ما عامل به عمر خالد بن الوليد
وفي سنة سبع عشرة، أدرب خالد بن الوليد وعياض، وكان خالد على قنّسرين من تحت يد أبي عبيدة، فأصابوا أموالا عظيمة. فانتجع خالدا رجال.
وكان الأشعث بن قيس فيمن انتجع خالدا بقنّسرين، فأجازه بعشرة آلاف، وكان عمر لا يخفى عليه شيء في عمله، فكتب إليه بخروج من خرج من تلك الغزاة من الشام، وبجائزة من أجيز.
فدعا البريد وكتب معه إلى أبي عبيدة:
أن يقيم خالدا ويعقله بعمامته، وينزع عنه قلنسوته حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث: أمن ماله، أم من إصابة، فإن زعم أنّها من إصابة أصابها، فقد أقرّ بخيانة، وإن زعم أنّها من ماله، فقد أسرف، فاعزله على كلّ حال، واضمم إليك عمله.
فكتب أبو عبيدة إلى خالد، فقدم عليه. ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر، فقام البريد، فقال: « يا خالد! أمن مالك أجزت بعشرة آلاف، أم من إصابة؟ » فلم يجبه حتى أكثر عليه وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئا.
فقال بلال بعد أن قام إليه: « إنّ أمير المؤمنين أمر بكذا وكذا. » وتناول عمامته فنقضها، لا يمنعه سمعا وطاعة. ووضع قلنسوته، ثم أقامه، فعقله بعمامته وقال: « ما تقول، أمن مالك، أم من أصابة؟ » قال: « لا. بل من مالي. » فأطلقه، وأعاد قلنسوته، ثم عممه بيده وقال: « نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخّم ونخدم موالينا. » وأقام خالد متحيّرا لا يدرى: أمعزول أم غير معزول. وجعل أبو عبيدة يكرمه ويزيده تفخيما ولا يخبره. فلمّا طال على عمر أن يقدم خالد، ظنّ الذي كان.
فكتب إليه بالإقبال.
فأتى خالد أبا عبيدة، فقال: « رحمك الله، ما أردت إلى ما صنعت؟ كتمتني أمرا كنت أحبّ أن أعرفه قبل اليوم. » فقال أبو عبيدة: « إني والله ما كنت لأروعك: ما وجدت بدّا، وقد علمت أنّ ذلك يروعك. » فرجع خالد إلى قنّسرين فخطب أهل عمله، وودّعهم، وتحمّل، ثم خرج نحو المدينة حتى قدم على عمر، فشكاه، وقال: « لقد شكوتك إلى المسلمين، وبالله، إنّك في أمري غير مجمل يا عمر. » فقال له عمر: « من أين هذا الثراء؟ » قال: « من الأنفال والسّهمان. » ثم أخذ منه عشرين ألف درهم، فأدخلها بيت المال. ثم قال: « يا خالد، والله إنّك عليّ لكريم، وإنّك إليّ لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء. »
وكتب عمر في الأمصار:
« إني لم أعزل خالدا عن سخط ولا خيانة ولكنّ المسلمين فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا [ به ] وأحببت أن تعلموا أنّ الله هو الصانع، وألّا نكون بعرض فتنة. »
وحجّ عمر في هذه السنة، وبنى المسجد الحرام، ووسّع فيه، وأقام بمكة عشرين ليلة، وهدم على أقوام أبوا أن يبيعوا، ووضع أثمان دورهم في بيت المال حتى أخذوها.
علاء بن الحضرمي وعاقبة عصيانه
وكان علاء بن الحضرمي بالبحرين واليا من قبل أبي بكر ثم من قبل عمر وكان يبارى سعدا، فطال العلاء على سعد في الردّة بالفضل. فلمّا ظفر سعد بالقادسيّة، وأزاح الأكاسرة، وأخذ حدود ما يلي السواد وغيرها، واستعلى، وجاء بأعظم مما كان العلاء جاء به، أحبّ العلاء أن يصنع شيئا في الأعاجم، ورجا أن يدال كما قد أديل.
ولم ينظر العلاء في ما بين فضل الطاعة والمعصية بجدّ. وكان عمر لما ولّاه نهاه عن البحر، فلم يفكّر في الطاعة والمعصية وعواقبهما، وطمع في فارس من جهته.
فندب أهل البحرين إلى فارس، فتسرّعوا إلى ذلك، وفرّقهم أجنادا: على أحدها الجاورد بن المعلّى، وعلى الآخر السوار بن همّام، وعلى الآخر خليد بن المنذر بن ساوى، وخليد على جماعة الناس. فحملهم في البحر إلى فارس بغير إذن عمر. فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس، فخرجوا في إصطخر وبازائهم أهل فارس وعلى أهل فارس الهربذ، اجتمعوا عليه، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم.
فقام خليد في الناس فقال:
« أمّا بعد، فإنّ الله إذا قضى أمرا جرت به المقادير حتى يصيبه، وإنّ هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم، وإنّما جئتم لمحاربتهم والأرض والسفن لمن غلب، فاستعينوا بالصبر والصلاة. »
فأجابوه إلى ذلك وصلّوا الظهر، ثم ناهدوهم في موضع يقال له: طاؤوس.
فقتل جماعة من المسلمين فيهم السوار والمنذر بن الجارود. وتزجّل خليد بن المنذر وارتجز:
يال تميم جمّعوا النزول ** قد كاد جيش عمر يزول
وكلّكم يعلم ما أقول
« وانزلوا! » فنزلوا، فقاتلوا القوم، فقتل أهل فارس مقتلة لم يقتلوا مثلها، وهزم الباقون. ثم خرجوا يريدون البصرة، فغرقت سفنهم ولم يجدوا إلى الرجوع سبيلا. فوجدوا سهرك قد أخذ على المسلمين بالطرق، فعسكروا وامتنعوا في نشوبهم ذلك.
وبلغ عمر ما صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر، فألقى في روعه نحو من الذي كان. فاشتدّ غضبه على العلاء، وكتب إليه بعزله، وتوعّده، وأمره بأثقل الأشياء عليه، وقال له:
« الحق بسعد بن أبي وقّاص في من قبلك، فهو أمير عليك. » فخرج بمن معه نحو سعد.
وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان:
« انّ العلاء بن الحضرمي حمل جندا من المسلمين، فأقطعهم أهل فارس وعصاني، وأظنّه لم يرد الله بذلك، فخشيت عليهم ألّا ينصروا، وأن يغلبوا، وينشبوا. فاندب إليهم الناس واضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا. »
فندب عتبة الناس إليهم وأخبرهم بكتاب عمر. فانتدب عاصم بن عمرو وعرفجة وجماعة يجرون مجراهم كالأحنف بن قيس، وسعد بن أبي العرجاء، وصعصعة بن معاوية، فخرجوا في اثنى عشر ألفا على البغال يجنبون الخيل وعليهم أبو سبرة بن أبي رهم. فسار أبو سبرة بالناس وساحل لا يلقاه أحد ولا تعرّض له حتى التقى مع خليد، بحيث أخذ عليهم الطريق غبّ وقعة القوم بطاؤوس، وإنّما كان ولى قتالهم أهل إصطخر والشذّاذ من غيرهم، وقد كان أهل إصطخر حيث أخذوا بالطرق على المسلمين وأنشبوهم، استصرخوا أهل فارس كلهم، فضربوا إليهم من كلّ وجه وكورة.
فالتقوا هم وأبو سبرة بعد طاؤوس وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم، وإلى المشركين أمدادهم، وعلى المشركين سهرك. فاقتتلوا، ففتح الله على المسلمين، وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاءوا، وهي الغزاة التي شرفت فيها نابتة البصرة وكانوا أفضل نوابت الأمصار، ثم انكفأوا بما أصابوا.
وكتب إليهم عتبة بالحثّ وقلّة العرجة، فانضمّوا إليه بالبصرة، وقبل ذلك فتح عتبة الأهواز، وقاتل فيها الهرمزان حتى ظفر به بتستر بعد وقعات أسر في آخرها الهرمزان وأعطى بيده على الرضا بحكم عمر. وقتل الهرمزان بيده البراء بن مالك ومجزأة بن ثور.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
إرسال الهرمزان إلى المدينة
ووفد أبو سبرة وفدا فيهم أنس بن مالك، والأحنف بن قيس. فأرسل الهرمزان معهم فقدموا مع أبي موسى البصرة، ثم خرجوا نحو المدينة.
فلما دخلوها هيّأوا الهرمزان في هيأته، وألبسوه كسوته من الديباج الذي فيه الذهب، ووضعوا على رأسه تاجا يدعى ال « آذين » مكلّلا بالياقوت، وعليه حليته كي ما يراه عمر والمسلمون. ثم خرجوا به على الناس يريدون عمر في منزله، فلم يجدوه. فسألوا عنه، فقيل لهم: « جلس في المسجد. » ولم يروه. فلمّا انصرفوا، مرّوا بغلمان من أهل المدينة يلعبون.
فقالوا لهم: « ما تلدّدكم، تريدون أمير المؤمنين؟ فإنّه نائم في ميمنة المسجد، متوسّد برنسه. » وكان عمر جلس لوفد الكوفة في برنس. فلمّا فرغ من كلامهم وارتفعوا عنه وأخلوه، نزع برنسه، ثم توسّده فنام.
فانطلقوا ومعهم النظّارة، حتى إذا رأوه جلسوا دونه، وليس في المسجد نائم ولا يقظان غيره، والدرّة في يده معلّقها.
فقال الهرمزان: « أين عمر؟ » قالوا: « ها هو ذا! » وجعل الوفد يشيرون إلى الناس: أن اسكتوا عنه. وأصغى الهرمزان إلى الوفد.
فقال: « أين حرسه وحجّابه عنه؟ » قالوا: « ليس له حاجب ولا حارس ولا كاتب ولا ديوان. »
قال: « فينبغي أن يكون نبيا. » فقالوا: « لا، ولكنّه يعمل عمل الأنبياء. »
وكثر الناس وكلامهم، فاستيقظ عمر بالجلبة، فاستوى جالسا. ثم نظر إلى الهرمزان، فقال: « الهرمزان؟ » فقالوا: « نعم! » فتأمله، وتأمّل ما عليه، ثم قال: « أعوذ بالله من النار، الحمد لله الذي أذلّ بالإسلام هذا وأشياعه. يا معشر المسلمين! تمسّكوا بهذا الدين، واهتدوا بهدي نبيكم، ولا تبطرنّكم الدنيا، فإنّها غرّارة. » فقال الوفد: « هذا ملك الأهواز، فكلّمه! » قال: « لا، حتى لا يبقى عليه من حليته شيء. »
فرمى عنه بكلّ شيء إلّا ما يستره، فألبسوه ثوبا صفيقا.
فقال عمر: « هي يا هرمزان! كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟ » فقال: « يا عمر! إنّا وإيّاكم في الجاهلية كان الله خلّى بيننا وبينكم، فغلبناكم، إذ لم يكن معنا ولا معكم، فلمّا صار معكم غلبتمونا. » فقال عمر: « إنّما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرّقنا. »
ذكر خديعة للهرمزان وحيلة له حتى آمنه عمر
ثم قال عمر: « ما عذرك وما حجّتك في انتقاضك مرّة بعد مرّة؟ » فقال: « أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك. »
قال: « لا تخف ذلك. » واستسقى ماء، فأتى به في قدح. فقال: « لو متّ عطشا لم أستطع الشرب في مثل هذا. » فأتى به في إناء يرضاه. فجعلت يده ترعد، وقال: « إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب. » فقال له عمر: « لا تخف، فلا بأس عليك حتى تشربه. » فألقاه. فقال عمر: « أعيدوا عليه، ولا تجمعوا عليه القتل والعطش. » فقال: « لا حاجة لي في الماء، إنّما أردت أن أستأمن به. »! فقال له عمر: « إني قاتلك. » قال: « قد آمنتنى. » فقال: « كذبت. » فقال أنس: « صدق يا أمير المؤمنين »! فقال: « ويحك! أنا أومن قاتل مجزأة والبراء؟ لتأتينّى بمخرج ما قتلت! » قال: « قلت له: لا بأس عليك حتى تخبرني. وقلت: لا بأس عليك حتى تشربه. » وقال جلّة الصحابة ممن حوله مثل ذلك.
فأقبل على الهرمزان وقال: « تكلّم بحجّتك. » قال: « كلام حيّ أم كلام ميّت؟ » قال: « بل كلام حيّ. » قال: « قد آمنتنى ثالثة. »
قال عمر: « خدعتني! لا والله، لا أومنك إلّا أن تسلم. » فقيل له: « أسلم! وإلّا قتلت. » فأسلم، ففرض له على ألفين، وأنزله المدينة.
عمر واللغة الفارسية
وكان المغيرة بن شعبة يترجم بينهما إلى أن حضر الترجمان.
فقال عمر للمغيرة: « سله: من أيّة أرض أنت؟ » فقال المغيرة: « أز كذام أرضيه؟ » فقال: « مهرجانيّ. » وكان المغيرة يفقه شيئا [ من الفارسيّة ].
فقال له عمر: « ما أراك حاذقا بها. ما أحسنها منكم أحد إلّا خبّ، وما خبّ إلّا دقّ. إيّاكم وإيّاها، فإنّها تنقص الإعراب. » وأقبل زيد بعد ذلك، فجعل يترجم بينهما.
ذكر رأي صحيح للأحنف بن قيس
وقال عمر للوفد: « لعلّ المسلمين يفضون إلى أهل الذمّة بأذى، أو بأمور لها ما ينتقضون بكم. » فقالوا: « ما نعلم إلّا حسن ملكة. » قال: « فكيف هذا؟ »
فلم يجد عند أحد ما يشفيه ويبصر به مما يقولون، إلّا ما كان من الأحنف فإنّه قال: « يا أمير المؤمنين، أخبرك أنّك نهيتنا عن الإنسياح في البلاد، وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا، وأنّ ملك فارس حيّ بين أظهرهم، وأنّهم لا يزالون يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم، ولم يجتمع ملكان حتى يفنى أحدهما صاحبه. وقد رأيت أنّا لم نأخذ شيئا بعد شيء إلّا بانبعاثهم مرّة بعد مرّة، وأنّ ملكهم هو الذي يبعثهم. ولا يزالون هذا دأبهم حتى تأذن لنا فنسيح في بلادهم، حتى نزيله عن بلادهم، ونخرجه من مملكته وعزّ أمّته، فهناك ينقطع رجاء أهل فارس ويضربوا جأشا. » فقال عمر: « صدقتني والله، وشرحت لي الأمر عن حقّه. » فكان هذا سبب إذنه لهم في الإنسياح.
يزدجرد يمضى إلى إصطخر وسياه يشترط للإسلام
ومضى يزدجرد بمشورة الموبذ إلى إصطخر فينزلها، لأنّها دار المملكة ويوجّه الجنود. فلمّا بلغ إصبهان أقام أياما وقدم سياه لينتخب من كلّ بلدة مرّ بها من أحبّ. فمضى سياه واتبعه يزدجرد حتى نزلوا بإصطخر، ووجّه سياه إلى السوس. ولم يزل كذلك حتى قدم عمار بن ياسر وأبو موسى يومئذ بتستر.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
سياه يرى الدخول في الإسلام
فدعا سياه الرؤساء الذين كانوا خرجوا معه من إصبهان، وقال: « قد علمتم أنّا كنّا نتحدّث أنّ هؤلاء القوم أهل الشقاء والبؤس، سيغلبون على هذه المملكة، وتروث دوابّهم في أبواب إصطخر ومصانع الملوك، ويشدّون خيلهم بشجرها، وقد غلبوا على ما رأيتم، وليس يلقون جندا إلّا فلّوه، ولا ينزلون بحصن إلّا فتحوه. فانظروا لأنفسكم. » قالوا: « رأينا رأيك. » قال: « فليكفنى كلّ رجل منكم حشمه والمنقطعين إليه، فإني أرى أن ندخل في دينهم. » ووجّهوا شيرويه في عشرة من الأساورة إلى أبي موسى يأخذ لهم شروطا على أن يدخلوا في الإسلام.
فقدم شيرويه على أبي موسى فقال: « إنّا قد رغبنا في دينكم على أن نقاتل معكم العجم ولا نقاتل معكم العرب، وإن قاتلنا أحد من العرب منعتمونا منهم، وننزل حيث شئنا، ونكون في من شئنا منكم، وتلحقوننا بأشرف العطاء، يعقد لنا بذلك الأمر، الذي هو فوقك. » فقال أبو موسى: « لكم ما لنا، وعليكم ما علينا. » قالوا: « لا نرضى. » وكتب أبو موسى إلى عمر بذلك. فقال: « أعطهم ما سألوك. » فكتب لهم أبو موسى فأسلموا، وشهدوا معه حصار تستر. فلم يكن أبو موسى يرى منهم جدّا ولا نكاية.
فقال لسياه: « يا أعور، ما أنت وأصحابك كما كنّا نرى قبل اليوم! » قال: « لسنا مثلكم في هذا الدين، ولا بصائرنا كبصائركم، وليس لنا فيكم حرم نحامى عنهنّ، ولم تلحقونا بأشرف العطاء، ولنا سلاح وكراع وأنتم حسّر. » فكتب أبو موسى في ذلك إلى عمر. فكتب إليه عمر أن: « ألحقهم على قدر البلاء في أفضل العطاء، وأكثر شيء أخذه أحد من العرب. » ففرض لمائة منهم في ألفين ألفين، ولستّة منهم في ألفين وخمسمائة: لسياه وخسرو - ولقبه مقلاص - وشهريار، وشيرويه، وسارويه، وأفريذون.
ذكر مكيدة في فتح حصن
فأمّا سياه فمشى إلى حصن. ويقال: إنّه تستر في زيّ العجم، حتى رمى بنفسه إلى جنب الحصن ونضح ثيابه بالدم. فأصبح أهل الحصن، فرأوا رجلا في زيّهم صريعا، فظنّوه منهم أصيبوا به، ففتحوا باب الحصن ليدخلوه، فثار وقاتلهم حتى خلّوا عن باب الحصن وهربوا. ففتح الحصن وحده، ودخله المسلمون. وأمّا خسرو فمشى إلى حصن آخر حاصروه، فأشرف عليه رجل رئيس منهم، فكلّمه، ثم رماه خسرو بنشّابة فقتله.
ذكر حيلة قوم في الحصار خرجوا بها من حصارهم وسياسة لعمر
وأما جنديسابور فإنّ أبا سبرة لمّا فرغ من السوس خرج في جنده حتى نزل عليها، وحاصرهم أيّاما يغادونه ويراوحونه القتال. فرمى إليهم بأمان من عسكر المسلمين وفتح بابها. فلم يفجأ المسلمين إلّا أبوابها تفتح. ثم خرج السرح وخرجت الأسواق وانبثّ أهلها.
فأرسل المسلمون أن: « ما لكم؟ » قالوا: « رميتم إلينا بالأمان فقبلناه وأقررنا لكم بالجزى على أن تمنعونا. » فقالوا: « ما فعلنا. » فقالوا: « ما كذبنا. » فتساءل المسلمون بينهم، فإذا عبد يدعى مكنفا كان أصله منها هو الذي كتب لهم.
فقالوا: « إنّما هو عبد. » فقالوا: « نحن لا نعرف حرّكم من عبدكم، قد جاءنا أمان، فنحن عليه، قد قبلناه ولم نبدّل. فإن شئتم فاغدروا. » فأمسكوا عنهم وكتبوا بذلك إلى عمر. فكتب إليهم: « لم تكونوا أوفياء، حتى تفوا على الشكّ، أجيزوهم وفوا لهم. » ثم عمل عمر برأى الأحنف، وعقد الأولوية للأمراء والجنود من أهل الكوفة وأهل البصرة. فكان لواء الأحنف على خراسان.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
يوم نهاوند فتح الفتوح
ولما خرج يزدجرد من الجبل، وصار إلى مرو، وكاتب الجيوش بالأطراف، فكتب إلى أهل الجبال، ممّن بين الباب والسند وخراسان وحلوان، فتحرّكوا وتكاتبوا وركب بعضهم إلى بعض، فأجمعوا أن يوافوا نهاوند، ثم يبرموا فيها أمورهم. فتوافى إليها من بين حلوان وخراسان ومن بين الباب وحلوان، ومن بين سجستان إلى حلوان، فاجتمعت حلبة فارس والفهلوج وأهل الجبال وهم مائة وخمسون ألفا.
ثم تآمر الرؤساء عند الفيرزان وكان عليهم، فقالوا: « إنّ محمدا الذي جاء العرب بالدين لم يعرض عرضنا. ثم ملكهم أبو بكر من بعده، فلم يعرض عرض فارس إلّا في غارة تعرض لهم فيها، وإلّا في ما يلي ديارهم. ثم ملك عمر فطال ملكه وعرض حتى تناولكم، وأخذ السواد كلّه، والأهواز. ثم لم يرض حتى أتى أهل فارس والمملكة في عقر دارهم وهو آتيكم إن لم تأتوه. وقد أخرب بيت مملكتكم، واقتحم بلاد ملككم، وليس بمنته حتى تخرجوا من في بلادكم من جنوده، وتقطعوا هذين المصرين وتشغلوه في بلاده وقراره. » فتعاهدوا وتواثقوا. وكتبوا بينهم على ذلك كتابا، وتمالئوا عليه.
وبلغ الخبر سعدا، وخرج إلى عمر ليشافهه بذلك، ولأنّ قوما من جنده شغبوا عليه، وسعوا به إلى عمر، فاستخلف عبد الله بن عبد الله بن عتبان، فكتب عبد الله بن عبد الله إلى عمر أنّه: « قد تجمّعت الفرس مائة وخمسين ألفا مقاتلة مستميتين، فإن جاءونا قبل أن تبدرهم الشدّة ازدادوا جرأة وقوّة، وإن نحن عاجلناهم كان ذلك لنا عليهم. » وكان الرسول بذلك قريب بن ظفر. ولما قدم الرسول بالكتاب على عمر وبالخبر قرأه، وسمع منه، وقال: « ما اسمك؟ » قال: « قريب. » قال: « ابن من؟ » قال: « ابن ظفر. » فتفأّل بذلك وقال: « ظفر قريب، إن شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله. »
ذكر آراء صح منها واحد
ونودى في الناس: « الصلاة جامعة. » فاجتمع الناس ووافاه سعد فقال: « إليّ سعد بن مالك! » وقام عمر على المنبر خطيبا، فأخبر الناس الخبر، واستشارهم، وقال: « هذا يوم له ما بعده، فاسمعوا لي، ثم أجيبوني، وأوجزوا، وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا، وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، ولا تكثروا ولا تطيلوا فتفشغ لكم الأمور، ويلتوي عليكم الرأي، إني قد رأيت أن أسير في من قبلي ومن قدرت عليه حتى أنزل منزلا من هذين المصرين وسطا، ثم أستنفرهم، ثم أكون لهم ردءا، حتى يفتح الله عليهم ويقضى ما أحب. » فقام طلحة بن عبيد الله فقال: « يا أمير المؤمنين، قد أحكمتك التجارب، وأنت وشأنك ورأيك. » في كلام طويل يشبه هذا، ثم جلس.
فعاد عمر فقال: « هذا يوم له ما بعده من الأيام، فتكلّموا. » فقام عثمان بن عفّان، فتشهّد، وقال: « أرى - يا أمير المؤمنين - أن تكتب إلى أهل اليمن، فيسيروا من يمنهم، وإلى أهل الشام فيسيروا من شامهم، وتسير أنت بأهل الحرمين إلى الكوفة والبصرة، فتلقى جميع المشركين بجميع المسلمين، فإنّك إذا سرت بمن معك وعندك، قلّ في نفسك ما قد تكاثر من عدد القوم، وكنت أعزّ عزّا. يا أمير المؤمنين، إنّك لا تستبقى من نفسك بعد العرب باقية، ولا تمتنع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذ منها بحريز. إنّ هذا يوم له ما بعده من الأيام [ فاشهده برأيك وأعوانك ولا تغب عنه ]، فتكلّموا. » فقام عليّ فقال: « أما بعد، فإنّك إن أشخصت أهل الشام من شامهم، سارت الروم إلى ذراريّهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم، سارت الحبشة إلى ذراريّهم، وإنّك إن أشخصت أهل الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى تكون ما تدع وراءك، أهمّ إليك مما بين يديك من العورات والعيالات. أقرر هؤلاء في أمصارهم، واكتب إلى أهل البصرة، فليفترقوا ثلاث فرق: فلتقم فرقة في أهل عهدهم لئلّا ينتقضوا عليهم، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم، لأنّ الأعاجم إن ينظروا إليك ويقولوا: هذا أمير العرب وأصل العرب، كان أشدّ لكلبهم، وألّبتهم عليك. فأمّا ما ذكرت من مسير القوم، فإنّ الله هو أكره لمسيرهم منك، ولهو أقدر على تغيير ما يكره، وأمّا ما ذكرت من عددهم، فإنّا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، ولكنّا كنّا نقاتلهم بالنصر. » فقال عمر: « أجل، هذا الرأي. والله أين سرت لينتقضنّ عليّ الأرض من أطرافها وأكنافها، ولئن نظرت إليّ الأعاجم لا يفارقوا العرصة وليمدّنّهم من لم يمدّهم، وليقولنّ: هذا أصل العرب، فإن اقتطعتموه فقد اقتطعتم أصل العرب. فأشيروا عليّ برجل أولّه ذلك الثغر، واجعلوه عراقيّا. » فقالوا: « أنت أعلم يا - أمير المؤمنين - بجندك وأهل عراقك، فقد وفدوا عليك، ورأيتهم وكلّمتهم. »
ابتداء وقعة نهاوند
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)