بيعة أهل مكة




اجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله فجلس لهم على الصفا وعمر بن الخطاب تحت رسول الله أسفل من مجلسه يأخذ على الناس فبايع رسول الله على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، وكذلك كانت بيعته لمن بايع رسول الله من الناس على الإسلام، وبينما رسول الله يبايع الناس، جاءه رجل فأخذته الرعدة، فقال رسول الله: هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد، ومن جملة من بايعه في ذلك اليوم على الإسلام «معاوية بن أبي سفيان» فرحَّب به رسول الله ثم كان من كتَّاب الوحي، فلما فرغ رسول الله من بيعة الرجال بايع النساء واجتمع إليه من نساء قريش فيهن هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان منتقبة متنكرة لحدثها وما كان من صنيعها بحمزة فهي تخاف أن يأخذها رسول الله بحدثها، فلما دنون منه ليبايعنه قال رسول الله «تبايعنني على أن لا تشركن بالله شيئا»، فقالت هند: وإنك لتأخذ علينا أمرا ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه، قال: «ولا تسرقن»، قالت: والله إني كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنة وما أدري أكان ذلك حلالا أم لا؟ فقال أبو سفيان - وكان شاهدا لما تقول -: أما ما أصبتِ فيما مضى فأنتِ منه في حل، فقال رسول الله: «وإنك لهند بنت عتبة؟» فقالت: أنا هند بنت عتبة فاعف عمّا سلف، عفا الله عنك، قال: «ولا تزنين»، قالت: يا رسول الله هل تزني الحرة؟ قال: ولا تقتلن أولادكن، قالت: قد ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا فأنت وهم أعلم - فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى استغرب -، «ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن»، قالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح ولَبعض التجاوز أمثل، قال: «ولا تعصينني في معروف»، قالت: ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك في معروف، فقال رسول الله لعمر: «بايعهن واستغفر لهن رسول الله»، وكان رسول الله لا يصافح النساء، ولا يمس امرأة ولا تمسه إلا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه، إنما كان رسول الله يبايع النساء بالكلام ولما أسلمت هند، عمدت إلى صنم كان في بيتها وجعلت تضربه بالقدوم وتقول: «كنا منك في غرور».
هذا وقد ذهب الشافعي وأحمد رضي الله عنهما إلى أن رسول الله دخل مكة وملكها صلحا ويرى أبو حنيفة والأكثرون أنه فتحها عنوة، وعلى كل حال لم يحارب رسول الله قريشا ولم يأمر أحدا من قواده بحربهم بل دخل مكة بلا حرب، لم ينتقم ممن اضطهدوه وأخرجوه من بلده وتآمروا على قتله بل صفح عنهم عند القدرة بل لم يحمل عند دخوله مكة سيفا.