فصل
ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة وكيده لهم أنهم قيل لهم وهم مع نبيهم والوحي ينزل عليه من الله تعالى أدخلوا هذه القرية قال قتادة وابن زيد والسدي وابن جرير وغيرهم: هي قرية بيت المقدس فكلوا منها حيث شئتم رغدا أي هنيئا واسعا وادخلوا الباب سجدا قال السدعي: هو باب من أبواب بيت المقدس وكذلك قال بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال والسجود بمعنى الركوع وأصل السجود الانحناء لمن تعظمه فكل منحن لشيء تعظيما له فهو ساجد قاله ابن جرير وغيره
قلت: وعلى هذا فانحناء المتلاقين عند السلام أحدهما لصاحبه من السجود المحرم وفيه نهي صريح عن النبي
ثم قيل لهم: قولوا حطة أي حط عنا خطايانا هذا قول الحسن وقتادة وعطاء
وقال عكرمة وغيره: أي قولوا: لا إله إلا الله وكأن أصحاب هذا القول اعتبروا الكلمة التي تحط بها الخطايا وهي كلمة التوحيد
وقال سعيد بن جبيرعن ابن عباس: أمروا بالاستغفار
وعلى القولين: فيكونون مأمورين بالدخول بالتوحيد والاستغفار وضمن لهم بذلك مغفرة خطاياهم فتلاعب الشيطان بهم فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم وفعلا غير الذي أمروا به
فروى البخاري في صحيحه ومسلم أيضا من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا: حبة في شعرة فبدلوا القول والفعل معا فأنزل الله عليهم رجزا من السماء قال أبو العالية: هو الغضب وقال ابن زيد: هو الطاعون
وعلى هذا فالطاعون بالرصد لمن بدل دين الله قولا وعملا
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهم أنهم كانوا في البرية قد ظلل عليه الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى فملو ذلك وذكروا عيش الثوم والبصل والعدس والبقل والقثاء فسألوه موسى عليه السلام وهذا من سوء اختيارهم لأنفسهم وقلة بصرهم بالأغذية النافعة الملائمة واستبدال الأغذية الضارة القليلة التغذية منها ولهذا قال لهم موسى عليه السلام: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا أي مصرا من الأمصار فإن لكم ما سألتم
فكانوا في أفسح الأمكنة وأوسعها وأطيبها هواء وأبعدها عن الأذى ومجاورة الأنتان والأقذار سقفهم الذي يظلهم من الشمس: الغمام وطعامهم: السلوى وشرابهم: المن
قال ابن زيد: كان طعام بني إسرائيل في التيه واحدا وشرابهم واحدا كان شرابهم عسلا ينزل من السماء يقال له: المن وطعامهم طير يقال له: السلوى يأكلون الطير ويشربون العسل لم يكن لهم خبز ولا غيره
ومعلوم فضل هذا الغذاء والشراب على غيرهما من الأغذية والأشربة
وكانوا مع ذلك يتفجر لهم من الحجر اثنا عشر عينا من الماء فطلبوا الاستبدال بما هو دون ذلك بكثير فذموا على ذلك فكيف بمن استبدل الضلال بالهدى والغي بالرشاد والشرك بالتوحيد والسنة بالبدعة وخدمة الخالق بخدمة المخلوق والعيش الطيب في المساكن الطيبة في جوار الله تعالى بحظه من العيش النكد الفاني في هذه الدار
فصل
ومن تلاعبه بهم أنهم لما عرضت عليهم التوراة لم يقبلوها وقد شاهدوا من الآيات ما شاهدوه حتى أمر الله سبحانه جبريل فقلع جبلا من أصله على قدرهم ثم رفعه فوق رؤوسهم وقيل لهم: إن لم تقبلوها ألقيناه عليكم فقبلوه كرها قال الله تعالى: وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون قال عبد الله بن وهب قال ابن زيد: لما رجع موسى من عند ربه بالألواح قال لبني إسرائيل: إن هذه الألواح فيها كتاب الله وأمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه فقالوا: ومن يأخذ بقولك أنت لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله إلينا فيقول: هذا كتابي فخذوه فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى فيقول: هذا كتابي فخذوه فجاءت غضبة من الله تعالى فجاءتهم صاعقة فصعقتهم فماتوا أجمعون قال: ثم أحياهم الله تعالى بعد موتهم فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله فقالوا: لا فقال: أي شيء أصابكم قالوا: متنا ثم حيينا فقال: خذوا كتاب الله قالوا: لا قال: فبعث الله ملائكته فنتقت الجبل فوقهم فقيل لهم: أتعرفون هذا قالوا: نعم الطور قال: خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم قال: فأخذوه بالميثاق وقال السدى: لما قال الله تعالى لهم: ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فأبوا أن يسجدوا فأمر الله الجبل أن يرتفع فوق رؤوسهم فنظروا إليه وقد غشيهم فسقطوا سجدا على شق ونظروا بالشق الآخر فكشفه عنهم ثم تولوا من بعد هذه الآيات وأعرضوا ولم يعملوا بما في كتاب الله ونبذوه وراء ظهورهم فقال تعالى مذكرا لهؤلاء بما جرى من أسلافهم وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين
فصل
ومن تلاعبه بهم أن الله سبحانه أنجاهم من فرعون وسلطانه وظلمه وفرق بهم البحر وأراهم الآيات والعجائب ونصرهم وآواهم وأعزهم وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين
ثم أمرهم أن يدخلوا القرية التي كتب الله لهم وفي ضمن هذا بشارتهم بأنهم منصورون ومفتوح لهم وأن تلك القرية لهم فأبوا طاعته وامتثال أمره وقابلوا هذا الأمر والبشارة بقولهم: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون
وتأمل تلطف نبي الله تعالى موسى عليه السلام بهم وحسن خطابه لهم وتذكيرهم بنعم الله عليهم وبشارتهم بوعد الله لهم: بأن القرية مكتوبة لهم ونهيهم عن معصيته بارتدادهم على أدبارهم وأنهم إن عصوا أمره ولم يمتثلوا: انقلبوا خاسرين
فجمع لهم بين الأمر والنهى والبشارة والنذارة والترغيب والترهيب والتذكير بالنعم السالفة فقابلوه أقبح المقابلة فعارضوا أمر الله تعالى بقولهم: يا موسى إن فيها قوما جبارين فلم يوقروا رسول الله وكليمه حتى نادوه باسمه ولم يقولوا: يا نبى الله وقالوا: إن فيها قوما جبارين ونسوا قدرة جبار السموات والأرض الذي يذل الجبابرة لأهل طاعته وكان خوفهم من أولئك الجبارين الذين نواصيهم بيد الله أعظم من خوفهم من الجبار الأعلى سبحانه وكانوا أشد رهبة في صدورهم منه
ثم صرحوا بالمعصية والامتناع من الطاعة فقالوا: إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فأكدوا معصيتهم بأنواع من التأكيد
أحدها: تمهيد عذر العصيان بقولهم إن فيها قوما جبارين
والثاني: تصريحهم بأنهم غير مطيعين وصدروا الجملة بحرف التأكيد وهو إن ثم حققوا النفي بأداة لن الدالة على نفي المستقبل أي لا ندخلها الآن ولا في المستقبل
ثم علقوا دخولها بشرط خروج الجبارين منها فقال لهم رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما بطاعته والانقياد إلى أمره من الذين يخافون الله هذا قول الأكثرين وهو الصحيح وقيل: من الذين يخافونهم من الجبارين أسلما واتبعا موسى عليه السلام ادخلوا عليهم الباب أي باب القرية فاهجموا عليهم فإنهم قد ملئوا منكم رعبا فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ثم ارشداهم إلى ما يحقق النصر والغلبة لهم وهو التوكل
فكان جواب القوم أن قالوا: يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون فسبحان من عظم حلمه حيث يقابل أمره بمثل هذه المقابلة ويواجه رسوله بمثل هذا الخطاب وهو يحلم عنهم ولا يعاجلهم بالعقوبة بل وسعهم حلمه وكرمه وكان أقصى ما عاقبهم به: أن رددهم في برية التيه أربعين عاما يظلل عليهم الغمام من الحر وينزل عليهم المن والسلوى
وفي الصحيحين: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لقد شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به أتى النبي وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكنا نقاتل عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك فرأيت رسول الله أشرق وجهه لذلك وسر به
فلما قابلوا نبي الله بهذه المقابلة قال: رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين
فصل
ومن تلاعبه بهم في حياة نبيهم أيضا ما قصه الله سبحانه وتعالى في كتابه من قصة القتيل الذي قتلوه وتدافعوا فيه حتى أمروا بذبح بقرة وضربه ببعضها
وفي هذه القصة أنواع من العبر:
منها: أن الإخبار بها من أعلام نبوة رسول الله
ومنها: الدلالة على نبوة موسى وأنه رسول رب العالمين
ومنها: الدلالة على صحة ما اتفقت عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم: من معاد الأبدان وقيام الموتى من قبورهم
ومنها: إثبات الفاعل المختار وأنه عالم بكل شيء قادر على كل شىء عدل لا يجوز عليه الظلم والجور حكيم لا يجوز عليه العبث
ومنها: إقامة أنواع الآيات والبراهين والحجج على عباده بالطرق المتنوعات زيادة في هداية المهتدي وإعذارا وإنذارا للضال
ومنها: إنه لا ينبغي مقابلة أمر الله تعالى بالتعنت وكثرة الأسئلة بل يبادر إلى الإمتثال فإنهم لما أمروا أن يذبحوا بقرة كان الواجب عليهم أن يبادروا إلى الإمتثال بذبح أي بقرة اتفقت فإن الأمر بذلك لا إجمال فيه ولا إشكال بل هو بمنزلة قوله: اعتق رقبة وأطعم مسكينا وصم يوما ونحو ذلك ولذلك غلط من احتج بالآية على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب فإن الآية غنية عن البيان المنفصل مبينة بنفسها ولكن لما تعنتوا وشددوا شدد عليهم
قال أبو جعفر بن جرير عن الربيع عن أبي العالية: لو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم
ومنها: أنه لا يجوز مقابلة أمر الله الذي لا يعلم المأمور به وجه الحكمة فيه بالإنكار وذلك نوع من الكفر فإن القوم لما قال لهم نبيهم: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قابلوا هذا الأمر بقولهم أتتخذنا هزوا فلما لم يعلموا وجه الحكمة في ارتباط هذا الأمر بما سألوه عنه قالوا: أتتخذنا هزوا وهذا من غاية جهلهم بالله ورسوله فإنه أخبرهم عن أمر الله لهم بذلك ولم يكن هو الآمر به ولو كان هو الآمر به لم يجز لمن آمن بالرسول أن يقابل أمره بذلك فلما قال لهم: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين وتيقنوا أن الله سبحانه أمره بذلك أخذوا في التعنت بسؤالهم عن عينها ولونها فلما أخبروا عن ذلك رجعوا إلى السؤال مرة ثالثة عن عينها فلما تعينت لهم ولم يبق إشكال توقفوا في الامتثال ولم يكادوا يفعلون
ثم من أقبح جهلهم وظلمهم قولهم لنبيهم الآن جئت بالحق فإن أرادوا بذلك: أنك لم تأت بالحق قبل ذلك في أمر البقرة فتلك ردة وكفر ظاهر وإن أرادوا: أنك الآن بيت لنا البيان التام في تعيين البقرة المأمور بذبحها فذلك جهل ظاهر فإن البيان قد حصل بقوله إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فإنه لا إجمال في الأمر ولا في الفعل ولا في المذبوح فقد جاء رسول الله بالحق من أول مرة
قال محمد بن جرير: وقد كان بعض من سلف يزعم أن القوم ارتدوا عن دينهم وكفروا بقولهم لموسى: الآن جئت بالحق وزعم أن ذلك نفي منهم أن يكون موسى عليه السلام أتاهم بالحق في أمر البقرة قبل ذلك وأن ذلك كفر منهم قال: وليس الأمر كما قال عندنا لأنهم قد أذعنوا بالطاعة بذبحها وإن كان قولهم الذي قالوا لموسى جهلا منهم وهفوة من هفواتهم
فصل
ومنها: الإخبار عن قساوة قلوب هذه الأمة وغلظها وعدم تمكن الإيمان فيها قال عبد الصمد بن معقل عن وهب: كان ابن عباس يقول: إن القوم بعد أن أحي الله تعالى الميت فأخبرهم بقاتله أنكروا قتله وقالوا: والله ما قتلناه بعد أن رأوا الآيات والحق قال الله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة
ومنها: مقابلة الظالم الباغي بنقيض قصده شرعا وقدرا فإن القاتل قصده ميراث المقتول ودفع القتل عن نفسه ففضحه الله تعالى وهتكه وحرمه ميراث المقتول
ومنها: أن بني إسرائيل فتنوا بالبقرة مرتين من بين سائر الدواب ففتنوا بعبادة العجل وفتنوا بالأمر بذبح البقرة والبقر من أبلد الحيوان حتى ليضرب به المثل
والظاهر: أن هذه القصة كانت بعد قصة العجل ففي الأمر بذبح البقرة تنبيه على أن هذا النوع من الحيوان الذي لا يمتنع من الذبح والحرث والسقي لا يصلح أن يكون إلها معبودا من دون الله تعالى وأنه إنما يصلح للذبح والحرث والسقى والعمل
فصل
ومن تلاعبه بهذه الأمة أيضا ما قصه الله تعالى علينا من قصة أصحاب السبت حتى مسخهم قردة لما تحيلوا على استحلال محارم الله تعالى
ومعلوم أنهم كانوا يعصون الله تعالى بأكل الحرام واستباحة الفروج والحرام والدم الحرام وذلك أعظم إثما من مجرد العمل يوم السبت ولكن لما استحلوا محارم الله تعالى بأدنى الحيل وتلاعبوا بدينه وخادعوه مخادعة الصبيان ومسخوا دينه بالاحتيال مسخهم الله تعالى قردة وكان الله تعالى قد أباح لهم الصيد في كل أيام الأسبوع إلا يوما واحدا فلم يدعهم حرصهم وجشعهم حتى تعدوا إلى الصيد فيه وساعد القدر بأن عوقبوا بإمساك الحيتان عنهم في غير يوم السبت وإرسالها عليهم يوم السبت وهكذا يفعل الله سبحانه بمن تعرض لمحارمه فإنه يرسلها عليه بالقدر تزدلف إليه بأيها يبدأ فانظر ما فعل الحرص وما أوجب من الحرمان بالكلية ومن ههنا قيل: من طلبه كله فاته كله
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهم أيضا أنهم لما حرمت عليهم الشحوم أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها وهذا من عدم فقههم وفهمهم عن الله تعالى دينه فان ثمنها بدل منها فتحريمها تحريم لبدلها والمعاوضة عنها كما أن تحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير يتناول تحريم أعيانها وأبدالها
ومن تلاعبه بهم أيضا: إتخاذ قبور أنبيائهم مساجد وقد لعنهم رسول الله على ذلك ولعنته تتناول فعلهم
ومن تلاعبه بهم أيضا: أنهم كانوا يقتلون الأنبياء الذين لا تنال الهداية إلا على أيديهم ويتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى يحرمون عليهم ويحلون لهم فيأخذون بتحريمهم وتحليلهم ولا يلتفتون: هل ذلك التحريم والتحليل من عند الله تعالى أم لا
قال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله فسألته عن قوله: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فقلت: يا رسول الله ما عبدوهم فقال: حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم رواه الترمذي وغيره
وهذا من أعظم تلاعب الشيطان بالانسان: أن يقتل أو يقاتل من هداه على يديه ويتخذ من لم تضمن له عصمته ندا لله يحرم عليه ويحلل له ومن تلاعبه بهم: ما كان منهم في شأن زكريا ويحيى عليهما السلام وقتلهم لهما حتى سلط الله عليهم بختنصر وسنجاريب وجنودهما فنالوا منهم ما نالوه
ثم كان منهم في شأن المسيح ورميه وأمه بالعظائم وهم يعلمون أنه رسول الله تعالى إليهم فكفروا به بغيا وعنادا وراموا قتله وصلبه فصانه الله تعالى من ذلك ورفعه إليه وطهره منهم فأوقعوا القتل والصلب على شبهه وهم يظنون أنه رسول الله عيسى فانتقم الله تعالى منهم ودمر عليهم أعظم تدمير وألزمهم كلهم حكم الكفر بتكذيبهم بالمسيح كما ألزم النصارى معهم حكم الكفر بتكذيبهم بمحمد
ولم يزل أمر اليهود بعد تكذيبهم بالمسيح وكفرهم به في سفال ونقص إلى أن قطعهم الله تعالى في الأرض أمما ومزقهم كل ممزق وسلبهم عزهم وملكهم فلم يقم لهم بعد ذلك ملك إلى أن بعث الله تعالى محمدا فكفروا به وكذبوه فأتم عليهم غضبه ودمرهم غاية التدمير وألزمهم ذلا وصغارا لا يرفع عنهم إلى أن ينزل أخوه المسيح من السماء فيستأصل شأفتهم ويطهر الأرض منهم ومن عباد الصليب قال تعالى: بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين
فالغضب الأول: بسبب كفرهم بالمسيح والغضب الثاني: بسبب كفرهم بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة أن ألقى إليهم أن الرب تعالى محجور عليه في نسخ الشرائع فحجروا عليه أن يفعل ما يشاء
ويحكم ما يريد وجعلوا هذه الشبهة الشيطانية ترسا لهم في جحد نبوة رسول الله محمد وقرروا ذلك بأن النسخ يستلزم البداء وهو على الله تعالى محال
وقد أكذبهم الله تعالى في نص التوراة كما أكذبهم في القرآن قال الله تعالى: كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين
فتضمنت هذه الآيات بيان كذبهم صريحا في إبطال النسخ فإنه سبحانه وتعالى أخبر أن الطعام كله كان حلالا لبني إسرائيل قبل نزول التوراة سوى ما حرم إسرائيل على نفسه منه
ومعلوم أن بني إسرائيل كانوا على شريعة أبيهم اسرائيل وملته وأن الذي كان لهم حلالا إنما هو بإحلال الله تعالى له على لسان إسرائيل والأنبياء بعده إلى حين نزول التوراة ثم جاءت التوراة بتحريم كثير من المآكل عليهم التي كانت حلالا لبني إسرائيل وهذا محض النسخ
وقوله تعالى: من قبل أن تنزل التوراة أي كانت حلالا لهم قبل نزول التوراة وهم يعلمون ذلك ثم قال تعالى: قل فائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين هل تجدون فيها أن إسرائيل حرم على نفسه ما حرمته التوارة عليكم أم تجدون فيها تحريم ما خصه بالتحريم وهي لحوم الإبل وألبانها خاصة وإذا كان إنما حرم هذا وحده وكان ما سواه حلالا له ولبنيه وقد حرمت التوراة كثيرا منه ظهر كذبكم وافتراؤكم في إنكار نسخ الشرائع والحجر على الله تعالى في نسخها
فتأمل هذا الموضع الشريف الذي حام حوله أكثر المفسرين وما وردوه
وهذا أولى من احتجاج كثير من أهل الكلام عليهم بأن التوراة حرمت أشياء كثيرة من المناكح والذبائح والأفعال والأقوال وذلك نسخ لحكم البراءة الأصلية فإن هذه المناظرة ضعيفة جدا فإن القوم لم ينكروا رفع البراءة الأصلية بالتحريم والإيجاب إذ هذا شأن كل الشرائع وإنما أنكروا تحريم ما أباحه الله تعالى فيجعله حراما أو تحليل ما كان حرمه فيجعله مباحا وأما رفع البراءة والاستصحاب فلم ينكره أحد من أهل الملل
ثم يقال لهذه الأمة الغضبية: هل تقرون أنه كان قبل التوراة شريعة أم لا فهم لا ينكرون أن يكون قبل التوراة شريعة
فيقال لهم: فهل رفعت التوراة شيئا من أحكام تلك الشرائع المتقدمة أم لا
فإن قالوا: لم ترفع شيئا من أحكام تلك الشرائع فقد جاهروا بالكذب
والبهت وإن قالوا: قد رفعت بعض الشرائع المتقدمة فقد أقروا بالنسخ قطعا
وأيضا فيقال للأمة الغضبية: هل أنتم اليوم على ما كان عليه موسى عليه السلام فإن قالوا: نعم قلنا: أليس في التوراة أن من مس عظم ميت أو وطيء قبرا أو حضر حضر ميتا عند موته فإنه يصير من النجاسة بحال لا مخرج له منها إلا برماد البقرة التي كان الإمام الهاروني يحرقها فلا يمكنهم إنكار ذلك فيقال لهم: فهل أنتم اليوم على ذلك
فإن قالوا: لا نقدر عليه فيقال لهم: لم جعلتم أن من مس العظم والقبر والميت طاهرا يصلح للصلاة والذي في كتابكم خلافه
فإن قالوا: لأنا عدمنا أسباب الطهارة وهي رماد البقرة وعدمنا الإمام المطهر المستغفر
فيقال لهم: فهل أغناكم عدمه عن فعله أو لم يغنكم
فإن قالوا: أغنانا عدمه عن فعله
قيل لهم: قد تبدل الحكم الشرعي من الوجوب إلى إسقاطه لمصلحة التعذر
فيقال: وكذلك يتبدل الحكم الشرعي بنسخه لمصلحة النسخ فإنكم إن بنيتم على اعتبار المصالح والمفاسد في الأحكام فلا ريب أن الشيء يكون مصلحة في وقت دون وقت وفي شريعة دون أخرى كما كان تزويج الأخ بالأخت مصلحة في شريعة آدم عليه السلام ثم صار مفسدة في سائر الشرائع وكذلك إباحة العمل يوم السبت كان مصلحة في شريعة إبراهيم عليه السلام ومن قبله وفي سائر الشرائع ثم صار مفسدة في شريعة موسى عليه السلام وأمثال ذلك كثيرة
وإن منعتم مراعاة المصالح في الأحكام ومنعتم تعليلها بها فالأمر حينئذ أظهر
فإنه سبحانه يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء والتحليل والتحريم تبع لمجرد مشيئته لا يسأل عما يفعل وإن قلتم: لا نستغني في الطهارة عن ذلك الطهور الذي كان عليه أسلافنا فقد أقررتم بأنكم الأنجاس أبدا ولا سبيل لكم إلى حصول الطهارة
فإن قالوا: نعم الأمر كذلك
قيل لهم: فإذا كنتم أنجاسا على مقتضى أصولكم فما بالكم تعتزلون الحائض بعد انقطاع الحيض وارتفاعه سبعة أيام اعتزالا تخرجون فيه إلى حد لو أن أحدكم لمس ثوبه ثوب المرأة نجستموه مع ثوبه
فإن قلتم: ذلك من أحكام التوراة
قيل لكم: ليس في التوراة أن ذلك يراد به الطهارة فإذا كانت الطهارة قد تعذرت عندكم والنجاسة التي أنتم عليها لا ترتفع بالغسل فهي إذا أشد من نجاسة الحيض
ثم إنكم ترون أن الحائض طاهر إذا كانت من غير ملتكم ولا تنحسون من لمسها ولا الثوب الذي تلمسه فتخصيص هذا الأمر بطائفتكم ليس في التوراة
فصل
قالت الأمة الغضبية: التوراة قد حظرت أمورا كانت مباحة من قبل ولم تأت بإباحة محظور والنسخ الذي ننكره ونمنع منه: هو ما أوجب إباحة محظور لأن تحريم الشيء إنما هو لأجل ما فيه من المفسدة فإذا جاءت شريعة بتحريمه كان ذلك من مؤكداتها ومقرراتها فإذا جاء من أباحه علمنا بإباحة المفسدة: أنه غير نبي بخلاف تحريم ما كان مباحا فإنا نكون متعبدين بتحريمه
قالوا: وشريعتكم جاءت بإباحة كثير مما حرمته التوراة مع أنه إنما حرم لما فيه من المفسدة
فهذه النكتة هي التي تعتمد عليها الأمة الغضبية ويتلقاها خالف منهم عن سالف
والمتكلمون لم يشفوهم في جوابها وإنما أطالوا معهم الكلام في رفع البراءة الأصلية بالشرائع وفي نسخ الإباحة بالتحريم
ولعمر الله إنه بما يبطل شبهتهم لأن رفع البراءة الأصلية ورفع الإباحة بالتحريم: هو تغيير لما كان عليه الحكم الاستصحابي أو الشرعي بحكم آخر لمصلحة اقتضت تغييره ولا فرق في اقتضاء المصلحة بين تغيير الإباحة بالتحريم أو تغيير التحريم بالإباحة
والشبهة التي عرضت لهم في أحد الموضعين هي بعينها في الموضع الآخر فإن إباحة الشيء في الشريعة تابع لعدم مفسدته إذ لو كانت فيه مفسدة راجحة لم تأت الشريعة باباحته فإذا حرمته الشريعة الأخرى وجب قطعا أن يكون تحريمه فيها هو المصلحة كما كان إباحته في الشريعة الأولى هو المصلحة فإن تضمن إباحة الشحوم المحرمة في الشريعة الأولى إباحة المفاسد وحاشا لله تضمن تحريم المباح في الشريعة الأولى تحريم المصالح وكلاهما باطل قطعا
فإذا جاز أن تأتي شريعة التوراة بتحريم ما كان إبراهيم ومن تقدمه يستبيحه فجائز أن تأتي شريعة أخرى بتحليل بعض ما كان في التوراة محظورا
وهذه الشبهة الباطلة الداحضة هي التي ردت بها الأمة الغضبية نبوة سيدنا محمد هي بعينها رد بها أسلافهم نبوة المسيح وتوارثوها كافرا عن كافر وقالوا لمحمد كما قال أسلافهم للمسيح: لا نقر بنبوة من غير شريعة التوراة
فيقال لهم: فكيف أقررتم لموسى بالنبوة وقد جاء بتغيير بعض شرائع من تقدمه فإن قدح ذلك في المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام قدح في موسى فلا تقدحون في نبوتهما بقادح إلا ومثله في نبوة موسى سواء كما أنكم لا تثبتون نبوة موسى ببرهان إلا وأضعافه شاهد على نبوة محمد فمن أبين المحال أن يكون موسى رسولا صادقا ومحمد ليس برسول أو يكون المسيح رسولا ومحمد ليس برسول
ويقال للأمة الغضبية أيضا: لا يخلو المحرم إما أن يكون تحريمه لعينه وذاته بحيث تمنع إباحته في زمان من الأزمنة وإما أن يكون تحريمه لما تضمنه من المفسدة في زمان دون زمان ومكان دون مكان وحال دون حال
فإن كان الأول لزم أن يكون ما حرمته التوراة محرما على جميع الأنبياء في كل زمان ومكان من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء عليهم السلام
وإن كان الثاني ثبت أن التحريم والإباحة تابعان للمصالح وإنما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والحال فيكون الشيء الواحد حراما في ملة دون ملة وفي وقت دون وقت وفي مكان دون مكان وفي حال دون حال وهذا معلوم بالاضطرار من الشرائع ولا يليق بحكمة أحكم الحاكمين غير ذلك
ألا ترى أن تحريم السبت لو كان لعينه لكان حراما على إبراهيم ونوح وسائر النبيين
وكذلك ما حرمته التوراة من المطاعم والمناكح وغيرها لو كان حراما لعينه وذاته لوجب تحريمه على كل نبي وفي كل شريعة
وإذا كان الرب تعالى لا حجر عليه بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ويبتلي عباده بما يشاء ويحكم ولا يحكم عليه فما الذي يحيل عليه ويمنعه أن يأمر أمة بأمر من أوامر الشريعة ثم ينهى أمة أخرى عنه أو يحرم محرما على أمة ويبيحه لأمة أخرى
بل أي شيء يمنعه سبحانه أن يفعل ذلك في الشريعة الواحدة في وقتين مختلفين بحسب المصلحة وقد بين ذلك سبحانه وتعالى بقوله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض.
فأخبر سبحانه أن عموم قدرته وملكه وتصرفه في مملكته وخلقه لا يمنعه أن ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء كما أنه يمحو من أحكامه القدرية الكونية ما يشاء ويثبت
فهكذا أحكامه الدينية الأمرية ينسخ منها ما يشاء ويثبت منها ما يشاء فمن أكفر الكفر وأظلم الظلم: أن يعارض الرسول الذي جاء بالبينات والهدى وتدفع نبوته وتجحد رسالته: بكونه أتى بإباحة بعض ما كان محرما على من قبله أو تحريم بعض ما كان مباحا لهم وبالله التوفيق يضل من يشاء ويهدي من يشاء
ومن العجب أن هذه الامة الغضبية تحجر على الله تعالى أن ينسخ ما يشاء من شرائعه وقد تركوا شريعة موسى عليه السلام في أكثر ما هم عليه وتمسكوا بما شرعه لهم أحبارهم وعلماؤهم
فمن ذلك: أنهم يقولون في صلاتهم ما ترجمته هكذا: اللهم اضرب ببوق عظيم لفيفنا واقبضنا جميعا من أربعة أقطار الأرض إلى قدسك سبحانك يا جامع شتات قوم إسرائيل
ويقولون كل يوم ما ترجمته هكذا: أردد حكامنا كالأولين ومسراتنا كالابتداء وابن أو رشليم قرية قدسك في أيامنا وأعزنا بابتنائها سبحانك ياباني يورشليم
فهذا قولهم في صلاتهم مع علمهم بأن موسى وهارون عليهما السلام لم يقولا شيئا من ذلك ولكنها فصول لفقوها بعد زوال دولتهم
وكذلك صيامهم كصوم إحراق بيت المقدس وصوم أحصا وصوم كدليا التي جعلوها فرضا لم يصمها موسى ولا يوشع بن نون وكذلك صوم صلب هامان ليس شيء من ذلك في التوراة وإنما وضعوها لأسباب اقتضت وضعها عندهم
هذا مع أن في التوراة ما ترجمته لا تزيدوا على الأمر الذي أنا موصيكم به شيئا ولا تنقصوا منه شيئا وقد تضمنت التوراة أوامر كثيرة جدا هم مجمعون على تعطيلها وإلغائها فإما أن تكون منسوخة بنصوص أخرى من التوراة أو بنقل صحيح عن موسى عليه السلام أو باجتهاد علمائهم وعلى التقادير الثلاث فقد بطلت شبهتهم في إنكار النسخ ثم من العجب أن أكبر تلك الأوامر التي هم مجمعون على عدم القول والعمل بها إنما يستندون فيها إلى أقوال علمائهم وأمرائهم وقد اتفقوا على تعطيل الرجم للزاني وهو نص التوراة وتعطيل أحكام كثيرة منصوصة في التوراة ومن تلاعب الشيطان بهم
أنهم يزعمون أن الفقهاء إذا أحلوا لهم الشيء صار حلالا وإذا حرموه صار حراما وإن كان نص التوراة بخلافه
وهذا تجويز منهم لنسخهم ما شاءوا من شريعة التوراة فحجروا على الرب تعالى وتقدس أن ينسخ ما يريد من شريعته وجوزوا ذلك لأحبارهم وعلمائهم كما تكبر إبليس أن يسجد لأدم ورأى أن ذلك يغض منه ثم رضي أن يكون قوادا لكل عاص وفاسق
وكما أبى عباد الأصنام أن يكون النبي المرسل إليهم بشرا ثم رضوا أن يكون إلههم ومعبودهم حجرا
وكما نزهت النصارى بتاركتهم عن الولد والصاحبة ولم يتحاشوا من نسبة ذلك إلى الله سبحانه وتعالى وكما نزهت الفرعونية من الجهمية الرب سبحانه أن يكون مستويا على عرشه لئلا يلزم الحصر ثم جعلوه سبحانه في الآبار والحانات وأجواف الحيوانات
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهم ما شددوه على أنفسهم في باب الذبائح وغيرها مما ليس له أصل عن موسى عليه السلام ولا هو في التوراة وإنما هو من أوضاع الحاخاميم وآرائهم وهم فقهاؤهم
ولقد كان لهذه الأمة في قديم الزمان بالشأم والعراق والمدائن مدارس وفقهاء كثيرون وذلك في زمن دولة البابليين والفرس ودولة اليونان والروم حتى اجتمع فقهاؤهم في بعض تلك الدول على تأليف المشنا والتلمود
فأما المشنا فهو الكتاب الأصغر ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة
وأما التلمود فهو الكتاب الأكبر ومبلغه نحو نصف حمل بغل لكبره ولم يكن الفقهاء الذين ألفوه في عصر واحد وإنما ألفوه جيلا بعد جيل فلما نظر المتأخرون منهم إلى هذا التأليف وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه وأن في الزيادات المتأخرة ما يناقض أوائل هذا التأليف علموا أنهم إن لم يقطعوا ذلك ويمنعوا من الزيادة فيه أدى إلى الخلل الذي لا يمكن سده قطعوا الزيادة فيه ومنعوا منها وحظروا على الفقهاء الزيادة فيه وإضافة شيء آخر إليه وحرموا من يضيف إليه شيئا آخر فوقف على ذلك المقدار
وكانت أئمتهم قد حرموا عليهم في هذين الكتابين مؤاكلة الأجانب وهم من كان على غير ملتهم فحرموا عليهم الأكل من ذبيحة من لم يكن على دينهم لأن علماءهم علموا أن دينهم لا يبقى في هذه الجلوة مع كونهم تحت الذل والعبودية إلا أن يصدوهم عن مخالطة من هو على غير ملتهم فحرموا عليهم الأكل من ذبائحهم ومناكحتهم ولم يمكن تقرير ذلك إلا بحجة يبتدعونها من أنفسهم ويكذبون بها على الله تعالى لأن التوراة إنما حرمت عليهم مناكحة غيرهم من الأمم لئلا يوافقوا الأزواج في عبادة الأصنام والشرك وحرم عليهم في التوراة أكل ذبائح الأمم التي يذبحونها قربانا إلى الأصنام لأنه قد سمي عليها اسم غير الله تعالى فأما الذبائح التي لم تذبح قربانا للأصنام فلم تنطق التوراة بتحريمها وإنما نطقت بإباحة الأكل من أيدي غيرهم من الأمم وموسى عليه السلام إنما نهاهم عن مناكحة عباد الأصنام وأكل ما يذبحونها على اسمها
فما بال هؤلاء لا يأكلون من ذبائح المسلمين وهم لا يذبحون للأصنام ولا يذكرون اسمها عليها
فلما نظر أئمتهم إلى أن التوراة غير ناطقة بتحريم مآكل الأمم عليهم إلا عباد الأصنام وأن التوراة قد صرحت بأن تحريم مواكلتهم ومخالطتهم خوف استدارج المخالطة إلى المناكحة وأن مناكحتهم إنما منع منها خوف استتباعها إلى الانتقال إلى أديانهم وعبادة أوثانهم ووجدوا جميع هذا واضحا في التوراة اختلقوا كتابا في علم الذباحة ووضعوا فيه من التشديد والآصار والأغلال ما شغلوهم به عما هم فيه من الذل والمشقة
وذلك أنهم أمروهم أن ينفخوا الرئة حتى يملؤها هواء ويتأملوها هل يخرج الهواء من ثقب منها أم لا فإن خرج منها الهواء حرموها وإن كان بعض أطراف الرئة لاصقا ببعض لم يأكلوه وأمروا الذي يتفقد الذبيحة أن يدخل يده في بطن الذبيحة ويتأمل بأصابعه فإن وجد القلب ملتصقا إلى الظهر أو أحد الجانبين ولو كان الالتصاق بعرق دقيق كالشعرة حرموه ولم يأكلوه وسموه طريفا يعنون بذلك أنه تنجس وأكله حرام
وهذه التسمية هي أصل بلائهم
وذلك أن التوراة حرمت عليهم أكل الطريفا والطريفا: هي الفريسة التي يفترسها الأسد أو الذئب أو غيرها من السباع وهو الذي عبر عنه القرآن بقوله تعالى: وما أكل السبع
والدليل على ذلك: أنه قال في التوراة: ولحما في الصحراء فريسة لا تأكلوه وللكلب ألقوه
وأصل لفظ طريفا طوارف وقد جاءت هذه اللفظة في التوراة في قصة يوسف عليه السلام لما جاء إخوته على قميصه بدم كذب وزعموا أن الذئب افترسه وقال في الترواة: ولحما في الصحراء فريسة لا تأكلوا والفريسة إنما توجد غالبا في الصحراء وكان سبب نزول هذا عليهم: أنهم كانوا ذوي أخبية يسكنون البر لأنهم مكثوا يترددون في التيه أربعين سنة وكانوا لا يجدون طعاما إلا المن والسلوى وهو طائر صغير يشبه السمان وفيه من الخاصية: أن أكل لحمه يلين القلب ويذهب بالخنزوانه والقساوة فإن هذا الطائر يموت إذا سمع صوت الرعد كما أن الخطاف يقتله البرد فألهمه الله سبحانه وتعالى أن يسكن جزائر البحر التي لا يكون بها مطر ولا رعد إلى انقضاء أوان المطر والرعد فيخرج من الجزائر وينتشر في الأرض فجلب الله تعالى إليهم هذا الطائر لينتفعوا به ويكون اغتذاؤهم به كالدواء لغلظ قلوبهم وقسوتها
والمقصود: أن مشايخهم تعدوا في تفسير الطريفا عن موضوعها وما أريد بها وكذلك فقهاؤهم اختلقوا من أنفسهم هذيانات وخرافات تتعلق بالرئة والقلب وقالوا: ما كان من الذبائح سليما من تلك الشروط فهو دحيا ومعنى هذه اللفظة أنه طاهر وما كان خارجا عن هذه الشروط فهو طريفا وتفسيرها: أنه حرام
قالوا: ومعنى نص التوراة ولحما فريسة في الصحراء لا تأكلوه وللكلب ألقوه أي إنكم إذا ذبحتم ذبيحة ولم توجد فيها هذه الشروط فلا تأكلوها بل تبيعونها على من ليس من أهل ملتكم
وفسروا قوله للكلب ألقوه أي لمن ليس من أهل ملتكم فأطعموه وبيعوه وهم أحق بهذا اللقب وأشبه الناس بالكلاب [ فرقتا اليهود ]
ثم إن هذه الأمة الغضبية فرقتان إحداهما: عرفوا أن أولئك السلف الذين ألفوا المشنا والتلمود هم فقهاء اليهود وهم قوم كذابون على الله وعلى موسى النبي وهم أصحاب حماقات وتنطع ودعاوى كاذبة يزعمون أنهم كانوا إذا اختلفوا في شيء من تلك المسائل يوحى الله تعالى إليهم بصوت يسمعه جمهورهم يقول: الحق في هذه المسألة مع الفقيه فلان ويسمون هذا الصوت بث قول فلما نظرت اليهود القراءون وهم أصحاب عانان وبنيامين إلى هذه المحالات الشنيعة وهذا الافتراء الفاحش والكذب البارد وانفصلوا بأنفسهم عن الفقهاء وعن كل من يقول بمقالاتهم وكذبوهم في كل ما افتروا به على الله وزعموا أنه لا يجوز قبول شيء من أقوالهم حيث ادعوا النبوة وأن الله تعالى كان يوحي إليهم كما يوحي إلى الأنبياء
وأما تلك الترهات التي ألفها الحاخاميم وهم فقهاؤهم ونسبوها إلى التوراة وإلى موسى فإن القرائين أطرحوها كلها وألقوها ولم يحرموا شيئا من الذبائح التي يتولون ذباحتها البته ولم يحرموا سوى لحم الجدي بلبن أمه فقط مراعاة لنص التوراة لا تنضج الجدي بلبن أمه وليسوا بأصحاب قياس بل أصحاب ظاهر فقط وأما الفرقة الثانية فهم الربانون وهم أصحاب القياس وهم أكثر عددا من القرائين وفيهم الحاخاميم المفترون على الله تعالى الكذب الذين زعموا أن الله تعالى كان يخاطب جميعهم في كل مسألة مسألهبالصوت الذي يسمونه بث قول
وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم لأن حاخاميمهم أوهموهم أن المأكولات إنما تحل للناس إن استعملوا فيها هذا العلم الذي نسبوه إلى موسى عليه السلام وإلى الله تعالى وأن سائر الأمم لا يعرفون هذا وأنهم إنما شرفهم الله تعالى بهذا وأمثال ذلك من الترهات فصار أحدهم ينظر إلى من ليس على مذهبه وملته كما ينظر إلى الحيوان الهيم وينظر مآكل الأمم وذبائحهم كما ينظر إلى العذرة
وهذا من كيد الشيطان لهم ولعبه بهم فإن الحاخاميم قصدوا بذلك المبالغة في مخالفتهم الأمم والإزراء عليهم ونسبتهم إلى قلة العلم وأنهم اختصوا دون الأمم بهذه الآصار والأغلال والتشديدات
وكلما كان الحاخاميم فيهم أكثر تكلفا وأشد إصرا وأكثر تحريما قالوا: هذا هو العالم الرباني
ومما دعاهم إلى التضييق والتشديد: أنهم مبددون في شرق الأرض وغربها فما من جماعة منهم في بلدة إلا إذا قدم عليهم رجل من أهل دينهم من بلاد بعيدة يظهر لهم الخشونة في دينهم والمبالغة في الاحتياط فإن كان من المتفقهة فهو يسرع في إنكار أشياء عليهم ويوهمهم التنزه عما هم عليهم وينسبهم إلى قلة الدين وينسب ما ينكره عليهم إلى مشايخه وإلى أهل بلده ويكون في أكثر تلك الأشياء كاذبا وقصده بذلك إما الرياسة عليهم وإما تحصيل بعض مآربه منهم ولا سيما إن أراد المقام عندهم
فتراه أول ما ينزل بهم لا يأكل من أطعمتهم ولا من ذبائحهم ويتأمل سكين ذابحهم وينكر عليهم بعض أمره ويقول: أنا لا آكل إلا من ذبيحة يدي فتراهم معه في عذاب لا يزال ينكر عليهم المباح ويوهمهم تحريمه بأشياء يخترعها حتى لا يشكون في ذلك
فإن قدم عليهم قادم آخر فخاف المقيم أن ينقض عليه القادم تلقاه وأكرمه وسعى في موافقته وتصديقه فيستحسن مافعله الأول ويقول لهم: لقد عظم الله تعالى ثواب فلان إذ قوى ناموس الدين في قلوب هذه الجماعة وشد سياج الشرع عندهم وإذا لقيه يظهر من مدحه وشكره والدعاء له ما يؤكد أمره
وإن كان القادم الثاني منكرا لما جاء به الأول من التشديد والتضييق لم يقع عندهم بموقع وينسبونه إما إلى الجهل وإما إلى رقة الدين لأنهم يعتقدون أن تضييق المعيشة وتحريم الحلال هو المبالغة في الدين
وهم أبدا يعتقدون الصواب والحق مع من يشدد ويضيق عليهم هذا إن كان القادم من فقهائهم
فأما إن كانوا من عبادهم وأحبارهم فهناك ترى العجب العجاب من الناموس الذي يعتمد والسنن التي يحدثها ويلحقها بالفرائض فتراهم مسلمين له منقادين وهو يحتلب درهم ويجتلب درهمهم حتى إذا بلغه أن يهوديا جلس على قارعة الطريق يوم السبت أو اشترى لبنا من مسلم ثلبه وسبه في مجمع اليهود وأباح عرضه ونسبه إلى قلة الدين
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة الغضبية أنهم إذا رأوا الأمر أو النهي مما أمروا به أو نهوا عنه شاقا عليهم طلبوا التخلص منه بوجوه الحيل فإن أعيتهم الحيل قالوا: هذا كان علينا لما كان لنا الملك والرياسة
فمن ذلك: أنهم إذا أقام أخوان في موضع واحد ومات أحدهما ولم يعقب ولدا فلا تخرج امرأة الميت إلى رجل أجنبي بل ولد حميها ينكحها وأول ولد ممن ينكحها ينسب إلى أخيه الدارج فإن أبى أن ينكحها خرجت مشتكية منه إلى مشيخة قومه تقول: قد أبى ابن حمي أن يستبقى اسما لأخيه في إسرائيل ولم يرد نكاحي فيحضره الحاكم هناك ويكلفه أن يقف ويقول: ما أردت نكاحها فتتناول المرأة نعله فتخرجها من رجله وتمسكها بيدها وتبصق في وجهه وتنادي عليه: كذا فليصنع بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه ويدعى فيما بعد: بالمخلوع النعل وينبز بنوه ببني مخلوع النعل
هذا كله مفترض عليهم فيما يزعمون في التوراة وفيه حكمة ملجئة للرجل إلى نكاح زوجة أخيه الدارج فإنه إذا علم أن ذلك يناله إن لم ينكحها آثر نكاحها عليه فإن كان مبغضا لها زهدا في نكاحها أو كانت هي زاهدة في نكاحه مبغضة له استخرج له الفقهاء حيلة يتخلص بها منها وتتخلص منه فيلزمونها الحضور عند الحاكم بمحضر من مشايخهم ويلقنونها أن تقول: أبى ابن حمى أن يقيم لأخيه اسما في إسرائيل لم يرد نكاحي فيلزمونها بالكذب عليه لأنه أراد نكاحها وكرهته وإذا لقنوها هذه الألفاظ قالتها فيأمرونه بالكذب وأن يقوم ويقول: ما أرت نكاحها ولعل ذلك سؤله وأمنيته فيأمرونه بأن يكذب ولم يكفهم أن كذبوا عليه وألزموه أن يكذب حتى سلطوها على الإخراق به والبصاق في وجهه ويسمون هذه المسألة البياما والجالوس
وقد تقدم من التنبيه على حيلهم في استباحتهم محارم الله تعالى بعض ما فيه كفاية
فالقوم بيت الحيل والمكر والخبث
وقد كانوا يتنوعون في عهد رسول الله بأنواع الحيل والكيد والمكر عليه وعلى أصحابه ويرد الله سبحانه وتعالى ذلك كله عليهم
فتحيلوا عليه وأرادوا قتله مرارا والله تعالى ينجيه من كيدهم
فتحيلوا عليه وصعدوا فوق سطح وأخذوا رحا أرادوا طرحها عليه وهو جالس في ظلحائط فأتاه الوحي فقام منصرفا وأخذ في حربهم وإجلائهم
ومكروا به وظاهروا عليه أعدائه من المشركين فظفره الله تعالى بهم
ومكروا به وأخذوا في جمع العدو له فظفره الله تعالى برئيسهم فقتله
ومكروا به وأرادوا قتله بالسم فأعلمه الله تعالى به ونجاه منه
ومكروا به فسحروه حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله فشفاه الله تعالى وخلصه
ومكروا به في قولهم: آمنوا به وجه النهار واكفروا آخره يريدون بذلك تشكيك المسلمين في نبوته فإنهم إذا اسلموا اول النهار إطمأن المسلمون إليهم وقالوا: قد اتبعوا الحق وظهرت لهم أدلته فيكفرون آخر النهار ويجحدون نبوته ويقولون: لم نقصد إلا الحق واتباعه فلما تبين لنا أنه ليس به رجعنا عن الإيمان به
وهذا من أعظم خبثهم ومكرهم
ولم يزالوا موضعين مجتهدين في المكر والخبث إلى أن أخزاهم الله بيد رسوله وأتباعه ورضي عنهم أعظم الخزي ومزقهم كل ممزق وشتت شملهم كل مشتت
وكانوا يعاهدونه ويصالحونه فإذا خرج لحرب عدوه نقضوا عهده
ولما سلب الله تعالى هذه الأمة ملكها وعزها وأذلها وقطعهم في الأرض انتقلوا من التدبير بالقدرة والسلطان إلى التدبير بالمكر والدهاء والخيانة والخداع وكذلك كل عاجز جبان سلطانه في مكره وخداعه وبهته وكذبه ولذلك كان النساء بيت المكر والخداع والكذب والخيانة كما قال الله تعالى عن شاهد يوسف عليه السلام أنه قال: إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة أنهم يمثلون أنفسهم بعناقيد الكرم وسائر الأمم بالشوك المحيط بأعالي حيطان الكرم
وهذا من غاية جهلهم وسفههم فإن المعتنين بمصالح الكرم إنما يجعلون على أعالي حيطانه الشوك حفظا له وحياطة وصيانة ولسنا نرى لليهود من سائر الأمم إلا الضرر والذل والصغار كما يفعل الناس بالشوك ومن تلاعبه بهم أنهم ينتظرون قائما من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم وأن هذا المنتظر يزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به
وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة الدجال فهم أكثر أتباعه وإلا فمسيح الهدى عيسى بن مريم عليه السلام يقتلهم ولا يبقي منهم أحدا
والأمم الثلاث تنتظر منتظرا يخرج في آخر الزمان فإنهم وعدوا به في كل ملة والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى بن مريم من السماء لكسر الصليب وقتل الخنزير وقتل اعدائه من اليهود وعباده من النصارى وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا
فصل
ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة الغضبية أنهم في العشر الأول من الشهر الأول من كل سنة يقولون في صلاتهم: لم تقول الأمم: أين إلههم انتبه كم تنام يا رب استيقظ من رقدتك
وهؤلاء إنما أقدموا على هذه الكفريات من شدة ضجرهم من الذل والعبودية وانتظار فرج لا يزداد منهم إلا بعدا فأوقعهم ذلك في الكفر والتزندق الذي لا يستحسنه إلا أمثالهم وتجرؤا على الله سبحانه وتعالى بهذه المناجاة القبيحة كأنهم ينخونه بذلك لينتخي لهم ويحمي لنفسه فكأنهم يخبرونه سبحانه وتعالى بأنه قد اختار الخمول لنفسه ولأحبابه ولأبناء أنبيائه فينخونه للنباهة واشتهار الصيت
فترى أحدهم إذا تلا هذه الكلمات في الصلاة يقشعر جلده ولا يشك أن هذه المناجاة تقع عند الله تعالى بموقع عظيم وأنها تؤثر فيه وتحركه وتهره وتنخيه ومن ذلك: أنهم ينسبون إلى الله سبحانه وتعالى الندم على الفعل فمن ذلك: قولهم في التوراة التي بأيديهم: وندم الله سبحانه وتعالى على خلق البشر الذين في الأرض وشق عليه وعاد في رأيه
وذلك عندهم في قصة قوم نوح
وزعموا أن الله سبحانه وتعالى وتقدس لما رأى فساد قوم نوح وأن شركهم وكفرهم قد عظم ندم على خلق البشر
وكثير منهم يقول: إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة وأنه عض على أنامله حتى جرى الدم منها
وقالوا أيضا: إن الله تعالى ندم على تمليكه شاؤول على بني إسرائيل وأنه قال ذلك لشمويل
وعندهم أيضا: أن نوحا عليه السلام لما خرج من السفينة بدأ ببناء مذبح لله تعالى وقرب عليه قرابين وأن الله تعالى استنشق رائحة القتار فقال الله تعالى في ذاته: لن أعاود لعنة الأرض بسبب الناس لأن خاطر البشر مطبوع على الرداءة ولن أهلك جميع الحيوان كما صنعت
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 15 (0 من الأعضاء و 15 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)