وزارة أبي جعفر محمد بن القاسم

ووجّه القاهر إلى أبي جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد الله فاستحضره يوم الأحد مستهلّ شعبان فلقّبه وقلّده وزارته ودواوينه وخلع عليه من غد وهو يوم الاثنين خلع الوزارة، ووجّه القاهر من يومه بمن استقدم عيسى المتطبب من الموصل وطرحت النار في دار أبي عليّ ابن مقلة بباب البستان وأحرقت ووقع النهب ببغداد.
وظهر محمّد بن ياقوت وصار إلى دار السلطان وخدم في الحجبة يومه ذاك ثم وقف على كراهية طريف السبكرى والساجيّة والحجريّة فاحتال إلى أن تمّ له الهرب واستتر وانحدر إلى أبيه وهو بفارس فلم يتجاوز كورة أرّجان ولا لقي أباه.
وكان جلس في الماء بزيّ أصحاب المحابر وركب البحر ووافى مهروبان وجاء ليلا إلى أرّجان فنزل على أبي العبّاس ابن دينار وحمل إليه أبوه مالا وكسوة ودوابّ وكانت له على فارس تسبيبات فاستوفاها ولحق به رجاله، وكاتبه القاهر بما يسكّته منه وأعلمه أنّه عجّل على نفسه واستوحش وقلّده المعاون بكور الأهواز فأقام بارجان حتى اعتلّ وكان يفسد مزاجه ثم انتقل إلى رامهرمز.
وكان القاهر قد كاتب مرداويج بالإفراج عن إصبهان ليقلّده الريّ والجبل ويصير في جملة الأولياء ويزول عنه العصيان فأتمر له، وكاتب وشمكير بالانصراف عن إصبهان فانصرف وبقيت شاغرة سبعة عشر يوما خالية من مدبّر. وكاتب القاهر محمّد ابن ياقوت بتقليده إصبهان وأمره أن يسير إليها وكان ذلك بعقب هزيمة المظفّر بن ياقوت وبعد انصراف عليّ بن بويه من إصبهان. فأخذ محمّد بن ياقوت في التأهّب فبقى هو كذلك إذ ورد عليه الخبر بخلع القاهر فانتكث أمره.
ولمّا استتر عليّ بن يلبق وهرب محمّد بن ياقوت استحجب القاهر سلامة الطولونى وطلب المستترين وقلّد أبا العبّاس أحمد بن خاقان الشرطة ببغداد وطلب أبا أحمد ابن المكتفي فوجده مستترا في دار عبد الله بن الفتح فقبض عليه وتقدّم القاهر بأن يقام في فتح باب ويسدّ عليه بالجصّ والآجرّ وهو حيّ، ففعل، وأمر بنهب دور بنى مقلة ودار الحسن بن هارون ودار أبي بكر ابن قرابة.
ووجد عليّ بن يلبق مستترا بقرب باب المقبرة وكبس وأخذ من تنور كان دخله لمّا أحسّ بالكابس وأطبق على نفسه بغطاء التنور وقد كان خفى أمره وخرج من كان يفتّش عنه حين لم يجده. فاتّفق أن تأخّر بعض الرجال لطلب شيء يأخذه من الدار فانتهى إلى التنور وطلب فيه خبزا يابسا، فلمّا كشفه وجد عليّ بن يلبق فصاح حتى رجع القوم وأخذوه وحملوه إلى دار السلطان وضرب بحضرة القاهر ضربا مبرحا فأقرّ بعشرة آلاف دينار فوجدت وصحّحت في بيت المال ثم أعيد الضرب عليه فلم يوجد له غيرها وحبس.
وكان الحسين بن عبيد الله مستترا فراسله أخوه الوزير محمّد ابن القاسم بن عبيد الله وسأله أن يظهر ويعينه حتى يقلّده ديوان السواد وديوان الجيش وديوان النفقات ويستخلف له الكلوذانى وإبراهيم بن خفيف وعثمان بن سعيد وحلف له بحضرة السفير الذي كان بينهما بالله العظيم وبسائر أيمان البيعة بعتق مماليكه وبطلاق نسائه على صحّة ضميره له وبأنّ باطنه له مثل ظاهره فيما بذله له، وكتب له بذلك رقعة بخطّة أشهد فيها الله على نفسه وتسلّم ذلك السفير وحمله إلى الحسين فأعاد عليه ما جرى ولم يزل محمّد يتوقّع أخاه إلى آخر النهار.
فحكى ابن أخيه القاسم بن الحسين أنّ عمّه الوزير أبا جعفر صار في الليلة إلى الحسين أخيه وليس معه غلام فخاطبه في الظهور وسأله معاونته بنفسه وأعاد عليه تلك الأيمان حتى وعده بالرواح إليه وعرّف الحسين أصحابه فاجتمعوا بالعشيّ له وركبوا بركوبه وصار إلى أخيه وكان الوزير أخوه قد أعدّ له زورقا مطبقا. فلمّا حصل عنده أمر بتحصيله في الزورق.
فوقفت والدته على خبره فجاءت حتى وقفت له على شاطئ دجلة في الموضع الذي ينزل منه إلى طيّارة وهناك خلق من الناس، فاستغاثت إليه وكشفت شعرها بين يديه وأظهرت ثديها وحلّفته بكلّ حقّ لها عليه أن يطلق ابنها، فلم يلتفت إليها ولا يفكر فيها وجلس في طيّاره وانحدر إلى دار السلطان فلم يبق أحد ممّن حضر إلّا استقبح فعله ودعا عليه وذهب.
فحكى للقاهر أنّه إنّما طلب أخاه الحسين ونفاه إلى الرقّة لما كان يعتقد من مذهب ابن أبي العزاقر وأنّه خاف منه على الدولة. فوكّل القاهر بدور بنى بسطام لما كان يذكر عنهما في اعتقادهما لدين ابن أبي العزاقر.
ذكر مقتل مونس ويلبق وعلي ابنه

اضطرب رجال مونس ويلبق وشغبوا وشغب معهم سائر الجيش وخرجوا إلى الصحراء ثم قصدوا دار الوزير أبي جعفر محمّد بن القاسم وأحرقوا روشنه ونادوا بذكر مونس فكان ذلك سبب القتل لمونس. ودخل القاهر إلى الموضع الذي كان فيه مونس ويلبق وابنه معتقلين فذبح عليّ بن يلبق بحضرته ووجّه برأسه إلى أبيه.
فلمّا رءاه جزع وبكى بكاء عظيما ثم ذبح يلبق ووجّه برأسه ورأس أبيه إلى مونس. فلمّا رءاهما لعن قاتلهما فأمر به فجرّ برجله إلى البالوعة وذبح كما يذبح الشاة والقاهر يراه وأخرجت الرؤوس الثلاثة في ثلاث طسّات إلى الميدان حتى شاهدها الناس وطيف برأس عليّ بن يلبق في جانبي بغداد ثم ردّ إلى دار السلطان وجعل مع سائر الرؤوس في خزانة الرؤوس على الرسم.
قال ثابت: فحدّثنا سلامة الطولونى الحاجب أنّه لمّا أخرج إليه رأس مونس ليصلحه فرّغ الدماغ منه ووزنه فكان ستّة أرطال وسمعت أنا ذلك من الجفني وكان حاضره.
وممّا جرى في ذلك أنّه كبس جماعة من الفرسان والرجّالة أبا بكر ابن نباته العدل الدقاق في درب الريحان وأظهروا أنّ السلطان وجّه بهم لطلب الحسن بن هارون وأخذوا من منزله ثلاثين ألف دينار وطرحوا منديلا على رأس واحد منهم وأخرجوه وأظهروا أنّه الحسن بن هارون. فركب أحمد بن خاقان في طلب القوم فظفر بواحد منهم وقرّره فأقرّ على جماعة ظفر ببعضهم ووجد اليسير من المال وقتل من وجد من هؤلاء الكبّاسين.
القاهر يأمر بتحريم القيان والخمر

وفيها خرج أمر القاهر بتحريم القيان والخمر وسائر الأنبذة وقبض على من عرف بالغناء من الرجال والمخانيث والجواري المغنّيات فنفى بعضهم إلى البصرة وبعضهم إلى الكوفة وبيع الجواري على أنهنّ سواذج. وكان القاهر مع ذلك مولعا بشرب الخمر ولا يكاد يصحو من السكر ويسمع الغناء ويختار من جواري القيان من يريد.
وسعى بأبي عبد الله ابن مقلة فوجد وقبض عليه ووجد عنده خطوط أخيه أبي على في رقاع، فحمل إلى دار الوزير أبي جعفر فسأله عمّن كان يوصل إليه الرقاع فذكر أنّ أبا عبد الله محمّد بن عبدوس الجهشيارى كان ينفذها إليه فقبض عليه وعلى أخيه وسئلا عمّا يعرفان من خبر أبي عليّ بن مقلة، فحلفا أنّهما لا يعرفان له خبرا منذ استتر وعرّف القاهر أنّهما من قوّاد السلطان وسهّل أمرهما فأطلقا ولم يستترا وكانا يركبان في أيّام المواكب إلى دار السلطان.
وقبض الوزير أبو جعفر على أبي جعفر محمّد بن شيرزاد واحتجّ عليه بأنّه قد تقلّد أعمالا جليلة وابتاع من المبيع ضياعا كثيرة وأنّ ارتفاعه قد بلغ ألف ألف درهم في السنة، فتوسّط بينه وبينه إسحاق بن إسماعيل وأخذ خطّه بعشرين ألف دينار وأطلق إلى منزله من يومه.
ذكر السبب في تقليد أبي العباس الخصيبي الوزارة

كان بنو البريدي بعد استتار ابن مقلة والجماعة استتروا فقلّد الوزير مكانهم على أعمالهم أبا جعفر محمّد بن القاسم الكرخي فتوسّط إسحاق بن إسماعيل أمرهم فأخذ لهم أمانا من الوزير حتى ظهروا. ثم أشار إسحاق على الوزير أبي جعفر بأن يخاطب القاهر في أمر بنى البريدي ويعرّفه أنّ الوجه ردّهم إلى ضمانهم بالبصرة والأهواز، فقبل الوزير مشورته وخاطب الخليفة وعرّفه أنّه ذامّ لمحمّد بن القاسم الكرخي لتقصيره في أمر استخراج الأموال وحملها وأنّ البريديّين أقوم بذلك، وأطمعه في أن يزداد عليهم في مقدار مال الضمان فوعده القاهر وقال:
« حتى أنظر في ذلك. » واستدعى القاهر عيسى المتطبّب وأعاد عليه ما جرى، وكان عيسى كارها للوزير محمّد بن القاسم لأنّه لم يكن له مدخل في تقليده الوزارة لغيبته بالموصل فطعن على هذا الرأي وعلى الوزير أبي جعفر وأشار بتقليد الخصيبي الوزارة. فأمر القاهر بلقاء الخصيبي ومسألته عمّا عنده في أمر البريديين وغيرهم، فصار إليه وتقرر الأمر معه وضمن استخراج أموال جليلة.
وكتب إلى القاهر على يد عيسى أنّه متى ظهر أنّه تقلّد الوزارة استتر من عنده الأموال التي وعد باستخراجها وأنّ الوجه أن يتقدّم إلى الوزير بالقبض على جماعة سمّاهم على مهل، فإذا قبض عليهم وجّه القاهر فحملهم إلى داره وانتزعهم من يد الوزير فتركهم معتقلين أيّاما ثم قبض على الوزير محمّد بن القاسم. ففعل القاهر ذلك وتقدّم إلى سابور الخادم بالمصير إلى دار الوزير والقبض على بنى البريدي وإسحاق بن إسماعيل. فوجّه سابور بثقة له إلى دار الوزير لينظر هل يجد فيها بنى البريدي وإسحاق بن إسماعيل فيرجع إليه بالخبر. وكان بنو البريدي قد نصبوا أصحاب أخبار على سابور وسلامة وأصحاب القاهر فبلغهم ما تقدّم به سابور إلى الرجل الذي وجّه به يتعرّف أخبارهم فاستتروا.
وكان سابور قد قال لثقاته:
« إنّ الخليفة أمرنى بتفتيش دار إسحاق لأنّه قد بلغه أنّ جواريه قد سترن جماعة من جواري القيان. » وأمرهم أن يستعدّوا للركوب معه فبلغ الخبر إسحاق من وقته ولم يقع له أنّ ذلك لمكروه يراد به فقال لجواريه:
« إن صار إليكم سابور بطلب المغنّيات فلا تمنعوه ودعوه يفتّش. » وانحدر هو إلى دار الوزير وصار سابور إلى دار الوزير أبي جعفر فوجد إسحاق بحضرته فقبض عليه وحمله إلى دار السجّان.
ووجّه القاهر بمن كبس دور البريديين فلم يوجدوا وكبست دور إسحاق في النوبختيّة وعلى شاطئ دجلة وتهارب حرمه وولده وسلموا وقبض على أحمد بن عليّ الكوفي كاتبه.
واستحضر القاهر عليّ بن عيسى وعرّفه أنه ليس لوزيره نظر في أعمال واسط وسقى الفرات وكانت في ضمان إسحاق وقلّده هذه الأعمال واعتمد في تدبير المعاون فيها عليه ووقّع له بخطّه فتقلّده عليّ بن عيسى.
وورد الخبر بموت أبي عليّ أحمد بن محمّد بن رستم بإصبهان وأنّ المظفّر بن ياقوت مدّ يده إلى ماله ودوابّه فحازها لنفسه. وكان المظفّر إليه أعمال المعاون بإصبهان فتنكّر القاهر له ولأبيه ولأخيه.
وسعى بأبي يوسف البريدي فكبس عليه وأخذ وحمل إلى دار الوزير محمّد بن القاسم فأجمل عشرته وكتب القاهر إلى الوزير بأن يقرّر معه مصادرته ومصادرة أخويه فأحضره الوزير وخاطبه وسامه أن يقرّر الأمر معه في مصادرتهم فقال له أبو يوسف:
« إذا وثقنا بأنّ الأمر لك وأنّك مقرّ على الوزارة فقرّرنا الأمر معك فأمّا ونحن نتحقق أنّ الوزارة لغيرك فلا يجوز فصل الأمر معك. » فلمّا كان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة انكسف القمر وقبض القاهر على الوزير محمّد بن القاسم وأنفذ إليه سابور الخادم فأخذه وأخذ من وجد في داره وفيهم أبو يوسف البريدي وغيره فنقلهم إلى دار السلطان.
فكانت مدّة وزارة أبي جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان للقاهر ثلاثة أشهر واثنى عشر يوما.
إحضار للوزارة أو للحبس

ووجّه القاهر إلى إسحاق بن عليّ القنّاى وأحضره وأحضر معه عبد الوهّاب بن عبد الله الخاقاني على أن يقلّد أحدهما الوزارة والآخر الدواوين. فلمّا حضرا قبّل القوّاد أيديهما وجلس بين أيديهما سلامة الحاجب فلم يلبث أن خرجت رسالة القاهر بالقبض عليهما وإدخالهما الحبوس الغامضة. ثم وجّه القاهر إلى سليمان بن الحسن واستحضره للوزارة وحضر في طيّاره وتلقّاه القوّاد والناس وقبّلوا يده وجلس الأستاذون بين يديه في دار السلطان ووجّه القاهر من قبض عليه وأدخله الحبوس الغامضة ووجّه إلى الفضل بن جعفر للوزارة وقد ظهر ما عمله بالخاقانى وبسليمان فاستتر الفضل ولم يتقرّر الوزارة لأحد في ذلك اليوم.
وزارة الخصيبي

فلمّا كان من الغد تقدّم القاهر إلى عيسى المتطبّب أن يحضر الخصيبي يوم الخميس ويأمره بالتأهّب للوزارة وأن يحضر بسواد وسيف ومنطقة فراسله عيسى بذلك فحضر كما رسم له وخلع عليه خلع الوزارة وركب فيها إلى داره ولقيه الناس فهنّئوه ونظر في الدواوين وقلّدها من استصلحه ونصب ديوانا للمبيع وأحضر الناس وناظرهم وألزمهم لفضل ما بين المعاملتين خمسين ألف دينار وكتب لهم شروطا ووقّع لهم فيها بالإمضاء وصادر الناس وقبض على خلق.
وتوسّط عيسى وسلامة الحاجب أمر البريديين بعد مكاره عظيمة لحقت أبا يوسف على اثنى عشر ألف ألف درهم وكتبت الأمانات لأحمد وعليّ ابني البريدي بخطّ الخليفة والوزير وأشهدا القضاة والعدول فيها على أنفسهما فظهرا.
فحكى أبو زكريا السوسي وأبو سعيد ابن قديدة أنّ أبا عبد الله البريدي حضر عند أبي العبّاس الخصيبي بطيلسان وعمامة وخفّ وهما معه فاستخلاه المجلس فأخلاه له فعاتبه عتابا طويلا وذكّره بحقوق كثيرة وضروب من الخدمة خدمه بها في أوقات مختلفة عند نكبات كانت للخصيبي وقال له في آخر كلامه:
« إنّما أعددتك بجميع هذا للدنيا لا للآخرة وأنت معذور في أمر المال لأنّك تزعم أنّه بأمر الخليفة وطاعته واجبه وفي ضربك أبا يوسف لأنّه تماتن عليك لم ذكرت أمّ أبي يوسف وهي أمي ولم استحسنت قذفها أما استحققت عليك بجميع حقوقي هذه أن تصونها عن الذكر بالقبيح لأجلى؟ » فخجل الخصيبي وقال:
« صدقت، كان يجب أن أفعل ذلك ولكن لم أضبط نفسي عند الغيظ وأنا معتذر إليك ودع ما مضى. الخليفة مقيم على أنّه لا بدّ من ألف ألف دينار وقد وصفتك لأمير المؤمنين وقلت: أبو يوسف حرج الصدر وأبو عبد الله أخوه رحب الصدر ولا يخالف أمير المؤمنين ولو لا ذلك لنقل أبا يوسف إليه ولما أمنت عليه فأحبّ أن تكفيني أمركما فحسبي حيائى ممّا مضى واكتب خطّك بزيادة ألفي ألف درهم. » فقال أبو عبد الله:
« لقد أغنيتنى أيّها الوزير وما قصّرت وأحسنت العذر والتلافي. » فقال له:
« بحياتى لمّا كتبت. »
فقال: « أكتب وأنا آمن أيّها الوزير ممّا أقول والله ما أملك ولا إخوانى هذا المال فإن عطف الله بقلب الخليفة وقلبك علينا تصرّفنا وأدّينا وإن حرمنا ذلك استدفعنا القتل إلى مدّة فإنّ الله قد أجرى عادتنا بالكفاية ونحن نرجو تفضّله. » فقال الخصيبي ولم يكن في المجلس إلّا أبو زكريا وابن قديدة مستخرج الخصيبي:
« يا أبا عبد الله وقد قسمت ووفيت الرأي [ حقّه ] » وضحك وأخذ خطّه بألفي ألف درهم زيادة وانصرف. وكان أبو عبد الله البريدي قد تحقق بأبي بكر محمّد بن رائق وتناهى أبو بكر في إكرامه وواقفه أبو بكر على أن يتنجّز تسبيباته وتسبيبات رجاله على الأهواز ويخرج إليها ويتغلّب عليها. وشخص هو عن البصرة لئلّا يتمّ هذا الرأي بمقامه عنده فينسب إليه فلمّا وافى واسطا وجد بها أبا الحسن عليّ بن عيسى وقد عمر واسطا فعقدها عليه القاهر - لأنّه كان من قبله لا من قبل الوزير - بثلاثة عشر ألف ألف درهم. وأشهد على أبي عبد الله البريدي بالضمان واستخلف أبو عبد الله أبا الحسن محمّد بن حمد بن حمدون الواسطي وأقام مدّة خمسين يوما بالنعمانيّة ينظر في أعمال الموفقى ثم مضى إلى بغداد وركب يوما هو وأخوه إلى سوق الثلاثاء ينتظرون خروج الخصيبي فراسله عيسى المتطبّب بأنّ القاهر قد عزم على القبض عليهم فانحطّوا عن دوابّهم وغيّروا زيّهم واستتروا فما ظهروا حتى خلع القاهر من الخلافة وتقلّدها الراضي بالله.
ظهور علي بن بويه

وفي يوم الاثنين لأربع خلون من ذي الحجّة من هذه السنة ورد كتاب عليّ بن خلف بن طناب إلى الخصيبي يذكر فيه مصير رجل من وجوه قوّاد الديلم الذين كانوا مع مرداويج إلى نواحي أرّجان يقال له عليّ بن بويه وأنّ هذا الرجل كان ضامنا لنواحى ماه البصرة فانكسر عليه مال لمرداويج ففزع منه وعصى عليه وصار في أربعمائة من الديلم إلى أرّجان وتغلّب عليها.
ذكر السبب في ظهور علي بن بويه والاتفاقات التي اتفقت له حتى ملك ما ملك

كان أبو الحسن علي بن بويه وأخوه أبو عليّ الحسن بن بويه من قوّاد ما كان بن كاكى ولم يزل الحال بين ما كان وبين مرداويج جميلا منذ اتفقا على قصد أسفار بن شيرويه وانصرافه عن قلعة سميران بالطرم وكانا يتهاديان ويتلاطفان إلى أن قتل مرداويج أسفار كما كتبنا أخبارهما فيما تقدّم وملك نواحي الريّ والجبل واستعلى أمره وقوى بالمال والرجال.
وقصد ما كان نواحي آمل وطبرستان فملكها وامتدّ إلى نيسابور عند انصراف نصر بن أحمد صاحب خراسان عنها واشتغاله بأخويه الخارجين عليه. فلمّا فرغ من استصلاح خراسان عاد إلى نيسابور وراسل ما كان يسأله أن يعود إلى مكانه وأن يفرج عن نيسابور ويلطف له ويستبقى الحال بينهما.
ففعل ما كان ذلك وعاد إلى جرجان وطبرستان.
وابتدأت الحال تنقدح بينه وبين مرداويج على طريق التحاسد والتباغي فاستدعى مرداويج خلفاءه بالجبل وإصبهان وسائر نواحيه وجميع جيوشه وسار إلى ما كان فثبت له ما كان واستظهر عليه مرداويج وهزمه وملك طبرستان ورتب فيها بلقسم بن بلحسن وكان اسفهسلاره ومدبّر جيشه وكان رجلا نجدا جيّد الرأي في الحرب. ثم مضى إلى جرجان وكان فيها من قبل ما كان شير زيل بن سلّار وبأعلي بن تركي، فهربا جميعا وملكها مرداويج ورتّب فيها سرخاب بن بلوس على خلافة بلقسم بن بلحسن لأنّ سرخاب خال ولد بلقسم. فجمع بلقسم جرجان وطبرستان وعاد إلى إصبهان ظافرا غانما. ثم قصد ما كان أبا الفضل الثائر مستنجدا له فأكرمه وعظّمه، ثم سار معه بنفسه إلى طبرستان وبها بلقسم بن بانجين وكان مستعدّا لهما فبرز إليهما وتحاربوا فانهزم الثائر وما كان جميعا.