مغامرات أخرى


ومن ذلك ما حضرته في سنة تسع وخمسمائة وقد خرج والدي رحمه الله بالعسكر إلى اسباسلار برسق رحمه الله وقد وصل بأمر السلطان إلى الغزاة وهو في خلق عظيم وجماعة من الأمراءمنهم أمير الجيوش اوزبه صاحب الموصل، وسنقرد راز صاحب الرحبة والأمير كندغندي، والحاجب الكبير بكتمر، وزنكي بن برسق وكان من الأبطال، وتميرك، وإسماعيل البكجي وغيرهم من الأمراء. فنزلوا على كفر طاب وفيها أخوا ثويفل والإفرنج فقاتلوها ودخلوا الخرسانية في الخندق ينقبون، والإفرنج قد أيقنوا بالهلاك فطرحوا النار بالحصن فأحرقوا السقوف فوقعت على الخيل والدواب والغنم والخنازير والأسارى فاحترق الجميع وبقي الأفرنج معلقين في أعلاه على الحيطان. فوقع لي أن أدخل في النقب أبصره فنزلت في الخندق، والنشاب والحجار مثل المطر علينا ودخلت النقب فرأيت حكمة عظيمة قد نقبوا من الخندق إلى الباشورة وأقاموا في جوانب النقب قائمتين وعليهما عرضية تمنع من تهدم ما فوقها ونظموا النقب بالأخشاب كذلك إلى أساس البشورة وعلقوه وبلغوا أساس البرج وحملوه على الأخشاب ويخرجون نقارة الحجار اولاً فأولاً. وأرض النقب من النقش قد صارت طيناً، فرأيته وخرجت ولم يعرفني الخرسانية، ولو عرفوني ما تركوني أخرج إلا بغرامة كثيرة لهم. وشرعوا في تقطيع الخشب اليابس وحشوا النقب بذلك الخشب واصبحوا طرحوا فيه النار. وقد لبسنا وزحفنا إلى الخندق لنهجم الحصن إذا وقع البرج وعلينا من الحجارة والنشاب بلاء عظيم. فأول ما عملت النار صار يسقط ما بين الحجار من تكحيل الكلس ثم انشق واتسع الشق ووقع البرج، ونحن نظن إذا وقع تمكن من الدخول عليهم، فوقع الوجه البراني وبقي الحائط الجواني كما هو فوقفنا إلى ان خيمت علينا الشمس ورجعنا إلى خيامنا، وقد نالنا من الحجارة أذى كثير.
فمكثنا إلى الظهر وإذا قد خرج من العسكر راجل واحد معه سيفه وترسه فمضى إلى حائط البرج الذي قد وقع وقد صارت جوانبه كدرج السلم فتوقل فيه حتى صعدا أعلاه، فلما رآه رجال العسكر تبعه منهم قدر عشرة رجال تسرعوا بعدتهم فصعدوا واحداً وراء واحد حتى صاروا على البرج والإفرنج لا يشعرون بهم. ولبسنا نحن من الخيام وزحفنا، فكثروا على البرج قبل أن يتكامل الناس عندهم. ففرغ إليهم الإفرنج فرموهم بالنشاب فجرحوا الذي طلع في الأول فنزل. وتتابع الناس في الطلوع وصاروا مع الإفرنج على بدن من الحيطان البرج وبين يديهم برج في بابه فارس لابس ومعه ترسه وقنطاريته يحمي من دخول البرج، وعلى البرج جماعة من الإفرنج يقاتلون الناس بالنشاب والحجارة، فصعد رجل من الأتراك ونحن نراه، ومشى والبلاء يأخذه إلى أن دنا من البرج وضرب الذي عليه بقارورة نفط فرأيته كالشهاب على تلك الحجارة إليهم، وقد رموا نفوسهم إلى الأرض خوفاً من الحريق، ثم عاد. وطلع أخر يمشي على البدن ومعه سيف وترس، فخرج عليه من البرج الذي في بابه الفارس رجل منهم عليه زرديتان وبيده قنطاريه وما معه ترس، فلقيه التركي وفي يده سيفه فطعنه الإفرنجي فدفع سنان قنطارية عنه بالترس ومشى إلى الإفرنجي وقد دخل على الرمح إليه، فولى عنه وأدار ظهره وأمال ظهره كالراكع خوفاً على رأسه، فضربه التركي ما عملت فيه شيئاً، ومشى حتى دخل البرج وقوي عليهم الناس وتكاثروا، فسلموا الحصن ونزل لأسارى إلى الخيام برسق بن برسق. فشاهدت ذلك الذي خرج بقنطاريته على التركي وقد جمعهم في سرادق برسق بن برسق ليقطعوا على نفوسهم ثمنناً يخلصون به، فوقف وكان سرجندياً وقالكم تأخذون مني؟ قالوانريد ستمائة دينار. فضرط لهم وقالأنا سرجندي ديواني كل شهر ديناران، من أين لي ستمائة دينار؟ وعاد جلس بين أصحابه، وكان خلقة عظيمة. فقال الأمير سيد الشريف وكان من كبار الأمراء لوالدي رحمهما اللهيا أخي ترى هؤلاء القوم؟ نعوذ بالله منهم. فقضى سبحانه ان العسكر رحل من كفر طاب إلى دانيث وصحبهم عسكر إنطاكية يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر. وكان تسليم كفر طاب يوم الجمعه ثالث عشر ربيع الأخر، فقتل الأمير سيد رحمه الله وخلق كثير من المسلمين. وعاد الوالد رحمه الله وكنت قد فارقته من كفر طاب وقد كسر العسكر، ونحن في كفر طاب نحرزها نريد نعمرها، وكان اسباسلار سلمها إلينا ونحن نخرج الأسرى كل أثنين في قيد من أهل شيزر وقد احترق نصف ذا وقد بقيت فخذه، وذا قد مات في النار، فرأيت منهم عبرة عظيمة فتركناها وعدنا إلى شيزر مع الوالد رحمه الله، وقد أخذ كل ما كان معه من الخيام والجمال والبغال والبرك والتحمل وتفرق العسكر.


مكيدة لؤلؤ

وكان ما جرى عليهم، بمكيدة من لؤلؤ لخادم صاحب حلب ذلك الوقت، قرر مع صاحب إنطاكية أن يحتال عليهم ويفرقهم ويخرج ذلك من إنطاكية بعسكره يكسرهم. فأرسل إلى اسباسيلار برسق رحمه الله يقولتنفذ لي بعض الأمراء ومعه جماعة من العسكر أسلم إليهم حلب، فإني أخاف من أهل البلد ان لا يطاوعني على التسليم، فأريد أن بكون مع الأمير جماعة أتقوى بهم على الحلبيين. فنفذ إليه أمير الجيوش ارزبة ومعه ثلاثة آلاف فارس وصبحهم رو جار لعنه الله، كسرهم لنفاذ المشيئة. وعاد الإفرنج لعنهم الله إلى كفر طاب عمروها وسكنوها. وقدر الله تعالى ان خلص الأسرى من الفرنج الذين أخذوا من كفر طاب. فإن الأمراء اقتسموهم وأبقوهم معهم ليشتروا أنفسهم إلى ما كان من أمير الجيوش فإنه تقدم الذين طلعوا في سهمه. ضرب رقاب جميعهم قبل أن يتوجه إلى حلب. وافترق العسكر - من سلم منهم من دانيث - وتوجهوا إلى بلادهم، فذلك الرجل الذي طلع وحده إلى برج كفر طاب كان سبب أخذها.

نمير يستولي على مغارة الإفرنج


ومن ذلككان في خدمتي رجل يقال له نمير العلار وزي، راجل شجاع نهض هو وقوم من رجال شيزر إلى الروج إلى الإفرنج، فعثروا في البلد على قافلة من الإفرنج في مغارة. فقال بعضهم لبعضمن يدخل عليهم قال نميرأنا، فدفع إليهم سيفه وترسه وجذب سكينه ودخل عليهم فاستقبله رجل منهم فضربه بالسكين رماه وبرك عليه يقتله وخلفه إفرنجي معه سيف فضربه وعلى ظهر نمير مزود فيه خبز فهو يرد عنه، فلما قتل الرجل الذي تحته ألتفت إلى صاحب السيف يريده فضربه بالسيف في جانب وجهه فقطع حاجبه وجفن عينه وخده وأنفه وشفته العليا، فتدلى جانب وجهه على صدره فخرج من المغارة إلى أصحابه فشدوا جرحه ورجعوا إليه في ليلة باردة ماطرة، فوصل شيزر وهو على تلك الحالة، فخيط وجهه وداوى جراحه فبرأ وعاد إلى مكان عليه، إلا أن عينه تلفت وهو أحد الثلاثة الذين رماهم الإسماعيلية من حصن شيزر وقد تقد ذكرهم.

واحد يهزم قوماً في رفنية

وحدثني الرئيس سهري وكان في خدمت الأمير شمس الخواص التونتاش صاحب رفنية وكان بينه وبين علم الدين علي كرد صاحب حماة عداوة وخلف، قالأمرني شمس الخواص أن أخرج أقدر بلد رفنية وابصر زرعه، فخرجت ومعي قوماً من الجند. قدرت البلد، ونزلت ليلة عند المساء بقرية من قرى الرفنية لها برج صعدنا إلى سطحه تعشينا وجلسنا وخيلنا على باب البرج، فما شعرنا إلى برجل قد أشرف علينا من بين شراشيف البرج فصاح علينا ورمى نفسه إلينا وفي يده سكينه فنهزمنا ونزلنا في السلم الأول وهو خلفنا، ونزلنا في السلم الثاني وهو خلفنا حتى وصلنا الباب فخرجنا وإذا قد رتب لنل رجلاً على الباب فقبضونا جميعنا وأوثقونا رباطًا ودخلوا بنا حماة علي كرد، فما سلمنا من ضرب الرقبة إلا بفسحة الأجل، فحبسنا وغرمنا، وكان الذي فعل بنا ذلك كله رجل واحد.

ابن المرجي يستولي على حصن


ومثل ذلك جرى في حصن الخربة، كانت لصلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله وفيها الحاجب عيسى واليها، وهو حصن منيع على صخرة مرتفعة من جميع جوانبه يطلع إليه بسلم خشب ثم يرفع السلم فلا يبقى إليها طريق، وليس مع الولي في الحصن سوى ابنه وغلامه وبواب الحصن وله صاحب يقال له ابن المرجي يطلع إليه في الوقت بعد الوقت في أشغاله، فتحدث مع الأسماعليية وقرر معهم قراراً أرضاه، من مال واقطاع ويسلم إليهم الحصن الخربة، ثم جاء إلى الحصن فاستأذن وطلع فبدأ بالباب، قتله فلقيا الغلام فقتله ودخل على الوالي قتله وسلمه إلى الإسماعيلية، وقاموا له بما كانوا قرروه له. والرجال إذا قوا أنفسهم على شيء فعلوه.

مروءة مكار نصراني


ومن ذلك تفاضل الرجال في هممهم ونخوتهم، وكان الوالد رحمه الله يقول ليكل جيد من سائر الأجناس، من الرديء من جنسه ما يكون بقيمته، مثل حصان جيد يساوي مائة دينار، خمس حصن رديئة تساوي مائة دينار وكذلك الجمال وكذلك أنواع الملبوس، إلا ابن آدم فإن ألف رجل أرد ياء لا يساوون رجلاً واحداً جيداً . وصدق رحمه الله.
كنت قد نفذت مملوكاً لي في شغل مهم إلى دمشق واتفق أن أتابك زنكي رحمه الله أخذ حماة ونزل على حمص، فاشتدت الطريق على صاحبي فتوجه إلى بعلبك ومنها إلى طرابلس واكترى بغل رجل نصراني يقال له يونان فحمله إلى حيث اكتراه وودعه، ورجع وخرج صاحبي في قافلة يريد يتوصل إلى شيزر من حصون الجبل فلقيهم إنسان فقال لأرباب الدواب لا تمضوا فإن في طريقكم في الموضع الفلاني عقد حرامية في ستين سبعين رجلا يأخذونكم قالفوقفنا لا ندري ما نعمل، ما تطيب نفوسنا بالرجوع ولا نجسر على المسير من الخوف، فنحن كذالك إذا الريس يونان قد أقبل مسرعاً. فقلناما لك يا ريس؟ قالسمعت أن في طريقكم حرامية جئت لأسيركم، سيروا. فسرنا معه إلى ذلك الموضع، وإذا قد نزل من الجبل خلق عظيم من الحرامية يريدون أخذنا فلقيهم يونان وقاليا فتيان موضعكم! أنا يونان وهؤلاء في خفارتي، والله جميعهم عنا وما أكلوا من عندنا رغيف خبز، ومشي معنا يونان حتى أمنا ثم ودعنا وأنصرف.

وفاء بدوي

وحكى لي صاحبي هذا عن أبن صاحب الطور وكان طلع معي من مصر في سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، قال حدثني أبن والي الطوروهي ولاية لمصر بعيدة، كان الحافظ لدين الله رحمه الله، إذا أراد أبعاد بعض الأمراء ولاه الطور وهو قريب لبلاد الأفرنج. قالوليها والدي وخرجت أنا معه إلى الولاية وكنت مغرى بالصيد فخرجت أتصيد فوقع بي قوم من الإفرنج فأخذوني ومضوا بي إلى بيت جبريل فحبسوني فيه في جب وحدي وقطع علي صاحب بيت جبريل ألفي دينار، فبقيت في الجب سنة لا يسأل عني أحد، فأنا في بعض الأيام في الجب وإذا قد رفع عنه الغطاء ودلي إلي رجل بدوي. فقلتمن أين أخذوك؟ قالمن الطريق، فأقام عندي يويمات وقطعوا عليه خمسين ديناراً، فقال لي يوماً من الأيامتريد تعلم أن ما يخلصك من هذا الجب إلا أنا؟ فخلصني حتى أخلصك. فقلت في نفسي رجل قد وقع في شدة يريد لروحه الخلاص، فما جاوبته. ثم بعد أيام أعاد على ذلك القول. فقلت في نفسيوالله لأسعين في خلاصه لعل الله يخلصني بثوابه. فصحت بالسجن فقلت لهقل للصاحب أشتهي أتحدث معك. فعاد وأطلعني من الجب وأحضرني عند الصاحب. فقلت لهلي في حبسك سنة ما سأل أحد عني ولا يدري أنا حي أو ميت، وقد حبست عندي هذا البدوي وقطعت عليه خمسين ديناراً أجعلها زيادة على قطيعتي ودعني أسيره إلى أبي حتى يفكني. قالافعل. فرجعت عرفت البدوي وخرج ودعني ومضى. فانتظرت ما يكون منه شهرين فما رأيت له أثراً ولا سمعت له خبراً فيئست منه فما راعني ليلة من الليالي إلا وهو قد خرج علي من نقب في جانب الجب، وقالقم والله لي خمسة أشهر أحفر هذا السرب من قرية خربة حتى وصلت إليك. فقمت معه وخرجنا من ذالك السرب وكسر قيدي وأوصلني إلى بيتي فما أدري مم أعجب من حسن وفائه أو من هدايته حتى طلع نقبه من جانب الجب. وإذا قضى الله سبحانه بالفرج فما أسهل أسبابه.

أسامة يفتدي الأسرى

كنت أتردد إلى ملك الأفرنج في الصلح بينه وبين جمال الدين محمد بن تاج الملوك رحمه الله ليد كانت للوالد رحمه الله على بغدوين الملك والد الملكة امرأة الملك فلك بن فلك، فكان الإفرنج يسوقون أسراهم إلي لأشتريهم، فكنت أشتري منهم من سهل الله تعالى خلاصه. فخرج شيطان منهم يدعى كليوم جيبا في موكب له يغزي فأخذ مركباً فيه حجاج من المغاربة نحو أربع مائة نفس رجال ونساء. فكان يجيء أقوام مع مالكهم فأشتري منهم من قدرت على شراه، وفيهم رجل شاب يسلم ويقعد لا يتكلم، فسألت عنه فقيل لي هو رجل زاهد صاحب دباغ. فقلت له بكم تبيعني هذه، قالوحق ديني ما أبيعه إلا هو وهذا الشيخ جملة كما أشتريتهما بثلاثة وأربعين ديناراً، فأشتريتهما اشتريت لي منهم نفراً، اشتريت للأمير معين رحمه الله منهم نفراً بمائة وعشرين ديناراً ووزنت ما كان معي وضمنت علي الباقي. وجئت إلى دمشق فقلت للأمير معين الدين رحمه اللهلقد اشتريت لك أسارى أختصك بهم، وما كان معي ثمنهم. والآن قد وصلت إلى بيتي إن أردتهم وزنت ثمنهم وإلا وزنته أنا. قاللا بل أنا أزن والله ثمنهم وأنا أرغب الناس في ثوابهم. وكان رحمه الله أسرع الناس إلى فعل خير وكسب مثوبة ووزن ثمنهم. وعدت بعد أيام إلى عكا. وقد بقي من الأسرى عند كليوم جيبا ثمانية وثلاثون أسيراً وفيهم امرأة لبعض الذين خلصهم الله تعالى على يدي فاشتريتها منه، وما وزنت ثمنها، فركبت إلى داره لعنه الله، وقلتتبيعني منهم عشرة؟ قال وحق ديني ما أبيع إلا الجميع. قلتما معي ثمن الجميع، وأنا أشتري بعضهم، والنوبة الأخرى أشتري الباقي. قالما أبيعك إلا الجميع. فانصرفت وقدر الله سبحانه أنهم هربوا في تلك الليلة جميعهم وسكان ضياع عكا كلهم من المسلمين إذا وصل إليهم الأسير آخوه وأوصلوه إلى بلاد الإسلام. وتطلبهم ذلك الملعون فما ظفر منهم بأحد وأحسن الله سبحانه خلاصهم، وأصبح يطالبني بثمن المرأة التي كنت أشتريتها وما وزنت ثمنها وقد هربت في من هرب. فقلتسلمها إلي وخذ ثمنها. قالثمنها لي من أمس قبل أن تهرب. وألزمني بوزن ثمنها، فوزنته وهان ذالك علي لمسرتي بخلاص أولئك المساكين.

عجائب السلامة في آمد

ومن عجائب السلامة إذا جرى بها القدر وسبقت بها المشيئة أن الأمير فخر الدين قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق رحمه الله، عمل على مدينة آمد عدة مرار وأنا بخدمته، ولا يبلغ منها مقصوده. وكان أخر ما عمل عليها ان أمير من الأكراد كان مديوناً بآمد رسالة ومعه جماعة من أصحابه وقرر الأمر ان يصله العساكر في ليلة تواعدوا إليها ويطلعهم بالحبال ويملك آمد. فعول فخر الدين في ذلك المهم على خادم له إفرنجي يقال له ياروق والعسكر كله يمقته ويكرهه لسوء أخلاقه، فركب في بعض العسكر وتقدم، وركب باقي الأمراء فتبعوه وتوان هو في السير فسبقه الأمراء إلى آمد، فأشرف عليهم ذلك الأمير الكردي وأصحابه من بروج ودلوا إليهم الحبال وقالوااطلعوا - ما طلع منهم أحد. فنزلوا كسروا أقفال باب المدينة وقالوا أدخلوا - ما دخلوا. كل ذلك لأعتماد فخر الدين على صبي جاهل في هذا المهم العظيم دون الأمراء الكبار. وعلم بذلك الأمير كمال الدين علي بن نيسان والبلدية والجند ففرغوا إليهم فقتلوا بعضهم ورمى بعضهم نفسه وقبضوا بعضهم. ومد بعض الذين رموا نفوسهم وهو نازل بالهواء، يده كأنه يريد شيء يتمسك به، فوقع في يده حبل من تلك الحبال التي دلوها أول الليل وما طلعوا فيها فتعلق بها ونجا دون أصحابه إلا أن كفيه انسلختا من الحبل، هذا وأنا حاضر. وأصبح صاحب آمد يتبع الذين عملوا عليه فقتلهم، وسلم ذلك من دونهم فسبحانه من إذا قدر السلامة أنقذ الإنسان من لهاة الأسد فذلك حق لامثل.

الإنقاذ من لهاة الأسد

كان في حصن الجسر رجل من أصحابنا من بني كنانة يعرف بابن الأحمر ركب فرسه من حصن الجسر يريد كفرطاب لشغل له، فاجتاز بكفر نبوذا وقافلة عابرة على الطريق فرأوا الأسد ومع ابن الأحمر حربة تلمع، فصاح إليه أهل القافلة يا صاحب الخشب البراق دونك الأسد! فحمله الحياء من صياحهم أن حمل على الأسد فحاصت به الفرس فوقع فجاء فبرك عليه. وكان لما يريد الله من سلامته، الأسد شبعان فألتقم وجهه وجبهته فجرح وجهه وصار يلحس الدم وهو بارك عليه لا يؤذيه. فقالففتحت عيني فأبصرت لها الأسد، ثم جذبت نفسي من تحته ورفعت فخذه عني وخرجت، تعلقت بشجرة بالقرب منه وصعدت فيها، فراني وجاء خلفي، فسبقت وطلعت في الشجرة، فنام الأسد تحت الشجرة وعلاني من الذر شيء عظيم على تلك الجراح والذر يطلب جريح الأسد كما يطلب الفأر جريح النمر. قالفرأيت الأسد قد قعد وأنصب آذانه كأنه يتسمع، ثم قام يهرول، فإذا قافلة قد أقبلت على الطريق كأنه سمع حسها. فعرفوه وحملوه على بيته، وكان أثر أنياب السبع في جبهته وخديه كوسم النار فسبحان المسلم.