صفحة 9 من 14 الأولىالأولى ... 7891011 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 33 إلى 36 من 54

الموضوع: تجارب أمم المجلد الخامس


  1. #33
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وكان ابن قرابة يظهر للمقتدر ولمفلح الأسود أنّه يمشّى أمر الوزارة وأنّ الوزراء لا يتمّ أمرهم من دونه وكان يلزم دار الكلوذانى ويقرضه عن بنى البريدي وغيرهم بربح درهم في كلّ دينار فأقرضه مائتي ألف دينار مشّى بها أمر الكلوذانى وبمال المصادرات.
    مرداويج يملك الجبل بأسره

    وفيها ورد الخبر بوقعة كانت بين هارون بن غريب وبين مرداويج بنواحي همدان وأنّ هارون انهزم وملك مرداويج الجبل بأسره إلى حلوان ونزل هارون بدير العاقول.
    قصد لشكري الديلمي إصبهان

    وفيها قصد لشكري الديلمي إصبهان وحاربه أحمد بن كيغلغ فانهزم أحمد وملك لشكري إصبهان وهذا لشكري من أصحاب أسفار بن شيرويه، فلمّا قصد هارون بن غريب ابن الخال أسفار استأمن إليه لشكري، ثم لمّا انهزم ابن الخال انهزم لشكري بانهزامه إلى قنسرين، فلمّا تأهّب ابن الخال ثانيا وجهزت إليه العساكر من بغداد لحرب مرداويج أنفذ لشكري إلى نهاوند من الدينور مع جماعة من الغلمان لحمل مال إليه ورسم أن يحمل المال إلى همذان ويقيم بها حتى يلحقه هناك فلمّا صار لشكري إلى نهاوند رأى يسار أهلها وكثرة أموالها وطمع فيهم وصادرهم على نحو ثلاثة آلاف ألف درهم واستخرجها في مدّة أسبوع وأثبت جندا ثم خرج إلى الكرج ففعل مثل ذلك.
    واتّصل الخبر بابن الخال فطلبه فرحل من بين يديه وسار حتى وقع إلى إصبهان والوالي عليها أبو العبّاس أحمد بن كيغلغ.
    ذكر اتفاق حسن لأحمد بن كيغلغ بعد هزيمته ودخول أصحاب لشكري إصبهان

    حكى أبو الحسن المافرّوخى أنّه كان بإصبهان في الوقت وأنّ أحمد بن كيغلغ انهزم أقبح هزيمة ثم لجأ إلى بعض القرى في ثلاثين نفسا معه وراء حصنها.
    ودخل أصحاب لشكري إصبهان ونزلوا في الدور والخانات والحمّامات وتأخّر لشكري بنفسه عن العسكر ثم سار قليلا ونزل عن دابّته لإهراق ماء فرأى كوكبة أنكرها وقال: « ما هذه؟ »
    فقيل: « شرذمة من الكيغلغية. » فركب في الوقت يريدها فلمّا قرب منها أسرع أحمد بن كيغلغ إليه بعد أن علم أنّه هو فتناوشا وكاد لشكري يستأسره فخرج أهل تلك القرية فزعقوا به فضعفت نفس لشكري وتقارب وهو أحمد فضربه أحمد بسيفه ضربة قدّ المغفر والخوذة ونزل السيف في رأسه فقتله وخرّ لشكري ساقطا فنزل أحمد إليه وحزّ رأسه وعرف أصحابه الخبر فطاروا هاربين وكان فتحا طريفا واتفاقا عجيبا. وكانت سنّ أحمد بن كيغلغ يومئذ تجاوز سبعين سنة.
    وفيها صرف الكلوذانى عن الوزارة وقلّدها الحسين بن القاسم.
    ذكر السبب في تقلد الحسين بن القاسم الوزارة وما تم له من الحيلة فيها

    كان أبو القاسم ابن زنجي يحكى في توصّل الحسين بن القاسم إلى الوزارة خبرا طريفا ويقول: كان أبو عليّ الحسين بن القاسم يعرف بأبي الجمال وكان لي صديقا يسكن إليّ ويستدعينى إلى الموضع الذي كان مستترا فيه ويشاورني فالزمنى بذلك حقّا وحرمة فاجتهدت في السعى له والتوصّل بكلّ سبب وحيلة إلى أن تقلّد الوزارة.
    فكان من أنجع ما عملته أنّ رجلا بمدينة السلام يعرف بالدانيالى كان يلزمني ويبيت عندي ويخرج إليّ بسرّه ويحدّثني أنّه يظهر كتبا ينسبها إلى دانيال بخطّ قديم ويودع تلك الكتب أسماء قوم من أرباب الدولة على حروف مقطّعة إذا جمعت فهمت واستوى له بذلك جاه وقامت له به سوق.
    ووصلت إليه جملة من القاضي أبي عمر وابنه أبي حسين ووجوه الدولة وغلب على مفلح واختصّ به لأنّه عرّفه أنه وجد في الكتب أنّه من ولد جعفر بن أبي طالب فجاز ذلك عليه ووصل إليه منه برّ كثير.
    فانفتح لي أن سألته إثبات فصل في كتب يكتبها بشرح ما أسأله فأجابنى إلى ذلك فوصفت له الحسين بن القاسم واقتصرت من وصفه على ذكر قامته وآثار الجدري في وجهه والعلامة التي في شفته العليا وخفة الشعر هناك وأنّه إن وزر للثاني عشر من خلفاء بنى العبّاس استقامت أموره كلّها وعلا على أعدائه وانفتحت البلاد على يده وعمرت الدنيا في أيّامه.
    ودفعت النسخة إلى الدانيالى وواقفنى على عمل دفتر يذكر فيها أشياء ويجعل هذا الباب في تضاعيفها فسألته تقديم ذلك ولم أزال أطالبه حتى أعلمني أنّه لا يستوى على ما يريد حتى لا يشكّ في قدمه وعتقه في أقلّ من عشرين يوما وأنّه يحتاج أن يجعله في التبن أيّاما ثم يجعله في الخفّ ويمشى فيه أيّاما وأنّه يصفرّ ويعتق.
    فلمّا بلغ المبلغ الذي قدّر صار إليّ وهو معه وأرانيه فوقفت على الفصل ورأيت دفترا لو لا ما عرفته من الأصل فيه لحلفت على أنّه قديم لا شكّ فيه.
    ومضى بذلك إلى مفلح فقرأه عليه في جملة أشياء قرأها، فقال له مفلح:
    « أعد عليّ هذا الفصل. » فأعاده. ومضى مفلح إلى المقتدر بالله فذكر له ذلك فطلب الدفتر منه فأحضره إيّاه فقال له:
    « من تعرف بهذه الصفة؟ » وأقبل المقتدر يكرّرها فذكر مفلح أنّه لا يعرف أحدا بها وحرص المقتدر على أن يعرف إنسانا يوافق هذه الصفة صفته. فقال مفلح:
    « لست أعرف بهذه الصفة إلّا الحسين بن القاسم الذي يقال له: أبو الجمال. » فقال له المقتدر:
    « إن جاءك صاحب له برقعة فخذها منه وإن حمّلك رسالة فعرّفنيها واكتم ما يجرى في أمره ولا تعلم أحدا به. » وخرج مفلح إلى الدانيالى فقال له:
    « هل تعرف أحدا بهذه الصفة؟ » فأنكر أن يعرف ذلك وقال:
    « إنّما قرأت ما وجدته في كتب دانيال ولا علم لي بغير ذلك. » وانصرف إليّ فحدّثني بهذا الحديث فقمت من فورى إلى الحسين بن القاسم فأعدته عليه فسرّ به غاية السرور وابتهج نهاية الإبتهاج وظهر في وجهه استبشار عظيم وقال لي:
    « اعلم أنّ أبا بشر الكاتب كان أمس عند مفلح برسالة لي إليه فانصرف كاسف البال ظاهر الانخزال مغموما بما شاهده من إعراضه عنه. » فغمّنى ذلك. فقلت:
    « الآن يتبيّن لنا صدق الدانيالى من كذبه. ابعث بأبي بشر في غد إلى مفلح برسالة منك فإنّه سيتبيّن له فيما يعامله به صحّة ما حكاه من بطلانه. » فدعا أبا بشر النصراني كاتبه وحمّله إليه رسالة ووكّد عليه في البكور إليه. فلمّا كان من غد آخر النهار مضيت إليه أتعرّف خبره وما جرى، فدعا أبا بشر وقال له:
    « أعد عليه خبرك. »
    فأعلمني أنّه دخل إليه وفي مجلسه جماعة فرفعه عليهم فأجلسه إلى جانبه وأقبل عليه يحدّثه ثم استدناه وسأله سرّا عن خبر الحسين بن القاسم واستمع رسالته وقال:
    « تقرأ عليه سلامي وتعرّفه تكفّلى بأمره وقيامي به. » وكلاما في هذا المعنى، وأن ينفذ إليه رقعة ليوصلها وينوب معه.
    قال لي أبو بشر: وانصرفت وأنا في نهاية قوّة النفس والثقة بالله عز وجل وبتمام ما يسفر فيه. فأعلمت الحسين أنّ الرجل قد صدق فيما ذكره وقد بان لنا أثره.
    قال: ثم إنّ الدانيالى طالبني بالمكافأة فطيّبت نفسه واستمهلته إلى أن تقلّد الحسين الوزارة فأذكرته حقّ الرجل فقلّده الحسبة ببغداد وأجرى له مائة دينار في كلّ شهر واختصّ به وكان يحضر مجلسه فيجلسه إلى جانب مسورته. ثم مضت أيّام فقال:
    « لا يقنعني ما أجرى لي. » وسأله زيادة. فكلّمت الحسين بن القاسم في أمره فأجرى له مائة دينار أخرى تسبّب برسم الفقهاء.
    وكان ما ذكرته من حديث الدانيالى من أوكد الأسباب في تقليد الحسين الوزارة مع كثرة الكارهين له والمعارضين في أمره.
    وانضاف إلى هذا الخبر الذي أخبر به أبو القاسم ابن الزنجي أنّ الكلوذانى عمل عملا لما يحتاج إليه من مهمّ النفقات وأخذ خطّ صاحبي ديوان الجيش والنفقات بأعمال أخر مفردة عملوها لما يحتاج إليه بزيادة مائتي ألف دينار على ما عمل هو حتى تبيّن للمقتدر بالله وقوع الاحتياط منه فيما عمل واقتصر عليه فكان العجز سبعمائة ألف دينار وعرض ذلك على المقتدر وقال له:
    « ليس لي معوّل إلّا على ما يطلقه أمير المؤمنين لأنفقه. » فعظم ذلك على المقتدر. فلمّا بلغ الحسين بن القاسم خبر العمل الذي عمله الكلوذانى كتب رقعة إلى المقتدر يضمن فيها القيام بجميع النفقات من غير أن يطلب منه شيئا وانّه يستخرج سوى ذلك ألف ألف دينار يكون في بيت مال الخاصّة.
    فأنفذ المقتدر رقعته إلى الكلوذانى وقال:
    « هذه رقعة فلان ولست أسومك الاستظهار بالمال وما أريد منك إلّا القيام بالنفقات فقط. » فقال الكلوذانى:
    « قد يجوز أن يتمّ لهذا الرجل ما لم يتمّ لي. » وسأله تقليد من ضمن هذا الضمان فأعفاه من الأمر. فلمّا وقف المقتدر على تبلّح الكلوذانى وحصل في نفسه ما بذله الحسين بن القاسم عمل على أن يستوزره وعلم شدّة كراهية مونس المظفّر لذلك فراسله على يد مفلح بأن يجتهد في إصلاح أعدائه فابتدأ الحسين بنى رائق فكان يمضى بنفسه إلى كاتبهم إبراهيم النصراني ويضمن لهم الضمانات حتى صلحوا له ثم فعل ذلك بأبي نصر الوليد بن جابر كاتب شفيع ثم فعل مثله باصطفن بن يعقوب كاتب مونس وقال له:
    « إن تقلّدت الوزارة فأنت قلّدتنيها. » فأشار عليه بملازمة أبي عليّ يحيى بن عبد الله الطبري كاتب يلبق ففعل ذلك. وكان يلبق قد سمع أنّه متّهم في دينه شرير فجمع أبو عليّ الطبري بينه وبين يلبق حتى حلف له الحسين بكلّ يمين يحلف مسلم ومعاهد إنّه مكذوب عليه في كلّ ما يطعن به عليه في ديانته أوّلا ثم في عداوته لمونس وخاصّته وأصحابه لا ينوي لأحد من الناس سوء ولا يأخذ الأموال إلّا من بقايا صحيحة على تجار ملاء كسروا مال السلطان من أثمان الغلّات ومن ضمناء قد ربحوا ربحا عظيما.
    وضمن الحسين ليلبق ضياعا جليلة كذلك لكاتبه فسعى له يلبق وسأل مونسا في أمره وسأل مونس المقتدر فتقرّرت الوزارة له وبلغ ذلك الكلوذانى فواصل الاستعفاء.
    واتّفق أن دخل خمسمائة فارس كانوا مقيمين بالجبل في ماه الكوفة وحلوان وهذه نواح لم يتغلّب عليها مرداويج وكانت أرزاقهم قد تأخّرت فطالبوا الكلوذانى وأمرهم الكلوذانى بالرجوع لينفق فيهم هناك فلم يسمعوا ورجموه بالآجر وهو منصرف في طيّاره فجعل ذلك حجّة وأغلق بابه وحلف على أنّه لا ينظر في أعمال الوزارة.
    فكانت مدّة وزارته شهرين وثلاثة أيّام.
    وزارة الحسين بن القاسم

    وكتب المقتدر إلى الحسين بن القاسم توقيعا بتقليد الوزارة وركب إليه وجوه الكتّاب والعمّال والقوّاد وبلغ ذلك أبا الفتح الفضل بن جعفر فصار إليه مع قاضى القضاة أبي عمر محمّد بن يوسف وابنه والقاضي ابن أبي الشوارب وكتب عن المقتدر بخبر تقليده الوزارة إلى خراسان وجميع النواحي والأطراف وكان تقلّده للوزارة يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر رمضان فعدل عن الجلوس للتهنئة وتشاغل بالنظر في أمر المال وما يحتاج إليه في نفقة العيد ولزمه الفضل بن جعفر وهشام بن عبد الله لأنّهما كانا يتولّيان ديوان المشرق وزمامه وديوان بيت المال وأخذ خطوط عدة من العمّال والضمناء بسبعين ألف دينار.
    وصار إليه عليّ بن عيسى آخر النهار فهنّأه وقد كان الحسين شرط لنفسه ألّا ينظر عليّ بن عيسى في شيء من الأمور ولا يجلس للمظالم فأجيب إلى ذلك. وتبسط كاتب بنى رائق وكلّ من كان سعى له في الوزارة في طلب الأموال حتى قبضوا على شذاءة وردت من الأهواز فيها مال الأهواز وإصبهان وفارس. فكتب الحسين الوزير إلى المقتدر يشكو هذه الحال فلم ينكر كلّ الإنكار. فوقع الاتفاق بين الحسين وبين ابني رائق على أن يأخذوا من المال النصف ويفرجوا عن الباقي ففعلوا ذلك.
    وكانت دمنة جارية المقتدر حظيّة عنده وكانت توصل رقاع الحسين إلى مولاها وتقوم بأمره فحمل إليها جملة عظيمة من المال وبعث إلى ابنها وهو الأمير أبو أحمد إسحاق أيضا جملة. واستأذن المقتدر أن يستكتب له ابنه القاسم بن الحسين فأذن له في ذلك وضمن لدمنة أن تحمل إلى ابنها في كلّ يوم مائة دينار وتدفع عن صرفه.
    واختصّ به بنو البريدي وأبو بكر ابن قرابة وقدّم له جملة من المال عن الضمناء بربح درهم في كلّ دينار على رسمه. واختصّ به من القوّاد جعفر بن ورقاء وأبو عبد الله محمّد بن خلف النيرمانى وقلّده أعمال الحرب والخراج والضياع بحلوان ومرج القلعة وماه الكوفة وألبسه القباء والسيف والمنطقة وتسمّى بالأمارة وخوطب بها وضمن أن يجمع الرجال ويفتح أعمال كور المشرق وينتزعها من يد مرداويج.
    وكان قد احتجن أموال السلطان من بقايا ضمان كانت عليه في أيّام سليمان بن الحسن لأعمال الضياع والخراج الخاصّة والعامّة وكانت جملة عظيمة. وكان تقلّد كرمان في بعض الأوقات واستخرج من مالها شيئا كثيرا فحملها وانصرف فكتب صارفه أنّه ما أنفق منها درهما واحدا وأنفقت له أشياء تجرى هذا المجرى.
    وتجرّد الحسين بن القاسم لإخراج عليّ بن عيسى وأخيه عبد الرحمن إلى مصر والشام فراسل المقتدر عليّ بن عيسى في ذلك ودفع عنه مونس المظفّر وقال:
    « هذا شيخ يرجع إلى رأيه ويعتضد بمكانه. » إلى أن تقرّر أمره على أن يخرج إلى الصافية فخرج.
    وابتدأ مونس في الاستيحاش والتنكر في يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجّة.
    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب في ذلك ما بلغه من اجتماع الوزير الحسين بن القاسم مع جماعة من القوّاد على التدبير عليه.
    وبلغ الحسين تنكّر مونس له وأنّه عزم على كبسه بجماعة من خواصّه في الليل للقبض عليه فتنقّل في مدّة عشرة أيّام في نحو عشرة مواضع وكان لا يعرف له دار ولا موضع يلقاه فيه أحد وكان لا تلقاه أصحاب الدواوين إلّا إذا طلبهم ثم ختم الأمر بأن أقام في دار الخليفة.
    وراسل مونس المظفّر المقتدر بالله في صرف الحسين بن القاسم عن الوزارة فأجابه إلى صرفه والتقدّم إليه بلزوم منزله فلم يقنع مونس بذلك وطالب بالقبض عليه ونفيه إلى عمان فامتنع المقتدر من ذلك وتردّدت بينهما فيه رسائل
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #34
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وأوقع الحسين بن القاسم للمقتدر أنّ مونسا قد عمل على أخذ الأمير أبي العبّاس من داره بالمخرّم والخروج به إلى مصر والشام ليعقد له الأمر في الخلافة هناك وأشار بردّ الأمير أبي العبّاس إلى داره من دار الخلافة ففعل المقتدر ذلك. ووقف الأمير أبو العبّاس على ما فعله الحسين ابن القاسم فحقد عليه في نفسه إلى أن أفضت إليه الخلافة فأنزل به من المكروه ما سنشرحه في موضعه إن شاء الله.
    وكتب الحسين بن القاسم إلى هارون بن غريب وهو بدير العاقول بعد هزيمته من بين يدي مرداويج بالمبادرة إلى الحضرة فزادت وحشة مونس بهذه الأحوال وصحّ عنده أنّ الحسين بن القاسم في تدبير عليه فخرج من داره لخمس خلون من المحرّم وجلس في حديدي وامتدّ إلى باب الشمّاسيّة وخرج أكثر رجاله وضربوا مضاربهم هناك.
    وكتب مونس إلى المقتدر بأنّ مفلحا الأسود مطابق للحسين بن القاسم في التدبير عليه وأنّ نفسه لا تسكن إلّا بإنفاذ مفلح إليه ليقلّده أجلّ الأعمال ويخرج. فكتب المقتدر بأنّ مفلحا خادم يثق به في خدمته وأنّه ليس ممّن يدخل نفسه فيما ظنّه به وبلغ مونسا أنّ الحسين قد جمع الرجال والغلمان الحجريّة في دار السلطان وأنّه قد ابتدأ بالنفقة فيهم وأنّ هارون بن غريب قد قرب من بغداد فأظهر الغضب وسار إلى الموصل ووجّه ببشرى خادمه ليؤدّى رسالة إلى المقتدر. فلمّا حصل بشرى في دار السلطان بحضرة الحسين ابن القاسم قال له الحسين:
    « هات الرقعة التي معك. » فقال له:
    « ليس معي رقعة وانّما معي رسالة. » قال: « فتذكرها. » فقال: « قد أمرت ألّا أذكرها إلّا للخليفة. » فوجّه الحسين إلى المقتدر بالله وعرّفه ذلك فوجّه المقتدر إلى بشرى يأمره أن يؤدّى الرسالة إلى الحسين فقال بشرى:
    « حتى أمضى وأستأذن صاحبي في ذلك وأعود. » فشتمه الحسين وشتم صاحبه وأمر به فقبض عليه وضربه بالمقارع وقال:
    « لا أرفع عنك الضرب أو تكتب خطّك بثلاثمائة ألف دينار. » فكتب وأمر به إلى الحبس ثم وجّه للوقت إلى داره وقبض على امرأته وصادرها وحمل ما فيها.
    ولمّا بلغ مونسا ما جرى على خادمه بشرى امتدّ وأصعد ومعه من كان برسمه من قوّاده وأصحابه، وكتب الحسين بن القاسم إلى من كان معه من القوّاد والغلمان بالانصراف عنه والمصير إلى باب السلطان، فانصرف عنه جماعة منهم ومضى مونس في خواصّه وغلمانه مسرعا إلى الموصل ووقّع الحسين بقبض أملاك مونس وضياعه وضياع أسبابه وأفرد لها ديوانا سمّاه ديوان المخالفين وردّه إلى محمّد بن جني.
    وزاد محلّ الحسين بن القاسم عند المقتدر وأنفذ إليه طعاما من بين يديه وأمر بأن يكنّى ويلقّب عميد الدولة وأن يضرب لقبه على الدنانير والدراهم، ففعل ذلك وخلع عليه يوم الاثنين لأربع بقين من المحرّم وأنشأ في ذلك كتابا نفذ إلى جميع الأعمال والأطراف.
    وصرف قوما وقلّد قوما فكان فيمن قلّد أبو يوسف يعقوب بن محمّد البريدي وذلك بمسألته فقلّده أعمال البصرة من الخراج والضياع والمراكب وسائر وجوه الجبايات بها فضمنه ذلك بمقدار نفقات البصرة وفضل له بعده ثلاثون ألف دينار وقّع بتسبيبها على مال الأهواز.
    فلمّا وقف أبو الفتح الفضل بن جعفر على ذلك استعظم ألّا يفي ارتفاع البصرة بنفقاتها حتى يحتاج إلى أن يسبّب على غيرها وتقدّم بإخراج الجماعات والحسبانات إليه وتقدّم إلى كلّ واحد من أصحاب المجالس أن يخرج إليه ما عنده من ارتفاع البصرة لثلاث سنين وأخرجت الجماعات إليه وهو ينظر فيها وفي أعمال كتّاب المجالس ويضيف من عمل إلى عمل ويعمل بيده من صلاة الغداة إلى بعد العتمة إلى أن انتظم العمل على ما أراد.
    ثم أحضر أبا يوسف البريدي وواقفه عليه ولم يتهيأ له انكار شيء ممّا أخرجه فأعطاه خطّه بالقيام بجميع ما يجب للأولياء وأن يثبت لحفظ السور ألف رجل زيادة على رسم من يحفظه ومن ينضمّ إليه وسائر النفقات الراتبة ويحمل إليه بعد ذلك كلّه ستين ألف دينار إلى بيت المال بالحضرة.
    فصار الفضل بن جعفر بالخطّ إلى الوزير الحسين بن القاسم متبجّحا به وعرضه عليه وعرّفه ما جرى بينه وبين ابن البريدي حتى تقرّر على ما كتب به خطّه. فلم يقع ذلك من الحسين بن القاسم الموقع الذي قدّره الفضل وتبين منه تكرّها له وظنّ أنّه كالتوبيخ والتقريع وكالزيادة على عمله. فلمّا تبيّن الفضل الصورة راسل المقتدر بما فعله فوقع ذلك عنده أحسن موقع وشاع ما عمله في الدواوين وتناقلته الرؤساء والكتّاب بينهم.
    واتّصل ذلك بالحسين فغلظ عليه وأراد أن يضع منه، فواقف ابن جبير على مهاترته في المجلس والغضّ منه ففعل ابن جبير ذلك حتى تكلّم بما لم تجر العادة بمثله والحسين ممسك عن الجميع لا يكفّ أحدهما عن الآخر، فلمّا تبيّن أبو الفتح ذلك وعرف الغرض نهض عن المجلس وقال:
    « ليس المكلّم لي أنت بل المكلّم غيرك. » فلمّا ولّى خارجا عرف الحسين الخطأ فيما جرى فقال لأبي عبد الله بن زنجي:
    « إنّ أبا الفتح صديقك وهو يطيعك وما أحبّ أن يخرج على هذه الجملة فأحبّ أن تلحقه وترضيه وتردّه. » فبادر إليه أبو عبد الله وما زال يرفق به حتى ردّه واعتذر إليه الحسين من خطاب ابن جبير له. وانصرف وهو مستوحش واستتر عند أبي بكر ابن قرابة وبقي ديوانه شاغرا إلى أن يئس الحسين من ظهوره فقلّد أبا القاسم الكلوذانى الديوان ولم يزل أبو الفتح يسعى له في طلب الوزارة حتى تمّ له كما سنذكره.
    ولمّا لم يعد مونس إلى بغداد وجّه الحسين إلى ابن مقلة فصادره وكان معتقلا فأعطى خطّه بمائتي ألف دينار وأنفذ إلى عليّ بن عيسى وهو بالصافية يستحضره وأطمع المقتدر من جهته في مائتي ألف دينار. فلمّا وصل الرسول إلى الصافية وجد بها هارون بن غريب وكان هارون شديد العناية بعليّ بن عيسى فمنعه من حمله وقال:
    « أنا أخاطب أمير المؤمنين في أمره. » فلمّا وقف الحسين على عناية هارون بعليّ بن عيسى أمسك عنه. ولمّا وصل هارون بن غريب إلى دار السلطان وصل إليه في خلوة وانصرف إلى داره فقصده الوزير وابنا رائق ومحمّد بن ياقوت ومفلح وشفيع وعظم أمره فخاطب المقتدر في أمر عليّ بن عيسى فأعفاه من المصادرة وخاطبه في أمر أبي عليّ ابن مقلة فحطّ من مصادرته خمسين ألف دينار وأمر بحمله إليه.
    ثم لم يستصوب ذلك وخاف أن يكاتب مونسا أو يراسله فسأل ابن مقلة هارون أن يعاود الخطاب في بابه ويستحلفه بأيمان مغلّظة ألّا يكاتب ولا يراسل مونسا ولا أحدا من أسبابه ففعل ذلك وحمل إليه.
    قال: فحدّثنا أبو عليّ ابن مقلة في وزارته للراضى أنّه أخذ في استماحة الناس وأدّى المال كلّه بما وصل إليه من المال من الجهات وفضل له عشرون ألف دينار وأنّه اشترى بها ضياعا باسم عبد الله بن عليّ النّفّرى ووقفها على الطالبيين.
    وكتب الحسين إلى ياقوت بالقبض على الخصيبي وحمله وكان بشيراز فبادر خليفته عليّ بن محمّد بن روح بالخبر إليه فخرج من يومه من شيراز مستترا حتى وافى بغداد واستتر عند أبي بكر ابن قرابة وكان الفضل بن جعفر مستترا عنده أيضا فلم يعلم أحدهما خبر صاحبه وقدم محمّد بن ياقوت من الأهواز وقبض على محمّد بن المعتضد بالله وعلى أبي أحمد ابن المكتفي بالله وحدرا إلى دار السلطان واعتقلا فيها ولم تقصر السيّدة في التوسعة على محمّد بن المعتضد وفي إكرامه وأهدت إليه عدّة من الجواري.
    وابتدأ أمر الحسين الوزير بالاضطراب
    ذكر السبب في ذلك

    اشتدّت الإضافة فباع الحسين من الضياع نحو خمسمائة ألف دينار واستسلف من مال سنة عشرين وثلاثمائة شطره قبل افتتاحها بشهور ولم يبق له وجه حيلة لتمام نفقات سنة تسع عشرة وثلاثمائة الخراجيّة. وعرف هارون بن غريب ذلك فصدق المقتدر عنه فعزم على تقليد الخصيبي الوزارة وكتب له أمانا، فظهر فخوطب في تقلّد الوزارة فذكر أنّه لم يبق للسلطان في النواحي من مال سنة تسع عشرة شيء وقد بقي منها نحو ثلاثة أشهر وأنّ الحسين قد استسلف من مال سنة عشرين قطعة وافرة وأنّه لا يغرّ السلطان من نفسه فأشار عليه هارون أن يتقلّد أزمّة الدواوين من قبل المقتدر وتكون دواوين الأصول في يد الحسين ليضبط الأموال مستأنفا فرضي الحسين بذلك وتقلّد الخصيبي دواوين الأزمّة وأجرى عليه وعلى كتّابه ألفى وسبعمائة دينار في كلّ شهر. وخلع المقتدر على الحسين ليزول عنه الأرجاف.
    ثم إنّ الحسين بن القاسم عمل أعمالا أخذ فيها خطوط أصحاب الدواوين الأصول والأزمّة بصحّتها وفيها ارتفاع الأموال من النواحي وما يرجى حصوله منها وقدّر النفقات تقديرا متقاربا للارتفاع، فسكن بذلك قلب المقتدر فسلّم المقتدر ذلك العمل إلى الخصيبي وأمر بتتبّعه، فوجد الخصيبي الحسين بن القاسم قد احتال بأن أضاف إلى ما يقدّر حصوله من النواحي أموال نواح قد خرجت عن يد السلطان بتغلّب من تغلّب عليها مثل الديلم على أعمال الريّ والجبل ومونس على أعمال الموصل والشام منذ أربع سنين وذلك جملة عظيمة، وأسقط من النفقات الزيادات التي زادها هو للجند والحاشية وغيرهم ولم يسقط من الأموال التي يقدّر حصولها من النواحي ارتفاع ما باع من الضياع، فعمل الخصيبي عملا عرضه على المقتدر فأمر المقتدر أن يواقف عليه الوزير فاجتمع الكتّاب وأمره المقتدر بمناظرتهم فلمّا خاطبوه أخذ في التشنيع عليهم وأنّهم سعوا به وقال:
    « في أيّ شيء غالطت السلطان؟ أليس هذه خطوط الضمناء؟ » فقالوا: « معاذ الله أن يقول أحد في الوزير ذلك ولكن العمل أخرج بما اضطر الوزير أيّده الله إلى التسبيب به على مال سنة عشرين وثلاثمائة من الأموال المستحقّة في سنة تسع عشرة وقد رفع الضمناء إلى ديوان الزمام أعمالا لما أطلقوه من مال سنة عشرين وما كانوا ضمنوا إطلاقه من مال هذه التسبيبات عند إدراك الغلّات ولهذا أحضرنا. » فقال الحسين:
    « أفتعلم كم مبلغه؟ » فقال: « نعم. » وأحضر عملا كان عمله بمبلغ ذلك فوجد أنّ الذي سبّب على مال السواد والأهواز وفارس لسنة عشرين وثلاثمائة قبل افتتاحها بشهور، أربعون ألف ألف درهم وأنّ الذي يبقى إلى آخر سنة عشرين على الضمناء إلى افتتاح سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وعشرون ألف ألف درهم وقد كان قيل في العمل:
    إنّ هذا ما لم يجر به في قديم الدهر ولا حديثه رسم بمثله.
    فلمّا وقف الحسين على ذلك استعظمه وأراد أن يقطع المجلس بالمشاغبة وقال:
    « يكتب في الأعمال التي عملت ما لم يعمله أحد من الوزارء قطّ ثم يعرض عليّ. » فقال هشام:
    « هذا غلط كتب على سبيل السهور وليس ممّا يزيد في المال ولا ينقص منه. » وضرب على تلك الحكاية وقال:
    « إنّما أحضرنا لننظر في أمر المال ونصدق الوزير عنه. » فعدل إلى الخصيبي يهاتره فترك الحجّة فنهض الخصيبي عن المجلس لمّا ظهرت الحجّة على الحسين وصار مع الضمناء ومع أبي جعفر ابن شيرزاد إلى هارون بن غريب فشرحوا له ما جرى. وأعيد المجلس كهيئته إلى المقتدر ثم شافه الخصيبي بمثله الحسين بحضرة المقتدر فانحلّ أمر الحسين وقبض عليه فكانت وزارته سبعة أشهر.
    وزارة أبي الفتح الفضل بن جعفر

    واستوزر أبو الفتح الفضل بن جعفر وخلع عليه يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر ربيع الآخر فركب في الخلع وركب معه القوّاد وخواصّ المقتدر وسلّم المقتدر الحسين بن القاسم إلى الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر فأجمل عشرته وقرر أمره على أربعين ألف دينار فلمّا أدّاها استأذن الوزير أبو الفتح المقتدر في تقليد الإشراف على مصر والشام فأذن له في ذلك.
    ثم ظهر أنّه أراد أن ينقب الموضع الذي كان فيه. وقال الخصيبي:
    « هذا رجل في جنبه للسلطان مال عظيم وليس يصلح أن يخرج وأن يدبّر شيئا من الأعمال. » فتأخّر أمره وصودر أيضا ثم تسلّمه الوزير فبقى عنده مدّة ثم أبعده إلى البصرة وأقام له في كلّ شهر خمسة آلاف درهم.
    مناظرة عن مرداويج

    وفي هذه السنة حضرت من ناظر عن مرداويج بن زيار والتمس أن يقاطع عن الأعمال التي غلب عليها من أعمال المشرق وتكفّل هارون بن غريب بأمره فقرّره على أن يسلّم إلى السلطان أعمال ماه الكوفة وهمذان ويقلّد باقى الأعمال ويحمل عنها مالا وكتب له العهد وأنفذ إليه اللواء ومعه خلع.
    المقتدر يهم بتقليد ابن مقلة الوزارة

    ثم إنّ المقتدر همّ بتقليد أبي على ابن مقلة الوزارة وبلغ ذلك هارون بن غريب فكره ذلك لميل أبي على إلى مونس فاجتمع مع الوزير أبي الفتح وألزما أبا عبد الله البريدي مائة ألف دينار وسلّم ابن مقلة إليه فمشى أمر الوزير أبي الفتح وحمل ابن مقلة إلى شيراز مع رشيق الأيسر.
    موت أبي عمر القاضي

    وفيها مات أبو عمر القاضي فأغرى أبو بكر ابن قرابة بورثته إغراء شديدا وقال للمقتدر:
    « ينبغي لابنه أن يحمل مائة ألف دينار فانّه من ورائها وإلّا حضر من يتقلّد قضاء القضاة ويوفّر هذا المال من جهته. » فرسم المقتدر لهارون بن الخال أن ينفذ كاتبه وللوزير أن يضمّ إليه ثقته حتى يصيرا مع ابن قرابة إلى أبي الحسين ابن أبي عمر ويخاطبه بحضرتهما.
    فمضى أبو بكر ابن قرابة ومعه أبو جعفر ابن شيرزاد وأبو على أحمد بن نصر البازيار. فلمّا حصلوا عند أبي الحسين القاضي وجدوا عنده عالما من الناس معزّين له فعزّوه وجلسوا وأمسكوا كما يحسن أن يعمل في المصائب.


  • #35
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فقال ابن قرابة:
    « ما لهذا حضرنا، قم يا أبا الحسين معنا حتى نخلو. » فنهض واستوفى عليه ابن قرابة استيفاء شديدا فقال أبو الحسين:
    « إنّ نعمت ونعمة والدي من أمير المؤمنين المقتدر ولست أدّخر دونه شيئا. » وسأل أن يمهل يومه حتى يحصّل أمره ويبكّر فيصدق عنه. وكان شهر رمضان فلمّا جنّة الليل قصد أبا بكر ابن قرابة وقت الإفطار فاستأذن عليه ودخل والمائدة بين يديه فدعاه إلى الإفطار فغسل يده وسمّى وأكل ومصيبته طرية وأنّها ليومه ولكنّه ليستكفى شرّه. فلمّا انقضى الإفطار قال له:
    « يا سيدي قد جئتك مستسلما إليك فدبّرنى بما تراه. » فقال له:
    « قم فامض بسلام وما بك حاجة إلى أن توصيني ولا تفكّر في أمرك فانّى أفصله وأعمل فيه ما يرضيك. » وكان على مائدة أبي بكر ابن قرابة أبو عبد الله وأبو يوسف ابنا البريدي.
    فلمّا فرغوا من الأكل قرب البريديّان من القاضي أبي الحسين كالمتوجّعين له ووصفا مشاركتهما إيّاه واستصوبا قصده أبا بكر وإفطاره معه وقالا له:
    « أنت مقبل. » وعرض عليه أبو يوسف ثلاثة آلاف دينار وقال:
    « إن احتجت إليها فخذها وافتد نفسك وإن أوجبت الصورة أن تستتر فأنفقها في استتارك فلن ينفذ حتى يأتيك الفرج. » ولم يحتج أبو الحسين إلى الاستتار وتعطّف عليه المقتدر بالله وعاونه البريديون وإخوانه أحسن معاونة فقلّده قضاء القضاة فقويت نفسه ومشى أمره.
    ثم إنّ المقتدر وصف لابن قرابة الإضاقة، فقال له:
    « يا أمير المؤمنين لم لا يعاونك هارون بن الخال وعنده آزاج مملوءة مالا؟ » فأعاد المقتدر ذلك على ابن الخال فقال:
    « يا أمير المؤمنين إن كنت أملك ما قال فلست أبخل عليك به لأنّى أسلم بسلامتك وفي جيشك أنفقه وإليك معاده، وابن قرابة معه من المال ما لا يحتاج أبدا إليه وأنا أستخرج لك منه خمسمائة ألف دينار وليس بينه وبين أمير المؤمنين الذي يجمعني وإيّاه، فلم يترك عليه وأنا أؤدّيها من ماله إليك؟ » فقال له:
    « اذهب فتسلّمه. » فقبض عليه وجرى عليه من المكروه ما أشفى به على التلف حتى قتل المقتدر بالله فتخلّص ولا عجب من أمر الله.
    وكان قد وقّع الوزير أبو الفتح بأن يعمل لابن قرابة عمل بما صار إليه من الربح في الأموال التي قدّمها عن الضمناء وبقايا مصادرته في أيّام عبد الله الخاقاني وما يجب عليه من الفضل فيما ابتاعه من الضياع فأخرج عليه من هذه الجهات ألف ألف دينار فصحّ له من هذه الجملة تسعون ألف دينار.
    ثم شغل الوزير وهارون بورود الخبر عليهما بانحدار مونس من الموصل وكان هارون قيّده وسلّمه إلى حاجبه وعدّة من غلمانه ليخرجوه إلى واسط فقتل المقتدر في ذلك اليوم فهرب من كان موكّلا به وبقي معه غلامان كان هو اشتراهما لابن الخال فعنيا به وصارا معه إلى فرضة جعفر وأدخلاه إلى مسجد وأحضرا حدّادا وحلّا قيوده وأطلقاه فمشى إلى منزله بسويقة غالب ووهب لهما خمسمائة دينار.
    استشارة في الأمر الواضح وعاقبة المستشير

    وحكى ثابت بن سنان في كتابه أنّ أباه سنان بن ثابت كانت بينه وبين أبي بكر ابن قرابة مودّة فصرنا إليه لنهنّئه بخلاصه فقال لوالدي:
    « يا أبا سعيد قد اجتمع لي فيك المحبّة والعقل وجودة الرأي وأريد أن أستشيرك في أمري. » فقال له أبي:
    « قل فانّى أمحضك النصيحة. » فقال: « أنت تعلم أنّى كنت في بحار من التخليط وكانت عليّ تبعات فيما كنت أدخل فيه وأقدّمه من مالي عن الضمناء لم يكن على أحد مثلها، وقد غسلت هذه النكبة وما أدّيت فيها من المصادرة دون ما كنت فيه وقد حصل لي الآن ما يرتفع منه عشرون ألف دينار خالصة وحصل لي من البساتين والمستغلات بعد ذلك ما ليس لأحد مثله ولى من الفرش والآلات والبلور والمخروط والصيني والجوهر والطيب والكسوة ما ليس لأحد مثله ومن الرقيق والخدم الروقة والغلمان والكراع ما ليس لأحد مثله، ولى بعد ذلك كلّه ثلاثمائة ألف دينار صامت لا أحتاج إليها وبيني وبين هذا الوزير - يعنى أبا عليّ ابن مقلة وقد كان القاهر استوزره وهو بفارس - مودّة وكيدة فهل ترى لي إذا قدم أن أقتصر على لقائه في الأوقات لعمارة الحال بيني وبينه ولا أداخله ولا أعاود ما كنت فيه أو أعاود وأرجع إلى التخليط. » فقال له والدي:
    « ما رأيت أعجب من هذه المشاورة وإنّما يشاور في المشكل من الأمر فأمّا الواضح فيستغنى فيه عن الرأي. انظر - أعزّك الله - فإن كان ذلك التخليط أثمر لك ما تحبّ فارجع إليه وإن كان إنّما أثمر ما تكره وعرضك لزوال المهجة وزوال النعمة فلا تعاوده ومع هذا فإنّ الإنسان إنّما يكدّ ويكدح ويتعرّض للمكاره ليحصل له بعض ما حصل لك فاحمد الله وتمتّع بالنعمة وقد حصل لك من الجاه ما يحرسها واربح الصيانة وحسن العافية. » فسمع ذلك كلّه [ و ] قال:
    « قد علمت والله أنّك قد نصحت وبالغت ولكنّ لي نفسا مشؤومة لا تصبر وسأعاود ما كنت فيه. » فقال له والدي:
    « خار الله لك. » وانصرفنا فقال لي والدي:
    « يا بنيّ ما رأيت قطّ أجهل من هذا الرجل ولا يموت مثله إلّا مقتولا أو فقيرا بأسوأ حال. » فكان الأمر على ما قدّر وأدّاه التخليط إلى أن قبض عليه القاهر فأزال نعمته وقبض أملاكه وهدّمت داره وأراد قتله حتى زال أمر القاهر. ثم عاد أيضا إلى التخليط ومضى إلى البريديين لمّا خالفوا السلطان، ثم مضى إلى أبي الحسين أحمد بن بويه لمّا غلب على الأهواز، ثم وقع أسيرا لمّا انصرف الأمير أبو الحسين من نهر ديالى وصودر حتى لم يبق له بقية واضطرّ إلى أن يخدم ناصر الدولة أبا محمّد ابن حمدان برزق مائة دينار في كلّ شهر فكثرت في عينه وكان ينفق مثلها كلّ يوم. ومات بالموصل، ونعوذ بالله من الجهل والإدبار.
    ودخلت سنة عشرين وثلاثمائة

    وفيها انحدر مونس من الموصل إلى بغداد وقتل المقتدر بالله
    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب في ذلك ما ذكرناه من استيحاش مونس. فلمّا تمّ له الانصراف إلى الموصل كتب الحسين بن القاسم إلى داود وسعيد ابني حمدان والحسن بن عبد الله بن حمدان بمحاربة مونس ودفعه عن الموصل فإنّه عاص.
    وكان مونس يكتب في طريقه إلى رؤساء العرب في ديار ربيعة بأنّ السلطان أنفذه لمحاربة بنى حمدان يريد بذلك أن يقعدهم عنهم فامتنع داود من لقاء مونس لإحسانه إليه فإنّه كان عظيما جدّا، فما زال أهله به حتى فثؤوا رأيه وقالوا له:
    « نحن بعد ما غسلنا قبيح ما عمله الحسين بن حمدان ثم ما عمله أبو الهيجاء بالأمس نريد أن نعمل لنا حديثا ثالثا. » وما زالو به حتى استجاب على تكرّه شديد وقال:
    « يا قوم! بأيّ وجه ألقى مونسا مع إحسانه العظيم إليّ؟ » وكان يعدّدها ثم يقول:
    « والله ما آمن أن يجيئني سهم عائر فيقع في هذا الموضع مني - يعنى حلقه - فيقتلني. » قال: فو الله ما هو إلّا أن لقيه مونس حتى أتاه السهم العائر فوقع في موضع إصبعه فذبحه ولم يقتل غيره.
    وكان بنو حمدان في ثلاثين ألفا ومونس في ثمانمائة رجل فانهزموا وقتل داود.
    وكان مونس إذا قيل له:
    « قد أقبل داود لمحاربتك. » يعجب ويقول:
    « يا قوم يلقاني داود وفي حجري طهّر ولى عليه من الحقّ ما ليس لوالده. »
    خروج مونس وقصده بغداد

    فلمّا ملك مونس أموال بنى حمدان وغلّاتهم وضياعهم واستولى على أعمال الموصل خرج إليه الناس من الأولياء إرسالا وكثروا عنده فحملوه على الخروج من الموصل وقصد بغداد وكان أقام بالموصل تسعة أشهر.
    فانحدر مونس وبلغ الجند بالحضرة ذلك فشغبوا وطالبوا بالرزق فأطلق المقتدر المال وجلس في الجوسق وأنفق فيهم وأخرج مضربا ليه يسمّى مضرب الدم إلى باب الشمّاسيّة.
    ووافى مونس وأصحابه إلى باب الشمّاسيّة وكان المقتدر قد وجّه أبا العلاء سعيد بن حمدان وصافيا البصري في خيل إلى سرّ من رأى ثم أنفذ أبا بكر محمّد بن ياقوت في ألفى فارس ومعه الغلمان الحجريّة [ إلى المعشوق ].
    ثم أنفذ مونسا الورقائى على سبيل الطلائع، فلمّا قرب مونس أقبلوا يراجعون حتى اجتمعت الجماعة بعكبرا، فلمّا قرب مونس من عكبرا انكفأت الجماعة مع محمّد بن ياقوت إلى البردان، فلمّا نزل مونس عكبرا انكفأت الجماعة إلى باب الشمّاسيّة فعسكروا هناك. واضطربت الأمور وتقاعد الضمناء والعمّال بحمل الأموال.
    واجتهد المقتدر بهارون أن يشخص إلى حرب مونس فتقاعد واحتجّ بأنّ معظم أصحابه ممّن انضمّ إليه من رجال مونس أو ممّن كان معه في وقت محاربته مرداويج في المشرق أو من استأمن إليه من عسكر الديلم وقد عرف محاربتهم وأنّهم ينهزمون ولا يثبتون للحرب وليس يثق بأحد منهم لأنّه يعلم أنّهم يستأمنون ويسلّمونه ودافع بالخروج إلى أن صار أصحاب مونس بباب الشمّاسيّة بإزاء عسكر محمّد ابن ياقوت. فجاء محمّد بن ياقوت إلى الوزير الفضل بن جعفر فانحدر إلى المقتدر ومعهما ابنا رائق ومفلح فشرح محمّد بن ياقوت الصورة وقال له:
    « إنّ الرجال لا يقاتلون إلّا بالمال وإن أخرج استغنى عن القتال واستأمن أكثر رجال مونس ودفعت الضرورة مونسا إلى الهرب أو الاستتار. » وقال له:
    « إنّ الوزير أطلق مالا لم يعمّ. » وسألوه أن يحتال مائتي ألف دينار من جهته وجهة والدته ليصرف في المهمّ. فعرّفه أنّه لم يبق له ولا للسيّدة حيلة في مال يطلق وتقدّم الشذاءات والطيّارات لينحدر هو وحرمه إلى واسط ويسلّم البلد إلى مونس ويكتب من واسط إلى من بالبصرة والأهواز وفارس يستنجدهم ويستحضرهم لقتال مونس ودفعه.
    فقال له محمّد بن ياقوت:
    « اتّق الله يا أمير المؤمنين في جماعة غلمانك وخدمك ولا تسلّم بغداد بغير حرب. »
    وجعل يفثأه عن رأيه ويشير بأن يخرج بنفسه إلى المعسكر حتى يراه الناس ويقاتلون وقال له:
    « إن رآك رجال مونس وأحجموا عن محاربتك. » فقال له المقتدر:
    « أنت والله رسول إبليس. » ثم أمر هارون على لسان الوزير الفضل بن جعفر أن يخرج ووبّخه فمضى إليه ووافقه على أن يخرج يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوّال إلى دار السلطان.
    وركب المقتدر وهم معه وعليه البردة التي توارثها الخلفاء وبيده القضيب وبين يديه الأمير أبو عليّ بن المقتدر والأنصار ومعهم المصاحف المنشورة والقرّاء يقرأون القرآن وحوله جميع رجاله بالسلاح وخلفه جميع القوّاد مع الوزير واشتقّ بغداد إلى الشمّاسيّة وكثر دعاء الناس له جدّا وسار في الشارع الأعظم إلى المعسكر، فلمّا وصل إليه أشير عليه أن يقوم إلى موضع عال بعيد عن موضع الحرب.
    واشتدّت الحرب بين أصحاب مونس وأصحاب المقتدر بالله وكان مونس مقيما بالراشديّة لم يحضر الحرب وثبت محمّد بن ياقوت وهارون بن غريب واشتبكت الحرب، وصار أبو العلاء سعيد بن حمدان إلى المقتدر بالله برسالة هارون بن غريب ومحمّد بن ياقوت بأن يحضر الحرب. وقال له:
    « إنّ رآك أصحاب مونس استأمنوا. » فلم يبرح من موضعه ومضى أبو العلاء ووافاه صافى البصري فقال له مثل هذا القول فلم يسمع منه.
    ثم حضر محمّد بن أحمد القرايطى كاتب محمّد بن ياقوت فاستدعى الوصول إلى المقتدر بالله فأوصل إليه وهو واقف على ظهر دابّته فقبّل الأرض وقال له:
    « يا أمير المؤمنين، القوّاد وعبدك محمّد بن ياقوت يقول: يا مولانا أمير المؤمنين الله الله سر بنفسك إلى الموضع فإنّ الناس إذا رأوك انفلّوا. » فلم يبرح وبقي واقفا على دابّته وخلفه الوزير أبو الفتح ومفلح الأسود وجماعة من الغلمان الخاصّة.
    فهم على تلك الحال إذ وافت رسالة القوّاد المحاربين فتقدّم بعضها بأن ينادى بين يديه:
    « من جاء بأسير فله عشرة دنانير ومن جاء برأس فله خمسة دنانير. » فنودي بذلك. ثم جاءته رقعة فسلّمت إليه فقرأها ثم استدعى مفلحا والقراريطي فسارّهما ثم استدعى الوزير فسارّه وأجابه بشيء ما سمع به.
    ثم وردت رقعة أخرى فقرأها ثم وافته الرسائل علانية من القوّاد تؤدّى إليه ويسمع الناس أنّ الرجال في الحرب يقولون:
    « نريد أن نرى مولانا حتى نرمي بأنفسنا على هؤلاء الكلاب. » ولم يزل القراريطي وغيره يسهّلون عليه ويسألونه المسير حتى سار مع مفلح ومن بقي معه.
    وتخلّف الفضل بن جعفر عنه وسار نحو الشطّ وانكشف أصحاب المقتدر وانهزموا من قبل أن يصل المقتدر إلى موضع المعركة وكان آخر من ثبت وحارب حربا شديدا محمّد بن ياقوت واستؤسر أحمد بن كيغلغ وجماعة من القوّاد.
    ولقي عليّ بن يلبق المقتدر وهو في الطريق لم يصل إلى المعركة في صحراء منبسطة، فلمّا وقعت عينه عليه ترجّل وعليه سلاحه وقال:
    « مولاي أمير المؤمنين. »
    بربري من أصحاب مونس يقتل المقتدر

    وقبّل الأرض ثم قبّل ركبته، ووافى البربر من أصحاب مونس فأحاطوا بالمقتدر وضربه رجل منهم من خلفه ضربة سقط منها إلى الأرض وقال:
    « ويحكم أنا الخليفة. » فقال البربري:
    « إيّاك أطلب. » وأضجعه فذبحه بالسيف. وكان معه رجل من خلفاء الحجّاب طرح نفسه عليه فذبح أيضا ووقع رأس المقتدر على سيف ثم على خشبة وسلب ثيابه حتى سراويله وترك مكشوف العورة إلى أن مرّ به رجل من الأكرة فستر عورته بحشيش ثم حفر له في الموضع ودفن حتى عفا أثره. ونزل يلبق وعليّ ابنه في المضارب وأنفذ للوقت إلى دار السلطان من يحفظها وانحدر مونس من الراشديّة إلى الشمّاسيّة فبات بها ومضى عبد الواحد بن المقتدر ومفلح وهارون بن غريب ومحمّد بن ياقوت وابنا رائق على الظهر إلى المدائن.
    فكان ما فعله مونس من ضربه وجه المقتدر بالسيف وقتله إيّاه ودخوله بغداد على تلك السبيل سببا لجرأة الأعداء وطمعهم فيما لم تكن أنفسهم تحدّثهم به من الغلبة على الحضرة، وانخرقت الهيبة وضعف أمر الخلافة مذ ذلك وتفاقم حتى انتهى إلى ما نشرحه فيما بعد إن شاء الله.


  • #36
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    تبذير المقتدر

    وحكى ثابت حكاية في تبذير المقتدر للأموال ما رأيت أن أثبته مشروحا لئلّا يغترّ أحد من الملوك ومدبّرى أمر المملكة بكثرة الأموال فيترك تثميره ويعدل عن التعب به إلى الراحة اليسيرة فإنّه حينئذ يتبدّد ولا يلحق ويكون مثله مثل البثق الذي ينفجر بمقدار سعة الدرهم ثم يتّسع فلا يضبط.
    قال صاحب الكتاب: ولقد ووعظت أنا بذلك بعض مدبّرى الملك فأكثرت عليه فتبسّم تبسّم المدلّ بكثرة الذخائر والأموال فما أتت عليه سنتان حتى رأيته في موضع الرحمة لا ينفعه الرحمة، وسأشرح خبره وحاله إذا انتهيت إليه بمشيئة الله. فأمّا المقتدر فإنّه أتلف نيّفا وسبعين ألف ألف دينار سوى ما أنفقه في موضعه وأخرجه في وجوهه وهذا أكثر ممّا جمعه الرشيد وخلّفه. ولم يكن في ولد العبّاس من جمع أكثر ممّا جمعه الرشيد، فإنّ القاسم بن عبيد الله قال للمعتضد وقد سأله عن مقدار ما خلّفه واحد واحد من ولد العبّاس من المال:
    « إنّه لم يكن فيهم من خلّف أكثر ممّا خلّفه هارون الرشيد فإنّه خلّف في بيت المال ثمانية وأربعين ألف ألف دينار. » وهذه نسخة لما أثبته بعض كتّاب أبي الحسن ابن الفرات لمّا وزّره المقتدر بالله.
    « بسم الله الرحمن الرحيم. الذي كان في بيت مال الخاصّة لمّا تقلّد المقتدر الخلافة أربعة عشر ألف ألف دينار، وافتتح أبو الحسن ابن الفرات أعمال فارس وكرمان سنة تسع وتسعين ومائتين فارتفع من مال الخراج والضياع العامّة والمعروف بالأمراء في كلّ سنة ثلاثة وعشرون ألف ألف درهم وثمانمائة ألف درهم، منها من مال فارس ثمانية عشر ألف ألف درهم، ومن مال كرمان خمسة آلاف ألف درهم، يكون ذلك في مدّة احدى وعشرين سنة آخرها سنة عشرين وثلاثمائة الخراجيّة بعد وضع ثمانمائة ألف درهم كانت تنكسر في كلّ سنة من مال البقايا أربعمائة ألف ألف درهم وثلاثة وثمانين ألف درهم.
    « وإذا وضع من ذلك ما كان يحمله من يتغلّب على فارس وكرمان إلى بيت مال العامّة بالحضرة وهو نحو أربعة آلاف ألف درهم في السنة ومبلغه في هذه السنين ثلاثة وثمانين ألف ألف درهم وكان الباقي بعد ذلك أربعمائة ألف ألف درهم قيمتها ثمانية وعشرون ألف ألف دينار.
    « ومن أموال مصر والشام في هذه السنين زيادة على ما كان يحمل منها في أيّام المعتضد: ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف دينار.
    « وأخذ المقتدر من أموال عليّ بن محمّد بن الفرات في مصادرته ومصادرات كتّابه وأسبابه: أربعة آلاف ألف وأربعمائة ألف دينار، منها في الدفعة الأولى: ألفي ألف وثلاثمائة ألف دينار، وفي الدفعة الثانية: ألف ألف ومائة ألف دينار، وفي الثالثة مع ما أخذ من زوجة المحسّن دولة: تسعمائة ألف دينار.
    « وما حصل من ارتفاع ضياع ابن الفرات الملك سوى الإقطاع والإيغار في مدّة سبع عشرة سنة مع ما انصرف في ذلك من المبيع والمقطع والموغر للحاشية حسابا في السنة مائتي وخمسين ألف دينار: أربعة آلاف ألف ومائتي وخمسون ألف دينار.
    « وما صحّ ممّا أخذ لأبي عبد الله الجصّاص الجوهري دون ما كان يذكره وهو يتكثّر به من العين: ألفي ألف دينار.
    « وما حصل من ضياع العبّاس بن الحسن بعد قتله في مدّة أربع وعشرين سنة حسابا في السنة مائة وعشرين ألف دينار:
    ألفي ألف وثمانمائة ألف دينار.
    « وما أخذ من أموال حامد بن العبّاس وأسبابه ومع ما يرتفع من ضياعه إلى أن ردّت على ولده ألفي ألف ومائتي ألف دينار.
    « وما أخذ من أموال الحسين بن أحمد ومحمّد بن عليّ المادرائيين في أيّام وزارة أبي عليّ الخاقاني ووزارات ابن الفرات الثلاث وأيّام أبي القاسم الخاقاني وأبي العبّاس الخصيبي وأبي الحسن عليّ بن عيسى الثانية وأبي عليّ ابن مقلة: ألف ألف وثلاثمائة ألف دينار.
    « وما أخذ من أموال عليّ بن عيسى وابن الحواريّ وسائر الكتّاب ووجوه العمّال المصادرين: ألفي ألف دينار.
    « وما أخذ من تركة الراسبي، خمسمائة ألف دينار.
    « وما أخذ من تركة إبراهيم المسمعي: ثلاثمائة ألف دينار.
    « وما حصل من ثمن المبيع في أيّام الوزراء وازداده الفضل بن جعفر: ثلاثة ألف ألف دينار.
    « وما حصل من أموال أمّ موسى وأخيها وأختها وأسبابها: ألف ألف دينار.
    « فصار الجميع من العين: ثمانية وستين ألف ألف وأربعمائة وثلاثين ألف دينار. وضع من ذلك لارتفاع ما خرج من المبيع منذ سنة سبع عشرة وثلاثمائة إلى آخر سنة عشرين وثلاثمائة حسابا في السنة على التقريب تسعمائة ألف دينار: ثلاثة ألف آلاف وستّمائة ألف دينار. » الباقي بعد ذلك ممّا حصل في خزانة المقتدر زائدا على ما كان يحمل إلى بيت مال الخاصّة في أيّام المعتضد والمكتفي من أموال الضياع والخراج بالسواد والأهواز والمشرق والمغرب: أربعة وستين ألف ألف وثمانمائة وثلاثين ألف دينار.
    وقد كان كلّ واحد من المعتضد والمكتفي يستفضل في كلّ سنة من سنى خلافته من أموال النواحي بعد الذي يصرف في أعطيات الرجال والغلمان والخدم والحشم وجميع النفقات الحادثة مع ما كان يحصّله في بيت مال الخاصّة: ألف ألف دينار.
    وكان سبيل المقتدر أن يستفضل مثلها فيكون مبلغه في خمسة وعشرين سنة: خمسة وعشرين ألف ألف دينار. فيكون جملة ما يجب أن يحضر في بيت مال الخاصّة للمقتدر بالله في هذه السنين إلى آخر سنة عشرين: تسعة وثمانين ألف ألف دينار وثمانمائة ألف وثلاثين ألف دينار.
    خرج من ذلك ما ليس يجرى مجرى التبذير وهو ما أطلق في البيعة ثلاث دفعات وما أنفق على فتح فارس وكرمان: بضعة عشر ألف ألف دينار. وبقي بعد ذلك ما بذّر وأتلف: نيّف وسبعون ألف ألف دينار. » وكانت مدّة وزارة أبي الفتح الفضل بن جعفر للمقتدر خمسة أشهر وتسعة وعشرين يوما.
    خلافة القاهر بالله أبي منصور محمد بن المعتضد سنة عشرين وثلاثمائة

    لمّا قتل المقتدر بالله وحمل رأسه إلى بين يدي مونس بكى وقال:
    « قتلتموه والله لتقتلنّ كلّنا فأقلّ ما يكون أن تظهروا بأن ذلك جرى بغير قصد منكم ولا أمر به وأن تنصبوا في الخلافة ابنه أبا العبّاس فإنّه تربيتي وإذا جلس في الخلافة سمحت نفس جدّته والدة المقتدر وإخوته وغلمان أبيه بإخراج المال. » فعارض هذا الرأي أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختي لحينه وما سبق له في حكم الله تعالى وقال:
    « بعد الكدّ استرحنا ممّن له والدة وخالة وخدم فنعود إلى تلك الحالة؟ » وما زال بمونس وأسبابه حتى فثأ رأيهم عن أبي العبّاس وعدل به إلى محمّد بن المعتضد بالله ليتمّ المقدار من جرى قتله على يده.
    وحضر فائق وجه القصعة الحرمي فذكر لمونس أنّ والدة المقتدر لمّا بلغها قتل ابنها أرادت الهرب وأنّه وكّل بها وتوثّق منها. وذكر أنّ محمّد بن المعتضد ومحمّد بن المكتفي معتقلان في يده. فوجّه به مونس وأمره بإحضارهما وأصعد بهما إلى دار مونس بعد أن أطلق بشرى خادمه.
    وابتدأ مونس بخطاب محمّد بن المكتفي فامتنع من قبول الأمر وقال:
    « عمّى أحقّ به. » فخاطب حينئذ محمّد بن المعتضد فاستجاب واستحلف لمونس المظفّر وليلبق ولعليّ ابنه وليحيى بن عبد الله الطبري كاتب يلبق.
    فلمّا توثقوا منه بالأيمان والعهود بايعوه وبايعه من حضر من القضاة والقوّاد ولقّب: « القاهر بالله ». وكان ذلك سحر يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوّال. وأشار مونس بأن يستوزر له عليّ بن عيسى ووصف سلامته واستقامة أموره ومذهبه ودينه فقال يلبق وابنه:
    « الحال الحاضرة لا تحتمل أخلاق عليّ بن عيسى وأنّه يحتاج إلى من هو أسمح منه وأوسع أخلاقا. » فأشار بأبي عليّ ابن مقلة وبأن يستخلف له إلى أن يقدم من فارس أبو القاسم الكلوذانى. فأمضى مونس ذلك وكتب إلى أبي على ابن مقلة بالإسراع، وإلى ياقوت بحمله وتعجيله.
    وانحدر القاهر إلى دار الخلافة وصعد الدرجة. وانحدر مونس وأسبابه إلى دورهم وصرف محمّد بن المكتفي إلى داره في دار ابن طاهر واستحجب القاهر بالله عليّ بن يلبق واستكتب عليّ بن يلبق أبا عليّ الحسن بن هارون.
    ووجّه مونس المظفّر فاستقدم عليّ بن عيسى من الصافية فراسله القاهر على يد الحسن بن هارون واستدعاه فلقى مونسا ثم انحدر إلى القاهر فوصل إليه وخاطبه بجميل وذلك قبل ورود ابن مقلة.
    واستحضر مونس أبا القاسم الكلوذانى وانحدر معه إلى دار السلطان وأوصله إلى القاهر فعرّفه أنّه قد استوزر أبا عليّ ابن مقلة واستخلفه له إلى أن يقدم وأمره أن ينتقل إلى دار مفلح ليقرب عليه إذا طلبه ففعل ولقيه أصحاب الدواوين وهنّأوه وأمر ونهى.
    تشاغل القاهر بالبحث عمن استتر

    وتشاغل القاهر بالبحث عمّن استتر من أولاد المقتدر وحرمه وبمناظرة والدته وكانت في علّة عظيمة من فساد مزاج وابتداء استسقاء ولمّا وقفت على ما لحق ابنها من القتل وأنّه لم يدفن جزعت جزعا شديدا ولطمت رأسها ووجهها وامتنعت من المطعم والمشرب حتى كادت تتلف ورفق بها رفقا كثيرا إلى أن اغتدت بيسير من الخبز والملح وضربت الماء.
    ثم دعاها القاهر فقررها بالرفق مرّة وبالتهديد مرّة فحلفت له على أنّه لا مال لها ولا جوهر إلّا صناديق فيها صياغات وثياب وفرش وطيب وأنّ هذه الصناديق في دار تتصل بالدار التي كانت تسكنها من دار السلطان ووقفته على تلك الدار وتلك الصناديق وقالت:
    « لو كانت عندي مال لما سلّمت ولدي للقتل. » فضربها حينئذ بيده وعلّقها بفرد رجل وأسرف في ضربها على المواضع الغامضة من بدنها ولم يرع لها إحسانها وقت اعتقال المقتدر إيّاه ولمّا أوقع بها المكروه لم يجد زيادة على ما اعترفت به طوعا.
    فلمّا كان مستهلّ ذي القعدة حضر يلبق وعليّ ابنه ومعهما أبو القاسم الكلوذانى دار السلطان فأوصلهم إلى حضرته فطالبوه بحمل مال إلى مونس المظفّر لينفق في صلة البيعة فحدّثهم بما فعله بوالدة المقتدر وأنّه ضربها بيده مائة مقرعة ضرب التقرير على المواضع الغامضة من بدنها فما أقرّت بدرهم واحد غير ما كانت أقرّت به عفوا وقال لهم:
    « هي بين أيديكم. » ثم أدخلهم إلى الدار التي فيها الصناديق فإذا فيها ثياب وشى وديباج رومي وتستريّ مثقّلة بالذهب وفرش أرمنيّ وخزّ رقم وديباج وصناديق فيها ثياب فاخرة وصياغات يسيرة ذهب وصياغات كثيرة فضّة وطيب كثير من عود هنديّ وعنبر ومسك وكافور وتماثيل كافور قيمة ذلك نحو مائة وثلاثين ألف دينار وقيمة التماثيل نحو ثلاثمائة ألف درهم فتسلّم أكثر ذلك مونس المظفّر ليباع فتركوا بعضه ليخدم به القاهر.
    وصودر جميع أسباب المقتدر وظهر الفضل بن جعفر فعنى به مونس ويلبق وابنه وخاطبوا فيه القاهر فقال:
    « هذا كان وزير المقتدر ولا بدّ من مصادرته. » فبذل عشرين ألف دينار عاجلة فقال مونس:
    « أنا أزن هذا المال عنه فإنّه ثقة عفيف كاتب ديّن. » ورسم أن يقلّد ديوان الضياع المقبوضة عن والدة المقتدر وديوان أولاد المقتدر وما قبض عنهم وعن سائر الأسباب وأكرم كل إكرام وصار إلى الكلوذانى فقام له لمّا حضر ولمّا انصرف ووقّع له القاهر بجميع تلك الدواوين التي ذكرتها فتسلّم الدواوين ولم يؤثر فيها شيئا لأنّه لم يستحسن وكان بالأمس وزير المقتدر أن يتقلّد اليوم ديوان المقبوضات عن والدته وأولاده وأسبابه فاستحضر الكلوذانى هشاما وقلّده ذلك أزمّة وقلّد أبا محمّد المادرائى ديوان الأصول فكانت مدّة ولاية الفضل هذه الدواوين سبعة عشر يوما.
    وكانت مصادرة أبي بكر ابن ياقوت قد اشتهرت وأنّه لم يؤدّ منها إلّا تسعين ألف دينار فطولب بتمامها. وأخرج القاهر والدة المقتدر لتشهد على نفسها القضاة والعدول بأنّها قد حلّت وقوفها ووكّلت في بيعها عليّ بن العبّاس النوبختي ونوظرت على ذلك فامتنعت منه وذكرت أنّها وقفته على مكّة والثغور على الضعفى والمساكين ولا أستحل حلها فأمّا أملاكى الطلق فقد وكّلت عليّ بن العبّاس في بيعها.
    فنهض القاضي عمر بن محمّد والشهود إلى حضرة القاهر فأشهدهم على نفسه بأنّه قد حلّ وقوفها ووكّل في بيعها عليّ بن العبّاس النوبختي وفي بيع سوى ذلك من الضياع الخاصّة والفراتيّة والعبّاسية والمستحدثة والمرتجعة وما يجرى مجراها في سائر النواحي ووكّل أبا طالب النوبختي وإسحاق بن إسماعيل وأبا الفرج جلخت في بيع المستغلات بالحضرة المقبوضة وما أمكنهم بيعة من فضل ما بين المعاملتين. ورأى أسباب مونس أنّه لا يتمّ البيع إلّا بأن يبتدءوا بالشراء منهم فابتاعوا أشياء بنحو خمسمائة ألف دينار.
    وزارة ابن مقلة

    وقدم أبو على ابن مقلة من شيراز في يوم النحر وكان كتب إلى القاهر بالله ويسأله أن يجلس له في الليل لأنّه كان اختار لنفسه أن يلقاه بطالع الجدى وفيه أحد السعدين والآخر في وسط السماء فوصل في الوقت الذي قدّره وصادف القاهر ينتظره فلقيه وخرج من عنده وقد أعدّت له دار هارون بن المقتدر وفرشت فدخلها ووقّع فيها بتقليد قوم وخلع عليه من الغد خلع الوزارة وصار إلى مونس المظفّر فسلّم عليه وانصرف إلى داره.
    وحضر الناس للتهنئة وراح إليه في آخر النهار عليّ بن عيسى فلم يقم له واستقبح الناس له ذلك وصار إليه أبو بكر ابن قرابة ووفى بوعده في مداخلته إيّاه والعود إلى التخليط كما كنّا شرحناه من أمره.

  • صفحة 9 من 14 الأولىالأولى ... 7891011 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 99
      آخر مشاركة: 06-15-2010, 01:21 AM
    2. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    3. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    4. سير أعلام النبلاء الخامس
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 229
      آخر مشاركة: 06-04-2010, 02:34 AM
    5. باب الحارة الجزء الخامس
      بواسطة En.muhammed manla في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 03-09-2010, 12:41 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1