









« لأيّ شيء استحضرت يوسف بن أبي الساج إلى واسط وسلّمت إليه أعمال المشرق بأسرها سوى إصبهان وكيف وقع لك أنّه يجوز أن يخرج هو مع قوم اعتادوا الجبل والمقام فيه في طريق البرّ يقصدون طريق السواحل في بلدان حوالى هجر؟ » قال: « كان عندي أنّ هذا صواب. » فقال له:
« فحيث فعلت ذلك لم لم تقتصر على أن يعرض رجاله وغلمانه ويجرى مال عسكره مجرى مال عسكر مونس المظفّر، فانّه يسبّب له مال ويطلق على أيدى منفقين من قبل السلطان ويرفع الحساب بذلك إلى دواوين الجيش ولا يقتصرون على ديوان منها دون جميعها ولا يزاد أحد ولا ينقل عنه من رسم إلى رسم إلّا على استقبال معروف ثم يوفّر المعطون كلّ شهر من التوفيرات بسبب الغرم ولأجل سقوط من يسقط جملة من المال ولم لم تترك الأعمال في أيدى عمّال السلطان ويسبّب له عليهم مال رجاله كما يسبّب مال رجال أبي الحسن مونس المظفّر؟ » قال: « لم أفعل هذا لأنّه تكلّف من هذا الأمر عظيما احتيج معه إلى فضل مسامحة. » فقال له:
« فلأيّ سبب ضمّنت إبراهيم بن عبد الله المسمعي أعمال فارس وكرمان؟ » فقال: « لأجل زيادة بذلها. » فقال له:
« أما علمت أنّ حفظ الأصول أولى من طلب الأرباح؟ وهبك رغبت في الزيادة لم لم تستدعه إلى الحضرة فإذا وردها وأردت تضمينه أقام بها واستعمل على العمل خلفاءه وأقام لك الضمناء الثقات بالمال ومضى بعد ذلك. » فقال: « إنّما رغب في الضمان ليعمله بنفسه. » فقال عليّ بن عيسى:
« أرجو أن يسلّم الله. » ثم قال:
« لم قبضت جارى ابنك محمّد ألفى دينار في كلّ شهر وهو لا يقرأ كتابا ولا يحضر ديوانا ولا يحسن أن يعمل شيئا؟ » قال: « سألت أمير المؤمنين له رزق المحسّن وعبد الوهّاب بن الخاقاني
فأجابنى إليه. » قال: « المحسن ربّى في الدواوين ودبّر الأمور وكان مع شرّه واستحلاله وقبح ديانته كاتبا، وابن الخاقاني كان ينوب عن أبيه ويأمر وينهى ويخدم وهو فهم وابنك لا يجرى مجرى واحد منهما فاكتب خطّك انّك تردّ ما قبضه. » فقال: « كيف أردّ مالا قبضه ابني وأنفقه؟ » فقال له:
« على أيّ شيء أنفقه؟ » قال: « على ما ينفق مثله الأحداث. » ثم سأله عن أموال المصادرين وما صحّ من جهتهم فقال:
« لا أحفظه إلّا انّه ثابت في ديوان المصادرين. » قال: « فعنه أسألك. » قال: « هو عند هشام وإن سئل عنه خبّر به، فإنّ رقاع المصادرين والكفالات والأعمال في يده. » فقال له:
« ما سبقك أحد إلى تسليم خطوط المصادرين إلى صاحب ديوان المصادرات لأنّ سبيل الخطوط أن تكون في خزائن الوزراء محفوظة يتسلّمها وزير بعد وزير فإن كنت أردت عمارة الديوان فكان ينبغي أن تأخذ الخطوط على نسختين: نسخة للديوان ونسخة تكون عندك، فلو باع صاحب الديوان رقاع المصادرين والكفالات وضمانات الضّمناء هل كان على السلطان مضرّة في هذا المال أعظم منك، وإذا كان هذا تدبيرك فيما لم تكن تحسن سواه فأيّ شيء دبّرت غيره من أعمال الدواوين؟ فإمّا أن تكون خنت الأمانة وإمّا أن لم تحسن ضبط شيء من الأعمال؟ » وكلّ ذلك يخاطبه به عن غير إسماع مكروه ولا صياح.
ثم قال:
« غررت المملكة فضرب النساء والحرم بالمقارع وهتكت الستور بما فعلت من تسليمهنّ إلى الرجال فلأيّة حال سلّمت بنت جعفر بن الفرات إلى أفلح وهو رجل شاب جميل الوجه يتصنّع حتى تزوّج بها في حبسك ولأيّة حال ضربت دولة وإنها بحضرتك، ثم لم ترض بذلك حتى اعتقلت الجماعة في يد غلمانك وحجّابك عدّة شهور؟ » ثم قال:
« ارتزقت لنفسك خمسة آلاف دينار في الشهر يكون في مدّة أربعة عشر شهرا سبعين ألف دينار سوى ما ارتزقه ابنك وأخذت من أقطاعك في مدّة سنة وشهرين ما ثبت في الختمات الموجودة لجهبذك في ديوانك مائة وثمانين ألف دينار يصير الجميع مائتين وخمسين ألف دينار. » ثم أخرج عملا بخطّ عليّ بن محمّد بن روح بهذا المبلغ وبأنّه أنفق في كلّ شهر من النفقات الراتبة ألفى وخمسمائة دينار تكون في أربعة عشر شهرا خمسة وثلاثين ألف دينار وفي النفقات الحادثة والصلات والمؤونة مع ثمن الطيب والكسوة عشرين ألف دينار وفي ثمن عقارات أضافها إلى داره مع ما أنفقه على البناء أربعين ألف دينار وفي ثمن الهدايا في النوروز والمهرجان إلى الخليفة وإلى الأميرين أبي العبّاس وهارون ابنيه وإلى السيدة والخالة وزيدان ومفلح خمسة وثلاثين ألف دينار. وفي ثمن بغال ودوابّ وجمال وخدم وغلمان عشرة آلاف دينار.
وفيما يحتاج إلى إنفاقه وصرفه إلى من برسم دار الوزارة من خلفاء الحجّاب والبوّابين وأصحاب الرسائل وإنزال الفرسان والرجّالة عشرين ألف دينار. » فقال في الجواب:
« هذا عمل صحيح وليس كلّ ما أنفقته كتبته فقد كنت أصوغ لحرمي وأولادى وأنفق نفقات أسترها عن كاتبي وما سرقت ولا خنت. » فقال له عليّ بن عيسى:
« ما يقول أحد أنّك سرقت أو خنت ولكنّك أضعت وأسأت التدبير ودخلت فيما لا تحسنه ولو أخذت أضعاف ما أخرجناه وعليك لما ناظرك أمير المؤمنين فيه لا سيّما وهو منسوب إلى أرزاقك وإقطاعك ونفقات معروفة لك، وكيف نناظرك في ذلك وما نعيش ولا أحد من كتّاب أمير المؤمنين إلّا في نعمته وإحسانه ولنا ضياع استفدناها في خدمته وخدمة أسلافه رضي الله عنهم. » ولم يزل يرفق به إلى أن أخذ خطّه بأربعين ألف دينار يؤدّيها في مدّة أربعين يوما بعد أن حلف إنّه لا يتّجه له حيلة في غيرها، وسلّم عليّ بن عيسى رقعته بها إلى مفلح وقال له:
« تعرضها على أمير المؤمنين وتقول: إنّ هذا وإن كان قد غرّ من نفسه وأضاع وأهمل فقد تحرّم بخدمة أمير المؤمنين وحلف بأيمان بيعته على أنّه غاية ما يقدر عليه وليس له ذنب وإنّما الذنب لمن غرّك منه ولم ينصحك في أمره. » ثم كتب رقعة إلى المقتدر بقبول ما بذله الخصيبي ويحمله إلى ثمل القهرمانة إلى أن يؤدّى ما فورق عليه.
ذكر ما دبره علي بن عيسى من الأمور في وزارته هذه
لمّا نظر عليّ بن عيسى في الأمور وجد أهمّ ما يحتاج إليه أمر الرجّالة المصافيّة وكان مبلغ مالهم في أيّامه ثمانين ألف دينار ومال رجال مونس المظفّر وهو ستمائة ألف دينار في كلّ سنة سوى مال الرجّالة معه ومال الحجريّة برسمه فانّه يطلق مع أرزاق نظرائهم.
وكان يسبّب مال رجال مونس على نواح اختارها مونس فإذا أزاح العلّة فيما ذكرناه نظر بعد ذلك في أمر مال خلفاء الحجّاب والحشم والمتطبّبين والفرسان برسم التفاريق والمنجّمين والفرّاشين والطبّاخين والساسة وسائر المرتزقة من الخدم. فخرج عليّ بن عيسى يوما من حضرة المقتدر بالله ليركب في طيّاره فوثب به الخدم والحشم بألسنتهم وثوبا قبيحا.
وورد الخبر على عليّ بن عيسى بأنّ إبراهيم بن المسمعي اعتلّ علّة حادّة وتوفّى بالنوبندجان فأشار عليّ بن عيسى بتقليد ياقوت أعمال الحرب والمعاون بفارس وتقليد أبي طاهر محمّد بن عبد الصمد أعمال المعاون بكرمان فخلع عليهما وعقد لهما لواءان.
وكتب عليّ بن عيسى إلى القاسم بن دينار بالمبادرة إلى فارس وقلّده أعمال الخراج والضياع بها وقلّد ما كان إليه من أعمال الأهواز أبا الحسن أحمد بن محمّد بن مابنداذ وابن السلاسل.
فحكى أبو الفرج ابن هشام قال: لمّا بلغ أبا عبد الله البريدي ما تقلّده هؤلاء من أعمال الأهواز وما حولها قال:
« يقلّد هؤلاء هذه الأعمال ويقتصر بأخي أبي يوسف على سرّق وبي على ضمان الضياع الخاصّة، خذ يا أبا هشام هذا الكتاب - يعنى الكتاب الوارد عليه بما قلّد - وأعطه ابنك حتى يمثّل عليه ويتعلّم منه الخطّ، فإنّ لطبلى صوتا سوف تسمعه بعد أيّام. » وكان أبو عبد الله البريدي أنفذ أخاه أبا الحسين إلى الحضرة لمّا بلغه اضطراب أمر عليّ بن عيسى ووافقه على أن يخطب له عمل الأهواز إذا تجدّدت وزارة لمن يرتفق، فإنّ عليّ بن عيسى يعفّ ولا يرتفق.
فلمّا تمّت الوزارة لأبي عليّ ابن مقلّة صار أبو الحسين إلى أبي أيّوب السمسار وبذل له عشرين ألف دينار فقلّد أخوه أبو عبد الله البريدي أعمال الأهواز سوى السوس وجنديسابور وقلّد أبو الحسين الفراتيّة وأبو يوسف الخاصّة والأسافل على أن يكون المال في ذمّته إلى أن يقع الوفاء لهم فوفى لهم وقبض المال.
وكتب أبو عليّ ابن مقلة في القبض على أبي السلاسل فخرج أبو عبد الله بنفسه إلى تستر حتى حصله وأسبابه ووجد له في صناديقه وعند جهبذه عشرة آلاف دينار فأخذها ووافقه على أن يصكّ بما كان عند الجهبذ بنفقات باطلة وأخذ من كاتبه ألفى دينار ومن خليفته ثلاثة آلاف دينار ومن حاجبه ألفى دينار.
وكان أبو عبد الله البريدي أحد دجّالى الدنيا وشياطينها.
ثم كثّر على أبي عليّ ابن مقلة بأنّه أهلّه لما لا يستحقّه فصرفه بأبي محمّد الحسين بن أحمد المادرائى وقلّده إشرافا وقلّد الأصل جماعة من العمّال فما أحلى أبو محمّد ولا أمرّ وكان كاتبه عليّ بن يوسف وخليفته صحبته من الحضرة فبان من تجلّفه وسقوطه ما صار به نكالا وحديثا.
وحسبك أنّ أبا عبد الله البريدي أخذ عليه الطرقات فكان كلّ ما كتب به يؤخذ من رسله فما قرئ له كتاب منذ دخل الأهواز إلى أن صرف عنها.
ثم صرفه بعد ذلك أبو عليّ بأبي عبد الله البريدي وقال:
« اغتررت بطلل ذلك الشيخ وما كلّ من يصلح للكتابة ينفذ في العمالة. »
وعدنا إلى تمام حديث علي بن عيسى وما دبره به المملكة
ولمّا أخرج إليه الارتفاعات كان فيه مبلغ ارتفاع لضياع إقطاع الوزراء بعد نفقاتهم الراتبة مائة وسبعين ألف دينار. فكتب إلى المقتدر بأنّه غنيّ عن هذا الإقطاع وأنّه قد وفّر ماله فإنّ أمر ضيعته قد صلح وكذلك وقفه بإعادته إيّاه إلى خدمته وأنّه يوفّر أيضا رزق الوزارة وهو مع ألفى دينار أجريت لابن الخصيبي سبعة آلاف دينار في كلّ شهر.
وكتب إليه المقتدر بالشكر وانّه لا بدّ من أن يقبض الرزق على الرسم فحلف عليّ بن عيسى إنّه لا يقبض رزقا لهذه الخدمة لأنّ مذهبه ترك التنعّم.
حوادث أخرى
وفيها شغب الفرسان برسم التفاريق وخرجوا إلى المصلّى فنهبوا القصر المعروف بالثريّا وذبحوا الوحش الذي في الحائر وذبحوا البقر التي لأهل القرى التي حوله وخرج إليهم مونس وضمن لهم أرزاقهم فرجعوا إلى منازلهم.
وفيها خلع على مونس للخروج إلى الثغر لأنّ ملك الروم دخل سميشاط وضرب في مسجد الجامع بالنواقيس وصلّى فيه الروم صلاتهم.
وفيها ظهرت وحشة مونس المظفّر
ذكر السبب في ذلك
كان السبب في ذلك أنّ خادما من خدم المقتدر بالله حكى لمونس انّ المقتدر تقدّم إلى خواصّ خدمه بحفر زبية في الدار المعروفة بدار الشجر من دار السلطان حتى إذا حصل مونس فيها عند الوداع إذا أراد الخروج إلى الثغر، حجب الناس وأدخل مونس وحده إلى ذلك الصحن، فإذا اجتاز على تلك الزبية وهي مغطاة وقع فيها ونزل إليه الخدم وخنقوه ويظهر أنّه وقع في سرداب فمات. فامتنع مونس من دار السلطان وركب إليه جميع القوّاد والغلمان والحاشية وعبد الله بن حمدان وأخوته وأكثر العرب وخلت دار السلطان من الجند.
وقال عبد الله بن حمدان:
« نقاتل بين يديك أيّها الأستاذ إلى أن تنبت لك لحية. »
فوجّه إليه المقتدر بنسيم الشرابي ومعه رقعة بخطّة إليه يحلف له فيها على بطلان ما بلغه. فصرف مونس جميع من اجتمع إليه من الجيش وأجاب عن الرقعة بما يجب في مثل ذلك وانّه لا ذنب له في حضور من حضر عنده، لأنّه لم يستدعهم. وامتنع ابن حمدان من الانصراف وحلف إنّه لا يبرح من دار مونس ليلا ونهارا إلى أن يركب معه إلى دار السلطان ويطمئن إلى سلامته، ولازم مونسا أيّاما كثيرة.
وانضاف إلى ذلك أنّ إسحاق بن إسماعيل كان سبّب عليه مال مونس ومال رجاله فبلّح فيها. وكان عليّ بن عيسى متنكّرا له لأشياء بلغته عنه في غيبته فشغب الفرسان لتأخّر أموالهم، فجدّ عليّ بن عيسى بإسحاق بن إسماعيل واعتقله وأخذ خطّه بخمسين ألف دينار من مال ضمانه واعتقل أحمد بن يحيى الجلخت كاتبه وعدّة من أصحابه حتى استوفى ذلك، ثم صرفه عن أعماله وجدّ بعمّال السواد حتى صحّ له في مدّة ثلاثة أيّام ما أنفقه في أصحاب مونس.
وكتب المقتدر إلى جماعة من وجوه القوّاد بأنّه قد صفح عمّا كان منهم في نهب الثريّا وإحراقها وقرئت عليهم فشكروا وسألوا أن يضمّ جماعة منهم ممّن اتّهم بذلك إلى مونس المظفّر لينحدر معهم إلى حضرته. فانحدر معهم ووصل إلى المقتدر بالله وقبّل الأرض بحضرته وحلف المقتدر له على صفاء نيّته وودّعه مونس.
وقرأ عليه عليّ بن عيسى كتابا ورد عليه من وصيف البكتمرى بأنّ المسلمين عقبوا على الروم وظفروا بهم وبجميع من في عسكرهم وقتلوا منهم وغنموا غنائم جليلة. وخرج مونس من داره إلى مضربه بباب الشماسيّة وشيّعه الأمير أبو العبّاس والوزير عليّ بن عيسى ونصر الحاجب وهارون ابن غريب. وورد رسول ملك الروم ومعه كتاب من وزير الملك وهو اللعثيط إلى الوزير عليّ بن عيسى يلتمس فيه الهدنة.
ظهور الديلم
وفي هذه السنة ظهر الديلم، وكان أوّل من غلب على الريّ منهم بعد خروج ابن أبي الساج منها، ليلى بن النعمان ثم ما كان بن كاكى. ودخل هذا الرجل في طاعة صاحب خراسان لأنّه كتب إليه واستدعاه، فمضى إليه وغلب على الريّ أسفار بن شيرويه وكان مرداويج بن زيار أحد قوّاده.
عاقبة عسف أسفار بن شيرويه
وكان اسفار بن شيرويه لمّا غلب على قزوين ألزم أهلها مالا جليلا وعسفهم عسفا شديدا وخبطهم وأحلّ بهم من تسليط الديلم على مهجهم وأموالهم واستباحتهم وتعذيب عمّالهم ما استعظمه هو في نفسه فضلا عن غيره، ورقّت القلوب منه وضاقت النفوس وبلغت الحناجر ويئس الناس من الحياة وتمنّوا الموت. فخرج الرجال والنساء والأطفال إلى المصلّى مستغيثين إلى الله تعالى وراغبين إليه في كشف ضرّهم فمضى لهم يوم على ذلك. وأنهى الخبر إلى اسفار فتهاون بالدعاء.
فلمّا كان في اليوم الثاني خرج عليه مرداويج فواقعه وهزمه فمرّ على وجهه فتبعه يومه أجمع فلم يظفر به، ولحقت أسفار مجاعة في اليوم الثاني فأوى إلى رحى طحّان في قرية وسأله أن يطعمه فأخرج إليه خبزا ولبنا، وكان يأكل وأطلّ مرداويج على الموضع فوجد آثار الحافر قد انقطع هناك، فوقف يتأمّل فرأى أكّارا فتشبّث به وسأله عن اسفار فأنكر وأرهبه فقال له:
« ما أعرفه ولكني رأيت فارسا قد دخل إلى هذه الرحى. » وكبس مرداويج الموضع فوجده يأكل خبزا فاحتزّ رأسه، وعاد إلى قزوين فسكّن أهلها وتلافاهم وأزال تلك المطالبة عنهم ووعدهم بالجميل وانصرف عنهم ووهب دعاءهم.
ثم أنّ مرداويج ذهب فتغلّب على الريّ وإصبهان وأساء السيرة بإصبهان خاصّة وتبسّط في أخذ الأموال وانتهاك الحرم وطغى وجلس على سرير ذهب دونه سرير فضّة يجلس عليه من يرفع منه وأقام جنده يوم السلام عليه صفوفا بالبعد منه.
وسام مرداويج رجاله الخسف وكانوا يرهبونه رهبة عظيمة وكان يقول:
« أنا سليمان بن داود وهؤلاء الشياطين. » وكان يغضّ من الأتراك غضّا شديدا. فساءت نيّاتهم له فطلبوا كيدا يكيدونه به وتمكّنت له في نفوس الخاصّ والعامّ البغضاء وضجروا منه وضعفت نفوس أهل مملكته في أيّامه.
مقتل مرداويج
قال: وركب يوما في موكب عظيم وخرج إلى الصحراء وكان ينفرد عن جيشه ويسير وسطا لا يجسر أحد على القرب منه فكان العالم يتعجّبون منه ومن تمرّده وطغيانه إذ اشتقّ العسكر رجل شيخ لا يعرف، على دابّة، فقال:
« زاد أمر هذا الكافر واليوم تكفونه قبل تصرّم النهار ويأخذه الله اليه. » فلحقت الجماعة دهشة وتبلّدوا.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)