فلمّا كان يوم السبت دخلوا الجوسق فاستخرجوا أوتامش من الموضع الذي توارى فيه فقتل وقتل كاتبه شجاع بن القاسم وانتهبت دورهم فأخذ منها أموال جليلة ومتاع وفرش وآنية.
فلمّا قتل أوتامش استوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج ووليه عيسى بن فرّخانشاه ثم غضب بغا الصغير على أبي صالح ابن يزداد فهرب أبو صالح إلى بغداد، وصيّر المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجرائي.
ودخلت سنة خمسين ومائتين
ظهور يحيى بن عمر في الكوفة وقتله فيها
وفيها ظهر يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام المكنّى بأبي الحسين بالكوفة وقتل فيها.
ذكر السبب في خروجه
كان السبب في ذلك أنّ أبا الحسين يحيى بن عمر نالته ضيقة شديدة، ولزمه دين ضاق به ذرعا. فلقى عمر بن فرج وهو يتولّى أمر الطالبيّين عند مقدمه من خراسان وكلّمه في صلة. فأغلظ له عمر في القول. فقذفه يحيى في مجلسه فحبس فلم يزل محبوسا إلى أن كفل به أهله فأطلق. ثم صار إلى سرّ من رأى فلقى وصيفا في رزق يجرى له. فأغلظ له وصيف في الردّ، وقال: « لأيّ شيء يجرى على مثلك. » فانصرف عنه.
فذكر الصوفيّ الطالبيّ أنّه أتاه في الليلة التي خرج في صبيحتها، فبات عنده ولم يعلمه بشيء ممّا عزم عليه، وأنّه عرض عليه الطعام وتبيّن فيه أنّه جائع، فأبى أن يأكل، وقال:
« إن عشنا أكلنا. » قال: فتبيّنت أنّه قد عزم على فتكة. وخرج من عندي فجعل وجهه إلى الكوفة، وجمع جمعا كثيرا من الأعراب وأهل الكوفة وأتى الفلّوجة فصار إلى قرية تعرف بالعمد. فكتب صاحب الخبر يخبره، فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى عامله على معاون السواد وهو عبد الله بن محمود السرخسي وإلى عامل الكوفة وهو أيّوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان، فأمرهما بالاجتماع على محاربته.
فمضى يحيى بن عمر في تسعة نفر من الفرسان إلى الكوفة فدخلها وصار إلى بيت مالها، فأخذ ما فيه وبه سبعون ألفا وألفا دينار، وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجون وأخرج عمّال السلطان عنها. فلقيه عبد الله بن محمود [ وكان ] في عداد من الشاكرية، فضربه يحيى على وجهه ضربة أثخنه.
فانهزم ابن محمود مع أصحابه وحوى يحيى ما كان مع ابن محمود من الدوابّ والمال.
ثم خرج يحيى من الكوفة إلى سوادها ولم يقم بالكوفة ولحقه جماعة من الزيديّة وأعراب أهل الطفوف والسيب إلى ظهر واسط، وكثر جمعه. ووجّه محمد بن عبد الله بن طاهر الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب وضمّ إليه من ذوي البأس والنجدة من قوّاده جماعة، وشخص الحسين بن إسماعيل فنزل بإزاء يحيى بن عمر لا يقدم عليه.
فمضى يحيى بن عمر في شرقيّ السيب والحسين في غربيّه حتى عبر إلى ناحية سورا، وسار حتى قرب من جسر الكوفة، فلقيه عبد الرحيم بن الخطّاب وجه الفلس، فقاتله قتالا شديدا وانهزم وجه الفلس، فصار إلى ناحية شاهي ووافاه الحسين بن إسماعيل فعسكر بها.
ودخل يحيى بن عمر الكوفة واجتمعت إليه الزيدية وكثف أمره واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبّوه وتولّاه العامّة من أهل بغداد خاصّة، ولا نعلم أنهم تولّوا من أهل بيته غيره، وتديّن الناس في تشيّعهم. وأقام الحسين بن إسماعيل بشاهى واستراح وأراح أصحابه دوابّهم واتصلت بهم الميرة والأمداد والأموال.
وأقام يحيى بالكوفة يعدّ العدد ويطبع السيوف ويجمع السلاح. فاجتمع عامّة من الزيدية ممّن لا علم لهم بالحرب وأشاروا على يحيى بن عمر بمعاجلة الحسين وألحّت عليه عوامّ أصحابه بمثل ذلك، فزحف إليه من ظهر الكوفة من وراء الخندق ومعه الهيضم العجلى في فرسان بنى عجل وأناس من بنى أسد ورجّالة من أهل الكوفة ليسوا بذوي علم ولا شجاعة ولا تدبير.
فصبّحوا الحسين وأصحابه وأصحاب الحسين مستريحون مستعدّون.
فثاروا إليهم وذلك في الغلس، فرموا ساعة ثم حمل عليهم فرسان الحسين، فانهزموا، ووضع فيهم السيف. فكان أوّل أسير الهيضم بن العلاء بن جمهور العجلى، وانهزم رجّالة أهل الكوفة وأكثرهم عراة بغير سلاح ضعفاء القوى خلقان الثياب فداستهم الخيل وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر وقد تقطّر به البرذون الذي أخذه من عبد الله بن محمود وعليه جوشن تبّتيّ.
فوقف عليه ابنان لخالد بن عمران ولم يعرفه أحدهما وظنّ أنّه خراسانى لأجل الجوشن فقال له الآخر:
« يا أخي هذا والله أبو الحسين قد انفرج قلبه وهو نازل ما يعرف القصّة لانفراج قلبه. » فأمرا رجلا من أصحابهما فنزل إليه وأخذ رأسه وادّعى قتله جماعة، وحمل رأسه إلى دار محمد بن عبد الله وقد تغيّر. فطلبوا من يقور رأسه ويخرج الحدقة والغلصمة. فلم يقدروا عليه، وهرب الجزّارون وطلب ممّن في السجن من الخرّمية الذبّاحين من يفعل ذلك، فلم يقدم عليه أحد إلّا رجل من عمّال السجن الجديد فإنّه جاء فتولّى إخراج دماغه وعينيه وقوّره وحشى بالصبر والكافور.
ثم أمر بحمل الرأس إلى المستعين وكتب إليه بيده بالفتح ونصب رأسه بباب العامّة بسرّ من رأى. فاجتمع الناس وتذمّروا فحطّ وردّ إلى بغداد لينصب هناك، فلم يتهيّأ ذلك. وذكر لمحمد أنّ الناس قد كثروا واجتمعوا على أخذه فلم ينصبه.
فحكى بعض الطاهريين أنّه حضر مجلس محمد بن عبد الله بن طاهر وهو يهنّئ بقتل يحيى وبالفتح وعنده جماعة الهاشميّين من العبّاسيّين والطالبيّين وغيرهم من الوجوه. فدخل عليه أبو هاشم داود بن الهيثم الجعفري فسمعهم يهنّئونه، فقال:
« أيّها الأمير، إنّك لتهنّأ بقتل رجل لو كان رسول اللهحيّا لعزّى به. »
فما ردّ عليه محمد شيئا فحلم عنه. فخرج وهو يقول:
يا بنى طاهر كلوه وبيّا ** إنّ لحم النّبيّ غير مريّ
وكان المستعين قد وجّه كلباتكين التركيّ مددا للحسين ومستظهرا به، فلحق حسينا بعد أن انهزم القوم وقتل يحيى بن عمر ولحق في طريقه قوما معهم الأسوقة والأطعمة يريدون عسكر يحيى. فوضع فيهم السيف فقتلهم ودخل الكوفة وأراد أن ينهبها ويضع السيف في أهلها، فمنعه من ذلك الحسين وآمن الأسود والأبيض بها وأقام أيّاما حتى أمن الناس ثم انصرف عنها.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)