فذكر عن بعض جند الحسين أنّه قال: بعث الحسين بن عليّ الأرمني إلى الحسين بن إسماعيل:
« إنّ الأتراك قد وافوا المخاضة. » فأتاه الرسول فقال الحاجب:
« الأمير نائم. » فرجع الرسول فأعلمه فردّ رسولا ثانيا. فقال له الحاجب:
« الأمير في المخرج. » فرجع فأخبره فردّ رسولا ثالثا فقال:
« قد خرج من المخرج ونام. »
وجاءت الصبيحة وعبر الأتراك فقعد الحسين في زورق وانحدر واستأمن قوم من الخراسانية رموا ثيابهم وسلاحهم وقعدوا على الشاطئ عراة وشدّ أصحاب أعلام الأتراك حتى ضربوا أعلامهم على مضرب الحسين واقتطعوا السوق ولحق الأتراك أصحاب الحسين فوضعوا فيهم السيف فقتلوا وأسروا نحوا من مائتين وغرق خلق كثير ووافى الحسين والمنهزمة نصف الليل ووافى فلّهم وبقيّتهم بالنهار وفيهم جرحى كثير وفقد جماعة من القوّاد.
وورد كتاب أبي الساج بوقعة كانت له مع الأتراك ورئيسهم بايكباك فهزم الأتراك وقتل بايكباك وغرق منهم خلق كثير فحمل إليه محمد بن عبد الله بن طاهر عشرة آلاف دينار صلة ومعونة وخمسة أبواب خلعية وسيف.
وفي هذه السنة نقبت الأتراك السور الذي عليه أصحاب ابن طاهر من ناحية بغواريا في موضعين ودخلوهما وقاتلهم أصحاب ابن طاهر فهزموهم حتى وافوا باب الأنبار وعليه إبراهيم بن محمد بن مصعب وابن أبي خالد وغيره وهم لا يعلمون بما وراءهم ويقاتلون من بين أيديهم قتالا شديدا. ثم إنّهم علموا بهم فانهزموا لا يلوون على شيء فضرب الأتراك باب الأنبار بالنار فاحترق وأحرقوا ما كان هناك من المجانيق والعرّادات ودخلوا بغداد حتى صاروا إلى باب الحديد من الشارع إلى موضع الدواليب فأحرقوا كلّ شيء قرب من ذلك الموضع من أمامهم ووراءهم ونصبوا أعلامهم وانهزم الناس.
فركب محمد بن طاهر في السلاح ووافاه القوّاد فوجههم إلى باب الأنبار وباب بغواريا وجميع الأبواب التي في الجانب الغربي وشحنها بالرجال، وركب بغا ووصيف والشاه بن ميكال وتوجّهوا إلى هذه الأبواب. فقتل من الأتراك خلق كثير ووجّه برؤوسهم إلى ابن طاهر وكاثرهم الناس حتى أخرجوهم من بغداد بعد أن قتل منهم خلق كثير. فلمّا انصرفوا وكّل بغا بالباب من يحفظه ووجّه في حمل الآجر والجصّ وأمر بسده.
وفيها وافى بغداد بالفردك بن ابرنكجيل الأسروشنى فأمر له محمد بن عبد الله بفرض وضمّ إليه رجالا من الشاكرية وأمر أن يعسكر بالكناسة ويجمع مع المظفر بن سيسل بالياسرية في ضبط تلك الناحية ويكون أمرهما واحدا فاختلفا وكتب كلّ واحد منهما يشكو الآخر ويستعفى من المقام بالكناسة فأفرد بالموضع بالفردك وأعفى المظفّر.
مقتل بالفردك
وفي آخر ليلة بقيت من شهر رمضان من هذه السنة قتل بالفردك.
ذكر السبب في ذلك
كان سبب قتله أنّ أبا نصر ابن بغا لمّا غلب على الأنبار وهزم جيوش ابن طاهر من تلك الناحية فأجلاهم [ عنها ] بثّ خيله ورجاله في أطراف بغداد وصار إلى قصر ابن هبيرة وبها نجوبه بن قيس من قبل ابن طاهر، فهرب منه من غير قتال. ثم صار أبو نصر إلى نهر صرصر واتصل بابن طاهر خبره وخبر وقعة كانت بين أبي الساج والأتراك بجرجرايا وخذلان من معه إيّاه ندب بالفردك إلى اللحاق بأبي الساج والمصير إليه بمن معه، فسار في أصحابه لليلتين بقيتا من شهر رمضان فسار يومه وصبّح المدائن فوافاها مع موافاة الأتراك وبالمدائن أصحاب ابن طاهر، فقاتلهم الأتراك فانهزموا ولحق من فيها من القوّاد بأبي الساج وقاتل قتالا شديدا. فلمّا رأى انهزام من هناك مضى متوجّها نحو أبي الساج فأدرك فقتل وقيل إنّه غرق.
انهزام الترك في وقعة بغداد
وفي هذه السنة كانت وقعة عظيمة لأهل بغداد هزموا فيها الأتراك وانتهبوا فيها عسكرهم.
وكان سبب ذلك أنّ أبواب بغداد كلّها فتحت من الجانبين ونصبت المجانيق والعرّادات في الأبواب كلّها والسيارات في دجلة وخرج منها الجند كلهم وخرج ابن طاهر وبغا ووصيف وتزاحف الفريقان واشتدّت الحرب إلى باب القطيعة، ثم عبروا إلى باب الشمّاسية وقعد ابن طاهر في قبّة ضربت عليه وأقبلت الرماة من بغداد بالناوكية في الزواريق، فربّما انتظم السهم الواحد عدّة منهم فقتلهم فهزم الأتراك وتبعهم أهل بغداد حتى صاروا إلى عسكرهم، فانتهبوا سوقهم وهرب الأتراك على وجوههم لا يلوون على شيء وحملت الرؤوس حتى كثرت. فجعل وصيف وبغا يقولان:
« كلّما جيء برأس ذهب والله الموالي واتّبعهم أهل بغداد إلى الروذبار. » ووقف أبو أحمد ابن المتوكّل يردّ الموالي ويخبرهم أنّهم إن لم يكرّوا لم يبق لهم بقيّة وأنّ القوم يتبعونهم إلى سرّ من رأى. فتراجعوا وثاب بعضهم وأقبلت العامّة تحزّ رؤوس من قتل وجعل محمد بن عبد الله يطوّق كلّ من جاء برأس ويصله حتى كثر ذلك وبدت الكراهة في وجوه من كان مع بغا ووصيف من الأتراك والموالي للأتراك يقدمها علم أحمر.
وأقبلت أعلام للحسن بن الأفشين مع الأعلام التي قد استلبه غلام لشاهك فنسي أن ينكسه، فلمّا رأى الناس العلم الأحمر ومن خلفه توهّموا أنّ الأتراك قد رجعوا عليهم فانهزموا وأراد بعض من وقف أن يقتل غلام شاهك، ففهمه ونكس العلم والناس قد ازدحموا منهزمين وتراجع الأتراك إلى معسكرهم ولم يعلموا بهزيمة أهل بغداد، فحملوا عليهم ووضعت الحرب أوزارها فلم تكن بعد ذلك وقعة.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)