









ذكر اضطراب الناس على المختار وطمعهم فيه بعد خروج إبراهيم الأشتر
لما خرج إبراهيم كثر إرجاف الناس بالمختار، وقالوا:
« تأمّر علينا بغير رضى منّا ولا ولاية من محمّد بن عليّ، وقد أدنى موالينا، فحملهم على رقابنا، وغصبنا عبيدنا، فحرب بذلك أيتامنا وأراملنا. » واتّعدوا منزل شبث بن ربعيّ. وكان شبث إسلاميّا جاهليّا. وقالوا:
« هو شيخنا. » فأتوه، فذاكروه هذا الحديث. ولم يكن في جميع ما عمله المختار شيء أعظم على الناس من أن جعل للموالي نصيبا من الفيء.
فقال لهم شبث:
« دعوني حتى ألقاه. » فلقيه، فلم يدع شيئا مما أنكره أصحابه إلّا ذاكره به، فكان لا يذكر لهم خصلة إلّا قال المختار له:
« أرضيهم، وآتى كلّ شيء أحبّوا. » حتى ذكر الموالي والمماليك، فقال:
« عمدت إلى موالينا وهم فيء آفاءهم الله علينا وهذه البلاد كلّها، فأعتقنا رقابهم نأمل الأجر من الله والشكر منهم، فلم ترض بذلك، حتى جعلتهم شركاء في فيئنا. »
فقال المختار:
« إنّا سنتركهم لمواليهم، فهل تجعلون لي على أنفسهم - إن أنا فعلت ذلك - عهد الله وميثاقه وما أطمئنّ إليه من الأيمان، أن يقاتلوا معي بنى أمية وابن الزبير؟ » فقال شبث:
« ما أدري، حتى أخرج إلى أصحابي فأذاكرهم ذلك. » فخرج ولم يرجع، وأجمع رأى أشراف الكوفة على قتال المختار.
فركب شبث وشمر بن ذي الجوشن ومحمّد بن الأشعث وغيرهم حتى دخلوا على كعب بن أبي كعب الخثعميّ، وذكروا ما اجتمع عليه رأيهم من قتال المختار، وقالوا:
« تأمّر علينا بغير رضى منّا، وزعم أنّ ابن الحنفيّة بعثه إلينا، وقد علمنا أنّه لم يبعثه، وفعل وصنع، وأخذ عبيدنا وموالينا، وأطعمهم فيئنا. » وسألوه أن يجيبهم إلى ما سألوه من قتاله معهم. فرحّب بهم كعب وأجابهم إلى ما دعوه إليه. ثم دخلوا على عبد الرحمن بن مخنف، فدعوه إلى ذلك.
ذكر رأي صحيح لعبد الرحمن
فقال لهم:
« يا هؤلاء، إن أبيتم إلّا أن تخرجوا لم أخذلكم، وإن أطعتم لم تخرجوا. » فقالوا:
« ولم؟ » فقال:
« لأنّى أخاف أن تتفرّقوا، وتختلفوا، وتتخاذلوا، ومع الرجل والله شجعاؤكم وفرسانكم من أنفسكم. أليس معه فلان وفلان؟ ثم معه عبيدكم ومواليكم، وكلمة هؤلاء واحدة وهؤلاء أشدّ حنقا عليكم من عدوّكم، فهو يقاتلكم بشجاعة العرب وعداوة العجم، وإن انتظر تموه قليلا كفيتموه بقدوم أهل الشام، أو مجيء أهل البصرة فتكونوا قد كفيتموه بغيركم ولم تجعلوا بأسكم بينكم. » فقالوا:
« ننشدك الله أن تخالفنا وتفسد علينا. » قال:
« فأنا رجل منكم فإذا شئتم فاخرجوا. » فلقى بعضهم بعضا، وقالوا:
« ننتظر حتى يذهب عنه ابن الأشتر. » فأمهلوا حتى إذا بلغ إبراهيم ساباط خرجوا إلى جبابينهم بجماعة الرؤساء، فلما بلغ المختار اجتماع الناس عليه مثل شمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعيّ، وحسان بن قائد، وربيعة بن ثروان، وحجّار بن أبجر، ورؤيم بن الحارث، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وغيرهم ممن ذكرناهم قبل، ومن لم نذكرهم، بعث رسولا يركض إلى إبراهيم الأشتر وهو بساباط أن:
« لا تضع كتابي من يدك حتى تقبل بمن معك. » وبعث إليهم في ذلك اليوم:
« أخبرونى ما تريدون فإني صانع كلّ ما أحببتم. » قالوا:
« فإنّا نريد أن تعتزلنا، فإنّك زعمت أنّ ابن الحنفيّة بعثك ولم يبعثك. » فأرسل إليهم المختار أن:
« ابعثوا إليه من قبلكم وفدا، وأبعث من قبلي وفدا، ثم انظروا في ذلك حتى تتبيّنوه. »
وهو يريد أن يريّثهم بهذه المقالة ليقدم عليه إبراهيم الأشتر وقد أمر أصحابه فكفّوا أيديهم، وأخذ أهل الكوفة عليهم بأفواه السكك، فليس شيء يصل إلى المختار ولا إلى أصحابه من الماء إلّا القليل يجيئهم إذا غفلوا عنه.
ثم إنّ شمر بن ذي الجوشن أتى أهل اليمن، فقال لهم:
« إن اجتمعتم في مكان نجعل فيه مجنّبتين ونقاتل من وجه واحد، فأنا صاحبكم، وإلّا فلا، والله لا أقاتل في سكة واحدة ضيّقة ونقاتل من غير وجه. » وانصرف إلى جماعة قومه في جبّانة بنى سلول، ولما بلغ المختار ذلك، جعل يواصل مكاتبة إبراهيم، فلما بلغ إبراهيم بن الأشتر خبره، نادى من يومه في الناس، وسار بقيّة عشيّته تلك، ثم نزل سويعة، فتعشّى هو وأصحابه، وأراحوا دوابّهم شيئا كلا شيء، ثم سار بقيّة ليلته كلّها وصلّى الغداة بسورا، ثم سار من يومه وصلّى صلاة العصر على باب الجسر من الغد، ثم سار حتى بات ليلته في المسجد. ولما كان اليوم الثالث من مخرجهم على المختار خرج المختار إلى المنبر فصعده وكان شبث بن ربعيّ بعث إليه ابنه يقول له:
« إنما نحن عشيرتك وكفّ يمينك، والله لا نقاتلك أبدا فثق بذلك منّا، وكان كارها لقتاله، ولما حضرت الصلاة واجتمع أهل اليمن كره كلّ رأس أن يتقدّمه صاحبه. » فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف:
« هذا أول الخلاف، قدّموا الرضا فيكم، فإنّ فيكم سيّد قرّاء أهل المصر، فليصلّ بكم رفاعة بن شدّاد. » ففعلوا، فلم يزل يصلّى بهم حتى كان يوم الوقعة.
ثم إنّ المختار لمّا نزل، عبّى أصحابه، فقال إبراهيم بن الأشتر:
« إلى أيّ الفريقين أحبّ إليك أن نسير. » فنظر المختار وكان ذا رأى، فكره أن يسير إلى قومه، فلا يبالغ في قتالهم، فقال:
« سر إلى مضر بالكناسة، وكان عليهم شبث بن ربعيّ، وأنا أسير إلى أهل اليمن. » ففعلا. ثم إنّ القوم اقتتلوا كأشدّ قتال اقتتله قوم، وانكشف من أصحاب المختار أحمر بن شميط وعبد الله بن كامل وأصحابهما، فلم يرع المختار إلّا وقد جاءه الفلّ قد أقبل فقال:
« ما وراءكم؟ » فقالوا:
« هزمنا. » قال:
« فما فعل أحمر بن شميط؟ » قالوا:
« تركناه قد نزل عند مسجد القصّاص وقد نزل معه ناس من أصحابه. » وقال أصحاب ابن كامل:
« ما ندري ما فعل. » فصاح بهم أن انصرفوا، ثم أقبل معهم قطعة، ثم بعث عبد الله بن قراد الخثعمي وكان على أربعمائة من أصحابه، فقال:
« سر في أصحابك إلى ابن كامل، فإن يكن هلك، فأنت مكانه، وإن تجده حيّا، فسر في مائة من أصحابك كلّهم فارس، وادفع إليهم بقيّة أصحابك، ومرهم بالحدّ معه والمناصحة، ثم امض في المائة حتى تأتى جبّانة السبيع. » فمضى، فوجد عبد الله بن كامل واقفا عند حمّام عمرو بن حريث معه ناس من أصحابه قد صبروا وهو يقاتل القوم، فدفع إليه ثلاثمائة من أصحابه، ثم مضى حتى نزل جبّانة السبيع، وأخذ في السكك حتى انتهى إلى مسجد عبد القيس، فوقف عنده، وقال لأصحابه:
« ما ترون؟ » وهم مائة خيار. قالوا:
« أمرنا لأمرك تبع. » فقال:
« والله إني لأحبّ أن يظهر المختار، وو الله إني لكاره أن يهلك أشراف قومي وعشيرتي اليوم، وو الله لأن أموت أحبّ إليّ من أن آتيهم من ورائهم فيهلكون على يدي. » ثم وقف، وبعث المختار مالك بن عمرو النهدي - وكان من أشدّ الناس بأسا - في مائتي رجل، وبعث عبد الرحمن بن شريك في مائتي فارس إلى أحمر بن شميط، وثبت هؤلاء مكانه، فانتهوا إليه وقد علاه القوم وكثروا عليه، فاقتتلوا عند ذلك كأشدّ القتال.
ومضى الأشتر حتى لقي شبث بن ربعي وخلقا من مضر كانوا معه، فقال لهم إبراهيم:
« ويحكم انصرفوا، فو الله ما أحبّ أن يصاب أحد من مضر على يدي، فلا تهلكوا أنفسكم. » فأبوا، فقاتلوه، فهزمهم، وجاءت البشرى إلى المختار من قبل إبراهيم بهزيمة مضر، فبعث المختار بالبشرى إلى أحمر بن شميط وإلى ابن كامل والناس على أحوالهم كلّ سكّة منهم قد أغنت ما يليها، واجتمعت شبام وقد رأّسوا عليهم أبا القلوص، وقد أجمعوا أن يأتوا أهل اليمن من ورائهم، فقال بعضهم لبعض:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)