النوع الخامس من أنواع التركيب تلقيح النوى والحبوب في أنواع المنابت كالفرصاد والعنصل والعوسج والخطمي والتين والسوسن والنخل وشبهها. فمن ذلك أن تقصد أصلا منها قوي النبات فيكشف التراب عن أصله ويؤخذ حب البطيخ والخيار والقثاء ويدخل منها في الشق حبة بعد نقعها في الماء العذب ليلة، ويرد التراب الطيب الناعم إلى أصل الشجرة ويغطى به موضع الحب بسماكة إصبعين ويزبل ان تيسر. ويركب القرع في العنصل بأن يقلع من بصله وتقطع من أعلى البصلة نحو ثلثها وتشق على شكل صليب ويدخل في حاشية كل شق منها حبة قرع بعد نقعها في الماء ليلة، ويكون طرف الحبة الرقيق إلى فوق ويجعل فوقها رمل وتراب بمقدار ثلاثة أصابع ويصب الماء بقربها لا عليها فينبت القرع فيها ويثمر قرعا كبيرا ثقيلا مائلا إلى الخضرة طيبا لا طعم للعنصل فيه البتة، وهو مجرب ويستغنى عن كثرة السقي آنذاك وحين زراعة حبه. ويركب القرع أيضا كما تقدم في القطن، وكذلك يركب الباذنجان في القطن. ويركب في أصول القرع البطيخ، ويركب بزره كذلك في العوسج والخطمي والتين والتوت كما ذكر. ويركب الياسمين الأبيض في الأصفر، ويركب في الخيزران ويركب في الرند، ويركب الدردار في الأزادرخت، ووقت ووقت هذا التركيب بالنسبة لأكثر الأشجار من منتصف شباط إلى عشرة أيام من آذار، وقيل إلى نصفه، وقيل إلى جري الماء في العود من الشجرة المقصودة، وذلك فيما يسقط ورقه من الأشجار. وأما التي لا يسقط فتركيبها من منتصف آذار حتى آخر أبار. وإن أردت أن تنبت القرع والقثاء بغير ماء فاعمد إلى أرض فيها جذور قديمة أو أصول من النبات المسمى بالجناح، وهو اسم الشوك العاقول أو الباقول، فاحفر عند أصله حفرة واسعة بعمق ثلاثة أذرع، ثم شق الأصل بعود طرفا شقا غير نافذ بقدر ما يسع حبتين من قرع أو قثاء، واجعلهما فيه، فإذا لعقا فيه فضع في أسفل الحفرة ترابا مبتلا حتى يصل إلى ذلك الموضع، ورد على موضع الحب تراب وجه الأرض الناعم حتى يرتفع ثلاثة أصابع، وكلما كبرت الحبتان شبرا زاد في التراب حتى تستوي الحفرة بالأرض فيصير أصلا ويطعم بغير ماء، ويعمل على السروج فيكون ما ينبت منوّما وعلى قثاء الحمار فيكون شديد المرارة مسهلا. ومن هذا التركيب يعمل نوى التمر في أصول القلقاس فيثمر موزا، وكذلك البطيخ يعمل في العوسج الخطمي والتين والسوس فيثمر. وكذلك يركب في التوت ويصب على الأصل ماء حار شديد الحرارة، فيحمل حملا كثيرا طيبا. وفي التوت يخرج بطيخا لذيذا أحلى من كل البطيخ بعيدا عن الآفات والتغيرات، وعلى السوسن يخرج بطيخا كبيرا حلوا، والذي على الخطمي يأتي له طعم طيب عجيب والذي على التين يخرج منه لا يقوى أحد على أكله فكأنه ثوم أو خردل، وإذا ركب الشجر المطعم في الشجر المطعم يكبر حمله ويزيد إنتاجه وإذا ركب في المطعم غير المطعم فإنه يحمل كثيرا، ولا يركب في شجرة ضعيفة ولا في شجرة هرمة، ولا يركب إلا في الفتية السالمة من الآفات.
ووقت التركيب يكون على العموم عند اشتداد الحر بعد آيار، ومثل هذا التركيب يعجل بالفائدة والمنفعة أكثر من الغراس فهو أسرع ثمرة وأكثر حملا وأكبر حجما. وينبغي أن يكون التركيب من شيء في شيء يناسبه ويجانسه ويشاكله في أكثر وجوهه، وكلما تشابه كان أجود. وقد قسموا الأشجار أربعة أقسام: ذوات الأدهان، كالزيتون والسرو والكتم والحبة الخضراء وشبهها، وذوات الصموغ كالخوخ والمشمش والأجاص واللوز والقراصيا والفستق وشبهها، وذوات المياه الخفاف وهي الأشجار التي يسقط ورقها في البرد كالتفاح والسفرجل والكمثري والعنب والرمان وشبهها، وذوات المياه الثقال وهي الأشجار التي لا يسقط ورقها كالزيتون والرند والآس والسرو والأترج ونحوها. وهذه الأربعة هي أمهات الأجناس.
واعلم ان كل نوع ينافر الآخر لا يركب إلا في الثقب أو بطريقة التركيب الأعمى. وقد ركب بعض ذوات الأدهان في بعض ذوات الصموغ فأنتجت، وإن جعلت التراكيب كلها في الأواني المملوءة بالتراب الطيب. وكان ذلك أحسن وأنفع. وأما ما يركب بعضه في بعض مما يظهر له أثر، كالرمان، فإنه يجود في الرمان قطعا، والأترج في الكرم، والتوت في الأترج، والأترج في التفاح والعكس بالعكس ويحمر التفاح، ويركب في الدلب والقراصيا فيجود والأترج في الفرصاد فيثمر ثمرا أحمر، والأترج يطعم في الرمان فتحمر ثمرته، والآجاص الأصفر في الأترج وفي التفاح والخوخ لكنه يهرم سريعا وإن طعم في الأجاص واللوز طالت حياته. والخوخ أن ركب في الأجاص عظم ثمره، والأجاص يطعم في الكمشري، والسفرجل يقبل كل ما يركب فيه من شجر، وجميع الأشجار تألف السفرجل، والتفاح ينشب في الكمثري والسفرجل، والتفاح في الرمان، ويثمر الكرم في الأجاص الأسود، والتين ينشب في الفرصاد، والشاهبلوط، والبندق، والتفاح، والكمثري هذه كلها يطعم بعضها في بعض. وقد يركب في اللحاء دون الأصل.
وما يضاف من الكمثري إلى الفرصاذ يكون ثمره أحمر. والتفاح يألف الكمثري والسفرجل. وكذا يركب التفاح بالأجاص فيثمر تفاحا أحمر، والخوخ يألف الأجاص واللوز والكمثري والتفاح والسفرجل، والشاهبلوط يألف الجوز والبندق والبلوط، والسفرجل يألف الكمثري، والمشمش يألف الأجاص وإن أضفيت الكرمة إلى القراصيا أثمرت في الربيع.
وشجرة الزيتون تألف الكرم، والكمثري يألف التفاح والسفرجل ويعلق الرمان بالآس، وأجود الفرصاد ما تركب على البلوط، والأجاص يركب في التفاح، والأترج يطعم في السنة مرتين، وتطعم القراصيا في الآجاص، والسفرجل في الرمان، والورد ينشب في اللوز فيعلق، ويزهر في الخرفي، وهو كثير بأشبيلية وغيرها. وإذا ركب التفاح في الرمان اكتسب من الرمان كثرة الحلاوة وشيئا من طعمه. وإن ركب الأترج في الكمثري اكتسب رائحة الأترج ولونه، والنبق في التفاح تبقى النبقة قدر التفاحة في حلاوتها، والكمثري في التوت يخرج كمثري صغيرة حلوة ويسرع في حمله. والزيتون في الكرمة يثمر مع العنب زيتونا، وإن أضفي قضيب الزيتون إلى أصل شجرة العنب في ثقب على وجه الأرض حلي الزيتون وبحلاوة العنب، وإن أضفي قضيب العنب لشجرة الزيتون جاء عنبه كأنه مخلوط بالزيت وإذا ركب العنب في الحامض جاء طعمه مزيجا من الحلو والحامض والتفاح في الأترج والأجاص يحمل في السنة مرتين شتاء وصفيا. ويركب البرقوق في اللوز فيكون طعم نواه كطعم اللوز. والتطعيم إذا كسر باليد من غير حديد أحسن ويكون ذلك في يوم ساكن الريح عند بدء النهار، ويحفظ من الريح. والمطر لا يضر التطعيم بل ينفعه، إلا ما كان في اللحاء فإنه يضره، وتوضع أغصان التطعيم في التراب عند اشتداد الهواء مدة ثمانية أيام لا أكثر، وإذا أخرجت نقعت في الماء يوما أو يومين وإلا فسدت إلا العنب فلا يضره الماء. وقد تنقل الأقلام من بلد إلى بلد في عدة أيام وذلك بأن تخزن في آنية من فخار ضيقة الفم كان فيها ماء عذب ولم تتعرض لدهن ويسد فمها بخرقة سدا محكما وتدفن في الأرض، وهكذا تنقل من بلد إلى بلد.
والورد إذا أضفي إلى التفاح أو اللوز أو العنب يؤخذ لعروقه التي تحت الأرض وذلك بإزاحة التراب عنها وتقطع من الموضع الصلب وتنقل فتعيش. والأشجار إذا ركبت بالشق فأكثر ما يستعمل في هذه العملية أواني الفخار الجديدة المثقوبة بمقدار ما يتسع للغصن والتراب الذي فيها يؤخذ من وجه الأرض، ويلف حول الغصن حبل ويشد عليه، فيكون شبه خلخال ليمنع نزوله من الفخارة ويعامل بلطف وحذر ولا يهمل التراب من ترطيبه بالماء حتى لا يجف. وقيل يجعل عليه اسفنجة أو صوفة منقوعة بالماء من أول الليل، أو يعلق على التركيب كوز ماء عذب في أسفله ثقب يقطر منه الماء، أو يعلق على التركيب كوز ماء عذب في أسفله ثقب يقطر منه الماء، وكلما نقص الماء زيد، ولا بد للورد إذا ركب في اللوز والعنب والتين من ذلك. ولا يربط التطعيم بخيط كتان أو قنب مضفور أو مفتول ولا بحبل صلب مفتول، فإنه يؤثر في القشر ويقطعه ويؤذي التركيب وفيسده، بل يستعمل خيط صوف أو ما يشبهه، وإذا طالت أغصان التركيب دعمت بدعائم خشب غليظ يركز في أصل الشجرة ويربط من أسفل موضع التركيب برفق وذلك حفظا لها من الريح والطير ثم تزال الدعائم عند الاستغناء عنها. وكذا يجعل حوله شباك تمنع حتى نزول الطير عليها. وإن احتيج إلى تخففي شيء من أغصانه كسرت باليد برفق دون أن يمسها حديد. وإذا ظهر في التركيب ضعف فيفتش عن سببه فإن كان الجفاف سقي بالماء وإن كان من زوال الطين أو التشقق أو النمل طين بطين آخر.
واعلم أن الشجر على اختلاف أنواعه له أعمار فالزيتون يعمر ثلاثة آلاف عام، والنخل يعمر خمسمائة عام، والبلوط أربعمائة عام، والخروب ثلاثمائة عام، والعناب والجوز والتين والتوت والميس والدردار والبشم تعمر مائتي عام، والعنب مائة وخمسين عاما حتى يجف، والنبق يعمر مائة سنة، والخوخ من أربع سنين إلى ست سنين، والكمثري والزعرور والمشتهى والرمان والسفرجل والقراصيا والمشمش والبندق والأترج والنارنج والسرو مائة عام، والأجاص والسبستان والدلب والدفلى والأزادرخت تعمر خمسين عاما. والورد يعمر ثلاثين عاما، والخيري يعمر عامين أو ثلاثة أعوام، والقصب الحلو يعمر ثلاثة أعوام، والمردوش ستة أعوام، والماميتا أربعة أعوام، والصفصاف عشرين عاما.