الخاتمة


في كيفية الخزن وادخار الحبوب والبزور والفواكه الطرية واليابسة والقطاني وبعض الخضر والزهور والعصير والخل والمخللات والمملحات والورد وماء الورد.
أما ادخار الفواكه الرطبة واليابسة، نحو العنب والزبيب والمشمش والأجاص فذلك يدخر في المواضع الباردة الريح النظيفة ولا يقرب الفواكه شيء من حبّ السفرجل ولا يخزن معه فإنه يضر بالرطبة منها. والعنب إذا أردت أن تبقى عناقيده زمانا يحرق ورق التين وحطبه وينثر رماده على العناقيد يصمد طويلا وإن غمست العناقيد في عصارة البقلة الحمقاء حفظت مدة طويلة وإن غمست في ماء الشب وعلقت لا تتلف طوال السنة وإن أخذ رماد الجرزون ورماد حطب التين وخلطا بماء وغلي الماء ثم برّد ثم غمست فيه العناقيد وجففت بعد إخراجها منه ثم وضعت في تبن الشعير فإنها تبقى زمانا. وكذا جميع الفواكه الرطبة ونشارة الساج والأرز ورماد الكرم يُضرب أي منها بالماء وتغمس فيه العناقيد وترفع ثم تفرش أو تعلق في غرفة نظيفة معتدلة الجو، تبقى زمانا طويلا وإن صنع إناء من روث البقر المخلوط بقليل من طين ابيض بعد التأكد من عدم وجود شقوق في الإناء فإذا وضعت فيه عناقيد العنب ثم طين رأس الوعاء ووضع في مكان نظيف بارد، فإنه يبقى إلى النيروز. ويؤخذ العنب الشتوي الغليظ القشر الطلب الأبيض أو الأسود الناضج المستحكم الحلاوة في شهر كانون أو غيره بحسب تبكير الأرض وتأخيرها بعد أن يقطف بحديد قاطع يكون ذلك بعد ارتفاع الشمس وذهاب الندى ثم ينقى العنقود من الحب الفاسد أو غير الناضج وتفرش له الخوابي الجدد بتبن الاشتالية أو بتبن السلت ثم توضع العناقيد بين طبقتي التبن إلى أن تمتلئ الخابية ويختم فمها بالطين ليمنع الهواء من التسرب إلى داخلها ثم تحفظ الخوابي في مكان لا تصل إليه الشمس فإن العنب يبقى غضا عاما كاملا. ويحفظ العنقود مدة طويلة في ظرف من فخار على أن لا يكون في العنقود فساد وذلك بأن يطين عليه بطين مصنوع من تراب أحمر. وقيل تغمس العناقيد في ماء وملح وتفرش على تبن الترمس أو تبن الباقلاء أو تبن الشعير وتحفظ في موضع بارد لا تصيبه الشمس ولا توقد فيه نار تبقى زمانا. وقيل إن وضع عنقود العنب في ظرف الفخار الجديد وسدّ رأس الظرف بجلد شدا محكما ودفن في تراب لا يصل إليه الفساد مدة طويلة وإن جعلت الجرة في الماء إلى حلقها لا يلحق العنقود فساد كذلك، وإذا قطع العنقود بقضيبه وورقه وغمس موضع القطع في قار مذاب وعلق بقي غضا الشتاء كله. وقيل إن فرش العنب على تبن الفول لم يقربه الجراد ما دام عليه ويبقى مدة سليما. وإن خلطت نشارة الخشب مع دقيق الجاروس وجعلت في آنية مطلية بالقار طبقة منه وطبقة من العنب فإن العنب يبقى غضا.
وقال بعض الحكماء إذا أخذ ماء السماء وغلي حتى يذهب ثلثه، ثم برد ووضع في إناء زجاج، وجعل فيه ما يسع الإناء من عناقيد العنب المنقاة من الحب الفاسد ثم غطي فم الإناء بقي العنب فيه غضا. وقال آخر، يسد رأس الإناء بجص ويرفع في موضع لا تقربه شمس ولا الحرارة ولا الدخان. وقيل تترك عناقيد العنب في شعير فلا تفسد. وقيل إن نشرت عناقيد العنب على تبن الفول أو تبن الترمس أو تبن القمح مفرقة لا يمس بعضها بعضا لا تفسد وتبقى ما شئت، وإن علقت كذلك مفرقة تبقى زمانا، لا سيما في مخازن القمح. وقيل تعلق منكسة، وإذا احتيج إلى أكله غسل بماء ساخن، وإن علقت في خوابي تبقى زمانا، وإن وضع رماد شجر التين أو حطب الكرم في ماء وغلي ثم غمست فيه عناقيد العنب وجففت ووضعت في تبن بقيت زمانا غضة. وإذا أردت أن تحفظ العنب على الدالية وتقطعه متى شئت فاعمل أكياسا من كتان وأدخل كل عنقود في كيس واربط رأسه في عموده أو أصل العنقود فيبقى زمانا غضا. وقيل تلف العناقيد بالصوف المنفوش، فإنه يحفظها من الزنابير والنحل وتبقى زمانا. وأن أردت أن يكون معلقا في الدالية حتى آذار أو بعده فخذ قضيبا منها فيه حمل كثير يمكنك أن تحنيه حتى يصل كعب الدالية ثم اجعله في حفرة بعمق ذراعين مفروسة برمل ناعم نقي وأنزل العناقيد في الحفرة من غير أن يصيب الأرض وجوانب الحفرة وشده إلى وتد أو نحوه لئلا يخرج، وغط الحفرة بورق السوسن، وانثر عليها ترابا مثل الدقيق حتى يتلبد عليه فإن العنب يبقى غضا طريا إلى آذار أو بعده. وإن جعل في الحفرة آنية من فخار جديد كبيرة واسعة ودليت فيه العناقيد وهي في غصنها دون أن تمسها ثم غطي فمها بقي العنب غضا طريا الشتاء كله وسلم من كل آفة تفسده. وأن جعل العنقود في وسط قادوس لطيف جديد مثقوب دون أن يمس جوانب القادوس ويعلق في الدالية فإن العنب فيه يبقى زمانا. وإذا قطع أول حمل من عنب الكرمة ثم سقيت الدالية فإنها تحمل مرة أخرى عنبا مؤخرا، فإذا نضج يجعل كل عنقود في آنية من خزف ويعلق بأغصان الكرم لئلا يسقطها الريح ويطين فمها بجص فإن ذلك العنب يبقى غضا إلى أول الربيع دون أن يفسد، وقيل يثقب في الآنية ثقب للهواء دون أن يمس العنقود الآنية.
وأما حفظ العنب وادخاره زبيبا فطريقته أن تلوى العناقيد إذا أدرك العنب أولا حتى يمنع عنها الغذاء من شجرتها وتترك كذلك حتى يتقبض ثمر العنب ثم يقطف ويعلق في ظل حتى ييبس، ثم يجعل في وعاء من خزف فرش بورق يابس من الكرم ويجعل مثله فوقه ثم يطين فم الإناء ويخزن في بيت بارد لا يصيبه دخان، فإنه يطيب ويطول بقاؤه ويحفظ من الندى وهذا الزبيب يكون لذيذا ورطبا يميل بلونه إلى البياض. وقيل يقطف ورق الدالية وتفرش عناقيد العنب عليها حتى تجف وتصير زبيبا. وإذا قطف عنب الزبيب قبل تناهي نضجه وحلاوته وذهاب حموضته ومرارته فإن زبيبه يكون قليل الحلاوة خفيف الوزن، وكذا التين وفي الليل يجمع الزبيب والتين المنشور حتى لا يضر به هواء الليل ونداه. وإن غطي ليلا قبل يبسه بحصير من بردي أو قصب أو شبه ذلك وكشف للشمس نهارا أسرع ذلك في يبسه، وكذا ان فرس في أرض بور. وإذا يبس العنب الغليظ ونحوه صار زبيبا كان وزنه نحو الثلث والرقيق والأخضر يكون وزنه ربع وزنه عنبا أو أقل. والأرض البور الحمراء الخالية من العشب أحسن مكان لنشر العنب للزبيب على أن لا يجعل بعضه فوق بعض، ولا ينشر قرب الطريق والآبار فإنه يتغير لونه.
وطريقة أخرى في عمل الزبيب إذا كان العنب غليظا أو تأخر قطفه أو أردت استعجال يبسه، فخذ رماد الفول ونحوه وصب عليه ماء واتركه بوما وليلة أو أكثر، وضع فيه رمادا واغله ثلاث غليات أو أكثر وادخل فيه عناقيد العنب مدلاة وهو سخن على النار ثم أخرج العنب منه قبل أن يتشقق حبه وانشره في الشمس على حشيش وقلبه من الغد برفق، فإذا جف جيدا فارفعه وأن أردت أن يكون الزبيب أزرق يجعل في الرماد قشور الرمان، وطريقته أن يؤخذ الرمان ويجعل عليه أربعة أمثاله من الماء العذب ويترك ثم يؤخذ أعلاه ويجعل في قدر نحاس كبير ويرفع على النار، فإذا تناهى غليانه يغمس سل العنب في القدر حتى يغيب كله في ماء القدر وهو شديد الغليان غمسة أو غمستين ثم يرفع ويفرش على دبس يابس ولا بد أن يقلب في الغد ويترك بعد ذلك حتى يجف، ثم يقلب مرة أخرى، فإذا يبس خزن في ظروف فيها رماد الفول، وإن جعل في الماء المذكور قليل من الزيت الطيب صلح به الزبيب.
وأما التين فيخزن غضا بأن يؤخذ التين بعوده ويوضع في قدر جديد في صفوف متباعدة ويجعل في موضع بارد، فإن حمض يوضع تحت القدر أعواد قرع يابس وتوقد عليه النار والدخان وقيل أن أخذ التين غضا ووضع على ورقة وألقي عليه غطاء زجاج أو رصاص أو إناء مقير بقي غضا. وأما خزنه يابسا وتنشيفه فإنه يجمع التين إذا سقط على الأرض بعد تناهي نضجه ويفرش وييبس في الشمس جيدا ويترك ليلة منشور للندى ويرفع قبل طلوع الشمس ويستر بعد ذلك عن الشمس ويحفظ في البيوت من الندى وإن جعل في الفخار يرفع من المنشر وفيه ندازة يسيرة. وقيل أن وضع بين التين اليابس في وعائه الذي خزن فيه ورق السرو لا يدود. وقيل إن غمست ثلاث تينات في قار رطب وجعل منها واحدة في أسفل الإناء وأخرى في وسطه وأخرى في أعلاه سلم من العفن. وقيل يرش عند اختزانه بماء مذاب فيه ملح رشا خفيفا فذلك يحفظه من السوس ولا يلحقه تغير.
وأما خزن نحو التفاح والكمثري والسفرجل والأترج ونحوها فخذ أيها شئت من شجرته برفق لئلا يتهشم وليكن فجا إلى حد ما وسليما من الآفات وإن كانت الحبة بعنقها فأحسن ثم تلف كل حبة بورق الحور أو في خرقة كتان ويربط عليها بالخيوط ويطين فوقه بطين لزج مصنوع من تراب أبيض وبجص معجون بماء تجفف في الظل وترفع على لوح معلق أو تعلق بأعناقها في موضع بارد لا تصيبه الشمس ولا الريح ولا الدخان ولا حرارة نار، أو تدفن في شعير، فإنها تبقى زمانا طويلا. وإذا احتيج إليها تنقع في الماء حتى ينحل ذلك الطين عنها، والفواكه الشتوية أصبر وأكثر صمودا وتجمع في تشرين الأول وتجنى باليد وطريقة حفظها أن تؤخذ قطع كتان جافة تفرش في آنية فخار جديدة جافة ويجعل فيها من التفاح طبقة ومن الكتان طبقة ليحول ذلك بين ملامستها بعضها بعضا، وتغطى بقطعة الكتان كما ويغطى الإناء ثم يطين بالطين الموضوف سابقا ويعلق في غرفة كبيرة مظلمة باردة فإنها تبقى ولكن لا بد من تفقدها مرة في الشهر لإزالة العفن أن وجد وبذلك تبقى إلى حزيران موعد الموسم الجديد.
ويحفظ السفرجل كذلك، ويخزن منفردا لا يقرب من شيء من الفواكه، وقيل إذا جفت التفاحة في طين الفخار ورفعتها وفتحتها متى شئت تجدها صحيحة، وإن شئت فاجعل ذلك الطين في ظرف من فخار أو من طين يابس أو شبهه وغيب فيه التفاح دون أن يلصق بعضه ببعض فإنك تأكل منه تفاحا رطبا متى شئت، وأن ألقيته في خابية وصببت عليه صعترا بقي غضا زمانا طويلا، وأما الكمثري وهو الانجاص فيفرش ملح جريش أو نشارة خشب في أسفل إناء جديد ثم يصف عليه حب الكمثري يحفظه زمنا. وكذا إن جعل في آنية فيها عسل، فإنه يبقى زمانا، وإن جعل في جرة فخار جديدة ثم سد رأسها بإحكام ودفنت في التراب فإنها تبقى فيها صحيحة سليمة، وكذلك أن دفنت الجرة إلى حلقها في الماء. وكذا التفاح والرّطب من التمر. وقيل تجمع الكمثري وفيها فجاجة وتطلى أعناقها بقار مذاب وتوضع على نشارة خشب متفرقة بعضها عن بعض. وأما خزنها يابسة فخذ السليم منها وقطعه أرباعا ثم انشره في الشمس على ألواح وقلبه كل أربعة أيام حتى يجف ولا يبقى فيها رطوبة، ثم ضعه في قفف طبقة فوق طبقة ويرش على كل طبقة شيء من العسل رشا رقيقا حتى تمتلئ الظروف ويؤكل في الربيع والشتاء لكنه قليل الذغاء.
وأما السفرجل فتلف كل حبة في ورق تين ويطين بالطين الحلو الأبيض ويجفف في الظل ويوضع في غرفة ليس فيها غيره من الفواكه لأن رائحته تضر الفواكه الرطبة، لا سيما العنب غضا ويابسا. وقيل يدفن السفرجل في تبن الشعير. وقيل يوضع في نشارة خشب، وإن وضع في عصير حلو في آنية كان أبقى له. وكذا التفاح، وإن حفظ بطين الفخارين كان عجبا. وبهذه الطريقة يخزن يابسا.
وأما الرمان فيجمع بأعناقه وفيه فجاجة وقيل بعد نضجه ويربط بالخيوط ونحوها ويعلق في غرفة باردة دون أن يمس الحائط أو بعضه بعضا، فأنه يبقى كذلك زمانا. وكذا، إن علق في الهواء حتى يجف فشره، وقيل أن غمس الرمان بماء شديد الحرارة وترك فيه إلى أن يبرد الماء ثم علقت كل رمانة وحدها مربوطة بخيط أو ملفوفة بقطعة من شبكة ونحوها، فإنها تبقى سنة لا تتغير ولا تعفن، وقيل إن طلي رأسها وأسفلها بزفت وعلقت، بقيت زمانا، وإن غمسه بالماء الحار وتركه فيه حتى يبرد الماء فإذا رفع منه وعلق عاش سنة سليما. وقيل إذا يبست قشور الرمانة وأردت أن ترطبها فاعرضها للنار أو أدخلها الفرن بعد أن تسخنها، فإنها تعود رطبة.