ولابن المبارك
جربت نفسي فما وجدتها لها * من بعد تقوى الأله كالأدب
في كل حالاتها وإن كرهت * أفضل من صمتها عن الكذب
أو غيبة الناس إن عيبتهم * حرمها ذو الجلال في الكتب
قلت لها طائعا وأكرهها * الحلم والعلم زين ذي الحسب
إن كان من فضة كلامك يا * نفس فإن السكوت من ذهب
قال أبو العباس السراج أنشدني يعقوب بن محمد لابن المبارك
أبإذن نزلت بي يا مشيب * أي عيش وقد نزلت يطيب
وكفى الشيب واعظا غير أني * آمل العيش والممات قريب
وكم أنادي الشباب إذ بان * مني وندائي موليا ما يجيب
وبه
ياعائب الفقر ألا تزدجر * عيب الغنى أكثر لو تعتبر
من شرف الفقر ومن فضله * على الغنى لو صح منك النظر
أنك تعصي لتنال الغنى * وليس تعصي الله كي تفتقر
قال حبان بن موسى سمعت ابن المبارك ينشد
كيف القرار وكيف يهدأ مسلم * والمسلمات مع العدو المعتدي
الضاربات خدودهن برنة * الداعيات نبيهن محمد
القائلات إذا خشين فضيحة * جهد المقالة ليتنا لم نولد
ما تستطيع ومالها من حيلة * إلا التستر من أخيها باليد
قال ابوإسحاق الطالقاني كنا عند ابن المبارك فانهد القهندز فأتى بسنين فوجد وزن أحدهما منوان فقال عبد الله
أتيت بسنين قد رمتا * من الحصن لما أثاروا الدفينا
على وزن منوين إحداهما * تقل به الكف شيئا رزينا
ثلاثون سنا على قدرها * تباركت يا أحسن الخالقينا
فماذا يقوم لأفواهها * وما كان يملأ تلك البطونا
إذا ما تذكرت أجسامهم * تصاغرت النفس حتى تهونا
وكل على ذاك ذاق الردى * فبادوا جميعا فهم هامدونا
وجاء من طرق عن ابن المبارك ويقال بل هي لحميد النحوي
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله * إذا كنت فارغا مستريحا
وإذا ما هممت بالنطق بالباطل * فاجعل مكانه تسبيحا
فاغتنام السكوت أفضل من * خوض وإن كنت بالكلام فصيحا
وسمع بعضهم ابن المبارك وهو ينشد على سور طرسوس
ومن البلاء وللبلاء علامة * أن لايرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها * والحر يشبع مرة ويجوع
قال أبو أمية الأسود سمعت ابن المبارك يقول أحب الصالحين ولست منهم وأبغض الطالحين وأنا شر منهم ثم أنشأ يقول
الصمت أزين بالفتى * من منطق في غير حينه
والصدق أجمل * بالفتى في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره * سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفي علي * اذا نظرت إلى قرينه
رب امرئ متيقن * غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه * فابتاع دنياه بدينه
قال أحمد بن عبد الله العجلي حدثني أبي قال لما احتضر ابن المبارك جعل رجل يلقنه قل لا اله إلا الله فأكثر عليه فقال له لست تحسن وأخاف أن تؤذي مسلما بعدي إذا لقنتني فقلت لا اله الله ثم لم أحدث كلاما بعدها فدعني فإذا أحدثت كلاما فلقني حتى تكون آخر كلامي يقال إن الرشيد لما بلغه موت عبد الله قال مات اليوم سيد العلماء قال عبدان بن عثمان مات ابن المبارك بهيت وعانات في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومئة قال حسن بن الربيع قال لي ابن المبارك قبل أن يموت أنا ابن ثلاث وستين سنة قال أحمد بن حنبل ذهبت لأسمع من ابن المبارك فلم أدركه وكان قد قدم بغداد فخرج إلى الثغر ولم أره
قال محمد بن الفضيل بن عياض رأيت ابن المبارك في النوم فقلت أي العمل أفضل قال الأمر الذي كنت فيه قلت الرباط والجهاد قال نعم قلت فما صنع بك ربك قال غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة رواها رجلان عن محمد وقال العباس بن محمد النسفي سمعت أبا حاتم الفربري يقول رأيت ابن المبارك واقفا على باب الجنة بيده مفتاح فقلت ما يوقفك ههنا قال هذا مفتاح الجنة دفعه الي رسول الله وقال حتى أزور الرب فكن أميني في السماء كما كنت أميني في الأرض وقال إسماعيل بن إبراهيم المصيصي رأيت الحارث بن عطية في النوم فسألته فقال غفرلي قلت فابن المبارك قال بخ بخ ذاك في علين ممن يلج على الله كل يوم مرتين وعن نوفل قال رأيت ابن المبارك في النوم فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي برحلتي في الحديث عليك بالقرآن عليك بالقرآن قال علي بن أحمد السواق حدثنا زكريا بن عدي قال رأيت ابن المبارك في النوم فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي برحلتي قال النسائي أثبت الناس في الأوزاعي عبد الله بن المبارك قال الفسوي في تاريخه سمعت الحسن بن الربيع يقول شهدت موت ابن المبارك مات لعشر مضى من رمضان سنة إحدى وثمانين ومئة ومات سحرا ودفناه بهيت
ولبعض الفضلاء
مررت بقبر ابن المبارك غدوة * فأوسعني وعظا وليس بناطق
وقد كنت الذي في جوانحي * غنيا وبالشيب الذي في مفارقي
ولكن أرى الذكرى تنبه عاقلا * ذا هي جاءت من رجال الحقائق
قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم الطائي أخبركم القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن مميل الشافعي سنة ثلاثين وست مئة بمنزله أخبرنا عبد الرحمن بن علي الخرقي أخبرنا نصر بن أحمد السوسي أخبرنا سهل بن بشر أخبرنا علي بن منير الخلال حدثني خالي أحمد بن عتيق الخشاب حدثنا أبو بكر محمد بن أبي الأصبغ حدثنا هاشم بن مرثد سمعت أبا صالح الفراء سمعت ابن المبارك يقول
المرء مثل هلال عند رؤيته * يبدو ضئيلا تراه ثم يتسق
حتى إذا ما تراه ثم اعقبه * كر الجديدن نقصا ثم يمحق
من تاريخ أبي عمر أحمد بن سعيد الصدفي محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى الليثي قال كنا عند مالك فاستؤذن لعبد الله بن المبارك بالدخول فإذن له فرأينا مالكا تزحزح له في مجلسه ثم أقعده بلصقه وما رأيت مالكا تزحزح لأحد في مجلسه غيره فكان القارئ يقرأ على مالك فربما مر بشيء فيسأله مالك ما مذهبكم في هذا أو عندكم في هذا فرأيت ابن المبارك يجاوبه ثم قام فخرج فأعجب مالك بأدبه ثم قال لنا مالك هذا ابن المبارك فقيه خراسان عن المسيب بن واضح قال أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن عياش بأربعين ألف درهم وقال سد بهذه فتنة القوم عنك وسئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا قال أحمد كان ابن المبارك يحدث من كتاب ومن حدث من كتاب لايكاد أن يكون له سقط كثير وكان وكيع يحدث من حفظه فكان يكون له سقط كم يكون حفظ الرجل