فقال عروة بعد أن سمع هذه الإهانة: مَن هذا يا محمد؟ قال: هذا ابن قحافة، فقال: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ولكن هذه بها.
قال الزهري: إن اليد المذكورة هي أن عروة كان يحمل دية فأعانه فيها أبو بكر رضي الله عنه بعون حسن.
ثم جعل عروة يتناول لحية رسول الله ص وهو يكلمه والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله ص في الحديد فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله ص ويقول: أكفف يدك عن وجه رسول الله ص قبل ألا تصل إليك، فيقول عروة: ويحك ما أفظك وأغلظك فتبسم رسول الله ص فقال له عروة: مَن هذا يا محمد؟ قال: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» قال: أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس.
ولشرح هذا الموقف نقول: المغيرة بن شعبة هو ابن أخي عروة، وقد كان أثناء حديث عروة مع رسول الله ص قائما على رأس رسول الله ص ومعه السيف بقصد الحراسة وعليه المغفر فكان المُغيرة كلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ص ضرب يده بنعل السيف ويقول: أكفف يدك عنه، وكانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة يريدون بذلك التحية والتواصل، وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير فربما رأى عروة لمكانته ورفعته في قومه أنه نظير للنبي ص وما علم حينئذ أنه لا نظير له فاللائق منعه، لكن رسول الله لم يمنعه تأليفا له.
قال ابن هشام: أراد عروة بقوله هذا (أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس) أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف بنو مالك رهط المقتولين، والأحلاف رهط المغيرة فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية وأصلح الأمر.
وبعد أن قال عروة ما قال كلمه رسول الله ص بنحو مما كلم أصحابه وأخبره أنه لم يأت يريد حربا.
فقام من عند رسول الله ص ورجع إلى أصحابه بمكة وقد بهره ما رأى من احترام أصحابه ص له، رأى أن رسول الله ص لا يتوضأ إلا ابتدر أصحابه وضوءه ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه، يدلك به من وقع في يده وجهه وجلده ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ولا يحدون النظر إليه تعظيما له ص فقال لقريش:
«أي قوم فوالله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله ما يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده إجلالا وتوقيرا وما يمدون النظر إليه تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم» وقال: إني أخاف أن لا تُنصروا عليه.
فلم يسمع القوم ما قاله عروة بن مسعود وما رغبهم فيه من الصلح، فانصرف هو ومن تبعه إلى الطائف ثم أسلم عروة بعد ذلك لما انصرف رسول الله عن ثقيف ثم قتل لما دعاهم إلى الإسلام.
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله ص دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على بعير له يُقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله ص أرادوا قتله فمنعته الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله ص
وبعثت قريش أربعين أو خمسين رجلا منهم ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا أخذا فأتى بهم رسول الله ص فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله ص بالحجارة والنبل، ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال: «يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني: عثمان بن عفان، فدعا رسول الله ص عثمان بن عفان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته، فرضي عثمان لأنه كان غائبا عن مكة ولم يكن له أعداء بها ثم إنه من بني أمية.
فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحمله بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله ص فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله ص ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله ص إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ص واحتبسته قريش عندها.
فبلغ رسول الله ص والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قُتل.
وقيل: إن عثمان بن عفان دخل مكة ومعه عشرة من الصحابة بإذن رسول الله ص ليزوروا أهاليهم ولم يذكروا أسماءهم، وقيل: إن قريشا احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام وأشاع الناس أنهم قتلوه هو والعشرة الذين معه، وعلى كل حال أبطأ عثمان رضي الله عنه عن الرجوع فقلق عليه المسلمون، فلما بلغ ذلك الخبر رسول الله ص قال: «لا نبرح حتى نناجز القوم، أي نقاتلهم».
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 26 (0 من الأعضاء و 26 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)