وكان أوّل من صعد السور من باب الشرقي عبد الله الطائي ومن قبل باب الصغير بسّام بن إبراهيم فقتل بها ثلاث ساعات. ثم أمر بالكفّ.
وأقام عبد الله بن عليّ بدمشق ثمانية عشر يوما. ثم سار يريد فلسطين فنزل بهم الكسوة، ووجّه منها يحيى بن جعفر الهاشمي إلى المدينة ثم ارتحل إلى الأردن، فأتوه وقد سوّدوا. ثم سار إلى مرج الروم ثم أتى نهر أبي فطرس.
وقد هرب مروان فأقام بفلسطين وجاءه كتاب أبي العبّاس أن وجّه صالح بن عليّ في طلب مروان. فسار صالح بن عليّ من نهر أبي فطرس ومعه ابن قنّان وعامر بن إسماعيل وأبو عون. فقدّم أبا عون وعلى مقدّمته وسار فنزل الرملة، ثم سار فنزل ساحل البحر وجمع صالح بن عليّ السفن وتجهّز يريد مروان وهو بالفرما، فسار على الساحل والسفن حذاءه في البحر، حتى نزل العريش، وبلغ مروان، فأحرق ما كان حوله من علف وطعام، وهرب.
ومضى صالح بن عليّ، فنزل النيل، ثم سار حتى نزل الصعيد. وبلغه أن خيلا لمروان بالساحل يحرقون الأعلاف، فوجّه إليهم قوّادا فأخذوا رجالا وقدموا بهم على صالح وهو بالفسطاط، فعبر مروان النيل وقطع الجسر وحرق ما حوله. ومضى صالح يتبعه فالتقى هو وخيل لمروان على النيل، فاقتتلوا، فهزمهم صالح، ثم مضى إلى خليج فصادف عليه خيلا لمروان فأصاب منهم طرفا وهزمهم ثم ارتحل فنزل موضعا يقال له ذات الساحل. وقدّم أبا عون ومعه شعبة بن كثير المازني، فلقوا خيلا لمروان فهزموهم فأسروا منهم رجالا، فقتلوا بعضهم واستحيوا بعضا وسألوهم عن مروان، فقالوا:
« إن آمنتمونا دللناكم على مكانه. » فآمنوهم، فأخبروهم به. وساروا فوجدوه نازلا في كنيسة بوصير، ووافوه في آخر الليل، فهرب الجند وخرج إليهم مروان في نفر يسير، فأحاطوا به فقتلوه.
اتفاق عجيب
ومن عجيب الأمور التي جرت هناك أنّ أبا عون عامر بن إسماعيل تحدّث فقال: لقينا مروان ببوصير ونحن في جماعة يسيرة، فشدّوا علينا فانضوينا إلى نخيل، ولو يعلمون بقلّتنا لأهلكونا، فقلت لأصحابي:
« إن أصبحنا فرأونا ونحن نفر يسير لم ينج منّا أحد. » وذكرت قول بكير بن ماهان:
« أنت والله تقتل مروان، كأنّى أسمعك تقول: دهيذ يا جوانكان. » فكسرت جفن سيفي وكسر أصحابي جفون سيوفهم وقلت: دهيذ يا جوانكان، فكأنّها نار صبّت عليهم، فانهزموا. » وحمل رجل على مروان فضربه بسيفه فقتله.
وكتب عامر بن إسماعيل إلى صالح بن عليّ فكتب صالح بن عليّ إلى أمير المؤمنين أبي العبّاس:
« إنّا اتّبعنا عدوّ الله الجعديّ حتى ألجأناه إلى أرض عدوّ الله شبيهه فرعون، فقتله بأرضه. » وبعث صالح برأسه مع يزيد بن هانئ، وكان على شرطة أبي العبّاس يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجّة سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
ورجع صالح إلى الفسطاط ثم انصرف إلى الشام فدفع الغنائم إلى أبي عون، والسلاح والأموال والرقيق إلى أبي الفضل ابن دينار، وخلّف أبا عون على مصر.
وقتل مروان وهو ابن نيّف وستين سنة واختلف الناس في النيّف، فلذلك لم أثبته.
فكانت ولايته من حين بويع إلى أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر وستّة عشر يوما.
وكانت أمّه أمّة لإبراهيم بن الأشتر، أصابها محمد بن مروان بن الحكم يوم قتل ابن الأشتر، فأخذها من ثقله وهي نس، فولدت مروان على فراشه. ولمّا بويع أبو العبّاس دخل عليه ابن عياش المنتوف فقال:
« الحمد لله الذي أبدلنا بحمار الجزيرة وابن أمة النخع، ابن عمّ رسول الله وابن عبد المطلب. » وفي هذه السنة خلع أبو الورد أبا العبّاس بقنّسرين، فبيض وبيّضوا معه.
ذكر الخبر في تبييض أبي الورد وانتقاض تلك النواحي كلها وما آل إليه أمرهم
كان سبب ذلك أنّ أبا الورد واسمه مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي كان من أصحاب مروان وفرسانه وقوادّه، فلمّا هزم مروان وأبو الورد بقنّسرين قدمها عبد الله بن عليّ، فبايعه فدخل فيما دخل فيه الناس من الطاعة وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة، فقدم بالس قائد من قوّاد عبد الله بن عليّ من الأزاذ مرديّة في مائة وخمسين فارسا، فتعرّض لنساء مسلمة بن عبد الملك وعبث بولد مسلمة، فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد وذكّره الحقّ والحرمة فخرج من مزرعة له تعرف بخساف في عدّة من أهل بيته حتى هجم على ذلك القائد وهو نازل حصن مسلمة، فقاتله حتى قتله ومن معه، وأظهر التبييض والخلع، ودعا أهل قنّسرين إلى ذلك، فتسارعوا إليه، وبيّضوا بأجمعهم وعبد الله بن عليّ مشغول. بحرب ابن حبيب بن مرّة في أيلة بأرض البلقاء والبثنيّة وحوران.
وكان قد لقيه عبد الله بن عليّ في جموعه فقاتله، وكان بينه وبينهم وقعات وكان من قوّاد مروان وفرسانه، وكان سبب تبييضه الخوف على نفسه وقومه فبايعته قيس وغيرهم ممّن يليهم من أهل تلك الكور. فلمّا بلغ عبد الله بن عليّ تبييض أهل قنّسرين دعا حبيب بن مرّه إلى الصلح فصالحه وآمنه ومن معه، وخرج متوجّها نحو قنّسرين للقاء أبي الورد، فمّر بدمشق، فخلّف عليها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي في أربعة آلاف رجل من جنده، وكان بدمشق يومئذ امرأة عبد الله بن عليّ أمّ البنين بنت محمّد بن عبد المطلّب النوفلية وأمّهات الأولاد لعبد الله بن عليّ وثقل له، فلمّا قدم حمص في وجهه انتقض عليه بعده أهل دمشق، فبيّضوا ونهضوا مع عثمان بن عبد الله بن سراقة الأزدي، فنهضوا إلى أبي غانم ومن معه فقاتلوه وهزموه، وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة، وانتهبوا ما كان عبد الله بن عليّ خلّفه من ثقله ومتاعه ولم يعرضوا لأهله، وبيّض أهل دمشق واستجمعوا على الخلاف.
ومضى عبد الله بن عليّ وقد كان تجمّع مع أبي الورد جماعة من أهل قنّسرين وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر، فقدم منهم ألوف وعليهم أبو محمّد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فرأسوا عليهم أبا محمّد ودعوا إليه وقالوا:
« هو السفياني الذي كان يذكر. » وهم نحو من أربعين ألفا.
فلمّا دنا منهم عبد الله بن عليّ، وأبو محمد معسكر بجماعتهم في مرج يقال له: مرج الأخرم، وأبو الورد المتولّى لأمر العسكر وهو صاحب القتال والوقائع، وجّه عبد الله بن عليّ أخاه عبد الصمد بن عليّ في زهاء عشرة آلاف فارس، فناهضهم أبو الورد ولقيهم بين العسكرين واستحرّ القتل في الفريقين، وثبت القوم حتى انهزم عبد الصمد ومن معه. وقتل منهم يومئذ ألوف.
وأقبل عبد الله حيث أتاه عبد الصمد ومعه حميد بن قحطبة وجماعة من معه من القوّاد، فالتقوا واقتتلوا ثانية بمرج الأخرم قتالا شديدا فانكشف منهم جماعة ممّن كان مع عبد الله، ثم ثابوا، وثبت لهم عبد الله وحميد بن قحطبة فهزموهم وثبت أبو الورد في نحو من خمسمائة من أهل بيته وقومه فقتلوا جميعا، وهرب أبو محمّد ومن معه حتى لحقوا بتدمر.
وآمن عبد الله أهل قنّسرين، وسوّدوا وبايعوا. ثم انصرف راجعا إلى أهل دمشق لما كان من تبييضهم عليه وتوثّبهم على أبي غانم. فلمّا دنا من دمشق، هرب الناس وتفرّقوا ولم يكن بينهم وقعة فآمن عبد الله أهلها وبايعوه، ولم يأخذهم بما كان منهم.
وأمّا أبو محمّد فلم يزل متغيّبا، ولحق بأرض الحجاز وبلغ زياد بن عبيد الله الحارثي عامل أبي جعفر على المدينة مكانه الذي تغيّب فيه، فوجّه إليه خيلا فقاتلوه حتى قتل وأخذوا ابنين له، فبعث بهما إلى أبي جعفر، وهو يومئذ أمير المؤمنين فأمر بتخلية سبيلهما وآمنهما.
وفي هذه السنة بيّض أهل الجزيرة وخلعوا أبا العبّاس
ذكر الخبر عن ذلك
كان الناس يظنّون ببيعة المسوّدة أنّها تردّ عليهم سنّة الصدر الأوّل، فلمّا رأوا سيرتهم شبيهة بسيرة من تقدّمهم، ثم هجم عليهم عسكر غريب منهم، لهم معرّات وأطماع فيهم تبرّموا بهم، فلمّا خرج أبو الورد لما ذكرنا، غيرة وحميّة على نساء مسلمة، انتقض الناس من كل ناحية، وكان بحرّان يومئذ موسى بن كعب في ثلاثة آلاف من الجند، صاحب عبد الله بن عليّ، وسار إليه الناس مبيّضين من كل وجه، فحاصروه ومن معه، وأمرهم متشتت ليس عليهم رأس يجمعهم وقدم على بقيّة ذلك إسحاق بن مسلم من أرمينيه كان شخص عنها حين بلغته هزيمة مروان فرأسته جنود الجزيرة حتى حاصر موسى بن كعب.
فوجّه أبو العبّاس أخاه أبا جعفر بمن معه من الجنود التي كانت بواسط محاصرة ابن هبيرة، فمضى حتى مرّ بقرقيسيا وأهلها مبيّضون قد غلّقوا أبوابها دونهم، ثم قدم مدينة الرقّة وهم على مثل ذلك، وبها بكّار بن مسلم، فمضى نحو حرّان، ورحل إسحاق بن مسلم إلى الرها في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وخرج موسى بن كعب فيمن معه من مدينة حرّان فلقوا أبا جعفر، وقدم بكّار على أخيه [ إسحاق ] مسلم بن عقيل.
فوجّهه إلى رجل من الحروريّة يقال له: بريكة، وهو في جماعة ربيعة، فصمد له أبو جعفر، فقاتلوه قتالا شديدا وقتل بريكة، وانصرف بكّار إلى أخيه بالرّها فخلفه إسحاق بها، ومضى شميشاط، فخندق على عسكره، وأقبل أبو جعفر حتى قاتله بكّار بالرها فكانت بينهم وقعات.
وكتب أبو العبّاس إلى عبد الله بن عليّ في المسير بجنوده إلى إسحاق بشميشاط، فأقبل حتى نزل عليه وهم في ستّين ألفا من أهل الجزيرة جميعا. وبينهما الفرات وأقبل أبو جعفر من الرها، فكاتبهم إسحاق وطلب الصلح فأبوا، فطلب الأمان فأجابوه. وكتبوا إلى أبي العبّاس فأمرهم أن يؤمنوه ومن معه، فكتبوا بينهم كتابا ووثّقوا له فيه، فخرج أبو إسحاق إلى أبي جعفر وتمّ الصلح، وكان مع أبي جعفر، ينزل معه منزلة كبيرة، وآثره على جميع أصحابه.
وكان إسحاق بن مسلم العقيلي حيث حاصره أبو جعفر يقول:
« في عنقي بيعة ولست أدعها حتى أعلم أن صاحبها قد مات أو قتل. » فأرسل إليه أبو جعفر:
« إنّ مروان قد قتل. » فقال:
« حتى أتيقّن. » ثم لمّا طلب الصلح قال:
« قد أيقنت أنّ مروان قد قتل. » وولّى أبو العبّاس أبا جعفر الجزيرة وأرمينية وآذربيجان، ولم يزل عليها حتى استخلف.
وفي هذه السنة شخص أبو جعفر إلى خراسان لاستطلاع رأى أبي مسلم في قتل أبي سلمة حفص بن سليمان الذي يقال له: وزير آل محمّد.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر السبب في مسير أبي جعفر وما كان من أمره وأمر أبي مسلم
قد ذكرنا تنكّر أبي العبّاس لأبي سلمة وما كان همّ به. فحكى أبو جعفر قال:
لمّا ظهر أبو العبّاس سمرنا ذات ليلة فذكرنا صنيع أبي سلمة فقال رجل منّا:
« ما يدريكم لعّل ما صنع أبو سلمة كان عن رأى أبي مسلم؟ » فلم ينطق منّا أحد. فقال أمير المؤمنين أبو العبّاس:
« لئن كان هذا عن رأى أبي مسلم إنّا بعرض بلاء، إلّا أن يدفعه الله عنّا. »
فأشار عليه داود بن عليّ بأن يكتب إلى أبي مسلم ما همّ به من الغشّ وما عامله به من القبيح وما يتخوّفه منه، ففعل فأجاب أبو مسلم:
« إن كان أمير المؤمنين قد اطلع على ذلك منه فليقتله. » « فقال داود بن عليّ لأبن العبّاس:
« لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنّ أبا مسلم يحتّج بها وكذلك أهل خراسان الذين معك وحاله فيهم حاله، ولكن ابعث إلى أبي مسلم من يعرف نيّته ويطّلع على سريرته، ثم تكلّفه أن يبعث هو إلى أبي سلمة من يقتله. » قال أبو جعفر: فأرسل إليّ أبو العبّاس وقال:
« ما ترى؟. » فقلت:
« الرأي رأيك. » قال:
« إنّه ليس أحد أخصّ بأبي مسلم منك. فاخرج إليه حتى تعلم ما رأيه فليس يخفى عليك لو قد لقيته، فإن كان عن رأيه صدر أبو سلمة احتلنا لأنفسنا، وإن لم يكن عن رأيه طابت أنفسنا. » فخرجت على وجل شديد، فلمّا انتهيت إلى الريّ إذا صاحب أبي سلمة قد أتاه كتاب أبي مسلم:
« إنّه بلغني أن عبد الله بن محمّد قد توجّه إليك، فإذا قدم فأشخصه ساعة يقدم عليك. » فأقرأنى كتابه وأمرنى بالرحيل. فازددت وجلا وخرجت من الريّ وأنا خائف حذر، فسرت، فلمّا كنت بنيسابور إذا عاملها قد أتانى بكتاب أبي مسلم:
« إذا قدم عليك أبو جعفر فأشخصه، ولا تدعه يقيم، فإنّ أرضك أرض خوارج ولا آمن عليه. »
فطابت نفسي وقلت: أراه يعنى بأمري، فسرت.
فلمّا كنت من مرو على فرسخين، تلقّانى أبو مسلم في الناس، فلمّا دنا مني نزل وأقبل يمشى إليّ حتى قبّل يدي فقلت:
« اركب. » فركب ودخلت مرو فنزلت دارا أفردها لي، ومكثت ثلاثة أيّام لا يسألنى عن شيء، ثم قال لي في اليوم الرابع:
« ما أقدمك؟ » فأخبرته. قال:
« فإني قد كاتبت أمير المؤمنين في ذلك. » فقلت:
« إنّ أمير المؤمنين يحبّ أن تلى منه ما ترى. » فقال:
« سمعا وطاعة. » ثم دعا مرار بن أنس الضبي فقال:
« انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته وانته في ذلك إلى رأى الإمام. » فقدم الكوفة، وكان أبو سلمة يسمر عند أبي العبّاس، فقعد له في طريقه، فلمّا خرج قتله، وقالوا: قتلته الخوارج. فقال سليمان بن المهاجر:
إنّ الوزير وزير آل محمّد ** أودى فمن يشناك كان وزيرا
وكان يقال لأبي سلمة: وزير آل محمّد، ولأبي مسلم: أمين آل محمّد.
فحكى عن سالم قال: صحبت أبا جعفر من الريّ إلى خراسان، وكنت حاجبه، فكان أبو مسلم يأتيه فينزل على الباب ويجلس في الدهليز ويقول لي:
« استأذن لي عليه. » فغضب أبو جعفر عليّ وقال:
« ويلك إذا رأيته، فافتح له الباب وقل له يدخل على دابّته. » فلمّا رأيته مقبلا قلت لأبي مسلم: إنّه قال كذا وكذا، وفتحت له الباب. قال:
« نعم وإن قال، أعلمه واستأذن لي عليه. » وفي هذه السنة وجّه أبو العبّاس أخاه أبا جعفر لحرب يزيد بن عمر بن هبيرة بواسط.
ذكر آراء أشير بها على ابن هبيرة فخالفها
لمّا انهزم ابن هبيرة وتفرّق عنه الناس، خلّف على أثقاله قوما، فذهبوا بتلك الأموال. فقال له حوثرة:
« أين تذهب وقد قتل صاحبهم - يعنى قحطبة - امض إلى الكوفة فمعك جند كثير، فقاتلهم حتى تقتل أو تظفر. » فقال: « بل آتى واسطا فأنظر وأستعدّ. » فقال له: « إنّك ما تزيد على أن تمكّنه من نفسك حتى تضعف وتقتل. » وقال له يحيى بن حسن:
« إنّك لا تأتى مروان بشيء أحبّ إليه من هذه الجنود، فالزم الفرات حتى تقدم عليه، وإيّاك وواسطا فتصير في حصار، فليس بعد الحصار إلّا القتل. » فأبى، لأنّه كان يخاف مروان وذاك أنّه كان يكتب إليه في الأمر فخالفه، فخافه، فأتى واسطا وتحصّن وسرّح إليه أبو سلمة الحسن بن قحطبة، فخندق الحسن، ونزل بين الفرات ودجلة، فكانت بينهم وقائع.
ثم وجّه أبو العبّاس أخاه أبا جعفر لحرب ابن هبيرة، وكتب إلى الحسن:
« إنّ أمر الجند إليك ولكني أحببت أن يكون أخي حاضرا. » فلمّا قدم أبو جعفر واسطا تحوّل له الحسن عن حجرته فقاتلهم أبو نصر مالك الخزاعي يوما، فخرج إليه أهل واسط وحاربوه، ثم انهزم أهل الشام وقد أكمنوا معن بن زايدة وغيره، فلمّا جازهم أهل خراسان خرجوا عليهم، فقتلوا منهم. فترجّل أبو نصر، واقتتلوا عند الخنادق ورفعت لهم النيران وابن هبيرة على برج باب الخلّالين، فبقوا يقتتلون ما شاء الله من الليل.
وسرّح ابن هبيرة إلى معن: أن انصرف، فانصرف. فلمّا طال عليهم الحصار جاءهم قتل مروان فطلبوا الصلح. وكان ابن هبيرة قد همّ أن يدعو إلى محمّد بن عبد الله بن حسن بن حسن، فكتب إليه، وأبطأ عليه الجواب.
وجرت السفراء بينه وبين أبي جعفر في الصلح حتى جعل له أمانا وكتب به كتابا مكث يشاور فيه العلماء أربعين يوما حتى رضيه، ثم أنفذه إلى أبي جعفر فأنفذه أبو جعفر إلى أبي العبّاس فأمره بإمضائه.
وكان أبو العبّاس لا يقطع أمرا دون أبي مسلم. وكان أبو الجهم عينا لأبي مسلم على أبي العبّاس يكتب إليه بأخباره. فكتب أبو مسلم إلى أبي العبّاس:
« إنّ الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد، ولا والله، ما صلح ملك فيه ابن هبيرة. » وخرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في ألف وثلاثمائة من البخاريّة، فأراد أن يدخل الحجرة بدابّته، فقام إليه سلّام بن سليم فقال:
« مرحبا بك أبا خالد، انزل راشدا. » وقد أطاف بالحجرة نحو من عشرة آلاف من أهل خراسان.
فنزل، وأجلسه على وسادة، ثم دعا له بالقوّاد فدخلوا. ثم قال سلّام:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« ادخل أبا خالد. » فقال: « أنا ومن معي؟ » فقال: « إنّما استأذنت لك وحدك. » فقام ودخل، فوضعت له وسادة فجلس عليها وحدّثه ساعة، ثم قام. ثم مكث يقيم عنه يوما ويأتيه يوما في خمسائة فارس وثلاثمائة راجل. فقال يزيد بن حاتم:
« أيها الأمير، إنّ ابن هبيرة ليأتى فيتضعضع له العسكر، وما نقص من سلطانه شيء. » فقال أبو جعفر لسلّام:
« قل لا بن هيبرة يدع هذه الجماعة ويأتينا في حاشيته. » فقال له ذلك سلّام، فتغيّر وجهه وجاء في نحو من ثلاثين من حاشيته. فقال له سلّام:
« كأنك تأتينا مباهيا! » فقال: « إن أمرتمونا أن نمشي إليكم مشينا. » فقال: « ما أردنا بك استخفافا، ولكن نظرا لك. » فكان بعد ذلك يأتى في ثلاثة نفر.
فقال: إن ابن هبيرة كلّم يوما أبا جعفر فقال:
« يا هناه. » ثم قال:
« ايه لله أنت. » ثم رجع فقال: « أيها الأمير، إنّ عهدي بكلام الناس مثل ما خاطبتك به قريب فسبقني لساني إلى العادة ولم أرده. » « فتبسّم أبو جعفر وقال:
« صدقت. » وألحّ أبو العبّاس على أبي جعفر في قتل ابن هبيرة وهو يراجعه حتى كتب إليه:
« والله لتقتلنّه أو لأرسلنّ إليه من يخرجه من حجرك ويتولّى قتله. » فتقدّم أبو جعفر بختم بيوت الأموال، ثم بعث إلى وجوه من معه، فلمّا حضروا نزعت سيوفهم وكتفوا. ثم أرسل إلى ابن هبيرة:
« إنّا نريد حمل المال. » فقال ابن هبيرة لحاجبه:
« يا با عثمان، انطلق فدلّهم عليه. » فوكلّوا بكل بيت نفرا ثم جعلوا ينظرون في نواحي الدار ومع ابن هبيرة ابنه داود وكاتبه وحاجبه وعدّة من مواليه وبنّى له صغير في حجره، فجعل ينكر نظرهم، وقال:
« أقسم بالله، إنّ في وجوه القوم لشرّا. » فأقبلوا نحوه، فقام حاجبه في وجوههم فقال:
« وراءكم! » فضربه الهيثم بن شعبة على حبل عاتقه فصرعه وقاتل ابنه داود، فقتل وقتل مواليه، ونجّى ابن هبيرة الصبيّ من حجره وقال:
« دونكم هذا الصبيّ. »
وخرّ ساجدا، فقتل وهو ساجد.
ومضوا برؤوسهم إلى أبي جعفر، فنادى بالأمان للناس. وقال أبو عطاء السنديّ يرثيه:
ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط ** عليك بجاري دمعها لجمود
عشيّة قام النائحات وشقّقت ** جيوب بأيدي مأتم وخدود
فإن تمس مهجور الفناء فربّما ** أقام به بعد الوفود وفود
وإنّك لم تبعد على متعهّد ** بلى كلّ من تحت التراب بعيد
وقال منقذ بن عبد الرحمن الهلالي يرثيه:
منع العزاء حرارة الصدر ** والحزن عقد عزيمة الصبر
أفنى الحماة الغرّ أن عرضت ** دون الوفاء حبائل الغدر
مالت حمائل أمرهم بفتى ** مثل النجوم حففن بالبدر
عالى بنعيهم فقلت له ** مهلا أتيت بصيحة الحشر
من للمنابر بعد هلكهم ** أو من يشدّ مكارم الفخر
قتلى بدجلة ما يجنّهم ** إلّا عباب زواخر البحر
وفي هذه السنة وجّه أبو العبّاس عمّه عيسى بن عليّ على فارس، وكان عليها محمّد بن الأشعث من قبل أبي مسلم، فهمّ بعيسى فحذّره ثقاته وقالوا له:
« هذا لا يسوغ لك. » فقال:
« بلى، أمرنى أبو مسلم ألّا يقدم عليّ أحد يدّعى الولاية من غيره إلّا ضربت عنقه. » ثم ارتدع عن ذلك، واستدعى عيسى فاستحلفه بالأيمان المحرّجة، ألّا يعلو منبرا ولا يتقلّد سيفا إلّا في جهاد. فلم يل عيسى بعد ذلك عملا ولا تقلّد سيفا إلّا في غزوة.
ثم استعمل بعد ذلك أبو العبّاس إسماعيل بن عليّ واليا على فارس.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائة
وفيها قتل داود بن عليّ من وجد من بني أمية بمكة والمدينة.
وفيها مات داود بن عليّ بالمدينة.
وفيها خرج شريك بن شيخ المهري على أبي مسلم بخراسان ببخارى وقال:
« ما على هذا اتبعنا آل محمّد، على أن تسفك الدماء، ويعمل بغير الحقّ. » وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفا. فوجّه إليه أبو مسلم زياد بن صالح فقاتله وقتله.
وخرج جماعة على أبي مسلم فقتلهم. ولم يجر في حروبهم ما تستفاد منه تجربة، بل كان جميع ذلك يجرى بحسب الجدّ والإقبال فتركنا ذكرها إذ كانت أسمارا فقط.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائة
وفيها خالف بسّام بن إبراهيم بن بسّام وخلع، وكان من فرسان أهل خراسان، فوجّه إليه أبو العبّاس خازم بن خزيمة فناجزه القتال، وانهزم بسّام، واستبيح عسكره وطلبهم خازم إلى أن قتل أكثرهم، ثم انصرف من وجهه، فمرّ في قرية فيها قوم من أخوال أبي العبّاس عدد هم خمسة وثلاثون رجلا من بنى عبد المدان، وهناك مواليهم وغيرهم، فلم يسلّم عليهم، فلمّا جاز شتموه لشيء كان في قلوبهم عليه، فكّر راجعا، فسألهم عمّا بلغه من نزول المغيرة بهم، وكان من قوّاد بسّام. فقالوا:
« مرّ بنا رجل مجتاز لا نعرفه، فأقام في قريتنا ليلة ثم خرج عنها. » فقال لهم:
« أنتم أخوال أمير المؤمنين، ويأتيكم عدوّه فيأمن في قريتكم فهلّا اجتمعتم فأخذتموه؟ » فأغلظوا له الجواب، فأمر بهم، فضربت أعناقهم جميعا، وهدمت دورهم ونهبت أموالهم. ثم انصرف إلى أبي العبّاس، وبلغ ما كان من فعل خازم اليمانية، فأعظموا ذلك واجتمعت كلمتهم. فدخل زياد بن عبد الله الحارثي على أبي العبّاس مع عبيد الله بن الربيع الحارثي وعثمان ببن نهيك وأمثالهم فقالوا:
« يا أمير المؤمنين، إنّ خازما اجترأ عليك بأمر لم يكن أقرب ولد أبيك ليجترئ عليك به من قتل أخوالك الذين قطعوا البلاد إليك معتزّين بك، طالبين معروفك، حتى إذا صاروا إلى جوارك ودارك وثب عليهم خازم، فضرب أعناقهم، وهدم دورهم، ونهب أموالهم، وأخرب ضياعهم، بلا حدث أحدثوه. » فهمّ بقتل خازم، فبلغ ذلك موسى بن كعب وأبا الجهم بن عطيّة، فدخلا عليه وفثأه عن رأيه. قالا:
« نعيذك بالله يا أمير المؤمنين من الإصغاء إلى من يحملك على قتل خازم مع طاعته وسابقته وغنائه وهو يحتمل لك ما صنع لكيت وكيت، فإن كنت لا بدّ مجمعا على قتله فلا تتولّ ذلك بنفسك، وعرّضه من المباعث لما إن قتل فيه كنت قد بلغت منه الذي أردت، وإن ظفر كان ظفره لك. » وأشاروا عليه بأن يوجّهه إلى عمان وبها الجلندى والخوارج معه وإلى الخوارج الذين بجزيرة ابن كاوان مع شيبان بن عبد العزيز اليشكريّ فأمر أبو العبّاس بتوجيهه مع سبعمائة رجل، وكتب إلى سليمان بن عليّ وهو على البصرة، بحملهم في السفن إلى جزيرة ابن كاوان وعمان. فشخص إلى هناك مع ابنه خزيمة، فأوقع بمن فيها من الخوارج وغلب على ما قرب منها من البلدان وقتل شيبان الخارجيّ.
ذكر السبب في ذلك والحيلة التي تمت له عليهم
أمّا في أوّل مقدمه، فإنّه لمّا أرسى إلى ساحل عمان لقيهم الجلندى وأصحابه، فاقتتلوا قتالا شديدا وكثر القتل في أصحاب خازم، وقتل أخ له من أمّه مع تسعين رجلا. ثم أشار عليه رجل ممّن كان وقع إلى تلك الناحية أن يجعلوا على أطراف أسنّتهم المشاقة ويروّوها النفط ويشعلوا فيها النيران، ثم يمشوا بها حتى يضرموها في بيوت أصحاب الجلندى، وكانت من خشب. فلمّا فعل ذلك، وأضرمت بيوتهم بالنيران وشغلوا بها وبمن فيها من أولادهم وأهاليهم، شدّ عليهم خازم وأصحابه، فوضعوا فيهم السيوف وهم غير ممتنعين، وقتل الجلندى فيمن قتل، وبلغ عدّة من قتل عشرة آلاف.
وبعث خازم برؤوسهم إلى البصرة، وبعث منها إلى أبي العبّاس، وأقام خازم شهرا حتى أتاه كتاب أبي العبّاس بإقفاله، فقفلوا.
وفي هذه السنة وجّه أبو العبّاس موسى بن كعب إلى الهند لقتال منصور بن جمهور وفرض له ثلاثة آلاف رجل من العرب فشخص حتى ورد السند، فلقى منصور بن جمهور في اثنى عشر ألفا، فهزمه، فمضى ومات عطشا في الرمال.
وفي هذه السنة تحوّل أبو العبّاس من الجزيرة إلى الأنبار، وفيها ضرب المنار من الكوفة إلى مكّة والأميال.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائة
ولم يجر فيها شيء يستفاد منه تجربة في جملة ما انتهى إلينا.
ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائة
قدوم أبي مسلم العراق من خراسان
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وفيها قدم أبو مسلم العراق من خراسان. وكان استأذن أبا العبّاس في القدوم عليه وفي الحجّ بعد ذلك. فأذن له، وتوجّه إلى أبي العبّاس في جماعة عظيمة من أهل خراسان ومن معه من غيرهم، فكتب إليه أن:
« اقدم في خمسمائة من الجند. » فكتب إليه أبو مسلم:
« إني قد وترت الناس ولست آمن على نفسي. » فكتب إليه أن:
« أقبل في ألف، فإنّما أنت في سلطان أهلك ودولتك، وطريق مكّة لا يحتمل العسكر. »
وكان في ثمانية آلاف، ففرّقهم بالرّى، وقدم بالأموال والخزائن، فتركها بالريّ، وجمع أموال الجبل، وشخص منها في ألف. فلمّا قرب تلقّاه القوّاد والناس حتى دخل على أبي العبّاس، فأعظمه وأكرمه ثم استأذن في الحجّ، فقال:
« لو لا أنّ أبا جعفر يحجّ لاستعملناك على الموسم. » وكان ما بين أبي جعفر وأبي مسلم متباعدا، لإنّ أبا العبّاس لمّا صفت له الأمور، بعث أبا جعفر إلى خراسان بعهد أبي مسلم على خراسان وبالبيعة لأبي العبّاس ولأبي جعفر من بعده. فبايع له أبو مسلم وأهل خراسان، فأقام أبو جعفر إلى أن أحكم أمره، فجرى عليه من أبي مسلم استخفاف، فلمّا عاد شكاه إلى أخيه، فلمّا قدم أبو مسلم هذه القدمة للحجّ قال أبو جعفر لأبي العبّاس:
« يا أمير المؤمنين، أطعنى واقتل أبا مسلم، فو الله إنّ في رأسه لغدرة. » قال: « يا أخي، قد عرفت بلاءه وما كان منه. » فقال أبو جعفر: « يا أمير المؤمنين، إنّما كان بدولتنا، والله لو بعثت سنّورا لقام مقامه وبلغ ما بلغ. » فقال أبو العبّاس: « كيف نقتله؟ » قال: « إذا دخل عليك وحادثته وأقبل عليك، دخلت فتغفّلته فضربته من خلفه ضربة أتيت بها على نفسه. » فقال أبو العبّاس: « فكيف بأصحابه الذين يؤثرونه على دينهم ودنياهم؟ » قال: « يؤول ذلك كلّه إلى ما تريد وعليّ إصلاحه. »
قال: « عزمت عليك إلّا كففت عن هذا الحديث. » قال: « أخاف والله إن لم تتغدّه اليوم أن يتعشّاك غدا. » قال: « دونكه. » فلمّا دخل أبو مسلم على أبي العبّاس، بعث أبو العبّاس خصيا له، فقال له:
« اذهب فانظر ما يصنع أبو جعفر. » فأتاه فوجده محتبيا بسيفه.
فقال للخصيّ: « أجالس أمير المؤمنين؟ » قال: « إنّه قد تهيّأ للجلوس. » ثم رجع الخصيّ إلى أبي العبّاس فأخبره بما رأى منه فردّه إلى أبي جعفر وقال:
« قل له: الأمر الذي عزمت عليه لا تنفذه. » فكفّ أبو جعفر.
وفي هذه السنة حجّ بالناس أبو جعفر المنصور وحجّ معه أبو مسلم.
وفيها توفّى أبو العبّاس أمير المؤمنين بالأنبار لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة، وكانت وفاته فيما قيل بالجدريّ. وكانت سنّه ثلاثا وثلاثين سنة، وكانت ولايته من لدن قتل مروان إلى أن توفّى أربع سنين، ومن لدن بويع بالخلافة إلى أن مات أربع سنين وثمانية أشهر. وكان طويلا أبيض أقنى الأنف حسن الوجه واللحية ذا شعرة جعدة وأمّه ريطة بنت عبد الله بن عبد المدان بن الحارثي وكان وزيره أبو الجهم بن عطيّة.
خلافة أبي جعفر المنصور
بيعة الناس لأبي جعفر بأمر من أبي العبّاس حين حضرته الوفاة ولمّا حضرته الوفاة أمر الناس بالبيعة لعبد الله بن محمّد أبي جعفر، فبايع الناس بالأنبار، وقام بأمر الناس عيسى بن موسى وأرسل عيسى بن موسى إلى أبي جعفر وهو بمكّة رسولا بموت أبي العبّاس وبالبيعة له، فلمّا أتاه الكتاب كتب إلى أبي مسلم:
« العجل العجل فقد حدث أمر. » وكان بينه وبن أبي مسلم منزل أبدا، فجاءه أبو مسلم، فلمّا جلس إليه ألقى إليه الكتاب فبكى واسترجع، ثم نظر أبو مسلم إلى أبي جعفر وقد جزع جزعا شديدا، فقال:
« ما هذا الجزع وقد أتتك الخلافة؟ » قال:
« أتخوّف شرّ عبد الله بن عليّ وشيعته. » قال:
« لا تخفه فأنا أكفيك أمره إن شاء الله. إنّما عامّة جنده ومن معه أهل خراسان وهم لا يعصوننى. » فسرّى عن أبي جعفر، وبايع له أبو مسلم وبايع الناس. وأقبلا حتى وردا الكوفة.
وفي هذه السنة بعث عيسى بن عليّ وأبو الجهم إلى عبد الله بن عليّ ببيعته المنصور فبايع لنفسه وأبي بيعة المنصور.
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائة
عبد الله بن علي يدعو إلى نفسه
كان نفذ إلى عبد الله بن عليّ أبو غسّان واسمه يزيد بن زياد، وهو حاجب أبي العبّاس بأمر أبي العبّاس قبيل موته ليبايع أبا جعفر، وكان عبد الله قد أدرب متوجّها إلى الروم، فلمّا قدم عليه أبو غسّان جمع أصحابه ونادى مناديه:
« الصلاة جامعة. » واجتمع إليه القوّاد والجند فقرأ عليهم الكتاب بوفاة أبي العبّاس ودعا الناس إلى نفسه وأخبرهم أنّ أبا العبّاس حين أراد أن يوجّه الجنود إلى مروان بن محمّد دعا بنى أبيه وأرادهم على المسير إلى مروان وقال:
« من انتدب منكم فسار إليه فهو وليّ عهدي فلم ينتدب له غيري. » وعلى هذا خرجت من عنده وقتلت من قتلت.
فقام أبو غانم الطائيّ وخفاف المروروذى في عدّة قوّاد فشهدوا له بذلك، فبايعه أبو غانم وخفاف وأبو الأصبغ وتتابع القوّاد عليه فيهم حميد بن قحطبة وغيره من أهل خراسان والشام والجزيرة، فلمّا فرغ من البيعة ارتحل فنزل حرّان وفيها مقاتل العكّى، وكان أبو جعفر استخلفه لمّا قدم على أبي العبّاس، فلم يجبه فتحصّن منه فأقام عليه حتى استنزله من حصنه فقتله.
وسرّح أبو جعفر لقتال عبد الله بن عليّ أبا مسلم، فلمّا بلغ عبد الله إقبال أبي مسلم أقام بحرّان، وجمع إليه الجنود والسلاح، وخندق، وأعدّ الطعام والأعلاف وما يصلحه. ومضى أبو مسلم لم يتخلّف عنه أحد من القوّاد، وبعث على مقدّمته مالك بن الهيثم الخزاعي وكان معه الحسن وحميد ابنا قحطبة، وكان حميد فارق عبد الله بن عليّ لأنّه أخافه وأراد قتله.
وكان أبو مسلم استخلف على خراسان خالد بن إبراهيم أبا داود، وكان عبد الله بن عليّ خشي ألّا يناصحه أهل خراسان، فقتل منهم نحوا من سبعة عشر ألفا ضروب القتل.
وكتب لحميد بن قحطبة كتابا وجّهه إلى حلب وعليها زفر بن عاصم وفي الكتاب:
« إذا ورد عليك حميد بن قحطبة فاضرب عنقه. » فسار حميد، ثم فكّر في كتابه فلم ير من الصواب له أن يوصله ولم يقرأه، ففكّ الطومار وقرأه، فلمّا عرف ما فيه دعا قومه من خاصّته، فأفشى إليهم أمره وشاورهم وقال:
« من أراد أن ينجو ويهرب فليسر معي فإني أريد أن آخذ طريق العراق، ومن لم يحمل نفسه على السير فلا يفشينّ سرّى وليذهب حيث أحبّ. » واتّبعه قوم وفوّز بهم ونجا.
ولمّا وافى أبو مسلم مكان عبد الله بن عليّ وهو بنصيبين يخندق لم يعرض له وأخذ طريق الشام وكتب إلى عبد الله:
« إني لم أومر بقتالك ولم أوجّه له ولكن أمير المؤمنين ولّانى الشام وأنا أريدها. » فقال من كان مع عبد الله:
« كيف نقيم معك وهذا يأتى بلادنا وفيها حرمنا فيقتل من قدر عليه من رجالنا ويسبى ذراريّنا؟ ولكنّا نخرج إلى بلادنا فنمنعه ونقاتله إن قاتلنا. » فقال لهم عبد الله بن عليّ:
« إنّه والله ما يريد الشام، وما وجّه إلّا إلى قتالكم، ولئن أقمتم ليأتينّكم. »
فلم تطب أنفسهم. فأبوا إلّا المسير إلى الشام.
وكان أبو مسلم قد عسكر قريبا منه فارتحل عبد الله بن عليّ متوجّها نحو الشام. وتحوّل أبو مسلم حتى نزل في معسكر عبد الله بن عليّ في موضعه وعوّر ما كان حوله من المياه وألقى فيها الجيف، وبلغ عبد الله بن عليّ ذلك فقال لأصحابه:
« ألم أقل لكم؟ » ثم أقبل عبد الله فلم يجد غير موضع عسكر أبي مسلم الذي كان به فاقتتلوا ستّة أشهر.
فحكى من شهد مع أبي مسلم هذه الحرب: أنّه لمّا كان بعد ستّة أشهر التقينا فحمل علينا أصحاب عبد الله، فصدمونا صدمة أزالونا عن مواقفنا وانصرفوا.
وشدّ علينا عبد الصمد في خيل مجرّدة فقتلوا منّا قوما، ثم رجعوا، ثم تجمّعوا ورموا بأنفسهم علينا، فأزالوا صفّنا، وجلنا جولة، فقلت لأبي مسلم:
« لو حرّكت دابّتى حتى أشرف على هذا التلّ فأصيح بالناس، فقد انهزموا. » قال: « افعل. » قال، قلت: « وأنت أيضا، لو حرّكت دابّتك معي. » فقال: « إنّ أهل الحجى لا يعطفون دوابّهم في مثل هذه الحال. ناد: يا أهل خراسان، ارجعوا، فإنّ العاقبة للمتّقين. » ففعلت، فتراجع الناس وارتجز أبو مسلم:
من كان ينوي أهله فلا رجع ** فرّ من الموت وفي الموت وقع
وقد كان عمل لأبي مسلم عريش، فكان يجلس فيه إذا التقى الناس فينظر إلى القتال، فإن رأى خللا في الميمنة والميسرة، أرسل إلى صاحبها:
« إنّ في ناحيتك انتشارا فاتّق الله لا نؤتى من قبلك، افعل كذا، قدّم خيلك إلى موضع كذا، تأخّر إلى موضع كذا. » فإنّما رسله تختلف برأيه إليهم حتى ينصرف بعضهم عن بعض.
فلمّا كان يوم التقوا، فاقتتلوا قتالا.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)