وفيها ولى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر شرطة بغداد، من قبل عمرو بن الليث في شهر ربيع الآخر.
وفيها ورد الخبر بانفراج تل بنهر الصلة - ويعرف بتل بني شقيق - عن سبعة أقبر فيها أبدان صحيحة، عليها أكفان جدد لينة، لها أهداب، تفوح منها رائحة المسك، أحدهم شاب له جمة، وجبهته وأذناه وخداه وأنفه وشفتاه وذقنه وأشفار عينيه صحيحة، وعلى شفتيه بلل، كأنه قد شرب ماء؛ وكأنه قد كحل، وبه ضربة في خاصرته، فردت عليه أكفانه.
وحدثني بعض أصحابنا أنه جذب من شعر بعضهم، فوجده قوى الأصل نحو قوة شعر الحي، وذكر أن التل انفرج عن هذه القبور عن شبه الحوض من حجر في لون المسن، عليه كتاب لا يدري ما هو! وفيها أمر بطرح المطارد والأعلام والترسة التي كانت في مجالس الشرطة التي عليها اسم عمرو بن الليث، وإسقاط ذكره، وذلك لإحدى عشرة خلت من شوال.
وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي، وكان واليًا على مكة والمدينة والطائف.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائتين

ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها

فمن ذلك دعاء يازمان بطرسوس لخمارويه بن أحمد بن طولون؛ وكان سبب ذلك - فيما ذكر - أن خمارويه وجه إليه بثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسين ومائة دابة وخمسين ومائة ممطر وسلاح، فلما وصل إليه دعا له، ثم وجه إليه بخمسين ألف دينار. وفي أول شهر ربيع الآخر كان بين وصيف خادم ابن أبي الساج والبرابرة أصحاب أبي الصقر شر؛ فاقتتلوا، فقتل من غلمان الخادم أربعة غلمان ومن البرابرة سبعة؛ فكانت الحرب بينهم بباب الشأم إلى شارع باب الكوفة، فركب إليهم أبو الصقر، فكلمهم فتفرقوا، ثم عادوا للشر بعد يومين، فركب إليهم أبو الصقر فسكنهم.
وفيها ولي يوسف بن يعقوب المظالم، فأمر أن ينادي: من كانت له مظلمة قبل الأمير الناصر لدين الله أو أحد من الناس فليحضر.
وتقدم إلى صاحب الشرطة ألا يطلق أحدًا من المحبسين إلا من رأى إطلاقه يوسف، بعد أن يعرض عليهم قصصهم.
وفي أول يوم من شعبان قدم قائد من قواد ابن طولون في جيش عظيم من الفرسان والرجاله بغداد.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بن هارون الهاشمي.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك الحرب التي كانت بين أصحاب وصيف الخادم والبربر وأصحاب موسى، ابن أخت مفلح أربعة أيام تباعًا، ثم اصطلحوا؛ وقد قتل بينهم بضعة عشر رجلًا، وذلك في أول المحرم، ثم وقع في الجانب الشرقي حرب بين النصريين وأصحاب يونس، قتل فيها رجل، ثم افترقوا.
وفيها انحدر وصيف خادم ابن أبي الساج إلى واسط بأمر أبي الصقر لتكون عدة له - فيما ذكر - ذلك أنه اصطنعه وأصحابه، وأجازه بجوائز كبيرة، وأدر على أصحابه أرزاقهم، وكان قد بلغه قدوم أبي أحمد، فخافه على نفسه لما كان من إتلافه ما كان في بيوت أموال أبي أحمد؛ حتى لم يبق شيء بالهبة التي يهب؛ والجوائز التي كان يجيز، والخلع التي كان يخلع على القواد، وإنفاقه على القواد، فلما نفذ ما في بيت المال، طالب أرباب الضياع بخراج سنة مبهمة عن أرضيهم، وحبس منهم بذلك جماعة؛ وكان الذي يتولى له القيام بذلك الزغل، فعسف على الناس في ذلك.
وقدم أبو أحمد قبل أن يستوظف أداء ذلك منهم، فشغل عن مطالبة الناس بما كان يطالبهم به.
وكان انحدار وصيف في يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من المحرم.
ولليلتين بقيتا من المحرم منها طلع كوكب ذو جمة، ثم صارت الجمة ذؤابة.
ذكر الخبر عن مرض أبي أحمد الموفق ثم موته

وفيها انصرف أبو أحمد من الجبل إلى العراق، وقد اشتد به النقرس حتى لم يقدر على الركوب، فاتخذ له سرير عليه قبة، فكان يقعد عليه، ومعه خادم يبرد رجله بالأشياء الباردة، حتى بلغ من أمره أنه كان يضع عليها الثلج، ثم صارت علة رجله داء الفيل، وكان يحمل سريره أربعون حمالًا يتناوب عليها عشرون عشرون، وربما اشتد بهم أحيانًا، فيأمرهم أن يضعوه.
وذكر أنه قال يومًا للذين يحملونه: قد ضجرتم بحملي، بودي أن أكون كواحد منكم أحمل على رأسي وأكل وأني في عافية.
وأنه قال في مرضه هذا: أطبق دفتري على مائة ألف مرتزق، ما أصبح فيهم أسوأ حالًا مني.
وفي يوم الاثنين لثلاث بقين من المحرم منها وافى أبو أحمد النهروان، فتلقاه أكثر الناس فركب الماء فسار في النهروان، ثم في نهر ديالى، ثم في دجلة إلى الزعفرانية، وصار ليلة الجمعة إلى الفرك، ودخل داره يوم الجمعة لليلتين خلتا من صفر.
ولما كان في يوم الخميس لثمان خلون من صفر، شاع موته بعد انصراف أبي الصقر من داره، وقد كان تقدم في حفظ أبي العباس، فغلقت عليه أبواب دون أبواب، وأخذ أبو الصقر ابن الفياض معه إلى داره، وكان يبقى بناحيته.
وأقام أبو الصقر في داره يومه ذلك، وإزداد الإرجاف بموت أبي أحمد، وكانت اعترته غشية، فوجه أبو الصقر يوم الجمعة إلى المدائن، فحمل منها المعتمد وولده، فجيء بهم إلى داره، وأقام أبو الصقر في داره ولم يصر إلى دار أبي أحمد؛ فلما رأى غلمان أبي أحمد المائلون إلى أبي العباس والرؤساء من غلمان أبي العباس الذين كانوا حضورًا ما قد نزل بأبي أحمد، كسروا أقفال الأبواب المغلقة على أبي العباس.
فذكر عن الغلام الذي كان مع أبي العباس في الحجرة أنه قال لما سمع أبو العباس صوت أقفال تكسر قال: ليس يريد هؤلاء إلا نفسي.
وأخذ سيفًا كان عنده، فاستله، وقعد مستوفزًا والسيف في حجره، وقال لي: تنح أنت، والله لا وصلوا إلي وفي شيء من الروح.
قال: فلما فتح الباب كان أول من دخل عليه وصيف موشكير - وهو غلام أبي العباس - فلما رآه رمى السيف من يده، وعلم أنهم لم يقصدوا إلا الخير، فأخرجوه حتى أقعدوه عند أبيه، وهو بعقب غشيته.
فلما فتح أبو أحمد عينيه، وأفاق رآه، فأدناه وقربه.
ووافى المعتمد - ذلك اليوم الذي وجه إليه في حمله، وهو يوم الجمعة نصف النهار قبل صلاة الجمعة - مدينة السلام، لتسع خلون من صفر، ومعه ابنه جعفر المفوض إلى الله ولي العهد وعبد العزيز ومحمد وإسحاق بنوه، فنزل على أبي الصقر.
ثم بلغ أبا الصقر أن أبا أحمد لم يمت، فوجه إسماعيل بن إسحاق يتعرف له الخبر؛ وذلك يوم السبت.
وجمع أبو الصقر القوات والجند، وشحن داره وما حولها بالرجال والسلاح، ومن داره إلى الجسر كذلك، قطع الجسرين، ووقف قوم على الجسر في الجانب الشرقي يحاربون أصحاب أبي الصقر، فقتل بينهم قتلى، وكانت بينهم جراحات.
وكان أبو طلحة أخو شركب مع أصحابه مقيمين بباب البستان، فرجع إسماعيل، فأعلم أبا الصقر أن أبا أحمد حي، فكان أول من مضى إليه من القواد محمد بن أبي الساج، عبر من نهر عيسى، ثم جعل الناس يتسللون؛ منهم من يعبر إلى باب أبي أحمد، ومنهم من يرجع إلى منزله، ومنهم من يخرج من بغداد؛ فلما رأى أبو الصقر ذلك، وصحت عنده حياة أبي أحمد، انحدار هو وابناه إلى دار أبي أحمد؛ فما ذاكره أبو أحمد شيئًا مما جرى، ولا ساء له عنه.
وأقام في دار أبي أحمد.
فلما رأى المعتمد أنه بقي في الدار وحده، نزل هو وبنوه وبكتمر، فركبوا زورقًا، ثم لقيهم طيار أبي ليلى بن عبد العزيز بن أبي دلف، فحملهم في طياره، ومضى بهم إلى داره، وهي دار علي بن جهشيار برأس الجسر فقال له المعتمد: أريد أن أمضي إلى أخي فأحدره ومن معه من بيته إلى دار أبي أحمد.
وانتهبت دار أبي الصقر وكل ما حوته حتى خرج حرمه حفاة بغير إزار، وانتهبت دار محمد بن سليمان كاتبه، ودار ابن الواثقي انتهبت وأحرقت، وانتهبت دور أسبابه، وكسرت أبواب السجون، ونقبت الحيطان، وخرج كل من كان فيها، وخرج كل من كان في المطبق، وانتهبت مجلسا الجسر، وأخذ كل ما كان فيهما، وانتهبت المنازل التي تقرب من دار أبي الصقر.