وأما الأجاص وهو عيون البقر والقراصيا والعناب والخوخ، وهو المسمى بالراقن فتيبس في الشمس بعد أن تقلب مرارا ولا يكون ذلك إلا فيما نضج منها ثم تجعل في أزبار فخار جدد وتسد بالجص وتحفظ إلى وقت الحاجة فإذا أريد أكلها رشت بالماء ولفت بخرقة حتى تترطب. وييبس العناب ونحوه منظوما في خيط ويعلق في الهواء في الغرف ونحوها، فإنه يبقى العام كله. وأما الخوخ فيفرع من نواه دون تقطيعه ثم ينظم في خيط ويعلق في الهواء ويترك حتى يجف أو يعلق في زير من فخار أحمر فيبقى العام كله وعند أكله يرش بالماء ويجعل في قطعة من قماش حتى يطرى. وأما الفستق والجوز واللوز فتجفف في الشمس بقشورها والجوز والفستق إذا جف يخزن في أواني الفخار الجديدة واللوز المقشور يغسل بعد أن يجفف بالماء المالح وييبس جيدا فيكون أبيض ناصعا. وإذا أردت أن يكون الفستق والجوز واللوز والبلوط وشبهها بعد يبسه أخضر أدفنها بقشرها أو مقشرة مصرورة في خرقة نظيفة في رمل مبلول أو في طين ورشها بالماء العذب مرات ثم اتركها أياما فتصير غضة كالأخضر. وقيل يكسر الجوز اليابس برفق ويؤخذ لبه صحيحا ويلف في خرقة كتان نظيفة ويدفن في تراب نقي ويسقى بالماء في كل يوم مرة عدة أيام، فإنه يعود أخضر فريكا. والقسطل والبلوط يحفظ بعد جفافه في الخوابي وتطين رؤوسها بعد سدها فيبقى كل منهما على رطوبته إلى شهر أيار، وإذا اخرج من الأواني للأكل جعل في قفة كيس وضرب بالمرازب برفق حتى يتكسر عنه قشره، وإذا أحببت أكله رطبا فافرشه على أرض ندية نظيفة وغطه بطبقة رقيقة من الرمل ورشه بالماء العذب مدة ثمانية أيام فإنه يصير غضا كأنه جني من يومه. والبلوط ييبس بالدخان وذلك بأن يفرش على حصير من قصب أو قش ويبقى حتى يجف، ثم يقشر ويخزن. وقيل يغلى بالماء ثم يرفع من الماء ويترك حتى يجف وينقى من قشره ويطحن ويخبز كما تقدم. والقسطل لا يتحمل ذلك، بل يؤخذ غضا طريا ساعة جمعه ويدفن في حفرة عمقها ثلاثة أشبار مفروشة بالرمل في موضع لا يصيبه مطر أو يطين عليه بالجص لئلا يصيبه المطر.
وأما خزن الحبوب والبزور والخضروات فكما يأتي: يخزن القمح أما في حفرة أو مطامير بعيدا عن الريح والهواء وأما في اهراءات معرضا للهواء، فإذا خزن في الاهراءات وضع تحته من تبنه ما سمكه نحو ذراعين وكذلك على أفواه المطامير مثل ذلك ان كان مخزونا فيها. ويكون للاهراء كوى من جهة المشرق والمغرب فهواء هاتين الجهتين تذهب عنه الآفات ولا يكون لها من جهة الجنوب منفس ولا كوى. ومما يطيل في بقاء القمح خزنه في سنابله، ويقال أنه إذا خزن في سنابله بقي مائة عام، وإن أخذ ورق الرمان أو رماد حطب البلوط المنخول ووضع من أي منهما مع القمح مقدار جزء واحد من مائة جزء من القمح يسلم من الآفات، وكذا رماد عيدان الكرم أو بعر الضأن اليابس فكلها تحفظ القمع من الآفة وكذلك ورق السرو إذا خلط بورق السلق المجفف ووضع مع القمح أبعده عنه السوس، وقيل أن قشور الأترج والفوتنج النهري يقتل السوس، وكذا ان وضعت في الثياب أبعد عنها العث.
وأما الشعير فيحفظه الرماد - أي رماد كان - أو الجص المنخول بقدر ما يري بياضه في الشعير، أو بدفن جرة مملوءة بخل طيب في وسطه. والعدس والماش وشبههما إذا جعلت في وعاء من خزف دهن جوفه بدهن ووضع على الوعاء رماد سلم من الآفة، وقيل إن نشرت الحبوب والقطاني في ليلة مظلمة ندية وجمعت من الغد وهي طرية وخزنت سلمت. وأما الدقيق فمما يحفظه ويبقيه زمانا طويلا أن يؤخذ خشب الصنوبر ويدق ويجعل في صرر وتدس في الدقيق فذلك يحفظه من التغير ويبعد عنه الدود، أو يسحق الكمون والملح بكمية متساوية ويذر على وجه الدقيق يحفظه، أو يعجنان بالخل وتصنع منهما أقرص تجفف وتدس في الدقيق متفرقة، فلا يتغير. وإن أخذ عود السرو الأحمر وقطع قطعا صغارا وألقيت في الدقيق حفظ من الآفات، وإن أخذ الفوتنج والسذاب وبزر الخمطي وبزر الخشخاش فخلطته وسحقت وصنع منها أقراص ووضعت متفرقة في الدقيق حفظته.
وأما البزور، فبزر البصل والثوم والكراث والجزر لا يخزن شيء منها على الأرض بل في أواني لم يصبها دهن، وتعلق على الحيطان مخلوطة بقليل من الملح المسحوق. وأما بزر الباذنجان والخيار والقثاء والبطيخ والتين والعنب وشبهها فتؤخذ بعد تناهي نضجها وتغسل وتجفف ثم تخزن في آنية جديدة ويطين فمها وتعلق في موضع ليس رطبا. وأما البطيخ فتوضع كل واحدة في شبكة من حبل وتعلق في موضع بارد، فيبقى غضا، وقيل يطلى بطبقة من طين بزبل ونخالة شعير معجونة بعصارة العوسج أو القرع فإنه يبقى زمانا. والقرع أو الخيار إذا جعل في عصل بقي غضا زمانا، وقيل وكذا إن جعل في خل طيب. وإن سلق القرع بماء عذب وجعل في إناء مع خل وزيت لا يفسد، وإن قطع القثاء رطبا وجعل في ماء وملح بقي الشتاء كله، والقنبيط والرازيانج يخزن في الخل فيبقى.
وأما المخللات، فالخردل عمدة المخلل وأجوده الأبيض يخلط بقليل من الملح حتى لا يكون مرا. وطريقة صنع اللفت أن يقشر ويقطع قطعا كبيرة ويذر عليه الملح ويترك ليلة حتى ينصل منه الماء ثم يرفع ويجعل في مصفاة ويعصر باليد حتى يخرج الماء ويذر عليه الخردل والملح وهو فاتر ثم يصب عليه الخل وملحقاته وما يؤكل في أيام يسيرة يقشر ويسلق حتى ينضج ويهيأ كما ذكرنا. والباذنجان ينقع في ماء وملح ليلة ثم يرفع ويصب عليه الخل وملحقاته، أما إذا أريد أن يخزن بالماء المغلي، والذي يؤكل في يومه يغلى حتى ينضج. وطريقة صنع اللفت الأبيض المكبوس بالخميرة يعجن دقيق الشعير أو النخالة بخميرة وماء ساخن قد سلق فيه اللفت، ثم يهرق ماؤه ويصفى ويذر عليه الخردل ويترك في المرقة بالخميرة مع كثير من النعنع والسذاب وورق النارنج. واللفت المصنوع بحب رمان، يدق حب الرمان ويصفى ويمزح بالخل ويرفع على النار حتى يقارب الجمود، ويجعل فيه نعنع وسذاب وفلفل وزنجبيل وخشخاش وسمسم مقشور وشهدانج وقلب جوز غير مدقوق، فإذا عقد يقشر الثوم ويقطع ويقلى بالشيرج حتى يحمر ويرمى عليه بعد ذلك قطع اللفت المقشر المسلوق ويوضع حب الرمان ويغلى على النار ثم يحفظ في الماء.
والباذنجان له طرق منها أن يؤخذ ورق الكرفس والنعنع والمقدونس وتجعل في إناء ويذر عليه كزبرة يابسة وكراويا محمصين مدقوقين وفلفل وأسنان ثوم صحاح مقشورة، ويقطع من الباذنجان رؤوس أقماعه ويشق ويحشى بالخليط المذكور ثم يوضع في إناء ويصب عليه الخل. أو يصنع كما ذكرنا ثم يصفى مع الخل بزبيب أسود مدقوق مخلوط بخميرة ويصب ذلك على الباذنجان أو يصنع كما ذكرنا ثم يزاد عليه الخل الممزوج بالزعفران المحلى بعسل مع خردل كثير. وطريقة أخرى أن يؤخذ الرمان والزبيب فيدقان ويصفيان بخل ويضاف عسل أو سكر ثم يرفع على النار حتى يتماسك فيزاد فيه النعنع والسداب والزنجبيل والسمسم المقشور والخشخاش والشهدانج المحمص ثم يقطع الباذنجان والثوم لكن كل واحد منهما على انفراد، فإذا نضج يجعل في الخل وحب الرمان ويغلى قليلا ثم يرفع ويؤكل فهو شهي لذيذ، أو يقطع الباذنجان ويسلق نصف سلقة، ثم يقلى بصل بشيرج بحيث ينضج ويدق جوز محمص مقشور دقا ناعما يضاف إليه الخل والزنجبيل ثم يلقى فيه الباذنجان مع الثوم المقشر ويرفع على النار حتى ينضج.
والليمون يشق كالباذنجان ويوضع في شقه ملح مدقوق ويجعل في إناء نظيف كان فيه زيت ويعصر الليمون حتى يغمر بعصارته وقد يزاد عليه العسل المزعفر ويضاف إليه خل محلى بعسل وزيت طيب ويؤكل، أو يقشر الليمون ويدهن بزعفران ويجعل في إناء فيه ماء ليمون وملح ويختم ويغمر بزيت طيب. والليمون المراكبي بقطع حزوزا بقشره ويذر عليه قليل من الملح ويخرط سذاب ويلت به ويوضع عليه زيت طيب ويؤكل بعد أيام، ويضاف إليه قليل من الكراويا المدقوقة المحمصة والزيتون الأسود بعد إخراج نواه، ويجعل على منخل ويبخر تحته بعود قاقلي وقشور جوز يابس، فإذا أخذ حدّه من الدخان تذر عليه كزبرة يابسة وقلب جوز محمص مدقوق، وقطع ليمون مملح ويعجن به ويوضع في إناء مبخر بعود.
والزيتون الأخضر المرضوض ينزع نواه ويدق له جوز محمص ويضاف إليه عصير ليمون وقطع صغيرة من ليمون مملح ومقدونس مفروم مخلوط بنعنع وسذاب تضاف إليه كزبرة يابسة وكراويا وفلفل.
والعنب يؤخذ العاصمي الجبلي يشمع رؤوس العروق بشمعة ثم يصب عليه خل حامض مخلوط بماء عذب محلى بدبس، فإنه لا يفسد لنه من جنسه ولا بأس إن حلي بالعسل، وبالدبس أجود، وإذا وضعت العروق دون تشمع فالعنب يهترئ وكذلك العنب الأبيض البلدي. والزيت ينقى ويغسل ويدق في جرن ثم يضاف إليه نعنع وخل حامض حتى يصير ناعما ويصفى بمنخل مرات حتى لا يبقى من الزبيب شيء في المنخل، ثم يؤتى بورق نعنع أخضر وإناء يوضع فيه طبقة من الزبيب ثم يضاف إليه الخل المصفى فيه الزبيب، فإن كان حامضا يزاد حلوه ويجعل فيه زنجبيل ويستعمل بعد ستة أيام وقد يوضع معه ورق ورد إذا كان في أوانه. أو يوضع زبيب في إناء مع النعنع كما ذكر، ويجعل عليه خل محلى وفستق فيكون منه طعم لذيذ. ويمكن أن يصنع مثل ذلك في اللفت. والسفرجل والورد والخيار يؤخذ منه التشريني الصغير وينقع في ماء وملح يومين ثم يحفظ في إناء ويصب عليه خل حامض وقلوب كرفس ونعنع وسذاب ويحفظ فيبقى نحو عام. ونوع آخر من مخلل الخيار يدق الخيار ويؤخذ ماؤه ثم يصفى ويخلط بالخل والكرفس والنعنع والسذاب وتضاف رؤوس ثوم كبيرة وعروقا من الطرخون ويحفظ، ونوع آخر: يقطع الخيار قطعا صغيرة مستديرة ثم تنقع يومين وليلتين حتى تزول مرارتها ثم تضاف إلى الخيار ويوضع عليه لبن حامض مصفى بكيس وبعض الملح ويحفظ في قدر فخار جديد ويترك يومين ثم يؤكل. ونوع آخر: يدق الخيار ويجعل ماؤه في إناء فيه خميرة ثم يرفع ويقطع ويضاف إليه اللبن الذي أزبل ماؤه ويؤكل فهو شهي.
والهليون ينقى الغض منه ويغلى بالماء غليانا شديدا ويلقى عليه ملح كثير ثم ترمى فيه كمية أخرى من الهليون ويغطى ويترك حتى ينضج ثم يرفع من الماء ويضاف إليه زيت وكزبرة يابسة، وبعد قليل يلقى عليه البيض. والسفرجل يقطع بعد أن ينظف من عراميشه ويوضع في السكنجين ويلقى عليه بعض الخل ويغلى على النار حتى ينضج، أو يؤخذ عسل نحل أو سكر ويوضع على النار حتى يغلي قليلا ثم يقطع السفرجل ويرمى فيه حتى ينعقد وينضج ويوضع فيه قلب الفستق المقشر وكذا اللوز المصبوغ بالزعفران ويحفظ في إناء. والجوز الأخضر إذا ما عقد لبه ويقطع في نيسان ويفزر بالمسلة في جميع أنحائه ثم ينقع في ماء وملح مدة عشرين يوما أو أقل، ويبدل ماؤه بحيث لا يسود فيحلو عند ذلك يرفع من الماء ويغسل وينشف ويضاف إليه خل حامض فيه أبزار وثوم غير مفروم ونعنع وكرفس.
والبصل يؤخذ الصغير منه ويقشر، ويجعل في إناء ويوضع عليه خل خمر وقليل من الملح ويترك عشرين يوما يغير ماؤه كل عشرة أيام ثم يصفى من الماء ويوضع في الخل، وإذا أريد أكله يصفى من خله ويقشر. والبصل الكبير يقشر ويقطع على شكل صليب بحيث يبقى متماسكا ويوضع عليه ملح وماء مدة يوم وليلة ثم يزال عنه الماء ويعصر، ويحشى بالنعنع والكرفس والمقدونس وقليل من السذاب والكزبرة اليابسة المدقوقة والكراويا، ويوضع في إناء ثم يصب عليه خل حاذق وزيت ويترك أياما ويؤكل. والقنبيط تؤخذ رؤوسه الكبار يقطع أسفلها وتجعل عروقه في الماء ويوضع عليه الخل والدبس والطيب والسذاب والنعنع. والكباد يؤخذ منه الكبير الناضج الكثير الشحم فيقشر ويقطع قشره وتقطع قطعا كبيرة ثم تغلى بشيرج حتى تنضج ثم يفصص جون أن يزال عنه القشر اللاصق به، ويجعل في غناء ويفرغ عليه خل خمر حاذق محلى بسكر أو عسل ويجعل في الخل جريش من بندق محمص مقشور ويضاف إلى ذلك القشور المقلية المذكورة والطيب والنعنع وهو ما زال حارا بحيث تزول حموضته ويترك أياما ثم يؤكل.
والورد يؤخذ منه النصيبي ويعرك بالعسل حتى يذبل ويوضع في الشمس أياما ثم يضاف إليه خل خمر وقليل من نعنع أو يؤخذ الورد المربى بالعسل ويجعل عليه الخل المذكور. والجزر يؤخذ منه الصغير الغض ويقطع قطعا صغيرة ثم يؤتى بعسل نحل مخلوط بخل خمر وزنجبيل وطيب ويرفع جميعه على النار حتى يغلي قليلا ثم يرمى في هذا الخليط بالجزر ويطبخ على نار هادئة حتى ينعقد كالحلاوة، ويزاد إليه المسك والزعفرن ويؤكل. والشمر يؤخذ الأخضر منه ويقطع قطعا متوسطة ويجعل في وعاء ويصب عليه الخل الحامض وإذا أريد أكله يحلى بعسل أو سكر أو تؤخذ قلوب الشمر وتقطع قطعا صغيرة جدا ويذر عليه ملح مدقوق، وتعرك عركا قويا حتى تذبل وتترك في قصعة مائلة على جنبها فيخرج منه ماء كثير ويترك في الملح يوما وليلة، وبعد ذلك يعصر عصرا جيدا ويجعل في إناء ويوضع عليه لبن حامض، وقليل من القنبريس المذاب في اللبن الحامض ويفرع بصل ويخلط به مع نعنع وسذاب وأصول خس وقلوب طرخون، وزيت طيب، ولا وضع فيه ثوم، فإنه يضر به، ولا يوضع فيه من البصل إلا لبه الأبيض وهو من أطيب المآكل.
وأما الخل فيصنع من العنب الحلو الناضج بعد نزول المطر فيكون طيب الرائحة طويل البقاء وما كان من العنب الرقيق يكون أضعف، وإذا جعل الماء البارد في الخمر تخلل بعد أن يعرض الإناء للشمس ويخطئ من يستعمل الماء الحار وكذا أصول السلق المقطعة تخلل الخمر في ثلاثة ايام، وكذا الكرنب وورقه. وإذا طبخ عصير العنب حتى يذهب ثلثه أو نصفه ثم وضع في خابية فإنه يتخلل ويبقى زمانا. وأما صنع العنب نفسه خلا فيؤخذ الناضج منه في تشرين الأول فينقى حبه من عناقيده ويجعل في خابية نظيفة، أو وعاء زجاج ويترك خمسة عشر يوما ويملأ كلما نقص إلى أن يتخلل، ويعرف ذلك من رائحته، ثم يعصر العنب أو يؤخذ ما أفرزه أولا ويعاد التفل إلى الخابية ويترك خمسين يوما، ثم يجعل عليه من الماء العذب بقدر ما أخذ منه أولا، ويترك شهرا ثم يعصر بعد عركه جيدا، ويحفظ خله وحده ويترك حتى يصفو. والخل الأول أن بقي عشرة أعوام لا يفسد. أو تؤخذ عناقيد العنب فتوضع في الخابية كما تقدم فإن أردت استعجاله اجعله في أوعية صغيرة واتركه في الشمس يتخلل في خمسة عشر يوما، وما كان في الظل قد لا يتخلل إلا في نحو عام، أو تجعل عناقيد العنب في خابية حتى يملأ ثلثها ثم تملأ الخابية ماء عذبا ويطين رأسها فيكون منه خل في منتهى الحموضة. ومما يزيد في كمية الخل أن ينقع شعير في ماء ثلاثة أيام ثم يصفى ثم يجعل منه على مثله خلا مع حفنة ملح، فإنه يزيد مقدار الخل دون أن ينقص من طعمه وحموضته. وأما جعل الخل ثقيفا فيؤخذ ثلاثة أربع من خل يطبخ على نار معتدلة حتى يذهب ثلثه، ثم يرد إليه ربعه ويشمس ثمانية أيام فيصير ثقيفا شديد الحموضة.
ويصنع الخل من نعنع بري ونعنع بستاني وبزرهما من كل واحد جزء، ويجعل الكل في إجانة ثم يغمر بالماء ويغلى حتى يهب الربع ثم يرفع ويحفظ، فإذا أريد عمل خل أبيض خالص قاطع يوضع منه أوقية في ثلاثة أرطال ماء عذب ثم يعرض للشمس الحارة ثلاثة أيام، وفي الشتاء يوضع على النار خمسة أيام، فإنه يعود خلا حاذقا قاطعا، ولونه كماء الورد، وإذا علق ورق الكرم في إناء الخل دون أن يمس الخل لا يعرض للخل فساد. وقيل إن وضع في الخل عصارة حصرم صار ثقيفا، وكذا إن جعل فيه شعير مقلي. وقيل إذا حمي حجر الرحى بالنار وقذف في الخل زادت حموضته. وإذا دوّد الخل وضع فيه الملح فيموت الدود. وإذا خيف على الخل من الدود والفساد يجعل فيه عصارة ورق الخردل وأغصانه وبزره مدقوقا، فإنه يحفظه ويزيد في حموضته. والخل يصنع كذلك من الخروب والانجاص والسفرجل والتين والجميز والمشمش اليابس والتفاح والتمر وغيرها كما تقدم وصفه.
وأما خزن العصير حلوا طوال السنة فطريقته أن يجعل حين يعصر في أوعية من فخار حتى نصفها وتسد أفواهها بجلد وتربط وتوضع أياما في بئر فيها ماء. ومنهم من يضعها في الماء إلى حافتها. وأما الدبس فأحسن طريقة لصنعه أن يلقى على كل ثلاثة أكيال عصير كيل ماء ويطبخ على نار هادئة حتى ترتفع رغوته ثم تنزع الرغوة بمغرفة مثقوبة كلها ثم تقوى ناره ويستمر في تحريكه كيلا يحترق، وتنزل القدر بين الحين والحين عن النار ثم تعاد وهكذا حتى ينعقد. ويطبخ الدبس في موضع فسيح لئلا يصيبه الدخان، وكثرة تحريكه تحسن لونه. ويقال أن قطف العنب في نقصان الشهر والقمر بأول منزلة السرطان أو الأسد أو الميزان أو العقرب أو الدلو كان عصيره أكثر. وأما الورد فإنه يخزن في أواني الفخار الجدد، ويطين رأسها فتبقى رائحته ولونه كما هما. وإن أردت الورد الطري في غير أوانه تقطف أزراره بعيدانها طول كل عود أربعة أصابع مضمومة، او يجفف في الظل ويخزن فإذا أردت إظهاره طريا تجعله في إناء وتسده بشمع وتتركه في الماء ليلة تجده في الصبح وردا طريا. وماء الورد المقطر من الورد البعل أزكى رائحة من الورد المسقي، وإن كانت ناره فحما كان أزكى رائحة. والشب إذا خلط بماء الورد حسن لونه ورائحته ومنع فساده حتى أنه يبقى أعواما دون أن يتغير.
قال مؤلفه قدس الله تعالى سره وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته: وهذا مقدار ما اخترناه وانتقيناه من كتاب الفلاحة على حسب الامكان، وتركنا ما لا يليق ذكره مما لا يحتاج إليه الإنسان، وبالله المستعان، وعلى كرمه وإحسانه التكلان في كل عصر وزمان، والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وقد كمل ما سميناه علم الملاحة في علم الفلاحة وكتبه جامعه العبد الفقير إلى مولاه الخبير عبد الغني بن النابلسي، ختم الله تعالى له بالحسنى، وأمده بالمدد الأسنى، وذلك في صبيحة نهار الاثنين من شهر شوال سنة سبع وعشرين ومائة وألف من الهجرة النبوية، حامدا الله تعالى، ومصليا ومسلما على رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحزابه أجمعين آمين. وقد تم طبعه وأنجزت مقابلته وضبطه مصححا على نسخة مؤلفه الهمام التي بخطه الشريف وذلك في اليوم السابع والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام سنة تسع وتسعين ومائتين وألف من هجرة من له العز والشرف، صلى الله عليه وعلى آله وأتباعه وأحزابه وأنصاره آمين.