وفيها كانت وفاة المعتصم.
ولمّا حضرته الوفاة جعل يقول:
« ذهبت الحيل ليست حيلة. » حتى مات.
وذكر عنه أنّه قال:
« لو علمت أنّ عمرى قصير ما فعلت ما فعلت. » ودفن بسرّ من رأى. فكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وهو ثامن الخلفاء والثامن من ولد العباس، وولد سنة ثمانين ومائة ومات عن ثمانية وأربعين سنة وله ثمانية بنين وبنات.
وكان أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعا مشرب اللون حمرة حسن العينين. وبويع يوم توفى ابنه هارون الواثق بن محمد المعتصم وكان يكنّى أبا جعفر.
خلافة هارون الواثق

ودخلت سنة ثمان وعشرين ومائتين

ولم يجر فيها على ما بلغنا شيء يثبت في مثل هذا الكتاب.
ودخلت سنة تسع وعشرين ومائتين

حبس الكتاب وإلزامهم أموالا

وفيها حبس الواثق الكتّاب وألزمهم أموالا، فأخذ من سليمان بن وهب وهو كاتب إيتاخ أربعمائة ألف دينار، ومن أحمد بن إسرائيل ثمانين ألف دينار بعد أن أمر بضربه كلّ يوم عشرة أسواط فضرب نحو ألف سوط، وأخذ من أحمد بن الخصيب وكتّابه ألف ألف دينار، ومن إبراهيم بن رباح وكتّابه مائة ألف دينار، ومن نجاح ستين ألف دينار ومن الحسن بن وهب وأبي الوزير مائتي ألف دينار، وذلك سوى ما أخذ من العمّال بسبب عمالاتهم، ونصب محمد بن عبد الملك لابن أبي دؤاد وسائر أصحاب المظالم فكشفوا وحبسوا وأقيموا للناس فلقوا كلّ جهد، وجلس إسحاق بن إبراهيم لهم ينظر في أمرهم ويطالبهم.
ذكر سبب ذلك

كان سبب ذلك أنّ الواثق جلس ليلة مع ندمائه فقال:
« إني لست أشتهى الليلة النبيذ، فهلمّوا نتحدّث. » فتحدّثوا عامة الليل فقال الواثق:
« من منكم يعلم السبب الذي وثب من أجله جدّى الرشيد على البرامكة حتى أزال نعمتهم؟ » فقال له بعضهم:
« أنا والله أحدّثك يا أمير المؤمنين. » وحدّثه حديث الجارية وما جرى في أمر ثمنها وإحضار البرامكة قيمة مائة ألف دينار دراهم ليستكثرها فلا يشتريها. فلمّا رآها ضمّها إلى بعض خدمه وبحث عن الأموال ليجمع بيت مال خاصة فوجد البرامكة قد أتلفوا كلّ ما في بيوت أمواله وقد ذكرنا نحن هذا الحديث مشروحا فيما مضى.
فما مرّ على ذلك أسبوع حتى أوقع بكتّابه واستخرج منهم ومن عمّاله أموالا عظيمة.
ودخلت سنة ثلاثين ومائتين

وفيها مات عبد الله بن طاهر وكان إليه يوم ذاك الحربة والشرطة والسواد وخراسان وأعمالها والريّ وطبرستان وما يتصل بها وكرمان، فولّى الواثق هذه الأعمال كلّها ابنه طاهر بن عبد الله بن طاهر.
ودخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين

تحرك قوم وأخذهم البيعة على أحمد بن نصر الخزاعي

وفيها تحرّك قوم في ربض عمرو بن عطاء وأخذوا البيعة على أحمد بن نصر الخزاعي.
ذكر السبب في ذلك

السبب في ذلك أنّ أحمد بن نصر بن مالك [ بن الهيثم ] الخزاعي - ومالك بن الهيثم أحد نقباء بنى العباس وقد تقدّم ذكره فيما مضى - يغشاه أصحاب الحديث. وكان أحمد بن نصر هذا يباين من قال بخلق القرآن وباينه مثل يحيى بن معين وابنا الدورقي وأبو خيثمة، وله مرتبة كبيرة في أصحاب الحديث، وبسط لسانه فيمن يقول بخلق القرآن، مع غلظة الواثق كانت على كلّ من يقول ذلك وامتحانه إيّاهم فيه وغلبة ابن أبي دؤاد عليه.
فجعل أحمد بن نصر لا يذكر الواثق إلّا بالخنزير فيقول:
« فعل هذا الخنزير... وصنع هذا الكافر. » وفشا ذلك حتى خوّف، وقيل له: قد اتصل أمرك به وحرّكه المطيفون به ممّن ينكر القول بخلق القرآن من أصحاب السلطان ومن عامّة بغداد، وحرّكوه لإنكار القول بخلق القرآن وقصده الناس لرتبته في أصحاب الحديث ولما كان لأبيه وجدّه في دولة بنى العباس من الأثر فكانت له أيضا رئاسة ببغداد في سنة إحدى ومائتين.
وبويع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما كثر الدعّار وظهر الفساد والمأمون بخراسان ولم يزل على ذلك ثابتا إلى أن قدم المأمون بغداد في سنة أربع، فرجوا إذا تحرّك استجابة الناس له للأسباب التي ذكرت.
وكان فيمن بايعه قوم من أصحاب إسحاق بن إبراهيم بن مصعب صاحب الشرطة يرون رأيه ففرّقوا في قوم مالا وأعطوا كلّ رجل دينارا دينارا، وواعدهم أحمد بن نصر ليلة يضربون فيها بالطبل للاجتماع والوثوب بالسلطان، وكان قوم منهم بالجانب الشرقي وقوم بالجانب الغربي، فانتبذ بعض من أخذ الدينار واجتمع عدّة منهم على شربه. فلمّا ثملوا ضربوا بالطبل ليلة الأربعاء قبل الموعد بليلة وكان الموعد ليلة الخميس وهم يحسبونها ليلة الخميس التي اتّعدوا لها، فأكثروا ضرب الطبل فلم يجبهم أحد.
وكان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب غائبا عن بغداد وخليفته بها أخوه محمد بن إبراهيم، فوجّه إليهم محمد بن إبراهيم صاحبه فأتاهم فسألهم عن قصّتهم فلم يظهر له أحد فدلّه الجيران على رجل حمّامى فأخذه وتهدّده بالضرب فأمر على أحمد بن نصر وجماعة سمّاهم، فتتبّع القوم من ليلتهم فأخذ بعضهم من الجانب الشرقي وبعضهم من الجانب الغربي وقيّد وجوههم وأصيب في منزل أحدهم علمان أخضران فيهما حمرة، ثم أخذ خصيّ لأحمد بن نصر، فتهدّد فأقرّ بما أقرّ به عيسى الحمّامى.