صفحة 5 من 7 الأولىالأولى ... 34567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 17 إلى 20 من 25

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء العاشر)


  1. #17
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله أحمد بن عبد الله المهدي المنصور بالله لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذاب عن حرم الله، المختار من ولد رسول الله أمير المؤمنين وإمام المسلمين، ومذل المنافقين خليفة الله على العالمين، وحاصد الظالمين، وقاصم المعتدين، ومبيد الملحدين، وقاتل القاسطين، ومهلك المفسدين، وسراج المبصرين، وضياء المستضيئين، ومشتت المخالفين، والقيم بسنة سيد الرسلين، وولد خير الوصيين، وعلى أهل بيته الطيبين، وسلم كثيرًا، وإلى جعفر بن حميد الكردي: سلام عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلى على جدي محمد رسول الله .
    وأما بعد؛ فقد أنهى إلينا ما حدث قبلك من أخبار أعداء الله الكفرة، وما فعلوه بناحيتك، وأظهروه من الظلم والعيث والفساد في الأرض، فأعظمنا ذلك، ورأينا أن ننفذ إلى ما هناك من جيوشنا من ينقم الله به أعدئه الظالمين، والذين يسعون في الأرض فسادًا، وأنفذنا عطيرًا داعيتنا وجماعة من المؤمنين إلى مدينة حمص، وأمددناهم بالعساكر، ونحن في أثرهم، وقد أوعزنا إليهم في المصير إلى ناحيتك لطلب أعداء الله حيث كانوا، نحن نرجو أن يجرينا الله فيهم على أحسن عوائده عندنا في أمثالهم؛ فينبغي أن تشد قلبك وقلوب من معك من أوليائنا، وتثق بالله وبنصره الذي لم يزل في كل مرق عن الطاعة وانحرف عن الإيمان، وتبادر إلينا بأخبار الناحية، وما يتجدد فيها، ولا تخف عني شيئًا من أمرها إن شاء الله.
    سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله جدي محمد رسول الله، وعلى أهل بيته وسلم كثيرًا.
    نسخة كتاب عامل له إليه:
    بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله أحمد الإمام المهدي المنصور بالله، ثم الصدر كله على مثال نسخة صدر كتابه إلى عامله الذي حكينا في الكتاب الذي قبل هذا الكتاب، إلى ولد خير الوصيين صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين وسلم كثيرًا.
    ثم بعد ذلك من عامر بن عيسى العنقائي.
    سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وادام الله عزه وتأييده، ونصره وسلامته، وكرامته ونعمته وسعادته، وأسبغ نعمه عليه، وزاد في إحسانه إليه، وفضله لديه.
    فقد كان وصل كتاب سيدي أمير المؤمنين أطال الله بقاؤه، يعلمه فيه ما كان من نفوذ بعض الجيوش المنصورة مع قائد من قواده إلى ناحيتنا لمجاهدة أعداء الله بني الفصيص والخائن ابن دحيم، وطلبهم حيث كانوا، والإيقاع بهم وبأسبابهم وضياعهم، ويأمرني أدام الله عزه عند نظري في كتابه بالنهوض في كل من قدرت عليه من أصحابي وعشائري للقائهم ومكانفة الجيش ومعاضدتهم والمسير بسيرهم، والعمد كل ما يومون إليه ويأمرون به، وفهمته، ولم يصل إلي هذا الكتاب أعز الله أمير المؤمنين حتى وافت جيوش المنصورة؛ فنالت طرفًا من ناحية ابن دحيم، وانصرفوا بالكتاب الوارد عليهم من مسرور بن أحمد الداعية ليلقوه بمدينة أفامية.
    ثم ورد علي كتاب مسرور بن أحمد في درجة الكتاب الذي اقتصصت ما فيه في صدر كتابي هذا، يأمرني فيه بجمع من تهيأ من أصحابي وعشيرتي والنهوض إلى ما قبلته، ويحذرني التخلف عنه.
    وكان ورود كتابه علي وقت صح عندنا نزول المارق سبك عبد مفلح مدينة عرقة في زهاء ألف رجل، ما بين فارس وراجل.
    وقد شارف بلدنا، وأطل على ناحيتنا، وقد وجه أحمد بن الوليد عبد أمير المؤمنين أطال الله بقاؤه إلى جميع أصحابه، ووجهت إلى جميع أصحابي، فجمعناهم إلينا ووجهنا العيون إلى ناحية عرقة لنعرف أخبار هذا الخائن، وأين يريد، فيكون قصدنا ذلك الوجه، ونرجوا أن يظفر الله به، ويمكن منه بمنه وقدرته.
    ولولا هذا الحادث، ونزول هذا المارق في هذه الناحية، وإشرافه على بلدنا لما تأخرت في جماعة أصحابي عن النهوض إلى مدينة أفامية، لتكون يدي مع أيدي القواد المقيمين بها لمجاهدة من بتلك الناحية حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
    وأعلمت سيدي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه السبب في تخلفي عن مسرور بن أحمد، ليكون على علم منه.
    ثم إن أمرني أدام الله عزه بالنفوذ إلى أفامية كان نفوذي برأيه، وامتثلت ما يأمرني به إن أشاء الله.
    أتم الله على أمير المؤمنين نعمة وأدام عزه وسلامته، وهنأه كرامته، وألبسه عفوه وعافيته.
    والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين الاختيار.
    وفيها وجه القاسم بن عبيد الله الجيوش إلى صاحب الشامة، وولي حربه محمد بن سليمان الكاتب الذي كان إليه ديوان الجيش، وضم جميع القواد إليه، وأمرهم بالسمع له والطاعة، فنفذ من الرقة في جيش كثيف، وكتب إلى من تقدمه من القواد بالسمع والطاعة.
    وفيها ورد رسولًا صاحب الروم؛ أحدهما خادم، والآخر فحل، يسأله الفداء بمن يده من المسلمين أسير، ومعهما هدايا من صاحب الروم وأسارى من المسلمين بعث بهم إليه، فأجبنا إلى ما سألا، وخلع عليهما.
    وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس ابن محمد.
    ثم دخلت سنة إحدى وتسعين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأمور الجليلة

    ذكر خبر الوقعة بين أصحاب السلطان وصاحب الشامة

    فمن ذلك ما كان من أمر الوقعة بين أصحاب السلطان وصاحب الشامة.
    ذكر الخبر عن هذه الوقعة
    قال أبو حعفر: قد مضى ذكرى شخوص المكتفى مدينة السلام نحو صاحب الشامة لحربه ومصيره إلى الرقة، وبثه جيوشه فيما بين حلب وحمص، وتوليه حرب صاحب الشامة محمد بن سليمان الكاتب وتصييره أمر جيشه وقواده إليه؛ فلما دخلت هذه السنة كتب وزيره القاسم بن عبيد الله إلى محمد ابن سليمان وقواد السلطان يأمره وإياهم بمناهضة ذي الشامة وأصحابه، فساروا إليه حتى صاروا إلى موضع بينهم وبين حماة - فيما قيل - اثنا عشرة ميلًا، فلقوا به أصحاب القرمطي في يوم الثلاثاء لست خلون من المحرم، وكان القرمطي قدم أصحابه وتخلف هو في جماعة من أصحابه، ومعه مال قد كان جمعه، وجعل السواد وراءه، فالتحمت الحرب بين أصحاب السلطان وأصحاب القرمطي، واشتدت، فهزم أصحاب القرمطي، وقتلوا، وأسر من رجالهم بشر كثير، وتفرق الباقون في البوادي، وتبعهم أصحاب السلطان ليلة الأربعاء لسبع خلون من المحرم.
    فلما رأى القرمطي ما نزل بأصحابه من الفلول والهزيمة حمل - فيما قيل - أخًا له يكنى أبا الفضل مالًا، وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع، فيصير إليه، وركب هو وابن عمه المسمى المدثر والمطوق صاحبه وغلام له رومي.
    وأخذ دليلًا، وسار يريد الكوفة عرضًا في البرية، حتى انتهى إلى موضع يعرف بالدالية من أعمال طريق الفرات، فنفذ ما كان معهم من الزاد والعلف، فوجه بعض ما كان معه ليأخذ له ما يحتاجون إليه، فدخل الدالية المعروفة بدالية ابن طوق لشراء حاجه، فأنكروا زيه، وسئل عن أمره فمجمج، فأعلم المتولى مسلحة هذه الناحية بخبره، وهو رجل يعرف بأبي خبزة خليفة أحمد بن محمد بن كمشرد عامل أمير المؤمنين المكتفى على المعاون بالرحبة وطريق الفرات.
    فركب في جماعة، وسأل هذا الرجل عن خبره، فأخبره أن الشامة خلف رابية هنالك في ثلاثة نفر.
    فمضى إليهم، فأخذهم وصار بهم إلى صاحبه، فتوجه بهم ابن كشمرد وأبو خبزة إلى المكتفى بالرقة، ورجعت الجيوش من الطلب بعد أن قتلوا وأسروا جميع من قدروا عليه من أولياء القرمطي وأشياعه، وكتب محمد بن سليمان إلى الوزير بالفتح: " بسم الله الرحمن الرحيم " قد تقدمت كتبي إلى الوزير أعزه الله في خبر القرمطي اللعين وأشياعه؛ بما أرجو أن يكون قد وصل إن شاء الله.
    ولما كان في يوم الثلاثاء لست ليال خلون من المحرم رحلت من الموضع المعروف بالقراونة، نحو موضع يعرف بالعليانة، في جميع العسكر من الأولياء، وزحفنا بهم على مراتبهم في القلب والميمنة والميسرة وغير ذلك؛ فلم أبعد أن وافاتي الخبر بأن الكافر القرمطي أنفذ النعمان ابن أخي إسماعيل بن النعمان أحد دعاته في ثلاثة آلاف فارس، وخلق من الرجالة، وإنه نزل بموضع يعرف بتمتع، بينه وبين حماة اثنا عشرة ميلًا، فاجتمع إليه جميع من كان بمعرة النعمان وبناحية الفصيصي وسائر النواحي من الفرسان والرجالة، فأسررت ذلك عن القواد والناس جميعًا ولم أظهره، وسألت الدليل الذي كان معي عن هذا الموضع، وكم بيننا وبينه، فذكر أنه ستة أميال، فتوكلت على الله عز وجل، وتقدمت إليه في المسير نحوه، فمال بالناس جميعًا، وسرنا حتى وافيت الكفرة، فوجدتهم على تعبئة، ورأينا طلائهم.
    فلما نظروا إلينا مقبلين زحفوا نحونا، وسرنا إليهم، فاقترفوا ستة كراديس، وجعلوا على ميسرتهم - على ما أخبرني من ظفرت به من رؤسائهم - مسرورًا العليصي وأبا الحمل وغلام هارون العليصي، وأبا العذاب ورجاء وصافي وأبا يعلى العلوي، في ألف وخمسمائة فارس، وكمنوا كمينًا في أربعمائة فارس ميسرتهم بإزاء ميمنتنا، وجعلوا في قلب النعمان العليصي والمعروف بأبي الحطي، والحمارى وجماعة من بطلانهم في ألف وأربعمائة فارس وثلاثة آلاف راجل، وفي ميمنتهم كليبًا العليصي والمعروف بالسديد العليصي والحسين بن العليصي وأبا الجراح العليصي وحميد العليصي، وجماعة من نظرائهم في ألف وأربعمائة فارس، وكمنوا مائتي فارس؛ فلم يزالوا زفًا إلينا ونحن نسير نحوهم غير متفرقين، متوكلين على الله عز وجل.
    وقد استحثت الأولياء والغلمان وسائر الناس غيرهم، ووعدتهم.
    فلما رأى بعضنا بعضًا حمل الكردوس الذي كان في ميسرتهم ضربًا بالسياط، فقصد الحسين بن حمدان، وهو في جناح الميمنة، فاستقبلهم الحسين - بارك الله عليه وأحسن جزاءه - بوجهه وبموضعه من سائر أصحابه برماحهم، فكسروها في صدورهم، فانفلوا عنهم، وعاود القرامطة الحمل عليهم، فأخذوا السيوف، واعترضوا ضربًا للوجوه، فصرع من الكفار الفجرة ستمائة فرس في أول وقعة، وأخذ أصحاب الحسين خمسمائة فرس وأربعمائة طوق فضة، وولوا مدبرين مفلولين واتبعهم الحسين، فرجعوا عليه، فلم يزالوا حملة وحملة، وفي خلال ذلك يصرع منهم الجماعة بعد الجماعة؛ حتى أفناهم الله عز وجل، فلم يفلت منهم إلا أقل من مائتي رجل.
    وحمل الكردوس الذي كان في ميمنتهم على القاسم بن سيما ويمن الخادم ومن كان معهما من بني شيبان وبني تميم، فاستقبلوهم بالرماح حتى كسروها فيهم؛ واعتنق بعضهم بعضًا، فقتل من الفجرة جماعة كثيرة.
    وحمل عليهم في وقت حملتهم خليفة بن المبارك ولؤلؤ، وكنت قد جعلته جناحًا لخليفة في ثلثمائة فارس، وجميع أصحاب الخليفة؛ وهو يعاركون بني شيبان وتميم، فقتل من الكفرة مقتلة عظيمة، واتبعوهم، فأخذ بنو شيبان منهم ثلثمائة فرس ومائة طوق، وأخذ أصحاب خليفة مثل ذلك؛ وزحف النعمان ومن معه في القلب إلينا، فحملت ومن معي، وكنت بين القلب والميمنة، وحمل خاقان القشوري بن كمشجور ومن كان معهم في الميمنة، ووصيف موشكير ومحمد بن إسحاق بن كنداجيق وابنا كيغلغ والمبارك القمى وربيعة بن محمد ومهاجر بن طليق والمظفر بن حاج وعبد الله بن حمدان وحي الكبير ووصيف البكتمري وبشر البكتمري ومحمد بن قراطغان.


  • #18
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وكان في جناح الميمنة جميع من حمل على من في القلب ومن انقطع ممن كان حمل الحسين بن حمدان، فلم يزالوا يقتلون الكفار فرسانهم ورجالتهم حتى قتلوا أكثر من خمسة أميال.
    ولما أن تجاوزت المصاف بنصف ميل خفت أن يكون من الكفار مكيدة في الإحتيال على الرجالة والسواد، فوقفت إلى أن لحقوني.
    وجمعتهم وجمعت الناس، إلي وبين يدي المطرد المبارك، مطرد أمير المؤمنين، وقد حملت في الوقت الأول، وحمل الناس.
    ولم يزل عيسى النوشري ضابطًا للسواد من مصاف خلفهم مع فرسانه ورجالته على ما رسمته له، لم يزل من موضعه إلى أن رجع الناس جميعًا إلي من كل موضع، وضربت مضربي في الموضع الذي وقفت فيه؛ حتى نزل الناس جميعًا، ولم أزل واقفًا إلى أن صليت المغرب، حتى استقر العسكر بأهله، ووجهت في الطلائع ثم نزلت؛ وأكثرت حمد الله على ما هنأنا به من النصر، ولم يبق أحد من قواد أمير المؤمنين وغلمانه ولا العجم وغيرهم غاية في نصر هذه الدولة المباركة في المناصحة لها إلا بلغوها؛ بارك الله عليهم جميعًا! ولما استراح الناس خرجت القواد جميعًا لنقيم خارج المعسكر إلى أن يصبح الناس خوفًا من حيلة تقع، وأسأل الله تمام النعمة وإيزاع الشكر؛ وأنا - أعز الله سيدنا الوزير - راحل إلى حماة، ثم أشخص إلى سلمية بمن الله تعالى وعونه، فمن بقي من هؤلاء الكفار فهم بسلمية؛ فإنه قد صار إليها منذ ثلاثة أيام، وأحتاج إلى أن يتقدم الوزير بالكتاب إلى جميع القواد وسائر بطون العرب من بني شيبان وتغلب وبني تميم، يجزيهم جميعًا الخير على ما كان في هذه الوقعة؛ فما بقي أحد منهم - صغير ولا كبير - غاية، والحمد لله على ما تفضل به، وإياه أسأل تمام النعمة.
    ولما تقدمت في جمع الرءوس، وجد رأس أبي الحمل ورأس أبي العذاب وأبي البغل.
    وقيل أن النعمان قد قتل؛ وقد تقدمت في طلبه، وأخذ رأسه وحمله مع الرءوس إلى حضرة أمير المؤمنين إن شاء الله.
    وفي يوم الاثنين الأربع بقين من المحرم، أدخل صاحب الشامة إلى الرقة ظاهرًا للناس فالج، عليه برنس حرير ودراعه ديباج، وبين يديه المدثر والمطوق على جملين.
    ثم إن المكتفى خلف عساكره مع محمد بن سليمان، وشخص في خاصته وغلمانه وخدمه، وشخص معه القاسم بن عبيد الله من الرقة إلى بغداد، وحمل معه القرمطي والمدثر والمطوق وجماعة من أسارى الوقعة، وذلك في أول صفر من هذه السنة.
    فلما صار إلى بغداد عزم - فيما ذكر - على أن يدخل القرمطي مدينة السلام مصلوبًا على دقل، والد قل على ظهر فيل؛ فأمر بهدم طاقات الأبواب التي يجتاز بها الفيل، وإن كانت أقصر من الدقل؛ وذلك مثل باب الطاق وباب الرصافة وغيرهما.
    ثم استمسج المكتفى - فيما ذكر - فعل ما كان عزم عليه من ذاك، فعمل له دميانة - غلام يازمان - كرسيًا، وركب الكرسي على ظهر الفيل، وكان ارتفاعه عن ظهر الفيل ذراعين ونصف الذراع - فيما قيل - ودخل المكتفى مدينة السلام بغداد صبيحة يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربع الأول، وقدم الأسرى بين يديه على جمال مقيدين، عليهم دراريع حرير وبرانس حرير، والمطوق في وسطهم، غلام ما خرجت لحيته، قد جعل في فيه خشبة مخروطة، وشدت إلى قفاه كهيئة اللجام، وذلك أنه لما أدخل الرقة كان يشم الناس إذا دعوا عليه، ويبزق عليهم، ففعل ذلك لئلا يشم إنسانًا.
    ثم أمر المكتفى ببناء دكة في المصلى العتيق من الجانب الشرقي، تكسيرها عشرون ذراعًا في عشرين ذراعًا، وارتفاعها نحو من عشرة أذرع، وبنى لها درج يصعد منها إليها.
    وكان المكتفى خلف مع محمد بن سليمان عساكره بالرقة عند منصرفه إلى مدينة السلام، فتلقط محمد بن سليمان من كان في تلك الناحية من قواد القرمطي وقضاته وأصحاب شرطة، فأخذهم وقيدهم، وانحدر والقواد الذين تخلفوا معه إلى مدينة السلام على طريق الفرات، فوافى باب الأنبار ليلة الخميس لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، ومعه جماعة من القواد، منهم خاقان المفلحي ومحمد بن إسحاق بن كنداجيق وغيرهما: فأمر القواد الذين ببغداد بتلقي محمد بن سليمان والدخول معه، فدخل بغداد وبين يديه نيف وسبعون أسيرًا، حتى صار إلى الثريا، فخلع عليه، وطوق بطوق من ذهب وسور بسوارين من ذهب، وخلع على جميع القواد القادمين معه، وطوقوا وسوروا وصرفوا إلى منازلهم، وأمر بالأسرى إلى السجن.
    وذكر عن صاحب الشامة أنه أخذ وهو في حبس المكتفى سكرجة من المائدة التي تدخل إليه فكسرها، وأخذ شظية منها فقطع بها بعض عروق نفسه، فخرج منه دم كثير، ثم شد يده.
    فلما وقف المولي خدمته على ذلك سأله: لم فعل ذلك؟ فقال: هاج بي الدم فأخرجته.
    فترك حتى صلح، ورجعت إليه قوته.
    ولما كان يوم الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الأول أمر المكتفى القواد والغلمان بحضور الدكة التي أمر ببنائها، وخرج من الناس خلق كثير لحضورها، فحضروها، وحضر أحمد بن محمد الواثقي وهو يومئذ يلي الشرطة بمدينة السلام ومحمد بن سليمان كاتب الجيش الدكة، فقعدا عليها، وحمل الأسرى الذين جاء بهم المكتفى معه من الرقة والذين جاء بهم محمد بن سليمان ومن كان في السجن من القرامطة الذين جمعوا الكوفة، وقوم من أهل بغداد كانوا على رأى القرامطة، وقوم من الرفوغ من سائر البلدان من غير القرامطة - وكانوا قليلًا - فجيء بهم على جمال، وأحضروا الدكة، ووقفوا على جمالهم، ووكل بكل رجل منهم عونان، فقيل: إنهم كانوا ثلثمائة ونيفًا وعشرين، وقيل ثلثمائة وستين، وجيء بالقرمطي الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة؛ ومعه ابن عمه المعروف بالمدثر على بغل في عمارية، وقد أسبل عليها الغشاء، ومعهما جماعة من الفرسان والرجالة، فصعد بهما إلى الدكة وأقعدا، وقدم أربعة وثلاثون إنسانًا من هؤلاء الأسارى، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وضربت أعناقهم واحدًا بعد واحد، كان يأخذ الرجل فيبطح على وجهه فيقطع يمنى يديه، ويحلق بها إلى أسفل ليراها الناس، ثم تقطع رجله اليسرى، ثم يسرى يديه، ثم يمنى رجليه، ويرمى بما قطع منه إلى أسفل، ثم يقعد فيمد رأسه، فيضرب عنقه، ويرمى برأسه وجثته إلى أسفل.
    وكانت جماعة من هؤلاء الأسرى قليلة يضجون ويستغيثون، ويحلفون أنهم ليس من القرامطة.
    فلما فرغ من قتل هؤلاء الأربعة والثلاثين النفس - وكانوا من وجوه أصحاب القرمطي - فيما ذكر - وكبرائهم قدم المدثر، فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه، ثم قدم القرمطي فضرب مائتي سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، وكوى فغشي عليه، ثم أخذ خشب فأضرمت فيه النار، ووضع في خواصره وبطنه، فجعل يفتح عينيه ثم يغمضهما؛ فلما خافوا أن يموت ضربت عنقه، ورفع رأسه على خشبة، وكبر من على الدكة وكبر سائر الناس.
    فلما قتل انصرف القواد ومن كان حضر ذلك الموضع للنظر إلى ما يفعل بالقرمطي.
    وأقام الواثقي وجماعة من أصحابه في ذلك الموضع إلى وقت العشاء الآخرة، حتى ضرب أعناق باقي الأسرى الذين أحضروا الدكة؛ ثم انصرف.
    فلما كان من غد هذا اليوم حملت رءوس القتلى من المصلى إلى الجسر، وصلب بدن القرمطي في طرف الجسر الأعلى ببغداد، وحفرت لأجساد القتلى في يوم الأربعاء آبار إلى جانب الدكة، وطرحت فيها وطمت، ثم أمر بعد أيام بهدم الدكة ففعل.
    ولأربع عشرة خلت من شهر ربيع الآخر وافى بغداد القاسم بن سيما منصرفًا عن عمله بطريق الفرات، ومعه رجل من بني العليص من أصحاب القرمطي صاحب الشامة؛ دخل إليه بأمان، وكان أحد دعاة القرمطي، يكنى أبا محمد.
    وكان سبب دخوله في الأمان أن السلطان راسله ووعده الإحسان إن هو دخل الأمان؛ وذلك أنه لم يكن بقي من رؤساء القرامطة بنواحي الشأم غيره، وكان من موالي بني العليص، فر وقت الوقعة إلى بعض نواحي الغامضة، فأفلت.
    ثم رغب الدخول في الأمان والطاعة خوفًا على نفسه، فوافى هو ومن معه مدينة السلام، وهم نيف وستون رجلًا، فأمنوا وأحسن إليهم، ووصلوا بمال حمل إليهم، وأخرج هو ومن معه إلى رحبة مالك بن طوق مع القاسم بن سيما، وأجريت لهم الأرزاق، فلما وصل القاسم بن سيما إلى عمله وهم معه، وأقاموا معه مدة، ثم أجمعوا على الغدر بالقاسم بن سيما، وئلتمروا به، ووقف على ذلك من عزمهم، فبادرهم ووضع السيف فيهم فأبارهم، وأسر جماعة منهم، فارتدع من بقي من بني العليص ومواليهم، وذلوا، ولزموا أرض السماوة وناحيتها مدة حتى راسلهم الخبيث زكرويه، وأعلمهم أن مما أوحى إليه، أن المعروف بالشيخ وأخاه يقتلان، وأن إمامه الذي يوحى إليه يظهر ويظفر.
    وفي يوم الخميس لتسع خلون من جمادى الأولى زوج المكتفى ابنه محمدًا ويكنى أبا أحمد بابنه أبي الحسين القاسم بن عبيد الله على صداق مائة ألف دينار.
    وفي آخر جمادى الأولى من هذه السنة ورد - فيما ذكر - كتاب من ناحية جبي، يذكر فيه أن جبي وما يليها جاءها سيل في واد من الجبل، فغرق نحوًا من ثلاثين فرسخًا، وغرق في ذلك خلق كثير، وغرقت المواشي والغلات، وخرجت المنازل والقرى، وأخرج من الغرقى ألف ومائتا نفس، سوى من لم يلحق منهم.
    وفي يوم الأحد غرة رجب خلع المكتفى على محمد بن سليمان كاتب الجيش وعلى جماعة من وجوه القواد، منهم محمد ابن إسحاق بن كنداجيق، وخليفة بن المبارك المعروف بأبي الأغر وابنا كيغلغ، وبندقة بن كمشجور وغيرهم من القواد، وأمرهم بالسمع والطاعة لمحمد بن سليمان، وخرج محمد بن سليمان والخلع عليه حتى نزل مضربه بباب الشماسية، وعسكر هنالك، وعسكر معه جماعة القواد الذين أخرجوا وبرزوا، وكان خروجهم ذلك قاصدين لدمشق ومصر لقبض الأعمال من هارون بن خمارويه؛ لما تبين للسلطان من ضعفه وضعف من معه وذهاب رجاله بقتل من قتل منهم القرمطي.
    ثم رحل لست خلون من رجب محمد بن سليمان من باب الشماسية ومن ضم إليه من الرجال، وهم زهاء عشرة آلاف رجل، وأمر بالجد في المسير.
    ولثلاث بقين من رجب قرىء في الجامعين بمدينة السلام كتاب ورد من إسماعيل بن أحمد من خراسان، يذكر فيه أن الترك قصدوا المسلمين في جيش عظيم وخلق كثير، وأنه كان في عسكرهم سبعمائة قبة تركية، ولا يكون ذلك إلا للرؤساء منهم، فوجه إليه برجل من قواده في جيش ضمه إليه، ونودي في الناس بالنفير، فخرج من المطوعة ناس كثير، ومضى صاحب العسكر نحو الترك بمن معه، فوافاهم المسلمون وهم غارون، فكبسوهم مع الصبح، فقتل منهم خلق كثير، وانهزم الباقون، واستبيح عسكرهم، وانصرف المسلمون إلى موضعهم سالمين غانمين.
    وفي شعبان منها ورد الخبر أن صاحب الروم وجه عشرة صلبان معها مائة ألف رجل إلى الثغور، وأن جماعة منهم قصدت نحو الحدث، فأغاروا وسبوا من قدروا عليه من المسلمين، وأحرقوا.
    وفي شهر رمضان منها ورد كتاب من القاسم بن سيما من الرحبة على السلطان.
    يذكر فيه أن الأعراب الذين استأمنوا إلى السلطان وإليه من بني العليص ومواليهم ممن كان مع القرمطي نكثوا وغدروا، وأنهم عزموا على أن يكبسوا الرحبة في يوم الفطر، عند اشتغال الناس بصلاة العيد، فيقتلوا من يلحقون، وأن يحرقوا وينهبوا، وإني أوقعت عليهم الحيلة حتى قتلت منهم وأسرت خمسين ومائة نفس، سوى من غرق منهم في الفرات، وإني قادم بالأسرى وفيهم جماعة من رؤسائهم وبرءوس من قتل منهم.


  • #19
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وفي آخر شهر رمضان من هذه السنة ورد كتاب من أبي معدان من الرقة - فيما قيل - باتصال الأخبار به من طرسوس أن الله أظهر المعروف بغلام زرافة في غزاة غزاها الروم في هذا الوقت بمدينة تدعى أنطاكية، وزعموا أنها تعادل قسطنطينية، وهذه المدينة على ساحل البحر، وأن غلام زرافة فتحها بالسيف عنوة، وقتل - فيما قيل - خمسة آلاف رجل، وأسر شبيهًا بعدتهم، واستنقذ من الأسارى أربعة آلاف إنسان.
    وأنه أخذ للروم ستين مركبًا، فحملها ما غنم من الفضة والذهب والمتاع والرقيق، وأنه قدر نصيب كل رجل حضر هذه الغزاة، فكان ألف دينار.
    فاستبشر المسلمون بذلك.
    وبادرت بكتابي هذا ليقف على ذلك.
    وكتب يوم الخميس لعشر خلون من شهر رمضان.
    وأقام الحج للناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس ابن محمد.
    ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائتين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث الجليلة

    فمن ذلك ما كان توجيه نزار بن محمد من البصرة إلى السلطان ببغداد رجلًا ذكر أنه أراد الخروج على السلطان، وصار إلى واسط، وأن نزارًا وجه في طلبه من قبض عليه بواسط، وأحدره إلى البصرة، وأنه أخذ بالبصرة قومًا، ذكر أنهم بايعوه.
    فوجه نزار جميعهم في سفينة إلى بغداد، فوقفوا في فرضة البصريين، فحمل هذا الرجل الفالج، وبين يديه ابن له صبي على جمل، ومعه تسعة وثلاثون إنسانًا على جمال، وعلى جماعتهم برانس حرير ودراريع الحرير، وأكثرهم يستغيث ويبكي، ويحلف أنه بريء، وأنه لا يعرف مما ادعى عليه شيئًا، وجازوا بهم في التمارين وباب الكرخ والخلد حتى وصلوا إلى دار المكتفى، فأمر بردهم، وحبسهم في السجن المعروف بالجديد.
    وفي المحرم منها أغار أندر ونقس الرومي على مرعش ونواحيها، فنفر أهل المصيصة وأهل طرسوس، فأصيب أبو الرجال بن أبي بكار في جماعة من المسلمين.
    وفي المحرم منها صار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه، ووجه المكتفى دميانة غلام يازمان من بغداد، وأمره بركوب البحر والمضي إلى مصر ودخول النيل، وقطع المواد عمن بمصر من الجند، فمضى ودخل النيل حتى وصل إلى الجسر، فأقام به، وضيق عليهم.
    وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجيوش على الظهر حتى دنا من الفسطاط، وكاتب القواد الذين بها، فكان أول من خرج إليه بدر الحمامي - وكان رئيس القوم - فكسرهم ذلك، ثم تتابع من يستأمن إليه من قواد المصريين وغيرهم؛ فلما رأى ذلك هارون وبقية من معه، زحفوا إلى محمد بن سليمان، فكانت بينهم وقعات - فيما ذكر - ثم وقع أصحاب هارون في بعض الأيام عصبية فاقتتلوا، فخرج هارون ليسكتهم، فرماه بعض المغاربة بزانة فقتله.
    وبلغ محمد بن سليمان الخبر، فدخل هو ومن معه الفسطاط، واحتوى على دور آل طولون وأسبابهم، وأخذهم جميعًا وهم بضعة عشر رجلًا، فقيدهم وحبسهم، واستصفى أموالهم، وكتب بالفتح، وكانت الوقعة في صفر من هذه السنة.
    وكتب محمد بن سليمان في إشخاص جميع آل طولون وأسبابهم من القواد، وألا يترك أحدًا منهم بمصر ولا بالشأم، وأن يبعث بهم إلى بغداد.
    ففعل ذلك.
    ولثلاث خلون خلت من شهر ربيع الأول منها سقط الحائط الذي على رأس الجسر الأول من الجانب الشرقي من الدار التي كانت لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر على الحسين بن زكرويه القرمطي، وهو مصلوب بقرب ذلك الحائط، فطحنه، فلم يوجد بعد منه شيء.
    وفي شهر رمضان منها ورد الخبر على السلطان بأن قائدًا من قواد المصريين يعرف بالخليجي، يسمى إبراهيم، خلف عن محمد بن سليمان في آخر حدود مصر مع جماعة استمالهم من الجند وغيرهم، ومضى إلى مصر مخالفًا للسلطان، وصار معه عيسى النوشري محاربته، وكان عيسى النوشري العامل على المعونة بها يومئذ، فعجز عن ذلك لكثرة من مع الخليجي، فانحاز عنه إلى الإسكندرية وأخلى مصر فدخلها الخليجي.
    وفيها ندب السلطان لمحاربة الخليجي وإصلاح أمر المغرب فاتكًا مولى المعتضد، وضم إليه بدرًا الحمامي، وجعله مشيرًا عليه فيما يعمل به، وضم إليه جماعة من القواد وجندًا كثيرًا.
    ولسبع خلون من شوال منها خلع على فاتك وبدر الحمامي لما ندبا إليه من الخروج إلى مصر، وأمرا بسرعة الخروج، ثم شخص فاتك وبدر الحمامي لاثنتي عشرة خلت من شوال.
    وللنصف من شوال منها دخل طرسوس رستم بن بردوا واليًا عليها وعلى الثغور الشأمية.
    وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم، وأول يوم من ذلك كان لست بقين من ذي القعدة منها، فكان جملة من فودى به من المسلمين - فيما قيل - ألفًا ونحو مائتي نفس.
    ثم غدر الروم، فانصرفوا، ورجع المسلمون بمن بقي معهم من أسارى الروم، فكان عهد الفداء والهدنة من أبي العشائر والقاضي ابن مكرم؛ فلما كان من أمر أندر ونقس ما كان من غاترته على أهل مرعش وقتله أبا الرجال وغيره، عزل أبو العشائر وولى رستم، فكان الفداء على يديه، وكان المتولى أمر الفداء من قبل الروم يدعى أسطانة.
    وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس ابن محمد.
    ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فمن ذلك ما كان من ورود الخبر لخمس بقين من صفر؛ بأن الخليجي المتغلب على مصر، واقع أحمد بن كيغلغ وجماعة من القواد بالقرب من العريش، فهزمهم أقبح هزيمة، فندب للخروج إليه جماعة من القواد المقيمين بمدينة السلام، فيهم إبراهيم بن كيغلغ، فخرجوا.
    ولسبع خلون من شهر ربيع الأول منها، وافى مدينة السلام قائد من قواد طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث بن الصفار مستأمنًا، يعرف بأبي قابوس، مفارقًا عسكر السجزية، وذلك أن طاهر بن محمد - فيما ذكر - تشاغل باللهو والصيد، ومضى إلى سجستان للصيد والنزهة، فغلب على الأمر بفارس الليث ابن علي بن الليث وسبكرى مولى عمرو بن الليث، ودبر الأمر في عمل طاهر والاسم له، فوقع بينهم وبين أبي قابوس تباعد، ففارقهم وصار إلى باب السلطان، فقبله السلطان، وخلع عليه وعلى جماعة معه وحباه وأكرمه، فكتب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث إلى السلطان، يسأله رد أبي قابوس إليه، ويذكر أنه استكفاه بعض أعمال فارس، وأنه جبى المال، وخرج به معه، ويسأل إن لم يرد إليه أن يحسب له ما ذهب به من مال فارس مما صودر عليه؛ فلم يجبه السلطان إلى شيء من ذلك.
    ذكر الخبر عن ظهور أخي الحسين بن زكرويه

    وفي هذا الشهر من هذه السنة ورد الخبر أن أخًا للحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر، وأنه اجتمع إليه نفر من الأعراب والمتلصصة، فسار بهم نحو دمشق على طريق البر، وعاث بتلك الناحية، وحارب أهلها، فندب للخروج إليه الحسين بن حمدان بن حمدون، فخرج في جماعة كثيرة من الجند، وكان مصير هذا القرمطي إلى دمشق في جمادى الأولى من هذه السنة.
    ثم ورد الخبر أن هذا القرمطي صار إلى طبرية فامتنعوا من إدخاله، فحاربهم حتى دخلها، فقتل عامة من بها من الرجال والنساء، ونهبها، وانصرف إلى ناحية البادية.
    وفي شهر ربيع الآخر ورد الخبر بأن الداعية الذي بنواحي اليمن صار إلى مدينة صنعاء، فحاربه أهلها، فظفر بهم، فقتل أهلها، فلم ينفلت منهم إلا القليل، وتغلب على سائر مدن اليمن.
    عاد الخبر إلى ما كان من أمر أخي ابن زكرويه: فذكر عن محمد بن داود بن الجراح أنه قال: أنفذ زكرويه بن مهرويه بعد ما قتل ابنه صاحب الشامة رجلًا كان يعلم الصبيان بقرية تدعى الزابوقة من عمل الفلوجة، يسمى عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا غانم، فتسمى نصرًا ليعمى أمره، فدار على أحياء كلب يدعى على رأيه، فلم يقبله منهم أحد سوى رجل من بني زياد، يسمى مقداد بن الكيال، فإنه استغوى له طوائف من الأصبغيين المنتميين إلى الفواطم وسواقط من العليصيين وصعاليك من سائر بطون كلب، وقصد ناحية الشأم، وعامل السلطان على دمشق والأردن أحمد بن كيغلغ، وهو مقيم بمصر على حرب ابن خليج، الذي كان خلف محمد بن سليمان، ورجع إلى مصر، فغلب عليها، فاغتنم ذلك عبد الله بن سعيد هذا، وسار إلى مدينتي بصرى وأذرعات من كورتي حوران والبثنية، فحارب أهلها ثم آمنهم. فلما استسلموا قتل مقاتلهم، وسبى ذراريهم، واستصفى أموالهم، ثم سار يؤم دمشق، فخرج إليه جماعة ممن كان مرسومًا بتشحينها من المصريين كان خلفهم أحمد بن كيغلغ مع صالح بن الفضل، فظهروا عليهم، وأثخنوا فيهم. ثم اعتروهم ببذل الأمان لهم، فقتلوا صالحًا، وفضوا عسكره، ولم يطمعوا في مدينة دمشق، وكانوا قد صاروا إليها، فدافعهم أهلها عنها، فقصدوا نحو طبرية مدينة جند الأردن، ولحق بهم جماعة افتتنت من الجند بدمشق، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن بغامردي عامل أحمد بن كيغلغ على الأردن، فكسروه وبذلوا الأمان له، ثم غدروا به، فقتلوه ونهبوا مدينة الأردن، وسبوا النساء، وقتلوا طائفة من أهلها، فأنفذ السلطان الحسين بن حمدان لطلبهم ووجوهًا من القواد، فورد دمشق وقد دخل أعداء الله طبرية، فلما اتصل خبره بهم عطفوا نحو السماوة، وتبعهم الحسين يطلبهم في برية السماوة، وهم يتنقلون من ماء إلى ماء، ويعورونه حتى لجئوا إلى الماءين المعروفين بالدمعانة والحالة، وانقطع الحسين من اتباعهم لعدمه الماء، فعاد إلى الرحبة. وأسرى القرامطةُ مع غاويهم المسمى نصرًا إلى قرية هيت، فصبحوها وأهلها غارون لتسع بقين من شعبان مع طلوع الشمس، فنهب رضها، وقتل من قدر عليه من أهلها، وأحرق المنازل، وانتهب السفن التي في الفرات في غرضتها، وقتل من أهل البلد - فيما قيل - زهاء مائتي نفس ما بين رجل وامرأة وصبي، وأخذ ما قدر عليه من الأموال والمتاع، وأوقر - فيما قيل - ثلاثة آلاف راجلة، كانت معه زهاء مائتي كر حنطة بالمعدل ومن البر والعطر والسقط جميع ما احتاج إليه، وأقام بها بقية اليوم الذي دخلها والذي بعده، ثم رحل عنها بعد المغرب إلى البرية. وإنما أصاب ذلك من ربضها، وتحصن منه أهل المدينة بسورها، فشخص محمد بن إسحاق بن كنداجيق إلى هيت في جماعة من القواد في جيش كثيف بسبب هذا القرمطي، ثم تبعه بعد أيام مؤنس الخازن.


  • #20
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وذكر عن محمد بن داود، أنه قال: إن القرامطة صبحوا هيت وأهلها غارون، فحماهم الله منه بسورها، ثم عجل السلطان محمد بن إسحاق بن كنداجيق نحوهم، فلم يقيموا بها إلا ثلاثًا، حتى قرب محمد بن إسحاق منهم، فهربوا منه نحو الماءين، فنهض محمد نحوهم، فوجدهم قد عوروا المياه بينه وبينهم، فأنفذت إليه من الحضرة الإبل والروايا والزاد. وكتب إلى الحسين ابن حمدان بالنفوذ من جهة الرحبة إليهم ليجتمع هو ومحمد بن إسحاق على الإيقاع بهم، فلما أحس الكلبيون بإشراف الجند عليهم، ائتمروا بعدو الله المسمى نصرًا، فوثبوا عليه، وفتكوا به، وتفرد بقتله رجل منهم يقال له الذئب ابن القائم، وشخص إلى الباب متقربًا بما كان منه، ومستأمنًا لبقيتهم، فأسنيت له الجائزة، وعرف له ما أتاه، وكف عن طلب قومه، فمكث أيامًا ثم هرب، وظفرت بطلائع محمد بن إسحاق برأس المسمى بنصر، فأحتزوه وأدخلوه مدينة السلام، واقتتلت القرامطة بعده، حتى وقعت بينهما الدماء، فصار مقدام بن الكيال إلى ناحية طيىء مفلتًا بما احتوى عليه من الحطام، وصارت فرقة منهم كرهت أمورهم إلى بني أسد المقيمين بنواحي عين التمر، فجاوروهم وأرسلوا إلى السلطان وفدًا يعتذرون مما كان منهم، ويسألون إقرارهم في جوار بني أسد، فأجيبوا إلى ذلك، وحصلت على الماءين بقية الفسقة المستبصرة في دين القرامطة.
    وكتب السلطان إلى حسين بن حمدان في معاودتهم باجتثاث أصولهم، فأنفذ زكرويه إليهم داعية له من أكره أهل السواد يسمى القاسم بن أحمد بن علي، ويعرف بأبي محمد، من رستاق نهر تلحانا، فأعلمهم أن فعل الذئب بن القائم قد أنفره عنهم، وثقل قلبهم عليهم؛ وأنهم قد ارتدوا عن الدين، وأن وقت ظهورهم قد حضر. وقد بايع له بالكوفة أربعون ألف رجل، وفي سوادها أربعمائة ألف رجل، وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله في كتابه في شأن موسى كليمه ، وعدوه فرعون إذ يقول: " موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ". وأن زكرويه يأمرهم أن يخفوا أمرهم، ويظهروا الإنقلاع نحو الشأم، ويسيروا نحو الكوفة حتى يصبحوها في غداة يوم النحر، وهو يوم الخميس لعشر تخلو من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين، فإنهم لا يمنعون منها، وأنه يظهر لهم، وينجز لهم وعده الذي كانت رسله تأتيهم به، وأن يحملوا القاسم بن أحمد معهم. فامتثلوا أمره، ووافوا باب الكوفة، وقد انصرف الناس عن مصلاهم مع إسحاق بن عمران عامل السلطان بها، وكان الذين وافوا باب الكوفة في هذا اليوم - فيما ذكر - ثمانمائة فارس آو نحوها، رأسهم الذبلاني ابن مهروبه من أهل الصوءر. وقيل إنه من أهل جنبلاء، عليهم الدروع والجواشن والآلة الحسنة، ومعهم جماعة من الرجالة على الرواحل، فأوقعوا بمن لحقوه من العوام، وسلبوا جماعة، وقتلوا نحوًا من عشرين نفسًا. وبادر الناس إلى الكوفة فدخلوها، وتنادوا السلاح. فنهض إسحاق بن عمران في أصحابه، ودخل مدينة الكوفة من القرامطة زهاء مائة فارس من الباب المعروف بباب كندة، فاجتمعت العوام وجماعة من أصحاب السلطان، فرموهم بالحجارة وحاربوهم، وألقوا عليهم الستر، فقتل منهم زهاء عشرين نفسًا، وأخرجوهم من المدينة، وخرج إسحاق بن عمران ومن معه من الجند، فصافوا القرامطة الحرب. وأمر إسحاق بن عمران أهل الكوفة بالتحارس لئلًا يجد القرامطة غرة منهم، فيدخلوا المدينة، فلم يزل بينهم إلى وقت العصر يوم النحر، ثم انهزمت القرامطة نحو القادسية، وأصلح أهل الكوفة سورهم وخندقهم، وقاموا مع أصحاب السلطان يحرسون مدينتهم ليلًا ونهارًا.
    وكتب إسحاق بن عمران إلى السلطان يستمده، فندب للخروج إليه جماعة من قواده، منهم طاهر بن علي بن وزير ووصيف بن صوار تكين التركي والفضل بن موسى بن بغا، وبشر الخادم الأفشيني وجني الصفواني ورائق الخزري. وضم إليه جماعة من غلمان الحجر وغيرهم. فشخص أولهم يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة، ولم يرأس واحد منهم؛ كل واحد منهم رئيس على أصحابه. وأمر القاسم بن سيما وغيره من رؤساء الأعراب بجمع الأعراب من البوادي بديار مضر وطريق الفرات ودقوقاء وخانيجار وغيرها من النواحي، لينهضوا إلى هؤلاء القرامطة إذ كان أصحاب السلطان متفرقين في نواحي الشأم ومصر، فمضت الرسائل بذلك إليهم، فحضروا. ثم ورد الخبر فيها بأن الذين شخصوا مددًا لإسحاق بن عمران خرجوا إلى زكرويه في رجالهم، وخلفوا إسحاق بن عمران بالكوفة مع من معه من رجاله ليضبطها، وصاروا إلى موضع بينه وبين القادسية أربعة أميال، يعرف بالصوءر وهي في البرية في العرض، فلقيهم زكرويه هنالك فصافوه يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة.
    وقد قيل كانت الوقعة يوم الأحد لعشر بقين منه، وجعل أصحاب السلطان بينهم وبين سوادهم نحوًا من ميل، ولم يخلفوا أحدًا من المقاتلة عنده، واشتدت الحرب بينهم. وكانت الدبرة أول هذا اليوم على القرمطي وأصحابه حتى كادوا أن يظفروا بهم، وكان زكرويه قد كمن عليهم كمينًا من خلفهم، ولم يشعروا به. فلما انتصف النهار خرج الكمين على السواد فانتهبه، ورأى أصحاب السلطان السيف من ورائهم، فانهزموا أقبح هزيمة، ووضع القرمطي وأصحابه السيف في أصحاب السلطان، فقتلوهم كيف شاءوا، وصبر جماعة من غلمان الحجر من الخزر وغيرهم، وهم زهاء مائة غلام، وقاتلوا حتى قتلوا حميعًا بعد نكاية شديدة نكوها في القرامطة، واحتوت القرامطة على سواد أصحاب السلطان فحازوه، ولم يفلت من أصحاب السلطان إلا من كان في دابته فضل فنجا به، أو من أثخن بالجراح، فطرح نفسه في القتلى، فتحامل بعد انقضاء الوقعة حتى دخل الكوفة. وأخذ للسلطان في هذا السواد، مما كان وجه به مع رجاله من الجمازات، عليها السلاح والآلة زهاء ثلثمائة جمازة، ومن البغال خمسمائة بغل.
    وذكر أن مبلغ من قتل من أصحاب السلطان في هذه الوقعة سوى غلمانهم والحمالين ومن كان في السواد ألف وخمسمائة رجل، فقوى القرمطي وأصحابه بما أخذوا في هذه الوقعة، وتطرف بيادر كانت إلى جانبه، فأخذ منها طعامًا وشعيرًا، وحمله على بغال السلطان إلى عسكره، وارتحل من موضع الوقعة نحوًا من خمسة أميال في العرض إلى موضع يقرب من الموضع المعروف بنهر المثنية، وذلك أن روائح القتلى آذتهم.
    وذكر عن محمد بن داود بن الجراح أنه قال: وافى باب الكوفة الأعراب الذين كان زكرويه راسلهم، وقد انصرف المسلمون عن مصلاتهم مع إسحاق بن عمران، فتفرقوا من جهتين، ودخلوا أبيات الكوفة، وقد ضربوا على القاسم بن أحمد داعية زكرويه قبة، قالوا: هذا ابن رسول الله ، ودعوا: يال ثاراث الحسين! يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب بباب جسر مدينة السلام، وشعارهم: يا أحمد يا محمد - يعنون ابن زكرويه المقتولين. وأظهروا الأعلام البيض، وقدروا أن يستغووا رعاع الكوفيين بذلك القوا، فأسرع إسحاق بن عمران ومن معه المبادرة نحوهم، ودفعهم وقتل من ثبت له منهم، وحضر جماعة من آل أبي طالب، فحاربوا مع إسحاق بن عمران، وحضر جماعة من العامة؛ فحاربوا. فانصرف القرامطة خاسئين، وصاروا إلى قرية تدعى العشيرة من آخر عمل طسوج السالحين ونهر يوسف مما يلي البر من يومهم، وأنفذوا إلى عدو الله زكرويه بن مهرويه من استخرجه من نقير في الأرض، كان متطمرًا فيه سنين كثيرة بقرية الدرية وأهل قرية الصوءر يتلفونه على أيديهم، ويسمونه ولي الله. فسجدوا له لما رأوه، وحضر معه جماعة من دعاته وخاصته، وأعلمهم أن القاسم بن أحمد أعظم الناس عليهم منة، وأنه ردهم إلى الدين بعد خروجهم منه، وأنهم إذا امتثلوا أنجز مواعيدهم، وبلغهم آمالهم. ورمز لهم رموزًا؛ وذكر فيها آيات القرآن، نقلها عن الوجه الذي أنزلت فيه، واعترف لزكرويه حميع من رسخ حب الكفر إلى قلبه؛ من عربي ومولى ونبطي وغيرهم أنه رئيسهم المقدم، وكهفهم وملاذهم، وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل. وسار بهم وهو محجوب عنهم يدعونه السيد، ولا يبرزونه لمن في عسكرهم، والقاسم يتولى الأمور دونه، ويمضيها على رأيه إلى مؤاخر سقى الفرات من عمل الكوفة، وأعلمهم أن أهل السواد قاطبة خارجون إليه، فأقام هنالك نيفًا وعشرين يومًا؛ يبث رسله في السواديين مستلحقين، فلم يلحق بهم من السواديين إلا من لحقته الشقوه، وهم زهاء خمسمائة رجل بنسائهم وأولادهم، وسرب إليه السلطان الجنود، وكتب إلى كل من كان نفذ نحو الأنبار وهيت لضبطها خوفًا من معاودة المقيمين، كانوا بالماءين إليها بالانصراف نحو الكوفة، فعجل إليهم جماعة من القواد منهم، بشر الأفشيني وجنى الصفواني ونحرير العمري، ورائق فتى أمير المؤمنين والغلمان الصغار المعروفين بالحجرية، فأوقعوا بأعداء الله بقرب قرية الصوءر، فقتلوا رجالتهم وجماعة من فرسانهم، وأسلموا بيوتهم في أيديهم، فدخلوها، وتشاغلوا بها، فعطفت القرامطة عليهم فهزموهم.
    وذكر عن بعض من ذكر أنه حضر مجلس محمد بن داود بن الجراح، وقد أدخل إليه قوم من القرامطة، منهم سلف زكرويه، فكان مما حدثه أن قال: كان زكرويه مختفيًا في منزلي في سرداب في داري عليه باب حديد، وكان لنا تنور ننقله، فإذا جاءنا الطلب وضعنا التنور على باب السرداب، وقامت امرأة تسجره؛ فمكث كذلك أربع سنين، وذلك في أيام المعتضد. وكان يقول: لا أخرج والمعتضد في الأحياء. ثم انتقل من منزلي إلى دار قد جعل فيها بيت وراء باب الدار، إذا فتح باب الدار انطبق على باب البيت، فيدخل الداخل فلا يرى باب البيت الذي هو فيه، فلم يزل هذه حاله حتى مات المعتضد، فحينئذ أنفذ الدعاة، وعمل في الخروج.
    ولما ورد خبر الوقعة التي كانت بين القرمطي وأصحاب السلطان بالصوءر على السلطان والناس، أعظموه، وندب للخروج إلى الكوفة من ذكرت من القواد، وجعلت الرئاسة لمحمد بن إسحاق بن كنداج، وضم إليه جماعة من أعراب بني شيبان والنمر زهاء ألفي رجل، وأعطوا الأرزاق.
    ولاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى قدم بغداد من مكة جماعة نحو العشرة، فصاروا إلى باب السلطان، وسألوه توجيه جيش إلى بلدهم، لأنهم على خوف من الخارج بناحية اليمن أن يطأ بلدهم، وإذ كان قد قرب منها بزعمهم.
    وفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب، قرىء على المنبر ببغداد كتاب ورد على السلطان، وأن أهل صنعاء وغيرهم من مدن اليمن اجتمعوا على الخارجي الذي تغلب عليها، فحاربوه وهزموه، وفلوا جموعه، فانحاز إلى موضع من نواحي اليمن، ثم خلع السلطان لثلاث خلون من شوال على مظفر ابن حاج، وعقد له على اليمن، فخرج ابن حاج لخمس خلون من ذي القعدة، ومضى إلى عمله باليمن، فأقام بها حتى مات.
    ولسبع بقين من رجب من هذه السنة، أخرج مضرب المكتفى، فضرب بباب الشماسية على أن يخرج إلى الشأم بسبب ابن الخليج، فوردت خريطة لست بقين منه من مصر من قبل فاتك، يذكر أنه والقواد زحفوا إلى الخليجي، وكانت بينهم حروب كثيرة، وأن آخر حرب جرت بينهم وبينه قتل فيها أكثر أصحابه، ثم انهزم الباقوان، فظفروا بهم، واحتووا على معسكرهم، فهرب الخليجي حتى دخل الفسطاط، فاستر بها عند رجل من أهل البلد، ودخل الأولياء الفسطاط.
    فلما استقروا بها دل على الخليجي، وعلى من كان استر معه ممن شايعه، فقبض عليهم وحبسهم قبله، فكتب إلى فاتك في حمل الخليجي ومن أخذ معه إلى مدينة السلام، فردت مضارب المكتفى التي أخرجت إلى باب الشماسية، ووجه في رد خزائنه، فردت.
    وقد كانت جاوزت تكريت.
    ثم وجه فاتك الخليجي من مصر وجماعة ممن أسر معه مع بشر مولى محمد بن أبي الساج إلى مدينة السلام.
    فلما كان يوم الخميس للنصف من شهر رمضان من هذه السنة أدخل مدينة السلام من باب الشماسية، وقدم بين يديه إحدى وعشرون رجلًا على جمال، وعليهم برانس ودراريع حرير، منهم ابنا بينك - فيما قيل - وابن أشكال الذي كان صار إلى السلطان من عسكر عمرو الصفار في الأمان، وصندل المزاحمي الخادم الأسود.
    فلما وصل الخليجي إلى المكتفى، فنظر إليه أمر بحبسه في الدار، وأمر بحبس الآخرين في الحديد، فوجه بهم إلى ابن عمرويه، وكانت إليه الشرطة ببغداد، ثم خلع المكتفى على وزيره العباس بن الحسن خلعًا، لحسن تدبيره في هذا الفتح، وخلع على بشر الأفشيني.
    ولخمس خلون من شوال أدخل بغداد رأس القرمطي المسمى نصرًا الذي كان انتهب هيت منصوبًا على قناة.
    ولسبع خلون من شوال ورد الخبر مدينة السلام أن الروم أغاروا على قورس، فقاتلهم أهلها، فهوموهم، وقتلوا أكثرهم، وقتلوا رؤساء بني تميم، ودخلوا المدينة، وأحرقوا مسجدها، واستاقوا من بقي من أهلها.
    وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
    ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة
    فمما كان فيها من ذلك دخول ابن كيغلغ طرسوس غازيًا في أول المحرم، وخرج معه رستم، وهي غزاة رستم الثانية، فبلغوا سلندو، ففتح الله عليهم، وصاروا إلى آلس، فحصل في أيديهم نحو من خمسة آلاف رأس، وقتلوا من الروم مقتلة عظيمة، وانصرفوا سالمين.
    خبر زكرويه بن مهرويه القرمطي

    ولاثنتي عشرة خلت من المحرم ورد الخبر مدينة السلام أن زكرويه بن مهرويه القرمطي ارتحل من الموضع المعروف بنهر المثنية، يريد الحاج، وأنه وافى موضعًا بينه وبين واقصة أربعة أميال.
    وذكر عن محمد بن داود أنهم مضوا في البر من جهة المشرق، حتى صاروا بالماء المسمى سلمان، وصار ما بينهم وبين السواد مفازة، فأقام بموضعه يريد الحاج ينتظر القافلة الأولى، ووافت القافلة واقصة لست - أو سبع - خلون من المحرم، فأنذرهم أهل المنزل، وأخبرهم أن بينهم وبينهم أربعة أميال. فارتحلوا ولم يقيموا، فنجوا.
    وكان في هذه القافلة الحسن بن موسى الربعي وسيما الإبراهيمي، فلما أمعنت القافلة في السير صار القرمطي إلى واقصة، فسألهم عن القافلة فأخبروه أنها لم تقم بواقصة، فاتهمهم بإنذارهم إياهم، فقتل من العلافين بها جماعة، وأحرق العلف، وتحصن أهلها في حصنهم، فأقام بها أيامًا، ثم ارتحل عنها نحو زبالة.
    وذكر عن محمد بن داود أنه قال: إن العساكر سارت في طلب زكرويه نحو عيون الطف، ثم انصرف عنه لما علمت بمكانه بسلمان، ونفذ علان بن كشمرد مع قطعة من فرسان الجيش متجردة على طريق جادة مكة نحو زكرويه، حتى نزلوا السبال، فمضى نحو واقصة حتى نزلها بعد أن جازت القافلة الأولى، ومر زكرويه في طريقه بطوائف بني أسد، فأخذها من بيوتها معه، وقصد الحاج المنصرفين إلى مكة، وقصد الجادة نحوهم.
    ووافى الخبر الطير من الحوفة لأربع عشر بقيت من المحرم من هذه السنة بأن زكرويه اعترض قافلة الخراسانية يوم الأحد لإحدى عشرة خلت من المحرم بالعقبة من طريق مكة،

  • صفحة 5 من 7 الأولىالأولى ... 34567 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 6 (0 من الأعضاء و 6 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء التاسع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 109
      آخر مشاركة: 09-11-2010, 12:23 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1