وذكر عن ابن زنبور كاتب الحسين أنه أخذ للحسين اثنا عشر صندوقًا فيها كسوة ومال من مال السلطان مبلغه ثمانية آلاف دينار، ونحو من أربعة آلاف دينار لنفسه، ونحو من مائة بغل؛ وانتهب فروض الحسين مضارب الحسين وأصحابه، وطاروا مع من طار، فوافوا الياسرية؛ وكان أكثر النهب مع أصحاب أبي السنا.
ووافى الحسين والفل الياسرية يوم الثلاثاء لست خلون من جمادى الآخرة. ولقي الحسين رجل من التجار في جماعة ممن هبت أموالهم في عسكره، فقال: الحمد لله الذي بيض وجهك! أصعدت في اثني عشر يومًا، وانصرفت في يوم واحد! فتغافل عنه.
قال أبو جعفر: ومما انتهى إلينا من خبر الحسين بن إسماعيل ومن كان معه من القواد والجند الذين كان محمد بن عبد الله بن طاهر استنهضهم من بغداد في هذه السنة لحرب من كان قصد الأنبار وما اتصل بها من البلاد من الأتراك والمغاربة، أنه لما صار إلى الياسرية منصرفه مهزومًا من دمما، أقام بها في بستان ابن الحروري، وأقام من وافى الياسرية من المنهزمة في الجانب الغربي من الياسرية، ومُنعوا من العبور، ونُودي ببغداد فيمن دخلها من الجند الذين في عسكر الحسين أن يلحقوا بالحسين في معسكره، وأجلوا ثلاثة أيام؛ فمن وجد منهم ببغداد بعد ثلاثة ضُرب ثلثمائة سوط، ومُحي اسمه من الديوان. فخرج الناس، وأمر خالد بن عمران في الليلة التي قدم فيها الحسين أن يعسكر في أصحابه بالمحول، وأعطى أصحابه أرزاقهم في تلك الليلة في الشرج، ونودي في أصحابه بالمحول باللحاق به.
ونودي في الفرض القدماء الذين كانوا فرضوا بسبب أبي الحسين يحيى بن عمر بالكوفة خمسمائة رجل، وأصحاب خالد وهم نحو من ألف رجل، فعسكروا بالمحول يوم الثلاثاء لسبع خلون من جمادى الآخرة وأمر ابن طاهر الشاه بن ميكال في صبيحة الليلة التي وافى فيها الحسين أن يتلقاه ويمنعه من دخول بغداد. فلقيه في الطريق، فرده إلى بستان ابن الحروري، وأقاموا يومهم؛ فلما كان الليل صاروا إلى دار ابن طاهر، فوبخه ابن طاهر وأمره بالرجوع إلى الياسرية لينفذ إلى الأنبار مع من ينفذ إليها من الجند؛ فصار من ليلته إلى الياسرية. ثم أمر بإخراج مال لإعطاء شهر واحد لآل هذا العسكر فحمل تسعة آلاف دينار، وصار كتاب ديوان العطاء وديوان العرض إلى الياسرية لعرض الجند وإعطائهم.
فلما كان يوم الجمعة لسبع خلون من جمادى الآخرة وتوجه خالد بن عمران مصعدًا إلى قنطرة بهلايا - وهي موضع السكر - وخرجت معه نحو من عشرين سفينة، وركب عبيد الله بن عبد الله وأحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد إلى عسكر الحسين بن إسماعيل بالياسرية، فقرءوا على الحسين والقواد كتابًا كُتب به عن المستعين، يخبرهم فيه بسوء طاعتهم وما ركبوا من العصيان والتخاذل؛ فقرئ عليهم والعسكر مقيم، والعراض يعرضونهم ليتعرفوا من قُتل ومن غرق من كل قيادة، ونودي باللحاق بعسكرهم؛ فخرجوا وأتاهم كتاب بعض عيونهم بالأنبار يخبر أن القتلى كانت من الأتراك أكثر من مائتين، والجرحى نحوًا من أربعمائة؛ وأن جميع من أسره الأتراك من أهل بغداد الجيشية والفروض من الرجالة مائتان وعشرون إنسانًا، وأنه عدّ رءوس من قتل فوجدها سبعين رأسًا؛ وكانوا أخذوا جماعة من أهل الأسواق. فصاحوا لأبي نصر: نحن أهل السوق، فقال: ما بالكم معهم! فقالوا: أكرهنا فخرجنا، شئنا " أو أبينا " فأطلق من كان منهم يشبه السوقة. وأمر بحبس الأسرى في القطيفة.
وذُكر عن صاحب بغال السلطان: أن جميع ما ذهب من بغال السلطان مائة وعشرون بغلًا.
ورحل الحسين يوم الاثنين لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الآخرة. وكتب إلى خالد بن عمران وهو مقيم على السكر، أن يرحل متقدمًا أمامه، فامتنع خالد من ذلك؛ وذكر أنه لا يبرح من موضعه إلا أن يأتيه قائد في جند كثيف فيقيم مكانه، لأنه يتخوف أن يأتيه الأتراك من خلفه من عسكرهم بناحية قطربل. وأمر ابن طاهر بمال، فحمل إلى الحسين بن إسماعيل لإعطاء جميع من في عسكره رزق شهر واحد؛ ليفرق فيهم بدمما. وأمر أن يخرج معه الكتاب والعراض لأصحابه هنالك، وقلد أمر نفقات عسكره وإعطاء الجند من قبل ديوان الخراج الفضل بن مظفر السبعي، وحمل المال مع السبعي إلى معسكر الحسين، لينفذ معه إذا نفذ.
وقد قيل: إن الحسين ارتحل إلى الأنبار في النصف من ليلة الأربعاء لعشر بقين من جمادى الآخرة، فسار وتبعه من في عسكره يوم الأربعاء؟، ونودي في أصحابه باللحاق به، فسار حتى نزل دمما، وأراد أن يعقد على نهر أنق جسرًا ليعبر عليه، فمانعه الأتراك، فعبر إليهم جماعة من أصحابه من الرجالة، فحاربوهم حتى كشفوهم. وعقد خالد الجسر، فعبر أصحابه ووجه محمد بن عبد الله بكاتبه محمد بن عيسى بشيء تافهه به، فيقال: إنه حمل معه أطواقًا وأسورة، وانصرف إلى منزله، وصار إلى الحسين يوم السبت لثمان خلون من رجب رجل، فأخبره أن الأتراك قد دلوا على عدة مواضع في الفرات، تُخاض إلى عسكره، فأمر بضرب الرجل مائتي سوط، ووكل بالمخاوض رجلًا من قواده، يقال له الحسين بن علي بن يحيى الأرمني في مائة راجل ومائة فارس؛ فطلع أول القوم، فخرج عليهم وقد أتاه منهم أربعة عشر علمًا، فقاتل أحصابه ساعةً، ووكل بالقنطرة أبا السنا، وأمره أن يمنع من انهزم من العبور، فأتى الأتراك المخاضة، فرأوا الموكل بها، فتركوه واقفًا، وصاروا إلى مخاضة أخرى خلف الموكل فقاتلوهم، فصبر الحسين بن علي وقاتل، فقيل للحسين بن إسماعيل، فقصد نحوه، ولم يصل إليه حتى انهزم، وانهزم خالد بن عمران معه ومن معه، ومنعهم أبو السنا من العبور على القنطرة، فرجع الرجالة والخراسانية فرموا بأنفسهم في الفرات، فغرق من لم يحسن السباحة، وعبر من كان يحسن السباحة، فنجا عريانًا، وخرج إلى جزيرة لا يصل منها إلى الشط، لما على الشط من الأتراك، فذكر عن بعض جند الحسين، أنه قال: بعض الحسين بن علي الأرمني إلى الحسين بن إسماعيل أن الأتراك قد وافوا المخاضة، فأتاه الرسول، فقيل: الأمير نائم، فرجع الرسول فأعلمه، فرد آخر، فقال له الحاجب: الأمير في المخرج، فرجع فأخبره. فرد رسولًا ثالثًا، فقال: قد خرج من المخرج ونام؛ فعلت الصيحة فعبر الأتراك، فقعد الحسين في زورق أو شبارة، وانحرد. واستأثر قوم من الخراسانية، ورموا ثيابهم وسلاحهم، وقعدوا على الشط عراةً، وشد أصحاب أعلام الأتراك حتى ضربوا أعلامهم على مضرب الحسين بن إسماعيل، واقتطعوا السوق، وانحدرت عامة السفن، فسلمت إلا ما كان موكلًا به منها، ولحق الأتراك أصحاب الحسين، فوضعوا فيهم السيف؛ فقتلوا وأسروا نحوًا من مائتين، وغرق خلقٌ كثير؛ ووافى الحسين والمنهزمة بغداد نصف الليل. ووافى فلهم وبقيتهم في النهار؛ وفيهم جرحى كثيرة؛ فلم يزالوا إلى نصف النهار يتتابعون عراة مجرحين، وفقد من قواد الحسين بن يوسف البرم وغيره. ثم جاء كتابه أنه أسير في أيدي الأتراك عند مفلح؛ وأن عدة الأسرى من وقعة الحسين الثانية مائة ونيف وسبعون إنسانًا، والقتلى مائة، والدواب نحو من ألفي دابة ومائتي بغل وأكثر، وقيمة السلاح والثياب وغير ذلك أكثر من مائة ألف دينار؛ فقال الهندواني في الحسين بن إسماعيل.
يا أحزم الناس رأيًا في تخلفه ** عن القتال خلطت لصفو بالكدر
لما رأيت سيوف الترك مصلتةً ** علمت ما في سيوف الترك من قدر
فصرت منحجزًا ذلًا ومنقصةً ** والنجح يذهب بين العجز والضجر
ولحق بالمعتز في جمادى الآخرة منها من بغداد جماعة من الكتاب وبني هاشم، ومن القواد مزاحم بن خاقان أرطوج، ومن الكتاب عيسى بن إبراهيم بن نوح ويعقوب بن إسحاق ونمارى ويعقوب بن صالح بن مرشد ومقلة وابنٌ لأبي مزاحم بن يحيى بن خاقان ومن بني هاشم علي ومحمد ابنا الواثق، ومحمد بن هارون بن عيسى بن جعفر، ومحمد بن سليمان من ولد عبد الصمد بن علي، وفيها كانت وقعة بين محمد بن خالد بن يزيد وأحمد المولد وأيوب بن أحمد بالسكير من أرض بني تغلب، وقتل بين الفريقين جماعة كثيرة، وانهزم محمد بن خالد، وانتهب الآخرون متاعه، وهدم أيوب دور آل هارون بن معمر، وقتل من ظفر به من رجالهم.
وفيها كانت لبلكاجور غزوة فتح - فيما ذكر - فيها مطمورة أصاب فيها غنيمة كثيرة، وأسر جماعة من الأعلاج، وورد بذلك على المستعين كتاب تاريخه يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين ومائتين.
وفي يوم السبت لثمان بقين من رجب من هذه السنة كانت وقعة بين محمد بن رجاء وإسماعيل بن فرشاة وبين جعلان التركي بناحية بادرايا وباكسايا، فهزم ابن رجاء وابن فراشة جعلان، وقتلا من أصحابه جماعة وأسرا جماعة.
وفي رجب منها كان - فيما ذكر - وقعة بين ديوداود أبي الساج وبين بايكباك بناحية جرجرايا، قتل فيها أبو الساج بايكباك، وقتل من رجاله جماعة، وأسر منهم جماعة، وغرق منهم في النهروان جماعة.
وفي النصف من رجب منها اجتمع من كان ببغداد من بني هاشم من العباسيين، فصاروا إلى الجزيرة التي بإزاء دار محمد بن عبد الله، فصاحوا بالمستعين وتناولوا محمد بن عبد الله بالشم القبيح، وقالوا: منعنا أرزاقنا، وتدفع الأموال إلى غيرنا ممن لا يستحقها، ونحن نموت هزلًا وجوعًا! فإن دفعت إلينا أرزاقنا وإلا قصدنا إلى الأبواب ففتحناها، وأدخلنا الأتراك؛ فليس يخالفنا أحد من أهل بغداد. فعبر إليهم الشاه بن ميكال، فكلمهم ورفق بهم، وسألهم أن يعبر معه منهم ثلاثة أنفس ليدخلهم على ابن طاهر؛ فامتنعوا من ذلك، وأبوا إلا الصياح وشتم محمد بن عبد الله؛ فانصرف عنهم الشاه؛ فلم يزالوا على حالهم إلى قرب الليل، ثم انصرفوا واجتمعوا من غد ذلك اليوم، فوجه إليهم محمد بن عبد الله، فأمرهم بحضور الدار يوم الاثنين ليأمر من يناظرهم، فصاروا إلى الدار، فأمر محمد بن داود الطوسي بمناظرتهم؛ وبذل لهم رزق شهر واحد؛ وأمرهم أن يقبضوا ذلك، ولا يكلفوا الخليفة أكثر من هذا؛ فأبوا أن يقبضوا رزق شهر، وانصرفوا.
خروج الحسين بن محمد الطالبي وما آل إليه أمره

وفيها خرج بالكوفة رجلٌ من الطالبيين يقال له الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن الحسين بن علي بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، فاستخلف بها رجلًا منهم يقال له محمد بن جعفر بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن حسن، ويكنى أبا أحمد، فوجه إليه المستعين مزاحم بن خاقان أرطوج؛ وكان العلوي بسواد الكوفة في ثلثمائة رجل من بني أسد وثلثمائة رجل من الجارودية والزيدية وعامتهم صوافية؛ وكان العامل يومئذ بالكوفة أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي، فقتل العلوي من أصحاب ابن نصر أحد عشر رجلًا، منهم من جند الكوفة أربعة، وهرب أحمد بن نصر إلى قصر ابن هبيرة؛ فاجتمع هو وهشام بن أبي دلف؛ وكان يلي بعض سواد الكوفة - فلما صار مزاحم إلى قرية شاهى كتب إليه في المقام حتى يوجه إلى العلوي من يرده إلى الفيئة والرجوع. فوجه إليه داود بن القاسم الجعفري، وأمر له بمالٍ، فتوجه إليه وأبطأ داود وخبره على مزاحم، فزحف مزاحم إلى الكوفة من قرية شاهى، فدخلها وقصد العلوى فهرب، فوجه في طلبه قائدًا، وكتب بفتحه الكوفة في خريطة مريشة.
وقد ذكر أن أهل الكوفة عند ورود مزاحم حملوا العلوي على قتاله، ووعدوه النصر، فخرج في غربي الفرات؛ فوجه مزاحم قائدًا من قواده في الشرقي من الفرات، وأمره أن يمضي حتى يعبر قنطرة الكوفة ثم يرجع، فمضى القائد لذلك، وأمر مزاحم بعض أصاحبه الذين بقوا معه أن يعبروا مخاضة الفرات في قرية شاهى، وأن يتقدموا حتى يحاربوا أهل الكوفة ويصافوهم من أمامهم فساروا ومعهم مزاحم، وعبر الفرات، وخلف أثقاله ومن بقي معه من أصحابه؛ فلما رآهم أهل الكوفة ناوشوهم الحرب، ووافاهم قائد مزاحم، فقاتلهم من ورائهم ومزاحم من أمامهم؛ فأطبقوا عليهم جميعًا فلم يفلت منهم أحد.