ذكر هذه الحيلة التي احتال بها يزيد بمشورة فيروز حتى ظفر به

فكتب يزيد بن المهلّب إلى صاحب طبرستان:
« إني أريد أن أغزو صولا وهو بجرجان، فخفت، إن بلغه أنّى أريد ذلك أن يتحوّل إلى البحيرة فينزلها، وإن يتحوّل إليها لم يقدر عليه، وهو يسمع منك ويستنصحك، فإن حبسته العام بجرجان، فلم يأت البحيرة، حملت إليك خمسين ألف مثقال، فاحتل له بكلّ حيلة حتى تحبسه بجرجان، فإن أقام ظفرت به. » فلمّا أتى الإصبهبذ الكتاب تقرّب به إلى صول. فلمّا أتى صولا الكتاب أمر الناس بالرحيل إلى البحيرة، وحمل الأطعمة ليتحصّن بها وبلغ يزيد مسيره من جرجان إلى البحيرة، وحمل الأطعمة ليتحصّن بها. فخرج إلى جرجان في ثلاثين ألفا ومعه فيروز، واستخلف على خراسان مخلد بن يزيد، وعلى سمرقند وكسّ ونسف وبخارى ابنه معاوية، وعلى طخارستان حاتم بن قبيصة بن المهلّب.
دخول يزيد بن المهلب جرجان

وأقبل حتى أتى جرجان ولم تكن يومئذ مدينة، إنّما هي جبال محيطة بها أبواب ومخارم يقوم عليها الرجل فلا يقدم عليه أحد. فدخلها يزيد لم يعازّه أحد، وأصاب أموالا، وهرب المرزبان عمّ فيروز، وخرج يزيد بالناس إلى البحيرة، وأناخ على صول، فحاصرهم، وكان صول يخرج إليه في الأيّام فيقاتله ثم يرجع إلى حصنه، حتى عجزوا وانقطعت عنهم المواد.
فأرسل إليه صول يطلب الصلح، فقال يزيد:
« لا إلّا على حكمي. »
فأبى. فأرسل إليه:
« إني أصالحك على نفسي ومالي وثلاثمائة من أهل بيتي وخاصّتى على أن تؤمننا فننزل البحيرة. » فأجابه إلى ذلك. فخرج بماله وغلمانه ممّن أحبّ، وصار مع يزيد. فقتل يزيد من الأتراك جماعة صبرا ومن على آخرين، وقال الجند ليزيد:
« أعطنا أرزاقنا. » فدعا إدريس بن حنظلة العمّى، فقال له:
« يا بن حنظلة، أحص لنا ما في البحيرة حتى نعطى الجند. » فدخلها إدريس فلم يقدر على إحصاء ما فيها، فقال ليزيد:
« فيها ما لا يستطاع إحصاؤه في هذه السرعة. وهناك ظروف. فتحصى الجواليق وتعلم ما فيها، ثم تقول للجند: أدخلوا فخذوها. فمن أخذ شيئا عرفنا ما أخذ من حنطة، أو شعير، أو أرز، أو سمسم، أو عسل، فأثبتناه عليه. » قال:
« نعم ما رأيت. » ففعلوا ذلك، وقال للجند:
« خذوا. » فكان الرجل يخرج وقد أخذ ثيابا أو طعاما، أو حمل من شيء فيكتب على كلّ رجل ما أخذ، فأخذوا شيئا كثيرا.
طمع يزيد بن المهلب في طبرستان

ولمّا فرغ يزيد من صول طمع في طبرستان أن يفتتحها، وهمّ بالمسير إليها.
فاستعمل عبد الله المعمر اليشكري على دهستان البياسان، وضمّ إليه أربعة آلاف رجل، وسار إلى آخر حدود جرجان مما يلي طبرستان، فاستعمل اندرشان أسد بن عمرو، ويقال: بل ابنا لعبد الله بن المعمّر وضمّ إليه أربعة آلاف، ودخل يزيد بلاد الإصبهبذ، فراسله الإصبهبذ يسأله الصلح، وأن يخرج من طبرستان ولا يتوغّلها. فأبى يزيد، ورجا أن يفتتحها. فوجّه أخاه أبا عيينة من وجه وخالد بن يزيد من وجه وأبا الجهم الكلبي من وجه. وقال:
« إذا اجتمعتم فأبو عيينة على الناس. » فسار أبو عيينة في أهل المصرين ومعه هريم بن أبي طحمة، ووصّى يزيد أبا عيينة بأن يشاور هريما وقال:
« هو ناصح وذو رأى. » وأقام يزيد معسكرا واستجاش الإصبهبذ بأهل جيلان والديلم، فأتوه والتقوا في سفح جبل، فانهزم المشركون، واتبعهم المسلمون حتى انتهوا إلى فم الشعب، فدخله المسلمون وصعد المشركون واتّبعهم المسلمون، فرماهم وهم فوقهم بالحجارة والنشّاب، فانهزم أبو عيينة والمسلمون، فركب بعضهم بعضا يتساقطون من الجبل، فلم يثبتوا حتى انتهوا إلى عسكر يزيد، وكفّ العدوّ عن اتّباعهم.
وكتب الإصبهبذ إلى المرزبان ابن عمّ فيروز وهو بأقصى جرجان مما يلي البياسان:
« إنّا قد قتلنا يزيد وأصحابه، فاقتل أنت من في البياسان من العرب. » فخرج إلى البياسان والمسلمون غارّون في منازلهم فقتلوا جميعا في ليلة.
وأصبح عبد الله بن المعمّر مقتولا في أربعة آلاف من المسلمين لم ينج منهم أحدا وقتل من بنى عمّ يزيد خمسون رجلا، وكتب المرزبان إلى الإصبهبذ:
« إني قد قتلت من عندي من العرب، فخذ أنت المضائق والطرق على من بقي منهم قبلك. » وبلغ يزيد والمسلمين مقتل عبد الله بن المعمّر وأصحابه، فأعظموا ذلك وهالهم.
ففرغ يزيد إلى حيّان النبطيّ وقال:
« لا يمنعنّك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين. » وكان يزيد قد غرّم حيّان مائتي ألف درهم - وسنذكر ذلك - وشكا يزيد إليه ما يرى بالمسلمين من الوهن بما بلغهم عن جرجان ثم بما أخذ عليهم الإصبهبذ من الطرق، وقال له:
« اعمل في الصلح. » قال:
« أفعل. » فأتى حيّان الإصبهبذ وقال له:
« أنا رجل منكم وإن كان الدين فرّق بيني وبينكم، وأنا لك ناصح، فإنّك أحبّ إليّ على كلّ حال من يزيد، وقد بعث يستمدّ وأمداده منه قريبة، وإنّما أصابوا منه طرفا، ولست آمن أن يأتيك ما لا تقوم له. فأرح نفسك منه وصالحه، فإنّك إن صالحته صيّر حدّه على أهل جرجان بغدرهم وقتلهم من قتلوا. » فقبل الإصبهبذ منه وصالحه على سبعمائة ألف، ويروى خمسمائة ألف وأربعمائة وقر زعفران أو قيمته من العين وأربعمائة رجل على يد كلّ رجل جام فضّة وسرقة حرير وكسوة. ثم رجع إلى يزيد وقال:
« ابعث من يحمل صلحهم الذي صالحتهم عليه. » قال:
« من عندهم، أو من عندنا؟ » قال:
« من عندهم. » وكان يزيد قد طابت نفسه أن يعطيهم ما سألوا ويرجع إلى جرجان. فبعث من يحمل ما صالحهم عليه حيّان، وانصرف إلى جرجان.
فأمّا سبب تغريم يزيد حيّان مائتي ألف درهم وخوفه أنّه لا يناصحه، فهو أنّ مخلد بن يزيد كان ببلخ ويزيد يومئذ بمرو، وعرض لحيّان ما احتاج فيه إلى مكاتبة مخلد. فأحضر كاتبه وأملى عليه:
« من حيّان مولى مصقلة إلى مخلد بن يزيد. » فقال له ابنه مقاتل بن حيّان:
« يا أبه تكتب إلى مخلد وتبدأ بنفسك. » فقال:
« نعم يا بنيّ. فإن لم يرض لقي ما لقي قتيبة. » وتمّم كتابه وأنفذه إلى مخلد. فبعث مخلد بالكتاب إلى أبيه يزيد فأغرمه يزيد مائتي ألف درهم.