« أنا أحسدك يا بن بهلة؟ ستعلم. » وقد كان يزيد قال لنصحائه:
« من ترون الحجّاج يولّى خراسان؟ » قالوا:
« رجلا من ثقيف. » قال:
« كلّا، ولكنّه يكتب إلى رجل منكم بعهده. فإذا قدمت عليه عزله، فولّى رجلا من قيس، وأخلق بقتيبة. » قال: فلمّا قال له أخوه ما قال وولّاه الحجّاج بعد يزيد تيقّن يزيد ما كان يظنّه قبل ذلك. فاستشار الحصين بن المنذر، فقال له:
« أقم واعتلّ، فإنّ أمير المؤمنين حسن الرأي فيك، وإنّما أتيت من قبل الحجّاج، فإن أقمت رجوت أن يكتب إليه بإقرارك. » قال يزيد:
« إنّا أهل بيت بورك لنا في الطاعة، وأنا أكره المعصية والخلاف. » فقال الحصين بن المنذر:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني ** فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فما أنا بالباكى عليك صبابة ** وما أنا بالدّاعى لترجع سالما
فلمّا قدم قتيبة خراسان، قال لحصين:
« كيف قلت ليزيد؟ » قال: قلت له:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني ** فنفسك ولّ اللّوم إن كنت لائما
فإن يبلغ الحجّاج أن قد عصيته ** فإنّك تلقى أمره متفاقما
قال:
« فما ذا أمرته فعصاك؟ » قال:
« أمرته ألّا يدع صفراء ولا بيضاء إلّا حملها إلى الأمير. » فقال رجل لعباط بن الحصين:
« أمّا أبوك فوجده قتيبة حين فرّه قارحا بقوله: أمرته ألّا يدع صفراء ولا بيضاء إلّا حملها إلى الأمير. » فكان عزل يزيد عن خراسان وخروج قتيبة إليها في سنة خمس وثمانين، وذلك أنّه لمّا حصل يزيد عند الحجّاج عزل المفضّل وولّى قتيبة.
وفي هذه السنة قتل موسى بن عبد الله بن خازم بالتّرمذ
ذكر السبب في ذلك
كنّا ذكرنا ما كان من عبد الله بن خازم من قبل مع بنى تميم. فتفرّق عنه عظم من كان معه منهم، فخرج إلى نيسابور، وخاف بنى تميم على ثقله بمرو، فقال لابنه موسى:
« حوّل ثقلي من مرو، واقطع نهر بلخ حتى تلجأ إلى حصن تثق به فتقيم فيه. » فشخص موسى في مائتين وعشرين فارسا من الصعاليك، فصار في أربعمائة وانضمّ إليه رجال من بنى سليم، فقطع النهر وأتى بخارى فسأل صاحبها أن يلجأ إليه فأبى وخافه وقال:
« رجل فاتك وأصحابه مثله طالبو حرب وشرّ، ولا آمنهم. » فبعث إليهم بصلة من عين ودوابّ وكسوة، فنزل على عظيم من عظماء بخارى في نوقان، فقال له الرجل:
« إنّه لا خير لك في المقام وهم لا يأمنونك. » فخرج يلتمس ملكا يلجأ إليه أو حصنا. فلم يأت بلدا إلّا كرهوا مقامه فيهم، وسألوه أن يخرج عنهم حتى أتى سمرقند وصاحبها طرخون. فأنزله وأكرمه.
فجرى بينهما ما استوحش منه طرخون، فقال له:
« لولا أنّى أعطيتكم الأمان لقتلتكم، فاخرجوا عن بلدي. » ووصله وأخرجه. فخرج موسى وأتى كسّ. فكتب صاحب كسّ إلى طرخون يستنصره. فأتاه فخرج إليه موسى في سبعمائة، فقاتلهم حتى أمسوا وتحاجزوا وبأصحاب موسى جراح كثير.
فلمّا أصبحوا أمرهم موسى فحلقوا رؤوسهم كما تصنع الخوارج، وقطعوا صفنات أقبيتهم كما تصنع العجم إذا استماتوا، ودسّ إلى طرخون زرعة بن علقمة، فقال:
« إنّ القوم مستقبلون، فما حاجتك إلى أن تقتل من لا تصل إليه حتى يقتل من أصحابك عدّتهم، ولو قتلته وإيّاهم جميعا ما نلت حظّا، لأنّ له قدرا في العرب، فلا يلي أحد خراسان إلّا طالبك بدمه، فإن سلمت من واحد لا تسلم من آخر. » قال:
« ليس إلى ترك كسّ عليه سبيل. » قال:
« فكفّ عنه حتى يرتحل. » فكفّ عنه. وأتى موسى الترمذ وبها حصن يشرف على النهر. فنزل موسى على بعض الدهاقين خارجا من الحصن، والدهقان مجانب لترمذ شاه. فقال لموسى:
« إنّ صاحب الترمذ متكرّم شديد الحياء، فإن ألطفته وهاديته أدخلك حصنه. » فأهدى له وألطفه موسى حتى لطف الذي بينهما. وخرج فتصيّد معه وكثر ألطاف موسى له. فصنع يوما صاحب الترمذ طعاما، وأرسل إليه:
« إني أحبّ أن أكرمك، فتغدّ عندي، وائتني في مائة من أصحابك. » فانتخب موسى مائة من أصحابه، فدخلوا على خيولهم، فقيل لهم:
« انزلوا. » فنزلوا، وأدخلوا بيتا خمسين في خمسين، وغدّوهم. فلمّا فرغوا من الغداء اضطجع موسى. فقالوا له:
« اخرج. » قال:
« لا أصيب منزلا مثل هذا. فلست بخارج منه حتى يكون بيتي أو قبرى. » وقاتلوهم في المدينة. فقتل خلق من أهلها وهرب الآخرون. فدخلوا منازلهم وغلب موسى على المدينة وقال لترمذشاه:
« اخرج، فإني لست أعرض لك ولا لأحد من أصحابك. » فخرج الملك وأهل المدينة، فأمّوا الترك يستنصرونهم. فقالوا:
« دخل عليكم مائة رجل فأخرجوكم عن بلادكم، وقد قاتلناهم بكسّ، فعرفناهم، فنحن لا نقاتل هؤلاء. » وأقام ابن خازم بالترمذ، ودخل إليه أصحابه، وكانوا سبعمائة. فلمّا قتل أبوه انضمّ إليه من أصحاب أبيه أربعمائة فارس، فقوى، فكان يخرج ويغير على من حوله. فراسله الترك بقوم ليعلموا ما الذي يريد، ويتقرّر أمورهم على صلح، ويكفّوا عن الغارة.
فلمّا قدموا قال موسى لأصحابه:
« إنّ هؤلاء يسمّونكم جنّا وأريد أن أكيدهم بمكيدة، وذلك في أشدّ ما يكون من زمان الحرّ. »
ذكر مكيدة ضعيفة تمت على قوم أغتام
ثم أمر موسى بنار، فأجّجت، وألبس أصحابه ثياب الشتاء، ولبسوا فوقها لبودا، ومدّوا أيديهم إلى النار كأنّهم يصطلون، وأذن موسى للترك، فدخلوا. فلمّا رأوهم على تلك الحال فزعوا وقالوا:
« ما هذا، ولم صنعتم ما نرى؟ » قالوا:
« إنّا نجد البرد في هذا الوقت ونجد الحرّ في الشتاء. » فلمّا رجعوا أخبروا أصحابهم، فقالوا:
« هذا صنيع الجنّ، ولا خير في قتال هؤلاء، والرأي مقاربتهم. » ولمّا ولى بكير بن وساج خراسان لم يعرض له ولم يوجّه إليه أحدا.
ثم قدم أميّة، فسار بنفسه يريده. فخالفه بكير وخلع ورجع إلى مرو، كما حكينا في ما تقدّم. فلمّا صالح أميّة بكيرا وحال الحول، وجّه إلى موسى رجلا من خزاعة في جمع كثير. فعاد أهل الترمذ إلى الترك، فاستنصرهم، وقالوا:
« نجتمع عليهم مع من غزاهم منهم فنظفر بهم. » فسارت الترك مع أهل الترمذ في جمع كثير، فأطاف بموسى الترك والخزاعيّ.
فكان يقاتل الخزاعيّ أوّل النهار والترك آخره. فقاتلهم ثلاثة أشهر على ذلك.
ثم قال موسى لعمرو بن خالد بن حصن الكلبي، وكان فارسا:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« قد طال أمرنا هؤلاء، وقد أجمعت أن أبيّت عسكر الخزاعيّ، فإنّهم للبيات آمنون، فما ترى؟ » قال:
« البيات نعمّا هو، فليكن ذلك بالعجم، فإنّ العرب أشدّ حذرا وأسرع فزعا وأجرأ على الليل من العجم. » فعمل موسى على بيات الترك. فلمّا ذهب الليل ثلثه خرج في أربعمائة، وقال لعمرو بن خالد:
« اخرجوا بعدنا وكونوا قريبا، فإذا سمعتم التكبير فكبّروا. » وأخذ على شاطئ النهر حتى ارتفع فوق العسكر. ثم أخذ من ناحية كفنان.
فلمّا قرب من عسكرهم جعل أصحابه أرباعا. ثم قال:
« أطيفوا بعسكرهم، فإذا سمعتم تكبيرنا فكبّروا. » وأقبل وقدّم حمرا بين يديه ومشوا خلفه. فلمّا رءاهم أصحاب الأرصاد قالوا:
« من أنتم؟ » قالوا:
« عابروا سبيل. » فقال لهم صاحب الرصد:
« جوزوا. » فلمّا جازوا الرصد تفرّقوا وأطافوا بالعسكر وكبّروا، فلم يشعر الترك إلّا بوقع السيوف. فثاروا، وأقبل بعضهم يقتل بعضا. ثم ولّوا وحووا عسكرهم وأصابوا سلاحا ومالا، وأصبح الخزاعيّ وأصحابه وقد كسرهم ذلك وخافوا مثلها من البيات، فتحرّزوا.
ذكر مكيدة لعمرو بن خالد
فقال عمرو بن خالد لموسى:
« إنّك لا تظفر إلّا بمكيدة، وأرى لهم أمدادا فهم يكثرون. فتناولني بضرب فلعلّى أصيب من صاحبهم فرصة فأقتله ويتفرّق عنك هؤلاء الجمع. » فقال له:
« تتعجّل الضرب، ثم تتعرض للقتل. » قال:
« أمّا القتل فأنا متعرّض له في كلّ يوم، وأمّا الضرب فما أيسره في جنب ما أريد. » فتناوله بالضرب، ضربه خمسين سوطا، فخرج من عسكره موسى، فأتى عسكر الخزاعيّ مستأمنا، وقال:
« أنا رجل من أهل اليمن، كنت مع عبد الله بن خازم. فلمّا قتل أتيت ابنه، فلم أزل معه. فلمّا قدمت اتّهمنى وتنكّر لي، ثم تغضّب عليّ وقال: أنت عين له، فضربني ولم آمن القتل وقلت: ليس بعد الضرب إلّا القتل، فهربت منه. » فآمنه الخزاعيّ، وأقام معه إلى أن دخل يوما وهو خال، ولم ير عنده سلاحا، فقال له كأنّه يتنصّح له:
« إنّ مثلك في مثل حالك لا ينبغي أن يكون في حال من أحواله بغير سلاح. » فقال:
« إنّ معي سلاحا. » ورفع صدر فراشه، وإذا سيف منتضى. فتناوله عمرو فضربه به حتى قتله.
وخرج فركب فرسه ونذر به الناس وقد أمعن. فطلبوه، ففاتهم ورجع إلى موسى، وتفرّق ذلك الجيش وأتى بعضهم موسى مستأمنا، فآمنه.
ولم يوجّه إليه أميّة أحدا إلى أن قدم المهلّب، فلم يعرض له ووصّى بنيه، فقال:
« إيّاكم وموسى، فإنّكم لا تزالون ولاة هذا الثغر ما أقام هذا الرجل بمكانه، فإنّ قتل كان أوّل طالع عليكم أميرا على خراسان رجل من قيس. » فمات المهلّب، وولّى يزيد فلم يعرض له.
وكان المهلّب ضرب حريث بن قطبة الخزاعيّ، فخرج هو وأخوه ثابت إلى موسى. فلمّا ولى يزيد بن المهلّب أخذ أموالهما وحرمهما، وقتل أخا لأمّهما يقال له الحارث بن منقذ. فبلغهما صنيع يزيد، وكان ثابت محبّبا في العجم بعيد الصوت فيهم يعظّمونه ويثقون به، حتى إنّهم كانوا يحلفون بحياته فلا يكذبون.
فخرج ثابت إلى طرخون، فشكا إليه ما صنع به، فغضب له طرخون، وجمع له نيزك والسّيل وأهل بخارى والصغانيان، فقدموا مع ثابت إلى موسى بن عبد الله وقد سقط إلى موسى فلّ عبد الرحمن بن عباس القرشي من هراة وفلّ ابن الأشعث من العراق وغيرهم.
فاجتمع إلى موسى ثمانية آلاف من تميم وقيس وربيعة واليمن. فقال له ثابت:
« سر حتى تقطع النهر، فتخرج يزيد بن المهلّب من خراسان ونولّيك، فإنّ طرخون ونيزك والسيل وأهل بخارى معنا. » فهمّ أن يفعل، فقال له نصحاؤه:
« إنّ ثابتا وأخاه خائفان من يزيد، وإن أخرجت يزيد عن خراسان تولّيا الأمر وغلباك على خراسان، فأقم بمكانك. » فقبل رأيهم، وأقام بالترمذ وقال لثابت:
« إن أخرجنا يزيد قدم عامل عبد الملك ولكنّا نخرج عمّال يزيد من وراء النهر ما يلينا، ونحصّل لنا ما وراء النهر فنأكلها. » ورضى ثابت، وأخرج عمّال يزيد من وراء النهر، وحملت إليهم الأموال، فقوى أمرهم.
وانصرف طرخون ونيزك والسيل وأهل بخارى إلى بلادهم وتدبير الأمر كلّه لثابت وحريث، والأمير موسى ليس له غير الاسم. فألحّ أصحاب موسى عليه في الفتك بثابت وحريث، فأبى وقال:
« ما كنت لأغدر بهم. » فبيناهم على ذلك إذ أخرجت عليهم الهياطلة والتبّت والترك في سبعين ألفا لا يعدّون الحاسر ولا صاحب بيضة جمّاء إلّا أن تكون البيضة ذات قونس.
فخرج موسى لقتالهم إلى ربض المدينة، ووقف ملك الترك على تلّ في مائة ألف.
فقال موسى لأصحابه:
« إن أزلتم هؤلاء، فليس الباقون بشيء. » فقصد لهم حريث، وألحّ عليهم حتى أزالهم عن التلّ، ورمى حريث في جبهته بنشّابة. ثم بيّتهم موسى، وحمل أخوه خازم بن عبد الله بن خازم حتى وصل إلى شمعة ملكهم، فقتله وقتل العجم قتلا ذريعا، ونجا من نجا منهم بشرّ. ومات حريث بعد يومين، وحملوا الرؤوس إلى الترمذ، فبنوا من تلك الرؤوس جوسقين.
فقال أصحاب موسى:
« وقد كفيت أمر حريث، فأرحنا من أمر ثابت. » فأتى وبلغ ثابتا بعض ما يخوضون فيه، فدسّ غلاما كان في خدمة موسى وأعطاه مالا وقال له:
« إيّاك أن تتكلّم بالعربيّة، وإن سألوك: من أنت؟ فقل: من سبى باميان. » فكان الغلام ينقل إلى ثابت خبرهم إلى أن واقفوا يوما موسى على الفتك بثابت. فقال موسى:
« قد أكثرتم، وفيه هلاككم، فعلى أيّ وجه تفتكون به وأنا لا أغدر به؟ » فقال نوح بن عبد الله بن خازم:
« إذا غدا إليك غدوة عدلنا به إلى بعض الدور فضربنا عنقه فيها قبل أن يصل إليك. » فقال:
« أما والله، إنّه لهلاككم. » فخرج الغلام، فأعلمه، فخرج من تحت ليلته، وأصبحوا وقد ذهب وفقد الغلام.
فعلموا أنّه كان عينا له عليهم، وخرج إلى ثابت قوم، فقصد خشوان. فقال موسى:
« قد فتحتم على أنفسكم بابا فسدّوه. » وسار إليه موسى، وراسل ثابت طرخون، فأقبل معينا له، وبلغ موسى مجيء طرخون، فرجع إلى الترمذ، وصار ثابت في ثمانين ألفا، فحصروا موسى وقطعوا عنه المادة حتى جهدوا. فلما اشتدّ عليهم الحصار، قال يزيد بن هذيل:
« إنّما مقام هؤلاء مع ثابت، والله أفتكنّ بثابت، أو لأموتنّ، فالقتل أحسن من الموت جوعا. » فخرج إلى ثابت مستأمنا، فقال ظهير لثابت:
« أنا أعرف بهذا منك، والله ما أتاك رغبة فيك، ولا جزعا منك، ولقد جاءك بغدرة، فخلّنى وإيّاه. » فقال:
« ما كنت لأقدم على رجل أتانى لا أدري أكذلك هو أم لا. » قال:
« فدعني أرتهن منه رهنا. » قال:
« أمّا هذا فنعم. » فقال ثابت ليزيد بن هذيل:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« أمّا أنا فواثق بك وابن عمّك أعلم بك مني، فانظر ما يقول لك. » فقال يزيد لظهير:
« أبيت يا با سعيد إلّا حسدا. ما يكفيك ما ترى من الذلّ، تشرّدت عن العراق عن أهلى، وصرت بخراسان على ما ترى، أما يعطفك الرحم؟ » فقال له ظهير:
« أما والله، لو تركت ورأيي فيك لما كان هذا، ولكن أرهنّا ابنيك قدامة والضحّاك. » فدفعهما، فكانا في يدي ظهير. فأقام يزيد يلتمس غرّة ثابت، فلا يجدها حتى مات ابن لزياد القصير الخزاعي، أتاه نعيه من مرو. فخرج ثابت متفضّلا إلى زياد ليعزّيه ومعه ظهير وطائفة من أصحابه وفيهم يزيد بن هذيل وقد تقدّم ظهير في أصحابه، فدنا من ثابت وضربه، فعضّ السيف برأسه، فوصل إلى الدماغ، ورمى يزيد بنفسه في نهر الصغانيان، فنجا سباحة، وحمل ثابت إلى منزله.
فلمّا أصبح طرخون أرسل إلى ظهير:
« ائتني بابني يزيد. » فأتاه بهما فقتلهما. وكان يزيد بن هذيل سخيّا شجاعا شاعرا، وعاش ثابت سبعة أيّام، ثم مات، وقام بأمر العجم طرخون، وقام ظهير بأمر أصحاب ثابت قياما ضعيفا وانتشر أمرهم، وأجمع موسى على بياتهم. فجاء رجل فأخبر طرخون، فضحك وقال:
« موسى يعجز أن يدخل متوضّأه، فكيف يبيّتنا، لقد طار قلبك، لا يحرسنّ الليلة أحد العسكر. » فلمّا ذهب من الليل ثلثه خرج موسى في ثلاثمائة، وأخوه في ثلاثمائة، ويزيد بن هذيل في ثلاثمائة، ورقبة بن الحرّ في ثلاثمائة، وقال لهم:
« تفرّقوا أرباعا حتى تدخلوا عسكرهم من أربع نواحي، ولا يمرّ أحد منكم بشيء إلّا ضربه. » فدخلوا عسكرهم من النواحي لا يمرّون بدابّة ولا رجل ولا خباء، ولا جوالق إلّا ضربوه، وهجم نوح بن عبد الله بن خازم على سرادق طرخون.
فبرز إليه فتجاولا، وطعن طرخون فرس نوح في خاصرته فشبّ ودلّى بنوح حتى سقط في نهر الصغانيان، وراسل طرخون موسى:
« كفّ أصحابك، فإنّا نرتحل إذا أصبحنا. » فرجع موسى إلى عسكره، وارتحل طرخون وجميع من معه، فأتى كلّ قوم بلادهم.
فكان أهل خراسان يقولون:
« ما رأينا قطّ مثل موسى بن عبد الله بن خازم، ولا سمعنا به، قاتل مع أبيه سنتين، ثم خرج يسير في بلاد خراسان، حتى أتى ملكا، فغلبه على مدينته، ثم سار إليه الجنود من العرب والعجم والترك. » فكان يقاتل العرب في أول النهار والعجم آخر النهار، وأقام في حصنه خمس عشرة سنة، وصار ما وراء النهر لموسى لا يعازّه فيه أحد.
فلمّا ولى المفضّل خراسان أخرج عثمان بن مسعود من الحبس، وقال:
« إني أريد أن أوجّهك إلى موسى بن عبد الله. » قال:
« والله، لقد وترني، وإني لثائر بابن عمّى ثابت وما يد أبيك وأخيك عندي وعند أهل بيتي بالحسنة، لقد حبستمونى، وشرّدتم بنى عمّى، واصطفيتم أموالهم. » فقال له المفضّل:
« دع عنك هذا، وسر، فأدرك بثأرك. »
فوجّهه في ثلاثة آلاف، وقال له:
« مر مناديا فليناد: من لحق بنا فله ديوان. » فنادى بذلك في السوق، فتسارع الناس، وكتب المفضّل إلى أخيه مدرك وهو ببلخ أن يسير معه. فنزل عثمان جزيرة بالترمذ يعرف اليوم بجزيرة عثمان، في خمسة عشر ألفا، وكتب إلى السّيل وطرخون، فقدموا عليه، وحصروا موسى، فضيّقوا عليه وعلى أصحابه، وخندق عثمان وحذر البيات، فلم يقدر موسى منه على غرّة، فقال يوما لأصحابه:
« حتى متى؟ أخرجوا بنا، فاجعلوه يومكم، إمّا ظفرتم وإمّا قتلتم. » وقال لهم:
« اقصدوا للصّغد والترك. » وخلّف النضر بن سليمان بن عبد الله بن خازم في المدينة وقال له:
« إن قتلت فلا تسلمنّ المدينة إلى عثمان، بل ادفعها إلى مدرك بن المهلّب. » وخرج، وصيّر بإزاء عثمان قوما من أصحابه وقال:
« لا تهايجوه حتى يقاتلكم. » وقصد لطرخون، فصدقه، فانهزم طرخون والترك، وأخذوا عسكرهم، فجعلوا ينقلونه، وكرّت الصغد والترك راجعة، فحالوا بين موسى وبين الحصين، فقاتلهم، فعقر به، فسقط، فنادى مولى له:
« احملنى ويحك. » فقال:
« الموت كريه، ولكن ارتدف فإن نجونا نجونا معا، وإن هلكنا هلكنا معا. »
فارتدف ونظر إليه عثمان حين وثب، فقال:
« وثبة موسى وربّ الكعبة. » فخرج من الخندق، وحمل وكشف أصحاب موسى، وقصد لموسى، فعثرت دابّة موسى، فسقط هو ومولاه، فابتدروه فقتلوه وبقيت المدينة في يد النضر، فدفعها إلى مدرك وآمنه، وكتب المفضّل بالفتح إلى الحجّاج، وذلك في سنة خمس وثمانين.
ثم دخلت سنة ست وثمانين
وفيها مات عبد الملك بن مروان. فكانت خلافته ثلاث عشرة سنة وخمسة أشهر.
أسماء وزراء عبد الملك بن مروان وما نقل إلينا من آرائهم وتدابيرهم التي يليق ذكرها بهذا الكتاب قبيصة بن ذؤيب
كان يكتب لعبد الملك قبيصة بن ذؤيب الخزاعيّ، ويكنّى أبا إسحق، وكان خاصّا به، وكان يتولّى ديوان الخاتم. وبلغ من لطافة محلّه منه أنّ الكتب الواردة على عبد الملك كان يقرأها قبيصة قبل أن تصل إلى عبد الملك، ثم يدخل بها إليه مفضوضة الختم فيقرأها.
وكان مروان عهد إلى أخيه عبد العزيز بعد عبد الملك، فهمّ عبد الملك، لمّا تمكّن واستقام أمره، بخلعه والعقد لابنيه الوليد وسليمان، فنهاه قبيصة بن ذؤيب كاتبه، وقال:
« انتظر، فلعلّ الموت يأتى عليه فيكفيكه. » وكان قلّده مصر، فورد الكتاب بوفاته سنة خمس وثمانين، فقرأه قبيصة على عادته، ثم دخل على عبد الملك فعزّاه بأخيه، وعقد لابنيه الوليد وسليمان العهد بعده، وكتب إلى البلدان بذلك فبايعوه.
أبو الزعيزعة
وكان يكتب له أبو الزعيزعة مولاه. فيحكى أنّه حضر زفر بن الحارث يوما عند عبد الملك وبحضرته أبو الزعيزعة بعد أن اجتمع إليه، فقال لزفر بن الحارث:
« كيف ترى ما ساقه الله إلينا؟ » فقال زفر:
« الحمد لله الذي نصرك على كره من كره. » فقال أبو الزعيزعة:
« ما كره ذلك إلّا كافر. » فقال له زفر:
« كذبت! قال الله عز وجل لنبيه: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ من بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّ فَرِيقًا من الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ، أمؤمنين سمّاهم أم كفّارا؟ » فغضب عبد الملك، فقال زفر:
« يا أمير المؤمنين، أرأيت لو قلت: الحمد لله الذي نصرك، فقد كنت مسرورا بذلك، أما كنت تمقتني ويمقتني الله وأنا أقاتلك تسع سنين؟ » فقال له:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« صدقت. »
روح بن زنباع
وكان يكتب له روح بن زنباع. وروح هذا هو الذي همّ به معاوية، فقال له:
« يا أمير المؤمنين، لا تشمتنّ بي عدوّا أنت وقمته، ولا تسوءنّ فيّ صديقا أنت سررته، ولا تهدمنّ ركنا أنت بنيته. هلّا أتى حلمك وإحسانك على جهلي وإساءتى! » فأمسك عنه.
ربيعة الغار الحرشي
وكان يكتب له ربيعة الغار الحرشي. وكان استشاره عبد الملك في تقليد الوليد ابنه العهد، فقال:
« أمهلنى سنة. » فأمهله. فلمّا انقضت عاوده وقال:
« إني عزمت أن أوليّه شيئا من النواحي، فإذا مضت له مدّة قلّدته العهد. » فقال:
« يا أمير المؤمنين، إنّك بعثت الوليد يقسم الأموال بين الناس ما رضوا عنه، فكيف تبعثه جابيا؟ إن احتاط ذمّ، وإن رفق عجز، وأنت تريد أن تجبيه، فولّه المعاون والصوائف، فيكون ذلك شرفا وذكرا. »
صالح بن عبد الرحمن وهو الذي نقل الدواوين من الفارسية إلى العربية
وكتب له صالح بن عبد الرحمن مولى بنى مرة بن عبيد بن تميم من سبي سجستان، ويكنّى صالح أبا الوليد، وهو الذي نقل الدواوين من الفارسيّة إلى العربيّة. وكان ذلك أنّ الدواوين كانت تجرى فيها وجوه الأموال بالفارسيّة.
وكان بالبصرة والكوفة ديوان بالعربيّة لإحصاء الناس وأرزاقهم وأعطياتهم، وهو الذي كان عمر رسمه. وكان بالشام أيضا ديوانان: أحدهما بالروميّة، والآخر بالعربيّة، فجرى الأمر عليه إلى أيّام عبد الملك، وكان إذ ذاك يتقلّد ديوان الفارسيّة زادانفرّوخ، فخلفه عليه صالح بن عبد الرحمن، فخفّ على قلب الحجّاج وحضّ به. فقال لزادانفرّوخ:
« إني قد خففت على قلب الحجّاج، ولست آمن أن أزيلك عن محلّك لتقديمه إيّاى، وأنت ربيبى. » فقال له زادانفرّوخ: لا تفعل، فإنّه إليّ أحوج مني إليه. » فقال له:
« وكيف ذلك؟ » قال:
« لا يجد من يكفيه الحساب. » فقال له صالح:
« لو شئت حوّلته إلى العربيّة. » فقال له:
« فحوّل منه سطرا. » فحوّل منه شيئا كثيرا.
فقال زادانفرّوخ لأصحابه:
« التمسوا كسبا غير هذا. »
فلمّا بلغ الحجّاج ذلك أمر صالحا بنقل الدواوين، فنقلها إلى العربيّة في سنة ثمان وسبعين. وكان عامّة كتّاب العراق تلامذة صالح.
ولمّا هم صالح بنقل الدواوين، قال له بعض كتّاب الفرس:
« كيف تصنع بواذ. » قال:
« أكتب: أيضا. » فقال:
« كيف تصنع بدهيازده؟ » قال:
« أكتب عشرا. » فقال:
« كيف تصنع بدهبوذه، وبنجبوذه؟ » قال:
« أكتب عشيرا ونصف عشير. » قال له:
« قطع الله أصلك من الدنيا، كما قطعت الفارسيّة. » وقال الحجّاج يوما لصالح، وكان متّهما برأى الخوارج:
« إني فكّرت فيك فوجدت مالك ودمك حلالين لي وأنّنى غير آثم إن تناولتهما. » فقال صالح:
« إنّ أغلظ ما في الأمر - أعزّ الله الأمير - أنّ هذا القول بعد الفكر. » فضحك منه ولم يقل له شيئا.
عبيد بن المخارق
ومن كتّاب الحجّاج عبيد بن المخارق، قلّده الحجّاج الفوجتين، فوردها وقال:
« هل هاهنا دهقان يعاش برأيه؟ » فقيل له:
« هذا جميل بن بصبهرى. » فأحضره وشاوره، فقال له جميل:
« خبّرنى أقدمت لرضى ربّك، أم رضى نفسك، أم رضى من قلّدك؟ » فقال:
« ما استشرتك إلّا برضى الجميع. » قال:
« فاحفظ عني خلالا: لا يختلف حكمك على الرعيّة، ليكن حكمك على الشريف والوضيع سواء، ولا تتّخذنّ حاجبا ليردّ عنك الوارد من أهل عملك، وليكن على ثقة من الوصول إليك، وأطل الجلوس لأهل عملك يتهيّبك عمّالك، ولا تقبل هديّة، فإنّ صاحبها لا يرضى بثلاثين ضعفا لها، فإذا فعلت ذلك فاسلخ جلودهم من فروعهم إلى أقدامهم. » قال: فعملت بوصيّته، فجبيتها خمسة عشر ألف ألف درهم.
يزيد بن أبي مسلم
وكان يزيد بن أبي مسلم - واسم أبي مسلم دينار من موالي ثقيف - كاتبا للحجّاج، وكان أخاه من الرضاعة. فتقلّد له ديوان الرسائل، وكنيته أبو العلاء.
وكان الحجّاج يجرى له في كلّ شهر ثلاثمائة درهم، فكان يعطى امرأته خمسين درهما، وينفق في ثمن اللّحم وما يتّصل به خمسة وأربعين درهما، وينفق باقيها في ثمن الدقيق وسائر عوارض نفقته، وإن فضل منها شيء ابتاع به ماء وسقاه المساكين، وربما ابتاع قطفا وفرّقها فيهم وهو مع ذلك يقتل الخلق للحجّاج.
وحكى أنّ الحجّاج عاده من علّة اعتلّها، فوجد بين يديه كانونا من طين ومنارة خشب، فقال:
« يا أبا العلاء، ما أرى أرزاقك تكفيك. » فقال:
« إن كانت ثلاثمائة لا تكفيني، فثلاثون ألفا لا تكفيني. » ويزيد بن أبي مسلم هو الذي نبّه الحسن البصري على الاستتار حتى سلم من الحجّاج، وذلك أنّه لقيه خارجا من عنده فقال له:
« توار يا با سعيد، فإني لست آمن أن تتبعك نفسه. » فتوارى عنه، وسلم منه. وقيل: إنّه استتر تسع سنين.
عبد الملك وكاتب له قبل هدية
وبلغ عبد الملك أنّ بعض كتّابه قبل هديّة، فقال له:
« أقبلت هديّة منذ ولّيتك؟ » فقال:
« أمورك، يا أمير المؤمنين، مستقيمة، والأموال دارّة، والعمّال محمودون، وخراجك موفّر. » فقال:
« أخبرني عمّا سألتك. » قال:
« نعم، قد قبلت. » قال:
« فو الله لئن كنت قبلت هديّة لا تنوي مكافأة للمهدي لها، إنّك لدنيّ ولئيم، وإن كنت قبلتها لتستكفى رجلا لم تكن لتستكفيه لولاها، إنّك لخائن، ولئن كنت نويت تعويض المهدي عن هديّته ولا تخون له أمانة ولا تثلم له دينا، فلقد قبلت ما بسط عليك لسان معامليك، وأطمع فيك ساير مجاوريك، وسلبك هيبة السلطان، وما في من أتى أمرا لم يخل فيه، من لؤم أو دناءة أو خيانة أو جهل مصنع. » وخلعه عن عمله.
خلافة الوليد بن عبد الملك
وبويع للوليد بن عبد الملك بالخلافة. فخطب الناس لمّا انصرف من دفن أبيه، وقال في آخر خطبته:
« أيّها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة، فإنّ الشيطان مع الفرد. أيّها الناس، من أبدى ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه ومن سكت مات بدائه. » ثم نزل وحاز أدوات الخلافة وأثاثها، وكان جبّارا عنيدا.
ورود قتيبة إلى خراسان
وفي هذه السنة وهي سنة ستّ وثمانين، ورد قتيبة بن مسلم إلى خراسان فقدمها والمفضّل يعرض الجند وهو يريد أن يغزو الموضع الذي يقال له: أخرون وشومان. فخطب الناس قتيبة، وحثّهم على الجهاد، وسار، فلمّا كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ وعظماؤهم، فساروا معه. فلمّا قطع النهر تلقّاه تيش الأعور ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب. فدعاه إلى بلاده. فمضى مع تيش إلى الصغانيان، فسلّم إليه بلاده. وسار قتيبة إلى أخرون وشومان وهما من طخارستان فجاءه صاحبها، فصالحه على فدية أدّاها، فقبلها قتيبة ورضى، وانصرف إلى مرو، واستخلف أخاه صالحا، وفتح صالح بعد رجوع قتيبة باسان انبجغر، وكان معه نصر بن سيّار، فأبلى يومئذ، فوهب له قرية تدعى تنجابه.
ثم قدم صالح على قتيبة بعد ذلك فاستعمله على الترمذ، وغزا قتيبة بعد ذلك بيكند، وهي أدنى مدائن بخارى، فلمّا نزل بعقوتهم استنصروا السغد، واستمدّوا من حولهم، فأتوهم في جمع كثير، وأخذوا بالطرق، فلم ينفذ لقتيبة رسول ولم يصل إليه خبر نحو شهرين، وأبطأ خبره على الحجّاج، فأشفق على الجند، وأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد وهم يقتتلون في كلّ يوم. وكان لقتيبة عين يقال له تندر من العجم، فأعطاه أهل بخارى مالا على أن يفتأ عنهم قتيبة.
ذكر حيلة لتندر ما نفذت له وقتل لأجلها
أقبل تندر إلى قتيبة، فقال:
« أخلنى! » فنهض الناس واحتبس قتيبة ضرار بن حصين الضبي، فقال تندر:
« هذا عامل يقدم عليك وقد عزل الحجّاج، فلو انصرفت بالناس إلى مرو. » فدعا قتيبة مولاه سيا، فقال له:
« اضرب عنق تندر! » فقتله.
ثم قال لضرار:
« لم يعلم هذا الخبر غيري وغيرك، وإني أعطى الله عهدا، إن ظهر هذا الحديث من أحد حتى تنقضي حربنا، لألحقنّك بتندر، فاملك لسانك، فإنّ انتشار هذا الحديث يفتّ في أعضاد الناس. » ثم أذن للناس، فدخلوا، فراعهم قتل تندر، فوجموا وأطرقوا، فقال قتيبة:
« ما يردعكم من قتل عبد أحانه الله. » قالوا:
« كنّا نظنّه ناصحا للمسلمين. » قال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)