« إن كنتم لا بدّ مفارقيّ وطلبتم الأمان فاطلبوه وأنا شاهد، فإنّه أجدر أن يجيبوكم، وإن ارتحلت قبل ذلك لم تعطوا الأمان. » فقالوا:
« ارتحل أنت عنّا وخلّنا. » ثم بعثوا من يطلب لهم الأمان، فوصل أسدا الرّسول وأحسن إليه.
فقال الرّسول:
« إنّ القوم في القلعة، ليس لهم طعام ولا ماء. » فغدر بهم وسرّح أسد جديعا الكرماني في ستّة آلاف. فلمّا كان بينه وبين القلعة فرسخ أو دونه، نزل حتى وافاهم قوم فيهم المهاجر بن ميمون في جماعة مستأمنة. فتركهم حتى اجتمعوا. ثم خطبهم فقال بعد حمد الله والثّناء عليه:
« يا أهل بلخ، لا أجد لكم مثلا غير الزّانية من أتاها أمكنته من رجلها.
أتاكم الحارث في ألف من العجم فأمكنتموه من مدينتكم، فقتل أشرافكم وطرد أميركم. ثم سرتم معه مكانفيه إلى مرو فخذلتموه. ثم انصرف إليكم منهزما، فأمكنتموه من المدينة. والّذى نفسي بيده، لا يبلغني عن رجل منكم كتب كتابا إليهم في سهم إلّا قطعت يديه ورجليه. فأمّا من كان معي من أهل مرو فهم خاصّتى، ولست أخاف غدرهم. » ثم نهد إلى القلعة وحصرها وكان القوم مجهودين، قد جاعوا وعطشوا.
فنادى مناديه أن:
« قد نبذنا إليكم بالعهد. » وقاتلوهم. فسألوا أن ينزلوا على الحكم وتترك نساؤهم وأولادهم، فنزلوا على حكم أسد. وأقام حتى رجع إليه جواب كتابه من أسد على يد المهلّب بن عبد العزيز العتكيّ بكتاب يقول فيه:
« احمل إليّ خمسين رجلا منهم، وليكن فيهم المهاجر بن ميمون وأمثاله من وجوههم. » ففعل، فقتلهم أسد.
وكتب إلى الكرماني أن يصيّر الّذين بقوا عنده أثلاثا. فثلثا يصلبهم، وثلثا يقطع أيديهم وأرجلهم، وثلثا يقطع أيديهم. ففعل ذلك الكرماني وباع أثقالهم وذراريّهم كما حكينا.
موت علي بن عبد الله بن العباس
وفي هذه السّنة مات عليّ بن عبد الله بن العبّاس وله ثمان وسبعون سنة، وكان ولد في الليلة الّتى ضرب فيها عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - فسمّاه عبد الله بن العبّاس أبوه عليّا وكنّاه أبا الحسن وقال:
« سمّيته باسم أحبّ النّاس إليّ. »
ودخلت سنة تسع عشرة ومائة
وفيها لقي أسد صاحب التّرك، فقتله وغنم كلّ ما معه، وقتل خلقا، وسلم أسد والمسلمون.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة
لمّا دخل أسد الختل كتب ابن السّائجى إلى خاقان يعلمه دخول أسد الختّل، وتفرّق جنده، وأنّه بحال مضيعة.
وكان ابن السّائجى هذا استخلفه السّيل عند موته وأوصى إليه. وسيجيء خبره إن شاء الله.
فلمّا أتاه كتابه تجهّز، وكان لخاقان مرج وجبل حمى لا يقربها أحد. فصاد ما في المرج ثلاثة أيام وما في الجبل ثلاثة أيام. فتجهّزوا ودبغوا جلود الصّيد، واتّخذوا أوعية، واتّخذوا القسّى والنّشّاب، ودعا خاقان ببرذون مسرّج ملجم، وأمر بشاة فقطّعت، ثم علّقها في معاليق سرجه، وأخذ شيئا من ملح، فصيّره في كيس وجعله في منطقته، وأمر كلّ تركيّ أن يفعل مثل ذلك وقال:
« هذا زادكم حتى تلقوا العرب بالختّل. » فلمّا أحسّ ابن السّائجى بخاقان قد أقبل، بعث إلى أسد:
« أخرج عن الختّل، فإنّ خاقان قد أظلّك. » فشتم أسد رسوله ولم يصدّقه. فبعث صاحب الختّل:
« إني لم أكذبك، وأنا الّذى أعلمته دخولك وتفرّق جندك. وأعلمته أنّها فرصة له، وسألته المدد. غير أنّى نظرت فرأيت أنّك قد أمعرت البلاد وأصبت الغنائم. فإن لقيك على هذه الحالة ظفر بك، وعادتنى العرب أيضا ما بقيت، واستطال عليّ خاقان، واشتدّت مؤنته، وأمتنّ عليّ يقول: أخرجت العرب من بلادك ورددت عليك ملك. » فعرف أسد أنّه صدقه، فأمر بالأثقال أن تقدّم، وولّى عليها إبراهيم بن عاصم العقيليّ، وهو الّذى ولى سجستان بعد، وأخرج معه المشيخة. فسارت الأثقال.
وكتب أسد إلى داود بن شعيب والأصبغ بن ذؤالة الكلبي وقد كان وجّهها في وجه أنّ خاقان قد أقبل. فانضمّا إلى الأثقال مع إبراهيم بن عاصم. ووقع إلى داود والأصبغ رجل دبوسى، فأشاع أنّ خاقان قد هزم المسلمين وقتل أسدا.
فقال الأصبغ:
« إن كان أسد ومن معه أصيبوا، فإنّ فيئتنا هشام ننحاز إليه، فإنّ الله حيّ قيّوم وجنود المسلمين كثير. » قال داود:
« [ أ ] فلا ننظر ما فعل أسد فنخرج على علم؟ » قال: « بلى. » فسارا حتى شارفا عسكر إبراهيم. فإذا هما بالنّيران.
فقال داود: « هذه نيران المسلمين، لأنّها متقاربة، ونيران الأتراك متفرّقة. »
فقال الأصبغ: « هم في مضيق. » ثم دنوا، فسمعوا نهيق الحمير.
فقال داود:
« أما علمت أنّ التّرك ليس لهم حمير؟ » فقال الأصبغ:
« أصابوها بالأمس، ولم يستطيعوا أكلها في يوم ولا اثنين. » فقال داود:
« نسرّح فارسيّين فيكبّران. » فبعثا إلى العسكر بهما. فلمّا دنوا منهم كبّرا، فأجابهما أهل العسكر بالتكّبير.
فأقبلوا إلى العسكر الّذى فيه الأثقال، ومع إبراهيم أهل الصّغانيان وصاغان خذاه. فضامّا إبراهيم بن عاصم.
وأقبل أسد يريد أن يخوض نهر بلخ، وقد كان إبراهيم قطعه بالسّبى وجميع ما أصاب. فلمّا أشرف أسد على النّهر، وقد أتاه أنّ خاقان قد سار من الشومان سبع عشرة ليلة، قام إليه أبو نميلة بن بحر وعبد الرّحمن بن حيفر الأزديان، فقالا:
« أصلح الله الأمير، إنّ الله قد أحسن بلاءك في هذه الغزوة، فغنمت وسلمت، فاقطع هذه النّطفة واجعلها وراء ظهرك. » فأمر بهما، فوجئت رقابهما وأخرجا من العسكر، وأقام يومه.
فلمّا كان من الغد ارتحل وفي النّهر ثلاثة وعشرون موضعا يخوضه النّاس، وموضع فيه مجتمع ماء يبلغ دفّتى السّرج. فخاضه النّاس. وأمر أن يحمل كلّ رجل شاة، وحمل هو نفسه شاة.
وقال له غسّان بن عبيد الله بن مطرّف بن الشّخّير:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« أيها الأمير، إنّ الّذى أنت فيه من حمل الشّاء، ليس له خطر، وقد فرّقت النّاس، وشغلتهم وأظلّك عدوّك، فدع هذه الشّاء لعنة الله عليها ومر النّاس بالاستعداد. » فقال أسد:
« والله، لا يعبر رجل ليس معه شاة حتى تفنى هذه الغنم، الفارس يحملها بين يديه، والرّاجل على عنقه. » وخاض النّاس.
فلمّا حفرت سنابك الخيل النّهر، صار بعض المواضع مخائض يقع فيها الرجل. فأمر أسد بالشّاء أن تقذف ويخوضوا. فما استتمّ النّاس العبور حتى طلعت عليهم التّرك بالدّهم، فقتلوا من لم يقطع النّهر، وجعل النّاس يقتحمون، وركب أسد إلى النّهر، وأمر بالإبل أن يقطع بها النّهر حتى يحمل عليها الأثقال. وأقبل رهج من ناحية الختّل، فإذا خاقان. فلمّا توافى معه صدر من جنده حمل على الأزد وبنى تميم، وكانوا على مسلحة خلّفهم أسد على الضّعفة من النّاس.
فلمّا حمل عليهم خاقان انكشفوا، وركض أسد حتى انصرف إلى عسكره، وبعث إلى أصحاب الأثقال الّذين كان قد سرّحهم أمامه أن:
« انزلوا وخندقوا مكانكم في بطن الوادي. » وأقبل خاقان، فظنّ المسلمون أنّه لا يقطع النّهر إليهم. فلمّا نظر خاقان إلى النّهر أمر الإسكند، وهو يومئذ اصبهبذ، أن يسير في الصّفّ. وسأل الفرسان وأهل البصر بالحرب:
« هل يطاق قطع النّهر والحملة على أسد؟ » وكلّهم يقول:
« لا يطاق. » حتى انتهى إلى استجن فقال:
« بلى يطاق، لأنّنا خمسون ألف فارس، فإذا نحن اقتحمنا دفعة واحدة ردّ بعضنا عن بعض الماء، فذهبت جريته. » قال: فضربوا بكوساتهم. فظنّ أسد ومن معه أنّه منهم وعيد، فأقحموا دوابّهم، فجعلت تنخر أشدّ النّخير. فلمّا رأى المسلمون إقحام التّرك ولّوا إلى العسكر، وعبرت التّرك، فسطع رهج شديد لا يبصر الرّجل دابّته ولا يعرف بعضهم بعضا، ودخل المسلمون عسكرهم وحوى التّرك ما كان خارجا، وخرج الغلمان بالبراذع والعمد، فضربوا وجوه التّرك، فأدبروا. وبات أسد وعبّأ من الليل تخوّفا من غدوّ خاخان. فلمّا أصبح لم ير شيئا، ودعا وجوه النّاس واستشارهم.
فقالوا له:
« اقبل العافية. » قال:
« ما هذه عافية، بل هذه بليّة، لقينا خاقان أمس، فظفر وأصاب من الجند والسّرح، فما منعه اليوم منّا إلّا أنّه قد وقع في يده أسرى فأخبروه بموضع الأثقال. » فكان هذا رأيا جيّدا وحديثا صوابا من أسد، وقد علم العدوّ أنّ الثقل أمامنا، فترك لقاءنا طمعا فيها.
ثم ارتحل أسد وبعث أمامه الطّلائع. فرجع بعضهم فأخبره أنّه عاين طوقات الأتراك وأعلاما من أعلام اسكند، فسار [ والدوابّ ] مثقلة. فقيل له:
« انزل أيّها الأمير واقبل العافية. » فقال:
« واين العافية فأقبلها، إنّما هي بليّة ذهاب الأموال والأنفس. » فلمّا صار الى منزل وأمسى، استشار النّاس:
« أتنزلون أم تسيرون؟ » فقال النّاس:
« اقبل العافية، وما عسى أن يكون من ذهاب الأثقال بعافيتنا وعافية أهل خراسان » ونصر بن سيّار مطرق.
فقال أسد:
« مالك يا بن سيّار لا تتكلّم؟ »
فقال: « أصلح الله الأمير، خلّتان كلتاهما لك: إن تسر تغث الأثقال وتخلّصهم، وإن أنت انتهيت إليهم وقد هلكوا، فقد قطعت قحمة لا بدّ من قطعها. » فقبل رأيه وسار يومه كلّه.
قال: ودعا أسد قبل أن يسير سعيدا الصّغير، وكان عالما بطريق الختّل فارسا، وكتب معه كتابا إلى إبراهيم يأمره بالاستعداد ويعلمه أنّ خاقان طواه وتوجّه إلى ما قبلك. ثم قال له:
« سر بالكتاب إلى إبراهيم حيث كان قبل الليل، فإن لم تفعل فأسد بريء من الإسلام إن لم يقتلك، وأنت لحقت بالحارث هربا مني، فعليّ مثل الّذى حلفت. إني أبيع أمرأتك دلال في سوق بلخ، وجميع أهل بيتك. » قال سعيد:
« فادفع إليّ فرسك الكميت الذّنوب. » قال:
« لعمري، لئن جدت بدمك وبخلت عليك بالفرس، إني للئيم. » فدفعه إليه وسار على دابّة من جنائبه وغلامه على فرس معه فرس أسد يجنبه. فلمّا حاذى غبرة طلائع التّرك تحوّل إلى فرس أسد، فطلبته الطّلائع، فركض ولم يلحقوه. وأتى إبراهيم بالكتاب وتبعه بعض الطّلائع حتى وافوا عسكر إبراهيم والأثقال. فرجعوا إلى خاقان فأخبروه. فغدا خاقان اليوم الثاني على الأثقال وقد خندق إبراهيم خندقا والنّاس قيام عليه. فأمر خاقان أهل السّغد بقتالهم. فلمّا دنوا من مسلحة المسلمين، ثاروا في وجوههم فهزموهم، وقتلوا منهم رجلا.
فقال خاقان:
« اركبوا. » وصعد تلّا مشرفا، وجعل ينظر العورة، ووجّه المقاتلة وكذا كان يفعل ينفرد في رجلين أو ثلاثة، فإذا رأى عورة أمر جنوده فحملت من ناحية العورة.
ذكر ظفر خاقان ثم انهزامه باتّفاق حسن مع تدبير جيّد وجدّ في المسير من أسد حتى رجع كيد العدوّ عليه وسلم المسلمون وأثقالهم
ولمّا صعد خاقان التّلّ رأى خلف العسكر جزيرة ودونها مخاضة. فدعا بعض قوّاد التّرك، فأمرهم أن يقطعوا فوق العسكر في مقطع وصفه، ثم ينحدروا، في الجزيرة، حتى يأتوا عسكر المسلمين من ورائهم، وأمرهم أن يبدءوا بالأعاجم وأهل الصّغانيان وقد عرفهم بأبنيتهم وأعلامهم. وقال لهم:
« إن أقام القوم في خندقهم وأقبلوا إليكم دخلنا نحن خندقهم، وإن ثبتوا لنا، فادخلوا من دبره عليهم. » ففعلوا، ودخلوا عليهم من ناحية الأعاجم، فقتلوا صاغان خذاه، ودخلوا عسكر إبراهيم، فأخذوا عامّة ما فيه، وترك المسلمون التّعبئة، واجتمعوا في موضع وأحسّوا بالهلاك، فإذا رهج قد ارتفع وتربة سوداء، وإذا أسد في جنده قد أتاهم، فجعلت التّرك ترتفع عنهم إلى الموضع الّذى فيه خاقان وإبراهيم يتعجّب من كفّهم، وقد ظفروا، وقتلوا من قتلوا، بعد إصابتهم الغنيمة، وهو لا يطمع في أسد.
وكان أسد قد أغذّ السّير، فأقبل أسد حتى وقف على التّلّ الّذى عليه خاقان، وتنحّى خاقان إلى ناحية الختّل، وخرج إلى أسد من كان بقي من أصحاب إبراهيم وقد قتل منهم بشر كثير ومشيخة من خزاعة. وخرجت امرأة صاغان خذاه إلى أسد فبكت زوجها، وبكى أسد معها حتى علا صوته.
وانصرف خاقان على طريق طخارستان وهناك الحارث بن سريج، فانضمّ الحارث إلى خاقان، وسار معه في أصحابه، ومضى أسد إلى بلخ، فعسكر في مرجها حتى الشّتاء، وكان الحارث يقول لخاقان:
« إنّه لا نهوض بأسد، وقد تفرّق عنه العسكر. » فبثّ خاقان جنده في الغارات على النّواحى وأقبل حتى نزل جزّة، فأمر بالنّيران، فرفعت على أعلى المدينة. فجاء النّاس من الرّساتيق إلى مدينة بلخ.
فأصبح أسد وصلّى، وخطب النّاس وقال:
« إن عدوّ الله الحارث بن سريج استجلب طاغية التّرك ليطفئ نور الله ويبدّل دينه، وإنّ عدوّكم قد أصاب من إخوانكم ما أصاب، فإن يرد الله نصركم لم يضرركم قلّتكم وكثرتهم، فاستنصروا الله. » ثم وضع جبهته لله عز وجل، ودعا، فأمّنوا عليه، ثم رفعوا رؤوسهم وهم لا يشكّون في الفتح. ثم نزل عن المنبر وضحّى، وكان يوم الأضحى، وشاور النّاس في المسير إلى خاقان.
فقال قوم:
« أنت شاب لا تتخوّف من غارة على دابّة ولا شاة إلّا ما لا خطر فيه لخروجك. » فقال:
« والله لأخرجنّ، فإمّا ظفر وإمّا شهادة. » ثم أخذ من جبلة بن أبي داود مائة وعشرين ألف درهم، وأمر النّاس بعشرين عشرين، ومعه من جنود خراسان وأهل الشّام سبعة آلاف رجل.
فاستخلف على بلخ الكرمانيّ، وأمره أن لا يدع أحدا يخرج من مدينتها وإن ضرب التّرك باب المدينة.
فقال نصر بن سيّار الليثي والقاسم بن بخيت وجماعة أمثالهم وسعيد الصّغير:
« أصلح الله الأمير، ائذن لنا في الخروج ولا تهجّن طاعتنا. » فأذن لهم وخرج فنزل بابا من أبواب بلخ، وصلّى بالنّاس ركعتين طوّلهما، ونادى في النّاس:
« ادعوا الله. » وأطال الدّعاء بالنّصر وأمّن النّاس على دعائه.
ثم انتقل من دعائه فقال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« نصرتم وربّ الكعبة إن شاء الله. » ثلاث مرّات.
ثم نادى مناديه: « بريت الذّمّة من رجل حمل امرأة. » وسار، فلمّا كان عند قنطرة عطاء، قال لمسعود بن عمرو:
« أبغنى خمسين رجلا وراية أخلّفهم على هذه القنطرة، فلا يدع أحدا ممّن جازها أن يرجع. » وكان مسعود هذا يخلف الكرمانيّ بحضرته. فقال مسعود:
« من أين أجد خمسين رجلا؟ » فأمر به فصرع عن دابّته وضرب. ثم أمر بضرب عنقه. فتكلّم فيه قوم، فكفّ عنه.
وسار منزلا وأقام حتى أصبح، فقال له بعضهم:
« ليتمّ الأمير على المقام يومه حتى يتلاحق النّاس. »
فأمر بالرّحيل وقال:
« لا حاجة لنا في المتخلّفين. » ثم جعل على مقدّمته سالم بن منصور تفألا باسمه. فلقى ثلاثمائة من التّرك طليعة لخاقان. فأسر قائدهم وسبعة معه وهرب بقيّتهم، فأتى به أسدا، فبكى التّركيّ. فقال أسد:
« ما يبكيك؟ » فقال:
« لست أبكى لنفسي، وإنّما أبكى لهلاك خاقان. » قال:
« وكيف؟ » قال:
« لأنّه فرّق خيله في ما بينه وبين مرو. » وسار أسد حتى إذا شارف العين الحارّة استقبله بشر بن رزين، فقال:
« ما وراءك؟ » قال:
« إن لم تلحقنا غلبنا على مدينتنا. » فقال:
« قل للمقدام بن عبد الرّحمن يطاول نزّ رمحي. » وسار فنزل مدينة الجوزجان وقد استباحها خاقان. فأتاه المقدام بن عبد الرّحمن في مقاتلته وأهل الجوزجان، وانصرفت طلائع الخاقان إليه، فأخبرته أنّ رهجا ساطعا من قبل بلخ طلع.
فدعا خاقان الحارث فقال:
« ألم تزعم أنّ أسدا ليس به نهوض؟ وهذا رهج من ناحية بلخ. » فقال الحارث:
« هذا هو اللصّ الّذى كنت أخبرتك أنّه من أصحابي. » فبعث خاقان طليعة وقال:
« أنظروا هل ترون على الإبل سريرا وكراسيّ » فجاءته الطلائع، فأخبرته أنّهم عاينوها.
فقال خاقان:
« اللصوص لا يحملون الأسرّة والكراسيّ. هذا أسد قد أتاك. » فسار أسد غلوة، فلقيه سالم بن منصور فقال:
« أبشر أيّها الأمير، حزرتهم فلا يبلغون أربعة آلاف، وأرجو أن يكون عقيرة الله. » وسار أسد على تعبئة، ميمنة وميسرة وقلبا، وعبّى خاقان مثل ذلك وجعل على ميمنته الحارث بن سريج وأصحابه وملك السّغد وصاحب الشّاش وصاحب الختّل والتّرك كلّهم معه. فلمّا التقوا حمل الحارث ومن معه على الميسرة، وفيها ربيعة وأهل الشّام، فما ثبت له أحد، وانهزموا، فلم يردّهم شيء دون رواق أسد، ثم شدّت عليهم ميمنة أسد وهم الأزد وبنو تميم والجوزجان، فانهزم الحارث والأتراك، فحمل النّاس جميعا.
فقال أسد:
« اللهمّ إنّهم عصوني فانصرهم. »
وذهب التّرك عباديد لا يلوى بعضهم على، بعض، وتبعهم النّاس يقتلون من لحقوا منهم، حتى انتهوا إلى أغنامهم، فاستاقوا أكثر من خمسين ومائة ألف رأس، ودوابّ كثيرة، وأخذ خاقان غير طريق الجادّة في الجبل، والحارث بن سريج يحميه، وهاجت ريح الحرب الّتى تسمّى الهفّافة، فهزمهم الله تعالى.
فقال الجوزجان لعثمان بن عبد الله بن الشّخّير:
« إني أعلم ببلادي وطرقها، فهل لك في أمر فيه هلاك خاقان ولك فيه ذكر ما بقيت؟ فقال:
« وما هو؟ » قال:
« تتبعني. » قال:
« نعم. » فأخذ به طريقا يسمّى ورادك، فأشرفوا على طوقات خاقان وهم آمنون، فأمر خاقان بالكوسات فضربت ضربة الانصراف وقد شبّت الحرب، فلم يقدر التّرك على الانصراف ثم ضربت الثّانية، فلم يقدروا لاشتغالهم. فحمل ابن الشّخّير والجوزجان على الطوقات، ووليّ خاقان مدبرا، فحوى المسلمون عسكرهم، وتركوا قدورهم تغلى ونساءهم مع نساء العرب كنّ معهم، ووحل بخاقان دابّته، فحماه الحارث بن سريج، وأراد خصّى لخاقان أن يحمل امرأة خاقان، فأعجلوه عن ذلك، فطعنها بخنجر، فلحقوها وهي تتحرّك، فأخذوا خفّها وهو من لبود مضرّب، ووجد عسكر التّرك مشحونا من كلّ شيء من آنية الفضّة وصنّاجاتهم وأمتعتهم. وبعث أسد بجوارى التّرك إلى دهاقين خراسان، فاستنقذ من كان في أيديهم من المسلمين، وانصرف أسد إلى بلخ اليوم التّاسع من خروجه، فقال ابن السّجف المشاجعى:
لو سرت في الأرض تقيس الأرضا ** تقيس منها طولها والعرضا
لم تلق خيرا مرّة ونقضا ** من الأمير أسد وأمضى
أفضى إلينا الخير حين أفضى ** وجمع الشّمل وكان رفضا
ما فاته خاقان إلّا ركضا ** قد فضّ من جموعه ما فضّا
يا ابن سريج قد لقيت حمضا ** حمضا به يشفى صداع المرضى
وأصاب أسد أربعة آلاف درع، وكان أسد يوجّه النّاس في السّرايا، فكانوا لا يزالون يصيبون جماعة من التّرك.
ومضى خاقان إلى بلاده، فلمّا ورد سروشنه، تلّقاه خرّابغره جدّ كاوس أبي الأفشين باللعّابين، وأعدّ له هدايا عظيمة ودوّاب له ولجنده. وكان الّذى بينهما متباعدا، ولكنّه لمّا رجع منكوبا، أحبّ أن يتّخذ عنده يدا، فأتاه بكلّ ما يقدر عليه. فلمّا رجع خاقان إلى بلاده أخذ في الاستعداد للحرب ومحاصرة سمرقند. وحمل الحارث بن سريج وأصحابه على خمسة آلاف برذون، وفرّق في أصحابه مثلها.
ثم إنّه لاعب يومّا كورصول بالنّرد على خطر تدرجة، فقمر كورصول الرقشى، فطلب منه التدرجة، فقال أحدهما: أنثى، وقال الآخر: ذكر. وتأدّى التّنازع إلى أن رفع يده فضرب يد خاقان، فأوهنه، فحلف خاقان ليكسرنّ يد كورصول، فتنحّى كورصول من بين يديه، وجمع جمعا، ثم بيّت خاقان فقتله، وتفرّق عنه التّرك، فتركوه مجرّدا، حتى أتاه عظماء التّرك، ودفنوه، وصنع به ما يصنع بمثله، وتفرّقت التّرك في الغارات بعضها على بعض، وانحاز بعضهم إلى الشّاش. فعند ذلك طمع أهل السّغد في الرّجعة إليها، فلم يسلم من خيل التّرك الّتى تفرّقت في الغارات إلّا زرابر الكسّى، فإنّه سلم حين صار إلى طخارستان.
ذكر اتفاق حسن اتفق لمقاتل بن حيان من غير قصد منه
كان أسد بعث من مدينة بلخ رجلا يعرف بسيف بن وصّاف إلى هشام يخبره بما أظلّه من الخطب العظيم، ويستمدّه. فلمّا وصل إليه أخبره، فلم يصدّقه هشام، وقال لحاجبه:
« ويحك، إنّ هذا الشيخ قد أتانا بالطّامّة الكبرى إن كان صادقا، ولا أظنّه صادقا، اذهب به، فغدّه، ثم سله، وأتنى بما يقول. » ففعل، ثم سأله فأخبره بما أخبر به هشاما، فدخل عليه أمر عظيم، وصرفه.
ثم دعاه بعد أيّام بسيرة، وقال له:
« من القاسم بن بخيت منكم؟ » قال:
« ذاك، صاحب العسكر. » قال:
« فإنّه قد أقبل. » قال:
« فإن كان قد أقبل، فقد فتح الله عز وجل على أمير المؤمنين. » وكان أسد وجّهه حين فتح عليه، فأقبل القاسم بن بخيت، فكبّر على الباب، ثم دخل يكبّر وهشام يكبّر معه حتى انتهى إليه. فقال:
« الفتح يا أمير المؤمنين. »
وأخبره الخبر. فنزل هشام عن سريره، فسجد سجدة الشّكر، وهي واحدة عندهم. فحسدت القيسيّة أسدا وخالدا، وقالوا لهشام:
« اكتب إلى خالد فليأمر أخاه أن يوجّه مقاتل بن حيّان. » فكتب إليه، فدعا أسد مقاتل بن حيّان على رؤوس النّاس وقال له:
« سر إلى أمير المؤمنين، فأخبره بما عاينت، وقل الحقّ، وأنت لا تقول غير الحق إن شاء الله، وخذ من بيت المال حاجتك. » فقال النّاس:
« إنّه لا يأخذ شيئا، أعطه من المال كذا وكذا، ومن الكسوة كذا. » وجهّزه. فسار حتى قدم على هشام وهو والأبرش جالسان. فسأله، فقال:
كان من أمرنا كيت وكيت. إلى أن قال:
« قصدنا خاقان، فساق من الذّراريّ وأهل البلدان بعد أن قاتلناه كذا يوما، ثم واقعناه وهو لا ينتظر، فحملوا على ميسرتنا فكشفوهم، ثم حملت ميمنتنا فهزمناهم، ثم تبعناهم حتى استبحنا عسكر خاقان بما فيه من النّساء والذّراريّ والآلات. » وكان هشام متكئا، فاستوى جالسا عند ذكر خاقان، وقال ثلاثا:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« أنتم استبحتم عسكر خاقان؟ » قال:
« بلى » قال:
« حاجتك. » قال:
« إنّ يزيد بن المهلّب أخذ من أبي حيّان من غير حقّ مائة ألف. » فقال هشام:
« لا أكلّفك شاهدا، أحلف بالله، إنّه لكما قلت. » فحلف، فردّها عليه من بيت مال خراسان، وكتب إلى خالد أن يكتب إلى أسد فيها. فكتب إليه، فأعطاه مائة ألف، فقسمها بين ورثة حيّان على فرائض الله.
خروج المغيرة بن سعيد على خالد بن عبد الله
وفي هذه السّنة خرج على خالد بن عبد الله المغيرة بن سعيد وبيان في نفر، فأخذهم وقتلهم.
ذكر السبب في ذلك
أمّا المغيرة بن سعيد، فكان يتشيّع، ثم نسبت إليه أمور شنيعة فيها تزيّد وإسراف.
فأحدها ما حكاه صاحب التّاريخ على ما أخبرنا به القاضي عن محمّد بن جرير الطّبري، قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا جرير عن الأعمش، قال سمعت المغيرة بن سعيد يقول:
« لو أراد عليّ أن يحيى عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا، لأحياهم. » قال الأعمش:
« كان المغيرة يخرج إلى المقبرة، فيتكلّم فيرى مثل الجراء على القبور. » ونحو هذا من الكلام.
وحكيت عنه حكايات عظيمة.
فلمّا أخذ خالد المغيرة وأصحابه أتى بهم، وهم سبعة، وأمر بسريره، فأخرج إلى المسجد الجامع، وأمر بأطنان قصب ونفط، فأحضر، ثم أمر المغيرة أن يتناول طنّا، فكعّ وتأنّى، فصبّت السّياط على رأسه، فتناول طنّا فاحتضنه، فشدّ عليه، ثم صبّ عليه وعلى الطّنّ نفط، ثم ألهبت النّار، فاحترقا، ثم فعل بالرّهط مثل ذلك. ثم أمر بيانا آخرهم، فتقدّم إلى الطّنّ مبادرا، فاحتضنه، فقال خالد:
« ويلكم، في كلّ أمركم تحمقون، هلّا رأستم هذا إلّا المغيرة. » ثم أحرقه.
وكان هؤلاء يسمّون الوصفاء، وكان ظهورهم وخروجهم بظهر الكوفة، فأخبر خالد القسري بخروجهم وهو على المنبر، فقال:
« أطعمونى ماء. » وقيل فيه:
أ خالد لا جزاك الله خيرا ** وأير في حر أمّك من أمير
وقلت من المخافة أطعمونى ** شرابا، ثم بلت على السّرير
ولمّا قتل خالد المغيرة، أرسل إلى مالك بن أعين الجهني، فسأله، فصدّقه عن نفسه، فأطلقه. فلمّا خلا مالك بمن يثق به وكان فيهم أبو مسلم صاحب الدّعوة قال لهم:
ضربت لهم بين الطريقين لاحبا ** وطنت عليه الشّمس في من يطينها
وألقيته في شبهة حين سألني ** كما اشتبها في الخطّ سين وشينها
وكان يقول أبو مسلم حين ظهر أمره:
« لو وجدته لقتلته بإقراره على نفسه.
وفي هذه السّنة حكّم بهلول بن بشر الملقب كثارة فقتل
ذكر الخبر عن مخرجه ومقتله
كان بهلول يتألّه، وكان بدابق، وهو مشهور بالبأس والنّجدة عند هشام بن عبد الملك، فخرج يريد الحجّ. فلمّا كان بسواد الكوفة أمر غلامه أن يبتاع له خلّا بدرهم. فجاء غلامه إليه بخمر، فردّه وقال:
« استرجع الدّرهم. » فلمّا رجع الغلام لم يجبه البائع إلى ذلك، فجاء بهلول إلى عامل القرية، فكلّمه، فقال العامل:
« الخمر خير منك ومن قومك. » فمضى البهلول في حجّه حتى فرغ منه. ثم عزم على الخروج على السّلطان، فلقى بمكة من كان على مثل رأيه، فاتّعدوا قرية من قرى الموصل، واجتمع إليه أربعون رجلا، وأمّروا عليهم بهلول، وأجمعوا على أن لا يمرّوا بأحد إلّا أخبروا أنهم أقبلوا من عند هشام على بعض الأعمال، وجّههم إلى خالد لينفذهم في أعمالهم. فجعلوا لا يمرّون بعامل إلّا أخبروه بذلك وأخذوا منه دوابّ من دوّاب البريد. فلمّا انتهوا إلى القرية الّتى كان ابتاع الغلام فيها الخلّ فأعطى خمرا، قال له أصحابه:
« نحن نريد قتل خالد، فإن بدأنا بهذا شهرنا وحذرنا خالد وغيره، ولعلّ خالدا يفلت، وهو الّذى يهدم المساجد ويبنى البيع والكنائس، ويولّى المجوس على المسلمين، وينكح أهل الذّمّة المسلمات. » قال:
« لا والله، إن تركت هذا وأتيت خالدا لعلّى لا أظفر منه بما أريد ويفوتني هذا، والله يقول: « قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ من الْكُفَّارِ. » قالوا:
« أنت ورأيك. » فأتاه، فقتله، فنذر بهم النّاس، وعلموا أنهم خوارج، وابتدروا إلى الطّريق هرّابا، وخرجت البرد إلى خالد، فأعلموه أنّ خارجة خرجت وهم لا يدرون من رئيسهم.
فخرج خالد من واسط حتى أتى الحيرة في خلق كثير، وكان قدم في تلك الأيّام قائد من أهل الشّام من بنى القين، قد وجّهوهم مددا لعامل خالد على الهند، فنزلوا الحيرة. فقصدها خالد ودعا رئيسهم وقال له:
« قاتل هؤلاء المارقة، فإني أعطى من قتل منهم واحدا عطاء سوى ما قبض بالشّام وأعفيه من الخروج إلى أرض الهند. » وكان الخروج إلى أرض الهند شاقّا عليهم، فسارعوا إلى ذلك وقالوا:
« نقتل هؤلاء النّفر ونرجع إلى بلادنا. » فتوجّه القينيّ إليهم في ستّمائة، وضمّ إليهم خالد مائتين من شرط الكوفه. وقال القائد:
« لا تكونوا معنا. » وإنّما يريد في نفسه أن يخلو هو وأصحابه بالقوم، فيكون الظّفر لهم دون غيرهم لما وعدهم خالد.
وخرج إليهم بهلول، فسأل عن رئيسهم حتى عرف مكانه، ثم حمل عليه، فطعنه في فرج درعه فأنفذه، فقال:
« قتلتني، قتلك الله. » فقال بهلول:
« إلى النّار أبعدك الله. » وولّى أهل الشّام مع شرط أهل الكوفة منهزمين حتى بلغوا الكوفة وبهلول وأصحابه يقتلونهم.
فأمّا الشّاميّون، فمن كان منهم على خيول جياد فأتوه.
وأمّا الشرط فإنّه لحقهم، فقالوا:
« اتّق الله فينا فإنّا مكرهون مقهورون. » فجعل يقرع رؤوسهم برمحه ويقول:
« الحقوا، النّجا النّجا. » وأصاب البهلول مع القيني بدرة. وكان بالكوفة ستة نفر يرون رأى البهلول، فخرجوا يريدونه، فقتلوا. وخرج إليهم البهلول وحمل البدرة بين يديه، فقال:
« من قتل هؤلاء النّفر حتى أعطيه هذه الدّراهم؟ » فجعل هذا يقول، أنا، وهذا يقول: أنا. حتى عرفهم، وهم يرون أنّه من قبل خالد جاء ليعطيهم ثواب ما فعلوا.
فقال بهلول لأهل القرية.
« أصدق هؤلاء، هم قتلوا هؤلاء النّفر؟ » قالوا:
« نعم. » وكان خشي بهلول أن يكونوا ادّعوا ذلك طمعا في المال.
فقال لأهل القرية:
« انصرفوا أنتم. » وأمر بأولئك، فقتلوا.
وبلغ هزيمة القوم خالدا، فأنفذ إليهم جيشا مع قائد من بنى شيبان، فلقيهم بين الموصل والكوفة، فشدّ عليه البهلول، فقال:
« نشدتك الله والرّحم، فإني جانح مستجير. » فكفّ عنه وانهزم أصحابه. فأتى خالدا وهو بالحيرة، فلم يرعه إلّا الفلّ قد هجم عليه، وارتحل البهلول يريد الموصل، فكتب عامل الموصل إلى هشام أنّ خارجة خرجت وأنّه يخافهم ويسأله جندا يقاتلهم به.
فكتب إليه هشام:
« وجّه إليه كثارة بن بشر. » وكان هشام لا يعرف البهلول إلّا بلقبه. فكتب إليه العامل:
« إن الخارج هو كثارة! » وكان البهلول قال لأصحابه:
« ما نصنع بابن النّصرانية؟ يعنى خالدا وإنّما خرجت لله، فلم لا نطلب الرّأس الّذى يسلّط خالدا وأشباهه؟ » فتوجّه إلى الشّام يريد هشاما، فخاف عمّال هشام موجدته، إن تركوه يجوز بلادهم إليه. فجنّد له خالد جندا من العراق، وجنّد له عامل الجزيرة جندا من الجزيرة، ووجّه إليه هشام جندا من الشّام. فاجتمعوا بدير بين الجزيرة والموصل، وأقبل بهلول حتى انتهى إليهم، فنزل على باب الدير، فقالوا له:
« تزحزح عن باب الدّير حتى نخرج إليك. » فتنحّى وخرجوا. فلمّا رأى كثرتهم وهو في سبعين، جعل من أصحابه ميمنة وميسرة، ثم أقبل على أعدائه، فقال:
« أكلّكم يرجو أن يقتلنا ويسلم فيأتى أهله سالما؟ » قالوا:
« نعم، إنّا نرجو ذلك، إن شاء الله. » فشدّ على رجل عظيم من عظمائهم فقتله، وقال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)