وفيها خرج سليمان بن وهب والحسن بن وهب إلى سرّ من رأى
فلمّا وصل إليها حبسه المعتمد وقيّده وأنهب داره ودور بنيه واستوزر الحسن بن مخلد. وكان أبو أحمد الموفّق حسن الرأي في آل وهب فشخص من بغداد ومعه عبيد الله بن سليمان بن وهب. فلمّا قرب الموفّق من سرّ من رأى، تحوّل المعتمد إلى العسكر الغربي فعسكر به واختلف الرسل بينهما.
فلمّا كان بعد أيّام صار المعتمد إلى حرّاقة في دجلة وصار إليه أخوه الموفّق في زلّال، فخلع على الموفّق وعلى مسرور البلخي وكيغلغ وأحمد بن موسى بن بغا.
ثم عبر أهل عسكر أبي أحمد إلى عسكر المعتمد يوم التروية من ذي الحجّة فأطلق سليمان بن وهب ورجع المعتمد إلى الجوسق وهرب الحسن بن مخلد وأحمد بن صالح بن شيرزاد وكتب في قبض أموالهما وأسبابهما ومن يتصل بهما وهرب القوّاد المقيمون كانوا بسرّ من رأى إلى تكريت. ثم شخص إلى الموصل ووضعوا أيديهم في الجباية.
وكان عبيد الله بن سليمان كاتب الموفّق فأصلح بين سليمان بن وهب والحسن بن مخلد.
ودخلت سنة خمس وستين ومائتين

وفيها كانت بين أحمد بن ليثويه وسليمان بن جامع قائد الزنج وقعة بناحية جنبلاء فقتل من أصحاب سليمان سبعة وأربعون قائدا وخلق من الجند لا يحصى عددهم، واستباح عسكره وأحرق سفنه ومضى مفلولا حتى وافى طميشا.
وفيها لحق محمد المولّد بيعقوب بن الليث فصار إليه وقبض السلطان على أمواله وضياعه.
وفيها قبض الموفّق على سليمان بن وهب وابنه عبيد الله وأمر بقبض ضياعهما وأسبابهما وصولحا على تسعمائة ألف دينار.
واستكتب الموفّق صاعد بن مخلد واستوزر إسماعيل بن بلبل.
وفيها مات يعقوب بن الليث بالأهواز وخلفه أخوه عمرو بن الليث وكتب عمرو إلى السلطان بأنّه سامع مطيع.
وفيها لحق العباس بن أحمد بن طولون مع من تبعه ببرقة مخالفا لأبيه أحمد وكان أبوه استخلفه على عمله بمصر لمّا توجّه إلى الشام. فلمّا انصرف أحمد عن الشام راجعا إلى مصر حمل العباس ما في بيت المال بمصر وما كان لأبيه هناك من مال وأثاث وغير ذلك ومضى إلى برقة. فوجّه إليه أبوه جيشا فظفروا به ووجّهوه إلى أبيه فحبسه عنده وقتل بسببه وما كان منه جماعة كانوا شايعوا ابنه على ذلك.
وفيها دخل الزنج جبّل والنعمانية فأحرقوا وسبوا وصاروا إلى جرجرايا ودخل أهل السواد بغداد.
وفيها ولّى أبو أحمد، عمرو بن الليث خراسان وفارس وأصبهان وسجستان وكرمان والسند وأشهد له بذلك ووجّه إليه العهد والخلع.
وفيها صار مسرور البلخي إلى النيل وكان هناك عبد الله بن ليثويه وكان يظهر الخلاف على السلطان. فلمّا قصده مسرور ومن معه تلقّوه وترجّلوا له وانقادوا له بالسمع والطاعة وعبد الله بن ليثويه قد نزع سيفه ومنطقته وعلّقهما في عنقه وهو يعتذر ويحلف أنّه كان محمولا على ما فعل. فقبل منه وخلع عليه وعلى عدّة من قوّاده.
ودخلت سنة ستّ وستين ومائتين

وفيها ولّى عمرو بن الليث عبيد الله بن عبد الله بن طاهر خلافته على الشرطة ببغداد وسرّ من رأى وخلع أبو أحمد عليه. فلمّا صار عبيد الله إلى منزله خلع عليه فيه خلعة عمرو بن الليث. وبعث إليه عمرو مع خلعته عمودا من ذهب.
وفيها غلب اساتكين على الريّ وأخرج العامل كان عليها. ثم صار هو وابنه اذكوتكين إلى قزوين وعليها ايزون أخو كيغلغ. فصالحاه وأخذا قزوين ثم عادا إلى الريّ. وفيها مات أبو الساج وكان منصرفا من الأهواز عن عسكر عمرو بن الليث إلى بغداد.
وفيها ولّى عمرو بن الليث، أحمد بن عبد العزيز بن دلف أصبهان وولّى محمد بن أبي الساج الحرمين وطريق مكّة.
وفيها وجّه مسرور إلى الأهواز أغرتمش ومطر بن جامع وأبا لحرب عليّ بن أبان صاحب الزنج. فكانت بينهم وقعات بنهر السدرة ثم ظفر على تكمين كمنه وأكبّ الزنج على أصحاب السلطان فهزمهم وأسر مطر بن جامع وأتى به عليّ بن ابان فاستبقاه مطر فقال له عليّ:
« لو كنت أبقيت على صاحبنا جعفرويه بتستر لأبقينا عليك. » وكان جعفرويه محبوسا بتستر فلمّا صار إليها مطر أخرجه وقتله فقام عليّ بيده [ السيف ] إلى مطر فضرب عنقه وأفلت أغرتمش وأبّا ووجّه عليّ بن أبان بالرؤوس إلى الخبيث.
وفيها كانت بين الأكراد وبين عليّ بن أبان وقعة، فغلبه الأكراد وقتلوا من الزنج مقتلة عظيمة.
ذكر السبب في ذلك

كان السبب في ذلك أنّه كان بين محمد بن عبيد الله بن آزاذمرد الكردي وبين عليّ بن أبان شحناء، ثم تلاقيا على صالح وكان عليّ يرصده بشرّ، وقد عرف محمد بن عبيد الله ذلك فكان يروم النجاة منه. فكاتب ابن الخبيث المعروف بأنكلاى وسأله مسألة أبيه ضمّ ناحيته إليه فأذن له الخبيث فاستعدّ له عليّ وسار إليه وأوقع برامهرمز ومحمد بن عبيد الله يومئذ مقيم بها. فلم يكن بمحمد فيه امتناع. فهرب فاستباح عليّ رامهرمز وكتب محمد إلى عليّ يطلب المسالمة على مال يحمله إليه، فكتب عليّ إلى الخبيث بذلك، فكتب إليه بقبول ذلك وحمل المال، فحمله وأمسك عليّ عن محمد وأعماله.
ثم كتب إليه يسأله أن يعينه على جماعة من الأكراد بموضع يقال له:
الداريان على أن يجعل له ولأصحابه غنائمهم. فكتب عليّ إلى الخبيث يستأذنه في النهوض إلى ذلك فكتب إليه أن:
« وجّه الخليل بن أبان أخاك وبهبوذ وأقم أنت لا تنفذ جيشك حتى تتوثّق من محمد بن عبيد الله برهائن تكون في يدك تأمن بهم من غدره، فقد وترته وهو غير مأمون. »
فكتب عليّ إلى محمد بذلك وسأله الرهائن، فأعطاه محمد الأيمان والعهود، ودافعه عن الرهائن.