ثم إنّ ابن مطيع بعث إلى أهل الجبابين، فأمرهم أن ينضمّوا إلى المسجد، وقال لراشد بن إياس بن مضارب:
« ناد في الناس فليأتوا المسجد. » فنادى المنادى:
« ألا برئت الذمّة من رجل لم يحضر المسجد الليلة. » فتوافى الناس في المسجد، فلما اجتمعوا، بعث ابن مطيع شبث بن ربعيّ في نحو ثلاثة آلاف إلى المختار، وبعث راشد بن إياس في أربعة آلاف إلى المختار، وبعث راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط.
فسرّح المختار إبراهيم بن الأشتر قبل راشد بن إياس في تسعمائة مقاتل، ويقال: في ستمائة فارس وستمائة راجل، وبعث نعيم بن هبيرة أخا مصقلة بن هبيرة في ثلاثمائة فارس وستمائة راجل نحو شبث، وقال لهما:
« امضيا حتى تلقيا عدوكما، وإذا لقيتماهم، فانزلا في الرجال وعجّلا القراع، وابدءاهم بالإقدام، وتستهدفا لهم فإنّهم أكثر منكم، ولا ترجعا إليّ حتى تظهرا، أو تقتلا. » فتوجّه إبراهيم بن الأشتر إلى راشد وقدّم المختار يزيد بن أنس في تسعمائة أمامه، وتوجّه نعيم بن هبيرة قبل شبث.
فقال سعر بن أبي سعر: لما انتهينا إلى شبث قاتلناه قتالا شديدا، فجعل نعيم بن هبيرة يضاربهم حتى أشرقت الشمس، وضربناهم حتى أدخلناهم البيوت، فسمعت شبث بن ربعيّ ينادى أصحابه:
« يا حماة السوء، بئس فرسان الحقائق أنتم، أمن عبيدكم تهربون؟ » قال: فثابت إليه منهم جماعة، فشدّ علينا وقد تفرّقنا وهزمنا. فصبر نعيم بن هبيرة فقتل، ونزل سعر بن أبي سعر فأسر، [ وأسرت أنا ] وأسر خليد مولى حسّان، وأسر أبو سعيد الصيقل.
قال: فسمعت أبا سعيد الصيقل هذا يقول: سمعت شبث بن ربعي يقول لخليد:
« من أنت؟ » قال:
« خليد مولى حسّان. » فقال له شبث:
« يا ابن المتكاء، تركت بيع الصحناء بالكناسة، وكان جزاء من أعتقك أن تعدو عليهم بسيفك تضرب رقابهم، اضربوا عنقه. » فقتل، ورأى سعرا الحنفيّ، فرفعه، فقال:
« أخو بنى حنيفة؟ » فقال:
« نعم. » قال:
« ويحك! ما أردت إلى اتباع هؤلاء السبائية، قبّح الله رأيك؟ دعوا ذا. » فقلت في نفسي: قتل المولى وترك العربيّ، إن علم أنى مولى قتلني، فلما عرضت عليه، قال:
« من أنت؟ » فقلت:
« من بنى تيم الله. » قال:
« أعربيّ أنت أم مولى. » فقلت:
« لا، بل عربيّ، أنا من آل زياد بن أبي حفصة. » فقال:
« ذكرت الشرف المعروف، الحق بأهلك. » فأقبلت حتى انتهيت إلى الحمراء، وكانت لي بصيرة في قتال القوم، فجئت إلى المختار، وقد وضعت في نفسي أن آتى أصحابي حتى أقتل معهم أو أظفر بظفرهم.
قال: فأتيته وقد سبقني إليه سعر الحنفيّ وجاءه قتل نعيم وأقبلت إليه خيل شبث، فدخل من ذلك أصحاب المختار أمر كبير.
قال: فدنوت من المختار، فأخبرته بما كان من أمري، فقال لي:
« اسكت، فليس هذا بمكان الحديث. » وجاء شبث حتى أحاط بالمختار وبيزيد بن أنس، وكان ابن مطيع أنفذ ابن رويم في ألفين من قبل سكّة لحّام، فوقفوا في أفواه تلك السكك، وجعل المختار يزيد بن أنس على خيله، وخرج هو في الرجّالة.
قال: فحملت علينا خيل شبث حملتين فما يزول رجل منّا من مكانه، فقال يزيد بن أنس لنا:
« يا معشر الشيعة، قد كنتم تقتلون، وتقطع أيديكم وأرجلكم وتسمل عيونكم، وترفعون على جذوع النخل في حبّ أهل بيت [ نبيكم ] وأنتم مقيمون في بيوتكم وطاعة عدوّكم، فما ظنكم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم اليوم، إذا والله لا يدعون منكم عينا تطرف، وليقتلنّكم صبرا، ولترونّ في أولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموت خير منه، والله، لا ينجيكم منهم إلّا الصدق والصبر والطعن الصائب في أعينهم، والضرب الدراك على هامهم، فتيسّروا للشدة، وتهيّئوا للحملة، فإذا حرّكت رأسى مرتين فاحملوا. » فتهيّأنا، وجثونا على الركب، وانتظرنا أمره.
وكان إبراهيم بن الأشتر حين توجه إلى راشد، لقيه في مراد، فإذا معه أربعة آلاف، فقال إبراهيم لأصحابه:
« لا يهولنّكم كثرة هؤلاء، فو الله لربّ رجل خير من عشرة، ولربّ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله، وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ. »
ثم قال:
« يا خزيمة بن نصر، سر إليهم في الخيل. » ونزل هو يمشى في الرجال، واقتتل الناس، فاشتدّ قتالهم، وبصر خزيمة بن نصر العبسيّ براشد بن إياس، فحمل عليه فطعنه فقتله، ثم نادى:
« قتلت راشد وربّ الكعبة. » وانهزم أصحاب راشد، وأقبل إبراهيم بن الأشتر نحو المختار، وبعث إليه من يبشّره بالفتح عليه. فلما جاءهم البشير، كبّروا، واشتدّت أنفسهم، ودخل أصحاب ابن مطيع الفشل، وسرّح ابن مطيع حسّان بن قائد بن بكير العبسيّ في جيش كثيف، فاعترض إبراهيم ليردّه بالسبخة، فقدّم إبراهيم خزيمة بن نصر إلى حسّان بن قائد في الخيل، ومشى إبراهيم نحوه في الرجال، فانهزموا، وتخلّف حسّان بن قائد في أخريات الناس يحميهم، وحمل عليه خزيمة، فلما رءاه عرفه، فقال له:
« يا حسّان، قد عرفتك، فالنجا. » فعثر لحسان فرسه، فوقع، فقال:
« لعا لك أبا عبد الله. » وابتدره الناس، فأحاطوا به، فضاربهم ساعة بسيفه.
فناداه خزيمة:
« إنّك آمن يا با عبد الله، لا تقتل نفسك. » وجاء حتى وقف عليه، ونهنه الناس عنه، ومرّ به إبراهيم.
فقال خزيمة:
« هذا ابن عمّى، وقد آمنته. » فقال إبراهيم:
« أحسنت. » وأمر خزيمة بفرسه حتى أتى به فحمله عليه، وقال:
« الحق بأهلك. » وأقبل إبراهيم نحو المختار وشبث محيط بالمختار ويزيد بن أنس. فلما رءاه يزيد بن الحارث وهو على أفواه السكك التي تلى السبخة، أقبل نحوه ليصدّه عن شبث وأصحابه، فبعث إبراهيم طائفة من أصحابه مع خزيمة بن نصر، فقال:
« أغن عنّا يزيد بن الحارث. » وصمد هو في بقيّة أصحابه نحو شبث بن ربعي، فلما رءاه أصحاب شبث، أخذوا ينكصون وراءهم رويدا رويدا، فلما دنا إبراهيم من شبث وأصحابه حمل عليهم، فانكشفوا حتى انتهوا إلى أبيات الكوفة، وحمل خزيمة بن نصر على يزيد بن الحارث بن رويم، فهزمه، وازدحم القوم على أفواه السكك فوق البيوت، وأقبل المختار في جماعة الناس إلى يزيد بن الحارث، فلما انتهى أصحاب المختار إلى أفواه السكك، رمته تلك المرامية بالنبل، فصدّوهم عن دخول الكوفة، ورجع الناس من السبخة منهزمين إلى ابن مطيع وجاء قتل راشد بن إياس، فسقط في يديه، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي لابن مطيع:
« أيها الرجل لا تسقط في خلدك ولا تلق بيديك، أخرج إلى الناس فاندبهم إلى عدوّك، فإنّ الناس كثير عددهم وكلّهم معك إلّا هؤلاء الطائفة التي خرجت عليك، والله مخزيها وأنا أول منتدب، فاندب معي طائفة ومع غيري طائفة. »
فخرج ابن مطيع، فخطب الناس وحضّهم، وقال في خطبته:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« أيها الناس، قاتلوا عن حرمكم وعن مصركم، وامنعوا من فيئكم، والله لئن لم تفعلوا ليشاركنّكم في فيئكم من لا حقّ له فيه، والله لقد بلغني أنّ فيهم من محرّريكم خمسمائة رجل عليهم أمير منهم، وإنما ذهاب عزّكم وسلطانكم حين يكثرون. » ثم نزل.
وكان يزيد بن الحارث منعهم أن يدخلوا الكوفة، ومضى المختار من السبخة حتى ظهر إلى الجبّانة، وقال:
« نعم مكان المقاتل هذا. » فقال له إبراهيم بن الأشتر: « قد هزمهم الله وفلّهم، وأدخل الرعب قلوبهم وتنزل هاهنا! سر بنا، فو الله ما دون القصر أحد يمنع، ليقم هاهنا كل شيخ ضعيف وذي علّة، وضعوا ما كان لكم من ثقل ومتاع بهذا الموضع حتى نسير إلى عدوّنا. » ففعلوا. واستخلف المختار عليهم أبا عثمان النهديّ، وقدّم إبراهيم الأشتر أمامه، وعبّى أصحابه على الحال التي كانوا عليها في السبخة، وبعث عبد الله بن مطيع عمرو بن الحجاج في ألفى رجل، فخرج عليهم من السكّة المعروفة بالثوريّين، فبعث المختار إليهم أن:
« اطوه ولا تقم عليه. » فطواه إبراهيم، ودعا المختار يزيد بن أنس، فأمره أن يصمد لعمرو بن الحجاج، فمضى نحوه، ومضى المختار في أثر إبراهيم، وأمره أن يدخل الكوفة من قبل الكناسة، فمضى وخرج إليه من سكّة ابن محرز، وأقبل شمر بن ذي الجوشن في ألفين، فسرّح المختار إليه سعيد بن منقذ الهمدانيّ، فواقعه، وبعث إلى إبراهيم أن:
« اطوه وامض على وجهك. » فمضى حتى انتهى إلى سكّة شبث وإذا نوفل بن مساحق في نحو خمسة آلاف رجل وقد أمر ابن مطيع، فنودي في الناس أن:
« الحقوا بابن مساحق. » واستخلف شبث بن ربعيّ على القصر، وخرج ابن مطيع حتى وقف بالكناسة.
فقال حصيرة بن عبد الله: إني لأنظر إلى ابن الأشتر حين أقبل في أصحابه، حتى إذا دنا منهم، قال لهم:
« انزلوا. » فنزلوا. فقال:
« اقرنوا خيولكم بعضها إلى البعض، ثم امشوا إليهم مصلتين، ولا يهولنّكم أن يقال: جاءكم شبث بن ربعيّ، وآل عتيبة بن النهاس، وآل الأشعث، وآل فلان وفلان... » حتى [ سمّى ] بيوتا من بيوتات أهل الكوفة، وقال:
« إنّ هؤلاء لو وجد أوّلهم حرّ السيف لرأيتم قد انصفقوا عن ابن مطيع انصفاق المعزى عن الذئب. » قال حصيرة: فإني لأنظر إليه وإلى أصحابه حتى قرنوا خيولهم وحتى أخذ بن الأشتر أسفل قبائه، فأدخله في منطقة له حمراء من حواشي البرد وقد شدّ بها على القباء وقد كفّر بالقباء على الدرع، ثم قال لأصحابه:
« شدّوا عليهم فدى لكم عمّى وخالي. » قال: فو الله ما لبّثهم أن هزمهم، فركب بعضهم بعضا على فم السكّة، وازدحموا، وانتهى ابن الأشتر إلى ابن مسحاق، فأخذ بلجام دابّته ورفع عليه السيف، فقال له ابن مساحق:
« يا ابن الأشتر، أنشدك الله، أتطلبنى بثأر، هل بيني وبينك من حنة؟ » فخلّى سبيله وقال:
« اذكرها ».
فكان يذكرها له.
وأقبلوا حتى دخلوا الكناسة في آثار القوم حتى دخلوا المسجد وحصروا ابن مطيع ثلاثا.
وجاء المختار حتى نزل جانب السوق، وولّى حصار القصر إبراهيم بن الأشتر، ويزيد بن أنس، وأحمر بن شميط، فلما اشتدّ الحصار علي بن مطيع كلّمه الأشراف، وكان يفرّق فيهم الدقيق من القصر.
فقام إليه شبث بن ربعيّ فقال له:
« أصلحك الله، أنظر لنفسك ومن معك، فو الله ما عندنا غناء عنك ولا عن أنفسهم. » قال ابن مطيع:
« هاتوا، أشيروا عليّ برأيكم. » قال شبث:
« الرأي أن تأخذ لنفسك من هذا الرجل أمانا وتخرج ولا تهلك نفسك ومن معك. » قال ابن مطيع: « والله إني لأكره أن آخذ منه أمانا والأمور مستقيمة لأمير المؤمنين بالحجاز كلّه وبالبصرة. »
قال:
« فتخرج ولا يشعر بك أحد حتى تنزل منزلا بالكوفة عند من تثق به، فلا يعلم بمكانك حتى تخرج فتلحق بصاحبك. » فقال لأسماء بن خارجة ولغيره من أشراف الناس:
« ما ترون في ما أشار به عليّ شبث؟ » فقالوا:
« ما نرى الرأي إلّا ما أشار به عليك. » قال:
« فرويدا حتى أمسى. » فلما أمسى جمعهم، وحمد الله، وأثنى عليهم وردّوا عليه مثله، وقال:
« جزاكم الله خيرا، أخذ امرؤ حيث أحبّ. » ثم خلّى عن القصر، وخرج من نحو درب الروميّين حتى أتى دار أبي موسى، ففتح أصحابه الباب ونادوا:
« يا بن الأشتر، آمنون نحن؟ » قال:
« أنتم آمنون. » فخرجوا، وبايعوا المختار، وجاء المختار حتى دخل القصر، فبات به وأصبح، فخطب الناس وحضّ على البيعة، وقال:
« أيها الناس، لا والذي جعل السماء سقفا محفوظا، والأرض فجاجا سبلا، ما بايعتم بعد بيعة عليّ بن أبي طالب وآل عليّ أهدى منها. » ثم نزل، فدخل ودخل الناس وأشرافهم، فبسط يده، وابتدره الناس فبايعوه، وجعل يقول:
« تبايعون على كتاب الله، وسنّة نبيه، والطلب بدماء أهل البيت، وجهاد المحلّين، والدفع عن الضعفاء، وقتال من قاتلنا، ومسالمة من سالمنا، والوفاء ببيعتنا، لا نقيلكم، ولا نستقيلكم. » فإذا قال [ الرجل ]: نعم، بايعه.
وأقبل المختار يمنّى الناس، ويستجرّ مودّتهم ومودّة الأشراف، ويحسن السيرة جهده. وجاء ابن كامل، وكان على شرطته، فقال:
« إنّ ابن مطيع في دار أبي موسى، وقد عرفت ذلك بالصحّة. » فلم يجبه بشيء، فأعادها عليه، فلم يجبه، فظنّ ابن كامل أنّ ذلك لا يوافقه، وكان ابن مطيع قبل للمختار صديقا. فلما أمسى بعث إلى ابن مطيع بمائة ألف درهم، وقال له:
« تجهّز بهذه واخرج، فإني قد شعرت بمكانك، وظننت أنه لم يمنعك من الخروج إلّا أنه ليس في يدك ما يقوّيك على الخروج. » وأصاب المختار في بيت مال الكوفة تسعة آلاف ألف فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حصر ابن مطيع في القصر، وهم ثلاثة آلاف وثمانمائة رجل، خمسمائة كل رجل، وأعطى ستة آلاف من أصحابه أتوه بعد ما أحاط بالقصر، وأقاموا معه تلك الأيّام الثلاثة مائتين مائتين، واستقبل الناس بخير، ومنّاهم، وأحسن السيرة وأدنى الأشراف.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
لمختار يولى الولايات ويعقد الألوية
ثم ولّى الولايات، وعقد الألوية، فأوّل رجل عقد له المختار راية عبد الله بن الحارث أخو الأشتر، عقد له على آذربيجان، وبعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان، وكان معه ألفا فارس ورزقه ألف درهم في كلّ شهر، وأمره بقتال الأكراد وإقامة الطرق، وكتب إلى عمّاله على الجبال أن يحملوا أموال كورهم إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بحلوان، وبعث عبد الرحمن بن سعيد بن قيس إلى الموصل وبها محمد بن الأشعث بن قيس من قبل الزبير، فتنحى له عن الموصل، ثم شخص إلى المختار مع أشراف قومه وغيرهم، فبايع له ودخل في ما دخل فيه أهل بلده.
ثم وثب المختار بمن كان معه بالكوفة من قتلة الحسين، والمتابعين على قتله، فقتل من قدر عليه وهرب بعضهم فلم يقدر عليه.
وكان سبب ذلك أنّ مروان بن الحكم لما استوسقت له الشام بالطاعة، بعث عبيد الله بن زياد إلى العراق، وجعل له ما غلب عليه، وأمره أن ينهب الكوفة إذا ظفر بأهلها ثلاثا.
وقد كنّا ذكرنا من أمر التوّابين وابن زياد ما كان بعين الوردة، ثم بعد ذلك مرّ بأرض الجزيرة وبها قيس عيلان على طاعة ابن الزبير، فلم يزل عبيد الله مشتغلا بهم عن العراق نحوا من سنة، ثم أقبل إلى الموصل، وكتب عبد الرحمن بن سعيد بن قيس عامل المختار على الموصل إلى المختار:
« أما بعد، فإني أخبرك أيها الأمير، أنّ عبيد الله بن زياد قد دخل أرض الموصل، ووجّه قبلي خيله ورجاله، وأنّى قد انحزت إلى تكريت حتى يأتينى رأيك وأمرك، والسلام. » فكتب إليه:
« قد أصبت، فلا تبرحنّ مكانك حتى يأتيك أمري. »
ثم بعث المختار إلى يزيد بن أنس، فدعاه وقال:
« يا يزيد، إنّ العالم ليس كالجاهل، وإني أخبرك خبر من لم يكذب ولم يكذب، أنا صاحب الخيل التي تجرّ جعابها وتضفر أذنابها حتى توردها منابت الزيتون، اخرج إلى الموصل حتى تنزل أدانيها، فإني ممدّك بالرجال. » فقال يزيد بن أنس:
« سرّح معي ثلاثة آلاف من الفرسان أنتخبهم وخلّنى والفرج الذي توجّهنى له، فإن احتجت إلى الرجال فسأكتب إليك. » وقال المختار:
« فاخرج وانتخب على اسم الله من أحببت. » فخرج فانتخب ثلاثة آلاف فارس، وخرج معه المختار، وانصرف وقال له:
« إذا لقيت عدوّك فلا تناظرهم، وإذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخّرها، ولكن خبرك عندي كلّ يوم وأنا ممدّك وإن لم تستمدّ، لأنه أشدّ لعضدك، وأعزّ لجندك، وأرعب لعدوّك. » فقال له يزيد بن أنس:
« لا تمدّنى إلّا بدعائك، فكفى به مددا. » فقال الناس:
« صحبك الله، وأدّاك وأيّدك. » وودّعوه. فقال لهم:
« سلوا الله لي الشهادة. وأيم الله لئن لقيتهم ففاتني النصر، لا تفوتني الشهادة إن شاء الله. » وكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس:
« أما بعد، فخلّ بين يزيد وبين البلاد إن شاء الله، والسلام عليك. » وخرج يزيد بن أنس، فبات بالمدائن، ثم اعترض أرض جوخى، حتى خرج بهم في الراذانات، وحتى قطع بهم إلى الموصل ونواحيها، وبلغ مكانه ومنزله عبيد الله بن زياد، وسأل عن عدّتهم، فأخبرته عيونه أنه خرج معه من الكوفة ثلاثة آلاف فارس.
فقال عبيد الله:
« فأنا أبعث إلى كلّ ألف ألفين. » وبعث إليه ربيعة بن المخارق وعبد الله بن حملة كلّ واحد منهما في ثلاثة آلاف، ثم قال:
« أيّكما سبق فهو أمير على صاحبه. » فسبق ربيعة بن المخارق، ونزل بيزيد بن أنس وهو بباتليّ، فخرج إليه يزيد بن أنس وهو مريض مضنى، فطاف في أصحابه على حمار معه الرجال يمسكونه، فجعل يطوف على الأرباع، ويقف على ربع ربع، ويقول:
« يا شرطة الله، اصبروا، وصابروا عدوّكم تظفروا، فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفًا. إن هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدى، فإن هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العدويّ، فإن هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفيّ. » قال: ونحن نرى في وجهه أنّ الموت قد نزل به. ثم عبّى ميمنة وميسرة، وجعل ورقاء بن عازب على الخيل، ونزل هو بين الرجال على السرير، ثم قال:
« ابرزوا لهم بالعراء، وقدّمونى في الرجال، ثم إن شئتم فقاتلوا عن أميركم، وإن شئتم ففرّوا عنه. » قال: فأخرجناه وذلك يوم عرفة سنة ستّ وستين. فأخذنا نمسك أحيانا ظهره، فيقول: اصنعوا كذا، اصنعوا كذا. فيأمر بأمره، ثم لا يكون بأسرع من أن يغلبه الوجع، فيوضع هنيهة ويقتتل الناس، فحملت ميمنتنا على ميسرتهم، وميسرتنا على ميمنتهم، وحمل ورقاء بن عازب ومعه الخيل من ميسرتنا، فهزمهم، فلم يرتفع الضحى حتى هزمناهم وحوينا عسكرهم، وانتهينا إلى ربيعة بن المخارق صاحبهم وقد انهزم عنه أصحابه وهو نازل ينادى:
« يا أولياء الحقّ، يا أهل السمع والطاعة، إليّ إليّ، أنا ابن المخارق. » فحمل عليه عبد الله بن ورقاء الأسدى، وعبد الله بن ضمرة العدوى، فقتلاه.
قال: وأتى يزيد بن أنس بثلاثمائة أسير وهو في السوق، فأخذ يومي بيده أن:
« اضربوا أعناقهم. » فقتلوا من عند آخرهم، وما أمسى يزيد بن أنس حتى مات، وكان أوصى بأنّ الأمير بعده ورقاء بن عازب، فصلّى عليه ودفنه.
ذكر رأي رءاه ورقاء بن عازب
ثم إنّ ورقاء بن عازب دعا رؤوس الأرباع وفرسان أصحابه، فقال لهم:
« يا هؤلاء، ما ذا ترون في ما أخبرتكم، إنّما أنا رجل منكم. » وكان أعلمهم أنّ عبيد الله أقبل في ثمانين ألفا من أهل الشام.
فقال ورقاء:
« لست بأفضلكم رأيا، فأشيروا عليّ. هذا الرجل قد جاءكم في جدّه وحدّه، ولا أرى لنا بهم طاقة على هذه الحال، وقد هلك يزيد بن أنس أميرنا، وتفرّقت عنّا طائفة منّا، فلو انصرفنا اليوم من تلقاء أنفسنا قبل أن نلقاهم وقبل أن نبلغهم، فيعلموا إنما ردّنا عنهم هلاك صاحبنا فلا يزالوا هائبين لنا ولقتلنا أميرهم، ولأنّا إنما نعتلّ لانصرافنا بموت صاحبنا، فإنّا إن لقيناهم اليوم لم ينفعنا هزيمتنا إيّاهم قبل اليوم إذا هزمونا. » فقالوا:
« فإنّك والله نعم ما رأيت، انصرف بنا، رحمك الله. » فبلغ منصرفهم المختار وأهل الكوفة، ولم يعلموا كيف كان الأمر.
فكان رأى ورقاء الأول صوابا وتركه إنفاذ الكتب بالبشارة وتعريفه صاحبه الصورة خطأ
فأرجف الناس أن يزيد بن أنس هلك، وأنّ الناس انهزموا وما أشبه ذلك، فقلق المختار، وبعث المختار عينا له، فعاد إليه بالخبر.
فدعا المختار إبراهيم بن الأشتر، فعقد عليه على سبعة آلاف رجل وقال له:
« سر حتى إذا لقيت جيش ابن أنس فارددهم معك، ثم سر بهم حتى تلقى عدوّك فتناجزهم. » فخرج إبراهيم وعسكر بحمّام أعين.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر اضطراب الناس على المختار وطمعهم فيه بعد خروج إبراهيم الأشتر
لما خرج إبراهيم كثر إرجاف الناس بالمختار، وقالوا:
« تأمّر علينا بغير رضى منّا ولا ولاية من محمّد بن عليّ، وقد أدنى موالينا، فحملهم على رقابنا، وغصبنا عبيدنا، فحرب بذلك أيتامنا وأراملنا. » واتّعدوا منزل شبث بن ربعيّ. وكان شبث إسلاميّا جاهليّا. وقالوا:
« هو شيخنا. » فأتوه، فذاكروه هذا الحديث. ولم يكن في جميع ما عمله المختار شيء أعظم على الناس من أن جعل للموالي نصيبا من الفيء.
فقال لهم شبث:
« دعوني حتى ألقاه. » فلقيه، فلم يدع شيئا مما أنكره أصحابه إلّا ذاكره به، فكان لا يذكر لهم خصلة إلّا قال المختار له:
« أرضيهم، وآتى كلّ شيء أحبّوا. » حتى ذكر الموالي والمماليك، فقال:
« عمدت إلى موالينا وهم فيء آفاءهم الله علينا وهذه البلاد كلّها، فأعتقنا رقابهم نأمل الأجر من الله والشكر منهم، فلم ترض بذلك، حتى جعلتهم شركاء في فيئنا. »
فقال المختار:
« إنّا سنتركهم لمواليهم، فهل تجعلون لي على أنفسهم - إن أنا فعلت ذلك - عهد الله وميثاقه وما أطمئنّ إليه من الأيمان، أن يقاتلوا معي بنى أمية وابن الزبير؟ » فقال شبث:
« ما أدري، حتى أخرج إلى أصحابي فأذاكرهم ذلك. » فخرج ولم يرجع، وأجمع رأى أشراف الكوفة على قتال المختار.
فركب شبث وشمر بن ذي الجوشن ومحمّد بن الأشعث وغيرهم حتى دخلوا على كعب بن أبي كعب الخثعميّ، وذكروا ما اجتمع عليه رأيهم من قتال المختار، وقالوا:
« تأمّر علينا بغير رضى منّا، وزعم أنّ ابن الحنفيّة بعثه إلينا، وقد علمنا أنّه لم يبعثه، وفعل وصنع، وأخذ عبيدنا وموالينا، وأطعمهم فيئنا. » وسألوه أن يجيبهم إلى ما سألوه من قتاله معهم. فرحّب بهم كعب وأجابهم إلى ما دعوه إليه. ثم دخلوا على عبد الرحمن بن مخنف، فدعوه إلى ذلك.
ذكر رأي صحيح لعبد الرحمن
فقال لهم:
« يا هؤلاء، إن أبيتم إلّا أن تخرجوا لم أخذلكم، وإن أطعتم لم تخرجوا. » فقالوا:
« ولم؟ » فقال:
« لأنّى أخاف أن تتفرّقوا، وتختلفوا، وتتخاذلوا، ومع الرجل والله شجعاؤكم وفرسانكم من أنفسكم. أليس معه فلان وفلان؟ ثم معه عبيدكم ومواليكم، وكلمة هؤلاء واحدة وهؤلاء أشدّ حنقا عليكم من عدوّكم، فهو يقاتلكم بشجاعة العرب وعداوة العجم، وإن انتظر تموه قليلا كفيتموه بقدوم أهل الشام، أو مجيء أهل البصرة فتكونوا قد كفيتموه بغيركم ولم تجعلوا بأسكم بينكم. » فقالوا:
« ننشدك الله أن تخالفنا وتفسد علينا. » قال:
« فأنا رجل منكم فإذا شئتم فاخرجوا. » فلقى بعضهم بعضا، وقالوا:
« ننتظر حتى يذهب عنه ابن الأشتر. » فأمهلوا حتى إذا بلغ إبراهيم ساباط خرجوا إلى جبابينهم بجماعة الرؤساء، فلما بلغ المختار اجتماع الناس عليه مثل شمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعيّ، وحسان بن قائد، وربيعة بن ثروان، وحجّار بن أبجر، ورؤيم بن الحارث، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وغيرهم ممن ذكرناهم قبل، ومن لم نذكرهم، بعث رسولا يركض إلى إبراهيم الأشتر وهو بساباط أن:
« لا تضع كتابي من يدك حتى تقبل بمن معك. » وبعث إليهم في ذلك اليوم:
« أخبرونى ما تريدون فإني صانع كلّ ما أحببتم. » قالوا:
« فإنّا نريد أن تعتزلنا، فإنّك زعمت أنّ ابن الحنفيّة بعثك ولم يبعثك. » فأرسل إليهم المختار أن:
« ابعثوا إليه من قبلكم وفدا، وأبعث من قبلي وفدا، ثم انظروا في ذلك حتى تتبيّنوه. »
وهو يريد أن يريّثهم بهذه المقالة ليقدم عليه إبراهيم الأشتر وقد أمر أصحابه فكفّوا أيديهم، وأخذ أهل الكوفة عليهم بأفواه السكك، فليس شيء يصل إلى المختار ولا إلى أصحابه من الماء إلّا القليل يجيئهم إذا غفلوا عنه.
ثم إنّ شمر بن ذي الجوشن أتى أهل اليمن، فقال لهم:
« إن اجتمعتم في مكان نجعل فيه مجنّبتين ونقاتل من وجه واحد، فأنا صاحبكم، وإلّا فلا، والله لا أقاتل في سكة واحدة ضيّقة ونقاتل من غير وجه. » وانصرف إلى جماعة قومه في جبّانة بنى سلول، ولما بلغ المختار ذلك، جعل يواصل مكاتبة إبراهيم، فلما بلغ إبراهيم بن الأشتر خبره، نادى من يومه في الناس، وسار بقيّة عشيّته تلك، ثم نزل سويعة، فتعشّى هو وأصحابه، وأراحوا دوابّهم شيئا كلا شيء، ثم سار بقيّة ليلته كلّها وصلّى الغداة بسورا، ثم سار من يومه وصلّى صلاة العصر على باب الجسر من الغد، ثم سار حتى بات ليلته في المسجد. ولما كان اليوم الثالث من مخرجهم على المختار خرج المختار إلى المنبر فصعده وكان شبث بن ربعيّ بعث إليه ابنه يقول له:
« إنما نحن عشيرتك وكفّ يمينك، والله لا نقاتلك أبدا فثق بذلك منّا، وكان كارها لقتاله، ولما حضرت الصلاة واجتمع أهل اليمن كره كلّ رأس أن يتقدّمه صاحبه. » فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف:
« هذا أول الخلاف، قدّموا الرضا فيكم، فإنّ فيكم سيّد قرّاء أهل المصر، فليصلّ بكم رفاعة بن شدّاد. » ففعلوا، فلم يزل يصلّى بهم حتى كان يوم الوقعة.
ثم إنّ المختار لمّا نزل، عبّى أصحابه، فقال إبراهيم بن الأشتر:
« إلى أيّ الفريقين أحبّ إليك أن نسير. » فنظر المختار وكان ذا رأى، فكره أن يسير إلى قومه، فلا يبالغ في قتالهم، فقال:
« سر إلى مضر بالكناسة، وكان عليهم شبث بن ربعيّ، وأنا أسير إلى أهل اليمن. » ففعلا. ثم إنّ القوم اقتتلوا كأشدّ قتال اقتتله قوم، وانكشف من أصحاب المختار أحمر بن شميط وعبد الله بن كامل وأصحابهما، فلم يرع المختار إلّا وقد جاءه الفلّ قد أقبل فقال:
« ما وراءكم؟ » فقالوا:
« هزمنا. » قال:
« فما فعل أحمر بن شميط؟ » قالوا:
« تركناه قد نزل عند مسجد القصّاص وقد نزل معه ناس من أصحابه. » وقال أصحاب ابن كامل:
« ما ندري ما فعل. » فصاح بهم أن انصرفوا، ثم أقبل معهم قطعة، ثم بعث عبد الله بن قراد الخثعمي وكان على أربعمائة من أصحابه، فقال:
« سر في أصحابك إلى ابن كامل، فإن يكن هلك، فأنت مكانه، وإن تجده حيّا، فسر في مائة من أصحابك كلّهم فارس، وادفع إليهم بقيّة أصحابك، ومرهم بالحدّ معه والمناصحة، ثم امض في المائة حتى تأتى جبّانة السبيع. » فمضى، فوجد عبد الله بن كامل واقفا عند حمّام عمرو بن حريث معه ناس من أصحابه قد صبروا وهو يقاتل القوم، فدفع إليه ثلاثمائة من أصحابه، ثم مضى حتى نزل جبّانة السبيع، وأخذ في السكك حتى انتهى إلى مسجد عبد القيس، فوقف عنده، وقال لأصحابه:
« ما ترون؟ » وهم مائة خيار. قالوا:
« أمرنا لأمرك تبع. » فقال:
« والله إني لأحبّ أن يظهر المختار، وو الله إني لكاره أن يهلك أشراف قومي وعشيرتي اليوم، وو الله لأن أموت أحبّ إليّ من أن آتيهم من ورائهم فيهلكون على يدي. » ثم وقف، وبعث المختار مالك بن عمرو النهدي - وكان من أشدّ الناس بأسا - في مائتي رجل، وبعث عبد الرحمن بن شريك في مائتي فارس إلى أحمر بن شميط، وثبت هؤلاء مكانه، فانتهوا إليه وقد علاه القوم وكثروا عليه، فاقتتلوا عند ذلك كأشدّ القتال.
ومضى الأشتر حتى لقي شبث بن ربعي وخلقا من مضر كانوا معه، فقال لهم إبراهيم:
« ويحكم انصرفوا، فو الله ما أحبّ أن يصاب أحد من مضر على يدي، فلا تهلكوا أنفسكم. » فأبوا، فقاتلوه، فهزمهم، وجاءت البشرى إلى المختار من قبل إبراهيم بهزيمة مضر، فبعث المختار بالبشرى إلى أحمر بن شميط وإلى ابن كامل والناس على أحوالهم كلّ سكّة منهم قد أغنت ما يليها، واجتمعت شبام وقد رأّسوا عليهم أبا القلوص، وقد أجمعوا أن يأتوا أهل اليمن من ورائهم، فقال بعضهم لبعض:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)