ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ففيها كانت وقعة أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف وعمرو بن الليث الصفار يوم السادس عشر من شهر ربيع الأول.
وفيها كانت أيضًا وقعة بين إسحاق بن كنداج ومحمد بن أبي الساج بالرقة، فانهزم إسحاق؛ وكان ذلك يوم الثلاثاء لتسع خلون من جمادى الأولى.
وفيها قدمت رسل يازمان من طرسوس، فذكروا أن ثلاثة بنين لطاغية الروم وثبوا عليه، فقتلوه وملكوا أحدهم عليهم.
وفيها قيد أبو أحمد لؤلؤًا القادم عليه بالأمان من عند ابن طولون، واستصفى ماله، لثمان بقين من ذي القعدة من هذه السنة.
وذكر أن الذي أخذ من ماله كان أربعمائة ألف دينار.
وذكروا عن لؤلؤ أنه قال: ما عرفت لنفسي ذنبًا استوجبت به ما فعل بي إلا كثرة مالي.
وفيها كانت بين محمد بن أبي الساج وإسحاق بن كنداج وقعة أخرى لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة؛ وكانت الدبرة فيها على ابن كنداج.
وحج بالناس فيها هارون بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن عباس.
ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك شخوص أبي أحمد إلى كرمان لحرب عمرو بن الليث لاثني عشرة بقيت من شهر ربيع الأول.
وفيها غزا يازمان، فبلغ المسكنين، فأسر وغنم، وسلم المسلمون، وذلك في شهر رمضان منها.
وفيها دخل صديق الفرعاني دور سامرا، فأغار على أموال التجار، وأكثر العيث في الناس، وكان صديق هذا يخفر أولًا الطريق، ثم تحول لصًا خاربًا يقطع الطريق.
وحج بالناس فيها هارون بن محمد الهاشمي.
ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من توجيه الطائي جيشًا إلى سامرا بسبب ما أحدث صديق بها وإطلاقه أخاه من السجن؛ وكان أسيرًا عنده، وذلك في المحرم من هذه السنة: ثم خرج الطائي إلى سامرا، وأرسل صديقًا ووعده ومناه وأمنه، فعزم على الدخول إليه في الأمان، فحذره ذلك غلام له يقال له هاشم، وكان - فيما ذكر - شجاعًا، فلم يقبل منه، ودخل سامرا مع أصحابه، وصار إلى الطائي، فأخذه الطائي، ومن دخل معه منهم، فقطع يد صديق ورجله ويد هاشم ورجله وأيدي جماعة من أصحابه وأرجلهم وحبسهم، ثم حملهم في محامل إلى مدينة السلام، وقد أبرزت أيديهم وأرجلهم المقطعة ليراها الناس، ثم حبسوا.
وفيها غزا يازمان في البحر، فأخذ للروم أربعة مراكب.
وفيها تصعلك فارس العبدي، فعاث بناحية سامرا، وصار إلى كوخها، فانتهب دور آل حسنج، فشخص الطائي إليه، فلحقه بالحديثة، فاقتتلا، فهزمه الطائي وأخذ سواده، وصار الطائي إلى دجلة، فدخل طيارة ليعبرها، فأدركه أصحاب العبدي فتعلقوا بكوثل الطيار، فرمى الطائي بنفسه في دجلة، فعبرها سباحة، فلما خرج منها نفض لحيته من الماء، وقال: أيش ظن العبدي؟ أليس أنا أسبح من سمكة! ثم نزل الطائي الجانب الشرقي والعبدي بإزائه في الجانب الغربي.
وفي انصراف الطائي قال علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام:
قد أقبل الطائي، لا أقبلا ** قبح في الأفعال ما أجملا
كأنه من لين ألفاظه ** صبية تمضغ جهد البلا
وفيها أمر أبو أحمد بتقييد الطائي وحبسه، ففعل ذلك لأربع عشرة خلت من شهر رمضان، وختم على كل شيء له، وكان يلي الكوفة وسوادها وطريق خراسان وسامرا والشرطة ببغداد، وخراج بادوريا وقطربل ومسكن وشيئًا من ضياع الخاصة.
وفيها حبس أبو أحمد ابنه أبا العباس، فشغب أصحابه، وحملوا السلاح، وركب غلمانه، واضطربت بغداد لذلك، فركب أبو أحمد لذلك حتى بلغ باب الرصافة، وقال لأصحاب أبي العباس وغلمانه فيما ذكر: ما شأنكم؟ أترونكم أشفق على ابني مني! هو ولدي، واحتجت إلى تقويمه.
فانصرف الناس ووضعوا السلاح، وذلك يوم الثلاثاء لست خلون من شوال من هذه السنة.
وحج بالناس فيها هارون بن محمد الهاشمي.
ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ضم الشرطة بمدينة السلام إلى عمرو بن الليث، وكتب فيها على الأعلام والمطارد والترسة - التي تكون في مجلس الجسر - اسمه، وذلك في المحرم.
ولأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول من هذه السنة شخص أبو أحمد من مدينة السلام إلى الجبل، وكان سبب شخوصه إليها - فيما ذكر - أن الماذرائي كاتب اذكوتكين، أخبره أن له هنالك مالًا عظيمًا، وأنه إن شخص صار ذلك إليه، فشخص إليه فلم يجد من المال الذي أخبره به شيئًا، فلما لم يجد ذلك شخص إلى الكرج، ثم إلى أصبهان يريد أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف، فتنحى له أحمد بن عبد العزيز عن البلد بجيشه وعياله، وترك داره بفرشها لينزلها أبو أحمد إذا قدم.
وقدم محمد بن أبي الساج على أبي أحمد قبل شخوصه من مضربه بباب خراسان هاربًا من ابن طولون، بعد وقعات كانت بينهما، ضعف في آخر ذلك ابن أبي الساج عن مقاومته، لقلة من معه وكثرة من مع ابن طولون من الرجال، فلحق بأبي أحمد فانضم إليه، فخلع أبو أحمد عليه، وأخرجه معه إلى الجبل.