِ لنا سؤالٌ ... نريدُ جوابه ممن وعاهُ
    إذا مات الإله بصنع قومٍ ... أماتوه . فما هذا الإلهُ ؟
    وهل أرضاه ما نالوه منه ؟ ... فبشراهم إذا نالوا رضاه
    وإن سَخِط الذي فعلوه فيه ... فقوتهم إذن أوهت قواه
    وهل بقي الوجود بلا إلهٍ ... سميع ٍ يستجيب لمن دعاه ؟
    وهل خلت الطباق السبع لما ... ثوى تحت التراب ، وقد علاه ؟
    وهل خلت العوالم من إلهٍ ... يدبرها ، وقد سُمّرَتْ يداه ؟
    وكيف تخلت الأملاك عنه ... بنصرهم ، وقد سمعوا بكاه ؟
    وكيف أطاقت الخشبات حمل ... إله الحق شد على قفاه ؟
    وكيف دنا الحديد إليه حتى ... يخالطه ، ويلحقه أذاه ؟
    وكيف تمكنت أيدي عداه ... وطالت حيث قد صفعوا قفاه ؟
    وهل عاد المسيح إلى حياةٍ ... أم المحيي له رب سواه ؟
    ويا عجبا لقبرٍ ضم ربا ... وأعجب منه بطن قد حواه
    أقام هناك تسعا من شهورٍ ... لدى الظلمات من حيض غذاه
    وشق الفرج مولودا صغيرا ... ضعيفا ، فاتحا للثدي فاه
    ويأكل ، ثم يشرب ، ثم يأتي ... بلازم ذاكَ ، هل هذا إله ؟
    تعالى الله عن إفك النصارى ... سيُسئلُ كلهم عما افتراه
    أعُبَّادَ الصليب ِ .. لأي معنى ... يعظم أو يقبح من رماه ؟
    وهل تقضي العقول بغير كسرٍ ... وإحراق ٍله ، و لمن بغاه ؟
    إذا ركب الإله عليه كرها ... وقد شدت لتسميرٍ يداه
    فذاك المركب الملعون حقا ... فَدُسْه لا تَبُسْه إذ تراه
    يهان عليه رب الخلق طُرا ... وتعبده ؟ فإنك من عداه
    فإن عظمته من أجل أن قد ... حوى رب العباد ، وقد علاه
    وقد فقد الصليب ، فإن رأينا ... له شكلا تذكرنا سناه
    فهلًّا للقبور سجدت طُرا ... لضم القبر ربك في حشاه ؟
    فيا عبد المسيح أفق ، فهذا ... بدايته ، وهذا منتهاه


  • #123
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فصل

    فقد بان لكل ذي عقل أن الشيطان تلاعب بهذه الأمة الضالة كل التلاعب ودعاهم فأجابوه واستخفهم فأطاعوه فتلاعب بهم في شأن المعبود سبحانه وتعالى
    وتلاعب بهم في أمر المسيح
    وتلاعب بهم في شأن الصليب وعبادته
    وتلاعب بهم في تصوير الصور في الكنائس وعبادتها فلا تجد كنيسة من كنائسهم تخلو عن صورة مريم والمسيح وجرجس وبطرس وغيرهم من القديسين عندهم والشهداء وأكثرهم يسجدون للصور ويدعونها من دون الله تعالى حتى لقد كتب بطريق الاسكندرية إلى ملك الروم كتابا يحتج فيه للسجود للصور: بأن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يصور في قبة الزمان صورة الساروس وبأن سليمان بن داود لما عمل الهيكل عمل صورة الساروس من ذهب ونصبها داخل الهيكل ثم قال في كتابه: وإنما مثال هذا مثال الملك يكتب إلى بعض عماله كتابا فيأخذه العامل ويقبله ويضعه على عينيه ويقوم له لا تعظيما للقرطاس والمداد بل تعظيما للملك كذلك السجود للصور تعظيم لاسم ذلك المصور لا للأصباغ والألوان
    وبهذا المثال بعينه عبدت الأصنام
    وما ذكره هذا المشرك عن موسى وسليمان عليهما السلام لو صح لم يكن فيه دليل على السجود للصور وغايته: أن يكون بمثابة ما يذكر عن داود: أنه نقش خطيئته في كفه كيلا ينساها فأين هذا مما يفعله هؤلاء المشركون: من التذلل والخضوع والسجود بين يدي تلك الصور وإنما المثال المطابق لما يفعله هؤلاء المشركون مثال خادم من خدام الملك دخل على رجل فوثب الرجل من مجلسه وسجد له وعبده وفعل به ما لا يصلح أن يفعل إلا مع الملك
    وكل عاقل يستجهله ويستحمقه في فعله إذ قد فعل مع عبد الملك ما كان ينبغي له أن يخص به الملك دون عبيده: من الإكرام والخضوع والتذلل ومعلوم أن هذا إلى مقت الملك له وسقوطه من عينه أقرب منه إلى إكرام له ورفع منزلته
    كذلك حال من سجد لمخلوق أو لصورة مخلوق لأنه عمد إلى السجود الذي هو غاية ما يتوصل به العبد إلى رضا الرب ولا يصلح إلا له ففعله لصورة عبد من عبيده وسوى بين الله وبين عبده في ذلك وليس وراء هذا في القبح والظلم شيء
    ولهذا قال تعالى: إن الشرك لظلم عظيم وقد فطر الله سبحانه عباده على استقباح معاملة عبيد الملك وخدمه بالتعظيم والإجلال والخضوع والذل الذي يعامل به الملك فكيف حال من فعل ذلك بأعداء الملك فإن الشيطان عدو الله والمشرك إنما يشرك به لا بولي الله ورسوله بل رسول الله وأولياؤه بريئون ممن أشرك بهم معادون لهم أشد الناس مقتا لهم فهم في نفس الأمر إنما أشركوا بأعداء الله وسووا بينهم وبين الله في العبادة والتعظيم والسجود والذل ولهذا كان بطلان الشرك وقبحه معلوما بالفطرة السليمة والعقول الصحيحة والعلم بقبحه أظهر من العلم بقبح سائر القبائح والمقصود: ذكر تلاعب الشيطان بهذه الأمة في أصول دينهم وفروعه كتلاعبه بهم في صيامهم فإن أكثر صومهم لا أصل له في شرع المسيح بل هو مختلق مبتدع فمن ذلك: أنهم زادوا جمعة في بدء الصوم الكبير يصومونها لهرقل مخلص بيت المقدس وذلك أن الفرس لما ملكوا بيت المقدس وقتلوا النصارى وهدموا الكنائس أعانهم اليهود على ذلك وكانوا أكثر قتلا وفتكا في النصارى من الفرس
    فلما سار هرقل إليه استقبله اليهود بالهدايا وسألوه أن يكتب لهم عهدا ففعل فلما دخل بيت المقدس شكا إليه من فيه من النصارى ما كان اليهود صنعوه بهم
    فقال لهم هرقل: وما تريدون مني قالوا: تقتلهم قال: كيف أقتلهم وقد كتبت لهم عهدا بالأمان وأنتم تعلمون ما يجب على ناقض العهد
    فقالوا له: إنك حين أعطيتهم الأمان لم تدر ما فعلوا من قتل النصارى وهدم الكنائس وقتلهم قربان إلى الله تعالى ونحن نتحمل عنك هذا الذنب ونكفره عنك ونسأل المسيح أن لا يؤاخذك به ونجعل لك جمعة كاملة في بدء الصوم نصومها لك ونترك فيها أكل اللحم ما دامت النصرانية ونكتب به إلى جميع الآفاق غفرانا لما سألناك
    فأجابهم وقتل من اليهود حول بيت المقدس وجبل الخليل مالا يحصى كثرة
    فصيروا أول جمعة من الصوم الذي يترك فيه الملكية أكل اللحم يصومونها لهرقل الملك غفرانا لنقضه العهد وقتل اليهود وكتبوا بذلك إلى الآفاق
    وأهل بيت المقدس وأهل مصر يصومونها وبقية أهل الشام والروم يتركون اللحم فيه ويصومون الأربعاء والجمعة
    وكذلك لما أرادوا نقل الصوم إلى فصل الربيع المعتدل وتغيير شريعة المسيح زادوا فيه عشرة أيام عوضا وكفارة لنقلهم له ومن ذلك: تلاعبه في أعيادهم: فكلها موضوعة مختلقة محدثة بآرائهم واستحسانهم فمن ذلك: عيد ميكائيل وسببه: أنه كان بالاسكندرية صنم وكان جميع من بمصر والإسكندرية يعيدون له عيدا عظيما ويذبحون له الذبائح فولي بتركة الاسكندرية واحدا منهم فأراد أن يكسره ويبطل الذبائح فامتنعوا عليه فاحتال عليهم وقال إن هذا الصنم لا ينفع ولا يضر فلو جعلتم هذا العيد لميكائيل ملك الله تعالى وجعلتم هذه الذبائح له كان يشفع لكم عند الله وكان خيرا لكم من هذا الصنم فأجابوه إلى ذلك فكسر الصنم وصيره صلبانا وسمى الكنيسة كنيسة ميكائيل وسماها قيسارية ثم احترقت الكنيسة وخربت وصيروا العيد والذبائح لميكائيل فنقلهم من كفر إلى كفر ومن شرك إلى شرك
    فكانوا في ذلك كمجوسي أسلم فصار رافضيا فدخل الناس عليه يهنئونه فدخل عليه رجل وقال: إنك إنما انتقلت من زاوية من النار إلى زاوية أخرى
    ومن ذلك عيد الصليب وهو مما اختلقوه وابتدعوه فإن ظهور الصليب إنما كان بعد المسيح بزمن كثير وكان الذي أظهره زورا وكذبا أخبرهم به بعض اليهود أن هذا هو الصليب الذي صلب عليه إلهم وربهم فانظر إلى هذا السند وهذا الخبر فاتخذوا ذلك الوقت الذي ظهر فيه عيدا وسموه عيد الصليب ولو أنهم فعلوا كما فعل أشباههم من الرافضة حيث اتخذوا وقت قتل الحسين رضي الله عنه مأتما وحزنا لكان أقرب إلى العقول
    وكان من حديث الصليب: أنه لما صلب المسيح على زعمهم الكاذب وقتل ودفن رفع من القبر إلى السماء وكان التلاميذ كل يوم يصيرون إلى القبر إلى موضع الصلب ويصلون فقالت اليهود: إن هذا الموضع لا يخفى وسيكون له نبأ وإذا رأى الناس القبر خاليا آمنوا به فطرحوا عليه التراب والزبل حتى صار مزبلة عظيمة فلما كان في أيام قسطنطين الملك جاءت زوجته إلى بيت المقدس تطلب الصليب فجمعت من اليهود والسكان ببيت المقدس وجبل الخليل مائة رجل واختارت منهم عشرة واختارت من العشرة ثلاثة اسم أحدهم يهوذا فسألتهم أن يدلوها على الموضع فامتنعوا وقالوا: لا علم لنا بالموضع فطرحتهم في الحبس في جب لا ماء فيه فأقاموا سبعة أيام لا يطعمون ولا يسقون فقال يهوذا لصاحبيه: إن أباه عرفه بالموضع الذي تطلب فصاح الإثنان فأخرجوهما فخبراها بما قال يهوذا فأمرت بضربه بالسياط فأقر وخرج إلى الموضع الذي فيه المقبرة وكان مزبلة عظيمة فصلى وقال: اللهم إن كان في هذا الموضع فاجعله أن يتزلزل ويخرج منه دخان فتزلزل الموضع وخرج منه دخان فأمرت الملكة بكنس الموضع من التراب فظهرت المقبرة وأصابوا ثلاثة صلبان فقالت الملكة: كيف لنا أن نعلم صليب سيدنا المسيح وكان بالقرب منهم عليل شديد العلة قد أيس منه فوضع الصليب الأول عليه ثم الثاني ثم الثالث فقام عند الثالث واستراح من علته فعلمت أنه صليب المسيح فجعلته في غلاف من ذهب وحملته إلى قسطنطين
    وكان من ميلاد المسيح إلى ظهور هذا الصليب: ثلاثمائة وثمانية وعشرون سنة
    هذا كله نقله سعيد بن بطريق النصراني في تاريخه
    والمقصود: أنهم ابتدعوا هذا العيد بنقل علمائهم بعد المسيح بهذه المدة.
    وبعد فسند هذه الحكاية من بين يهودي ونصراني مع انقطاعها وظهور الكذب فيها لمن له عقل من وجوه كثيرة ويكفي في كذبها وبيان اختلاقها: أن ذلك الصليب الذي شفي العليل كان أولى أن لا يميت الإله الرب المحيي المميت ومنها: أنه إذا بقي تحت التراب خشب ثلثمائة وثمانية وعشرون سنة فإنه ينخر ويبلى لدون هذه المدة فإن قال عباد الصليب: إنه لما مس جسم المسيح حصل له الثبات والقوه والبقاء قيل لهم: فما بال الصليبين الباقيين لم يتفتتا واشتبها به فلعلهم يقولون: لما مست صليبه مسها البقاء والثبات وجهل القوم وحمقهم أعظم من ذلك والرب سبحانه لما تجلى للجبل تدكدك الجبل وساخ في الأرض ولم يثبت لتجليه فكيف تثبت الخشبة لركوبه عليها في تلك الحال
    ولقد صدق القائل: إن هذه الأمة عار على بني آدم أن يكونوا منهم فإن كانت هذه الحكاية صحيحة فما أقربها من حيل اليهود التي تخلصوا بها من الحبس والهلاك وحيل بني آدم تصل إلى أكثر من ذلك بكثير ولا سيما لما علم اليهود أن ملكة دين النصرانية قاصدة إلى بيت المقدس وأنها تعاقبهم حتى يدلوها على موضع القتل والصلب وعلموا أنهم إن لم يفعلوا لم يتخلصوا من عقوبتها
    ومنها: أن عباد الصليب يقولون: إن المسيح لما قتل غار دمه ولو وقع منه قطرة على الأرض ليبست ولم تنبت فيا عجبا ! كيف يحيى الميت ويبرأ العليل بالخشبة التي شهر عليها وصلب أهذا كله من بركتها وفرحها به وهو مشدود عليها يبكي ويستغيث
    ولقد كان الأليق أن يتفتت الصليب ويضمحل لهيبة من صلب عليه وعظمته ولخسفت الأرض بالحاضرين عند صلبه والمتمالئين عليه بل تتفطر السموات وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا
    ثم يقال لعباد الصليب: لا يخلو أن يكون المصلوب الناسوت وحده أو مع اللاهوت فإن كان المصلوب هو الناسوت وحده فقد فارقته الكلمة وبطل اتحادها به وكان المصلوب جسدا من الأجساد ليس بإله ولا فيه شىء من الإلهية والربوبية ألبتة وإن قلتم: إن الصلب وقع على اللاهوت والناسوت معا فقد أقررتم بصلب الإله وقتله وموته وقدرة الخلق على أذاه وهذا أبطل الباطل وأمحل المحال فبطل تعلقكم بالصليب من كل وجه عقلا وشرعا وأما تلاعبه بهم في صلاتهم فمن وجوه أحدها: صلاة كثير منهم بالنجاسة والجنابة والمسيح برىء من هذه الصلاة وسبحان الله أن يتقرب إليه بمثل هذه الصلاة فقدره أعلى وشأنه أجل من ذلك ومنها: صلاتهم إلى مشرق الشمس وهم يعلمون أن المسيح لم يصل إلى المشرق أصلا وإنما كان يصلي إلى قبلة بيت المقدس
    ومنها: تصليبهم على وجوههم عند الدخول في الصلاة والمسيح برىء من ذلك فصلاة مفتاحها النجاسة وتحريمها التصليب على الوجه وقبلتها الشرق وشعارها الشرك كيف يخفى على العاقل أنها لا تأتي بها شريعة من الشرائع ألبتة
    ولما علمت الرهبان والمطارنة والأساقفة: إن مثل هذا الدين تنفر عنه العقول أعظم نفرة شدوه بالحيل والصور في الحيطان بالذهب واللازورد والزنجفر وبالأرغل وبالأعياد المحدثة ونحو ذلك مما يروج على السفهاء وضعفاء العقول والبصائر وساعدهم ما عليه اليهود من القسوة والغلظة والمكر والكذب والبهت وما عليه كثير من المسلمين من الظلم والفواحش والفجور والبدعة والغلو في المخلوق حتى يتخذه إلها من دون الله واعتقاد كثير من الجهال أن هؤلاء من خواصالمسلمين وصالحيهم فتركب من هذا وأمثاله تمسك القوم بما هم فيه ورؤيتهم أنه خير من كثير مما عليه المنتسبون إلى الإسلام من البدع والفجور والشرك والفواحش
    ولهذا لما رأى النصارى الصحابة وما هم عليه آمن أكثرهم اختيارا وطوعا وقالوا: ما الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء ولقد دعونا نحن وغيرنا كثيرا من أهل الكتاب إلى الإسلام فأخبروا أن المانع لهم ما يرون عليه المنتسبين إلى الإسلام ممن يعظمهم الجهال: من البدع والظلم والفجور والمكر والاحتيال ونسبة ذلك إلى الشرع ولمن جاء به فساء ظنهم بالشرع وبمن جاء به فالله طليب قطاع طريق الله وحسيبهم فهذه إشارة يسيرة جدا إلى تلاعب الشيطان بعباد الصليب تدل على ما بعدها والله الهادي الموفق


  • #124
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فصل

    في ذكر تلاعبه بالأمة الغضبية وهم اليهود قال الله تعالى في حقهم بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وقال تعالى: قل هل أنبعئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون
    وقال تعالى: ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون
    وقد أمرنا الله سبحانه أن نسأله في صلواتنا أن يهدينا صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
    وثبت عن النبي أنه قال: اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون فأول تلاعب الشيطان بهذه الأمة في حياة نبيها وقرب العهد بإنجائهم من فرعون وإغراقه وإغراق قومه فلما جاوزوا البحر رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم فقالوا: يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فقال لهم موسى عليه السلام إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون فأي جهل فوق هذا والعهد قريب وإهلاك المشركين أمامهم بمرأى من عيونهم فطلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها فطلبوا من مخلوق أن يجعل لهم إلكها مخلوقا وكيف يكون الإله مجعولا فإن الإله هو الجاعل لكل ما سواه والمجعول مربوب مصنوع فيستحيل أن يكون إلها
    وما أكثر الخلف لهؤلاء في اتخاذ إله مجعول فكل من اتخذ إلها غير الله فقد اتخذ إلها مجعولا وقد ثبت عن النبي أنه كان في بعض غزواته فمروا بشجرة يعلق عليها المشركون أسلحتهم وشاراتهم وثيابهم يسمونها ذات أنواط فقال بعضهم: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال: الله أكبر قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ثم قال لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة
    فصل

    ومن تلاعبه بهم عبادتهم العجل من دون الله تعالى وقد شاهدوا ما حل بالمشركين من العقوبة والأخذة الرابية ونبيهم حي لم يمت هذا وقد شاهدوا صانعه يصنعه ويصوغه ويصليه النار ويدقه بالمطرقة ويسطو عليه بالمبرد ويقلبه بيديه ظهرا لبطن ومن عجيب أمرهم: أنهم لم يكتفوا بكونه إلههم حتى جعلوه إله موسى فنسبوا موسى عليه السلام إلى الشرك وعبادة غير الله تعالى بل عبادة أبلد الحيوانات وأقلها دفعا عن نفسه بحيث يضرب به المثل في البلادة والذل فجعلوه إله كليم الرحمن
    ثم لم يكتفوا بذلك حتى جعلوا موسى عليه السلام ضالا مخطئا فقالوا: فنسي
    قال ابن عباس: أي ضل وأخطأ الطريق
    وفي رواية عنه أي إن موسى ذهب يطلب ربه فضل ولم يعلم مكانه
    وعنه أيضا نسي أن يذكر لكم أن هذا إلهه وإلهكم وقال السدي: أي ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه وقال قتادة: أي إن موسى إنما يطلب هذا ولكنه نسيه وخالفه في طريق آخر
    هذا هو القول المشهور: أن قوله فنسى من كلام السامريع وعباد العجل معه وعن ابن عباس رواية أخرى أن هذا من إخبار الله تعالى عن السامري: أنه نسى أى ترك ما كان عليه من الإيمان والصحيح: القول الأول والسياق يدل عليه ولم يذكر البخاري في التفسير غيره فقال: [ فنسى موساهم ] يقولونه: أخطأ الرب فإنه لما جعله إله موسى استحضر سؤالا من بني إسرائيل يوردونه عليه فيقولون له: إذا كان هذه إله موسى فلأي شيء ذهب عنه لموعد إلهه فأجاب عن هذا السؤال قبل إيراده عليه بقوله فنسى وهذا من أقبح تلاعب الشيطان بهم فانظر إلى هؤلاء كيف اتخذوا إلها مصنوعا مصنوغا من جوهر أرضى إنما يكون تحت التراب محتاجا إلى سبك بالنار وتصفية وتخليص لخبثه منه مدقوقا بمطارق الحديد مقلبا في النار مرة بعد مرة قد نحت بالمبارد وأحدث الصانع صورته وشكله على صورة الحيوان المعروف بالبلادة والذل والضيم وجعلوه إله موسى ونسبوه إلى الضلال حيث ذهب يطلب إلها غيره
    قال محمد بن جرير: وكان سبب اتخاذهم العجل ما حدثني به عبد الكريم بن الهيثم
    قال حدثنى إبراهيم بن بشار الرمادي حدثنا سيفان بن عيينة حدثنا أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه وكان فرعون على فرس أدهم [ ذنوب ] فلما هجم فرعون على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر فمثل له جبريل على فرس أنثى [ وديق ] فلما رآها الحصان تقحم خلفها قال: وعرف السامري جبريل [ لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه وكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه فيجد في بعض أصابعه لبنا وفي الأخرى عسلا وفي الأخرى سمنا فلم يزل يغذوه حتى نشأ فلما عاينه في البحر عرفه ] فقبض قبضة من أثر فرسه قال: أخذ قبضة من تحت الحافر
    قال سفيان: وكان ابن مسعود يقرؤها فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول
    قال أبو سعيد قال عكرمة عن ابن عباس: وألقي في روع السامري: إنك لا تلقيها على شيء فتقول: كن كذا وكذا إلا كان فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر وأغرق الله آل فرعون قال موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي وأصلح ومضي موسى لموعد ربه قال: وكان مع بني إسرائيل حلىك من حلى آل فرعون قد استعاروه فكأنهم تأثموا منه فأخرجوه لتنزل النار فتأكله فلما جمعوه قال السامري بالقبضة التي كانت في يده هكذا [ وأومأ ابن إسحاق بيده هكذا ] فقذفها فيه وقال: كن عجلا جسدا له خوار فصار عجلا جسدا له خوار فكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه يسمع له صوت: فقال هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا على العجل يعبدونه فقال هارون: يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى
    وقال السدي: لما أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل من أرض مصر أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط فلما نجى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر وأغرق آل فرعون أتى جبريل إلى موسى ليذهب به إلى الله فأقبل على فرس فرآه السامري فأنكره ويقال: إنه فرس الحياة فقال حين رآه: إن لهذا لشأنا فأخذ من تربة حافر الفرس فانطلق موسى عليه السلام واستخلف هارون على بني إسرائيل وواعدهم ثلاثين ليلة فأتمها الله تعالى بعشر فقال لهم هارون: يا بني إسرائيل إن الغنيمة لا تحل لكم وإن حلي القبط إنما هو غنيمة فاجمعوها جميعا واحفروا لها حفرة فادفنوها فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها [ وإلا كان شيئا لم تأكلوه ] فجمعوا ذلك الحلي في تلك الحفرة وجاء السامري بتلك القبضة فقذفها فأخرج الله من الحلي عجلا جسدا له خوار [ وعدت بنو إسرائيل موعد موسى فعدوا الليلة يوما واليوم يوما فلما كان تمام العشرين أخرج لهم العجل ] فلما رأوه قال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى فنسى يقول: ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه فعكفوا عليه يعبدونه وكان يخور ويمشي فقال لهم هارون: يا بني إسرائيل إنما فتنتم به يقول: إنما ابتليتم بالعجل وإن ربكم الرحمن فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم وانطلق موسى إلى الله يكلمه فلما كلمه قال له: ما أعجلك عن قومك يا موسى قال: هم أولاء على أثرى وعجلت إليك رب لترضى قال: فإنا قد فتنا قومك من بعدك [ وأضلهم السامري فأخبره خبرهم قال موسى: يا رب هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل فالروح من نفخها فيه قال الرب تعالى: أنا قال: يا رب أنت إذا أضللتهم وقال ابن إسحق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان السامري [ من أهل باجرما ] وكان من قوم يعبدون البقر فكان يحب عبادة البقر في نفسه وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل فلما ذهب موسى إلى ربه قال لهم هرون: أنتم قد حملتم أوزارا من زينة القوم آل فرعون وأمتعة وحليا فتطهروا منها فإنها نجس وأوقد لهم نارا فقال: اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة والحلى فيقذفون به فيها حتى إذا انكسر الحلي فيها ورأى السامري أثر فرس جبريل فأخذ ترابا من أثر حافره ثم أقبل إلى النار فقال لهرون: يا نبي الله ألقى ما في يدي ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من الحلى والأمتعة فقذفه فيها فقال: كن عجلا جسدا له خوار فكان البلاء والفتنة فقال: هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوا شيئا مثله قط يقول الله تعالى: فنسى أي ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا [ وكان اسم السامري موسى بن ظفر وقع في أرض مصر فدخل في بني إسرائيل ] فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال: يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى فأقام هرون فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل وتخوف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى: فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي وكان له هائبا مطيعا
    فقال تعالى مذكرا لبني إسرائيل بهذه القصة التي جرت لأسلافهم مع نبيهم: وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده يعني من بعد ذهابه إلى ربه وليس المراد من بعد موته وأنتم ظالمون أي بعبادة غير الله تعالى لأن الشرك أظلم الظلم لأن المشرك وضع العبادة في غير موضعها
    فلما قدم موسى عليه السلام ورأى ما أصاب قومه من الفتنة اشتد غضبه وألقى الألواح عن رأسه وفيها كلام الله الذي كتبه له وأخذ برأس أخيه ولحيته ولم يعتب الله عليه في ذلك لأنه حمله عليه الغضب لله وكان الله تعالى قد أعلمه بفتنة قومه ولكن لما رأى الحال مشاهدة حدث له غضب آخر فإنه ليس الخبر كالمعاينة
    فصل

    ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة في حياة نبيهم أيضا: ما قصه الله تعالى في كتابه حيث يقول: وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة أي عيانا قال ابن جرير: ذكرهم الله تعالى بذلك اختلاف آبائهم وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم مع كثرة معاينتهم من آيات الله ما يثلج بأقلها الصدور وتطمئن بالتصديق معها النفوس وذلك مع تتابع الحجج عليهم وسبوغ النعم من الله تعالى لديهم وهم مع ذلك مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله ومرة يعبدون العجل من دون الله ومرة يقولون: لا نصدقك حتى نرى الله جهرة وأخرى يقولون له إذا دعوا إلى القتال: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ومرة يقال لهم: قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطاياكم فيقولون: حبة في شعيرة ويدخلون من قبل أستاههم ومرة يعرض عليهم العمل بالتوراة فيمتنعون من ذلك حتى نتق الله تعالى عليهم الجبل كأنه ظلة إلى غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم التي يكثر إحصاؤها فأعلم ربنا تبارك وتعالى الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل الذين كانوا على عهد رسول الله أنهم لن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمدا وجحودهم نبوته وتركهم الإقرار به وبما جاء به مع علمهم به ومعرفتهم بحقيقة أمره كأسلافهم وآبائهم الذين قص الله علينا قصصهم
    وقال محمد بن إسحق: لما رجع موسى إلى قومه فرأى ما هم فيه من عبادة العجل وقال لأخيه وللسامري ما قال وحرق العجل وذراه في اليم اختار موسى منهم سبعين رجلا الخير فالخير وقال: انطلقوا إلى الله تعالى فتوبوا إلى الله مما صنعتم واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم فصوموا وتطهروا وطهروا نياتكم فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه وكان لا يأتيه إلا بإذن منه فقال له السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به وخرجوا للقاء الله: يا موسى اطلب لنا إلى ربك أن نسمع كلام ربنا فقال: أفعل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى فأدخل فيه وقال للقوم: ادنوا وكان موسى عليه السلام إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم ان ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه تعالى وهو يكلم نبيه موسى يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل فلما فرغ الله من أمره انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا لموسى عليه السلام: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فماتوا جميعا وقام موسى عليه السلام يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول: رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا
    فإن قيل: فما مقصود موسى بقوله: لو شئت أهلكتهم من قبل فقد ذكر فيه وجوه
    فقال السدي: لما ماتوا قام موسى يبكي ويقول: يا رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتتهم وقد أهلكت خيارهم
    وقال محمد بن إسحق: اخترت منهم سبعين رجلا الخير فالخير أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد فما الذي يصدقوني به أو يأمنوني عليه بعد هذا
    وعلى هذا فالمعنى: لو شئت أهلكتهم من قبل خروجنا فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهموني
    وقال الزجاج: المعنى: لو شئت أهلكتهم من قبل أن تبتليهم بما أوجب عليهم الرجفة قلت: وهؤلاء كلهم حاموا حول المقصود والذي يظهر والله اعلم بمراده ومراد نبيه: أن هذا استعطاف من موسى عليه السلام لربه وتوسل إليه بعفوه عنهم من قبل حين عبد قومهم العجل ولم ينكروا عليهم يقول موسى: إنهم قد تقدم منهم ما يقتضي هلاكهم ومع هذا فوسعهم عفوك ومغفرتك ولم تهلكهم فليسعهم اليوم ما وسعهم من قبل
    وهذا كما يقول من واخذه سيده بجرم لو شئت واخذتني من قبل هذا بما هو أعظم من هذا الجرم ولكن وسعني عفوك أولا فليسعني اليوم
    ثم قال نبي الله: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا
    فقال ابن الإنباري وغيره: هذا استفهام على معنى الجحد أي لست تفعل ذلك
    والسفهاء هنا: عبدة العجل قال الفراء: ظن موسى أنهم أهلكوا باتخاذ قومهم العجل فقال: أتهلكنا بما فعل
    السفهاء منا وإنما كان إهلاكهم بقولهم أرنا الله جهرة ثم قال: إن هي إلا فتنتك وهذا من تمام الاستعطاف أي ما هي إلا ابتلاؤك واختبارك لعبادك فأنت ابتليتهم وامتحنتهم فالأمر كله لك وبيدك لا يكشفه إلا أنت كما لم يمتحن به ويختبر به إلا أنت فنحن عائذون بك منك ولاجئون منك إليك

  • صفحة 31 من 33 الأولىالأولى ... 212930313233 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 9 (0 من الأعضاء و 9 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. حوار مع الشيطان
      بواسطة king-of-nothing في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 08-03-2010, 11:35 PM
    2. الشيطان
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 07-19-2010, 06:06 PM
    3. كن مثل الشيطان
      بواسطة nano في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 07-11-2010, 10:47 PM
    4. الكبرياء خلة الشيطان
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 02:25 AM
    5. الشيطان المثقف !!!
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 05-01-2010, 11:30 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1