فلمّا رأى ذلك أبو مسلم مكر بهم، فأرسل إلى الحسن بن قحطبة، وكان على ميمنته، أن:
« أعر ميمنتك وضمّ أكثرها إلى الميسرة، وليكن في الميمنة حماة أصحابك وأشدّاؤهم. » فلمّا رأى ذلك أهل الشام أعروا ميسرتهم وانضمّوا إلى ميمنتهم بازاء ميسرة أبي مسلم.
ثم أرسل أبو مسلم إلى الحسن أن:
« مر أهل القلب فليحملوا مع من بقي في الميمنة على ميسرة أهل الشام. » قال: فحملوا عليهم فحطّموهم. وجال أهل القلب والميمنة وركبهم أهل خراسان فكانت الهزيمة.
فحكى ابن سراقة الأزدي قال: كنت مع عبد الله بن عليّ، فقال لي:
« يا سراقة ما ترى؟ » قلت: « أرى أن تصير وتقاتل فإنّ الفرار قبيح بمثلك حتى تقتل وقد عبته على مروان. » قلت: « قبّح الله مروان، جزع من الموت ففرّ. »
فقال: « بل آتى العراق. » قلت: « فإني معك. » فانهزم مع الناس وتركوا عسكرهم فاحتواه أبو مسلم، وكتب إلى أبي جعفر بالفتح. فأرسل أبو جعفر أبا الخصيب مولاه يحصى ما أصابوا في عسكر عبد الله بن عليّ، فغضب من ذلك أبو مسلم، ولم يظهر غضبه.
فأمّا عبد الله بن عليّ فإنّه أتى سليمان بن عليّ بالبصرة، وأمّا عبد الصمد فقدم الكوفة، فاستأمن له عيسى بن موسى، فآمنه أبو جعفر وأمر أبو مسلم الناس بالكفّ، فلم يقتل أحدا بعد الهزيمة، وبقي عبد الله بن عليّ متواريا عند سليمان زمانا.
وفي هذه السنة قتل أبو مسلم
حكى مسلم بن المغيرة: أنّه كان مع الحسن بن قحطبة بأرمينية، فلمّا وجّه أبو مسلم إلى الشام، كتب أبو جعفر إلى الحسن أن يوافيه ويسير معه. فقدمنا على أبي مسلم وهو بالموصل، فأقام أيّاما، فلمّا أراد أن يسير استأذنته في المصير إلى العراق وقلت:
« أنتم تسيرون إلى القتال، وليس بك إليّ حاجة. » قال: « نعم، لكن أعلمني إذا أردت الخروج. » قلت: « نعم. » فتهيّأت، فلمّا فرغت أعلمته وقلت:
« أتيتك مودّعا. » قال: « قف بالباب حتى أخرج إليك. »
فخرجت فوقفت، فخرج وقال:
« أريد أن ألقى إليك شيئا لتبلغه أبا أيّوب، ولولا ثقتي بك لم أخبرك، فأبلغ أبا أيّوب أنّى قد ارتبت بأبي مسلم منذ قدمت عليه. إنّه يأتيه الكتاب من أمير المؤمنين فيقرأه ثم يلوى شدقه ويرمى بالكتاب إلى أبي نصر مالك بن الهيثم فيقرأه ثم يضحكان ويستهزئان به. » قلت: « نعم. » ومضيت عنه، فلمّا لقيت أبا أيّوب وأنا أرى أنّى قد أتيته بشيء أخبرته، ضحك وقال:
« نحن لأبي مسلم أشدّ تهمة منّا لعبد الله بن عليّ، إلّا أنّا نرجو واحدة: نعلم أنّ أهل خراسان لا يحبّون عبد الله وقد قتل منهم من قتل. »
ذكر مقتل أبي مسلم صاحب الدولة وسبب ذلك
لمّا ظفر أبو مسلم بعسكر عبد الله بن عليّ، بعث أبو جعفر يقطين بن موسى وأمره بإحصاء ما في العسكر، فلمّا قدم عليه، وكان يسمّيه: يك دين، قال له أبو مسلم:
« يا يك دين، أمين على الدماء خائن في الأموال. » وشتم أبا جعفر، فأبلغه يقطين ذلك.
وأقبل أبو مسلم من الجزيرة مجمعا على الخلاف، وخرج من وجهه معارضا يريد خراسان. وخرج أبو جعفر من الأنبار إلى المدائن، وكتب إلى أبي مسلم في المصير إليه.
فكتب أبو مسلم وهو على الرواح إلى طريق حلوان:
« إنّه لم يبق لأمير المؤمنين - أكرمه الله عدوّ إلّا مكّنه الله منه. وقد كنّا نروى عن ملوك آل ساسان أنّ أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء، فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء بعدك ما وفيت، حريّون بالسمع والطاعة لك، غير أنّها من بعيد حيث تقارنها السلامة، فإنّ أرضاك ذلك فإنّا كأخسّ عبيدك، وإن أبيت إلّا أن تعطى نفسك إرادتها، نقضت ما أبرمت من عهدك ضنّا بنفسي. » فلمّا وصل الكتاب إلى المنصور، كتب إلى أبي مسلم:
« قد فهمت كتابك، وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغششة ملوكهم الذين يتمنّون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم، فإنّما راحتهم في انتشار نظام الجماعة. فلم سوّيت نفسك بهم وأنت في طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حمّلت من أعباء هذا الأمر على ما أنت به، وليس مع الشريطة التي أوحشت منك سمع ولا طاعة. وقد حمّل إليك أمير المؤمنين عيسى بن موسى رسالة لتسكن إليها إن أصغيت، وأسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزعاته وبينك، فإنّه لم يجد بابا يفسد به نيّتك أوكد عنده وأقرب من ظنّه من الباب الذي فتحه عليك. » وأمر أبو جعفر عيسى بن موسى ومن حضره:
« اكتبوا إليه تعظمون أمره وتشكرون ما كان منه وتسألونه أن يتمّ ما كان منه وعليه من الطاعة وتحذّرونه عاقبة الغدر وتأمرونه بالرجوع إلى أمير المؤمنين وأن يلتمس رضاه. » ودعا أبا حميد ثم قال له:
« كلّم أبا مسلم بالين ما تكلّم به أحدا، ومنّه، وأعلمه أنّى رافعه وصانع به ما لم يصنعه أحد بأحد إن هو راجع ما أحبّ فإن أبي أن يرجع فقل له: يقول لك أمير المؤمنين نفيت من العبّاس، وأنا بريء من محمّد إن مضيت مشاقا ولم تأتنى إن وكلت أمرك إلى أحد سواي، وإن لم أل طلبك وقتالك إلّا بنفسي، ولو خضت البحر لخضته، ولو اقتحمت النار لاقتحمتها، حتى أقتلك أو أموت قبل ذلك. ولا تقولّن هذا الكلام حتى تأيس من رجوعه، ولا تطمع منه في خير. » فسار أبو حميد في ناس من أصحابه ممّن يثق بهم حتى دخل على أبي مسلم، فدفع إليه الكتاب، ثم قال:
« إنّ الناس يبلّغونك عن أمير المؤمنين ما لم يقله، وخلاف ما عليه رأيه فيك، حسدا وبغيا. يريدون إزالة هذه النعمة وتغييرها فلا تفسد ما كان منك.
وكلّمه بأشباه هذا وقال له:
« يا أبا مسلم، إنّك لم تزل أمين آل محمّد، يعرفك بذلك الناس وما ذخر الله لك من الأجر عنده أعظم ممّا أنت فيه من دنياك، فلا تحبط أجرك ولا يستهوينّك الشيطان. » قال له أبو مسلم:
« متى كنت تكلّمنى بهذا الكلام. » وأقبل على أبي نصر مالك بن الهيثم. فقال:
« يا مالك، ألا تسمع؟ ».
ذكر آراء أشير بها على أبي مسلم فخالفها
قال: « لا تسمع قوله ولا يهولنّك هذا منه فلعمري لقد صدقت ما هذا بكلامه فامض لأمرك ولا ترجع، فو الله لقد وقع في نفسه منك شيء لا يأمنك معه أبدا. » فقال للرسل: « قوموا. » فنهضوا. فأرسل أبو مسلم إلى نيزك وقال:
« يا نيزك، إني والله ما رأيت طويلا أعقل منك، فما ترى؟ فقد جاءت هذه الكتب وقد قال القوم ما قالوا. » قال:
« لا أرى أن تأتيه وأرى أن تأتى الريّ فتقيم بها فتصير ما بين خراسان والريّ لك وهم جندك لا يخالفك أحد، فإن استقام لك استقمت وإن أبي كنت في جندك، وكانت خراسان من وراءك، فرأيت رأيك. » فدعا أبا حميد فقال:
« ارجع إلى صاحبك، فليس من رأيي أن آتيه. » قال: « قد اعتزمت على خلافه. »
قال: « نعم. » قال: « لا تفعل. » قال: « ما أريد أن ألقاه. » فلمّا آيسه من الرجوع قال له ما أمره به أبو جعفر، فوجم طويلا ثم قال:
« قم. » فكسره ذلك القول ورعّبه.
وكان أبو جعفر قد كتب إلى أبي داود وهو خليفة أبي مسلم على خراسان حين أتّهم أبا مسلم:
« إنّ لك إمرة خراسان ما بقيت. » فكتب أبو داود إلى أبي مسلم:
« إنّك لم تخرج لمعصية خلفاء الله وأهل بيت نبينا ، فلا تخالفنّ إمامك ولا ترجعنّ إلّا بإذنه. » فوافاه كتابه على تلك الحال، فزاده رعبا وهمّا. وأرسل إلى أبي حميد وأبي مالك فقال لهما:
« إني قد كنت معتزما على المضيّ إلى خراسان ثم رأيت أن أوجّه أبا إسحاق إلى أمير المؤمنين فيأتينى برأيه فإنّه ممّن أثق به » فوجّه، فلمّا قدم أبو إسحاق تلقّاه بنو هاشم بكل ما يحبّ، وقال له أبو جعفر:
« اصرفه عن وجهه، ولك ولاية خراسان. » وأجازه، فرجع أبو إسحاق إلى أبي مسلم فقال له:
« ما أنكرت شيئا، رأيتهم معظّمين لحقّك، يرون لك ما يرون لأنفسهم. »
ثم أشار عليه بأن يرجع إلى أمير المؤمنين فيعتذر إليه ممّا كان منه.
فأجمع أبو مسلم على ذلك، فقال له نيزك:
« قد أجمعت على الرجوع؟ » قال: « نعم. » وتمثّل:
ما للرجال مع القضاء محالة ** ذهب القضاء بحيلة الأقوام
وقال: « أمّا إذا عزمت على هذا، فاحفظ عني واحدة خار الله لك، إذا دخلت عليه فاقتله، ثم بايع لمن شئت، فإنّ الناس لا يخالفونك. » وكتب أبو مسلم إلى أبي جعفر يخبره أنّه ينصرف إليه.
قالوا: فقال أبو أيّوب: فدخلت على أبي جعفر وهو في خباء شعر بالروميّة جالسا على مصلّى بعد العصر، وبين يديه كتاب أبي مسلم، فرمى به إليّ، فقرأته، ثم قال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« انطلق، فادع شبيب بن واج، وادع أبا حنيفة. » حتى عدّد أربعة، فدخلوا فقال لهم أمير المؤمنين نحو ما قال لعثمان، فقالوا:
« نقتله. » قال: « كونوا خلف الرواق، فإذا صفّقت، فاخرجوا إليه، فاقتلوه. » ثم أرسل إلى أبي مسلم رسلا، بعضهم على إثر بعض، فقالوا:
« قد ركب. » وأتاه وصيف فقال له:
« إنّه أتى عيسى بن موسى. » فقلت: « يا أمير المؤمنين، ألا أخرج فأطوف العسكر فأنظر ما يقول الناس، هل ظنّ أحد ظنّا أو تكلّم أحد بشيء. » قال: « بلى. » فخرجت، وتلقّانى أبو مسلم داخلا، فتبسّم، وسلّمت عليه، ودخل، ورجعت، فإذا هو منبطح لم ينتظر به رجوعي. ودخل أبو الجهم، فلمّا راه مقتولا قال:
« إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. » فأقبلت على أبي الجهم فقلت له:
« أمرته بقتله حين خالف، حتى إذا قتل قلت هذه المقالة. » فنبّهت رجلا عاقلا فتكلّم بكلام أصلح ما كان منه.
قال: « يا أمير المؤمنين، ألا أردّ الناس؟ » قال: « بلى. » قال: « فأمر بمتاع يحوّل لك إلى رواق آخر من أرواقك هذه. » فأمر بفرش، فأخرجت كأنّه يريد أن يهيّأ له رواق آخر. فخرج أبو الجهم وقال:
« انصرفوا فإنّ الأمير يريد أن يقيل عند أمير المؤمنين. » ورأوا المتاع ينقل، فظنّوه صادقا، فانصرفوا، ولمّا دخل أبو مسلم قال له:
« أخبرني عن نصلين أصبتهما في متاع عبد الله بن عليّ. » قال: « هذا أحد هما الذي عليّ. » قال: « أرنيه. » فانتضاه، فناوله، فهزّه أبو جعفر، ثم وضعه تحت فراشه، وأقبل عليه يعاتبه ويعدّد ذنوبه. فقال:
« أخبرني عن كتابك إلى أبي العبّاس تنهاه عن الموات، أردت أن تعلّمنا الدين؟ » قال: « ظننت أنّه لا يحلّ، وكان كتب إليّ فيه، فأجبته بما عندي. » قال: « فأخبرني عن تقدمك إيّاى في طريق مكّة. » قال: « كرهت أن نجتمع على الماء، فيضرّ ذلك بالناس، فتقدّمت توطئه والتماس المرفق. » فقال: « فقولك حين أتاك الخبر بموت أبي العبّاس لمن أشار عليك أن تنصرف إلى أن نقدم فنرى رأينا فمضيت، فلا أنت أقمت حتى ألحقك، ولا أنت رجعت إليّ. » قال: « منعني من ذلك ما أخبرتك به من طلب المرفق للناس، وقلت يقدم الكوفة وليس عليه مني خلاف. » قال: « فجارية عبد الله بن عليّ، أردت أن تتّخذها؟ » قال: « لا، ولكني خفت ضياعها فحملتها في قبّة ووكلّت بها من يحفظها. » قال: « فمراغمتك إيّاى والخروج إلى خراسان. » قال: « خفت أن يكون قد دخلك شيء مني، فقلت آتى خراسان وأكتب بعذري وإلى ذاك ما قد ذهب ما في نفسك عليّ. » قال: « فلم قتلت سليمان بن كثير مع أثره في دعوتنا وهو أحد نقباءنا. » قال: « إنّما أراد الخلاف فقتلته. » قال: « تقتله وحاله عندنا حاله بتهمة لم تتحقّقها؟ » ثم قال: « ألست الكاتب إليّ تبدأ بنفسك، والكاتب إلّى تخطب أمينة بنت عليّ وتزعم أنّك ابن سليط بن عبد الله بن عبّاس؟ » فقال أبو مسلم: « يا أمير المؤمنين، لا تتحفّظ عليّ أمثال هذه بعد بلائي وما كان مني. » وكان أبو مسلم قتل في دولته وحروبه ستمائة ألف انسان صبرا. » فقال له:
« يا بن الخبيثة، والله لو كانت أمة مكانك لأجزأت، إنّما عملت ما عملت بريحنا وفي دولتنا، ولو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلا. » ثم قال أبو جعفر:
« إنّك لتزيدني بكلامك واحتجاجك غيظا. »
وصفّق بيده، وكانت العلامة بينه وبين الحرس، فخرجوا عليه وضربوه حتى قتلوه وأدرج في بساط وأمر أبو جعفر لأصحابه بمال، ونثر دراهم لبقية جنده فاشتغلوا بها، ورمى إليهم برأسه.
ثم دعا أبو جعفر بأبي إسحاق صاحب حرس أبي مسلم، فقال:
« أقسم بالله لئن قطعوا طنبا من أطنابى لأضربنّ عنقك ثم لأجاهدنّهم. » فخرج إليهم أبو إسحاق وهم يشغّبون فقال:
« انصرفوا يا كلاب. » وكان أبو مسلم خلّف أبا نصر في ثقله وقال:
« أقم حتى يأتيك كتابي. » قال:
« فاجعل بيني وبينك علامة أعرفها وأثق بكتابك معها. » قال:
« إن أتاك كتابي مختوما بنصف خاتمي، فإنا كتبته وإن أتاك بختمى كلّه فلم أكتبه، ولم أختمه. » فلمّا دنا من المدائن، تلقّاه رجل من قوّاده، فسلّم عليه وقال:
« أطعنى وارجع، فإنّه إن قدر عليك قتلك. » قال: « أمّا وقد قربت من القوم، فإني أكره الرجوع. » وكتب أبو جعفر كتابا عن لسان أبي مسلم إلى أبي نصر يأمره بحمل ثقله وما خلّف عنده، وأن يقدم، وختم الكتاب بخاتم أبي مسلم، فلمّا رأى أبو نصر نقش الخاتم تامّا علم أنّ أبا مسلم لم يكتب به. قال: « أفعلتموها؟ »
وانحدر إلى همذان وهو يريد خراسان.
فكتب أبو جعفر بعهده على شهرزور، ووجّه إليه رسولا بالعهد، فأتاه خبره بعد نفوذ الرسول بالعهد انّه قد توجّه إلى خراسان.
وكتب إلى زهير بن التركيّ وهو على همذان:
« إن مرّ بك أبو نصر، فاحبسه. » ثم كتب إليه كتابا آخر:
« إن كنت أخذت أبا نصر فاقتله. » وقدم صاحب العهد بالكتاب فوصلت الكتب إلى زهير وأبو نصر بهمذان، فأخذه وحبسه، ثم خلّاه لهواه فيه، واحتجّ بأنّ كتاب العهد سبق إليّ فخلّيت سبيله.
وفي هذه السنة ولّى أبو جعفر أبا داود خالد بن إبراهيم خراسان، وكتب إليه بعهده.
خروج سنباذ طلبا بثأر أبي مسلم
وفيها خرج سنباذ بخراسان يطلب بدم أبي مسلم وكان هذا الرجل مجوسيّا، وأظهر غضبا لقتل أبي مسلم، فطلب بثأره، وكثر أتباعه فتسمّى:
بفيروز اصبهبذ، وغلب على نيسابور، وقومس، والريّ، وقبض خزائن أبي مسلم التي خلّفها، فوجّه إليه أبو جعفر، جهور بن مرّار العجلى في عشرة آلاف، فالتقوا بين همذان والريّ، فهزم سنباذ وقتل من أصحابه نحو من ستين.
ألفا وسبيت ذراريّهم ونساؤهم، ثم قتل سنباذ بين طبرستان وقومس.
فكان بين خروجه إلى يوم قتل سبعون ليلة.
خروج ملبد
وفي هذه السنة خرج ملبّد بن حرملة الشيبانى فحكّم بناحية الجزيرة فخرج إليه ألف رجل من روابط الجزيرة، فقتلهم ملبّد وهزمهم، ثم سار إليه روابط الموصل فهزمهم، ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلّبي فهزمه ملبّد بعد قتال شديد وقتل ذريع. ثم وجّه إليه أبو جعفر المهلهل بن صفوان في نخب الجند فهزمهم ملبّد، واستباح عسكرهم ثم خرج إليه نزار في عدّة من قوّاد خراسان، فقتله ملبّد وهزم أصحابه، ثم وجّه إليه زياد بن مشكان في جمع كثير فهزمهم ملبّد. ثم وجّه صالح بن صبيح في عسكر كثيف وعدّة من صناديد فهزمهم الملبّد. ثم سار إليه حميد بن قحطبة فلقيه الملبّد فهزمه، وتحصّن حميد منه وأعطاه مائة ألف درهم على أن يكفّ عنه.
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائة حوادث عدة
وفيها دخل قسطنطين ملك الروم ملطية عنوة فقهر أهلها وملك سورها وهدمه ثم عفى عمّن فيها.
وفيها غزا العبّاس بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس مع صالح بن عليّ، فوصله صالح بأربعين ألف دينار وخرج معهم عيسى بن عليّ، فوصله أيضا بأربعين ألف دينار فبنى صالح بن عليّ ما كان صاحب الروم هدم من ملطية.
وفي هذه السنة خلع جهور بن مرّار العجلى المنصور وكان سبب ذلك أنّ جهورا لمّا هزم سنباذ وحوى ما في عسكره وفي جملته خزائن أبي مسلم، خاف فخلع، فأنفذ إليه المنصور محمّد بن الأشعث الخزاعيّ، فلقيه فقاتله قتالا شديدا، فهزم جهور وقتل من أصحابه خلق كثير وهرب جهور إلى آذربيجان فأخذ بعد ذلك باسفيدروا.
وفي هذه السنة قتل الملبّد الخارجي قتله خازم بن خزيمة بعد قتال شديد وحروب كثيرة لا تستفاد من ذكرها تجربة.
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة عبد الرحمن يصير إلى الأندلس
وفي هذه السنة صار عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان إلى الأندلس فملّكه أهلها أمرهم، فولده ولاتها إلى اليوم.
وفيها عزل سليمان بن عليّ عن البصرة، وولّى سفيان بن معاوية، فتوارى عبد الله بن عليّ وأصحابه فبعث أبو جعفر إلى سليمان وعيسى ابني عليّ وكتب إليهما في إشخاص عبد الله بن عليّ وعزم عليهما أن يفعلا ذلك ولا يؤخّراه، وأعطاهما من الأمان لعبد الله ما رضياه ووثقا به، وجرى في ذلك ما سنذكره إن شاء الله.
ثم استحثّهما بالخروج بعبد الله وبعامّة قوّاده وخواصّ أصحابه فخرجا بعبد الله والجماعة التي التمسها حتى قدموا على المنصور فلمّا دخل سليمان وعيسى على المنصور سألاه في عبد الله بن عليّ وأعلماه حضوره، فأنعم لهما وشغلهما بالحديث.
وقد كان هيّأ لعبد الله محبسا في قصره، وأمر أن يصرف إليه بعد دخول سليمان وعيسى، ففعل ذلك به، ثم نهض أبو جعفر من مجلسه وقال لسليمان وعيسى:
« سارعا بعبد الله. » فلمّا خرجا، افتقدا عبد الله بن عليّ من المجلس الذي خلّفاه فيه، فعلما أن قد حبس، فانصرفا راجعين إلى أبي جعفر، فحيل بينهما وبين الوصول إليه، وأخذت عند ذلك سيوف من حضر من أصحاب عبد الله بن عليّ من عواتقهم وحبسوا.
ثم دخلت سنة أربعين ومائة هلاك أبي داود عامل خراسان
فمما جرى فيها هلاك أبي داود خالد بن إبراهيم عامل خراسان لخطيئة أخطأها على نفسه، وذلك أنّ ناسا من جنده ثاروا به ليلا وهو نازل بباب كشمهان من مدينة مرو حتى وصلوا إلى المنزل الذي هو فيه فأشرف أبو داود من الحائط، وجعل ينادى أصحابه ليعرفوا صوته، ووطئ حرف آجرّة خارجة عن الحائط، فانكسرت الآجرّة ووقع على سترة أمامها فانكسر ظهره ومات.
وقام عصام صاحب شرطة أبي داود بخلافته حتى قدم عبد الجبّار بن عبد الرحمن الأزدي.
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائة
فمّا جرى في هذه السنة أمر الرونديّة وما كان من أبي جعفر في أمرهم.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر أخبار الروندية وخروجهم ومقتلهم
الرونديّة قوم كانوا من أهل خراسان على رأى أبي مسلم صاحب دعوة بنى هاشم، يقولون بتناسخ الأرواح، ويزعمون أنّ روح آدم في عثمان بن نهيك وأنّ جبريل هو الهيثم بن معاوية. وأنّ ربّهم الذي يطمعهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور، ويعدّدون أرواح قوم مضوا فيدّعون أنّها الآن منتقلة في أجساد أخرين هم فلان وفلان، ولا تزال تنتقل في كلّ زمان إلى أجساد قوم فتعاقب فيها أو تثاب.
وكانوا أتوا قصر المنصور فجعلوا يطوفون به ويقولون:
« هذا قصر ربّنا. » فحكى أبو بكر الهذلي قال: إني لواقف بباب أمير المؤمنين إذ طلع فقال لي رجل إلى جانبي:
« هذا ربّ العزّة، هذا الذي يرزقنا ويطعمنا ويسقينا. » فلمّا رجع أمير المؤمنين ودخل الناس ودخلت وخلا وجهه قلت له:
« سمعت اليوم عجبا. » وحدّثته، فنكت في الأرض وقال:
« يا هذلي، يدخلهم الله عز وجل النار في طاعتنا ويقتلهم أحبّ إلينا من أن يدخلهم الجنّة بمعصيتنا. » قال: وأتوا قصر المنصور للطواف حتى شاع خبرهم فأرسل المنصور إلى رؤساء هم فحبس منهم مائتين فغضب أصحابهم وقالوا:
« علام حبسوا؟ » وأمر المنصور ألّا يجتمعوا، فأعدّوا نعشا وحملوا السرير وليس في النعش أحد. ثم مرّوا في المدينة الهاشمية بالكوفة حتى صاروا على باب السجن، فأخرجوا أصحابهم، وقصدوا نحو المنصور يريدونه وهم يومئذ ستمائة رجل، فتنادى الناس، وغلّقت أبواب المدينة، فلم يدخل أحد فخرج المنصور من القصر ماشيا ولم يكن في القصر دابّة، فجعل بعد ذلك يرتبط فرسا يكون في دار الخليفة معه في قصره.
ولمّا خرج المنصور أتى بدابّة فركبها وهو يريدهم. وجاء معن بن زايدة وانتهى إلى المنصور وقال:
« أنشدك الله يا أمير المؤمنين إلّا رجعت فانّك تكفى. » وجاء أبو نصر مالك بن الهيثم فوقف على باب القصر وقال:
« أنا اليوم بوّاب. » ونودى في السوق، فرموهم وقاتلوهم حتى أثخنوهم وفتح بابا المدينة فدخل الناس وجاء خازم بن خزيمة على فرس محذوف فقال:
« يا أمير المؤمنين، أقتلهم؟ » قال: « نعم. » فحمل عليهم حتى ألجأهم إلى حائط، ثم كرّوا على خازم، حتى كشفوه وأصحابه ثم كرّ عليهم فاضطرّوهم إلى حائط المدينة وقال للهيثم بن شعبة:
« إذا كرّوا علينا فاسبقهم إلى الحائط، وإذا رجعوا فاقتلهم. » فحملوا على خازم فاطّرد لهم وصار الهيثم بن شعبة من وراءهم فقتلوا جميعا. وجاءهم يومئذ عثمان بن نهيك وكلّمهم، فرموه، فرجع، فرموه بنشّابة وقعت بين كتفيه فمرض أيّاما ومات.
وأبلى يومئذ برزين بن المصمغان ملك دنباوند. وكان خالف أخاه وقدم على أبي جعفر، فأكرمه وأجرى عليه رزقا، فلمّا كان يومئذ أتى المنصور فكفّر له ثم قال:
« أقاتل هولاء؟ » قال له: « نعم. » فقاتلهم. فكان إذا ضرب رجلا فصرعه تأخّر عنه، فلمّا قتلوا وصلّى المنصور دعا بالعشاء وقال:
« اطلبوا معن بن زايدة. » وأمسك عن الطعام حتى جاء معن، فقال لقثم:
« تحوّل إلى هذا الموضع. » وأجلس معنا مكان قثم. » فلمّا فرغوا من العشاء قال لعيسى بن عليّ:
« يا با العبّاس، أسمعت بأسد الرجال؟ » قال: « نعم. » قال: « لو رأيت معنا علمت أنّه من تلك الآساد. » قال معن: « والله يا أمير المؤمنين، لقد أتيتك وإني لوجل القلب، فلمّا رأيت ما عندك من الاستهانة بهم وشدّة الإقدام عليهم، ورأيت أمرا لم أره من خلق في حرب، شدّ ذلك من قلبي وحملني على ما رأيت مني. » قال الفضل بن الربيع: حدّثني أبي قال: سمعت المنصور يقول:
المنصور يتحدّث عن ثلاث خطيئات « أخطأت ثلاثة خطيئات وقى الله شرّها: قتلت أبا مسلم وأنا في خرق ومن حولي يقدّم طاعته على طاعتي ويؤثرها، ولو هتكت الخرق لذهبت ضياعا، وخرجت يوم الرونديّة، ولو أصابنى سهم غرب لذهبت ضياعا، وخرجت إلى الشام ولو اختلف سيفان بالعراق ذهبت الخلاقة ضياعا. » وفي هذه السنة خلع عبد الجبّار بن عبد الرحمن عامل أبي جعفر على خراسان.
ذكر الخبر عن خلع عبد الجبار وما آل إليه أمره
بلغ المنصور أنّ عبد الجبّار يقتل رؤساء أهل خراسان وكاتبه بعض قوّاده بكتاب فيه: قد نغل الأديم. فقال لكاتبه أبي أيّوب الخوريّ:
« إنّ عبد الجبّار قد أفنى شيعتنا، وما فعل هذا إلّا وهو يريد أن يخلع. » فقال له:
« ما أيسر حيلته؟ اكتب إليه: إنّك تريد غزو الروم فيوجّه إليك الجنود من خراسان وعليهم فرسانهم ووجوههم، فإذا خرجوا منها فابعث إليه من شئت فليس به امتناع. » فكتب إليه بذلك، فأجابه:
« إنّ الترك قد جاشت، وإن فرّقت الجنود ذهبت خراسان. » فألقى الكتاب إلى أبي أيوّب وقال له:
« ما ترى؟ » قال:
« قد أمكنك من قياده، اكتب إليه: أنّ خراسان أهمّ إليّ من غيرها، وأنا موجّه إليك الجنود من قبلي. ثم وجّه إليه الجنود ليكونوا بخراسان، فإن همّ بخلع، أخذوا بعنقه. » فلمّا ورد على عبد الجبّار هذا الكتاب، كتب إليه:
« إن خراسان لم تكن قطّ أسوأ حالا منها في هذا العام، وإن دخلها الجنود هلكوا لضيق ما هم فيه من غلاء السعر. » فلمّا أتاه الكتاب ألقاه إلى أبي أيّوب فقال له:
« قد أبدى صفحته، وقد خلع، فلا تناظره. » فوجّه إليه محمّدا ابنه وقدّم لحربه خازم بن خزيمة، ثم شخص محمّد المهديّ، فنزل نيسابور وتوجّه خزيمة بن خازم إلى عبد الجبّار، وبلغ ذلك أهل مرو الروذ فقاتلوه وجاهدوا فيه حتى هرب وتوارى. ثم طلبوه حتى أخذوه أسيرا. فلمّا قدم خازم أتاه [ به ] فألبسه خازم مدرعة صوف وحمله على بعير وجعل وجهه من قبل عجز البعير حتى انتهى به إلى المنصور ومعه ولده وأصحابه، فبسط عليهم العذاب حتى استخرج منه ما قدر عليه من الأموال. ثم أمر المسيّب بقطع يدي عبد الجبّار ورجليه وضرب عنقه، ففعل المسيّب وأمر المنصور بتسيير ولده إلى دهلك وهي جزيرة بناحية اليمن.
فتح طبرستان
ولمّا وجّه المنصور محمّدا المهديّ إلى قتال عبد الجبّار بن عبد الرحمن، فكفى المهديّ أمر عبد الجبّار بمن حاربه كره المنصور أن تبطل نفقاته التي أنفقت على المهديّ وجنوده. فكتب إليه: أن يغزو طبرستان وينزل الريّ ويوجّه أبا الخصيب وخازم بن خزيمة والجنود إلى الإصبهبذ، والإصبهبذ كان يومئذ محاربا للمصمغان ملك دنباوند معسكرا بإزاءه. فبلغه أنّ الجنود دخلت بلاده وأنّ أبا الخصيب دخل سارية، فساء المصمغان ذلك، وقال للإصبهبذ:
« متى صاروا إليك، صاروا إليّ. »
فأجمعا على محاربة المسلمين. وانصرف الإصبهبذ إلى بلاده. فحارب المسلمين وطالت الحروب. فأشار برزين أخو المصمغان على المنصور بتوجيه عمر بن العلاء، وكان برزين قد عرف عمر أيّام رستقباذ وأيّام الرونديّة وقال:
« يا أمير المؤمنين، إنّ عمر أعلم الناس ببلاد طبرستان فوجّهه. » وعمر بن العلاء هو الذي يقول فيه بشّار:
فقل للخليفة إن جئته ** نصيحا ولا خير في المتّهم
إذا أيقظتك حروب العدى ** فنبّه لها عمرا ثم نم
فتى لا ينام على دمنة ** ولا يشرب الماء إلّا بدم
فوجّهه المنصور وضمّ إليه خزيمة بن خازم فدخل الرويان وفتحها وأخذ قلعة الطاق وما فيها.
وطالت الحرب وألحّ خزيمة على القتال، ففتح طبرستان وقتل منهم فأكثر.
وصار الإصبهبذ إلى قلعته وطلب الأمان على أن يسلّم القلعة بما فيها من ذخائره. فكتب بذلك المهديّ إلى أبي جعفر، فوجّه أبو جعفر بصالح صاحب المصلّى وعدّة معه، فأحصوا ما في الحصن ثم انصرفوا. وبدا للإصبهبذ، فدخل بلاد جيلان من الديلم، فمات بها، وأخذت ابنته، فهي أمّ إبراهيم بن العبّاس بن محمّد، وصمدت الجيوش للمصمغان، فظفروا به وبالبحتريّة أمّ منصور بن المهديّ وبصمير أمّ عليّ بن ريطة بنت المصمغان فهذا فتح طبرستان الأوّل.
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائة
وفيها نقض إصبهبذ طبرستان، العهد بينه وبين المسلمين، وقتل من كان ببلاده من المسلمين فبلغ ذلك المنصور، فوجّه خازم بن خزيمة وروح بن حاتم، وأبا الخصيب مولى أبي جعفر فقاتلوهم حتى طال عليهم. فاحتال أبو الخصيب في ذلك وقال لأصحابه:
« اضربونى واحلقوا رأسى ولحيتي. » ففعلوا ذلك به، ولحق بالإصبهبذ صاحب الحصن وقال:
« إنّه ركب مني ما ترى بتهمة ألحقوها بي وظنّوا أنّ هواى معك. » وأخبره أنّه اليوم معه وأنّه يدلّه على عورة العسكر. فقبل منه الإصبهبذ ذلك وجعله في خاصّته وألطفه ووكّل به من يتعرّف أخباره فصبر، ولم يزل يظهر طاعته ونصيحته حتى وثق به وتمكّن ممّا أراد. فراسل أصحابه بل كاتبهم في نشّابة وواعدهم أن يفتح لهم الباب يوما بعينه. ففعل، فدخلوا وقتلوا من فيها وسبوا الذراريّ وظفروا ببيت الإصبهبذ وبشكلة أمّ إبراهيم بن المهديّ وهي بنت كاتب المصمغان، ومصّ الإصبهبذ خاتما له فيه سمّ، فقتل نفسه.
ودخلت سنة ثلاث وأربعين ومائة
ولم يجر فيها ما تستفاد منه تجربة.
ودخلت سنة أربع وأربعين ومائة
محمد وإبراهيم يهمان المنصور
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وفيها أهمّ أبا جعفر المنصور أمر محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
وكانا قد تخلّفا عنه عام حجّ في حياة أخيه ولم يحضرا مع من حضر من بنى هاشم.
وكان يقال: إنّ أبا جعفر كان بايع محمّد بن عبد الله ليلة تشاور بنو هاشم بمكّة فيمن يعقدون له الخلافة وذلك حين اضطرب أمر بنى مروان.
فلمّا كان بعد ذلك، واستخلف أبو جعفر لم تكن له همّة إلّا طلب محمّد، والمسألة عنه وعن أخيه فسأل عنهما بنى هاشم رجلا رجلا يخليهم، فيسألهم، فيقولون:
« يا أمير المؤمنين، قد علم أنّك عرفته يطلب هذا الشأن قبل اليوم. فهو يخافك على نفسه وهو لا يريد لك خلافا ولا يحبّ لك معصية وما أشبه هذا من الكلام، إلّا حسن بن زيد فإنّه أخبره خبره وقال: والله ما آمن وثوبه عليك، فإنّه ممّن لا يغفل عنك، فر رأيك. » فأيقظ من لا ينام، وأخذ في تتبّعه، ودعا بزياد بن عبيد الله وكان خليفة محمّد بن خالد القسريّ على المدينة، فبحث عن أمر محمّد، وسأل عنه وعن أخيه فقال زياد:
« ما يهمّك من أمرهما، أنا آتيك بهما. » فرّده وضمّنه محمّد بن إبراهيم.
وكان يحيى بن خالد بن برمك يقول: اشترى أبو جعفر رقيقا من رقيق الأعراب، ثم أعطى الرجل البعير والبعيرين، وربّما أعطى الرجل الذود وفرّقهم في طلب محمّد في ظهر المدينة، فكان الرجل منهم يرد الماء كالمارّ وكالضالّ وينقّرون عنه ويتحسسون.
وممّا احتال به أبو جعفر حتى وقف على أخبارهم
كان عمر بن حفص أوفد وفدا من السند منهم عقبة بن سلم، فدخلوا على أبي جعفر، فلمّا قضوا حوائجهم فأرادوا النهوض ونهضوا، استردّ عقبة، فأجلسه ثم قال:
« من أنت؟ » قال: « رجل من جند أمير المؤمنين وخدمه، صحبت عمر بن حفص. » قال: « ما اسمك؟ » قال: « عقبة بن سلم بن نافع. » قال: « ممّن أنت؟ » قال: « من الأزد، من بنى هناة. » قال: « إني لأرى لك هيئة وموضعا وإني لأريدك لأمر أنا به معنيّ لم أزل أرتاد له رجلا عسى أن تكونه إن كفيتنيه رفعتك. » فقال: « أرجو أن أصدّق ظنّ أمير المؤمنين فيّ. » قال: « فأخف شخصك واستر أمرك، وأتنى في يوم كذا وكذا، في وقت كذا وكذا. » فأتاه في ذلك الوقت، فقال له: « إنّ بنى عمّنا هولاء قد أبوا إلّا كيدا لملكنا واغتيالا له، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا، يكاتبونهم، ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف بلادهم، فاخرج بكتبي مع ألطاف وعين حتى تأتيهم متنكّرا بكتاب تكتبه عن أهل هذه القرية ثم تسير ناحيتهم، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب، وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك وكنت على حذر فاشخص حتى تلقى عبد الله بن حسن متقشّفا فإن جبهك وهو فاعل فاصبر وعاوده، فإن عاد فاصبر حتى يأنس بك ويلين لك ناحيته فإذا ظهر لك ما قبله فأعجل عليّ. » فشخص. حتى قدم على عبد الله بن حسن فلقيه بالكتاب فأنكره ونهره وقال:
« ما أعرف هولاء القوم. » فلم ينصرف ويعود إليه حتى قبل كتابه وألطافه وأنس به، فسأله عقبة الجواب، فقال:
« أمّا الكتاب، فإني لا أكتب إلى أحد ولكن أنت كتابي إليهم، فأقرئهم السلام وأخبرهم أنّ ابنيّ خارجان لوقت كذا وكذا. » قال: فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر فأخبره الخبر وبأشياء كان ينتظرها منه. فقال له أبو جعفر:
« إني أريد الحجّ فإذا صرت بمكان كذا وكذا لقيني بنو حسن فيهم عبد الله فأنا مبجّله ورافع مجلسه وداع بالغداء، فإذا فرغنا من طعامنا، فلحظتك فامثل بين يديه، فإنّه سيصرف بصره عنك، فدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك حتى تملأ عينه منك ثم حسبك وإيّاك أن يراك ما دام يأكل. » فخرج حتى إذا ترفّع في البلاد لقيه بنو حسن فأجلس عبد الله إلى جانبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه ثم أمر به فرفع فأقبل على عبد الله فقال:
« يا با محمّد قد علمت ما أعطيتني من العقود والمواثيق ألّا تبغيني سوءا ولا تكيد لي سلطانا. » قال: « فأنا على ذلك يا أمير المؤمنين. » قال: فلحظ أبو جعفر عقبة، فاستدار حتى قام بين يدي عبد الله فأعرض عنه، ثم استدار حتى قام من وراء ظهره، فغمزه بإصبعه فرفع رأسه فملأ عينه منه، ثم وثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر فقال:
« أقلنى يا أمير المؤمنين أقالك الله. » قال: « لا أقالنى الله إن أقلتك. » وأمر بحبسه.
فحكى أبو حنين قال: دخلت على عبد الله بن حسن وهو محبوس، فقال:
« هل حدث اليوم خبر؟ » قلت:
« نعم، قد أمر ببيع متاعك ورقيقك، ولا أرى أحدا يقدم على شرائه. » فقال: « ويحك يا با حنين، والله لو خرج بي وببناتى مسترقّين لاشترينا. » فشخص أبو جعفر، وبقي عبد الله بن الحسن في الحبس ثلاث سنين.
وكان أخوه محمّد وأصحابه أجمعوا على اغتيال أبي جعفر في سنة أربعين لمّا حجّ، وقال لهم الأشتر عبد الله بن محمّد بن عبد الله:
« أنّا أكفيكموه. » فقال: محمّد: « لا والله لا أقتله أبدا غيلة حتى أدعوه. » فنقض أمرهم ذلك، وما كانوا أجمعوا عليه.
وكان دخل معهم قائد من قوّاد أبي جعفر من أهل خراسان، فنمّ بهم إسماعيل بن جعفر بن محمّد الأعرج، فأرسل المنصور في طلب القائد فلم يظفر به وأفلت مع غلام له بمال فأتى محمّدا به فقسّمه بين أصحابه.
وكان السبب في ذلك
أنّ أبا جعفر أنفذ عينا له وكتب معه كتبا على ألسن الشيعة بعلامات لهم وقف عليها يذكرون موالاتهم وحسن طاعتهم ومعه مال، فقدم الرجل المدينة، فدخل على عبد الله بن حسن بن حسن فسأله عن محمّد وأعطاه العلامات، فذكر له أنّه في جبل جهينة وقال:
« امرر في طريقك بعليّ بن الحسن، الرجل الصالح الذي يدعى الأغرّ، فإنّه يرشدك. » فأتاه فأرشده. وكان لأبي جعفر كاتب على سرّه، وكان متشّيعا، فكتب إلى عبد الله بن الحسن بأمر ذلك العين وما بعث له. فقدم الكتاب على عبد الله بن الحسن، فارتاع وبعث أبا هيّار إلى عليّ بن الحسن وإلى محمّد يحذّرهما الرجل، فخرج أبو هيّار حتى نزل بعليّ بن الحسن، فسأله عن الرجل فأخبره:
أن قد أرشده.
قال أبو هيّار: فجئت محمّدا في موضعه الذي هو به فإذا هو جالس في كهف معه قوم، والرجل معهم أعلاهم صوتا وأشدّهم انبساطا، فلمّا رآني ظهر عليه بعض التكرّه، وجلست مع القوم، فتحدّثت مليّا، ثم أصغيت إلى محمّد فقلت:
« إنّ لي حاجة. » فنهض، ونهضت معه، فأخبرته خبر الرجل. فاسترجع وقال:
« فما الرأي؟ »
فقلت: « إحدى ثلاث أيّها شئت فافعل. » قال: « وما هي؟ » قلت: « تدعني حتى أقتل الرجل. » قال: « سبحان الله، ما أقرب دما إلّا وأنا مكره، أو ما ذا؟ » قلت: « توقّره حديدا أو تنقله حيث انتقلت. » قال: « وهل بنا فراغ له مع الخوف والإعجال؟ أو ما ذا؟ » قلت: « تشدّه وتضعه عند بعض أهل ثقتك من جهينة. » قال: « هذا إذا. » فرجعنا وقد نذر الرجل، فهرب فقلت:
« فأين الرجل؟ » قالوا: « قام بركوة فاصطبّ ماء، ثم توارى بهذا الظرب يتوضّأ. » قال: فجلنا في الجبل وما حوله، فكأنّ الأرض التأمت عليه. وكان سعى على قدميه حتى شرع على الطريق، فمّر به أعراب معهم حمول إلى المدينة، فقال لبعضهم:
« فرّغ هذه الغرارة فأدخلنيها أكن عدلا لصاحبها ولك كذا وكذا. » قال: « نعم. » ففرّغها، وحمله إلى المدينة. ثم قدم على أبي جعفر فأخبره الخبر كلّه وعمى عن اسم أبي هيّار وكنيته وعلّق وبرا. فكتب أبو جعفر في طلب وبر المزني فحمل إليه رجل يدعى وبرا فسأله عن قصّة محمّد وما حكى عنه العين، فحلف أنّه ما يعرف من ذلك شيئا فأمر به، فضرب سبعمائة سوط وحبس حتى مات.
من غريب الحكايات
فمن الحكايات الغريبة في ذلك الوقت أنّ المنصور كان عنده قوم يتكهّنون فيخبرونه بموضع محمّد. فكتب بعض أصحاب محمّد ممّن كان يتشيّع ويصحب أبا جعفر:
« لا تقيمنّ في موضعك إلّا قدر ما يسير إليك البريد من العراق.
فكان يقال لأبي جعفر: نرى محمّدا ببلاد فيها الأترج والأعناب. فيكون بالمدينة وينتقل، ثم يرونه بالبيضاء وهي من وراء الغابة على عشرين ميلا وهي لأشجع، فيكتب إليها، فيقال له: قد خرج. ثم يقال له: إنّه ببلاد الجبال والقلات، فيطلبه فيقال: خرج، ثم يقال له: هو ببلاد الحبّ والقطران، فيقول:
هذه بلاد رضوى، فيطلبه ولا يجده.
وكان الناس يقولون: عند أبي جعفر مرآة ينظر فيها فيعلم الغيب منها، ويكثرون من الأحاديث، ولا يشكّون في أنّ أبا جعفر يطّلع الغيب ويعلمون لذلك خرافات مختلفه من أخبار الجنّ والمرآة التي ذكرتها.
ولمّا طلب محمّد في شعاب رضوى من جبل جهينة بخيل ورجال، فزع محمّد وكان هناك، فأحضر شدّا فأفلت. وكان له ابن صغير ولد في خوفه ذلك وكان مع جارية له فهوى من الجبل فتقطّع. فقال محمّد:
منخرق السربال يشكو الوجى ** تنكبه أطراف مرو حداد
شرّده الخوف فأزرى به ** كذاك من يكره حرّ الجلاد
قد كان في الموت له راحة ** والموت حتم في رقاب العباد
وقال محمّد: لمّا ظهر، بينا أنّا بالحرّة مصعدا ومنحدرا، إذا أنا بخيل أبي جعفر ورجاله وعليهم رياح بن عثمان يطلبني فعدلت إلى بئر فوقفت بين قرنيها أستقى، فلقيني رياح صفحا فقال:
« قاتله الله أعرابيا، ما أحسن ذراعه. » وحكى بعضى أصحاب محمّد قال: غ*** يوما مع محمّد وعليه قميص غليظ ورداء قرقبي مفتول، فخرجنا من موضع كان فيه، وذكره، حتى إذا كان قريبا التفت فإذا رياح في جماعة أصحابه ركبان فقلت:
« إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. هذا رياح. » فقال غير مكترث:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)