صفحة 4 من 14 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 13 إلى 16 من 54

الموضوع: تجارب أمم المجلد الخامس

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    وكان الغالب على أمر الدواوين والأعمال في أيّام وزارة ابن الفرات هذه من بين سائر كتّابه أبو بشر عبد الله بن فرجويه، وكان السبب في ذلك أنّه سلم من النكبة وقت القبض على ابن الفرات في الدفعة الأولى، واستتر مدّة وزارة الخاقاني وعليّ بن عيسى، وواصل بعد ما مضت سنة واحدة من وزارة عليّ بن عيسى مكاتبة ابن الفرات على يد عيسى المتطبّب، وكان ابن الفرات يجيبه عن رقاعة ويرسم له ما يكاتب به المقتدر عن نفسه، في معايب عليّ بن عيسى وكتّابه وعمّاله، وأنّه ليس يصادر أحدا من عمّاله ويقول:
    « لا أخوّن عاملا بعد أن ائتمنته. » ويذكر تأخّر أرزاق الولد والحرم والحشم، حتى إنّه اقتصر بالولد والحرم على جارى ثمانية أشهر في السنة، والخدم والحشم بستّة أشهر من السنة، واقتصر بالفرسان من مائة وخمسين ألف دينار تطلق لهم في الشهر على خمسين ألف دينار.
    وكان المقتدر يواقف ابن الفرات على تلك الرقاع، فيعرّفه أنّ ابن فرجويه خبر بالأمور، وأنّه صادق في كلّ ما ذكره فيهم المقتدر بصرف عليّ بن عيسى، فإذا شاور مونسا في ذلك أشار عليه أن لا يفعل. ووصف عليّ بن عيسى بالديانة والأمانة.
    فلمّا خرج مونس إلى مصر لمحاربة العلوي صاحب المغرب، تمكّن ابن فرجويه من الجدّ في السعى على عليّ بن عيسى، وكان غريب الخال ونصر الحاجب يدفعان عن عليّ بن عيسى لمّا غاب مونس. فلمّا تبيّن ابن فرجويه دفع غريب ونصر عن عليّ بن عيسى، كتب رقعة بخطّه إلى المقتدر، يذكر فيها أنّه إن صرف عليّ بن عيسى عن الوزارة، وقلّد مكانه عليّ بن محمّد ابن الفرات، أطلق للولد والحرم والحشم ولمن بالحضرة من تفاريق الفرسان مثل ما كان يطلقه في أيّام وزارته الأولى على التمام والكمال والإدرار، وأن يوفّر بعد ذلك من مال مصادرات العمّال ومال مرافقهم والاستثبات في النواحي في كلّ شهر من شهور الأهلّة خمسة وأربعين ألف دينار.
    فواقف المقتدر ابن الفرات على هذه الرقعة، فذكر أنّ جميع ما تضمّنته صحيح، وبذل خطّه بضمانه جميع ذلك. فكانت هذه الرقاع من أكبر أسباب التحاقه على ابن فرجويه في وزارته هذه واختصاصه به.
    واتفق له مع ذلك أنّ ابن الفرات أودع على يده عند جماعة من التجار والكتّاب أموالا جليلة، ولم يقرّ ابن الفرات بما كان أودعه ابن فرجويه، لأنّه لم يكن يعرف أسماء من أودع ذلك عنده. فلمّا عاد إلى الوزارة استخرج له ابن فرجويه جميع ما كان أودعه له من غير أن يذهب له شيء منه.
    وكان أبو عليّ بن مقلة متعطّلا في أيّام وزارة الخاقاني، وعليّ بن عيسى ملازما منزله واستتر أيّام الخاقاني، ثم آمنه عليّ بن عيسى، فلزم منزله فشكر له ابن الفرات واختصّ به لهذه الحال.
    ذكر ما جرى من ابن أبي الساج عند تداول الوزارة الأيدى الكثيرة

    لمّا وقف يوسف بن أبي الساج على الخبر في صرف عليّ بن عيسى عن الوزارة، وكان مقيما بأذربيجان ومتقلّدا أيّام وزارة ابن الفرات الأولى أعمال الصلاة والحرب والمعاون والخراج والضياع العامّة بأرمينية وأذربيجان، ومقاطعا على مال يحمله في كلّ سنة عنها إلى بيت المال بالحضرة، وكان يزيح العلّة في ذلك المال مدّة أيّام وزارة ابن الفرات الأولى. فلمّا ولى أبو عليّ الخاقاني الوزارة ثم عليّ بن عيسى، طمع فأخّر أكثر المال الذي كان يقاطع عليه، واجتمع له من ذلك ما قوى به وحمله على العصيان.
    ذكر ما دبره ابن أبي الساج واحتال به

    أظهر أنّ عليّ بن عيسى أنفذ إليه اللواء والعهد عن المقتدر بالله بتقليده أعمال الحرب بالريّ وقزوين وأبهر وزنجان قبل صرفه عن الوزارة، وسار مبادرا إليها. فلمّا قرب منها انصرف عنها محمّد بن عليّ صعلوك، وهرب إلى نواحي خراسان، وكان محمّد بن عليّ هذا متغلّبا على هذه النواحي، ثم قاطع عن الضياع والخراج مقاطعة خفيفة ولم يف بذلك أيضا.
    فلمّا وقف ابن الفرات على ما فعله ابن أبي الساج أنهى ذلك إلى المقتدر، ثم ورد كتاب ابن أبي الساج بعد أيّام يعتدّ بما فعله من إخراج محمّد بن عليّ صعلوك عن الريّ وما يليها، ويبشّر السلطان بفتحه هذه النواحي، ويصف أنّه لمّا ورد عليه العهد واللواء من جهة عليّ بن عيسى سار إليها فرزقه الله الفتح والنصر، فاغتاظ المقتدر بالله من ذلك وتقدّم إلى ابن الفرات بمواقفة عليّ بن عيسى على ما كتب به ابن أبي الساج، فأخرجه من محبسه ورفق به وخاطبه بجميل وقال له:
    « قد يجوز أن تكون دبّرت بهذا الفعل على صعلوك وهذا غير منكر. » فحلف أنّه ما ولّاه ولا أنفذ إليه لواء ولا عهدا وقال:
    « ولا بدّ للواء والعهد أن ينفذ مع خادم من خدم السلطان، أو قائد من قوّاده. وهؤلاء الخدم والقوّاد بين أيديكم، سلوهم عن ذلك، ولديوان الرسائل
    كاتب يتقلّده بكتب العهود والولايات، سلوه هل كتب بشيء؟ » فأخذ منه ابن الفرات خطّا بما حكاه وعرضه على المقتدر بالله فازداد المقتدر غيظا على ابن أبي الساج.
    وكتب ابن الفرات عن المقتدر بالله وعن نفسه إلى ابن أبي الساج في هذا المعنى أغلظ كتب وتوعّده، وأنفذ إليه من الحضرة لمحاربته خاقان المفلحى، وضمّ إليه الرجال، وأنفذ بعده عدّة من القوّاد مددا له وأنفق الأموال فيهم.
    وكان فيهم مثل محمّد بن مسرور البلخي وسيما الخزري ونحرير الصغير وجماعة أمثالهم، فواقعه ابن أبي الساج وهزمه وأسر جماعة من أصحابه وأدخلهم مشهّرين إلى الريّ.
    وقدم مونس الخادم من الثغر، فندب لحرب ابن أبي الساج وشخص إليه، وكتب إلى جميع القوّاد في طريقه بالانضمام إليه واستأمن إليه أحمد ابن عليّ صعلوك فأحسن قبوله، وصرف خاقان المفلحى عمّا كان إليه من أعمال الجبل، وقلّد مكانه نحرير الصغير.
    واتصلت كتب ابن أبي الساج يلتمس الرضا عنه ويبذل سبعمائة ألف دينار عن أعمال الخراج والضياع بكورة الريّ وما يليها خالصة، سوى أرزاق الأولياء في تلك الأعمال، وسوى النفقات الراتبة، فلم يجبه المقتدر بالله إلى ما التمس فكتب يبذل أن يقيم بالريّ متقلّدا أعمال المعاون والحرب بها فقط حتى ينفذ السلطان إلى تلك النواحي من يتقلّد أعمال الصلاة والخراج والضياع والأحكام والبريد والخبر والخرائط والصدقات. فأقام المقتدر على أنّه لو بذل كلّ بذل لما أقرّه على الريّ يوما واحدا لإقدامه على أن سار إليها بغير أمر.
    فلمّا رأى ابن أبي الساج هذه الحال انصرف عن الريّ وأعمالها بعد أن أخربها وجبى مالها لسنة أربع وثلاثمائة في مدّة قريب، وقلّد مونس الريّ وقزوين وصيفا البكتمرّى، ورضى ابن أبي الساج بأن يجدّد له العهد والولاية للأعمال التي كانت إليه أوّلا، وأشار ابن الفرات بقبول ذلك منه وضمن أن يلزمه بهذا السبب حمل جملة من المال إلى بيت المال يحسن موقعها، فعارض ذلك نصر الحاجب وابن الحوارى وقالوا:
    « لا يجوز أن يقرّ على أرمينية وأذربيجان إلّا بعد أن يرد الحضرة ويطأ البساط. » ونسبوا ابن الفرات إلى مواطأته، فأقام المقتدر على أنّه لا بدّ من محاربته، أو يرد الحضرة، وكتب إلى مونس بالتعجّل إليه لمحاربته. فلمّا رأى ابن أبي الساج أنّ دمه على خطر، حارب مونسا بسراة من بلد أذربيجان فانهزم مونس إلى زنجان، وقتل من قوّاد السلطان سيما، واستأسر ابن أبي الساج جماعة من قوّاد مونس فيهم هلال بن بدر، وأدخلهم إلى أردبيل مشهرين وأقام مونس بزنجان يجمع ليوسف، وهو مع ذلك يكاتبه ويراسله، وابن أبي الساج يلتمس منه الصلح ومونس لا يقبل منه إلّا المصير إلى الحضرة.
    وكان ابن أبي الساج أبقى على مونس لمّا انهزم حتى سلم في ثلاثمائة غلام، ولو أراد ابن أبي الساج لأسره فكان مونس يشكر ابن أبي الساج على هذه الحال.
    فلمّا كان في المحرّم بعد ذلك في أيّام وزارة حامد بن العبّاس واقع مونس يوسف بن أبي الساج الوقعة الأخرى بأردبيل، فأسر يوسف وبه ضربات، وانصرف به مونس إلى بغداد. فلمّا كان سنة سبع وثلاثمائة حمل يوسف بن أبي الساج على جمل من باب الشمّاسية وأدخل بغداد مشهرا، على رأسه برنس وبين يديه الجيش إلى أن وصل إلى دار السلطان ووقّف بين يدي المقتدر، ثم حبس في دار السلطان في يد زيدان القهرمانة، ووسّع عليه ثم خلع على مونس وطوّق وسوّر وخلع على جماعة من قوّاده وزيد الرجّالة نصف دينار لكلّ واحد في الشهر.
    ولمّا بعد مونس من أذربيجان وانكفأ راجعا إلى مدينة السلام ومعه يوسف بن يوداذ غلب سبك غلام يوسف عليها، فأنفذ مونس إليه محمّد بن عبد الله الفارقي وقلّده البلد، وكان في حدود أرمينية، فسار إلى سبك وحاربه فانهزم الفارقي وصار إلى بغداد وتمكّن سبك من البلد. ثم كتب إلى السلطان يسأل أن يقاطع عن الناحية، فأجيب وفورق على أن يحمل في كلّ سنة مائتين وعشرين ألف دينار، وأنفذت إليه الخلع والعقد ولم يف بما ووقف عليه.
    وكان مونس لمّا ظفر بيوسف بن أبي الساج وقبل انصرافه عن أذربيجان قلّد بن وهسوذان أعمال الحرب بالريّ ودنباوند وقزوين وزنجان وأبهر وسلّمها إليه وجعل أموالها له ولرجاله، وقلّد أحمد بن عليّ صعلوك أعمال المعاون بإصبهان وقم وجعل مال الخراج والضياع بقم وساوة له ولرجاله، مبلغه في كلّ سنة أكثر من مائتي ألف دينار.
    ثم وثب أحمد بن مسافر صاحب الطرم على ابن أخيه عليّ بن وهسوذان وهو معه مقيم بناحية قزوين فقتله على فراشه وهرب في الوقت إلى بلده وكان أحمد بن عليّ أخو صعلوك مقيما بقم، فسار منها إلى الريّ ودخلها فأنكر عليه السلطان فعله، وقلّد وصيف البكتمرى أعمال عليّ بن وهسوذان وقلّد محمّد بن سليمان صاحب الجيش أعمال الخراج والضياع وكوتب أحمد بن عليّ بالانصراف إلى قم، ففعل.
    ثم جرت بينه وبين محمّد بن سليمان وحشة، فأظهر الخلاف وصرف عمّال الخراج والضياع عن قم، وأخذ في الاستعداد للمسير إلى الريّ.
    وكوتب نحرير الصغير وهو متقلّد همذان بالمسير إلى الريّ والاجتماع مع وصيف البكتمرى ومحمّد بن سليمان على دفع أحمد بن عليّ. وسار أحمد بن عليّ إلى باب الريّ فواقعوه، وانهزم وصيف ونحرير إلى همذان، وقتل محمّد بن سليمان في الوقعة، وحصلت الريّ في يد أحمد بن عليّ، فشرع في إصلاح ما بينه وبين السلطان وعنى به نصر الحاجب فقاطع عن عمال الخراج بالريّ ودنباوند وقزوين وزنجان وو أبهر على مائة وستّة وستين ألف دينار محمولة في كلّ سنة إلى الحضرة، وقلّد الناحية، وقلّد محمّد بن خلف النيرمانى الضياع بهذه النواحي وأخرج أحمد بن عليّ عن قم فقلّد من نظر فيها.
    ونعود إلى حديث ابن الفرات.
    لمّا تبيّن الوزير أبو الحسن ابن الفرات عداوة نصر الحاجب وأبي القاسم ابن الحوارى وشفيع اللؤلؤي ونسبهم إيّاه إلى مواطأة ابن أبي الساج على العصيان عاداهم ومنعهم أكثر حوائجهم وصرف نصرا وشفيعا عن أكثر أعمالهم.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    وكان ابن الفرات قلّد أبا عليّ ابن مقلة كتابة نصر الحاجب، ثم استوحش أبو عليّ ابن مقلة من ابن الفرات لأجل استخدامه سعيد بن إبراهيم التستري فذكر لنصر أنّ ابن الفرات قد استخرج من ودائعه التي سلمت له خمسمائة ألف دينار بعد أن حلف في وقت نكبته أنّه ما بقيت له وديعة لم يقرّ بها، فذكر نصر للمقتدر ذلك ليغيظه على ابن الفرات وغرّ نصر وابن الحوارى أبا عليّ ابن مقلة وأطمعاه في الوزارة ليستخرجا ما عنده من أخبار ابن الفرات التي يضرّبون بها المقتدر عليه، حتى ظهر الأمر في ذلك واشتهر وكثرت به الأراجيف، فذهب أبو الخطّاب ابن أبي العبّاس ابن الفرات إلى عمّه فشرح له ما يتحدّث به الناس فقال له:
    « إن شككت في أبي عليّ ابن مقلة مع تربيتي له ورفعي منه شككت في ولدي وفيك. » ثم تبيّن ابن الفرات بعد ذلك صحة ما نسب إلى ابن مقلة وأطلع أبا عليّ ابن مقلة على بعض ما وقع إليه من الخوض في أمره على طريق التعجّب ليصرفه عمّا شرع فيه، فاستوحش أبو عليّ منه وخاف معاجلته إيّاه بالنكبة، فجدّ في السعى عليه واعتصم بنصر الحاجب.
    ودخلت سنة خمس وثلاثمائة ورود رسولين لملك الروم بهدايا وألطاف كثيرة التماسا للهدنة

    وفيها ورد رسولان لملك الروم إلى مدينة السلام على طريق الفرات بهدايا عظيمة وألطاف كثيرة يلتمسان الهدنة.
    وكان دخولهما يوم الاثنين لليلتين خلتا من المحرّم، فأنزلا في دار صاعد بن مخلد، وتقدّم أبو الحسن ابن الفرات بأن يفرش لهما ويعدّ فيه كلّ ما يحتاجان إليه من الآلات والأوانى وجميع الأصناف، وأن يقام لهما ولمن معهما الأنزال الواسعة والحيوان الكثير والحلاوة، حتى يتّسع بذلك كلّ من معهما، والتمسا الوصول إلى المقتدر بالله ليبلّغاه الرسالة التي معهما.
    فأعلما أنّ ذلك معتذّر صعب لا يجوز إلّا بعد لقاء وزيره ومخاطبته فيما قصد إليه وتقرير الأمر معه والرغبة إليه في تسهيل الإذن على الخليفة والمشورة عليه بالإجابة إلى ما التمسا.
    فسأل أبو عمر عديّ بن عبد الباقي الوارد معهما من الثغر أبا الحسن ابن الفرات الإذن لهما في الوصول إليه فوعده بذلك في يوم ذكره له.
    وتقدّم الوزير بأن يكون الجيش مصطفّا من دار صاعد إلى الدار التي أقطعها بالمخرّم، وأن يكون غلمانه وحده وخلفاء الحجّاب المرسومين بداره منتظمين من باب الدار إلى موضع مجلسه، وبسط له في مجلس عظيم مذهّب السقوف في دار منها يعرف بدار البستان بالفرش الفاخر العجيب، وعلّقت الستور التي تشبه الفرش واستزاد في الفرش والبسط والستور ما بلغ ثمنه ثلاثين ألف دينار، ولم يبق شيء تجمّل به الدار ويفخّم به الأمر إلّا فعل، وجلس على مصلّى عظيم من ورائه مسند عال والخدم بين يديه وخلفه وعن يمينه وشماله، والقوّاد والأولياء قد ملأوا الصحن، ودخل إليه الرسولان فشاهدوا في طريقهما من الجيش وكثرة الجمع ما هالهما.
    ولمّا دخلا دار العامّة أجلسهما الحاجب في رواقها والرجال قد امتلأت بهم الدار، ثم أخذ بهما في ممرّ طويل من وراء هذا الرواق حتى أخرجهما إلى صحن البستان، ثم عدل بهما إلى المجلس الذي كان الوزير جالسا فيه، فشاهدا من بهاء المجلس والفرش الذي فيه وكثرة الجمع منظرا عجيبا جليلا.
    وكان معهما أبو عمر بن عبد الباقي يترجم عنهما ولهما.
    وحضر نراد بن محمّد صاحب الشرطة في جميع رجاله فأقيما بين يدي الوزير أبي الحسن ابن الفرات، فسلّما وترجم لهما، ابن عبد الباقي ما قالا فأجابهما بما ترجمه لهما ورغبا إليه، في إيقاع الفداء ومسألة المقتدر بالله الإجابة إليه فأعلمهما أنّه يحتاج إلى مخاطبته فيما ذكراه، ثم العمل فيه بما يرسمه، والتمسا منه إيصالهما إليه فوعدهما به.
    وأخرجا من بين يديه وأخذ بهما في الطريق الذي دخلا منه وعادا إلى دار صاعد والجيش منتظم طول الطريق بأحسن زيّ وأكمل هيأة. وكان زيّهما دراريع ديباج ملكيّة ووقايات وفوق الوقايات قلانس ديباج محدودة الرؤوس.
    وخاطب ابن الفرات المقتدر بالله في إيصالهما إليه، وواقفه على ما يجيبهما به، وتقدّم إلى سائر الأولياء والقوّاد وسائر أصناف الجند بالركوب إلى دار السلطان، وأن يكونوا منتظمين للظهر من دار صاعد إلى دار السلطان.
    فركبوا ووقفوا في الطريق على هذا الترتيب في الزيّ الحسن والسلاح التامّ، وتقدّم بأن تشحن رحاب الدار والدهاليز والممرّات بالرجال والسلاح وأن يفرش سائر القصر بأحسن الفرش ولم يزل يراعى ذلك حتى فرغ من جميعه.
    ثم أنفذ إلى الرسولين بالحضور، فركبا إلى الدار على الظهر وشاهدا في طريقهما من الجيش وكثرته وحسن زيّه وتكامل عدّته أمرا عظيما، ولمّا وصلا إلى الدار أخذ بهما في ممرّ يقضى إلى صحن من تلك الصحون، ثم عدل بهما إلى ممرّ آخر، وأخرجا منه إلى صحن أوسع من الأوّل، ولم تزل الحجّاب يخترقون بهما في الصحون والممرّات حتى كلّا من المشي وانبهرا.
    وكانت تلك الصحون والممرّات محشوّة بالغلمان والخدم.
    إلى أن قربا من المجلس الذي فيه المقتدر بالله والأولياء وقوف على مراتبهم، والمقتدر جالس على سرير ملكه، وأبو الحسن ابن الفرات واقف بالقرب منه، ومونس الخادم، ومن دونه من الخدم وقوف عن يمينه ويساره.
    فلمّا دخلا إلى المجلس قبّلا الأرض ووقفا حيث استوقفهما نصر الحاجب، وأدّيا إليه رسالة صاحبهما في الفداء، ورغبا إليه في إيقاعه فأجابهما الوزير عنه بأنّه يفعل ذلك رحمة للمسلمين ورغبة في فكّهم وإيثارا لطاعة الله عز وجل وخلاصهم، وأنّه ينفذ مونسا لحضور ذلك.
    ولمّا خرجا من حضرته خلع عليهما مطارف خزّ مذهّبة وعمائم خزّ، وخلع على أبي عمر أيضا وانصرف على الظهر معهما والجيش على حاله منتظم للفداء.
    فتأهّب لذلك وابتيع من التمس الرسل ابتياعه من الروم المطلوبين وأطلق له وللقوّاد الشاخصين معه من بيت المال بالحضرة مائة ألف وسبعون ألف دينار. وكتب إلى العمّال في طريقه بإزاحة علّته فيما يلتمسه، وحمل إلى كلّ واحد من الرسولين عشرون ألف درهم صلة لهما، وخرجا مع مونس ومعهما أبو عمر وتمّ الفداء في هذه السنة على يد مونس.
    وفيها أطلق أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان وإخوته من الحبس في دار السلطان وخلع عليهم خلعة الرضا.
    وفيها مات العبّاس بن عمرو الغنوي، وكان متقلّدا أعمال الحرب والمعاون بديار مضر، فقلّد مكانه وصيف البكتمرى فلم يضبط العمل فقلّد مكانه جنّى الصفواني فضبطه أحسن ضبط.
    ودخلت سنة ست وثلاثمائة

    القبض على ابن الفرات وانتهاء وزارته الثانية

    وفيها قبض على الوزير أبي الحسن ابن الفرات وكانت مدّة وزارته هذه الثانية سنة واحدة وخمسة أشهر وتسعة عشر يوما.
    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب الظاهر في صرف ابن الفرات عن وزارته هذه الثانية، أنّه أخّر إطلاق أرزاق الفرسان الذين مع القوّاد واحتجّ بضيق الأموال، لأجل ما احتيج إليه من صرفها إلى محاربة ابن أبي الساج، وأيضا لأجل نقصان الارتفاع بأخذ يوسف مال الريّ، فشغب الفرسان في أوّل سنة ستّ وثلاثمائة شغبا عظيما، وخرجوا إلى المصلّى. والتمس ابن الفرات من المقتدر بالله إطلاق مائتي ألف دينار من بيت مال الخاصّة ليضيف إليها مائتي ألف دينار ينفق في الفرسان، فغلظ ذلك على المقتدر وراسله بأنّه قد كان ضمن له أن يقوم بسائر النفقات على رسمه كان في وزارته الأولى، وبحمل ما ضمن حمله إلى حضرته مفردا، وأنّه لم يظنّ أنّه يقدم عليه بطلب مال. فاحتجّ ابن الفرات بما ذكرته فلم يسمع حجّته وتنكّر له.
    وكان عبد الله بن جبير لمّا أقام في وزارة عليّ بن عيسى بواسط، وقد عرف مقدار ارتفاع أعمالها وما يحصل لحامد بن العبّاس من الفضل على الضمان، شرح ذلك لابن الفرات وبيّن له وجوهه لمّا عاد إلى بغداد وعند عوده إلى مجلس الأصل في ديوان السواد. فعظم ذلك في نفس ابن الفرات. فلمّا أتى على ذلك مدّة استأذن ابن جبير ابن الفرات في أن يكاتب حامدا في بعض ما كان أنهاه إليه من ضمان حامد، فأذن له فيه إذنا ضعيفا فكتب من مجلسه - وهو مجلس الأصل في ديوان الخراج - إلى حامد وأجاب حامد وتردّدت بينهما مكاتبات في هذا المعنى.
    وتبع ذلك كتب بشر بن عليّ، وهو خليفة حامد، يعتب على ابن جبير لما كان يتكلّم به في مجلسه، فاستوحش حامد من ذلك وتخوّف أن يكون ما يظهره ابن جبير عن مواطأة الوزير ابن الفرات ولشيء قد عرفه من نيّته، فأنفذ من يسفر له في الوزارة ويخاطب له نصرا الحاجب، فسعى له في ذلك وعرّف نصر سعة نفس حامد وضمن له تصحيح أموال جليلة من جهة ابن الفرات وأسبابه، وراسل أيضا السيّدة في هذا الباب.
    ووافق ما سعى له فيه وما بذله له سوء رأي نصر في ابن الفرات وتخوّفه منه والإضافة التي عرضت في الوقت حتى طلب ما طلب، فتمّ لحامد ما قدّره بما اجتمع من هذه الأحوال. فروسل حامد بالخروج إلى الحضرة من واسط وأن يكتب كتابا بخروجه إلى أجنحة الطير.
    فلمّا وقف عليه المقتدر أنفذ نصرا الحاجب وشفيعا المقتدري فقبضا على ابن الفرات وعلى ابنه المحسّن وموسى بن خلف وعيسى بن جبير وسعيد بن إبراهيم التستري وأمّ ولد له وابنها منه، وحملوا إلى دار السلطان فاعتقل أبو الحسن ابن الفرات وحده في يد زيدان القهرمانة واعتقل الباقون في يد نصر.
    ووصل حامد إلى مدينة السلام وأقام ليلته في دار الحجبة من دار السلطان، وتحقّق به أبو القاسم ابن الحوارى. وجلس حامد يتحدّث، فبان للقوّاد وجميع خواصّ المقتدر حدّته وقلّة خبرته بأمر الوزارة.
    وحدّث المقتدر بذلك فاستدعى أبا القاسم ابن الحوارى وعاتبه على مشورته به، فوصفه ابن الحوارى باليسار العظيم وباستخراج الأموال وهيبته عند العمّال ونبل النفس وكثرة الغلمان. وكان مع حامد لمّا قدم أربعمائة غلام يحملون السلاح فيهم عدّة يجرون مجرى وجوه القوّاد وأكابر أصحاب السلطان.
    وأشار ابن الحوارى على المقتدر في عرض كلامه بإطلاق عليّ بن عيسى وتقليده الدواوين بأسرها ليخلف حامدا عليها فامتنع المقتدر من ذلك إلّا بعد أن يلتمسه حامد منه، فاحتال ابن الحوارى على حامد وقال له:
    « التمس ذلك من المقتدر إذا وصلت إلى حضرته وعظّم عليه أمر الأعمال والدواوين وحوائج الحاشية وخوّفه من سوء أدبهم وصوّر لحامد أنّه إن لم يفعل ذلك فعل مراغمة له. » وحلف أنّه ناصح له. فلمّا وصل حامد إلى المقتدر بالله وتقلّد وزارته قبّل الأرض بين يديه، وبعقب ذلك سأله إطلاق عليّ بن عيسى والإذن له في استخلافه على الدواوين والأعمال.
    فقال له المقتدر بالله:
    « ما أحسب عليّ بن عيسى يجيب إلى ذلك ولا يرضى أن يكون تابعا بعد أن كان متبوعا رئيسا. » فقال حامد بحضرة الناس:
    « لم لا يستجيب إلى ذلك وإنّما مثل الكاتب مثل الخيّاط يخيط ثوبا قيمته ألف دينار ويخيط ثوبا بعشرة دراهم. » فضحك الناس منه.
    وزارة حامد بن العباس

    ولمّا خلع على حامد خلع الوزارة صار إلى دار الوزارة بالمخرّم، فنزلها وجلس فيها للتهنئة ولم يقرّر شيئا من الدواوين فتركها مختومة ذلك اليوم، وتحقّق به أبو عليّ بن مقلة واختصّ به واستحضر حامد أبا عبد الله زنجيّ الكاتب فألزمه داره وردّ إليه مكاتبة العمّال عنه على رسمه مع ابن الفرات.
    وتحقّق بجميع الأمور ابن الحوارى وصار هو السفير بين حامد وبين المقتدر بالله، وكتب عن المقتدر إلى جميع أصحاب الأطراف وعمّال المعاون بخبر تقليده حامدا الوزارة، أنشأ ذلك أبو الحسن محمّد بن جعفر بن ثوابة.
    ثم قرّر حامد وعليّ بن عيسى أمر الدواوين على اتفاق منهما جميعا ثم ابتدأ بعد ذلك يغيّر ما رأى تغييره.
    وكان عليّ بن عيسى في أوّل أيّام وزارة حامد بن العبّاس يحضر دار حامد في كلّ يوم دفعتين مدّة شهرين، ثم صار يحضر في كلّ أسبوع دفعة واحدة ثم سقطت منزلة حامد عند المقتدر بالله أوّل سنة سبع وثلاثمائة وتبيّن هو وخواصّه أنّه لا فائدة في الاعتماد عليه في شيء من الأمور، فتفرّد حينئذ أبو الحسن عليّ بن عيسى بتدبير سائر أمور المملكة، وأبطل حامدا فصار لا يأمر في شيء بتّة حتى قيل فيه:
    هذا وزير بلا سواد ** وذا سواد بلا وزير
    فلمّا رأى حامد بن العبّاس نفسه لا يأمر ولا ينهى ولا يزيد على لبس السواد والركوب في أيّام المواكب إلى دار السلطان، فإذا حضر لم يدخله المقتدر في شيء من التدبير، وكان الخطاب كلّه مع عليّ بن عيسى، شرع في تضمّن أعمال الخراج والضياع والخاصّة والعامّة المستحدثة والعبّاسيّة والفراتيّة بالسواد والأهواز وإصبهان، وتردّدت بينه وبين عليّ بن عيسى في ذلك بحضرة المقتدر مناظرات إلى أن تضمّن هذه الأعمال.
    فضمّن حامد أبا عليّ أحمد بن محمّد بن رستم إصبهان بزيادة مائة ألف دينار في كلّ سنة على ما كان يرتفع به على يده ويد ابن أبي البغل ويد أحمد بن سياه، ولمّا زال ضمان حامد عقد عليّ بن عيسى على أبي عليّ ابن رستم إصبهان بهذه الزيادة ثم شرح أبو الحسين ابن أبي البغل عظيم ما يرتكب أبو عليّ ابن رستم من الظلم لأهل إصبهان، فبحث عنه عليّ بن عيسى حتى تحقّقه، فاستشار ابن أبي البغل فأشار بعقد الضمان على صاحبين له كانا يتولّيان له بإصبهان مدّة تقلّده إيّاها وهما أبو مسلم محمّد بن بحر وأبو الحسين أحمد بن سعد. فعقد ذلك عليهما بثمانين ألف دينار زيادة وحطّ من جملة المائة الألف عشرين ألفا، ليكون في ذلك ترفيه للرعيّة، وسلّم إليهما ابن رستم.
    ولمّا تبيّن حامد اتّضاع حاله عند المقتدر ورأى أنّه لا يأمر ولا ينهى في شيء من أمر المملكة استأذن في العود إلى واسط ليدبّر أمر ضمانه الأوّل، فأذن له المقتدر في ذلك وأقام بواسط وله اسم الوزارة فقط.
    ذكر ما عامل به حامد بن العباس علي بن محمد بن الفرات وأسبابه

    ركب حامد بن العبّاس وعليّ بن عيسى ثالث يوم تقلّد حامد الوزارة إلى المقتدر ووصل الناس ووصلا إليه، والتمس حامد الإذن لرجل من الجند وذكر أنّه وجده قبل تقلّده الوزارة وأقرّ له بأنّه كان رسول ابن الفرات إلى يوسف بن أبي الساج في العصيان، فأحضره كتابا منسوبا إلى ابن أبي الساج من ابن الفرات فغلظ ذلك على المقتدر واغتاط على ابن الفرات وأقبل على أبي عمر القاضي وقال له:
    « ما عندك في هذا الفعل من ابن الفرات؟ » قال له:
    « يا أمير المؤمنين لئن صحّ أنّه أقدم على هذا الفعل لقد سعى في إفساد أمر المملكة. » ثم أقبل بعده على أبي جعفر ابن البهلول القاضي فقال له:


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    « ما عندك في هذا؟ » قال له:
    « عندي أنّ الله عز وجل قد أمر بالتثبّت ونهى عن قبول قول الفاسق. » ثم ناظر ابن البهلول الرجل مناظرة أدّت إلى أنّه كذب، فأقرّ الرجل بالكذب فيما ادّعاه فسلّم الرجل إلى صاحب الشرطة وأمر بضربه مائة سوط، فضرب وحبس في المطبّق ثم نفى إلى مصر.
    ثم إنّ حامدا وعليّ بن عيسى أحضرا أبا عليّ الحسين بن أحمد المادرائى مناظرة ابن الفرات في دار السلطان، فكاشف الحسين بن أحمد المادرائى ابن الفرات بأنّه حمل إليه في وزارته الأولى أربعمائة ألف دينار من مال المرافق بأجناد الشام وإنّ أبا العبّاس بن بسطام وأبا القاسم ابنه بعده حملا إليه ثمانمائة ألف دينار من مال الاستثناء والمرافق بكور مصر حسابا في كلّ سنة مائتي ألف دينار.
    وحضر المناظرة القضاة والكتّاب وجلس المقتدر بحيث يسمع ما يجرى ولا يراه أحد واحتجّ ابن الفرات بأن قال:
    « إنّ هذا العامل قد تولّى أعمال مصر والشام في أيّام وزارة عليّ بن عيسى وقد اعترف بأنّ هذه أموال واجب استخراجها وادّعى أنّه حمل بعضها إليّ حيث كان متقلّدا أعمال أجناد الشام وأنّ ابني بسطام حملا إليّ ما ذكره. » وقد ولى عليّ بن عيسى الوزارة مدّة أربع سنين وليس يخلو هذا المال من أن يكون حمله إلى عليّ بن عيسى فهو واجب عليه أو لم يحمله فهو واجب على هذا العامل في نفسه.
    ثم قد اعترف أنّه قد جبى في أيّام وزارتي الأولى ما قال وهو أربعمائة ألف دينار وادّعى حملها إليّ فصار مقرّا على نفسه ومدّعيا عليّ وأنا أقول إنّه كاذب في ادّعائه عليّ وحكم الله تعالى ورسوله والفقهاء معروف في أمثاله. فأسمعه حامد ما يكره وشتمه شتما قبيحا، فقال له ابن الفرات:
    « أنت على بساط السلطان وفي دار المملكة وليس هذا الموضع ممّا تعرفه من بيدر تقسمه ولا هو مثل أكّار تشتمه ولا عامل تلاكمه. » ثم أقبل على شفيع اللؤلؤي وقال له:
    « يجب أن تكتب عني بما أقوله إلى مولانا، أيّده الله: إنّ حامدا إنّما حمله على الدخول في الوزارة وليس من أهلها أنّى أوجبت عليه أكثر من ألف ألف دينار من فضل ضمانه أعمال واسط وجدّدت في مطالبته بها فقدّر بدخوله في الوزارة أن يفوز بذلك الفضل وبما يحصّله مستأنفا وقد كان ينبغي له وهو وزير أمير المؤمنين أن يدع ضمان أعمال واسط حتى يتبيّن أمربح هو أم مخسر فيدبّره أبو الحسن عليّ بن عيسى فإنّه لا يشكّ أحد في بعد ما بينه وبين حامد في الصناعة والاحتياط، فأمّا وهو وزير وهو ضامن فهذا أوّل خيانته واقتطاعه. » فأمر حامد بن العبّاس أن تنتف لحيته فلم يمتثل أحد أمره، فوثب هو بنفسه إليه وجذب لحيته.
    وكان الخطاب قد انتهى أن بذل الحسين بن أحمد المادرائى خطّه بخمسمائة ألف دينار سلّم إليه ابن الفرات، وكان ذلك قبل شتيمة حامد له ومدّ يده إلى لحيته. وكان حامد أحضر أبا عليّ ابن مقلة وواقفه على أن يواجه ابن الفرات بأنّه قد استخرج من ودائعه التي كتمها في وزارته خمسمائة ألف دينار فلم يبرز أبو عليّ صفحته لابن الفرات وراسله حامد في المجلس أن يفي بوعده ويوافقه في وجهه فقال أبو عليّ:
    « أنا أكتب خطّى بذلك فأمّا أن أواجه ابن الفرات فلا أفعل. » فغلظ ذلك على حامد وتنكّر لابن مقلة منذ هذا اليوم.
    وكان عليّ بن عيسى لا يزيد على أن يكلّم ابن الفرات في مواضع الحجّة بكلام جميل وحامد مشغول بالسفه والشتم. وكان ابن الحوارى يرى ابن الفرات أنّه متوسّط بينه وبين حامد وتبيّن في خطابه أنّه متحامل على ابن الفرات ولمّا سمع المقتدر شتم حامد لابن الفرات ووقف على مدّ يده إلى لحيته أنفذ خادما أقام ابن الفرات من مجلسه وردّه إلى محبسه، فقال عليّ بن عيسى وابن الحوّارى لحامد:
    « قد جنيت علينا بما فعلته بابن الفرات. » وكان الحسين بن أحمد المادرائى بعد مكاشفته لابن الفرات قال له:
    « إن تأدّى إلى المصادرة تحمّلت عنك خمسين ألف دينار. » فلمّا خرج من المجلس قال له نصر الحاجب وعليّ بن عيسى وابن الحوارى:
    « دخلت لتناظر الرجل فلم تبرح حتى بذلك له مرفقا وصانعته. » فقال لهم:
    « أدخلتمونى إلى رجل قال لي بعضكم لمّا دخلت إليه: أنظر لمن تخاطب. وقال آخر: أنظر بين يديك. وقال آخر: الله الله في نفسك. فلم أجد شيئا أقرب إلى الصواب ممّا فعلته بعد أن سمعت كلامه. » فمن جميل ما عمله ابن الفرات أنّه لمّا تقلّد بعد هذا الوقت الوزارة وهي وزارته الثالثة قبض على ابن الحسين بن أحمد المادرائى وهو أكبر أولاده فأخذ خطّه بخمسة وعشرين ألف دينار كانت واجبة عليه من مال السلطان ولم يطالبه بها واعتقله إلى أن وافى أبوه الشام، فذكّره ابن الفرات ما كان بذله من الخمسين الألف الدينار التي تحمّلها عنه وقال له:
    « قد كنت مخيّرا أن تفعل وأن لا تفعل وإنّما وعدت وعدا وهذه رقعة بخطّ ابنك بخمسة وعشرين ألف دينار وهي واجبة عليه حاصلة قبله ولا حجّة له ولا لك فيها وقد رددتها عليك مكافأة لك على ما بذلت.
    وقد كان أنفذ أبو أحمد بن حمّاد لمناظرة ابن الفرات بحضرة شفيع اللؤلؤي وغيره فافتتح ابن حمّاد الخطاب بأن قال:
    « إنّ الوزير والرئيس أدام الله عزّهما يقولان لك: أصدق نفسك فقد وصل إليك من ضياعك وغلّاتك في كلّ سنة ألف ألف ومائتا ألف دينار ومن وجوه ارتفاقاتك مثلها وهذا مال عظيم، فاكتب خطّك بألف ألف دينار معجّلة تقدّمها إلى أن ينظر في أمرك حتى تسلم نفسك وإلّا سلّمت إلى من يعاملك بما يعامل به مثلك من الخونة الذين دبّروا على المملكة فقد صحّ عند السلطان أنّك كاتبت ابن أبي الساج وأمرته بالعصيان. » فقال له ابن الفرات:
    « قد كان ينبغي أن يشغلك أمرك وما عليك في نفسك عن تحمّل الرسائل قد تصرّفت لعلي بن عيسى أربع سنين واقتطعت أموالا، فلمّا نظرت في الأمر استترت عني وكتبت إليّ من تصرّف مكانك باستدراكات عليك وارتفاقات لك كثيرة والكتب بأعيانها في ديوان السلطان محفوظة. » فأقبل شفيع على ابن حمّاد فقال له:
    « لست من رجال ابن الفرات، فقم إلى ابنه المحسّن فناظره. » فقام وأخذ خطّ المحسّن بثلاثمائة ألف دينار. ثم ناظر موسى بن خلف وسأله عن ودائع ابن الفرات وأمواله فقال له موسى:
    « ما له عندي وديعة ولا أعرف أخبار ودائعه ولا له على يدي مال ولا وليت له عملا سلطانيا وإنّما كنت أنظر في نفقات داره. » وكان موسى ابن خلف شيخا كبيرا قد أتت عليه نحو تسعين سنة وكان مع ذلك عليلا به ذرب لا فضل فيه للمكروه فشتمه ابن حمّاد. وكان يتردّد بعد ذلك إلى أصحاب ابن الفرات ويناظرهم فلا يرتفع له شيء. وكان علّق المحسّن بفرديد من حبل الستارة فلم يصح له من جهته شيء. فلمّا رأى ذلك استعفى منهم فأعفى وأحضر حامد موسى بن خلف فقال له:
    « دلّ على أموال ابن الفرات فإنّك تعرفها ولا تحوج إلى مكروه يقع بك. » فقال له: « أحلف بما شئت من الأيمان إني لا أعرف شيئا من ودائعه. » فأمر بصفعه فصفع إلى أن سأل عليّ بن عيسى فيه وأشار إلى الغلمان بالكفّ. ثم عاوده حامد بالمكروه مرّات حتى أحضره ليلة بين يديه وضربه حتى مات تحت الضرب فقيل له:
    « إنّه قد تلف. » فقال: « اضربوه. » فضرب بعد موته سبعة عشر [ سوطا ] فلمّا علم بموته أمر بجرّ رجله، فجرّ وتعلّقت أذنه في رزّ عتبة الباب فانقلعت وحمل إلى منزله ميتا.
    واستحسن من فعل موسى بن خلف ووفائه أنّه كان يقف على أموال مودعة لصاحبه عند جماعة فلم يقرّ عليه إلى أن تلف.
    وأحضر حامد المحسّن وطالبه فذكر المحسّن أنّه لا يقدر على أكثر من عشرين ألف دينار فأمر بصفعه فصفع فرأى على رأسه شعرا كثيرا فقال:
    « هذا لا يتألم بالصفع، هاتوا من يحلق شعره. » فأخرج من بين يديه فحلق شعره ثم أعيد إليه فصفعه حتى كاد يتلف وذلك بين أيدى جماعة كثيرة، فشفع إليه عليّ بن عيسى وسأله أن يقتصر منه على خمسين ألف دينار، فحلف أنّه لا يقنع منه بدون سبعين ألف دينار، فبذل خطّه بها وألبسه جبّة صوف وعذّبه ألوانا ثم سلّمه إلى أبي الحسن الثعبانى فأدّى ستين ألف دينار بعد أن استماح الناس وأسعفه عليّ بن عيسى بعشرة آلاف درهم وأقام شهورا كثيرة يستميح الناس حتى صحّح ما بذل خطّه به وكثرت الشفاعات فيه فردّه حامد إلى منزله.
    وجهد حامد في أن يسلّم إليه ابن الفرات فقال المقتدر:
    « أنا أسلّمه إليك وأوكّل به خادما يحفظ نفسه. » فقال حامد:
    « إذا علم ابن الفرات أنّه يحرس من المكروه تماتن. » فقال المقتدر:
    « أنا أسلّمه إلى عليّ بن عيسى أو إلى شفيع اللؤلؤي فإني أثق بهما. » وكان المقتدر يروّى في أمر ابن الفرات فتارة تشره نفسه إلى المال وتارة يكره أن يتلف في يد حامد. فعرفت زيدان القهرمانة هذه الحالة من المقتدر وأعلمتها ابن الفرات، فأظهر ابن الفرات أنّه رأى أخاه أبا العبّاس في النوم ووصّاه وقال له:
    « أدّ المال فإنّ القوم ليس يريدون نفسك وإنّما يريدون مالك. » وأنّه قال:
    « قد أدّيت إليهم جميع مالي. » وأنّ أخاه أجابه بأن قال:
    « لم تؤد إليهم المال الفلاني. » فقلت: « إنّ معظم ذلك لورثتك. » فقال: « أدّه فإنّا جمعناه من أسلافهم وادّخرناه لمثل هذا اليوم. »
    ثم كتب إلى تاجرين بحمل ما عندهما وهو سبعمائة ألف دينار إلى حضرة المقتدر. وكتب إلى أبي بكر ابن قرابة بشيء آخر وإلى ابن إدريس الحمّال بشيء آخر، فأنفذ المقتدر رقاعة إلى حامد وعليّ بن عيسى فغلظ ذلك عليهما ويئسا معهما من تسلّم ابن الفرات وقال عليّ بن عيسى وابن الحوارى لحامد:
    « أيّ شيء عندك فيما فعله ابن الفرات؟ » فقال حامد:
    « هذا من إقبال مولانا أمير المؤمنين. » فقال له عليّ بن عيسى:
    « هذا لا شكّ فيه كما قال الوزير، أيّده الله، ولكن ما أشكّ أنّ ابن الفرات ما فعل هذا حتى توثّق بنفسه ولا سمح بهذا المال العظيم عفوا بغير مكيدة وقد كان يجوز أن يقنع منه ببعضه إلّا لشروعه في تضمّن أنفسنا وأحوالنا. » فقال حامد وابن الحوارى:
    « هذا لا شكّ فيه. » ثم تشاغل حامد وعليّ بن عيسى باستحضار من عليه المال وأوصلوا إليهم رقاع ابن الفرات فاعترفوا بحصّته سوى ابن قرابة فإنّه قال في عشرة آلاف دينار كان أودعه إيّاها:
    « قد كان أودعنى هذا المال ثم ابتاع مني في أوّل سنة ستّ وثلاثمائة عنبرا ومسكا كثيرا أهدى أكثره إلى المقتدر بالله واليسير منه لنفسه ومعي توقيعاته بخطّه بتواريخ أوقاته. » واستدعى أن يجمع بينه وبين ابن الفرات فأنفذه حامد إلى دار السلطان وأوصله مفلح إلى ابن الفرات حتى ذكر له ذلك فصدّقه وقال له:
    « لا تلمني على ما كتبت به فقد كنت أنسيت ما جرى فيه ولعمري لقد كنت جعلت مال الوديعة محسوبا لك في ثمن العطر. » وكتب ابن الفرات خطّه بصحة ما قاله ابن قرابة فسلّمت الدنانير لابن الفرات وكان هذا الفعل من ابن قرابة أوكد أسباب تحقّقه فيما بعد ذلك بابن الفرات. وقد كان ابن الفرات أودع القاضي أبا عمر مالا لابنه الحسن بن دولة فلحقت أبا عمر رهبة شديدة من حامد لبسطه يده على القضاة والشهود فاعترف أبو عمر القاضي أنّ لابن الفرات عنده وديعة لمّا سأله حامد هل عنده وديعة. فأمر بإحضاره فأحضره وأدّاه وبلغ ذلك ابن الفرات فتنكّر لأبي عمر.
    فحكى أنّ أبا بكر ابن قرابة قال: لمّا خلع على ابن الفرات للوزارة الثالثة كنت أوّل من لقيه في دهليز الحجبة المتصل بباب الخاصة فقال:


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    « يا با بكر تقرّب أبو عمر بوديعتى وعرّضنى. » قال: فقلت:
    « الوزير أيّده الله صادق فمن أخبره؟ » فأومأ إلى زيدان القهرمانة وأن القاضي أبا عمر عرف تنكّر الوزير له.
    ووصل إلى منزله وقت العشاء الآخرة فإذا فأبي عمر وابنه جالسين في مسجد على بابه فأكبر ذلك ونزل إليهما فحلفا عليه أن يدخل إلى منزله ودخلاه بدخوله فقالا له:
    « خبر المجلس عندنا، فما الذي ترى؟ » فقال لهما:
    « إزالة الاعتذار والإحتجاج وردّ المال. » فاستجابا، وكان مبلغ المال ثلاثة آلاف دينار وسألاه التسكين عنهما لئلا يعاجلا فبكّر ابن قرابة إلى ابن الفرات فقال له:
    « قد جاءني أبو عمر القاضي وابنه قلقين، وذكرا أنّ المال بحاله. » فقال:
    « الحمد لله ربّ العالمين. » فلمّا كان في اليوم الثاني من ذلك حمل أبو بكر الثلاثة الآلاف الدينار في برنيّة كانت ضمّنت الوديعة فلمّا رآها ابن الفرات عجب وأمر بتسلّمها:
    وعدنا إلى خبر حامد في وزارته

    ولمّا رأى حامد وعليّ بن عيسى تمكّن ابن الحوارى من المقتدر بالله خرج توقيع حامد بخطّ عليّ بن عيسى بتقليد ابن الحوارى جميع أعمال الإعطاء في العساكر لسائر نواحي المغرب من حدّ هيت إلى آخر حدود مصر، وأن يقام له من الرزق مثل ما كان يقام لجميع من كان ينظر في ذلك في آخر أيّام وزارة ابن الفرات الثانية، وأن يقلّد ابنه - وكانت سنّة في الحال نحو عشر سنين - ويجرى عليه ما مبلغه في الشهر مائة وخمسون دينار وقلّد ابنه هذا بيت مال الإعطاء بالحضرة بحقّ الأصل بجاري مائة وثمانين دينارا في الشهر واستخلف له عليه المعروف بقاطر ميز الكاتب.
    وزاد بعد ذلك اختصاص ابن الحوارى وخدمته له في خلواته وكان يشاوره في أموره فقلّد أعمالا أخر وأجرى عليه واستخلف له عليها. فكان يصل إليه مال عظيم ولا يباشر شيئا من الأعمال ولا يدرى ما يجرى فيها.
    وصرف نزار عن الشرطة بمدينة السلام وقلّد نجح الطولونى واستخلف عليها وأقام في الأرباع فقهاء يعمل أصحاب الشرط في أمر الجناة بما يفتون به في أمرهم فضعفت هيبة الشرطة بذلك واستلان اللصوص والعيّارون جانب نجح فكثرت الجراحات والفتن وتفاقم الأمر في التلصّص وكان العيّارون يقولون:
    أخرج ولا تبالي ** ما دام نجح والى.
    ودخلت سنة سبع وثلاثمائة

    كان غرض حامد في الضمانات على النواحي التي ذكرناها تفرّد عليّ ابن عيسى بتدبير المملكة وإبطاله أمر حامد. فتضمّن حامد بهذه النواحي ليكون له بالحضرة أمر ونهى وليوفّر من هذه الأعمال ما يبطل به السوق التي قامت لعليّ بن عيسى عند المقتدر بالكفاية والعفاف. وإنّما لم يدخل أعمال فارس في ضمانه لأنّها كانت في ضمان أبي القاسم ابن بسطام وكان النعمان يشير على حامد بترك الدخول في الضمان فإنّه زعم أنّه تسقط هيبته عند الناس ويصير عليّ بن عيسى المطالب له بالأموال والمتحكّم عليه.
    وكان أبو عيسى أخو أبي صخرة قديم الصداقة لحامد وكان يشير عليه بالضمان ليتبيّن أثره وأن يتضمّن بعبرة سنى عليّ بن عيسى خاصّة ليكون ما يثيره - وهو شيء كثير وافر - استدراكا على عليّ بن عيسى. فمال حامد إلى هذا الرأي وخاطب عليّ بن عيسى بحضرة المقتدر وقال له:
    « قد تفرّدت بتدبير الأمور دوني وليس ترى أن تشاورنى في شيء تعمله ولا بدّ من صدق أمير المؤمنين. فقد أضعت بالسواد والأهواز وإصبهان أربعمائة ألف دينار في كلّ سنة وأنا أضمن هذه الأعمال أربع سنين بعبرة المحمول والمسبّب في سنى وزارتك وزيادة أربعمائة ألف دينار في كلّ سنة. » فأجابه عليّ بن عيسى بأنّه لا يستصوب تضمينه هذه الأعمال لأنّ مذهبه في خبط الرعيّة وإحداث السنن وضرب الأبسار معروف ومن عمل بهذه السيرة فهو لا محالة يوفّر سنة أو أكثر ثم تخرّب خرابا لا يتلافى في سنين فيبطل الارتفاع ويسيء الذكر. فتخاصما خصومة طويلة فقال المقتدر:
    « هذا توفير من حامد ولا يجوز تركه فإن ضمنت أنت هذه النواحي بما ضمنه حامد ضمّنتك. » فقال عليّ بن عيسى:
    « أنا كاتب وليست بعامل وحامد أولى بالضمان لا سيّما وقد بذل ما بذل راغبا والأثر في ذلك يا أمير المؤمنين، لأنّى قد عمرت البلدان لرفقى بالرعيّة وتقليدي من العمّال من أزال المؤن عنهم، وسنة سبع قد تناهت عمارتها وليس يقدر أن يقول إنّه يتضمّنها ليستزيد في عمارتها لأنّ أيّام العمارة قد انقضت منذ مدّة. » فأمر المقتدر بعقد الضمان على حامد وأخذ خطّه به فخرجا.
    وتقدّم عليّ بن عيسى إلى أصحاب الدواوين بإخراج العبر من دواوينهم بعبر السنين القريبة لأنّها أوفر فأخرج عبرة المحمول والمسبّب مع مال النفقات الراتبة في نواحي السواد والأهواز لسنة من ثلاث سنين أولاهن سنة ثلاث وأخراهن سنة خمس وثلاثمائة - ثلاثة وثلاثين ألف ألف درهم. وأخرج عبرة الضياع الخاصّة والمستحدثة والعبّاسيّة والفراتيّة للمحمول والمسبّب ثمانية آلاف ألف درهم وثمانمائة ألف درهم وأخرج عبرة مال إصبهان مع النفقات الراتبة بقسط سنة واحدة من ثلاث سنين ستّة آلاف ألف وثلاثمائة ألف درهم تصير الجميع لسنة واحدة ثمانية وأربعين ألف ألف درهم ومائة ألف درهم والزيادة التي بذلها حامد وهي عن قيمة أربعمائة ألف دينار خمسة آلاف ألف وثمانمائة ألف درهم مبلغ الجميع ثلاثة وخمسون ألف ألف وتسعمائة ألف درهم.
    والتمس حامد بن العبّاس من المقتدر بالله أن يأمر بتسليم جماعة من الكتّاب إليه ليوليهم كتابته على ديوان ضمانه واختار عبيد الله بن محمّد الكلواذى وأحمد بن محمّد بن زريق وغيرهما، فتقدّم المقتدر بإجابته إلى ما سأله بعد أن عقد عليّ بن عيسى عليه الضمان باسم صاحبه محمّد بن منصور وأخذ خطّ حامد بتضمّنه عنه ما عقده باسمه واعتمد حامد بن العبّاس على عبيد الله بن محمّد الكلواذى فكان ينظّم الأعمال التي يخرجها كتّاب حامد ويتولّى المواقفة عن حامد في دار السلطان ويرفق في المناظرة ويستعمل الحجّة فقط.
    واعتمد عليّ بن عيسى على الصقر بن محمّد في مناظرة كتّاب حامد، فكان حامد إذا حضر لا يزيد على الشتم والسبّ لعليّ بن عيسى وذكره بالقبيح في نفسه وأسلافه واستعمل في ذلك ما فضح به المملكة وشاع في الخاصّ والعامّ الخبر به ثم أصلح المقتدر بينهما بحضرته.
    وأسرف عليّ بن عيسى في الإلحاح على حامد في حمل المال واحتاج حامد إلى أن يستأذن في الخروج إلى الأهواز فأذن له وذكر أبو القاسم الكلواذى أنّه يضعف عن مقاومة عليّ بن عيسى عند غيبته، فنصب حامد صهره أبا الحسين محمّد بن أحمد ابن بسطام للنيابة عنه في دار السلطان عند المناظرة ولإعزار الكلواذى ليستوفى حجّته وظهرت في ذلك الوقت صناعة الكلواذى وكفايته وصحة عمله فكان ذلك من أكبر أسباب نباهته.
    وجرى خلاف كثير بين كتّاب حامد وبين كتّاب عليّ بن عيسى يطول ذكرها، ورضى حامد بوساطة النعمان فيها وكتب بذلك وتوسّط النعمان وقرّر الأمر من سائر أبواب الخلاف على مائة ألف دينار بقسط سنة واحدة.
    وكتب ابن بسطام والكلواذى إلى حامد وهو بالأهواز بصورة ما تقرّرت عليه الحكومة، فدبّر حينئذ حامد في ذلك تدبير الشيوخ المجرّبين.
    فكتب إلى المقتدر كتابا وأنفذ مع غلام له فأوصل نصر الكتاب مختوما إلى المقتدر فوجده قد ذكر فيه أنّه لم يدخل في هذا الضمان لاستجلاب فائدة لنفسه ولا للربح على السلطان وإنّما أراد أن يبيّن عن خبرته بالأعمال وحفظ الأموال وقبح آثار عليّ بن عيسى فيما تولّاه قديما وحديثا وأنّه كان بذل زيادة أربعمائة ألف دينار في كلّ سنة، وأنّه لمّا صار بالأهواز لاحت له زيادة مائتي ألف دينار في سنة سبع على أربعمائة ألف دينار، فوفّر ذلك وكتب كتابه بخطّه حجّة عليه لينضاف ذلك إلى الزيادة الأولى ويثبت في الدواوين.
    فسرّ المقتدر بذلك وأمر بتقوية يد حامد وأن يقتصر بعليّ بن عيسى على النظر في حوائج القوّاد والحاشية والاحتياط فيما يطلق من الأموال في النفقات فإنّه بذلك أبصر من حامد، وبإفراد حامد بجباية الأموال والنظر في النواحي.
    وخاف عليّ بن عيسى أن تقوى يد حامد فيسلّم إليه. واتفق بعقب ذلك أن تحرّكت العامّة ثم الخاصّة بسبب زيادة السعر وشغبوا شغبا عظيما متصلا أشفى به الملك على الزوال وبغداد على الخراب. فادّعى كتّاب حامد وأسبابه ومن يميل إليه أنّ عليّ بن عيسى حمل العامّة وأكثر الخاصّة على الشغب لأنّ السعر لم يكن زاد زيادة توجب ما خرجوا إليه وإنّما بلغ الخبز الحوارى ثمانية أرطال بدرهم.
    ذكر ما اضطرب لأجله أمر حامد بن العباس حتى فسخ ضمانه

    تجمّع الناس وقوم من أماثل العامّة فتظلّموا من زيادة السعر وضجّوا في وجه عليّ بن عيسى لمّا ركب، ثم نهب العامّة دكاكين الجماعة من الدقّاقين ببغداد ثم اجتمعوا إلى باب السلطان فضجّوا.
    فتقدّم المقتدر إلى ابن الحوارى بأن يكتب إلى حامد بأن يبادر إلى الحضرة وينظر في أمر الأسعار فيزيل التربّص ببيع الغلّات لتنحطّ الأسعار، فنفذ الكتاب بذلك فخرج حامد من الأهواز وأنفذ المقتدر ماهر الخادم لاستعجاله.
    وخرج أصحاب الدواوين والقوّاد لتلقّيه وخرج نصر وابن الحوارى فتلقّياه وخرج عليّ بن عيسى فتلقّاه، ووصل إلى المقتدر بالله فخاطبه بجميل وعرّفه إحماده إيّاه على ما وفّره وأمر بأن يخلع عليه فخلع عليه وحمل على شهريّ وانصرف إلى منزله. وتحرّك الجند لغد ذلك اليوم في دار السلطان وضجّوا لارتفاع السعر، وتحرّكت العامّة في المساجد الجامعة ببغداد وكسروا المنابر وقطعوا الصلاة بعد الركعة الأولى واستلبوا الثياب ورجموا بالآجرّ وكثرت الجراحات واجتمع منهم في المسجد الجامع الذي في دار السلطان عدد كثير على نصر الحاجب فوثبوا عليه ورجموه بالآجرّ.
    ثم صاروا في ذلك اليوم إلى دار حامد بن العبّاس فأخرج إليهم غلمانه فرموهم بالآجرّ والنشّاب وقتل خلق من العامّة فحملوا على الجنائز وشنّعوا بهم.
    ووجّه حامد جماعة من غلمانه ومعهم ديوداذ بن محمّد وهو ابن أخي يوسف بن أبي الساج، فدخلوا المسجد الجامع بالجانب الغربي على دوابّهم فقتلوا جماعة وقتل أيضا من الجند عدّة وبات الناس ليلة السبت على صورة قبيحة من الخوف على أنفسهم وأموالهم وحرمهم وضعف صاحب الشرطة عن مقاومتهم لكثرة من تجمّع من العامّة.
    فلمّا أصبحوا يوم السبت صار من العامّة عدد كثير إلى الجسور فأحرقوها وفتحوا السجون ونهبوا دار صاحب الشرطة ودار غيره، فأنفذ المقتدر جماعة من الغلمان الحجرية في شذاءات عدّة لمحاربة العامّة وركب هارون بن غريب الخال في جيش عظيم إلى باب الطاق فأحرق مواضع وتهارب العامّة من بين يديه إلى المسجد الجامع بباب الطاق ووكّل هارون بباب المسجد وقبض على جميع من وجده ولم يفرّق بين المستور والعيّار وحملهم إلى مجلس الشرطة فضرب بعضهم بالسوط وبعضهم بالدرّة وقطع أيدى قوم عرفوا بالإفساد.
    ثم ركب يانس الموفقى يوم الأحد فسكّن الناس ونادى فيهم وزالت الفتنة، ثم ركب حامد في طيّاره يريد دار السلطان فقصده العامّة ورجموه بالآجرّ، فأمر المقتدر شفيعا المقتدري بالركوب لتسكين العامّة، فركب وسار في الجانب الغربي وفيه كانت الفتنة، فسكّن الناس ثم قبض على جماعة من العامّة فضرب بعضهم بالسوط وقطعت أيدى قوم عرفوا بالرجم.
    وضجّت الرجّالة المصافية في دار السلطان من زيادة السعر فتقدّم المقتدر بالله بفتح الدكاكين والبيوت التي لحامد وللسيّدة والأمراء أولاد الخليفة والوجوه من أهل الدولة وبيع الحنطة بنقصان خمسة دنانير في الكرّ وبيع الشعير بحسب ذلك وبمطالبة التجار والباعة أن يبيعوا بمثل هذا السعر فركب هارون بن غريب ومعه إبراهيم بن بطحاء المحتسب فسعّر الكرّ المعدّل بخمسين دينارا وتقدّم إلى الدقّاقين بذلك فرضي العامّة وسكنوا وانحلّ السعر.
    فسخ الضمان عن حامد بن العباس

    وخرج توقيع المقتدر إلى حامد بن العبّاس بفسخه عنه الضمان لأجل الفتنة وضجيج العامّة من زيادة السعر وتوقيع إلى عليّ بن عيسى بأن يدبّر هو الأعمال بالسواد والأهواز وإصبهان ويقلّدها العمّال من قبله وأن يكتب عنه كتابا إلى العامّة يقرأ في الشوارع والأسواق ثم على المنابر بأنّه قد زال ضمان حامد بن العبّاس وحظر على جميع الوجوه والقوّاد والغلمان أن يتضمّنوا بشيء من الأعمال. وكتب حامد إلى عمّاله بالانصراف من الأعمال وتسليمها إلى عمّال عليّ بن عيسى وانخزل حامد بن العبّاس لذلك.
    ودخلت سنة ثمان وثلاثمائة

    وفيها ورد الخبر من مصر بحركة الفاطمي إليها فأخرج مونس الخادم إليها.
    وفيها خلع على أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان وقلّد طريق خراسان والدينور وخلع على أخويه أبي العلاء وأبي السرايا.
    وفيها ورد رسول أخي صعلوك بالمال والهدايا فخلع عليه.
    ودخلت سنة تسع وثلاثمائة

    وفيها وردت الكتب وقرأت على المنابر بهزيمة المغربي واستباحة عسكره.
    وفيها لقّب مونس: المظفّر، وأنشئت الكتب به عن المقتدر بالله إلى أمراء النواحي وعقد له على مصر والشام.
    وفيها دخل رسول صاحب خراسان برأس ليلى بن النعمان الديلمي الذي خرج بطبرستان.
    وفيها اشتهر أمر الحلّاج واسمه الحسين بن منصور حتى قتل وأحرق.
    ذكر خبر الحسين بن منصور الحلاج وما آل إليه أمره من القتل والمثلة

    انتهى إلى حامد بن العبّاس في أيّام وزارته أنّه قد موّه على جماعة من الحشم والحجّاب وعلى غلمان نصر الحاجب وأسبابه وأنّه يحيى الموتى وأنّ الجنّ يخدمونه فيحضرونه ما يشتهيه وأنّه يعمل ما أحبّ من معجزات الأنبياء. وادّعى جماعة أنّ نصرا مال إليه وسعى قوم بالسمرّى وببعض الكتّاب وبرجل هاشميّ أنّه نبي الحلّاج وأنّ الحلّاج إله - عزّ الله وتعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
    فقبض عليهم وناظرهم حامد فاعترفوا بأنّهم يدعون إليه وأنّه قد صحّ عندهم أنّه إليه يحيى الموتى وكاشفوا الحلّاج بذلك فجحده وكذّبهم وقال:
    « أعوذ بالله أن أدّعى الربوبيّة والنبوّة وإنّما أنا رجل أعبد الله عزّ ذكره وأكثر الصوم والصلاة وفعل الخير ولا غير. » واستحضر حامد بن العبّاس أبا عمر القاضي وأبا جعفر ابن البهلول القاضي وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود واستفتاهم في أمره، فذكروا أنّهم لا يفتون في قتله بشيء إلى أن يصحّ عندهم ما يوجب عليه القتل وأنّه لا يجوز قبول قول من ادّعى عليه ما ادّعاه - وإن واجهه - إلّا بدليل وإقرار منه.
    فكان أوّل من كشف أمره رجل من البصرة تنصّح فيه وذكر أنّه يعرف أصحابه وأنّهم متفرّقون في البلدان يدعون إليه وأنّه كان ممّن استجاب له ثم تبيّن مخرقته ففارقه وخرج عن جملته وتقرّب إلى الله بكشف أمره

  • صفحة 4 من 14 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 99
      آخر مشاركة: 06-15-2010, 01:21 AM
    2. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    3. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    4. سير أعلام النبلاء الخامس
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 229
      آخر مشاركة: 06-04-2010, 02:34 AM
    5. باب الحارة الجزء الخامس
      بواسطة En.muhammed manla في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 03-09-2010, 12:41 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1