- فقال فارس : احكي يمّه القصة اللي انتِ بتعرفيها .. احكيلي قصة جورجيت ولعنتها ..وكيف تعرفتي على ابوي وتجوزتيه.. احكيلي .
وتحت ضغط فارس والحاحه على والدته وفشلها بالتهرب من الحديث في هذا الموضوع .. الا انها رضخت لطلبه واخذت تروي قصتها منذ البداية , وقالت : حينما تعرفت على ابوك "منير الدهري" كان يعمل في التجارة ويتنقل بين المدن وكان كريماً الى ابعد الحدود .. ربطته بوالدي علاقة وثيقة بحكم عملهم في نفس المجال .. تقدم ابوك وطلب يدي من والدي وكان عمري وقتها 17 عاما ... وافق والدي على زواجي منه ولم يكن بحاجة للأخذ برأيي وانا لم استطع ان اعارض .. تزوجت والدك وانتقلت للسكن معه في "الشام"...
وفر لي كل سبل العيش والراحة وكان لطيفاً معي الى ابعد الحدود بل انه كان زوجاً مثالياً .. كان يرفض دائماً ان يعرفني على عائلته "عائلة الدهري" بحجة ان هناك خلافات قائمة بينهما وكنت اعلم بأن ما يقوله غير صحيح وكان هو يعرف ان كلامه غير مقنع لي ولكن لم يكن امامي ما افعله سوى ان ارضى بالامر الواقع وابقى في عزلتي التي وضعوني بها .
سارت الامور طبيعية حتى جاء ذلك اليوم الذي انتظرت فيه عودته الى البيت لأبشره بأنني حامل وانه سيرزق بطفل... لكن الخبر وقع عليه كأنه مصيبة فبدلاً من ان يفرح .. حزن حزناً شديداً.. ومنذ تلك اللحظة تحولت حياتنا الى قلق وتعاسة ولم اكن افهم وقتها لماذا كل هذا واكثر ما كان يحزنني انه كان دائماً يردد : مصيبة اذا جبتِ ولد .. واخذ الغموض الذي يحيط بوالدك يزداد يوماً بعد يوم وهذا الغموض حول حياتي الى جحيم وقررت وقتها ان اتمرد على والدك واخرج من سجني وعزلتي ..
سألت عن عائلة ابوك وتوجهت اليهم وعرفتهم بنفسي وبأني زوجة ابنهم وعلمت وقتها بأن والدك كان متزوجاً من امرأة اخرى وقد انجب منها " طفلة " وبعدها جن جنون ابوك وبدأ يعاملني اسوأ معاملة .. نقلني للعيش وسط عائلة الدهري .. اثرى عائلات الشام في ذلك الوقت .. وبالرغم من انني زوجة ابنهم الا ان الغموض كان يحيط بكل تصرفاتهم فهم لا يثقون بأحد ولا يحبون احداً .. لست انا لوحدي وايضاً زوجة والدك وكذلك زوجات اعمامك وحتى عماتك لم يكونوا يعاملوهن معاملة حسنة .. فجدك كان مستبداً وقاسيا بشكل كبير وكذلك والدك ... وبعد ذلك قام بتطليقي واراد ان اعود الى اهلي ... ولكن جدك رفض ان يسمح لي بالرحيل وقد خيرني .. ان اردت العودة الى اهلي ان اعود لوحدي .. واتركك .. او ان ابقى وسط العائلة واقوم بتربيتك .. فلم يكن امامي الا ان ابقى معك ..
وجدك هو الذي سماك " فارس " وقد كان يحبك كثيراً .. وكان جدك كبير العائلة ... واعمامك كانوا يتعاملون مع الجميع بإحتقار وكان الناس يخافون منهم ولا يحبواهم ولم يكونوا يسمحوا لنا بالاختلاط بأي شخص غريب من خارج العائلة ... وحينما انجبتك وعلم والدك بأني وضعت " ذكرا " اخذ يشتمني ويلعنني .. ولم تكن عائلة الدهري صغيرة وبالرغم من كبرها الا انها كانت متماسكة وكان جدك يتحكم بالصغيرة والكبيرة من شؤون العائلة ... لم يكن اي من اعمامك او اعمام ابوك يستطيع القيام بشيء دون اذن من جدك .. وكون جدك احبك فهذا يعني انك تميزت وسط هذه العائلة .. وللحقيقة بالرغم من قسوة جدك الا انه كان يعاملنا معاملة خاصة مقارنة بباقي نساء عائلة الدهري ، الا انه كان يغضب لو اني قمت بالسؤال عن اي شيء من الامور الغريبة اللي كانوا يقيمونها في الليل بسرية تامة .. والخوف الدائم الذي يعيشون به .
مرت اشهر واصبح عمرك يقارب السنة وانا لا افهم ماذا يحدث حتى اختفى احد اعمامك ولميعد الى البيت ، فخيم على العائلة جو من الحزن والقلق واكثرهم حزناً على غيابه كانت عمتك " ربيحة " التي ربطتني بها علاقة مميزة وقوية .. كنت اهدىء من روعها واخفف من حزنها واحاول ان اطمأنها بأنه سيعود بمشيئة الله .. وان الغائب حجته معاه .. ولا داعي للخوف .. فأجابتني وهي تبكي : انت مش عارفة يا ام فارس اشي .. هو في مرة " ابن الدهري " اختفى ورجع .. ولاد الدهري مصيرهم معروف .. الله يحميلك فارس وما يجيه الدور.
اقشعر بدني من كلام عمتك " ربيحة " وضممتك الى صدري وانتابني شعور بالخوف عليك واستحلفتها ان تخبرني بالقصة...
في البداية رفضت ان تخبرني بشيء ولكنها زادت من فضولي وخوفي .. بقولها .. بقتلوني لو حكيت.. انتِ ما بتعرفيهم .. والله بقتلوني وما برحموني .. لأنهم ما بعرفو الله وقلوبهم ما فيها رحمة.
وخوفي عليك يا فارس ..جعلني الح واتحايل عليها بكل الطرق وليتني لم افعل ذلك ..
- بدأت ربيحة تروي لي القصة التي تقشعر لها الابدان قصة "جورجيت" التي اقسمت ...
على ان تنتقم من كل " ذكر " يحمل دم عائلة الدهري ..
وروت لي كيف ان ابناء عائلة الدهري يختفون الواحد تلو الآخر منذ عشرات السنين .. وكيف ان ستة من اعمامها .. منذ كانت صغيرة .. اختفوا الواحد تلو الآخر وان هذا ثالث اخ يختفي ولا يعود وانهم قد وجدوا واحداً منهم بالصدفة داخل احد القبور ... وكل الجهود التي بذلوها وبالرغم من استعانتهم بعشرات الشيوخ والسحرة من مختلف البلدان لم يستطيعوا ان يمنعوا جورجيت من الانتقام ومطاردتهم في كل مكان..
وروت لي كيف انها رأت وهي صغيرة جدك واعمامها يقتلون زوجة عمها ويدفنونها عقاباً لأنها اخبرت شخصا بهذا الموضوع الذي يعتبرونه سراً ممنوع البوح به على اعتبار انه يشكل " اهانة كبيرة " لعائلة الدهري وخاصة ان عدوها مجرد " امرأة ".
وبعد سماعي لما روته ربيحة انتابني خوف شديد عليك وعلى نفسي من جورجيت ومن هذه العائلة واقسمت لعمتك ربيحة ان لا اخبر احداً بما عرفت وان لا اتصرف بأية طريقة تشير بأني عرفت شيئاً وفعلاً هكذا تصرفت .. ومرت الايام واصبح عمرك سنة بالتمام .. وفي يوم عيد ميلادك الاول وانا في البيت دخلت بيتي امرأة ترتدي الخمار وكلمتني بإسمي وكأنها تعرفني منذ مدة طويلة .. رفعت الخمار عن وجهها ليهل من خلفه " البدر " بجماله
وقالت : لو انك خلفتي بنت كنت ارتحتي .. بس انتِ خلفتي " دهري جديد " وعيلة الدهري حتنقص ومش حتزيد .. والقدر ما منو مفر .. ولعنة جورجيت حتطارد كل ذكر .. غطت وجهها بالخمار .. ولا اذكر ما حدث .. فقد اغمي عليّ وحينما صحوت كان جدك واعمامك يحيطون بي .
سألني جدك عما حدث .. لم استطع وقتها النطق بكلمة وكان جدك واعمامك ينظرون اليّ بنظرة غريبة تثير الخوف .
تركوني وشأني وذهبوا .. اخذت صحتي تتدهور وتسوء مع الوقت ولم اكن اتكلم مع احد .. حبست نفسي في البيت وكنت ارفض الخروج ... وجاءت بعد ايام زوجة والدك لزيارتي وكانت حامل .. وحينما رأيتها وبطريقة تلقائية ودون تفكير .. قلت : يا ربي تخلفي بنت وما تخلفي ولد .. ولم انتبه لوجود جدك معها ولم اعرف ان كان جدك قد سمعني .. ام لم يسمعني ... فهو لم يعلق على شيء ... الا انه طلب مني ان اخرج من البيت وان لا اعزل نفسي عن العائلة وانني ان لم افعل ذلك فسيغضب ...
خوفي من جدك جعلني افعل ذلك واعود من جديد الى سابق عهدي للاختلاط بالعائلة وبزوجات اعمامك واقاربك من عائلة الدهري ... وزادت مصيبتي اكثر حينما اختفت عمتك " ربيحة " ليجن جنون جدك ويقوم بالتحقيق مع معظم نساء العائلة ان كان هناك من يعرف اين ذهبت ولكن دون جدوى ...
خرج جدك واعمامك ووالدك يبحثون عنها واختفوا عدة ايام ثم عادوا من جديد وكانوا يغضبون لو ان احدنا سأل او نطق بإسم " ربيحة " وشعرت بإن مكروهاً ما قد اصاب عمتك " ربيحة " ودب الخوف بقلبي وعلمت بأن الدور سيأتي عليّ لا محالة وقررت الهرب متى سنحت لي الفرصة .
هربت الى والدي في حلب ورويت له القصة بالكامل .. وكان والدي ينوي السفر الى الاردن لغرض التجارة فأصطحبني معه واقمت معه هناك .وفي الاردن اكتملت مصيبتي حينما توفي والدي بحادث سير في الاردن ومرت اسوأ واصعب ايام حياتي بعدها حتى تعرفت على شاب من فلسطين وتزوجته وقد كانت طبيعة عمله تجعله ينتقل من بلد الى آخر .. سافرت معه الى المغرب ومن ثم الى اليمن وبعدها الى مصر واستمر تنقلنا اربع سنوات .. حتى عدنا الى فلسطين واستقر بنا المطاف في الجليل .. وقد اخبر اهله والجميع بأنك ابنه ولم يكن ليشك احد بذلك فقد احبك اكثر من اي شيء آخر .. حتى بعد ان انجبت اخاك " علاء " كان يحبك انت يا فارس اكثر منه .. ومع مرور السنوات نسيت عائلة الدهري وجورجيت وكل هذه القصة ، حتى انها لم تعد تخطر على بالي منذ سنوات ... وهذه هي قصتي مع عائلة الدهري ، التي طواها الزمن قد فُتحت من جديد ..
- كان فارس يصغي بتأثر شديد لقصة والدته المأساوية وما تحملته من عذاب شديد والم .. وقال لها وهو يمسك بيدها : يمّه يا حبيبتي .. انا آسف اللي ذكرتك ورجّعتِك للماضي .. لو كنت بعرف ما فتحت الموضوع .. سامحيني يمه.- فردت عليه : الذنب مش ذنبك يمّه .. هيك القدر بدو .. والله يستر من الايام الجاية عليك .. وهي بعد ثلاثين سنة الدور اجاك يا فارس .
- فقال فارس: انا فهمت يمّه قصتك وقصة ابوي وعمتي ربيحة .. بس لهلأ .. ما فهمت قصة " جورجيت " ولعنة الانتقام اللي عندها .. وقصة جورجيت اذا كانت على زمن جد جدي .. يعني الها اكثر من " مية سنة " وانا مش فاهم جورجيت طيبة ولا ميتة ؟
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)