صفحة 10 من 14 الأولىالأولى ... 89101112 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 37 إلى 40 من 54

الموضوع: تجارب أمم المجلد الخامس


  1. #37
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ودخلت سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة

    كان أبو عليّ ابن مقلة عاتبا على الكلوذانى وذاك أنّه لم يعرف خبر أحد من إخوته وولده وحرمه وأسبابه بعد تقليده خلافته ولا صار إلى داره ولا قلّد أحدا من أسبابه شيئا من الأعمال ولا تفقّد حرمه وولده بشيء، وأعظم من هذا كلّه أنّ أبا عبد الله ابن ثوابة استأذن أبا القاسم الكلوذانى في وقت خلافته أبا عليّ في ذكر كنيته على الكتب النافذة إلى العمّال فلم يأذن له فقبض على الكلوذانى وأسبابه وكان هذا أوّل ما وبّخه به وأخذ خطّه بمائتي ألف دينار ونقله مع كاتبه وأسبابه إلى أبي بكر ابن قرابة ثم قبض على جماعة من العمّال وكتّاب الدواوين وقبض على إسحاق بن إسماعيل النوبختي وعلى بنى البريدي وضمن أعمالهم من محمّد بن خلف النيرمانى بما كانت عليهم وزيادة ثلاثمائة ألف دينار وضمن أيضا أن يصادرهم على ستمائة ألف دينار وتسلّمهم وحملهم إلى داره وجميع ذلك بتوسط ابن قرابة فاعتقلهم محمّد بن خلف في داره وفرّق بينهم.
    وجمع أبو على ابن مقلة لمحمّد بن خلف مع هذه الأعمال أعمال المعاون فخاف إسحاق بن إسماعيل وبنو البريدي على أنفسهم لما يعرفونه من شدّة إقدام محمّد بن خلف وتهوّره فأمّا أبو عبد الله البريدي فإنّه دارى محمّد بن خلف ورفق به وأوهمه أنّه يعمل من قبله ويقوم بمال النواحي وبالزيادة التي بذلها وأن يطيعه في المال كلّه ويعمل بما يأمره فيه ولا يخالفه فرفّهه من بين الجماعة وأوقع بأخويه وعلّق عليهما الجرار المملوءة ودهقهما فلم يذعنا بشيء وضيّق على إسحاق بن إسماعيل ولم يوقع به مكروها.
    وكانت بين أبي جعفر ابن شيرزاد وبين إسحاق بن إسماعيل مودّة وكيدة فخاطب أبو جعفر الوزير أبا عليّ في لقاء إسحاق وقال:
    « أحتاج أن أواقفه على ما سبّب لصاحبي هارون بن غريب عليه في أيّام المقتدر وما أطلقه حتى لا يحيل عليّ بما لم يطلقه. » فوجّه معه بحاجب من حجّاب الوزارة فأوصله إلى إسحاق فلمّا وقعت عين إسحاق عليه قال له:
    « يا سيدي الله الله في أمري بادر إلى الأستاذ المظفّر ولا تفارقه حتى يخلصني من يد هذا المجنون. » فمضى أبو جعفر إلى مونس ولم يزل يسأله حتى دعا يلبق وأمره أن يمضى إلى أبي على ابن مقلة ويخاطبه في أمره فإن أطلقه وإلّا انتزعه من يد محمّد بن خلف وحمله إليه. فمضى يلبق إلى ابن مقلة فخاطبه فلم يجد ابن مقلة بدّا من الاستجابة لتقريب أمر إسحاق.
    فحكى أبو الفرج ابن أبي هشام عن أبي سعيد ابن قديدة أنّ السبب فيما لحقهم عتب أبي بكر ابن قرابة عليهم لتأخيرهم مالا كان له عليهم وهو الذي قدّمه عنهم فتقاعدوا عن الوفاء له فعاهد محمّد بن خلف يوم تضمّنهم من أبي عليّ ابن مقلة بستمائة ألف دينار على أن يستوفى له من جماعتهم ما قدّمه عنهم ويردّه عليه. فلمّا حصلوا في يد محمّد بن خلف استخرج من أبي عبد الله وأخويه عشرين ألف دينار وأنفذ قبض بعض الصيارف بدرب عون إلى أبي بكر ابن قرابة بها وجعل ذلك من دينه عليهم وجدّ بهم.
    واستسلم له أبو يوسف وأبو الحسين ولحقهما منه مكاره عظيمة وأطمعه أبو عبد الله إطماعا لم يصحّ ورفق به. فلمّا كان في اليوم الثالث ركب محمّد بن خلف إلى أبي عليّ ابن مقلة فقال له أبو عليّ:
    « يا أبا عبد الله غررتنا والقوم في يدك فنفذت مخاريقهم عليك وذهبت بريحك. » فخجل محمّد واغتاظ وقال:
    « قد حملت من جهتهم عشرين ألف دينار وإنّما ضمنت المال في مدّة ثلاثة أشهر فأيّ عتب للوزير عليّ حتى يخاطبني بهذا الخطاب البشع. » فقال الوزير:
    « ما سمعت بهذا إلّا منك فإلى من سلّمت المال؟ » قال: « إلى ابن قرابة. » فدعا بابن قرابة وسأله عمّا ذكر محمّد بن خلف فقال:
    « أنفذ أيّها الوزير هذا الخط وو الله ما قبضت ماله من الصيرفي وزعم أنّه من دين لي عليهم ولو قال إنّه من الحمل لأنهيت حاله في الوقت وإذ قد بدا له فها هي الرقعة بارك الله له فيها. » وسلّمهما إلى محمّد بن خلف فقال محمّد:
    « ولا والله ما جعلتها من دينك وكيف يجوز أن أقدّم مالك على مال السلطان؟ » فاستوحش كلّ واحد منهما من صاحبه وبلغ أبا عبد الله البريدي خبر المجلس فسرّى عنه واجتهد في أن يكتب رقعة إلى ابن قرابة يسأله فيها المصير إليه فلم يجد دواة ولا من يحملها واتفق أن أنفذ أبو سعيد ابن قديدة غلامه أحمد ليشاهد حاله فاستأمن إليه أبو عبد الله ورغّبه في الإصطناع والإحسان ووعده أن يغنيه إذا أوصل رقعة له إلى ابن قرابة فاستجاب له الغلام واحتال له في جوزة جعل فيها كرسفا وأحضره قلما صغيرا وقطعة من كاغذ فكاتب أبا بكر ابن قرابة وحلف له إنّه إن أخذه إليه وفّاه ماله عن آخره وخدمه أحسن خدمة.
    فبكر أبو بكر ابن قرابة إلى محمّد بن خلف وأظهر له أنّه قد قصده لمعاتبته حتى استوفى المفاوضة معه. ثم قال له:
    « أخرج ابن البريدي إليّ فإنّه يستقيم إلى كلامي حتى أقرر مصادرته وأعرف ما عنده في ديني. » فأخرج إليه أبا عبد الله فقال أبو عبد الله:
    « أوّل إقبالى إن قلت لمحمّد بن خلف: لم يبق من السحر إلّا السرار فيتفضّل الأمير ويخلى لنا مجلسنا. » فنهض محمّد بن خلف من مجلسه وسلّمه إليّ برقاعته وقال:
    « أنا داخل إلى دار الحرم. » فتخاطبنا وجلست مجلسه وقعدت مقعده فتفاءلت وقلت:
    « هذا مجلس كان لي فأنتقل إليه وقد عاد إليّ. »
    فاستصلحت أبا بكر ابن قرابة ووعدني بتخليصى ووفى ومضى ففصل أمرنا وضمن الوفاء عنّا.
    فلمّا كان في اليوم الثاني رضى عنّا أبو عليّ ابن مقلة واستدعاني وإخوتى فدعانا محمّد بن خلف وسكّن منّا وأنفذنا إليه فلمّا أردت الخروج قلت لمحمّد ابن خلف:
    « أيّها الأمير، أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل خادمك ومونس يعتنى به وسينفذ الساعة من يأخذه فدعني حتى أستصلحه لك وأعقد بينك وبينه عهدا ويمينا. » فقال: « افعل. » فخلوت بإسحاق بن إسماعيل وقلت له:
    « قد سخرت من هذا النفس وأنا منصرف فعاقده واحلف له ثم قل له: بيننا الآن عهد ولا بدّ من صدقك ابن مقلة يبغضك ويتّهمك بأنّك تطلب الوزارة وإنّما أراد أن يستنفر لك الأعداء ويأخذ أموالنا بيدك ثم يحملنا على أن نتضمّنك وقد ضمنك أبو عبد الله البريدي بثلاثمائة ألف دينار وحدّثني بهذا فلا تركب أيّاما فإن كان الوزير سأل عنك فقد حماك منه الخليفة وإن طلبك فإنّما يريد أن يسلّمك إليه. » ثم انعطفت إلى محمّد بن خلف وقلت:
    « قد فرغت من القصّة والرجل يخدم الأمير كما يريد. » وخرجنا فأعاد عليه إسحاق ما سمعه مني فانصرف قبل العصر بعدي.
    فلمّا جلس محمّد بن خلف في منزله ولم يركب إلى أبي عليّ ابن مقلة مضى أبو عبد الله البريدي إلى ابن مقلة وقال له:
    « قد عرفت من دار محمّد أنّه يطلب الوزارة وأنّ رسله منبثّون إلى أسباب مونس وإلى القاهر فلا تدعه يقيم في البلد. » وكان ابن مقلة جبانا فطلبه وكان ذلك القول الأوّل قد تقدّم إلى محمّد بن خلف، فوثب بخدم ابن مقلة وغلمانه وحاجبه وضربهم وحصّلهم في بيت وقفل الباب عليهم وتسوّر السطوح وهرب فلم يظهر إلّا في وزارة أبي جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد الله للقاهر بالله.
    وكان أبو عبد الله البريدي مقيما بالأهواز وعرف محمّد بن خلف من بعد أنّ الحيلة تمّت عليه، فقال لمن بلّغ أبا عبد الله البريدي:
    « ظننت بك ظنّا جميلا ولم أعلم أنّك في الحيلة عليّ وكنت قد صدقت عنك فلم أقبل. » فقال أبو عبد الله البريدي لأبي عليّ الكاتب:
    « اكتب إلى فائق الغلام بأن يقول لمحمّد بن خلف: هذه الحيلة يجوز أن تخفى عليك، فقد خفى مثلها على من هو أكبر منك ولكنّ أعظم من ذلك أنّه كان لنا من الموضع الذي حسبنا فيه طرق إلى دور حرمك وذهبت عليك ولم تعرفها فاحترس منها في المستأنف. » وتوسّط أبو بكر ابن قرابة أمور الجماعة وفصلها مع ابن مقلة فوقّع ابن مقلة بإعادة ابني البريديين إلى أعمالهم فاستقامت أمورهم. ولمّا بطل ضمان محمّد بن خلف ما كان ضمنه من ضمانات البريديين وإسحاق بن إسماعيل صرف أيضا عن أعمال المعاون في هذه النواحي وطلبه ابن مقلة وكان من وثوبه برسله وحاجبه واستتاره ما ذكرناه.
    ووجّه ابن مقلة إلى دار محمد بن خلف من فتح الباب عن خدمه وغلمانه وحاجبه وانصرفوا.
    بين ابن مقلة وأبي الخطاب

    وكان أبو عليّ ابن مقلة يعادى أبا الخطاب ابن أبي العبّاس ابن الفرات ولم يكن يجد إلى القبض عليه طريقا ديوانيّا لأنّه كان ترك التصرف عشرين سنة ولزم منزله وقنع بدخل ضيعته. وكان سبب عداوة أبي عليّ له أنّه كان استسعفه أيّام نكبته فاعتذر بالإضاقة ولم يسعفه. ثم إنّ أبا الخطّاب طهّر أولاده فتجمّل كما يتجمّل مثله ودعا أولاد أبي عليّ ابن مقلة فشاهدوا مروّة تامّة وآلات جليلة وصياغات كثيرة وكان بعضها عارية فانصرفوا وحدّثوا أباهم الحديث وعظّموا وكثّروا وصار أبو الخطّاب ابن أبي العبّاس ابن الفرات إلى الوزير أبي عليّ ابن مقلة على رسمه يوم الموكب للسلام عليه فقبض عليه.
    فحكى أبو الفرج ابن أبي هشام أنّ أبا زكريا يحيى بن أبي سعيد السوسي حدّثه أنّه كان حاضرا حين قبض على أبي الخطّاب وأنّ الوزير أبا عليّ أنفذ إليه وسائط وأنّه كان فيهم وطالب بثلاثمائة ألف دينار وأنّ أبا الخطّاب قال:
    « بما ذا يتعلّق الوزير عليّ وقد تركت التصرف منذ عشرين سنة ولمّا تصرفت كنت عفيفا سليما ما آذيت أحدا ولى على الوزير حقوق وليس يحسن به أن يتناساها مع اشتهاره بالكرم ويقبح
    بي أن أهجّنه بخطوط له عندي قبل هذه الحال الغالية فقولوا له: أيّها الوزير أبو عليّ، ذكّرتك بما لو طالبتك برعايتها أو بالمجازاة على ما أسلفتك في أوقات انحراف الزمان عنك أو سألتك ولاية أو إماحة أو إحسانا في معاملة في ضيعة أو إرفادا وهل من الجميل ألّا أجد عندك إذا رفّهتك من هذا كلّه سلامة في نفسي فيما قد ركبته مني ممّا إذا صدقت نفسك خفت العقوبة من الله عز وجل ثم قبح الأحدوثة من الناس.
    « أما ما ظننته عندي، فما الأمر كما وقع لك لأنّ هذا المال إن كان موروثا عن أبي رحمه الله فلست وارثه وحدي ولو كان لاقتسمناه ونحن عدّة فلم يكن بدّ من أن يشيع ويعرف خبره وإن ظننته من كسبي فتصرفى وما وصل إليّ منه معروف وما خفيت عنك نزارته ومن بحضرتك من أصحاب الدواوين يشهدون لي بأنّى ما حظيت ببعض مؤونتي وإن ظننته من استغلال فما استغلّه مقسوم بين الورثة وإن رجعت إليهم بالمسألة لم تجد ما يخصّنى في زمان تصرفى إلّا بعض ما انصرف إلى مئونتي ومروّتى.
    « وقد خلف الوزراء والأكابر وأولادا مثلي في كفايتي ودوني فتعرضوا لمواقف واستشرفوا لرتب وراسلوا وروسلوا فهل رأيتنى إلّا في طريق التسلّم وراضيا بامتداد ستر الله تعالى والزهد في هذه الدنيا. فأيّ شيء تقول الله تبارك اسمه، ثم لعباده إذا أسأت إليّ؟ » فلمّا أعيد هذا الكلام على ابن مقلة من غير جهتنا فإنّه كان أنفذ من يتسمع، خجل وتبلّد وتحيّر ثم قال:
    « هذا يدلّ عليّ بالفراتيّة وأمير المؤمنين ليس يمكّننى من رعاية حقوق أمثاله وأنا أنفذه إلى الخصيبي فإنّه أعرف بدوائه. » فقمنا وجئت إلى الخصيبي فحدّثته بما جرى في المجلس وقلت له:
    « أعيذك بالله أن تنتصب للتشرّر على الناس وأن يقال: إنّ النعم تزال بك وأنت وزير ابن وزير وقد رفع الله قدرك من ذلك وأجلّك بصناعتك وعفافك وأبوّتك. » فقال: « أحسن الله جزاءك ستعلم أنّى أردّه إليه بعد أن أعذر باليسير إليه. » ثم إنّ أبا عليّ ابن مقلة استدعى الخصيبي وسلّمه إليه بعد أن اضطرّه إلى كتب خطّه بثلاثمائة ألف دينار يصحّحها في مدّة عشرين يوما. فأحضر له الخصيبي صاحب الشرطة وجرّده وضربه عشر درر وخلّع تخليعا يسيرا، ثم ضربه بالمقارع، فأقام على أنّه لا مال له وأنّ ضياعه قد وقفها ولا يمكنه بيعها. فاستعفى الخصيبي منه وردّه إلى دار ابن مقلة فحبسه ثم سلّمه إلى المعروف بابن الجعفري النقيب وأحضر له غلاما من غلمان القاهر وذكر له أنّه قد أمر بضرب عنقه إن لم يؤدّ قدرا من المال.
    فما زال يعلّلهم إلى آخر الوقت ولم يؤدّ شيئا. فلمّا حضر الوقت أحضره السيف وشدّ رأسه وعينيه. فقال له أبو الخطّاب:
    « وجّهنى رحمك الله إلى القبلة. »
    فوجّهه.
    ثم قال له:
    « برفق ».
    وتشاهد.
    فبادر بالخبر ابن الجعفري إلى ابن مقلة فقال ابن مقلة:
    « لا يجوز أن يكون بعد هذا شيء. » وقال مونس المظفّر لابن مقلة:
    « أيّ طريق على رجل لم يعمل عملا منذ آخر سنة تسع وتسعين ومائتين؟ » فأخذه ابن مقلة وسلّمه إلى حاجبه وأمره أن يعتقله. فأقام فيه يومين وحضر أبو يوسف البريدي فشكا إليه ابن مقلة ما أقام عليه أبو الخطّاب من التجلّد ووسّطه بينه وبينه. فصار إليه أبو يوسف وقرّر أمره على عشرة آلاف دينار فحلف أبو الخطّاب ألّا يؤدّى منها درهما ولو قتل أو يطلق إلى منزله.
    فوجّه إليه ابن مقلة بخلعة من ثيابه وحمله على دابّة بمركب واستدعاه ووثب إليه حتى كاد أن يقوم له ثم قال له:
    « كثّر على الخليفة في أمرك وعزيز عليّ ما لحقك فامض مصاحبا إلى منزلك. » فانصرف وأدّى المال في مدّة عشرة أيّام وأطلق ضياعه وأملاكه.
    وأحضر ابن مقلة إسحاق بن إسماعيل وأخذ خطّه بأن يحمل في كل شهر من شهور الأهلّة مثل ما كان يحمله إلى المقتدر بالله لخريطته على سبيل المرفق وهو ألفا دينار وأخذ خطّ أبي عبد الله البريدي بحمل ثلاثة آلاف دينار في كلّ شهر على هذه السبيل وخطّ أبي يوسف وأبي الحسين أخويه بألف وخمسمائة دينار في كلّ شهر.
    ذكر ما جرى في أمر الذين هربوا من قواد المقتدر وما آل أمرهم إليه

    كتب هارون بن غريب إلى أبي جعفر محمّد بن يحيى بن شيرزاد من واسط بأن يقطع أمره على مصادرة ثلاثمائة ألف دينار على أن يطلق له ضياعه الملك في سائر النواحي ومستغلّاته دون الإجارات والوقوف التي كانت في يده وعلى أن يؤدّى حقوق بيت المال على الرسوم القديمة ويرتجع إقطاعاته. وعنى به مونس المظفّر وأسبابه وكتب له القاهر أمانا وقبلت مصادرته التي بذلها وقلّد أعمال المعاون بماه الكوفة وماسبذان ومهرجانقذق.
    وخرج عبد الواحد بن المقتدر ومحمّد بن ياقوت الباهلي وابنا رائق وسرور ومفلح من واسط مفارقين لهارون بن غريب من واسط إلى السوس وجنديسابور فأفسدوا أمر الأعمال هناك وعاثوا وخرّبوا ومدّوا أيديهم إلى التنّاء والتّجار ثم خرجوا على الظهر إلى سوق الأهواز. فلمّا طال مقامهم بالأهواز شخص يلبق والجيش معه نحوهم فلقيه هارون بن غريب بجرجرايا ثم نفذ لحرب القوم.
    فأمّا ما حكاه أبو الفرج ابن أبي هشام عن مشاهدة وعيان فإنّه قال: إنّ الهاربين من قوّاد المقتدر مع عبد الواحد ابنه دخلوا سوق الأهواز من طريق الطيب وما دخلوا السوس ولا جنديسابور واستبدّ محمّد بن ياقوت بالأمور على ابني رائق والجماعة.
    وقلّد أبا إسحاق القراريطي كاتبه النظر فاستخرج وأمر ونهى وكانت الأموال تنصبّ إلى ابن ياقوت ويعطى منها ابنا رائق وغيرهما ما يريد فتغيرت له القلوب واعتقدوا الخلاف عليه.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #38
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وتحقق أبو عبد الله البريدي بأبي عليّ ابن مقلة. وكانت الكتب ترد عليه من الأهواز بجميع ما يجرى فأشار بأن يتلاحق أمرهم وقال:
    « إنّ القوم متخاذلون وابن ياقوت مستبدّ عليهم وقلوبهم شتّى وإنّ ابني رائق صديقاه فإن أخرج إليهم جيش اختلفت كلمتهم وإن تركوا قويت شوكتهم بأموال الأهواز وعقدوا لعبد الواحد الخلافة وطلبوا الحضرة. » فأنفذ أبو عليّ ابن مقلة أبا عبد الله البريدي إلى مونس حتى شافهه بذلك كلّه فقال مونس:
    « قد ترى الحيرة في مال البيعة وقد استحقّ الناس رزقه لأنّ الحادثة المقتدر منذ ثلاثة أشهر فمن أين المال؟ » فقال أبو عبد الله البريدي:
    « أنا أضمنه ويسبّب عليّ وأقدّم بالحضرة ثلاثين ألف دينار وأصحّح بالسوس خمسين ألف دينار وبتستر عشرين ألف دينار والباقي بالأهواز. » وأحضر صاحب ديوان الجيش وعمل جريدة لمن تجرّد مع يلبق وأجمل ما لهم فبلغ مائتي وخمسين ألف دينار فحمل أبو عبد الله الثلاثين الألف الدينار التي ضمن تعجيلها بالحضرة وخوطب القوّاد وتكاثرت العساكر مع يلبق وأبو عبد الله البريدي معه.
    وخرج بدر الخرشنى في الماء وكوتب أحمد بن نصر القشوري وكان يتقلّد البصرة أن يسير معه فلمّا تحصّلت الجيوش بواسط تغيّرت القلوب على محمّد بن ياقوت وتبيّن ذلك فقال للجماعة:
    « أنا واحد منكم ولست أخالفكم في رأى ولكنّ الوجه أن نجتمع بتستر فإنّها حصينة منيعة وندبّر أمرنا بما يوفق الله عز وجل له ولا نحارب. » وواقفهم على مال يعطيهم وساروا للوقت إلى عسكر مكرم وأفرجوا عن قصبة الأهواز فعمل القراريطي بها ما لا يعمله الدمستق وفتح الدكاكين بالليل وبعث إليها البغال وحمل منها أمتعة التجّار وصادر الأسود والأبيض.
    ولمّا ورد الخبر بنزول يلبق السوس نفذت الجماعة إلى تستر وورد البريديّ وسلك طريق القراريطي وزاد وما زال يحتال حتى وفّى الخمسين الألف الدينار ثم وافى يلبق والجيوش جسر تستر فوجده مقطوعا وحال بينه وبين تستر دجيل.
    فحكى عن أبي عبد الله البريديّ بعد ذلك أنّه قال: هممت بالتغلّب ووضعت في نفسي الإمرة وتدبير الرجال منذ ذلك لمّا رأيت انحلال يلبق وسقوط ابن الطبري كاتبه لأنّى رأيتهما متخلّفين ساقطين. وكان الشارد قد طار وضجّ يلبق واضطرب رجاله فهمّ بالانصراف فثبّته أبو عبد الله البريديّ وما زال يتردّد إلى القوّاد ويهزّهم ويهاديهم ويسكّنهم ويكاتب ابني رائق بالمودة ويشير عليهما بمفارقة ابن ياقوت ويذكر لهما سوء أخلاقه وشدّة عجبه وتطاوله عليهما حتى استجابا إلى تقلّد البصرة والانصراف عن تستر.
    فما عرف ابن ياقوت الخبر حتى ضربا بالبوق بكرة ورحلا فلم يكن له بهما يدان لأنّه لو كاشفهما لعبر العسكر الذي بازائه إليه وقتل أو أسر. ولمّا توجّه ابنا رائق إلى البصرة استأذن مفلح وسرور في العبور بعبد الواحد إلى يلبق وقالوا لمحمّد بن ياقوت:
    « قد ضعفت نفوسنا وأنت معتصم برجالك ونحن فلا عدّة لنا ولأصحابنا إلّا غلماننا. » فردّ الإختيار إليهم، كاتبوا وتوثّقوا لنفوسهم من يلبق وعبروا إليه وتحيّر محمّد بن ياقوت فراسل يلبق في أن يحلف بسلامة نيّته إذا لقيه ليعبر إليه ويفاوضه ويعود إلى معسكره. فأجابه وحلف له على ذلك وعبر إليه محمّد بن ياقوت بدرّاعة بيضاء وعمامة وجمشك في رجله ومعه غلام واحد وقت العصر فقام له يلبق وتفرّدا وتطاولا حديثا ما عرف في الوقت.
    واشتعلت النيران في ثياب البريدي وتردّد دفعات إلى ابن الطبري يشير بالقبض على ابن ياقوت وراسل ابن الطبري يلبق بذلك وقال له:
    « البريدي خليفة الوزير وثقة الأستاذ مونس يشير بذلك ولست أقول أنا شيئا. » فقال يلبق:
    « ما كنت بالذي أخفر أمانتى وأحنث في يميني ولو ذهبت نفسي. » وحضر وقت الصلاة فقام محمّد بن ياقوت تحت الفازة في موضع فسيح فأذّن وأقام وتقدّم للصلاة يلبق وأكثر العسكر وراءه ولمّا استتمّ المكتوبة انثنى إلى يلبق معانقا له فقام إليه وودّع كلّ واحد منهما صاحبه وعاد محمّد بن ياقوت إلى عسكره وظهر السرّ وكان تعاتبهما أوّلا ثم تحالفا وتعاقدا واصطلحا على أن يسيرا إلى الحضرة بشروط الأمان على أن يكون بينهما في المسير منزل فمنزل.
    ورحل محمّد بن ياقوت بعد ثلاثة أيّام من تستر إلى عسكر مكرم ودخل يلبق تستر فعمل بها البريدي أعظم ممّا عمل القراريطي بكثير لأنّ الناس توقّوا منه، فلمّا رأوا أصحاب السلطان أنسوا. فأتى البريدي عليهم وكبس اليهود وهم معظم التّجار وتجاوز كلّ قبيح ووفى بالمائة الألف الدينار.
    وسار يلبق إلى الأهواز وأهلها هاربون من محمّد بن ياقوت فسلّموا لأنّهم مضوا إلى البصرة. وابتلى بالبريدى أهل عسكر مكرم وتستر. فأيسر ما عمل أن ركب إلى دور الصيارف فأخذ ما وجد من الأموال لهم ولمن يضاربهم وخسف بالسواد حتى صحّح ليلبق مائتي ألف دينار وبقيت على البريديّ خمسون ألف دينار وعنى به ابن الطبري لأنّ البريديّ خدمه خدمة تامّة حتى إنّه كان يحضر أبواب البيع في البلدان ويجلس على غاشيته ينتظر خروجه، فإذا خرج سأله أن يعطيه برشائه فإذا أعطاه قبّله وجعله في كمّه وأشهد له بضياع ارتفاعها عشرة آلاف دينار فكان ذلك سبب عناية ابن طبرى به.
    وخاطب له يلبق وقال له:
    « أبو عبد الله ثقة ونجعل هذه الخمسين الألف الدينار فيما يخصّ الأمير - وكان ماله في الجملة - وقد خدم وبيّض وجه الأمير فيما خدم ودبّر وبدّد شمل هؤلاء وإنّه لأحقّ بمجلس أبي عليّ ابن مقلة منه وأنفذ في التدبير والأمور. » فأجابه يلبق إلى ما سأل وخلّف غلاما عند البريدي يقال له ايتاخ.
    ورحل ابن ياقوت إلى شابرزان وتبعه يلبق ودخلوا مدينة السلام.
    وأطلقت أملاك ابني رائق ومحمّد بن ياقوت ومفلح وسرور دون إقطاعاتهم وأطلق لعبد الواحد بعض أملاكه القديمة وأعفى هو ووالدته من المصادرة وعادت يد ابن البريدي إلى عمالة الأهواز واستقامت الأمور وخلع القاهر على يلبق وطوّقه وسوّره بطوقين وسوارين مرصّعين بالجواهر.
    وخرج أمر القاهر ببيع دار المخرّم التي كانت برسم الوزارة وكانت قديما لسليمان بن وهب فقطعت وبيعت من جماعة من الناس بمال عظيم لأنّ ذرعها يشتمل على أكثر من ثلاثمائة ألف ذراع وصرف ثمنها في مال الصلة لبيعة القاهر بالله.
    وورد الخبر بموت تكين الخاصّة بمصر فأشار الوزير أبو عليّ ابن مقلة بإنفاذ عليّ بن عيسى إليها للإشراف عليها فابتدأ بالاستعداد للخروج، ثم صار إلى أبي عليّ ابن مقلة في بعض العشايا وصادفه خاليا فعرّفه كبر سنه وضعف حركته ونقصان قوّته وأنّه لا يستشفع إليه بغير كرمه ولا يوسّط بينه وبينه أحدا غيره وحلف على موالاته أيمانا أكّدها وسأله إعفاءه من الشخوص وتذلل له وانكبّ على يده ليقبّلها فمنعه من ذلك وخاطبه بمعرفته بحقّه وعلمه بمكانه فأعفاه من الشخوص فانصرف عليّ بن عيسى شاكرا.
    وورد كتاب محمّد بن تكين يخطب مكان أبيه فأجيب إلى ذلك وحمل إليه الخلع والعهد. وكتب القاهر رقعة بخطّه إلى أبي عليّ ابن مقلة بالتكنية وبزيادة في التشريف والرتبة وأمره أن يكتب بذلك إلى الأمصار والأعمال كلّها، ففعل ذلك ثم حمل إليه خلعة بعد خلعة للمنادمة وحمل إليه صينية فضّة مذهّبة فيها ندّ وعنبر وغالية ومسك وصينية أخرى فيها رطلية بلّور فيها شراب مطبوخ عتيق وقدح بلّور وكوز ومغسل فضّة.
    وشغب الجند بمصر على محمّد بن تكين فقاتلهم وهزموه.
    استيحاش مونس ويلبق وابنه وابن مقلة من القاهر

    وفي هذه السنة استوحش مونس المظفّر ويلبق وعليّ ابنه والوزير أبو عليّ ابن مقلة من القاهر بالله فضيّقوا عليه وعلى أسبابه.
    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب في ذلك انحراف الوزير أبي عليّ ابن مقلة عن محمّد بن ياقوت فمكّن في قلب مونس المظفّر ويلبق وعلى ابنه أنّه في تدبير عليهم مع القاهر بالله وأنّ عيسى المتطبّب يترسّل للقاهر إليه فوجّه مونس بعليّ بن يلبق إلى دار السلطان وسأل عن عيسى فعرّف أنّه بحضرة القاهر فهجم عليه غلمان عليّ بن يلبق فوجدوه واقفا بحضرة القاهر فقبضوا عليه وأخرجوه إليه فنفاه من وقته إلى الموصل.
    واجتمع رأى مونس ويلبق وابنه والوزير أبي عليّ على الإيقاع بمحمّد بن ياقوت والنداء في أصحابه ألّا يقيموا ببغداد.
    فلمّا كان يوم الأربعاء لليلة خلت من جمادى الآخرة خرج عليّ بن يلبق في الجيش ومعه طريف السبكرى للإيقاع بمحمّد بن ياقوت وبلغ محمّد ابن ياقوت ذلك فانكشف من معسكره من ميدان الأشنان وطلبه عليّ بن يلبق فلم يقف على خبره وذلك أنّه دخل إلى بغداد واستتر بها وتفرّق رجاله وانصرف عليّ ابن يلبق من فوره إلى دار السلطان وأوقع التشدّد على القاهر ووكّل بالدار أحمد بن زيرك وأمره أن يفتّش كلّ من يدخل ويخرج من الرجال والنساء والخدم ويفتّش كلّ ما يدخل إلى القاهر ففعل أحمد بن زيرك ما أمره به حتى بلغ الأمر به أن فتّش لبنا حمل إلى القاهر وأدخل يده فيه لئلّا يكون فيه رقعة.
    ونقل عليّ بن يلبق المحبوسين في دار السلطان إلى داره من والدة المقتدر وغيرها ومنع القاهر أرزاق حشمه وأكثر ما كان يقام له، وطالب عليّ بن يلبق القاهر أن يسلّم إليه ما بقي عنده من الفرش وأمتعة والدة المقتدر وابن الخال، فسلّم ذلك إليه وبيع وحصّل ثمنه في بيت المال وأطلق للجند.
    وباع أبو عليّ ابن مقلة من الضياع وأملاك السلطان لتمام الصلة للبيعة بألفي ألف وأربعمائة ألف دينار مع ما باعه الكلوذانى أيّام خلافته إيّاه قبل قدومه من شيراز.
    ومكثت والدة المقتدر عند والدة عليّ بن يلبق مكرّمة مرفّهة مدّة عشرة أيّام وماتت لستّ خلون من جمادى الآخرة لزيادة العلّة عليها ولما جرى عليها من مكاره القاهر فحملت إلى تربتها بالرصافة ودفنت فيها.
    وفيها همّ عليّ بن يلبق والحسن بن هارون كاتبه بلعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر فاضطربت العامّة من ذلك وتقدّم عليّ بن يلبق بالقبض على البربهارى رئيس الحنبليّة فنذر به وهرب وقبض على جماعة من كبار أصحابه وجعلوا في زورق مطبق وأحدروا إلى البصرة.
    تدبير ابن مقلة وحيلة القاهر

    وفيها نفذت حيلة القاهر على مونس المظفّر وانعكس ما دبّره الوزير أبو عليّ ابن مقلة من القبض على القاهر حتى قبض على مونس ويلبق وابنه وهرب أبو عليّ بن مقلة والحسن بن هارون.
    ذكر انعكاس هذا التدبير

    لمّا ضيّق عليّ بن يلبق على القاهر وعومل بما ذكرناه أخذ القاهر في الحيلة على مونس وأصحابه وبلغه فساد نيّة طريف السبكرى وبشرى ليلبق وابنه ومنافستهما إيّاهما على مراتبهما الجليلة ثم علم أنّ مونسا ويلبق أكثر اعتمادهما إنّما هو على الساجيّة وكانا وعداهم بالموصل إذا دخلا بغداد أن يجعلاهم برسم الحجريّة وأنهما ما وفيا لهم بذلك وأنّ نيّاتهم متغيّرة لهما. فراسل القاهر الساجيّة وهزّ بهم على مونس ويلبق وضمن لهما أن ينقلهم إلى رسم الحجريّة - وكان الساجيّة يقبضون في كلّ ستين يوما برسم المماليك، والحجريّة يقبضون في كلّ خمسين يوما - وأن يلحقهم في النزل والعلوفة بالحجريّة.
    وكان بين اختيار القهرمانة وبين أبي جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد الله معرفة قديمة وبينها وبين والدته مخالطة، فأشارت على القاهر بمكاتبته أن يعده بوزارته ليعاونه على التدبير على مونس وأصحابه وأشارت على محمّد بن القاسم بأن يكاتب القاهر ويصدقه عن تدبير أبي عليّ ابن مقلة وابن يلبق عليه. وكانت اختيار هذه تخرج من دار السلطان إلى دار القاهر القديمة التي في دار ابن طاهر وتظهر أنّ خروجها في حوائج حرم القاهر وولده، فإذا كان بالليل صارت إلى محمّد بن القاسم ولقيته.
    وبلغ أبا عليّ ابن مقلة أنّ القاهر قد جدّ في التدبير عليه وعلى مونس ويلبق وابنه والحسن بن هارون وحملهم على الجدّ والمبادرة إلى خلعه من الخلافة واتّفق رأيهم على تقليدها أبا أحمد ابن المكتفي بالله وواقفوا شاذمروز حماة إبراهيم بن خفيف صاحب ديوان النفقات وكانت متحققة بأبي أحمد على ما دبّروه وعقدوا الأمر سرّا لأبي أحمد ابن المكتفي بالله وحلف له يلبق وابنه وأبو عليّ ابن مقلة والحسن بن هارون ثم كشفوا ما فعلوه لمونس فقال لهم مونس:
    « لست أشكّ في شرّ القاهر وقد أسرفتم في الاستهانة وبه وأخطأتم في تقليده الأمر فلا تعجلوا الآن وترفّقوا حتى تؤنسوه ويأنس وينبسط إليكم ثم حينئذ تقبضون عليه. » فقال عليّ بن يلبق والحسن بن هارون:
    « الحجبة إلينا والدار في أيدينا وما نحتاج أن نستعين بأحد في القبض عليه لأنّه بمنزلة طائر في قفص. » وعملوا على معاجلته.
    فاتّفق أن ركب يلبق إلى الميدان فصدمه خادم له فسقط واعتلّ ولزم منزله وتمكّن عليّ بن يلبق من متابعة ابن مقلة وحسنوا الأمر عند مونس وهوّنوه عليه وعلى يلبق حتى أذنا فيه. فلمّا كان يوم السبت سلخ رجب انصرف أبو عليّ ابن مقلة من دار السلطان واجتمع إليه كتّابه وأخوه ومن جرى عادته بمواكلته وفيهم أبو بكر ابن قرابة فلمّا فرغ من طعامه التفت إلى أبي بكر ابن قرابة فقال له:
    « قد وافى صديقك القرمطي إلى الكوفة في ثلاثة آلاف راحلة ومعه صاحبه فلان ودخل الكوفة ونادى بأنّه قد آمن الرعيّة سوى أصحاب المعروف بمحمّد المتلقّب بالقاهر. » فقال ابن قرابة:
    « أيّها الوزير هذا باطل لأنّ ابن بسر الكوفي جارى واليوم كان عندي وقد وقعت عليه أطيار بأخبار السلامة. » فقال أبو عليّ: « سبحان الله أنت وابن بسر أعرف من صاحب المعونة بالكوفة وقد سقط من عنده طائر على أبي الحسن ابن يلبق وقد جاءني سعيد بن حمدان ومعه رجل من الأعراب قد قتل نفسه وقطع عدّة من الأفراس فخبر عن معاينة ومشاهدة. » وكان ابن مقلة قد واطأ سعيد بن حمدان على ذلك.
    ثم دعا بالدواة وثلث قرطاس وكتب بخطّه إلى القاهر رقعة يقول فيها:
    « إنّ القرمطي الهجري المعروف بأبي طاهر قد وافى الكوفة في ثلاثة آلاف راحلة فنزلها وسقط عليّ من عامل الخراج وعلى عليّ بن يلبق من عامل المعونة طائران بكتابين بتاريخ يومنا هذا بنزوله ونزول أصحابه بها وأنّى أنا ويلبق سترنا ذلك عن القوّاد والجند وخواصّ الدولة لئلّا يذيع الخبر وتضعف قلوب الأولياء وقد اتفقت مع مونس على إخراج عليّ بن يلبق مع أكثر قوّاده وقوّاد أبيه إلى نواحي الكوفة ليدفع القرمطي عن الرحيل منها إلى بغداد وهو يخرج في سحر غد مارّا إلى صرصر من حيث لا يضرب بباب بغداد مضربا حتى يلحق به الرجال. وقد وجّه النقباء في عشية يومنا وقد واقفت عليّ بن يلبق على الرواح إلى دار مولانا أمير المؤمنين ليصل إليه ويودّعه وعملت على التأخّر لئلّا يشيع الخبر بحضوري في غير وقت حضور مثلي الدار ويفسد التدبير في خروج عليّ بن يلبق بكرة غد، وأنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين ليقف عليه ويسكن إلى ما دبّرته وينعم بإيصال عليّ بن يلبق إذا حضر العشيّة إن شاء الله. » وأنفذ الرقعة ونام.
    فكتب القاهر في جوابها:
    « وإنّه استصوب فعله وبأنّه يوصل ابن يلبق إذا حضر. » ولمّا انتبه ابن مقلة من النوم لم ينتظر ورود جواب رقعته إلى القاهر وأعاد إليه رقعة ثانية بمثل ما كتب به. فلمّا وصلت الثانية إلى القاهر ولم تكن الحال تقتضيها لنفوذ جوابه عن الأولى استراب وخاف أن تكون حيلة عليه.
    ثم نمّ إليه الخبر من جهة طريف السبكرى بما عمل عليه عليّ بن يلبق من القبض عليه إذا أوصله إليه فأخذ القاهر حذره وراسل الساجيّة بالحضور وعرّفهم أنّ عليّ بن يلبق يحضر لحيلة يوقعها، فحضروا متفرّقين.
    فلمّا كان بعد العصر حضر عليّ بن يلبق وفي رأسه نبيذ ومعه عدد يسير من غلمانه بسلاح خفيف في طيّاره، وأنفذ جماعة من غلمانه بسلاح إلى دار السلطان وصعد من طيّاره في الروشن وراسل القاهر يسأله إيصاله إليه فدافعه القاهر إلى أن حضر الساجيّة كلّهم بالسلاح فبرزوا إليه وشتموه وعملوا على القبض عليه وحامى عنه غلمانه وحاجبه ابن خندقوقى وحالوا بينه وبينهم ونادى بهم وطرح نفسه من الروشن إلى الطيّار وعبر واستتر من ليلته.
    وبلغ ابن مقلة الخبر فاستتر من ليلته واستتر الحسن بن هارون وأبو بكر ابن قرابة وانحدر يلبق إلى دار السلطان وانحدر بانحداره جميع من حضر دار مونس من القوّاد وقدّر يلبق أنّه يمسح القاهر ويعتذر لابنه فلمّا حصل في الدار قبض عليه وحبس وقبض على أحمد بن زيرك وعلى يمن الأعور صاحب الشرطة وحصل الجيش كلّه في دار السلطان.
    فراسل حينئذ القاهر مونسا وسأله الانحدار إليه ليشاوره فيما يعمل وقال له:
    « أنت عندي كالوالد وما أحبّ أن أعمل شيئا ولا أمضى عزما إلّا عن رأيك. » فاعتذر مونس بثقل الحركة عليه وألحّ القاهر في طلبه وسأله الحمل على نفسه فاستقبح له طريف السبكرى التأخّر وحمله على الانحدار. فلمّا حصل في الدار قبض عليه وحبس.
    فكانت وزارة عليّ ابن مقلة للقاهر تسعة أشهر وثلاثة أيّام.


  • #39
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وزارة أبي جعفر محمد بن القاسم

    ووجّه القاهر إلى أبي جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد الله فاستحضره يوم الأحد مستهلّ شعبان فلقّبه وقلّده وزارته ودواوينه وخلع عليه من غد وهو يوم الاثنين خلع الوزارة، ووجّه القاهر من يومه بمن استقدم عيسى المتطبب من الموصل وطرحت النار في دار أبي عليّ ابن مقلة بباب البستان وأحرقت ووقع النهب ببغداد.
    وظهر محمّد بن ياقوت وصار إلى دار السلطان وخدم في الحجبة يومه ذاك ثم وقف على كراهية طريف السبكرى والساجيّة والحجريّة فاحتال إلى أن تمّ له الهرب واستتر وانحدر إلى أبيه وهو بفارس فلم يتجاوز كورة أرّجان ولا لقي أباه.
    وكان جلس في الماء بزيّ أصحاب المحابر وركب البحر ووافى مهروبان وجاء ليلا إلى أرّجان فنزل على أبي العبّاس ابن دينار وحمل إليه أبوه مالا وكسوة ودوابّ وكانت له على فارس تسبيبات فاستوفاها ولحق به رجاله، وكاتبه القاهر بما يسكّته منه وأعلمه أنّه عجّل على نفسه واستوحش وقلّده المعاون بكور الأهواز فأقام بارجان حتى اعتلّ وكان يفسد مزاجه ثم انتقل إلى رامهرمز.
    وكان القاهر قد كاتب مرداويج بالإفراج عن إصبهان ليقلّده الريّ والجبل ويصير في جملة الأولياء ويزول عنه العصيان فأتمر له، وكاتب وشمكير بالانصراف عن إصبهان فانصرف وبقيت شاغرة سبعة عشر يوما خالية من مدبّر. وكاتب القاهر محمّد ابن ياقوت بتقليده إصبهان وأمره أن يسير إليها وكان ذلك بعقب هزيمة المظفّر بن ياقوت وبعد انصراف عليّ بن بويه من إصبهان. فأخذ محمّد بن ياقوت في التأهّب فبقى هو كذلك إذ ورد عليه الخبر بخلع القاهر فانتكث أمره.
    ولمّا استتر عليّ بن يلبق وهرب محمّد بن ياقوت استحجب القاهر سلامة الطولونى وطلب المستترين وقلّد أبا العبّاس أحمد بن خاقان الشرطة ببغداد وطلب أبا أحمد ابن المكتفي فوجده مستترا في دار عبد الله بن الفتح فقبض عليه وتقدّم القاهر بأن يقام في فتح باب ويسدّ عليه بالجصّ والآجرّ وهو حيّ، ففعل، وأمر بنهب دور بنى مقلة ودار الحسن بن هارون ودار أبي بكر ابن قرابة.
    ووجد عليّ بن يلبق مستترا بقرب باب المقبرة وكبس وأخذ من تنور كان دخله لمّا أحسّ بالكابس وأطبق على نفسه بغطاء التنور وقد كان خفى أمره وخرج من كان يفتّش عنه حين لم يجده. فاتّفق أن تأخّر بعض الرجال لطلب شيء يأخذه من الدار فانتهى إلى التنور وطلب فيه خبزا يابسا، فلمّا كشفه وجد عليّ بن يلبق فصاح حتى رجع القوم وأخذوه وحملوه إلى دار السلطان وضرب بحضرة القاهر ضربا مبرحا فأقرّ بعشرة آلاف دينار فوجدت وصحّحت في بيت المال ثم أعيد الضرب عليه فلم يوجد له غيرها وحبس.
    وكان الحسين بن عبيد الله مستترا فراسله أخوه الوزير محمّد ابن القاسم بن عبيد الله وسأله أن يظهر ويعينه حتى يقلّده ديوان السواد وديوان الجيش وديوان النفقات ويستخلف له الكلوذانى وإبراهيم بن خفيف وعثمان بن سعيد وحلف له بحضرة السفير الذي كان بينهما بالله العظيم وبسائر أيمان البيعة بعتق مماليكه وبطلاق نسائه على صحّة ضميره له وبأنّ باطنه له مثل ظاهره فيما بذله له، وكتب له بذلك رقعة بخطّة أشهد فيها الله على نفسه وتسلّم ذلك السفير وحمله إلى الحسين فأعاد عليه ما جرى ولم يزل محمّد يتوقّع أخاه إلى آخر النهار.
    فحكى ابن أخيه القاسم بن الحسين أنّ عمّه الوزير أبا جعفر صار في الليلة إلى الحسين أخيه وليس معه غلام فخاطبه في الظهور وسأله معاونته بنفسه وأعاد عليه تلك الأيمان حتى وعده بالرواح إليه وعرّف الحسين أصحابه فاجتمعوا بالعشيّ له وركبوا بركوبه وصار إلى أخيه وكان الوزير أخوه قد أعدّ له زورقا مطبقا. فلمّا حصل عنده أمر بتحصيله في الزورق.
    فوقفت والدته على خبره فجاءت حتى وقفت له على شاطئ دجلة في الموضع الذي ينزل منه إلى طيّارة وهناك خلق من الناس، فاستغاثت إليه وكشفت شعرها بين يديه وأظهرت ثديها وحلّفته بكلّ حقّ لها عليه أن يطلق ابنها، فلم يلتفت إليها ولا يفكر فيها وجلس في طيّاره وانحدر إلى دار السلطان فلم يبق أحد ممّن حضر إلّا استقبح فعله ودعا عليه وذهب.
    فحكى للقاهر أنّه إنّما طلب أخاه الحسين ونفاه إلى الرقّة لما كان يعتقد من مذهب ابن أبي العزاقر وأنّه خاف منه على الدولة. فوكّل القاهر بدور بنى بسطام لما كان يذكر عنهما في اعتقادهما لدين ابن أبي العزاقر.
    ذكر مقتل مونس ويلبق وعلي ابنه

    اضطرب رجال مونس ويلبق وشغبوا وشغب معهم سائر الجيش وخرجوا إلى الصحراء ثم قصدوا دار الوزير أبي جعفر محمّد بن القاسم وأحرقوا روشنه ونادوا بذكر مونس فكان ذلك سبب القتل لمونس. ودخل القاهر إلى الموضع الذي كان فيه مونس ويلبق وابنه معتقلين فذبح عليّ بن يلبق بحضرته ووجّه برأسه إلى أبيه.
    فلمّا رءاه جزع وبكى بكاء عظيما ثم ذبح يلبق ووجّه برأسه ورأس أبيه إلى مونس. فلمّا رءاهما لعن قاتلهما فأمر به فجرّ برجله إلى البالوعة وذبح كما يذبح الشاة والقاهر يراه وأخرجت الرؤوس الثلاثة في ثلاث طسّات إلى الميدان حتى شاهدها الناس وطيف برأس عليّ بن يلبق في جانبي بغداد ثم ردّ إلى دار السلطان وجعل مع سائر الرؤوس في خزانة الرؤوس على الرسم.
    قال ثابت: فحدّثنا سلامة الطولونى الحاجب أنّه لمّا أخرج إليه رأس مونس ليصلحه فرّغ الدماغ منه ووزنه فكان ستّة أرطال وسمعت أنا ذلك من الجفني وكان حاضره.
    وممّا جرى في ذلك أنّه كبس جماعة من الفرسان والرجّالة أبا بكر ابن نباته العدل الدقاق في درب الريحان وأظهروا أنّ السلطان وجّه بهم لطلب الحسن بن هارون وأخذوا من منزله ثلاثين ألف دينار وطرحوا منديلا على رأس واحد منهم وأخرجوه وأظهروا أنّه الحسن بن هارون. فركب أحمد بن خاقان في طلب القوم فظفر بواحد منهم وقرّره فأقرّ على جماعة ظفر ببعضهم ووجد اليسير من المال وقتل من وجد من هؤلاء الكبّاسين.
    القاهر يأمر بتحريم القيان والخمر

    وفيها خرج أمر القاهر بتحريم القيان والخمر وسائر الأنبذة وقبض على من عرف بالغناء من الرجال والمخانيث والجواري المغنّيات فنفى بعضهم إلى البصرة وبعضهم إلى الكوفة وبيع الجواري على أنهنّ سواذج. وكان القاهر مع ذلك مولعا بشرب الخمر ولا يكاد يصحو من السكر ويسمع الغناء ويختار من جواري القيان من يريد.
    وسعى بأبي عبد الله ابن مقلة فوجد وقبض عليه ووجد عنده خطوط أخيه أبي على في رقاع، فحمل إلى دار الوزير أبي جعفر فسأله عمّن كان يوصل إليه الرقاع فذكر أنّ أبا عبد الله محمّد بن عبدوس الجهشيارى كان ينفذها إليه فقبض عليه وعلى أخيه وسئلا عمّا يعرفان من خبر أبي عليّ بن مقلة، فحلفا أنّهما لا يعرفان له خبرا منذ استتر وعرّف القاهر أنّهما من قوّاد السلطان وسهّل أمرهما فأطلقا ولم يستترا وكانا يركبان في أيّام المواكب إلى دار السلطان.
    وقبض الوزير أبو جعفر على أبي جعفر محمّد بن شيرزاد واحتجّ عليه بأنّه قد تقلّد أعمالا جليلة وابتاع من المبيع ضياعا كثيرة وأنّ ارتفاعه قد بلغ ألف ألف درهم في السنة، فتوسّط بينه وبينه إسحاق بن إسماعيل وأخذ خطّه بعشرين ألف دينار وأطلق إلى منزله من يومه.
    ذكر السبب في تقليد أبي العباس الخصيبي الوزارة

    كان بنو البريدي بعد استتار ابن مقلة والجماعة استتروا فقلّد الوزير مكانهم على أعمالهم أبا جعفر محمّد بن القاسم الكرخي فتوسّط إسحاق بن إسماعيل أمرهم فأخذ لهم أمانا من الوزير حتى ظهروا. ثم أشار إسحاق على الوزير أبي جعفر بأن يخاطب القاهر في أمر بنى البريدي ويعرّفه أنّ الوجه ردّهم إلى ضمانهم بالبصرة والأهواز، فقبل الوزير مشورته وخاطب الخليفة وعرّفه أنّه ذامّ لمحمّد بن القاسم الكرخي لتقصيره في أمر استخراج الأموال وحملها وأنّ البريديّين أقوم بذلك، وأطمعه في أن يزداد عليهم في مقدار مال الضمان فوعده القاهر وقال:
    « حتى أنظر في ذلك. » واستدعى القاهر عيسى المتطبّب وأعاد عليه ما جرى، وكان عيسى كارها للوزير محمّد بن القاسم لأنّه لم يكن له مدخل في تقليده الوزارة لغيبته بالموصل فطعن على هذا الرأي وعلى الوزير أبي جعفر وأشار بتقليد الخصيبي الوزارة. فأمر القاهر بلقاء الخصيبي ومسألته عمّا عنده في أمر البريديين وغيرهم، فصار إليه وتقرر الأمر معه وضمن استخراج أموال جليلة.
    وكتب إلى القاهر على يد عيسى أنّه متى ظهر أنّه تقلّد الوزارة استتر من عنده الأموال التي وعد باستخراجها وأنّ الوجه أن يتقدّم إلى الوزير بالقبض على جماعة سمّاهم على مهل، فإذا قبض عليهم وجّه القاهر فحملهم إلى داره وانتزعهم من يد الوزير فتركهم معتقلين أيّاما ثم قبض على الوزير محمّد بن القاسم. ففعل القاهر ذلك وتقدّم إلى سابور الخادم بالمصير إلى دار الوزير والقبض على بنى البريدي وإسحاق بن إسماعيل. فوجّه سابور بثقة له إلى دار الوزير لينظر هل يجد فيها بنى البريدي وإسحاق بن إسماعيل فيرجع إليه بالخبر. وكان بنو البريدي قد نصبوا أصحاب أخبار على سابور وسلامة وأصحاب القاهر فبلغهم ما تقدّم به سابور إلى الرجل الذي وجّه به يتعرّف أخبارهم فاستتروا.
    وكان سابور قد قال لثقاته:
    « إنّ الخليفة أمرنى بتفتيش دار إسحاق لأنّه قد بلغه أنّ جواريه قد سترن جماعة من جواري القيان. » وأمرهم أن يستعدّوا للركوب معه فبلغ الخبر إسحاق من وقته ولم يقع له أنّ ذلك لمكروه يراد به فقال لجواريه:
    « إن صار إليكم سابور بطلب المغنّيات فلا تمنعوه ودعوه يفتّش. » وانحدر هو إلى دار الوزير وصار سابور إلى دار الوزير أبي جعفر فوجد إسحاق بحضرته فقبض عليه وحمله إلى دار السجّان.
    ووجّه القاهر بمن كبس دور البريديين فلم يوجدوا وكبست دور إسحاق في النوبختيّة وعلى شاطئ دجلة وتهارب حرمه وولده وسلموا وقبض على أحمد بن عليّ الكوفي كاتبه.
    واستحضر القاهر عليّ بن عيسى وعرّفه أنه ليس لوزيره نظر في أعمال واسط وسقى الفرات وكانت في ضمان إسحاق وقلّده هذه الأعمال واعتمد في تدبير المعاون فيها عليه ووقّع له بخطّه فتقلّده عليّ بن عيسى.
    وورد الخبر بموت أبي عليّ أحمد بن محمّد بن رستم بإصبهان وأنّ المظفّر بن ياقوت مدّ يده إلى ماله ودوابّه فحازها لنفسه. وكان المظفّر إليه أعمال المعاون بإصبهان فتنكّر القاهر له ولأبيه ولأخيه.
    وسعى بأبي يوسف البريدي فكبس عليه وأخذ وحمل إلى دار الوزير محمّد بن القاسم فأجمل عشرته وكتب القاهر إلى الوزير بأن يقرّر معه مصادرته ومصادرة أخويه فأحضره الوزير وخاطبه وسامه أن يقرّر الأمر معه في مصادرتهم فقال له أبو يوسف:
    « إذا وثقنا بأنّ الأمر لك وأنّك مقرّ على الوزارة فقرّرنا الأمر معك فأمّا ونحن نتحقق أنّ الوزارة لغيرك فلا يجوز فصل الأمر معك. » فلمّا كان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة انكسف القمر وقبض القاهر على الوزير محمّد بن القاسم وأنفذ إليه سابور الخادم فأخذه وأخذ من وجد في داره وفيهم أبو يوسف البريدي وغيره فنقلهم إلى دار السلطان.
    فكانت مدّة وزارة أبي جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان للقاهر ثلاثة أشهر واثنى عشر يوما.
    إحضار للوزارة أو للحبس

    ووجّه القاهر إلى إسحاق بن عليّ القنّاى وأحضره وأحضر معه عبد الوهّاب بن عبد الله الخاقاني على أن يقلّد أحدهما الوزارة والآخر الدواوين. فلمّا حضرا قبّل القوّاد أيديهما وجلس بين أيديهما سلامة الحاجب فلم يلبث أن خرجت رسالة القاهر بالقبض عليهما وإدخالهما الحبوس الغامضة. ثم وجّه القاهر إلى سليمان بن الحسن واستحضره للوزارة وحضر في طيّاره وتلقّاه القوّاد والناس وقبّلوا يده وجلس الأستاذون بين يديه في دار السلطان ووجّه القاهر من قبض عليه وأدخله الحبوس الغامضة ووجّه إلى الفضل بن جعفر للوزارة وقد ظهر ما عمله بالخاقانى وبسليمان فاستتر الفضل ولم يتقرّر الوزارة لأحد في ذلك اليوم.
    وزارة الخصيبي

    فلمّا كان من الغد تقدّم القاهر إلى عيسى المتطبّب أن يحضر الخصيبي يوم الخميس ويأمره بالتأهّب للوزارة وأن يحضر بسواد وسيف ومنطقة فراسله عيسى بذلك فحضر كما رسم له وخلع عليه خلع الوزارة وركب فيها إلى داره ولقيه الناس فهنّئوه ونظر في الدواوين وقلّدها من استصلحه ونصب ديوانا للمبيع وأحضر الناس وناظرهم وألزمهم لفضل ما بين المعاملتين خمسين ألف دينار وكتب لهم شروطا ووقّع لهم فيها بالإمضاء وصادر الناس وقبض على خلق.
    وتوسّط عيسى وسلامة الحاجب أمر البريديين بعد مكاره عظيمة لحقت أبا يوسف على اثنى عشر ألف ألف درهم وكتبت الأمانات لأحمد وعليّ ابني البريدي بخطّ الخليفة والوزير وأشهدا القضاة والعدول فيها على أنفسهما فظهرا.
    فحكى أبو زكريا السوسي وأبو سعيد ابن قديدة أنّ أبا عبد الله البريدي حضر عند أبي العبّاس الخصيبي بطيلسان وعمامة وخفّ وهما معه فاستخلاه المجلس فأخلاه له فعاتبه عتابا طويلا وذكّره بحقوق كثيرة وضروب من الخدمة خدمه بها في أوقات مختلفة عند نكبات كانت للخصيبي وقال له في آخر كلامه:
    « إنّما أعددتك بجميع هذا للدنيا لا للآخرة وأنت معذور في أمر المال لأنّك تزعم أنّه بأمر الخليفة وطاعته واجبه وفي ضربك أبا يوسف لأنّه تماتن عليك لم ذكرت أمّ أبي يوسف وهي أمي ولم استحسنت قذفها أما استحققت عليك بجميع حقوقي هذه أن تصونها عن الذكر بالقبيح لأجلى؟ » فخجل الخصيبي وقال:
    « صدقت، كان يجب أن أفعل ذلك ولكن لم أضبط نفسي عند الغيظ وأنا معتذر إليك ودع ما مضى. الخليفة مقيم على أنّه لا بدّ من ألف ألف دينار وقد وصفتك لأمير المؤمنين وقلت: أبو يوسف حرج الصدر وأبو عبد الله أخوه رحب الصدر ولا يخالف أمير المؤمنين ولو لا ذلك لنقل أبا يوسف إليه ولما أمنت عليه فأحبّ أن تكفيني أمركما فحسبي حيائى ممّا مضى واكتب خطّك بزيادة ألفي ألف درهم. » فقال أبو عبد الله:
    « لقد أغنيتنى أيّها الوزير وما قصّرت وأحسنت العذر والتلافي. » فقال له:
    « بحياتى لمّا كتبت. »
    فقال: « أكتب وأنا آمن أيّها الوزير ممّا أقول والله ما أملك ولا إخوانى هذا المال فإن عطف الله بقلب الخليفة وقلبك علينا تصرّفنا وأدّينا وإن حرمنا ذلك استدفعنا القتل إلى مدّة فإنّ الله قد أجرى عادتنا بالكفاية ونحن نرجو تفضّله. » فقال الخصيبي ولم يكن في المجلس إلّا أبو زكريا وابن قديدة مستخرج الخصيبي:
    « يا أبا عبد الله وقد قسمت ووفيت الرأي [ حقّه ] » وضحك وأخذ خطّه بألفي ألف درهم زيادة وانصرف. وكان أبو عبد الله البريدي قد تحقق بأبي بكر محمّد بن رائق وتناهى أبو بكر في إكرامه وواقفه أبو بكر على أن يتنجّز تسبيباته وتسبيبات رجاله على الأهواز ويخرج إليها ويتغلّب عليها. وشخص هو عن البصرة لئلّا يتمّ هذا الرأي بمقامه عنده فينسب إليه فلمّا وافى واسطا وجد بها أبا الحسن عليّ بن عيسى وقد عمر واسطا فعقدها عليه القاهر - لأنّه كان من قبله لا من قبل الوزير - بثلاثة عشر ألف ألف درهم. وأشهد على أبي عبد الله البريدي بالضمان واستخلف أبو عبد الله أبا الحسن محمّد بن حمد بن حمدون الواسطي وأقام مدّة خمسين يوما بالنعمانيّة ينظر في أعمال الموفقى ثم مضى إلى بغداد وركب يوما هو وأخوه إلى سوق الثلاثاء ينتظرون خروج الخصيبي فراسله عيسى المتطبّب بأنّ القاهر قد عزم على القبض عليهم فانحطّوا عن دوابّهم وغيّروا زيّهم واستتروا فما ظهروا حتى خلع القاهر من الخلافة وتقلّدها الراضي بالله.
    ظهور علي بن بويه

    وفي يوم الاثنين لأربع خلون من ذي الحجّة من هذه السنة ورد كتاب عليّ بن خلف بن طناب إلى الخصيبي يذكر فيه مصير رجل من وجوه قوّاد الديلم الذين كانوا مع مرداويج إلى نواحي أرّجان يقال له عليّ بن بويه وأنّ هذا الرجل كان ضامنا لنواحى ماه البصرة فانكسر عليه مال لمرداويج ففزع منه وعصى عليه وصار في أربعمائة من الديلم إلى أرّجان وتغلّب عليها.
    ذكر السبب في ظهور علي بن بويه والاتفاقات التي اتفقت له حتى ملك ما ملك

    كان أبو الحسن علي بن بويه وأخوه أبو عليّ الحسن بن بويه من قوّاد ما كان بن كاكى ولم يزل الحال بين ما كان وبين مرداويج جميلا منذ اتفقا على قصد أسفار بن شيرويه وانصرافه عن قلعة سميران بالطرم وكانا يتهاديان ويتلاطفان إلى أن قتل مرداويج أسفار كما كتبنا أخبارهما فيما تقدّم وملك نواحي الريّ والجبل واستعلى أمره وقوى بالمال والرجال.
    وقصد ما كان نواحي آمل وطبرستان فملكها وامتدّ إلى نيسابور عند انصراف نصر بن أحمد صاحب خراسان عنها واشتغاله بأخويه الخارجين عليه. فلمّا فرغ من استصلاح خراسان عاد إلى نيسابور وراسل ما كان يسأله أن يعود إلى مكانه وأن يفرج عن نيسابور ويلطف له ويستبقى الحال بينهما.
    ففعل ما كان ذلك وعاد إلى جرجان وطبرستان.
    وابتدأت الحال تنقدح بينه وبين مرداويج على طريق التحاسد والتباغي فاستدعى مرداويج خلفاءه بالجبل وإصبهان وسائر نواحيه وجميع جيوشه وسار إلى ما كان فثبت له ما كان واستظهر عليه مرداويج وهزمه وملك طبرستان ورتب فيها بلقسم بن بلحسن وكان اسفهسلاره ومدبّر جيشه وكان رجلا نجدا جيّد الرأي في الحرب. ثم مضى إلى جرجان وكان فيها من قبل ما كان شير زيل بن سلّار وبأعلي بن تركي، فهربا جميعا وملكها مرداويج ورتّب فيها سرخاب بن بلوس على خلافة بلقسم بن بلحسن لأنّ سرخاب خال ولد بلقسم. فجمع بلقسم جرجان وطبرستان وعاد إلى إصبهان ظافرا غانما. ثم قصد ما كان أبا الفضل الثائر مستنجدا له فأكرمه وعظّمه، ثم سار معه بنفسه إلى طبرستان وبها بلقسم بن بانجين وكان مستعدّا لهما فبرز إليهما وتحاربوا فانهزم الثائر وما كان جميعا.


  • #40
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فأمّا الثائر فعاد إلى بلده بالديلم وأمّا ما كان فامتدّ على طريق الساحل مفلولا ضعيفا حتى ورد جرجان ثم منها إلى نيسابور قاصدا بها أبا عليّ أحمد بن محمّد بن محتاج صاحب جيش خراسان فدخل في طاعته واستنجده. وأقام بلقسم بن بالحسن بجرجان إلى أن بلغه مسير أبي على أحمد بن محمّد بن محتاج إليه مع ما كان فكتب إلى مرداويج يستمدّه فأمدّه بأكثر عسكره ووجوه أصحابه وبالغ في تقويته. ووافى ابن محتاج وما كان فبرز إليهما وواقعهما فظهر عليهما وهزمهما فانصرفا إلى نيسابور.
    ثم كرّ ما كان كرّة أخرى على نواحي الدامغان طامعا في أن يستولى عليها وكان فيها من قبل مرداويج الجيش بن اوميذوار فسار إليه بلقسم بن بانجين حتى اجتمعا على دفع ما كان، فانهزم ثانيا ويئس من هذه الأعمال فأنفذه صاحب خراسان إلى كرمان وقلّده إيّاها وكان بها أبو عليّ محمّد بن الياس بن اليسع وواقعه وهزم أبا عليّ وملك كرمان على طاعة صاحب خراسان.
    فأمّا أبو الحسن عليّ بن بويه وأخوه أبو عليّ الحسن فإنّهما عند هزيمة ما كان الأولى وضعفه انحازا إلى مرداويج بعد أن استأذناه وقالا:
    « إنّ الأصلح لك مفارقتنا إيّاك لتخففّ عنك مؤونتنا ويقع كلّنا على غيرك فإذا تمكنت عاودناك. » فأذن لهما واقتدى بعليّ بن بويه جماعة من القوّاد لما صار عليّ بن بويه وأخوه أبو عليّ إلى مرداويج فقبلهما وأكرمهما وخلع عليهما وقلّد كلّ واحد من قوّاد ما كان ناحية من نواحي الجبل. أمّا عليّ بن بويه فإنّه تقلّد الكرج، وأمّا اللشكري بن مردى فإنّه ردّه إلى عمله وكان متقلّدا... وأمّا سليمان بن سركلة فإنّه قلّده همذان وكذلك سائر القوّاد.
    ذكر سبب تم به لعلي بن بويه ولايته وصرف الباقون بأجمعهم قبل وصولهم إلى أعمالهم

    كان السبب في ارتفاع عليّ بن بويه وبلوغه ما بلغ سماحة كثيرة كانت في طبعه وسعة صدره. واقترن بهذا الخلق الشريف خلق آخر أشرف منه وهي شجاعة تامّة كانت له واتّصل بجميع ذلك اتفاقات محمودة ومولد سعيد. فمن ذلك أنّه لمّا قلّد الكرج وقلّد الجماعة المستأمنة معه النواحي التي ذكرناها وكتبت لهم العهود ووردوا الريّ وبها وشمكير وأبو عبد الله الحسين بن محمّد الملقّب بالعميد - وهو والد أبي الفضل ابن العميد وزير ركن الدولة - وكان ناظرا في الأمور بالريّ فعرضت عليه بغلة حسنة كانت لعليّ بن بويه أراد بيعها والاستعانة بثمنها وكان ثمنها ثلاثة آلاف درهم قيمتها مائتا دينار، فاشتراها وحمل المال إليه فظهر لعليّ بن بويه أنها تشترى لأبي عبد الله العميد فقادها إليه وحلف ألّا يأخذ ثمنها، ثم تابع ذلك بملاطفات كثيرة إلى أن غمره بالبرّ ثم أوجب الرأي عند مرداويج أن يتعقّب ما أمر به من تولية أولئك القوّاد.
    وكتب إلى أخيه وشمكير وإلى أبي عبد الله العميد بمنعهم من الخروج من الريّ وإن كان بعضهم خرج منع من بقي. وكانت الكتب تصدر أوّلا إلى العميد فيقف عليها ثم تعرض على وشمكير جملها. فحين وقف على الكتاب تقدّم إلى عليّ بن بويه سرّا أن يبادر إلى عمله، فسار من وقته وساعته وطوى المنازل. وأصبح العميد من الغد فأظهر الكتب فلمّا عرضها على وشمكير كان قد صار عليّ بن بويه على مسافة بعيدة فمنع من لم يكن خرج من أولئك القوّاد. وفاز عليّ بن بويه بالولاية التي كانت سبب ملكه وتمكّنه وليس يعرف لجميع ذلك بعد قضاء الله عز وجل سبب إلّا سخاءه وسعة صدره.
    فلمّا وصل إلى الكرج ابتدأ بالإحسان إلى الرجال وملاطفة عامل البلد فكان العامل يكتب بشكره وضبطه الناحية وحمايته واتّفق أن افتتح قلاعا كانت في أيدى الخرّميّة في تلك الأطراف ووقع بين أربابها خلاف فانحاز بعضهم إليه وأظهره على ذخائر جليلة صرفها كلّها إلى استمالة الرجال واستعطاف القلوب. فلمّا عاد مرداويج إلى الريّ سبّب أموال جماعة من قوّاده على ناحية الكرج وفيهم إبراهيم بن سيارهى المعروف بكاسك وجماعة أكبر منهم، فاستمالهم عليّ بن بويه وأفضل عليهم حتى أوجبت الجماعة طاعته.
    فاتّصل ذلك بمرداويج فأوحشه ذلك وندم على إخراج أولئك القوّاد الأكابر إليه وكاتبه بالمصير إليه وكاتب القوّاد بمثل ذلك فدافعه وتعلّل عليه ورفق به إلى أن أخذ العهود والمواثيق عليهم. وعلم استيحاش الجماعة وخوّفهم من غدر مرداويج وسطوته، فحينئذ خرج بهم عن الكرج وجمع أكثر ما قدر عليه من المال واستأمن إليه من جرباذقان شيرزاد أحد قوّاد الديلم في أربعين رجلا فقويت نفسه وعرض رجاله فكانوا ثلاثمائة رجل وكسرا، لكنّهم أعيان ونخب مستظهرين بالآلات والعدد، وتوجّه إلى إصبهان وبها أبو الفتح ابن ياقوت في نحو عشرة آلاف وأبو عليّ ابن رستم يلي الخراج، فقدّم إليهما كتبا جميلة وعرّفهما أنّه ينحاز إليهما داخلا في طاعة السلطان فدافعاه عن ذلك.
    وكان أبو عليّ بن رستم أشدّ الناس كرها له وإنكارا لقدومه، واتّفق موت أبي عليّ ابن رستم، وبرز أبو الفتح ابن ياقوت حتى صار من إصبهان على ثلاثة فراسخ. وكان في أصحاب ابن ياقوت ديلم وجيل كثير مقدارهم ستمائة رجل وكانوا يسمعون فضل عليّ بن بويه وعطاءه وسعة صدره فاستأمنوا إليه، وواقعه الوقعة وانهزم ابن ياقوت لما ضعف باستئمان هؤلاء. ولما ظهر له من ثبات الديلم واضطراب أصحابه ومضى نحو فارس.
    وملك عليّ بن بويه إصبهان فقوى شأنه وكبر في عيون الناس لأنّه هزم بمائتين من أصحابه ألوفا وألوفا من أصحاب السلطان. وبلغ ذلك مرداويج فأقلقه ودبّر في أمرهم تدبيرا لم يتمّ له.
    ذكر حيلة مرداويج التي لم تتم له

    أشفق مرداويج أن يستأمن أصحابه إلى عليّ بن بويه لما يسمعون من إقباله ولما انتشر من صيته وفيض عطائه، ولأنّ سيرة مرداويج كانت سيرة صعبة لا يسكن إليها أحد ولا يصبر عليها من له نفس أبيّة. فرأى أن يراسل عليّ بن بويه بعتاب وتأنيس ويرفق به ويستدعى جوابه. وضمن ضمانات له يرغب في مثلها. ووجّه في أثره أخاه وشمكير في عسكر عظيم كثيف قوى.
    فعلم عليّ بن بويه أنّ الرسالة لا تشبه التأهّب له فنذر به فرحل عن إصبهان بعد أن جباها شهرا وتوجّه إلى أرجان وبها أبو بكر ابن ياقوت فانهزم بين يديه إلى رامهرمز من غير حرب ودخلها عليّ بن بويه واستخرج منها أموالا قوى بها.
    ووردت عليه كتب أبي طالب زيد بن عليّ النوبندجانى يستدعيه ويشير عليه بالمسير إلى شيراز ويهوّن عنده أمر ياقوت وأصحابه لتهوّره في جباية الأموال وكثرة مؤونته ومؤنة جنده وثقل وطأتهم على الناس مع فشلهم وخورهم، فأشفق عليّ بن بويه أن يلقى ياقوتا مع صيته وكثرة رجاله وأمواله وحصول ابنه أبي بكر بن ياقوت من ورائه، فأبى عليّ بن أبي طالب وتمنّع عليه ولم يقبل مشورته، فشجّعه أبو طالب وأعلمه أنّه إن توقّف لم يأمن أن يتّفق بين ياقوت ومرداويج أمر يجتمعان له عليه وإنّ أعداءه كثير، ومتى اجتمعوا عليه لم يقم لهم وتمكّنوا بطول الزمان من التدبير عليه، وربّما لحق مدد السلطان فتجتمع الجيوش من كلّ وجه، والصواب لمن كان في مثل صورته أن يبادر ويعاجل من بين يديه ولا ينتظر بهم الاحتشاد وإنشاء التدابير عليه. ولم يزل يراسل عليّ بن بويه ويهوّن عليه الخطب إن بادر ويعظّمه إن توانى وتأخّر إلى أن سار نحو النوبندجان وسبقه مقدّمة ياقوت وهي في نحو ألفى رجل وفيهم وجوه أصحابه وشجعانهم مثل المعروف بكورمرد الخراساني وابن خركوش وكانا شديدين مذكورين بالبأس ومعهما أشباههما من أهل النجدة.
    فوافاهم عليّ بن بويه إلى النوبندجان فلم يثبتوا وانهزموا إلى كركان وجاءهم ياقوت وأصحابه إلى هذا الموضع فنصب أبو طالب النوبندجانى وكلاءه وثقاته لخدمة عليّ بن بويه وتنحّى بنفسه إلى ضيعة له مغالطة لياقوت وراسل ياقوتا انّ الخوف الذي شمله والناس ألجأه إلى الهرب والتباعد واستشاره فيما يعمل وهو مع ذلك مجتهد في نصيحة عليّ بن بويه وإرشاده إلى صواب الرأي وإهداء الأخبار إليه ودلالته على المسالك والطرق. وأقام لمئونته وإنزاله من يزيح علّته في الجميع حتى أضافه وجميع عسكره أربعين يوما ولزمته مؤونة عظيمة يذكر أنّ مبلغها مائتا ألف دينار.
    وأنفذ عليّ بن بويه أخاه أبا عليّ إلى كازرون وغيرها من أعمال فارس فاستخرج منها أموالا عظيمة وأثار ذخائر جليلة كانت للأكاسرة يتوارثها قوم هناك، فزاد استخراجه على استخراج أخيه.
    وأنفذ ياقوت عسكرا ضخما إلى الحسن بن بويه فواقعهم بالنفر اليسير الذين معه فهزمهم وصار موفورا إلى أخيه عليّ بن بويه. ثم اتّفق أن تمّ عليه مواطأة ياقوت ووشمكير ومرداويج، وبلغه من ذلك ما أوجب أن يسير إلى كرمان. فتوجّه من النوبندجان إلى إصطخر ومنها إلى البيضاء وياقوت يتبعه بجميع عسكره ويقفو أثره. وانتهى بعليّ بن بويه المسير إلى قنطرة كان الطريق عليها إلى كرمان، فسبقه ياقوت إلى القنطرة وحال بينه وبين عبورها واضطرّه إلى الحرب.
    ودخلت سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

    وابتدأت الحرب يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين، وأصبحوا يوم الأربعاء على أشدّ ما تكون الحرب. فاستدعى عليّ بن بويه أصحابه ليلة الخميس وأعلمهم أنّه يترجّل معهم ويقاتل كأحدهم ووعدهم ومنّاهم واستوثق منهم الأيمان في الثبات والجهاد والجدّ.
    ذكر اتفاق جيد اتفق لعلي بن بويه ورديء جدا على ياقوت مع تدبير سيئ وتسرع من ياقوت غير صواب

    أمّا التدبير السيّئ الذي استعمله ياقوت وتسرّع فيه فإنّه استأمن إليه من أصحاب عليّ بن بويه رجلان من وجوه الديلم فحين وقفت عينه عليهما أمر بضرب أعناقهم وتيقّن الديلم أنّه لا أمان لهم عنده، فشحذ ذلك بصائرهم وجاهدوه جهاد المستقتلين.
    وأمّا الاتفاق الذي اتّفق عليه، فإنّه باكر الحرب يوم الخميس وقدّم على مصافه رجّالة كثيرة من أصحابه يحاربون بمزاريق النفط والنيران. فانقلبت الريح واشتدّت للوقت فاحترق شيء من مصافّ ياقوت وأكبّ الديلم على أولئك الرجّالة فقتلوهم وانهزم الفرسان وزحف الديلم على تعبيتهم.
    ذكر تدبير دبره ياقوت في حال الهزيمة فلم ينفذ له واحترز منها علي بن بويه فظفر

    لمّا أشرف الديلم على سواد ياقوت عند هزيمته وهزيمة أصحابه طلب نشزا من الأرض عاليا في طريقه، فصعد إليها وركّز عليها رايته، فاجتمع إليه نحو من أربعة آلاف رجل. وظنّ أن الديلم يتسرعون إلى خزائنه ويشتغلون بالنهب فيضطرب نظامهم ويكرّ عليهم - وهذه لعمري مكيدة طال ما صارت سببا لظفر قوم بعد هزيمتهم - فقال لأصحابه:
    « لا تفرّقوا وتأهّبوا للكرّة فإنّها الظفر لا محالة. » وأحسّ عليّ بن بويه بذلك فبرز أمام مصافّه ونادى أصحابه وقال لهم:
    « لا تبعدوا ولا تنقضوا تعبيتكم فإن الخصم واقف ينتظر اشتغالكم بالنهب ثم يعطف عليكم ولم يبق له غير هذه المكيدة. » وأعلمهم أنّ الغنيمة لا تفوت. فلمّا رأى ياقوت ثباتهم وامتناعهم من النهب واحترازهم من مكيدته مضى على وجهه منهزما وملك عليّ بن بويه جميع ذلك السواد. ووجد لياقوت صناديق فيها برانس وقيود وما أشبه ذلك كان أعدّها للأسارى. فأشار جماعة من قوّاد عليّ بن بويه بأن يجعل ذلك لأسارى رجال ياقوت وأن يجعل البرانس على رؤوسهم والقيود في أرجلهم ويشهّر بهم في المعسكر ثم في البلد. فأبى ذلك عليّ بن بويه وقال:
    « بل نعدل عن هذا إلى العفو عمّن أظفرنا الله بهم من أعدائنا ونشكر الله على هذه النعمة، فإنّه أدعى للمزيد وأبعد من البغي والطغيان. » ثم امتدّ إلى الزرقان يوم الجمعة وإلى الدينكان يوم السبت وتولّت المستأمنة والشحنة وأكابر الناس إليه وتتابعوا فتقبّل الجميع وأحسن إليهم قولا وفعلا وصفح عن كلّ من بلغه عنه فحش في الخطاب أو إساءة في عمل، وأحسن في سيرته حتى اطمأن إليه الناس وأمنه أعداؤه. وعسكر بظاهر شيراز ونادى فيها ببث العدل وأمان الناس من جميع ما يكرهون، وأمر العامّة بالانتشار في معايشهم والخروج إلى مصالحهم آمنين، ففعل الناس ذلك.
    ثم اضطرّ بعد ذلك إلى سيرة أخرى لكثرة مطالبات الجند واقتراحاتهم وبلغ من أمره ما سنكتبه في موضعه بمشيئة الله وعونه.
    ورود خبر دخول أصحاب مرداويج إصبهان

    وفيها ورد كتاب أبي جعفر محمّد بن القاسم الكرخي وكان يتقلّد أعمال الخراج والضياع بالبصرة والأهواز بتاريخ يوم الثلاثاء لأربع خلون من المحرّم بأنّ الكتب وردت عليه بدخول أصحاب مرداويج إصبهان وأنّه خرج من جملة مرداويج قائد جليل كان يتقلّد ماه البصرة وفاز بمال جليل وهرب إلى أرجان يقال له عليّ بن بويه وأنّه كتب إليه أنّه في طاعة السلطان وهو يستأذن الوزير في ورود الحضرة أو النفوذ إلى شيراز لينضمّ إلى ياقوت مولى أمير المؤمنين.
    حرق مراكب القرامطة

    وفي هذه السنة صار أصحاب أبي طاهر القرمطي إلى نواحي توّج وسينيز في مراكب وخرجوا منها إلى البلد. فلمّا بعدوا من المراكب أحرقها صاحب لياقوت كان يتقلّد البلد. ثم اجتمع مع أهل البلد وأوقع بالقرامطة وقتل منهم وأسر ثمانين رجلا فيهم رجل يعرف بابن الغمر فقدم رسول محمّد بن ياقوت بهؤلاء الأسارى فأدخلهم مشهّرين، فوضع على رأس ابن الغمر منهم قرونا وكانوا على جمال بدراريع وديباج وبرانس حتى دخلوا دار السلطان فاعتقلوا بها.
    وفيها قتل القاهر إسحاق بن إسماعيل وأبا السرايا نصر ابن حمدان
    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب في قتله إسحاق أنّه كان أراد شراء الجارية المعروفة برتبة قبل الخلافة وكانت موصوفة بالجمال والغناء فزايده إسحاق بن إسماعيل فيها واشتراها. وسبب قتله أبا السرايا أنّه كان أراد شراء جارية أخرى قبل الخلافة فاشتراها أبو السرايا.
    فحكى ثابت عن خادم حضر قتلهما قال: جاء القاهر فوقف على رأس بئر كانت في موضع ذكره ثم استحضر إسحاق فأحضر وهو مقيّد فأمر بطرحه في تلك البئر فرمينا به فيها بقيده وهو حيّ. ثم أمر بإحضار أبي السرايا فأحضرناه وهو مقيّد فأمر بطرحه في تلك البئر فما زال أبو السرايا يتضرّع إليه ويسأله العفو وهو لا يلتفت إليه وتعلّق بسعف نخلة كانت بقرب البئر فأمرنا بضرب يده فضربناها فخلّى عن السعفة ودفعناه في البئر ثم أمر بطمّ البئر فطرحنا عليهما التراب حتى أمتلأت وهو واقف.
    فسبحان الله العظيم ما أعجب أمر المقادير أراد مونس لمّا قتل المقتدر أن ينصّب في الخلافة أبا العبّاس بن المقتدر فما زال إسحاق بن إسماعيل مجتهدا قائما قاعدا إلى أن عدل بها إلى القاهر بالله وهو لا يعلم أنّه إنّما يسعى في حتف نفسه ليتمّ الأمر المقدور.
    وفيها حضر دار سلامة الحاجب أبو بكر بن مقسم وقيل أنّه ابتدع قراءة لم تعرف للقرآن وأحضر ابن مجاهد والقضاة وناظروه فاعترف بالخطإ وتاب فأحرقت كتبه.
    وفيها خرج رجل من الصغد يعرف بأبي على محمّد بن إلياس واجتاز بكرمان حتى بلغ باب إصطخر وأظهر لياقوت أنّه يريد أن يستأمن إليه ثم عرف ياقوت أنّ ذلك حيلة منه فخرج إليه ياقوت فلم يثبت له ابن الياس وانكفأ راجعا إلى كرمان وصار إليه من قبل صاحب خراسان ما كان بن كاكى الديلمي فواقعه وانهزم ابن الياس وصار إلى أعمال فارس فواقعه ياقوت وانهزم ابن الياس.
    وفيها استوحش الحجريّة والساجيّة من القاهر فدبّروا عليه وتمّ لهم القبض عليه.
    ذكر السبب في القبض على القاهر

    كان السبب في ذلك أنّ أبا عليّ ابن مقلة كان يراسل الساجيّة والحجريّة في استتاره ويضرّبهم على القاهر ويوحّشهم منه والحسن بن هارون يفعل مثل ذلك ويلقاهم بالليل وهو يتزيّا بريّ السؤال وفي يده زبّيل وفي وقت بزيّ النساء إلى أن شحذ نيّاتهم وجمع كلمتهم على قصد القاهر والفتك به وحذّرهم منه وعرّفهم أنّه قد بنى لهم المطامير. واحتال من جهة منجّم كان لسيما حتى لقّنه أن يقول لسيما من جهة النجوم أنّه يخاف عليه من القاهر ويحذّره منه. وأعطى الحسن بن هارون هذا المنجّم مائتي دينار فملأ عينه حتى مكّن في نفس سيما الخوف من القاهر وكان سيما يقبل منه ويستحسن إصاباته. ثم دسّ إليه من جهة منامات يدعيها أشياء حتى اشتدّ خوف سيما من القاهر.
    فلمّا كان يوم الاثنين لأربع خلون من شهر ربيع الآخر وقع بين الغلمان الحجريّة وبين الغلمان الساجيّة خلاف وذكر الساجيّة أنّ القاهر يريد أن يفتك بسيما وهو رئيس الساجيّة وخرج سيما من دار السلطان مبادرا إلى داره واجتمع إليه الساجيّة بأسرهم والقوّاد في السلاح وأقاموا عنده إلى آخر النهار، ثم انصرفوا وباكروه فاجتمع قوّاد الساجيّة مع قوّاد الحجريّة وتحالفوا أن تكون كلمتهم واحدة ثم استحلفوا باقى الحجريّة والساجيّة. واتّصل ذلك بالقاهر وبالوزير وبالحاجب، فوجّهوا من يسألهم عمّا أوحشهم فقالوا:
    « قد صحّ عندنا أنّ القاهر عزم على القبض على سيما وعلى حبسنا في مطامير قد بناها لنا. » وكان الفضل بن جعفر يتولّى بناء مطامير من ماله ويحتسبها من مال مصادرة عليه فعرف القاهر ما يقولونه فتقدّم إلى سلامة بالخروج إليهم وحلف القاهر له على أنّه لم يفعل ذلك ولا همّ به وإنّما بنى حمامات روميّة للحرم، وخرج سلامة لذلك.
    وخلا الخصيبي وعيسى المتطبّب بالقاهر فذكرا له أنّ الآفة في هذا كلّه الفضل بن جعفر وأنّه هو الذي قال للساجيّة والحجريّة ذلك لأنّه شيء لم يعرفه غيره. وكان سلامة أشار بالفضل حتى أعفى من المصادرة عناية به واقتصر منه على ما ينفقه على المطامير. فتقدّم القاهر بالقبض على الفضل بن جعفر وطالبه الوزير الخصيبي بحضرة عيسى بثلاثمائة ألف دينار فقال الفضل:
    « لو كنت ذا مال لكانت لي ضياع ودور وخدم ومروءة بحسبها. » فاغتاظ الخصيبي وظنّ أنّه قد عرّض به وخاطبه بمخاطبة فيها جفاء فاستوفى الفضل عليه الجواب. فهمّ الوزير الخصيبي أن يوقع به فقال سابور الخادم:

  • صفحة 10 من 14 الأولىالأولى ... 89101112 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 99
      آخر مشاركة: 06-15-2010, 01:21 AM
    2. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    3. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    4. سير أعلام النبلاء الخامس
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 229
      آخر مشاركة: 06-04-2010, 02:34 AM
    5. باب الحارة الجزء الخامس
      بواسطة En.muhammed manla في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 03-09-2010, 12:41 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1