مضي ابن عطية إلى مكة واليمن
ومضى ابن عطيّة إلى مكّة واستخلف على المدينة عروة بن الوليد بن محمّد بن عطيّة، ثم مضى من مكّة إلى اليمن واستخلف على مكّة ابن ماعز - رجل من أهل الشام - وبلغ عبد الله بن يحيى وهو بصنعاء مسيره فأقبل إليه بمن معه وقاتله فقتل عبد الله بن معاوية، وتفرّق أصحابه. ودخل ابن عطية صنعاء وبعث برأس عبد الله بن يحيى بن معاوية إلى مروان.
قتل قحطبة أهل جرجان
وفي هذه السنة قتل قحطبة من أهل جرجان زهاء ثلاثين ألف رجل وذلك أنّ أهل جرجان كان أجمع رأيهم بعد مقتل نباتة بن حنظلة على الخروج على قحطبة فبلغه ذلك. فدخل فاستعرضهم فقتل منهم من ذكرت.
رجع الحديث إلى قصة نصر مع أبي مسلم وقحطبة
ولمّا بلغ نصر بن سيّار، قتل نباتة ومن قتل من أهل جرجان وهو بقومس.
ارتحل حتى نزل خوار الريّ. وكتب أبو مسلم إلى زياد بن زرارة القشيري بعهده على نيسابور، وكتب إلى قحطبة يأمره أن يتبع نصرا فوجّه قحطبة العكّى على مقدّمته وسار حتى نزل نيسابور فأقام قحطبة بها شهر رمضان وشوّالا، ونصر نازل بقرية من قومس. فكتب نصر إلى ابن هبيرة يستمدّه ويعظّم الأمر عليه، فحبس ابن هبيرة رسله.
فكتب نصر إلى مروان:
« إني وجّهت إلى ابن هبيرة بوجوه أهل خراسان ليعلموه شدّة الأمر عندنا وسألته المدد فاحتبس رسلي ولم يمدّنى بأحد، وإنّما أنا بمنزلة من أخرج من حجرته إلى داره، ثم أخرج من داره إلى فناء داره، فإن أدركه من يعينه فعسى أن يعود إلى داره، وإن أخرج إلى الطريق فلا بقيّة له. » فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمدّ نصرا، وأجاب نصرا يعلمه ذلك.
فكتب نصر إلى ابن هبيرة يسأله أن يعجّل إليه الجند، فإني قد كذبت أهل خراسان حتى ما يصدّق أحد منهم لي قولا فأمدّنى بعشرة آلاف قبل أن تمدّنى بمائة ألف ثم لا تغنى شيئا.
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائة
وارتحل نصر من قومس حتى نزل الخوار وأميرها أبو بكر العقيلي وكان قحطبة وجّه ابنه الحسن إلى قومس ثم وجّه قحطبة أبا كامل وأبا القاسم بن محرز بن إبراهيم وأبا العبّاس المروزي إلى الحسن في سبعمائة، فلمّا كانوا قريبا منه انحاز أبو كامل وترك عسكره وأتى نصرا فصار معه، وأعلمه مكان الجند الذين خلفهم، فوجّه نصر إليهم جندا، فأتوهم وهم في حائط، فحصروهم فنقّب عليهم فهرب القوم وخلّفوا متاعهم، فأخذه أصحاب نصر، فبعث به نصر إلى ابن هبيرة.
وكان ابن هبيرة قد أمدّ بغطيف في ثلاثة آلاف وقد بلغ الريّ فعرض غطيف لمّا أنفذه نصر وأخذ الكتاب من رسول نصر والمتاع وبعث به مع صاحبه إلى ابن هبيرة، فغضب نصر وقال:
« أبي يتلعّب ابن هبيرة؟ أيشغب عليّ بضغابيس قيس؟ أما والله لأدعنّه، فليعرفنّ أنّه ليس بشيء ولا ابنه الذي تربّض له الأشياء. » وسار نصر نحو الريّ وعلى الريّ حبيب بن بديل النهشلي، فلمّا بلغ غطيفا قرب نصر من الريّ خرج متوجّها إلى همذان، وفيها مالك بن أدهم بن محرز الباهلي، فلمّا رأى غطيف مالكا في همذان عدل منها إلى إصبهان، إلى عامر بن ضبارة. ولم يلتق نصر مع غطيف، ثم مرض نصر، وكان يحمل حملا وتوجّه إلى همذان فمات في الطريق.
وبلغ الحسن موت نصر، فبعث خزيمة بن خازم إلى سمنان، وأقبل قحطبة من جرجان، وقدّم أمامه زياد بن زرارة القشيري وكان زياد ندم على اتباع أبي مسلم، فانخزل عن قحطبة وأخذ طريق إصبهان يريد عامر بن ضبارة.
فوجّه قحطبة خلفه المسيّب بن زهير، فلحقه من غد العصر، فقاتله وانهزم زياد، وقتل عامّة من صحبه، ورجع المسيّب إلى قحطبة. ثم سار قحطبة إلى قومس، وبها ابنه الحسن، وقدم خزيمة بن خازم من الوجه الذي كان وجّهه فيه الحسن، وقدّم قحطبة ابنه الحسن إلى الريّ، وبلغ حبيب بن بديل النهشلي ومن معه من أهل الشام مسير الحسن فخرجوا عن الريّ، فقدمها الحسن وأقام حتى قدم أبوه، وكتب قحطبة إلى أبي مسلم بنزوله الريّ.
تحول أبي مسلم من مرو إلى نيسابور
وفي هذه السنة تحوّل أبو مسلم من مرو إلى نيسابور، وذلك لما ورد عليه كتاب قحطبة بنزوله الريّ، ووجّه قحطبة ابنه الحسن بعد نزوله الريّ بثلاث إلى همدان، فلمّا توجّه إليها خرج منها مالك بن أدهم فترك قوم من أصحاب مالك دواوينهم بعد أن بذلها لهم.
وسار مالك إلى نهاوند فيمن تبعه، وسار الحسن فنزل على أربعة فراسخ من المدينة، فأمدّه أبوه قحطبة بأبي الجهم بن عطية مولى باهلة في سبعمائة ووصّاه أن يحاصر المدينة. فذهب حتى حاصرها.
وفي هذه السنة قتل عامر بن ضبارة واستبيح عسكره.
ذكر الخبر عن ذلك وسببه
كان سبب ذلك أنّ ضبارة لمّا هزم عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، تبعه إلى كرمان ليلحقه، وورد على يزيد بن عمر بن هبيرة مقتل نباتة بن حنظلة بجرجان فكتب إلى عامر بن ضبارة وإلى ابنه داود بن يزيد بن عمر أن يسيرا إلى قحطبة وكان بكرمان، فسار في خمسين ألفا حتى نزلوا إصبهان بمدينة جيّ، فكان يقال لعسكر ابن ضبارة: عسكر العساكر.
فبعث قحطبة مقاتلا وأبا حفص المهلّبي وموسى بن عقيل ومالك بن طريف في جماعة أمثالهم وعليهم جميعا العكّيّ، فسار حتى نزل قم.
وبلغ ابن ضبارة نزول الحسن على أهل نهاوند فأراد أن يأتيهم مغيثا لهم، وبلغ الخبر العكّى فبعث إلى قحطبة يعلمه ووجّه زهير بن محمّد إلى قاسان. وخرج العكّى من قم وخلّف بها طريف بن عجلان فكتب إليه يأمره أن يلبث بقم متلوّما حتى يقدم عليه. وأقبل قحطبة من الرّى وبلغه تلاقى طلائع العسكرين، فلمّا لحق قحطبة بمقاتل بن حكيم العكّى، ضمّه مع عسكره إلى عسكره وسار عامر بن ضبارة إليهم و [ بينه وبين ] وعسكر قحطبة فرسخ. ثم نهد إليه فالتقوا وكان قحطبة في عشرين ألفا وابن ضبارة في مائة وخمسين ألفا، فأمر قحطبة بمصحف، فنصب على رمح ثم نادى:
« يا أهل الشام، ندعوكم إلى ما في هذا المصحف. » فشتموه وأفحشوا له في القول.
فقال قحطبة:
« احملوا على اسم الله. » فحمل عليهم العكي، فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم أهل الشام وقتلوا قتلا ذريعا، وحووا عسكرهم فأصابوا شيئا لا يدرى ما عدده من السلاح والمتاع والرقيق، وبعث بالفتح إلى ابنه الحسن.
ذكر السبب في ذلك
وكان السبب في هزيمة ابن ضبارة أنّه كان في خيل لا رجّالة، معه، وكان قحطبة معه خيل ورجّالة فلمّا رمى الرجّالة الخيل بالنّشاب، انهزم أصحاب ابن ضبارة، فنزل ابن ضبارة في العسكر ونادى:
« إليّ، إليّ. » فمضى أصحابه وطووه وقحطبة في أثرهم حتى انتهوا إلى ابن ضبارة فقتله.
وكان داود بن يزيد بن عمر بن هبيرة فيمن انهزم. فسأل عامر عنه، فقيل:
انهزم. فقال:
« لعن الله شرّنا منقلبا. » فقاتل حتى قتل.
وقعة قحطبة بنهاوند
وفي هذه السنة كانت وقعة قحطبة بنهاوند بمن كان لجأ إليها من جنود مروان بن محمّد.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة
لمّا قتل ابن ضبارة، وورد خبره على الحسن بن قحطبة، كبّر وكبّر جنده.
فقال عاصم بن عمير:
« ما صاح هولاء إلّا بقتل ابن ضبارة، فافرجوا عن الحسن بن قحطبة قبل أن يأتيه أبوه أو مدد من قبله. » فلا تقومون له.
فقال الرّجالة:
« تخرجون وأنتم فرسان على خيول فتذهبون وتخلّوننا. » فقال لهم مالك بن أدهم الباهلي:
« كتب إليّ ابن هبيرة ولا أبرح حتى يقدم عليّ. » فأقاموا وأقام قحطبة بإصبهان عشرين يوما، ثم سار حتى قدم على الحسن بنهاوند، فحصرهم ودعاهم إلى الأمان فأبوا، فوضع عليهم المجانيق. فلمّا اشتدّ عليهم الأمر، طلب مالك الأمان لنفسه ولأهل الشام، وأهل خراسان لا يعلمون.
فأعطاه الأمان فوفى لهم قحطبة ولم يقتل منهم أحدا وقتل من كان بنهاوند من أهل خراسان إلّا الحكم بن ثابت بن أبي مسعر. وقتل من أهل خراسان أبا كامل، وحاتم بن الحارث بن سريج، وابن نصر بن سيّار، وعاصم بن عمير، وعليّ بن عقيل، وبيهس بن بديل، ورجلا من ولد عمر بن الخطّاب يقال له:
البختريّ. ويقال إنّ قحطبة كان أرسل إلى أهل خراسان بنهاوند يدعوهم إلى الخروج إليه وأعطاهم الأمان. فأبوا ذلك. ثم أرسل إلى أهل الشام بمثل ذلك، فقبلوا الأمان وبعثوا إلى قحطبة أن:
« اشغل أهل المدينة حتى نفتح الباب وهم لا يشعرون. » ففعلوا ذلك. » وشغل قحطبة أهل المدينة بالقتال ففتح أهل الشام الباب الذي كانوا عليه، فلمّا رأى أهل خراسان الذين في المدينة خروج أهل الشام سألوهم عن سبب خروجهم فقالوا:
« أخذنا الأمان لنا ولكم. » فخرج رؤساء أهل خراسان، فدفع قحطبة كل رجل منهم إلى رجل من قوّاد أهل خراسان، ثم أمر مناديه أن ينادى:
« من كان في يده أسير ممّن خرج إلينا من المدينة فليضرب عنقه وليأتنا برأسه. » ففعلوا فلم يبق أحد من الذين كانوا هربوا من أبي مسلم وصاروا في ذلك الحصن إلّا قتل ما خلا أهل الشام، فإنّه خلّى سبيلهم وحلّفهم ألّا يمالئوا عليه عدوّا.
ووجّه قحطبة الحسن ابنه إلى مرج القلعة فقدّم الحسن خازم بن خزيمة إلى حلوان وعليها عبيد الله بن العلاء الكندي، فهرب من حلوان وخلّاها. ووجّه قحطبة أبا عون عبد الملك بن يزيد الخراساني، ومالك بن طواف الخراساني في أربعة آلاف إلى شهرزور وبها عثمان بن سفيان على مقدّمته عبد الله بن مروان، فقدم ابن عون وقاتل عثمان قتالا شديدا ثم هرب عثمان واستباح ابن عون عسكره.
ولمّا بلغ مروان خبر ابن عون وهو بحرّان ارتحل ومعه جنود الشام والجزيرة والموصل وحشرت معه بنو أميّة أبناءهم، وسار مقبلا حتى انتهى إلى الموصل. ثم أخذ في حفر الخنادق من خندق إلى خندق حتى نزل الزاب الأكبر. وأقام ابن عون بشهرزور وفرض بها لخمسة آلاف رجل.
مسير قحطبة نحو ابن هبيرة
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وفي هذه السنة سار قحطبة نحو ابن هبيرة. ولمّا قدم على ابن هبيرة ابنه منهزما من حلوان، خرج يزيد بن عمر بن هبيرة إلى قتال قحطبة في عدد كثير لا يحصى وكان مروان أمدّ ابن هبيرة بحوثرة بن سهيل الباهلي، فسار ابن هبيرة حتى نزل جلولا الوقيعة وخندق، فيقال: إنّه احتفر [ الخندق ] الذي كانت العجم الحتفرته أيام وقعة جلولا فأقام وأقبل قحطبة فارتفع إلى عكبرا، وأجاز قحطبة دجلة ومضى حتى نزل دمّما دون الأنبار وارتحل ابن هبيرة بمن معه منصرفا يبادر قحطبة إلى الكوفة حتى نزل فم الفرات في شرقيّة وقدّم حوثرة في خمسة عشر ألفا إلى الكوفة وقطع قحطبة الفرات من دممّا حتى صار في غربيّه، ثم سار يريد الكوفة حتى انتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة. فيقال: إنّ حوثرة بن سهيل أشار على ابن هبيرة وقال له:
« إنّ قحطبة قد مضى إلى الكوفة، فاقصد أنت لخراسان ودعه ومروان، فإنّك تكسره وبالحريّ أن يتبعك. » فأبى وقال:
« ما كنت لأدعه والكوفة بل أبادره إليها. » وقال قحطبة لأصحابه:
« هل تعلمون طريقا يخرجنا إلى الكوفة لا يمرّ بابن هبيرة؟ » فقال بعضهم:
« نعم، تعبر تامرّا من روستقباد وتلزم الجادّة إلى برزج سابور وعكبرا ثم تعبر دجلة إلى أوانا. » ويقال: إنّه لمّا بلغ الفرات سأل:
« هل هناك مخاضة؟ » فدّلوه عليها. فنزل قحطبة الجازية وقال:
« صدقنى الإمام، أخبرني أنّ النصر بهذا المكان. » وأعطى الجند أرزاقهم، فردّ عليه كاتبه ستّة عشر ألف درهم من فضل الدرهم والدرهمين وأقل وأكثر فقال:
« لا تزالون بخير ما كنتم على هذا. » ووافته مقدّمة خيول ابن هبيرة فلمّا انتهى ابن هبيرة إلى المخاضمة اقتحم في عدّة، فحملوا على أصحاب ابن هبيرة حتى انهزموا ومضى حوثرة حتى نزل قصر ابن هبيرة، وأصبح أهل خراسان وقد فقدوا أميرهم فألقوا بأيديهم، وعلى الناس الحسن بن قحطبة.
واختلف الناس في هلاك قحطبة، فزعم بعضهم أنّه غرق، وادّعى قتله غير واحد ممّن كان وتره، زعم كلّ واحد أنّه أصاب فرصته منه في الماء فقتله.
فقال الناس:
« أيّها الناس، من كان عنده عهد من قحطبة فليخبرنا به. » فقال مقاتل بن مالك العكّيّ:
« سمعت قحطبة يقول: إن حدث بي حدث فالحسن أمير الناس. » فبايع الناس حميد بن قحطبة للحسن أخيه، وأرسلوا إلى الحسن، فلحقه الرسول دون قرية شاها فرجع الحسن فأعطاه أبو الجهم خاتم أبيه، وبايعه الناس. فقال الحسن:
« إن كان قحطبة قد مات فأنا ابن قحطبة. » وكان أحد من ادّعى قتل قحطبة معن بن زائدة ويحيى بن حصين. وقال قوم: وجد قحطبة قتيلا في جدول، وحرب بن سلم بن أحوز قتيل إلى جنبه.
فظنّوا أنّ كلّ واحد منها قتل صاحبه.
وحكى عن قحطبة أنّه قال:
« إذا قدمتم الكوفة فوزير الإمام أبو سلمة، فسلّموا الأمر إليه. » ورجع ابن هبيرة إلى واسط بعد أن انهزم حوثرة. وأمر الحسن بن قحطبة بإحصاء ما وجد في عسكر ابن هبيرة، وأمر بحمل الغنائم في السفن إلى الكوفة.
وخرج محمّد بن خالد بن يزيد السرى بالكوفة وسوّد قبل أن يدخلها الحسن بن قحطبة وضبطها.
ذكر الخبر عما كان من أمره وضبطه الكوفة إلى أن وصل الحسن
ظهر محمّد بن خالد بالكوفة وسوّد وسار إلى القصر وعلى الكوفة يومئذ زياد بن صالح الحارثي. فارتحل زياد ومن معه من أهل الشام وخلّوا القصر، فدخله محمّد بن خالد فلمّا أصبح يوم الجمعة من غد يوم دخوله - وهو اليوم الثاني من مهلك قحطبة - بلغه نزول حوثرة ومن معه مدينة ابن هبيرة، وأنّه تهيّأ للمسير إليه. فتفّرق عن محمّد عامّة من معه حيث بلغهم ذلك، إلّا فرسانا من أهل الشام من اليمن كانوا هربوا من مروان ومواليه.
وراسله أبو سلمة الخلّال من غير أن يظهر له يأمره بالخروج من القصر واللحاق بأسفل الفرات وأنّه يخاف عليه لقلّة من معه وكثرة من مع حوثرة ولم يبلغ واحدا منهما هلاك قحطبة، فأبى محمّد بن خالد أن يفعل وتعالى النهار فتهيّأ حوثرة للمسير إلى محمّد بن خالد حيث بلغه قلّة من معه وخذلان العامّة إيّاه. فبينا محمّد في القصر إذ أتاه بعض طلائعه وقال:
« خيل قد جاءت من أهل الشام. » فوجّه إليهم عدّة من مواليه، فأقاموا بباب دار عمر بن سعد إذ طلعت رايات أهل الشام فتهيّأوا لقتالهم فنادى أهل الشام:
« نحن بجيلة وفينا مليح بن خلف البجلي جئنا لندخل في طاعة الأمير محمّد. »
فتركوهم ودخلوا ثم جاءت خيل أعظم من تلك فيها جهم بن الأصفح الكلبي. ثم جاءت خيل أعظم منها مع رجل من آل بحدل فلمّا رأى ذلك حوثرة من صنيع أصحابه ارتحل نحو واسط بمن معه.
وكتب محمّد بن خالد من ليلته إلى قحطبة وهو لا يعلم بهلاكه يعلمه أن قد ظفر بالكوفة، وعجّل به مع فارس، فقدم على الحسن بن قحطبة فقرأه على الناس. ثم ارتحل إلى الكوفة، وأقام محمّد بالكوفة الجمعه والسبت والأحد، وصبّحه الحسن يوم الاثنين، فأتوا أبا سلمة وهو في بنى مسلمة فاستخرجوه، فعسكر بالنخيلة يومين، ثم ارتحل إلى حمّام أعين.
ووجه الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هبيرة. وكان أبو سلمة يعرف بوزير آل محمّد حتى اتّهم.
حسن بن قحطبة يوجه إلى قتال ابن هبيرة
ولمّا وجّه الحسن بن قحطبة إلى قتال ابن هبيرة ضمّ إليه ستّة عشر قائدا منهم خازم بن خزيمة ومقاتل العكّى، وخفاف بن منصور، وأشباههم من الوجوه ووجّه حميد بن قحطبة إلى المدائن في قوّاد، وبعث خالد بن برمك إلى دير قنّى، وبعث شراجيل إلى عين التمر، ووجّه بسّام بن إبراهيم بن بسّام إلى الأهواز - وبها عبد الواحد بن عمر بن هبيرة - وبعث مع حفص بن سبيع إلى سفيان بن معاوية بعهده على البصرة وتقدّم إليهم بإظهار دعوة بنى العبّاس ويدعو إلى الإمام القائم منهم.
فأمّا بسّام فإنّه لمّا أتى الأهواز خرج منها عبد الواحد إلى البصرة. وأمّا سفيان فإنّه لمّا قدم عليه الكتاب والعهد قاتله سلم بن قتيبة ولم يسلّم له، وكان مبدأ قتاله إيّاه أنّ سفيان كتب إليه يأمره بالتحوّل عن دار الإمارة ويخبره بما أتاه من رأى أبي سلمة، فامتنع سلم وحشد إليه سفيان اليمانيّة وحلفاءهم من ربيعة وغيرها، وجنح إليه قائد من قوّاد ابن هبيرة كان بعثه مددا لسلم في ألفى رجل فأجمع السير إلى سلم بن قتيبة فاستعدّ سلم له وحشد من قدر عليه من قيس ومضر وموالي بني أمية وأشياعهم.
وسارت بنو أميّة الذين بالبصرة إلى نصره فقدم - سفيان في صفر، فأتى المربد سلم، فوقف منه في سوق الإبل، ووجّه الخيول في سكك البصرة للقاء من وجّه إليه سفيان. ونادى:
« من جاء برأس فله خمسمائة، ومن جاء بأسير فله ألف درهم. » ومضى ابن سفيان واسمه معاوية في ربيعة خاصّة، فلقيه خيل من تميم في سكّة فطعن رجل [ منهم ] فرس معاوية، فشبّ به وصرعه. ونزل إليه آخر فقتله وحمل رأسه إلى سلم بن قتيبة فأعطاه عشرة آلاف درهم فانكسر سفيان لقتل ابنه، فانهزم ومن معه وخرج من فوره هو وأهل بيته حتى أتوا القصر الأبيض فنزلوه، ثم ارتحلوا منه إلى كسكر. وتغلّب على البصرة سلم، ثم أتاه كتاب ابن هبيرة أن يصير إلى الأهواز، وتغلّب بالبصرة جماعة بقوا فيها أيّاما يسيرة. وقام أبو العبّاس السفّاح فولّاها سفيان بن معاوية.
[ تجارب العصر العباسي ]
خلافة أبي العباس السفاح
وفي هذه السنة بويع لأبي العبّاس عبد الله بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب، ليلة الجمعة لثلاث عشرة مضت من شهر ربيع الآخر. وقيل كان ذلك سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر الخبر عن خلافة أبي العباس وسببها
كان بدء ذلك - فيما ذكر - أنّ رسول الله أعلم العبّاس عمّه أنّ الخلافة تؤول إلى ولده. فلم يزل ولده يتوقّعون ذلك ويتداولون أخبارا بينهم ويسمون محمّد بن علي: أبا الأملاك. ولمّا خالف ابن الأشعث وكتب الحجّاج إلى عبد الملك أرسل عبد الملك إلى خالد بن يزيد فأخبره فقال:
أمّا إذا كان الفتق من سجستان فليس عليك بأس. إنّما كنّا نتخوّف لو كان من خراسان.
وكان محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس ينتظر أوقاتا معلومة عنده وينتظر الأمر لولده ولا يسمّى أحدا وكنّا أخبرنا خبر محمّد بن عليّ وخبر الدعاة الذين وجّههم إلى خراسان. ثم مات محمّد بن عليّ وجعل وصيّه من بعده إبراهيم بن محمّد ابنه، فبعث إبراهيم أبا سلمة حفص بن سليمان مولى السّبيع وكتب معه إلى النقباء بخراسان، فقبلوا كتبه إلى أن قام بأمرهم أبو مسلم.
ثم كان من وقوع كتاب إبراهيم إلى أبي مسلم في يد مروان ما كان، وقد ذكرناه. فوجّه إليه مروان وهو بالحميمة، فأخذه وحبسه.
فحكى أنّ عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان قال لمروان بن محمّد:
« هل تتّهمنى؟ » قال: « لا. » قال: « أيحطّك مصاهرة إبراهيم بن محمّد بن عليّ؟ » قال: « لا. » قال: « فإني أرى أمره تبيّغ فأنكحه وأنكح إليه، فإن ظهر كنت أعلقت بينك وبينه سببا لا يريبك معه وإن كفيته لم يشنك صهره. » فقال: « ويحك لو علمته صاحب ذاك سبقت إليه ولكن ليس بصاحبه. » فذكر أنّ إبراهيم حين أخذ ليمضى به إلى مروان نعى نفسه إلى أهل بيته حين شيّعوه، وأمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبي العبّاس عبد الله بن محمّد بن عليّ وأوصى إلى أبي العبّاس أخيه، وجعله الخليفة من بعده، وتقدّم إلى الباقين بالسمع له والطاعة.
فشخص أبو العبّاس عند ذلك ومن معه من أهل بيته حتى قدموا الكوفة في صفر. فأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعد مولى بنى هاشم في بنى أود. وكتم أمرهم من جميع القوّاد والشيعة نحوا من أربعين ليلة.
وأراد أبو سلمة فيما ذكر تحويل الأمر إلى آل أبي طالب لمّا بلغه موت إبراهيم بن محمّد. فأتى أبا سلمة أبو الجهم وقال له:
« ما فعل الإمام؟ » قال: « لم يقدم بعد. » ثم عاوده أبو الجهم وألحّ عليه في السؤال. قال:
« قد أكثرت وليس هذا زمان خروجه. » فلقى أبو حميد خادما لأبي العبّاس يقال له: سابق الخوارزمي. فسأله عن أصحابه فأخبره أنّهم بالكوفة. وإنّ أبا سلمة أمرهم أن يختفوا. فجاء به إلى أبي الجهم فأخبروه خبرهم فسّرح أبو الجهم أبا حميد مع سابق، حتى عرف منزلهم بالكوفة ثم رجع ومعه إبراهيم بن سلمة فأخبر أبا الجهم عن منزلهم ونزول الإمام في بنى أود، وشكا أنّه أرسل الإمام حين قدموا إلى أبي سلمة يسأله مائة دينار لأجرة الحمّالين، فلم يفعل. فحمل أبو الجهم وأبو حميد على يد إبراهيم مائتي دينار إلى الإمام، ثم مضوا إلى أبي سلمة وسألوه عن الإمام فقال:
« ليس هذا وقت خروجه، واسط بعد ما فتحت. » فاجتمع الشيعة على أن يلقوا الإمام وائتمروا بينهم وقالوا:
« قد شاع في العسكر أنّ مروان قد قتل إبراهيم وأنّ أخاه أبا العبّاس هو الخليفة من بعده. » ومشى القوّاد والشيعة تلك الليلة ثم تسلّلوا من الغد، فمضى جماعة منهم إلى الإمام وبلغ أبا سلمة وأتى القوم أبا العبّاس فقالوا:
« أيّكم عبد الله بن محمّد بن الحارثيّة؟
قالوا: « هذا. » فسلّموا عليه بالخلافة، ورجع أبو الجهم وموسى بن كعب وأقام الباقون عند الإمام. فأرسل أبو سلمة إلى أبي الجهم:
« أين كنت ركبت؟ » قال: « ركبت إلى إمامى. » فحينئذ ركب أبو سلمة إليهم. فأرسل أبو الجهم إلى أبي حميد: أنّ أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلنّ على الإمام إلّا وحده.
فلمّا انتهى إليهم أبو سلمة منعوه أن يدخل معه أحد. فدخل وحده وسلّم بالخلافة على أبي العبّاس.
وخرج أبو العبّاس على برذون أبلق يوم الجمعة، فصلّى بالناس.
فيقال: إنّ أبا سلمة لمّا سلّم على أبي العبّاس بالخلافة قال له أبو حميد:
« على رغم أنفك، يا ماصّ بظر أمّه. » فقال أبو العبّاس:
« مه. »
أبو العباس يريد أن يجعلها شورى بين ولد علي والعباس
وروى من عدّة وجوه أنّ أبا العبّاس السفّاح قدم هو وأهله سرّا على أبي سلمة الخلّال بالكوفة فستر أمرهم وعزم على أن يجعلها شورى بين ولد عليّ والعبّاس حتى يختاروا منهم من أرادوا. ثم قال:
« أخاف ألّا يتفقوا. » فعزم أن يعدل بالأمر إلى ولد الحسين أو الحسن عليهم السلام. فكتب إلى ثلاثة نفر منهم جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين وعمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ عليهم السلام. ووجّه بكتبهم مع رجل من مواليهم من ساكني الكوفة.
فبدأ بجعفر بن محمّد فلقيه ليلا فأعلمه أنّه رسول أبي سلمة وأنّ معه كتابا إليه.
فقال:
« وما أنا وأبو سلمة؟ هو شيعة لغيري. » فقال الرسول: « تقرأ الكتاب وتجيب بما رأيت. » فقال جعفر لخادمه: « قرّب السراج مني. » فقرّبه فوضع عليه كتاب أبي سلمة فأحرقه.
قال: « ألا تجيبه؟ » قال « قد رأيت الجواب. » ثم أتى عبد الله بن الحسن، فقرأ كتابه وركب إلى جعفر بن محمّد. فقال له جعفر:
« أمر جاء بك يا با محمّد؟ لو أعلمتنى لجئتك. » قال: « وأيّ أمر؟ هو ممّا يجلّ عن الوصف. » قال: « وما هو؟ » قال: « هذا كتاب أبي سلمة يدعوني إلى الخلافة ويراني أحقّ الناس به. وقد جاء به شيعتنا من خراسان. » فقال له جعفر :
« ومتى صاروا شيعتك؟ أنت وجّهت أبا مسلم إلى خراسان وأمرته بلبس السواد. هل تعرف أحدا منهم باسمه ونسبه؟ كيف يكونون شيعتك وأنت لا تعرف أحدا منهم ولا يعرفونك؟ » فقال عبد الله:
« ما هذا الكلام منك إلّا لشيء. » فقال له جعفر:
« قد علم الله أنّى أوجب النصح على نفسي لكلّ مسلم وكيف أدّخره عنك فلا تمنّينّ نفسك إلّا الأباطيل فإنّ هذه الدولة تتمّ لهم وما هي لأحد من ولد أبي طالب. وقد جاءني ما جاءك، فلم أجبّ إلّا بما ستعرف خبره. » فانصرف غير راض بما قاله.
وأمّا عمر بن عليّ بن الحسين فإنّه ردّ الكتاب وقال:
« ما أعرف كاتبه. » وأبطأ أمر أبي سلمة على أبي العبّاس ومن معه. فخرج أصحاب له يطوفون بالكوفة فلقى حميد بن قحطبة ومحمد بن صول رجلا من مواليهم فعرفاه. إنّه كان يحمل كتب محمّد بن عليّ وإبراهيم بن محمّد إليهما. فسألاه عن الخبر وأعلمهما أنّ القوم قد قدموا منذ أيّام وأنّهم في سرداب يعرف ببني أود، فصار إلى الموضع وسلّما عليهم وقالا:
« أيّكما عبد الله؟ » فقال أبو العبّاس وأبو جعفر:
« كلانا عبد الله. » فقالا:
« أيّكما ابن الحارثية؟ » فقال أبو العبّاس: « أنا. » فقالا: « السلام عليك يا أمير المؤمنين. » ودنوا منه فبايعاه، وأخرجاهم إلى المسجد الجامع فصعد أبو العبّاس المنبر، فحصر، فصعد عمّه داود بن عليّ، وقام دونه بمرقاة، وخطب خطبته المشهورة.
أول خطبة خطبها أبو العباس السفاح
ولمّا صعد أبو العبّاس المنبر حين بويع له بالخلافة قام في أعلاه، فقال:
« الحمد الله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فكرّمه وشرّفه واختاره لنا، وأيّدنا به، وجعلنا أهله وكهفه وحصنه، والقوّام به والذابّين عنه والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحقّ بها وأهلها، خصّنا برحم رسول الله وقرابته، وأنشأنا من آباءه وأنبتنا من شجرته واشتقّنا من نبعته وجعله من أنفسنا عزيزا عليه ما عنتنا حريصا علينا بالمؤمنين رؤوفا رحيما وأنزلنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع وأنزل بذلك كتابا يتلى فقال تبارك وتعالى: إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. وقال: [ قُلْ ] لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى. وقال: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وقال: ما أَفاءَ الله عَلى رَسُولِهِ من أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى.
فأعلمهم جلّ وعزّ فضلنّا، وأوجب عليهم حقّنا ومودّتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا، تكرمة علينا وفضلا علينا، والله ذو الفضل العظيم. »
ثم ذكر جور بني أمية وظلمهم ووعد الناس من نفسه خيرا وقال في آخر كلامه:
« وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم فاستعدّوا فإني أنا السفّاح المبيح والثائر المبير.
وكان موعوكا فاشتدّ به الوعك، فجلس على المنبر. وصعد داود بن عليّ، فقام دونه على مراقي وقال:
« الحمد لله شكرا شكرا، الذي أهلك عدوّنا وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمّد .
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« أيّها الناس، الآن أقشعت حنادس الدنيا، وانكشف غطاؤها، وأشرقت أرضها وسماؤها، وطلعت الشمس من مطلعها، وبزغ القمر من مبزغه، وأخذ القوس باريها وعاد السهم إلى منزعه ورجع الحقّ في نصابه في أهل بيته أهل الرأفة والرحمة بكم والعطف عليكم.
« أيها الناس، إنّا والله ما خرجنا في هذا الأمر لنكنز لجينا ولا ذهبا ولا لنحفر نهرا أو نبنى قصرا وإنّما أخرجنا الأنفة من ابتزازهم حقّنا، والغضب لبنى عمّنا وما كرثنا من أمورنا وبهظنا من شؤونكم. » ثم وعد الناس خيرا وقال:
« أيها الناس، إنّ أمير المؤمنين - نصره الله نصرا عزيزا - إنّما قطعه عن استتمام الكلام شدّة الوعك، فادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية. » فعجّ له الناس بالدعاء. ثم قال:
« أيها الناس، إنّه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله إلّا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا - وأشار بيده إلى أبي العبّاس - واعلموا أنّ هذا الأمر فينا ليس بخارج منّا حتى نسلّمه إلى عيسى بن مريم . » ثم نزل داود بن عليّ، ونزل أبو العباس حتى دخل القصر، وأجلس أبا جعفر أخاه يأخذ البيعة على الناس في المسجد، فلم يزل يأخذها حتى صلّى بهم العصر، ثم صلّى بهم المغرب وجهنّم الليل، فدخل.
وذكر أنّ داود بن عليّ وابنه كانا بالعراق أو بغيرها، فخرجا يريدان الشراة، فلقيهما أبو العبّاس ومعه أخوه أبو جعفر ومعهما عبد الله بن عليّ، وعيسى بن موسى، وصالح وعبد الصمد، وإسماعيل، وعبد الله بنو عليّ، ويحيى بن محمّد، وعبد الوهّاب ومحمّد ابنا إبراهيم، وموسى بن داود، ويحيى بن جعفر بن تمام بن العبّاس، ونفر من مواليهم بدومة الجندل. فقال لهم داود:
« أين تريدون وما قصّتكم؟ » فقصّ عليه أبو العبّاس فصّتهم وأنّهم يريدون الكوفة ليظهروا بها ويظهروا أمرهم.
فقال له داود:
« يا با العبّاس، تأتى الكوفة وشيخ بنى مروان بحرّان - يعنى مروان بن محمّد - وهو مظلّ على العراق في أهل الشام والجزيرة وشيخ العرب يزيد بن عمر بن هبيرة بالعراق في حلبة العرب.
فقال له أبو العباس:
« يا عمّ، من أحبّ الحياة ذلّ. » ثم تمثّل بقول الأعشى.
فما ميتة إن متّها غير عاجز ** بعار إذا ما غالت النفس غولها
فالتفت داود إلى ابنه موسى فقال:
« صدق والله ابن عمّك، ارجع بنا معه نعش أعزّاء أو نموت كراما. » فرجعوا معه. وكان عيسى بن موسى إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة يقول:
« إنّ ركبا أربعة عشر خرجوا من دارهم وأهليهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة هممهم، كبيرة أنفسهم، شديدة قلوبهم. » وخرج أبو العبّاس بحمّام أعين في عسكر أبي سلمة فنزل معه في حجرته وحاجب أبي العبّاس عبيد الله بن بسّام واستخلف على الكوفة وأرضيها داود بن عليّ وبعث عمّه عبد الله بن عليّ إلى أبي عون وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة وهو يومئذ بواسط محاصر ابن هبيرة، وبعث يحيى بن جعفر بن تمّام بن العبّاس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن، وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمّد بن عمّار بن ياسر إلى بسّام بن إبراهيم بن بسّام بالأهواز، وبعث سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن طوّاف.
وأقام أبو العبّاس في العسكر أشهرا، ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشميّة في قصر الإمارة، وقد كان تنكّر لأبي سلمة قبل تحوّله حتى عرف بذلك.
وفي هذه السنة هزم مروان بن محمّد.
هزيمة مروان بن محمد ذكر الخبر عن هذه الوقعة وسببها
كان أبو عون وجّهه قحطبة إلى شهرزور وبها عثمان بن سعيد من قبل مروان فقتله أبو عون وأقام بناحية الموصل وبلغ ذلك مروان، فأقبل من حرّان حتى سار إلى الموصل فنزل على الزاب وحفر خندقا، فسار إليه أبو عون، فنزل الزاب، ووجّه أبو سلمة إليه مددا وعدّة من القوّاد. فلمّا ظهر أبو العبّاس، بعث إليه أيضا عدّة من القوّاد ومددا آخرين.
ثم قال أبو العبّاس:
« من يسير إلى مروان من أهل بيتي؟ » فقال عبد الله بن عليّ:
« أنا. » فقال:
« سر على بركة الله. » فسار عبد الله بن عليّ حتى قدم على أبي عون فتحوّل له أبو عون عن سرادقه وخلّاه له بما فيه. فسأل عبد الله بن عليّ عن مخاضة فدلّ عليها بالزاب، فأمر عيينة بن موسى فعبر في خمسة آلاف، وانتهى إلى عسكر مروان، فقاتلهم حتى أمسوا، ورفعت لهم النيران فتحاجزوا، فرجع عيينة إلى عسكر عبد الله بن عليّ، فأصبح مروان فعقد جسرا، وسرّح ابنه عبد الله وقال له:
« امض حتى تكون أسفل من عسكر ابن علي. » وبعث إليه من ورائه من يشغله، ففعل ذلك وبعث عبد الله بن عليّ المخارق بن عفّان في أربعة آلاف حتى نزل على خمسة أميال من عسكر عبد الله بن مروان. فبعت عبد الله بن مروان الوليد بن معاوية، وسار إليه مروان فقال مروان لمّا التقى العسكران لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز:
« إن زالت الشمس اليوم فلم يقاتلونا، كنّا الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم، وإن قاتلونا قبل الزوال فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. » وأرسل مروان إلى عبد الله بن عليّ يسأله المواعدة فقال عبد الله:
« كذب ابن زريق، لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل إن شاء الله. » فقال مروان لأهل الشام:
« لا تبدأوهم. » وجعل ينظر إلى الشمس. فحمل الوليد بن معاوية بن مروان وهو ختن مروان على ابنته. فغضب وشتمه وتمّم الوليد حملته، فهزم أبا عون فانحاز إلى عبد الله بن عليّ. فقال موسى بن كعب:
« مر الناس أن ينزلوا. » فنودي:
« الأرض، الأرض. » فنزل الناس وأشرعوا الرماح وجثوا على الركب فحمل أهل الشام كأنهم جبال حديد، ومالوا على أصحاب عبد الله بن عليّ كأنّهم سحابة فصبروا لهم على حالهم. فقال:
« إنّ مروان كان لا يدبّر شيئا إلّا عرض فيه خلل وفساد. » حتى قال:
« أخرجوا إلى الناس الأموال. » فأخرجت وقال للناس:
« اصبروا وقاتلوا، وهذه الأموال لكم. » فجعل ناس يصيبون من ذلك المال، فأرسل إليه:
« إنّ الناس قد مالوا إلى هذا المال، ولا نأمنهم أن يذهبوا به. » فأرسل إلى ابنه عبد الله أن:
« سر إلى مؤخّر عسكرك، فمن مرّ بك ومعه شيء من المال فاقتله وامنعهم. » فمال عبد الله برايته وتبعه أصحابه. فقال الناس:
« الهزيمة. » فانهزموا.
قتل إبراهيم محمد وما قالوه في سبب قتله
وفي هذه السنة كان قتل إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن عليّ بن العبّاس. وقد اختلف الناس فيه فقال بعضهم: لم يقتل ولكن مات في السجن بالطاعون. وقيل: لمّا انهزم مروان بالزاب عاد إلى حرّان، فاستعرض أهل السجن، فوجدهم قد هلكوا وقتل خليفة مروان بعضهم. فأطلق مروان من بقي منهم، وكان إبراهيم الإمام ممّن هلك. ويقال: بل هدم مروان عليه بيتا فقتله. وحكى بعض خدم إبراهيم ممّن كان يخدمه في محبسه قال: كان معه في الحبس عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وشراحيل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك فخصّ بين إبراهيم وشراحيل، وكانا يتزاوران، فأتاه رسول من شراحيل يوما بلبن فقال:
« يقول لك أخوك إني شربت من هذا اللبن فاستطبته، فأحببت أن تشرب منه. »
فتناوله، فشرب منه فتوصّب من ساعته وتكسّر جسده. وكان يوما يأتى فيه شراحيل، فأبطأ عليه.
فأرسل إليه: « جعلت فداك قد أبطأت فما حبسك؟ » فأرسل إليه: « إني لمّا شربت اللبن الذي أرسلت به إليّ أخلفنى. » فأتاه شراحيل مذعورا وقال:
« لا والله الذي لا اله إلّا هو، ما شربت اليوم لبنا ولا أرسلت به إليك فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، أحتيل لك والله. » قال: فما بات إلّا ليلته وأصبح من الغد ميّتا. وفي هذه السنة قتل مروان بن محمّد.
ذكر الخبر عن مقتل مروان وما عومل به في طريقه وهو هارب وما لقي من أصحابه
حكى أبو هاشم مخلّد بن محمّد قال: لمّا هزم مروان من الزاب كنت في عسكره، وكان معه مائة وعشرون ألفا، وكان عبد الله بن عليّ في عشرين ألفا، فلمّا انهزم مروان سار إلى الموصل وعليها هشام بن عمرو وبشر بن خزيمة، فقطعا الجسر ومنعاه.
فناداهم أهل الشام:
« هذا مروان. » قالوا: « كذبتم، أمير المؤمنين لا يفرّ. » فسار إلى بلد فعبر دجلة، ثم أتى دمشق وخلّف بها الوليد بن معاوية، وقال:
« قاتلهم حتى يجتمع أهل الشام. »
ومضى مروان إلى فلسطين فنزل نهر أبي فطرس وقد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي وسوّد. فأرسل مروان إلى عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع فأجازه وكتب أبو العبّاس إلى عبد الله بن عليّ يأمره باتباع مروان.
فسار عبد الله إلى الموصل فتلقّاه هشام بن عمرو، وبشر بن خزيمة قد سوّد في أهل الموصل، وفتحوا له المدينة، وولّى الموصل ابن صول. ثم سار إلى حرّان، فهدم الدار التي حبس فيها إبراهيم بن محمد. ثم سار من حرّان إلى منبج وقد سوّدوا، فنزل مدينة منبج وقدم عليه أبو حميد المروروذى، وبعث إليه أهل قنّسرين ببيعتهم كما أتاه به عنهم أبو أميّة. وقدم عليه عبد الصمد بن عليّ أمدّه به أبو العبّاس في أربعة آلاف فأقام يومين بعد قدوم عبد الصمد. ثم سار إلى قنّسرين فأتاها وقد سوّد سار إلى بعلبك فأقام يومين ثم ارتحل فنزل مزّة قرية من قرى دمشق، وقدم عليه صالح بن عليّ مددا فنزل مرج عكبراء في ثمانية آلاف، وفرّق أصحابه على أبواب دمشق وحاصروها والبلقاء، وتعصّب الناس بالمدينة وقتل بعضهم بعضا، وقتلوا الوليد، وفتحوا المدينة سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)