المحرّم واستخلف أبو الحسين على كتابتهما أبا الحسن سعيد بن عمرو بن سنجلا وكتبت به الكتب. قتل مرداويج في الحمام بإصبهان
وفيها ورد الخبر بغداد بأنّ غلمان مرداويج بن زيار الجبلي قتلوه في الحمّام بإصبهان فتبجّح محمّد بن ياقوت وزعم أنّ التدبير في ذلك كان له وأنّه كاتب غلاما كان له واستأمن إلى مرداويج بضعة عشر كتابا مع فيوج ذكرهم وسمّاهم من حيث لا يعلم أحد وأظهر كتبا من الغلام إليه في هذا المعنى وأنشأ كتبا قرئ بعضها في المسجد الجامع بهذا الخبر والشرح وكتب إلى أصحاب الأطراف وأعلمهم أنّ التدبير كان له وكلّ ذلك كذب فإنّا سمعنا من شرح الصورة ما اقتضاه الأمر من أوّله إلى آخره ما نعلم أنّه لم يكن من تدبير بشريّ.
ذكر السبب في قتل مرداويج وذكر ليلة الوقود المعروفة بالسذق
قال الأستاذ أبو عليّ أحمد بن محمّد مسكويه أدام الله نعمته: حدّثني الأستاذ الرئيس حقّا أبو الفضل ابن العميد رحمه الله أنّه لمّا حضرت ليلة الوقود التي تعرف بالسّذق كان تقدّم مرداويج قبل ذلك بمدّة طويلة أن تجمع له الأحطاب من الجبال والنواحي البعيدة وأن ينقل له في الوادي المعروف روذ وما قرب من الغياض والمحتطب. فكان يجمع ذلك من كلّ وجه وأمر بجمع النفط والنفّاطين والزرّاقات ومن يحسن معالجتها واللعب بها وتقدّم بإعداد الشموع العظام المجلّسة ولم يبق جبل مشرف على جرين إصبهان ولا تلّ ظاهر إلّا عبّئت عليه الأحطاب والشوك وعمل على مسافة بعيدة من مجلسه بحيث لا يمكن أن يتأذّى بالوقود كهيئة قصور عظيمة من الأجذاع وضبّبت بالحديد الكثير حتى تماسكت وحشيت بالشوك والقصب وصيدت له الغربان والحدأ وعلّق بمناقرها وأرجلها الجوز المحشوّ مشاقة ونفطا وعمل بمجلسه الخاصّ تماثيل من الشمع وأساطين عظام منه لم ير مثلها ليكون الوقود في ساعة واحدة على الجبال ورؤوس اليفاعات وفي الصحراء وفي المجلس على الطيور التي تطلق. ثم عمل له سماط عظيم في الصحراء التي يبرز إليها من داره وجمع فيه من الحيوانات والبقر والغنم ألوف كثيرة وزيّن واحتشد له بما لم تجر العادة بمثله فلمّا فرغ من جميع ذلك وضربت مضاربه قريبا من السماط وحضر الوقت الذي ينبغي أن يجلس فيه مع القوم للطعام ثم للشرب خرج من منزله وطاف على سماطه وعلى الآلات التي ذكرتها للوقود فاستحقرها كلّها واستصغر شأنها وذلك لأجل سعة الصحراء ولأنّ البصر إذا امتدّ في فضاء واسع ثم انقلب عنه إلى هذه الأشياء المصنوعة استحقرها وإن كانت عظيمة.
فاغتاظ وتداخله من النخوة والجبريّة ما سكت معه ولم يتكلّم بحرف ودخل إلى خركاه في خيمة عظيمة واضطجع ثم حوّل وجهه إلى خلاف الباب والتفّ بكسائه لئلّا يكلّمه أحد. واجتمع الأمراء والكبار والقوّاد وسائر الجند والنظّارة ولم يجسر على خطابه أحد ولا على تحريكه وأبطأ على الناس خروجه حتى فات الوقت.
وأخذ الناس في الإرجاف به فتحدّثوا سرّا وهمسا وخيفت الفتنة. فحينئذ مشى العميد حول الخركاه ودمدم بكلامه المقتضى للجواب فلم يتكلّم بحرف ولم يزل يدارى في الكلام ويدعو له إلى أن اضطرّه إلى الجلوس ثم دخل إليه فقال:
« أيّها الأمير ما هذا الكسل في وقت النشاط وحضور الأولياء وفرح الصديق وانخزال العدوّ؟ » فقال: « يا أبا عبد الله وأيّ نشاط يحضرني مع الاستخفاف والاستهانة وقصور الأمر؟ والله لقد افتضحت فضيحة لا يغسلها عني شيء أبدا. » قال [ العميد ]: ودهشت ساعة ثم قلت:
« أيّها الأمير وما ذلك؟ » فقال: « أما ترى نزارة ما أمرت به من الاستكثار منه وقلّته ووتاحته من الطعام والسماط ثم من جميع آلات الوقود والأشياء المتصلة بها. » فقلت: « والله أيّها الأمير لقد عمل من هذه الأشياء ما لم يسمع بمثله فضلا عن أن يرى، فقم إلى مجلس أنسك وعاود النظر. »
فأبى ولجّ إلى أن قلت:
« فإنّ الأعداء يرجفون بكيت وكيت، فاتقّ الله اركب وطف طوفة لتزول الأراجيف ثم اعمل ما بدا لك فإنّا سنعتذر عنك. » فزاده ما حكيته له من أراجيف الناس به غيظا وحنقا. ثم قام فركب كارها متحاملا وطاف مغضبا مغتاظا بقدر ما رآه الناس وانصرف إلى موضعه ولزم حالته الأولى وجمع الناس الذين دعوا على خبط فأبى أكثرهم وانصرف من كان حاضرا وقالوا:
« لا نأنس إلّا يأنس الأمير. » وبقي في معسكره ثلاثا لا يظهر ولا يرى إلّا أنّه يعلم أنّه حاصل في قصر أبي عليّ ابن رستم، فلمّا كان اليوم الثالث تقدّم بإسراج الدوابّ ليعود من جرين إلى داره وهي التي كانت لأبي عليّ ابن رستم بالمدينة ولها باب إلى الصحراء وباب إلى المدينة. فأسرج الغلمان واجتمعوا بالباب وذلك بعد الظهر فنعس نعسة
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 22 (0 من الأعضاء و 22 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)