قال الحسن بن عثمان: فإني لأسمع تشهّدهم وضجيجهم، وهم يقتلون، ولقد ارتفعت أصواتهم بالتشهّد؛ حتى لقد سمعت بالطفّارة، وهم لى بعد من الموضع الذي كانوا به. قال: ولما أتى لى الجمع الذي ذكرنا أبل الزنج على قتل من أصابوا، ودخل علي بن أبان يومئذ، فأحرق المسجد الجامع، وراح إلى الكلاء، فأحرقه من الجبل إلى الجسر، والنار في كلّ ذلك تأخذ في كلّ شيء مرّت به من إنسان وبهيمة وأثاث ومتاع، ثم ألحّوا بالغدوّ والرّواح على من وجدوا يسوقونهم إلى يحيى بن محمد؛ وهو يومئذ نازلٌ بسيحان؛ فمن كان ذا مال قررّه حتى يستخرج ماله، ويقتله، ومن كان مملقًا قتله.
وذكر عن شبل أنه قال: باكر يحيى البصرة يوم الثلاثاء بعد قتل من قتل بباب إبراهيم بن يحيى، فجعل ينادي بالأمان في الناس ليظهروا، فلم يظهر له أحدٌ، وانتهى الخبر إلى الخبيث، فصرف علي بن أبان عن البصرة، وأفرد يحيى بها الموافقة ما كان أتى يحيى من القتل إياه ووقوعه لمحبّته، وأنه استقصر ما كان من علي بن أبان المهلبي من الإمساك عن العيث بناحية بني سعد.
وقد كان علي بن أبان أوفد إلى الخبيث من بني سعد وفدًا، فصاروا إليه، فلم يجدوا عنده خيرًا، فخرجوا إلى عبّادان، وأقام يحيى بالبصرة، فكتب إليه الخبيث يأمره بإظهار استخلاف شبل على البصرة ليسكن الناس، ويظهر المستخفي ومن قد عرف بكثرة المال، فإذا ظهروا أخذوا بالدلالة على ما دفنوا وأخفوا من أموالهم. ففعل ذلك يحيى؛ فكان لا يخلو في يوم من الأيام من جماعة يؤتى بهم، فمن عرف منهم باليسار استنظف ما عنده وقتله، ومن ظهرت له خلته عاجله بالقتل؛ حتى لم يدع أحدًا ظهر له إلا أتى عليه، وهرب الناس على وجوههم، وصرف الخبيث جيشه عن البصرة.
قال محمد بن الحسن: ولما أخرب الخائن البصرة، وانتهى إليه عظيم ما فعل أصحابه فيها، سمعته يقول: دعوت على أهل البصرة في غداة اليوم الذي دخلها أصحابي، واجتهدت في الدعر، وسجدت، وجعلت أدعو في سجودي، فرفعت إلى البصرة، فرأيتها أصحابي يقاتلون فيها، ورأيت بين السماء والأرض رجلًا واقفًا في الهواء في صورة جعفر المعلوف المتولي كان للاستخراج في ديوان الخراج بسامرا، وهو قائم قد خفض يده اليسرى، ورفع يده اليمنى، يريد قلب البصرة بأهلها، فعلمت أن الملائكة تولت إخراجها دون أصحابي، ولو كان أصحابي تولوا ذلك لما بلغوا هذا الأمر العظيم الذي يحكى عنها، وإن الملائكة لتنصرني وتؤيدني في حربي، وتثبت من ضعف قلبه من أصحابي. قال محمد بن الحسن: وانتسب الخبيث إلى يحيى بن زيد بن علي بعد إخراجه بالبصرة، وذلك لمصير جماعة من العلوية الذين كانوا بالبصرة إليه، وأنه كان فيمن أتاه منهم علي بن أحمد بن عيسى بن زيد، وعبد الله بن علي في جماعة من نسائهم وحرمهم، فلما جاءوه ترك الانتساب إلى أحمد بن عيسى وانتسب إلى يحبى بن زيد. قال محمد بن الحسن: سمعت الخبيث وقد حضره جماعة من النوفليين، فقال القاسم بن الحسن النوفلي: إنه قد كان انتهى إلينا أنك من ولد أحمد بن عيسى بن زيد، فقال: لست من ولد عيسى، أنا من ولد يحيى بن زيد. وهو في ذلك كاذب، لأن الإجماع في يحيى أنه لم يعقب إلا بنتًا ماتت وهي ترضع.
ذكر الخبر عن الحرب بين محمد المولد والزنج
وفيها أشخص السلطان محمدًا المولد إلى البصرة لحرب صاحب الزنج، فشخص من سامرا يوم الجمعة لليلة خلت من ذي القعدة.
ذكر الخبر عما كان من أمر المولد هناك
ذكر أن محمدًا المعروف بالمولد لما صار إلى هنالك نزل الأبلة، وجاء بريه، فنزل البصرة، واجتمع إلى بريه من أهل البصرة خلق كثير ممن كان هرب؛ وكان يحيى حين انصرف عن البصرة أقام بالنهر المعروف بالغوثي.
قال محمد: قال شبل: فلما قدم محمد المولد كتب الخبيث إلى يحيى يأمره بالمصير إلى نهر أوا، فصار إليه بالجيش، وأقام يحارب المولد عشرة أيام، ثم أوطن المولد المقام، واستقر وفتر عن الحرب، فكتب الخبيث إلى يحيى يأمره بتبييته، ووجه إليه الشذا مع المعروف بأبي الليث الأصبهاني، فبيته ونهض المولد بأصحابه، فقاتلهم بقية ليلته ومن غدٍ إلى العصر، ثم ولى منصرفًا، ودخل الزنج عسكره، فغنموا ما فيه، فكتب يحيى إلى الخبيث بخبره، فكتب إليه يأمره باتباعه، فاتبعه إلى الحوانيت، وانصرف، فمر بالجامدة فأوقع بأهلها، وانتهب كل ما كان في تلك الرى، وسفك ما در على سفكه من الدماء، ثم سكر بالجالة، فأقام هناك مدة، ثم عاد إلى نهر معقل.
وفيها أخذ محمد المولد سعيد بن أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي، وكان قد تغلب على البطائح، هو وأصحابه من باهلة وأفسدوا الطريق.
وفها خالف محمد بن واصل السلطان بفارس، وغلب عليها.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.
وفيها وثب بسيل المعروف بالصقلي - وقيل له الصقلي وهو من أهل بيت المملكة، لأن صقلبية - على ميخائيل بن توفيل ملك الروم فقتله، وكان ميخائيل منفردًا بالمملكة أربعًا وعشرين سنة، وتملك الصقلي بعده على الروم.
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأمور الجليلة
فمن ذلك ما كان من الموافاة بسعيد بن أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي باب السلطان، وأمر السلطان بضربه بالسياط، فضرب سبعمائة سوط - فيما قيل - في شهر ربيع الآخر منها، فمات فصلب.
وفيها ضرب عنق قاض لصاحب الزنج، كان يقضي له بعبادان، وأعناق أربعة عشر رجلًا من الزنج بباب العامة بسامرا، كانوا أسروا من ناحية البصرة.
وفيها أوق مفلح بأعراب بتكريت، ذكر أنهم كانوا مايلوا الشاري مساورًا.
وفيها أوقع مسرور البلخي بالأكراد اليعقوبية فهزمهم، وأصاب فيهم.
وفيها دخل محمد بن واصل في طاعة السلطان، وسلم الخراج والضياع بفارس إلى محمد بن الحسين بن الفياض.
وعقد المعتمد يوم الاثنين لعشر بقين من شهر ربيع الأول لأبي أحمد أخيه على ديار مضر وقنسرين والعواصم، وجلس يوم الخميس مستهل شهر ربيع الآخر، فخلع عليه وعلى مفلح، فشخصا نحو البصرة وركب وكوبًا، وشيع أبا أحمد إلى بركوار، وانصرف.
ذكر الخبر عن قتل منصور بن جعفر الخياط
وفيها قتل منصور بن جعفر بن دينار الخياط.
ذكر الخبر عن سبب مقتله وكيف كان أمره
ذكر أن الخبيث لما فرغ أصحابه من أمر البصرة، أمر علي بن أبان المهلبي بالمصير إلى جبى لحرب منصور بن جعفر، وهو يومئذ بالأهواز، فخرج إليه، فأقام بإزائه شهرًا، وجعل منصور يأتي عسكر علي وهو مقيم بالخيزرانية، ومنصور إذ ذاك في خف من الرجال، فوجه الخبيث إلى علي ابن أبان باثنتي شرة شذاة مشحونة بجلد أصحابه، وولى أمرها المعروف بأبي الليث الأصبهاني، وأمره بالسمع والطاعة لعلي بن أبان، فصار المعروف بأبي الليث إلى علي، فأقام مخالفًا له، مستبدًا بالرأي عليه، وجاء منصور كما كان يجئ للحرب، ومعه شذوات، فبدر إليه أبو الليث عن غير مؤامرة منه لعلي بن أبان، فظفر منصور بالشذوات التي كانت معه، وقتل فيها من البيضان والزنج خلقًا كثيرًا، وأفلت أبو الليث، فانصرف إلى الخبيث، فانصرف علي بن أبان وجميع من كان معه، فأقاموا شهرًا، ثم رجع على لمحاربة منصور في رجاله، فلما استقر على وجه طلائع يأتونه بأخبار منصور وعساكره، وكان لمنصور وال مقيم بكرنا، فبيت علي بن أبان ذلك القائد، فقتله وقتل عامة من كان معه، وغنم ما كان في عسكره، وأصاب أفراسًا، وأحرق العسكر، وانصرف من ليلته حتى صار في دنانة نهر جبى. وبلغ الخبر منصورًا، فسار حتى انتهى إلى الخيزرانية، فخرج إليه علي في نفير من أصحابه، وكانت الحرب بينهما منذ ضحى ذلك اليوم إلى وقت الظهر، ثم انهزم منصور، وتفرق عنه أصحابه، وانقطع عنهم، وأدركته طائفة من الزنج اتبعوا أثره إلى نهر يعرف بعمر بن مهران، فلم يزل يكر عليهم حتى تقصفت رماحه، ونفدت سهامه، ولم يبق معه سلاح، ثم حمل نفسه على النهر ليعبر، فصاح بحصان كان تحته، فوثب وقصرت رجلاه، فانغمس في الماء.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 9 (0 من الأعضاء و 9 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)