- ثم قال سبحانه: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} وهنا يذكر القرآن الكريم أن الهدهد كان قريبًا من سليمان ولم يكن بعيدًا عنه، فقد مكث في مكان لا يبعد عن سليمان لا في الزمن ولا في المسافة.
- {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} ولا يختلف أحد في أن سبأ هي اليمن.
- {إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ، أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 16-28]
فكان الهدهد رسول سليمان، وهو طائر لا يستطيع الطيران أكثر من نصف ساعة، وعندما يطير العصفور أو الهدهد نصف ساعة فكم هي المسافة؟
وهذا يعني أن مملكة سليمان كانت قريبة من مملكة سبأ.
فالقرآن يتحدث عن خروج بني إسرائيل من مصر إلى البحر الأحمر ودخولهم الجزيرة العربية، ويتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صِلة موسى بالجزيرة العربية، ويتحدث القرآن عن مملكة سليمان في جنوب الجزيرة العربية... ويأتي بعد ذلك الكذّابون ليتحدّثوا - مع فقدانهم كلّ الأدلة والآثار التي تدل على صِلتهم بفلسطين - ويتحدّثون بأن فلسطين لهم...!
كذبوا والله.. لا صِلة لهم بفلسطين، وأكثر ما هنالك أن سليمان زار فلسطين.
فلسطينُ فيها بيت المقدس الذي بُني كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مكة بلد الكعبة المشرفة بأربعين عامًا.
إنه قِبلة المسلمين الأولى، وهو المسجد الذي يرتبط بسيدنا إبراهيم.
ويحاول أعداء الله الكذابون أن يقولوا للعالم: على أرض المسجد بنى سليمان مملكته..!
ولا علاقة لهم، ولا لسليمان الذي يتبرأ منهم ومن أفاعيلهم، ببيت المقدس.
ومن يقرأ نسخ الإنجيل الحاضرة يرى حوارًا بين المسيح وبني إسرائيل - وذلك بحسب النسخ الإنجيلية الموجودة الآن - يقولون فيه للمسيح عليه الصلاة والسلام: نحن أولاد إبراهيم.
ويقول لهم المسيح: كذبتم، بل أنتم أولاد إبليس.
فيقولون: هذا هو نسبنا إلى إبراهيم.
فيقول: أفعالكم تنتسب إلى إبليس لا إلى إبراهيم...
فنحن أمام عدوٍّ ثقافتُه الكذب، ويحكي عنه القرآن بأنه يحترف الكذب، واقرؤوا في القرآن قوله تعالى:
{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} أي: اليهود، {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]
واقرؤوا في القرآن: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13]
والذي يكون قلبه قاسيًا لماذا لا يجوّع الأطفال؟ ولماذا لا يقتل الأبرياء؟ ولماذا لا يحاصر شعبًا بريئًا أعزل..؟
وقسوة القلوب حذّر الله سبحانه وتعالى أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منها فقال:
{وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]
وقال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 74]
فالله سبحانه وتعالى يُحذّرنا يا أمّة الحبيب المصطفى من قسوة القلوب لأن القلب حينما يقسو يعتدي المسلم على المسلم، ويعتدي الإنسان على الإنسان، ليخون عرضه ويستبيح دمه...
وعندما أراد الله أن يصف سيد الكائنات محمدًا عليه الصلاة والسلام قال:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 156]
إنه اللين الذي كان به القلب المحمدي الأبهى، والقلب المحمدي الأنور.
لكنهم قست قلوبهم، وربما نعاني اليوم في زماننا من قسوة القلوب.
إذا أردت أن تعرف قلبك، فانظر إلى قلبك وأنت تسمع آية من القرآن، فإذا رأيت في عينيك دمعة، وإذا رأيت رأسك يسجد في عتبات الله على الأرض، فاعلم أنك بعيد عن قسوة القلب، وإذا رأيت أنك تسمع القرآن كما تسمع أي كلمة، فاعلم أنك مصاب بقسوة القلب.
قال تعالى: {لَوْ أَنـزلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21]
وإن الوصف الذي تحدّث القرآن عنه فيهم هو: الإفساد والاستعلاء، فقال:
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4]
وحذّرنا ربّنا سبحانه من هذين الوصفين: الإفساد والاستعلاء، عندما قال سبحانه:
{تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} [القصص: 83]
هذان الوصفان اللذان ينبغي أن تتبرأ منهما هذه الأمة.
وينبغي علينا أن نتنبه إلى كل هذه المجازر، فمرّة يدبّرون بالغازات السامة، ومرة يقتلون بالمتفجرات أطفالنا ونساءنا، ومرة يحاصرون ويقتلون كل من يحمل الغذاء والدواء إلى شعبنا المؤمن الأعزل...
آن لنا أن نصحو من سباتنا..
آن لنا أن نعلم أن هذا العدو لا لقاء بيننا وبينه..
وأعجب من الحديث عن مبادراتٍ ومبادرات للقاءٍ مع هذا العدو، وهذا عدوٌّ ينطلق من القلوب القاسية التي لا يمكن اللقاء معها أبدًا.
البِرّ لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تَدين تُدان.
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
يمكنكم استماع ومشاهدة المقالة عبر الرابط التالي: أكذوبة أرض الميعاد
المقالة منقول للفائدة من موقع البدر الإسلامي وفيه يمكنكم المزيد من المقالات والمحاضرات لمن أحب ذلك.