









عبيد الله بن زياد يسرح الحصين بن نمير لدفع سليمان
وأتى الخبر عبيد الله، فسرّح إلينا الحصين بن نمير مسرعا، حتى نزل في اثنى عشر ألفا، فخرجنا إليه وقد عبّى سليمان ميمنته وميسرته، ووقف في القلب. فلما دنوا منّا دعونا إلى الجماعة مع عبد الملك بن مروان، وإلى الدخول في طاعته، ودعوناهم إلى أن يدفعوا إلينا عبيد الله بن زياد فنقتله ببعض من قتله من إخواننا، وأن يخلعوا عبد الملك بن مروان، وإلى أن نخرج من بلادنا من آل الزبير، ثم نردّ الأمر إلى أهل بيت نبينا الذين هم أولى بالأمر. فأبى القوم، وأبينا.
ثم حملت ميمنتنا على ميسرتهم فهزمتهم، وحلمت الميسرة، وحمل سليمان في القلب فهزمناهم حتى اضطررناهم إلى عسكرهم، فكان الظفر لنا حتى حجز الليل بيننا وبينهم، وقد أحجزناهم في عسكرهم. فلما كان من الغد، صبّحهم ابن ذي الكلاع في ثمانية آلاف، أمدّهم بها عبيد الله بن زياد، وكان عبيد الله أنفذ إليه يشتمه، ويقول:
« عملت عمل الأغمار، وضيّعت مسالحك وعسكرك. سر إلى الحصين بن نمير، حتى توافيه، فهو أمير للناس. » فجاءه مددا، وغاديناهم القتال. فاقتتلنا قتالا لم ير الشيب والمرد مثله، وكان فينا قصّاص يقصّون، ويحضّون، ويقولون:
« أبشروا عباد الله، فحقّ لمن ليس بينه وبين لقاء الله، والراحة من أبرام الدنيا، وأذاها، إلّا فراق هذه النفس الأمّارة بالسوء، أن يكون سخيّا بفراقها، مسرورا بلقاء ربّه. » فاقتتلنا اليوم الثاني كقتال أمس، ثم اقتتلنا اليوم الثالث مثل ذلك، إلى أن كثرنا أهل الشام، وانعطفوا علينا من كلّ جانب.
فلما نظر سليمان إلى ذلك قال:
« عباد الله، من أراد البكور إلى ربّه، والتوبة من ذنبه، والوفاء بعهده، فإليّ. » وكسر جفن سيفه، ففعل معه ناس كثير مثل ذلك، ومشى الناس بالسيوف، مصلتين، فقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة، وجرحوا فيهم فأكثروا.
مقتل سليمان بن صرد
فلما رأى الحصين بن نمير صبرنا وبأسنا، بعث رجالا ترمى بالنبل، واكتنفهم الخيل والرجال. فقتل سليمان، وأخذ الراية المسيّب بن نجبة، فقاتل وأحسن وصبر صبرا لم ير مثله، وقاتل قتالا لم يسمع بمثله، وما ظنّ أحد أنّ رجلا واحدا يقدر أن يبلى ما أبلى، إلى أن قتل، وأخذ الراية عبد الله بن سعد.
قال:
فبينا نحن نقاتل معه إذ جاء فرسان ثلاثة أنفذهم أهل المدائن على خيول مقلّمة تطوى المنازل يبشّروننا بخروج أصحابنا من المدائن وخروج المثنى بن محربة في أهل البصرة، والجميع نحو من خمسمائة فارس.
فقال عبد الله بن سعد لمّا قالوا له: أبشر بمجيء إخوانكم:
« ذلك لو جاءونا ونحن أحياء. » قال:
فنظروا إلى ما أساء أعينهم، ولم يلبثوا أن قتل عبد الله بن سعد، ونادينا عبد الله بن وال، وكان قد استلحم في عصابة معه إلى جانبنا، فحمل عليهم رفاعة بن شدّاد، فكشفهم عنه، ثم أقبل إلى رايته، فأخذها، ونادى الناس:
« يا عباد الله، من أراد الحياة التي لا وفاة لها، والراحة التي لا نصب بعدها، والسرور الذي لا حزن فيه، فإليّ. » ثم قاتلناهم، وكشفناهم. ثم انعطفوا علينا، وكثرونا من كلّ جانب حتى ردّونا إلى مكاننا الذي كنّا به. (قال: وكنّا بمكان لا يقدرون أن يأتوا فيه، إلّا من وجه واحد) وحملت علينا خيل عظيمة فيها أدهم بن محرز عند المساء، فقتل عبد الله بن وال، فنادينا رفاعة، وقلنا:
« أمسك رايتك. » فقال:
« لا أريدها. » قلنا:
« إنّا للَّه، مالك؟ » قال:
« ارجعوا بنا، فلعلّ [ الله ] يجمعنا ليوم شرّ لهم. »
فوثب إليه عبد الله بن عوف بن أحمر.
ذكر رأي رءاه ابن أحمر
فقال:
« أهلكتنا، والله، لئن انصرفت ليركبنّ أكتافنا، فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك من عند آخرنا، فإن نجا منّا ناج أخذه الأعراب وأهل القرى فتقرّبوا به إليهم، فيقتل صبرا. ننشدك الله أن تفعل. هذه الشمس قد طفلت للمغيب، وهذا الليل قد غشينا هلمّ نقاتلهم على حالنا هذه، فإنّا الآن مجتمعون ممتنعون، فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أوّل الليل، فرمينا بها، فكان ذلك أوّل شأن حتى نصبح، فنسير على مهل، ويحمل الرجل منّا جريحه، وينتظر صاحبه، ويسير العشرة والعشرون معا، ويعرف الناس الوجه الذي يأخذون، فيتّبع بعضهم بعضا. ولو كان ما ذكرت لم تقف أمّ على ولد، ولم يعرف رجل وجه صاحبه، ولم نصبح إلّا ونحن بين مقتول ومأسور. » فقال له رفاعة:
« نعم ما رأيت. » وأخذ يحمّل.
فقال ابن أحمر:
« قاتل معنا ساعة واحدة، رحمك الله، ولا تلق بيدك إلى التهلكة. » وما زال يناشده حتى احتبس عليه، وتحدّث الناس بما عزم عليه رفاعة من الرجوع، وكان لا تزال الجماعة تنادى:
« عباد الله، روحوا إلى ربّكم، والله، ما في شيء من الدنيا خلف من رضا الله.
قد بلغنا أنّ طائفة منكم يريدون الرجوع إلى ما خرجوا منه، وأن يركنوا إلى الدنيا التي قليلا ما يلبثون فيها. ثم يحملون، فيقاتلون حتى يقتلوا. » فلما أمسى الناس ورجع أهل الشام إلى معسكرهم، نظر رفاعة إلى كلّ رجل قد عقربه، وإلى كلّ جريح لا يعين على نفسه. فدفعه إلى قومه. ثم سار بالناس ليلته كلّها حتى عبر الخابور، وقطع المعابر كلّها وكان لا يمرّ بمعبر إلّا قطعه. وأصبح الحصين، فوجدهم قد ذهبوا، وكان رفاعة قد خلّف وراءهم أبا الجويريّة في سبعين فارسا يسيرون وراء الناس فإذا سقط رحل حمله، وإذا سقط متاع قبضه حتى يعرّفه. فلم يزالوا كذلك حتى مرّوا بقرقيسيا، فبعث إليهم زفر من الطعام والعلف مثل ما كان بعثه في المرة الأولى، وأرسل إليهم الأطبّاء، وقال لهم:
« أقيموا ما أحببتم، فلكم عندنا الكرامة والمواساة. » فأقاموا ثلاثا ثم تزوّدوا ما أحبّوا، ورحلوا.
فاستقبلهم مددهم من البصرة، ومن المدائن، فتباكوا، وتناعوا إخوانهم، وانصرف أهل البصرة والمدائن إلى بلدانهم، وقدم الناس الكوفة والمختار محبوس.
ووردت البشارة على عبد الملك بن مروان، فأظهر سرورا عظيما، وقال للناس:
« لم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع ولا امتناع. »
ذكر ما كان من المختار بعد التوابين
لما انصرف الناس إلى الكوفة إذ المختار محبوس، فكتب من حبسه إلى رفاعة بن شدّاد:
« أما بعد، فمرحبا بالعصب الذين عظّم الله لهم الأجر، ورضى انصرافهم حين قفلوا. إنّ سليمان قد قضى ما عليه، وتوفّاه الله، فجعل روحه مع أرواح الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون. إني أنا الأمين المأمون المأمور، أنا أمير الجيش، وقاتل الجبّارين، والمنتقم من الأعداء، والمقيد من الأوتار. فأعدّوا، واستعدّوا، واستبشروا، وأبشروا. أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه، وإلى الطلب بدماء أهل البيت، والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلّين، والسلام عليك. » وتحدّث الناس بهذا من أمر المختار، فبلغ ذلك عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمّد، فخرجا في الناس حتى أتيا المختار، فأخذاه.
وفي هذه الأيّام اشتدّت شوكة الخوارج بالبصرة، وقتل نافع بن الأزرق.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)