خرج المال يضيع

ومما جرى لي في تلك الطريق أن الملك العادل رحمه الله قال لي لاتعلم الأدلاء الذين معك بالمال فجعلت أربعة آلاف دينار في خرج على بغل سروجي مجنوب معي وسلمته إلى غلام وجعلت ألفي دينار ونفقه لي وسر فسار دنانير مغربية في خرج على حصان مجنوب معي سلمته إلى غلام، فكنت إذ نزلت جعلت الإخراج في وسط بساط، وردت طرفيه عليها، وبسطت فوقه بساطاً أخراً، وأنام على الاخراج وأقوم وقت الرحيل قبل أصحابي. يجيء الغلمان اللذان معهما الخراجان فيتسلمانهما، فإذا شداهما على الجنائب ركبت وأيقظت أصحابي تهممنا بالرحيل. فنزلنا ليله في تيه بني إسرائيل، فلما قمت جاء الغلام الذي معه البغل المجنوب أخذ الخرج وطرحه على وركي البغل ودار يريد يشده بالسموط، فزل البغل وخرج يركض وعليه الخرج، فركبت حصاني، وقد قدمه الركابي، وقلت لواحد من غلماني أركب أركب. وركضت خلف البغل فما لحقته وهو كأنه حمار وحش، وحصاني قد أعيي من الطريق ولحقني الغلام، فقلت اتبع البغل كذا فمضى وقال والله يا مولاي ما رأيت البغل، ولقيت هذا الخرج قد شلته. فقلت للخرج كنت أطلب، والبغل أهون مفقود. ورجعت إلى المنزلة وإذا البغل قد جاء يركض دخل في طوالة الخيل ووقف فكأنه ماكان قصده ألا تضييع أربعة آلاف دينار.



مقابلة نور الدين

ووصلنا في طريقنا إلى بصرى فوجدنا الملك العادل نور الدين رحمه الله على دمشق. وقد وصل إلى بصرى الأمير أسد الدين شيركوه رحمه الله فسرت معه إلى العسكر، فوصلته ليله الاثنين وأصبحت تحدثت مع نور الدين بما جئت به، فقال لي يا فلان، أهل دمشق أعداء والإفرنج أعداء، ما آمن منهما إذا دخلت بينهما. قلت له فتأذن لي أن أديون من محرومي الجند قوماً آخذهم وارجع، وتنفذ خرج راجل عسقلان، فدرت على سرب الرجالة وقلتيا صاحبنا ارجعوا إلى سوركم ودعونا وإياهم، فإن نصرنا عليهم فأنتم تلحقونا، وإن نصروا علينا كنتم أنتم سالمين عند سوركم فامتنعوا من الرجوع فتركتهم ومضيت إلى الإفرنج، وقد حطوا خيامهم ليضربوها فاحتطنا بهم وعجلنا هم عن طي خيامهم فرموها كما هي منشوره وساروا راجعين. فلما انفسحوا عن البلد تبعهم من الطفوليين أقوام ما عندهم منعة ولاغناء. فرجع الإفرنج حملوا على أولئك فقتلوامنهم نفراً فانهزمت الرجالة الذين رددتهم فما رجعوا ورموا تراسهم. ولقينا الإفرنج فرددناهم ومضوا عائدين إلى بلادهم وهي قريبه من عسقلان. وعاد الذين انهزموا من الرجالة يتلاومون، وقالوا كان ابن منقذ أخبر منا. قال لنا ارجعوا ما فعلنا حتى انهزمنا وافتضحنا.
موقعة أخرى في بيت جبريل


وكان أخي عز الدولة أبو الحسن علي رحمه الله في جمله من سار معي من دمشق هو وأصحابه إلى عسقلان. وكان رحمه الله من الفرسان المسلمين يقاتل للدين لا الدنيا. فخرجنا يوما من عسقلان نريد الغارة على بيت جبريل وقتالها فوصلنا وقاتلناهم. ورأيت عند رجوعنا على البلدة غلة كبيره، فوقفت في أصحابي وقد حنا ناراً وطرحناها في البيادر وصرنا ننتقل من موضع إلى موضع، ومضى العسكر تقدمني. فاجتمع الإفرنج لعنهم الله من تلك الحصون، وهي كلها متقاربة وفيها خيل كثيره للإفرنج لمغاداة عسقلان ومراوحتها وخرجوا على أصحابنا.
فجاءني فارس منهم يركض وقالقد جاء الإفرنج! فسرت إلى صاحبنا وقد كمين أو مكيدة، ولو نزلوا أخذوهم عن أخرهم نحن مقابلهم في قلة، وعسكرنا قد تقدمنا منهزمين. ومازال الإفرنج وقوفا على تلك الرابية إلى أن انقطع عبور أصحابنا ساروا إلينا فاندفعنا بين أيديهم والقتال بيننا لايجدون في طلبنا، ومن وقع أخذوه ثم عادوا عنا. وقدر الله سبحانه لنا بالسلامة باحترازهم. ولو كنا في عددهم ونصرنا عليهم كما نصروا كنا أفنيناهم.
مهاجمة يبنى

فأقمت بعسقلان لمحاربة الفرنج أربعة أشهر هجمنا فيها مدينة يبنى وقتلنا فيها نحو مائة نفس أخذنا منها أسارى.
مقتل أخي أسامه

وجاءني بعد هذه المدة كتاب الملك العادل رحمه الله يستدعيني فسرت إلى مصر وبقي أخي عز الدولة أبو الحسن علي رحمه الله بعسقلان. فخرج عسكرها إلى قتال غزة فأستشهد رحمه الله، وكان من علماء المسلمين وفرسانهم وعبادهم.