وفي هذه السنة جلس حسين بن حسن الأفطس وكان خرج من قبل أبي السرايا. فجلس على نمرقة مثنّية خلف المقام فأمر بثياب الكعبة التي عليها فجرّدت منها حتى لم يبق عليها شيء وبقيت حجارة. ثم كساها ثوبين من قزّ رقيق وجّه بهما أبو السرايا مكتوب عليهما:
« ممّا أمر به الأصفر بن الأصفر ابن السرايا داعية آل محمد لكسوة بيت الله وأن يطرح عنه كسوة الظلمة من ولد العباس لتطهّر من كسوتهم وكتب في سنة تسع وتسعين ومائة. » ثم أمر الحسين بالكسوة التي كانت على الكعبة فقسّمت بين أصحابه من العلويّين وأتباعهم، وعمد إلى ما في خزانة الكعبة من مال فأخذه ولم يسمع بأحد عنده وديعة لأحد من ولد العباس وأتباعهم إلّا هجم عليه في داره فأخذه. وإن لم يجد عنده شيئا أخذه فحبسه وعاقبه حتى يفتدى بقدر طوله حتى أفقر خلقا وهرب كثير من أهل النعم فتعقّبهم بهدم دورهم، حتى صار أصحابه إلى أخذ الحرم وأخذ أبناء الناس وتهتّكوا وجعلوا يحكّون الذهب الرقيق الذي في أسافل رؤوس أساطين المسجد الحرام، فيخرج من الأسطوانة بعد التعب الشديد قدر مثقال ذهبا، وقلعوا الحديد الذي على شبّاك كوى المسجد الحرام وقلعوا شبّاك زمزم وباعوها، فتغيّر لهم الناس ولعنوهم.
اجتماع الحسين وأصحابه إلى محمد بن جعفر لمبايعته بالخلافة
وبلغهم أنّ أبا السرايا قتل، وطرد من كور العراق كلّها الطالبيّون، وأنّ الولاية رجعت بها لولد العباس. فعلم حسين أنّه لا ثبات له ولا لأصحابه لسوء السيرة التي ظهرت منهم. فاجتمعوا إلى محمد بن جعفر بن محمد الصادق وكان شيخا ودعا يروى العلم عن أبيه جعفر بن محمد، وينتابه الناس فيكتبون عنه، وكان له سمت وزهد، وفارق ما كان عليه أهل بيته، فكان محبّبا في الناس. فلمّا اجتمع إليه حسين وأصحابه قالوا له:
« قد تعلم حالك في الناس، فأبرز شخصك نبايع لك بالخلافة، فليس يختلف عليك اثنان. » فأبى إباء شديدا. فلم يزل به ابنه عليّ وحسين بن حسن الأفطس حتى غلبا الشيخ على رأيه فأجابهم. فأقاموه يوم الجمعة فبايعوه بالخلافة، وحشروا إليه الناس من أهل مكّة والمجاورين، فبايعوه وسمّوه: أمير المؤمنين. فأقام شهورا ليس له من الأمر إلّا اسمه، وابنه عليّ وحسين وجماعة معهما أسوأ ما كانوا سيرة.
فوثب حسين بن حسن على امرأة من قريش ولها زوج، وكانت ذات جمال بارع. فانتزعها وأخاف زوجها حتى توارى، واغتصبها نفسها بعد أن كسر عليها بابها وحملت حملا إلى حسين.
ووثب عليّ بن محمد وهو ابن أمير المؤمنين محمد بن جعفر على غلام من قريش، ابن قاض بمكّة يقال له: إسحاق بن محمد، كان جميلا بارعا في الجمال. فاقتحم عليه بنفسه نهارا جهارا في داره على الصفا مشرفا على المسعى، حتى حمله على فرسه في السرج، وركب عليّ على عجز الفرس، وخرج به يشقّ السوق. فلمّا رآه أهل مكّة ومن بها من المجاورين خرجوا، فاجتمعوا في المسجد الحرام وغلّقت الدكاكين ومال معهم أهل الطواف بالكعبة، حتى أتوا أباه محمد بن جعفر فقالوا:
« لنخلعنّك ولنقتلنّك أو تردّ إلينا هذا الغلام الذي أخذه ابنك جهرة. » فأغلق بابه وكلّمهم من شبّاك الشارع في المسجد وقال:
« والله ما علمت، فأمهلونى. » ثم أرسل إلى حسين بن حسن الأفطس وسأله أن يركب إلى ابنه فيستنقذ الغلام من يده. فأبى ذلك حسين وقال:
« والله إنّك لتعلم أنّى لا أقوى على ابنك، ولو جئته لقاتلنى في أصحابه. » فلمّا رأى محمد بن جعفر ذلك، قال لأهل مكّة:
« آمنونى حتى أركب إليه وآخذ الغلام. » فآمنوه فركب بنفسه حتى صار إلى ابنه، فأخذ الغلام منه وسلّمه إلى أهله.
فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتى أقبل إسحاق بن موسى العباسي إليهم، فاجتمع العلويّون إلى محمد بن جعفر وقالوا:
« هذا إسحاق بن موسى مقبلا إلينا في الخيل والرجال، وقد رأينا أن نخندق خندقا وتبرز شخصك ليراك الناس فيتحاربوا معك. » وبعثوا إلى من حولهم من الأعراب ففرضوا لهم وخندقوا بأعلى مكّة.
فورد إسحاق وقاتلهم أيّاما ثم كره إسحاق الحرب وخرج يريد العراق. فلقيه ورقاء بن جميل ومن كان معه من أصحاب الجلودي فقالوا لإسحاق:
« إرجع معنا إلى مكّة ونحن نكفيك القتال. » فرجع معهم واجتمع إلى محمد من كان معه، فتقاتلوا عند بئر ميمون يوما ثم عاودهم بعد ذلك بيوم، فكانت الهزيمة على أصحاب محمد بن جعفر. فبعث محمد بن جعفر رجالا من قريش فيهم قاضى مكّة يسألون لهم الأمان حتى يخرجوا من مكّة ويذهبوا حيث شاءوا. فأجابهم إسحاق وورقاء إلى ذلك وأجّلوهم ثلاثة أيّام. ثم دخل إسحاق وورقاء مكّة وتفرّق الطالبيّون وأخذ كلّ قوم ناحيته.
وفي هذه السنة شخص هرثمة من معسكره إلى المأمون بمرو
ذكر خروج هرثمة ومراغمته للحسن والفضل وما آل إليه أمره
لمّا فرغ هرثمة من أمر أبي السرايا ومحمد بن محمد العلوي ودخل الكوفة، أقام في معسكره أيّاما. ثم أتى نهر صرصر والناس يظنّون أنّه يأتى الحسن بن سهل بالمدائن. فلمّا بلغ نهر صرصر خرج على عقرقوف، ثم أتى البردان ثم أتى النهروان. ثم سار حتى أتى خراسان فاستقبلته كتب من المأمون في غير منزل أن يرجع فيلي الشام والحجاز. فأبى وقال:
« لا أرجع حتى ألقى أمير المؤمنين. » إدلالا منه عليه لما كان يعرف من نصيحته له ولآباءه وأراد أن يعرّف المأمون ما يدبّر عليه الفضل بن سهل وما يكتم عنه من الأخبار، وألّا يدعه حتى يردّه إلى بغداد دار خلافة آباءه وملكهم، ليتوسّط سلطانه ويشرف على أطرافه. فعلم الفضل ما يريد فقال للمأمون:
« إنّ هرثمة قد أنغل عليك العباد والبلاد، وظاهر عليك عدوّك، وعادى وليّك، ولقد دسّ أبا السرايا وإنّما هو بعض خوله، حتى عمل ما عمل. ولو شاء هرثمة ألّا يفعل ذلك أبو السرايا ما فعله. » وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدّة كتب أن يرجع فيلي الشام والحجاز فأبى، وقد رجع إلى باب أمير المؤمنين عاصيا مشاقّا يظهر القول الغليظ ويتوعّد بالأمر الجليل وإن أطلق هذا كان مفسدة لغيره. فأشرب قلب المأمون عليه. وأبطأ هرثمة في المسير. فلم يصل إلى خراسان إلّا في شهور.
فلمّا بلغ مرو خشي أن يكتم المأمون قدومه، فضرب بالطبول لكي يسمعها المأمون. فسمعها فقال:
« ما هذا؟ » قالوا: « هرثمة قد أقبل يرعد ويبرق. » وظنّ هرثمة أنّ قوله هو المقبول فأمر بإدخاله فلمّا دخل كان قد أشرب قلب المأمون ما أشرب فقال له:
« يا هرثمة مالأت أهل الكوفة والعلويين وداهنت ودسست إلى أبي السرايا حتى خلع وعمل ما عمل، وكان رجلا من أصحابك ولو أردت أن تأخذهم جميعا لفعلت، ولكنّك أرخيت خناقهم وأجررت لهم رسنهم. » فذهب هرثمة ليتكلّم ويعتذر ويدفع عن نفسه ما قرف به، فلم يقبل ذلك منه وأمر به فوجئ على أنفه وديس في بطنه وسحب من بين يديه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 19 (0 من الأعضاء و 19 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)