ورد الخبر بدخول ينال كوسه في طاعة الأمير أبي الحسين أحمد بن بويه وأنّ الأمير قد تحرّك من الأهواز يريد الحضرة فاضطرب الأتراك والديلم ببغداد وأخرجوا مضاربهم إلى المصلّى وعسكروا هناك وأخرج أبو جعفر مضربه معهم.
ثم ورد الخبر بنزول الأمير أبي الحسين أحمد بن بويه باجسرى فزاد الاضطراب ببغداد واستتر ابن شيرزاد واستتر المستكفي بالله فكانت امارة ابن شيرزاد ثلاثة أشهر وعشرين يوما.
فلمّا وقف الأتراك على استتارهما عبروا إلى الجانب الغربي وساروا إلى الموصل فلمّا سار الأتراك ظهر المستكفي بالله وعاد إلى دار الخلافة.
وورد أبو محمد الحسن بن محمد المهلّبي صاحب الأمير أبي الحسين أحمد بن بويه ولقي ابن شيرزاد حيث هو مستتر وفاوضه ثم انحدر إلى دار السلطان ولقي المستكفي بالله فأظهر المستكفي بالله سرورا بموافاة الأمير أبي الحسين أحمد بن بويه وأعلمه أنّه إنّما استتر من الأتراك لينحلّ أمرهم فيحصل الأمر للأمير أحمد بن بويه بلا كلفة.
المستكفي يلقب الإخوان بمعز الدولة وعماد الدولة وركن الدولة
فلمّا كان يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة نزل الأمير أبو الحسين في معسكره بباب الشمّاسية ووصل إلى المستكفي بالله ووقف بين يديه طويلا وأخذت عليه البيعة للمستكفي بالله واستحلف له بأغلظ الأيمان وأدخل في اليمين الصيانة لأبي أحمد الشيرازي كاتبه، ولعلم قهرمانته، ولأبي عبد الله ابن أمّ موسى وللقاضي أبي السائب ولأبي العباس أحمد بن خاقان الحاجب ووقعت الشهادة على المستكفي بالله وعلى الأمير أبي الحسين.
فلمّا فرغ من اليمين سأل الأمير أبو الحسين المستكفي بالله في أمر ابن شيرزاد واستأذنه في أن يستكتبه فآمنه وأذن له في ذلك.
ثم لبس الأمير الخلع وكنّى ولقّب بمعز الدولة ولقّب أخوه أبو الحسن علي بن بويه بعماد الدولة وأخوه أبو على الحسن بن بويه بركن الدولة وأمر أن تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم وانصرف بالخلع إلى دار مونس.
ونزل الديلم والجيل والأتراك دور الناس فلحق الناس من ذلك شدة عظيمة وصار رسما عليهم إلى اليوم.
ذكر كتابة ابن شيرزاد لمعز الدولة أبي الحسين
ظهر أبو جعفر ابن شيرزاد من استتاره ولقي معزّ الدولة ودبّر أمر الخراج وجباية الأموال. وقبض الأمير أبو الحسين على أبي عبد الله الحسين بن علي بن مقلة وذلك لوصول رقعة له إليه يطلب فيها مكان ابن شيرزاد.
ذكر الخبر عن قبض معز الدولة على المستكفي بالله
كان السبب الظاهر أنّ علما قهرمانته دعت دعوة عظيمة حضرها جماعة من قواد الديلم فاتهمها الأمير معز الدولة أنها فعلت ذلك لتأخذ عليهم البيعة للمستكفي بالله وأن ينقضوا رياسة معز الدولة عليهم ويطيعوه دونه فساء ظنّه لذلك ولما رأى من جسارتها وإقدامها على قلب الدول.
ثم قبض المستكفي بالله على الشافعي رئيس الشيعة من باب الطاق فشفع فيه اصفهدوست فلم يشفّعه فأحفظه ذلك وذهب إلى معز الدولة وقال:
« راسلني الخليفة في أن ألقاه متنكرا في خفّ وإزار. » فنتج من ذلك وغيره مما لم يظهر خلعه من الخلافة.
فلمّا أن كان يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة انحدر الأمير معز الدولة إلى دار السلطان وانحدر الناس على رسمهم.
فلمّا جلس المستكفي بالله على سريره ووقف الناس على مراتبهم دخل أبو جعفر الصيمري وأبو جعفر ابن شيرزاد فوقفا في مرتبتهما ودخل الأمير معز الدولة فقبّل الأرض على رسمه ثم قبّل يد المستكفي بالله ووقف بين يديه يحدثه ثم جلس على كرسيّ وأذن لرسول كان ورد من خراسان ورسول ورد من أبي القاسم البريدي. فتقدّم نفسان من الديلم فمدّا أيديهما إلى المستكفي بالله وعلا صوتهما فارسية فظنّ أنهما يريدان تقبيل يده فمدّها إليهما فجذباه بها وطرحاه إلى الأرض ووضعا عمامته في عنقه وجرّاه.
فنهض حينئذ معز الدولة واضطرب الناس وارتفعت الزعقات وقبض الديلم على أبي أحمد الشيرازي وعلى ابن أبي موسى الهاشمي ودخلوا إلى دار الحرم فقبضوا على علم القهرمانة وابنتها وتبادر الناس إلى الباب من الروشن فجرى أمر عظيم من الضغط والنهب.
وساق الديلميان المستكفي بالله ماشيا إلى دار معز الدولة واعتقل فيها ونهبت دار السلطان حتى لم يبق فيها شيء وانقضت أيام خلافة المستكفي بالله.
وأحضر معز الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر بالله إلى دار الخلافة في يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وخوطب بالخلافة وبويع له ولقب المطيع لله.
خلافة المطيع لله ذكر خلافة المطيع لله وما جرى عليه من الأمور
وقام له ابن شيرزاد في تدبير الأمور والأعمال بمقام الوزراء من غير تسمية بوزارة واستخلف على كتابته على خاص أمره أبا الحسن طازاذ بن عيسى واستحجب المطيع لله أبا العباس ابن خاقان.
وأقام له الأمير معز الدولة لنفقته كل يوم ألفى درهم وكتب بخبر تقلده الخلافة إلى الآفاق.
وتمّ الصلح بين الأمير معزّ الدولة وبين أبي القاسم البريدي وتسلّم ابن البريدي واسطا وضمن البقايا بها بألف ألف وستمائة ألف درهم واستخلف بالحضرة أبا القاسم عيسى بن علي بن عيسى.
وطلب الأمير معز الدولة ابن شيرزاد برهينة لأنّه تبيّن منه تبليحا في أمر المال ولم يأمن أن يهرب واضطرب أبو جعفر وسأل الأمير أن يقرضه ما يمشى به أمره فدفع إليه عدة من مراكب ذهب وفضّة على أن يردّ مكانها.
فتسلّم أبو جعفر ذلك وسلّم أخاه أبا الحسن زكريا رهينة.
وكان وصف للأمير معز الدولة كفاية أبي الفرج ابن أبي هشام وشهامته فأوصله إلى حضرته وأنس به ولطف محلّه وردّ إليه أمر الضياع الخراب بالسواد وكلّفه عمارتها.
قال ثابت: وأخبرني أبو الفرج أنّه قال لمعزّ الدولة:
« لججت أيها الأمير في أمر أبي جعفر ابن شيرزاد في أن يكتب لك وراجعت الخليفة المستكفي بالله دفعات حتى أذن، فبأيّ سبب طننت أنّه لا مثيل له في الوقت في صناعته فإنّه ما كان صانعا أمر كتّاب الرسائل وأمر كتّاب الخراج وإنّما ولى ديوان النفقات مرّة وكتب لابن الخال وكان امرءا متوسطا وما عدّه كتاب الحضرة وأصحاب دواوينهم في الكفاة وأهل الصناعة. » قال، فقال:
« أنت صادق فإني ما سألت عنه أحدا فقال فيه إلّا مثل قولك ولمّا رأيت لحيته قلت: هذا بأن يكون قطّانا أولى منه أن يكون كاتبا. ولكن وجدته وقد تقلّد الإمارة ببغداد واستولى على الخلافة وصار لي نظيرا ولملوك الأطراف وتصوّره الرجال بصورة من يصلح أن يرؤسهم ومن يعقدون له على نفوسهم فأردت أن أحطّه من هذه الحال إلى أن أجعله كاتبا لغلام لي أو عاملا على بلد. » وكان الأمير معز الدولة قد أخرج موسى فياذه وينال كوسه في يوم الجمعة لتسع بقين من رجب إلى عكبرا مقدّمة له إلى الموصل. فلمّا سارا أوقع ينال كوسه وابن البارد بموسى فياذه وأخذوا سواده ومضوا إلى ناصر الدولة.
وفي يوم الاثنين لتسع خلون من شعبان استتر أبو جعفر ابن شيرزاد وأسلم أخاه أبا الحسن زكريا.
ابتداء الحرب بين ناصر الدولة وبين معز الدولة
ونزل ناصر الدولة ومعه الأتراك بسر من رأي لأربع بقين من شعبان وابتدأت الحرب بينه وبين أصحاب معز الدولة بعكبرا وسار معزّ الدولة يوم الخميس لأربع خلون من شهر رمضان ومعه الخليفة المطيع لله إلى عكبرا.
وظهر أبو جعفر ابن شيرزاد ومضى فتلقى أبا العطّاف جبير بن عبد الله بن حمدان أخا ناصر الدولة فإنّه وافى بغداد ونزل باب قطربّل فنزل معه أبو جعفر ابن شيرزاد ولؤلؤ وجماعة من العجم.
ولقيه أهل بغداد ودبّر الأمور أبو جعفر ابن شيرزاد من قبل ناصر الدولة والحرب متصلة بين معز الدولة وناصر الدولة بسرّ من رأى ونواحيها.
فلمّا كان يوم الأربعاء لعشر خلون من شهر رمضان وافى ناصر الدولة إلى بغداد فنزل في الجانب الغربي أسفل قطربّل بعد أن أحرق خزائن نفسه وأصحابه التي في الزواريق لظهور الديلم عليه وخلف أبا عبد الله الحسين بن حمدان في الحرب.
ثم عبر أصحاب معز الدولة الديلم من الجانب الشرقي من سرّ من رأى إلى الجانب الغربي من دجلة وساروا إلى تكريت ونهبوها ثم صار بهم إلى سرّ من رأى ونهبوها ثم عبر جميعهم مع معز الدولة إلى الجانب الغربي من دجلة والخليفة معهم وساروا منحدرين إلى بغداد وبإزائهم أبو عبد الله الحسين بن سعيد والأتراك في الجانب الشرقي.
فلمّا حصل معز الدولة في الجانب الغربي عبر ناصر الدولة إلى الشرقي ونزل في رقّة الشمّاسية واجتمع مع الأتراك وما خطب ناصر للمطيع لله ولا ذكر اسمه ولا كنيته في الخطب.
وفي يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان أوقع أبو عبد الله الحسين بن سعيد بعسكر معز الدولة في الماء فغرق منهم وملك آلات الماء التي كانت معهم.
ولمّا كان يوم الخميس لليلتين خلتا من شوّال وجّه ناصر الدولة بخمسين رجلا من الديلم الذين كانوا في جملته إلى الجانب الغربي من بغداد في جملة الجيش الذين عبر بهم لمحاربة معزّ الدولة.
فلمّا صاروا على الخندق الذي في قطيعة أم جعفر وخاطبوا الديلم الذين مع معزّ الدولة يريدون أن يعبروا الخندق ليستأمنوا إلى ناصر الدولة فأفرجوا لهم عن الخندق حتى عبروه وقلبوا تراسهم على جيش ناصر الدولة وحاربوه وأوقعوا به فانهزم أصحاب ناصر الدولة بأسرهم.
وحصل القرامطة من أصحاب ناصر الدولة وتكين الشيرزادى وغيره من قوّاده محدقين بعسكر معزّ الدولة في الجانب الغربي فلم يكن يقدر معز الدولة على تناول شيء من علف ولا غيره فلحق أهل الجانب الغربي غلاء شديد وعدموا الأقوات.
وكان أبو جعفر الصميرى لتشاغله بأمر الحرب قد ردّ خدمة معز الدولة والقيام بما يحتاج إليه هو وحاشيته وأسبابه إلى أبي على الحسن بن هارون.
فحدثني أبو على هذا أنّه اشترى للأمير معز الدولة كرّ دقيق حوّارى بعشرين ألف درهم.
وتعذّر على الناس العبور من الجانب الغربي إلى الشرقي ومن الشرقي إلى الغربي لمنع ناصر الدولة من ذلك ولحق الناس في السواد من الجانبين ضرر عظيم بتسلط الجند على غلّاتهم فإنّهم كانوا يحصدونها ويدرسونها ويحملونها إلى معسكرهم.
سعر الخبز في الجانبين
وكان السعر في الجانب الشرقي في خمسة أرطال خبز بدرهم لورود الزواريق من الموصل بالدقيق وبقي السعر في الجانب الغربي غاليا بعد إدراك الغلات لما ذكرنا فكان الرطل الواحد من الخبز بدرهم وربع إذا وجد وذلك لمنع ناصر الدولة ما يرد من الموصل أن يصل إلى الجانب الغربي ولأن أعرابه منتشرون في الجانب الغربي يحولون بين أصحاب معز الدولة وبين الغلّات.
وضرب ناصر الدولة دنانير ودراهم بسكة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة باسم المتقي لله وناصر الدولة وسيف الدولة.
واستعان ابن شيرزاد بالعامّة والعيّارين من بغداد على حرب معز الدولة والديلم وفرض قوما منهم وكان يركب كل يوم في الماء ومعه عدّة زبازب فيها أتراك فينحدر ويصعد في دجلة ويرمى من على الشطوط في الجانب الغربي من الديلم بالنشّاب.
وكان ناصر الدولة عبر بصافى التوزونى في ألف رجل لكبس معز الدولة وعسكره فلقيه اصفهدوست وأبو جعفر الصميرى فهزماه.
فكان جعفر بن ورقاء يقول وكان معهما:
« كنت أسمع أنّ رجلا واحدا يفي بألف رجل فلا أصدق حتى شاهدت اصفهدوست وحملته وهزيمته صافى وزمرته فصدقت بذلك. » وكان معز الدولة بنى زبازب في قطيعة أم جعفر وعددها نيف وخمسون فخرجت يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة إلى دجلة وكان غلمان معز الدولة يحاربون فيها من في زبازب ناصر الدولة من أصحابه وذكر أبو جعفر الصيمري أنّ الجهد كان قد بلغ منهم والحيل قد أعيتهم وضاق بهم الأمر حتى عزم معز الدولة على الرحيل إلى الأهواز وحمل أثقاله وقال:
« ترون في طريقنا العبور فإن أمكننا حيلة فيه وإلّا جعلنا وجهنا إلى الأهواز. » وتهيّأ أن عبر الصيمري واصفهدوست... تسعة نفر في سحر يوم السبت انسلاخ ذي الحجة إلى الجزيرة التي بازاء المخرّم وأرادوا العبور منها إلى الجانب الشرقي فعارضهم ينال كوسه معارضة يسيرة وتهيّأ لهم العبور وتبعهم أصحابهم فعبروا.
ذكر الحيلة التي تم بها عبورهم
كان معز الدولة رتّب هذه المعابر في الصراة ثم حدرها في الليل على شاطئ دجلة إلى موضع التمارين لأنّه أضيق موضع في دجلة ووافق وزيره الصيمري واصفهدوست وخواص ديلمه على العبور وأظهر هو أنّه يعبر من أعلى قطربّل. فمضى بالليل في وقت موافقتهم وضرب البوقات وسار بالمشاعل وحمل بعض تلك المعابر بالأوهاق على الظهر. فلمّا رأى أعداءه ذلك سار أكثرهم بإزائه لممانعته فتمكن الصيمري ومن معه من العبور وكان الصيمري أوّل من بذل نفسه لأنّ أصحابه تهيّبوا العبور فلمّا سبقهم أنفوا وتبعوه.
ثم عاد معز الدولة إلى هذا الموضع وقد أحسّ القوم بحيلته فتكاثروا بالزبازب ومنعوهم من العبور وغرّقوا ركوتين واشتدّت الحرب وانهزم الأتراك.
وكان ينال كوسه قد شرب ليلته ولمّا حصل جماعة من الديلم في الجانب الشرقي زعقوا بينال كوسه فانهزم ومضى أصحابه إلى باب الشماسيّة. واضطرب عسكر ناصر الدولة فوجّه ابن شيرزاد إلى ناصر الدولة: أنّ الصواب أن تركب لتلقى من عبر من الديلم.
فرد عليه في الجواب، أنّ العادة قد جرت بأنّى إذا ركبت انهزم الناس.
وأنّ الصواب أن يركب هو. فركب أبو جعفر ورأى الناس قد ركب بعضهم بعضا وليس يلوى أحد على أحد ولا يقف فانهزم هو أيضا معهم وانهزم ناصر الدولة وملك الديلم الجانب الشرقي وأحرقوا ونهبوا وقتل من العامّة جماعة ومات منهم عدد كثير من رجال ونساء وصبيان لأنّ الخوف حملهم على الهرب لما كانوا قدّموه إلى الديلم من الشتم والحرب في أيام الفتنة فخرجوا حفاة في الحرّ الشديد ومشوا إلى عكبرا فماتوا في الطريق.
وجرى معز الدولة على عادته في الرأفة فأمر برفع السيف والكف عن النهب وأمن الناس وملك الجانبين.
ولما منعهم معز الدولة ونادى بالكفّ لم ينتهوا ولا كانت له قدرة على منعهم حتى ركب الصيمري فقتل جماعة وصلب بعض غلمان الديلم وواصل الطوف والحماية بنفسه حتى أمكنه تسكين الجند وحزر ما انتهب فكان مقداره عشرة آلاف ألف دينار وذاك ان القصد وقع على مواضع التجار وحيث الأموال والأمتعة.
ومضى ناصر الدولة وابن شيرزاد والأتراك التوزونيّة مصعدين إلى عكبرا فلمّا استقروا بها راسل ناصر الدولة الأمير معز الدولة يلتمس الصلح في آخر المحرّم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
وكان ناصر الدولة فعل ذلك بغير علم الأتراك فلمّا وقفوا على ذلك أرادوا الوثوب به وهمّوا به فرقى إليه الخبر وصحّ عنده ما عزموا عليه، فهرب منهم ومضى مغذّا مسرعا نحو الموصل وتركهم.
وكتب معز الدولة بالفتح عن المطيع لله كتابا نفذ إلى الأمير عماد الدولة وإلى سائر الأطراف.
حيلة غريبة ينبغي أن يحترز من مثلها
ومن أطرف الأمور وأعجبها أنّ رجلا قصد مضرب ناصر الدولة وهو بباب الشمّاسية بإزاء معسكر معز الدولة فدخله بالليل ودخل خيمته وهو نائم فيها ولم يشعر به الحرّاس ولا الحجّاب ولا البوّابون ولا الخدم ومضى حتى عرف موضعه وشاهده وهو نائم وعرف موضع رأسه من المخدّة ورجع ليطفئ السراج وشمعة كانت بقربه خارج الخيمة فيعود فيضع السكين في موضع حلقه.
فاتّفق أن انقلب ناصر الدولة في نومه ولمّا رجع الرجل لإطفاء الشمعة من جنب إلى جنب. فأطفأ الرجل الشمعة وعاد وقد أظلم الموضع فوضع سكّينه في الموضع الذي كان فيه تقديره وما شكّ أنّ السكين يقع في حلقه فبقى السكين مغرّزا في المخدّة مكان رأس ناصر الدولة وعند الرجل أنّه قد قتله، وخرج من المضرب ولم يعلم به أحد وانتبه ناصر الدولة ورأى السكين وطلب الرجل فلم يلحق وشاع الخبر فصار الناس إلى ناصر الدولة للتهنئة بالسلامة.
ومضى الرجل إلى معز الدولة ليبشّره بأنّه قد قتله واستشرحه ما عمل فشرحه له فقال معز الدولة:
« مثل هذا لا يؤمن. » وسلّمه إلى الصيمري ليحبسه فقتله الصيمري.
الغلاء جعل الناس سباعا
وفي هذه السنة أفرط الغلاء حتى عدم الناس الخبز البتة وأكل الناس الموتى والحشيش والميتة والجيف وكانت الدابة إذا راثت اجتمع على الروث جماعة ففتّشوه ولقطوا ما يجدون فيه من شعير وأكلوه وكان يؤخذ بزر قطونا ويضرب بالماء ويبسط على طابق حديد ويجعل على النار حتى يقبّ ويؤكل ولحق الناس من ذلك في أحشائهم أورام ومات أكثرهم ومن بقي كان في صورة الموتى.
وكان الرجل والمرأة والصبيّ يقف على ظهر الطريق وهو تالف ضرّا فيصيح الجوع الجوع إلى أن يسقط ويموت. وكان الإنسان إذا وجد اليسير من الخبز ستره تحت ثيابه وإلّا استلب منه، ولكثرة الموتى وأنّه لم يكن يلحق دفنهم كانت الكلاب تأكل لحومهم. وخرج الضعفى إلى البصرة خروجا مفرطا متتابعين لأكل التمر فتلف أكثرهم في الطريق ومن وصل منهم مات بعد مديدة.
ووجدت امرأة هاشمية قد سرقت صبيا فشوته وهو حيّ في تنوّر فأكلت بعضه وظفر بها وهي تأكل البعض الباقي فضربت عنقها. وكانت الدور والعقارات تباع برغفان ويأخذ الدلال بحق دلالته بعض ذلك الخبز. ووجدت امرأة أخرى تقتل الصبيان وتأكلهم ثم فشا ذلك فقتلت عدّة منهنّ.
ولمّا زالت الفتنة ودخلت الغلات الجديدة انحلّ السعر.
توالى الناظرين في أعمال الخراج
ولما استتر ابن شيرزاد نظر أبو جعفر فيما كان ينظر فيه ابن شيرزاد ثم قلد الأمير معز الدولة والصيمري الحسن بن علي بن مقلة ما كان أبو جعفر ينظر فيه من أعمال الخراج وجباية الأموال.
شغب الديلم على معز الدولة
وفي هذه السنة شغب الديلم على معز الدولة شغبا قبيحا وكاشفوه بالإسماع وخرقوا عليه بالسفه الكثير فضمن إطلاق أموالهم في مدة ضربها لهم فاضطرّ إلى خبط الناس واستخراج الأموال من غير وجوهها.
فاقطع قوّاده وخوّاصه واتراكه ضباع السلطان وضياع المستترين وضياع ابن شيرزاد وحق بيت المال في ضياع الرعية وصار أكثر السواد مغلقا وزالت أيدى العمّال عنه وبقي اليسير منه من المحلول فضمّن واستغنى عن أكثر الدواوين فبطلت وبطلت أزمّتها وجمعت الأعمال كلّها في ديوان واحد.
ذكر ما انتهى إليه هذا التدبير من سوء العاقبة وخراب البلاد وفساد العساكر وسوء النظام
إنّ التدبير إذا بنى على أصول خارجة عن الصواب وإن خفى في الابتداء ظهر على طول الزمان. ومثل ذلك مثل من ينحرف عن جادّة الطريق انحرافا يسيرا ولا يظهر انحرافه في المبدأ حتى إذا طال به المسير بعد عن السمت وكلّما ازداد إمعانا في السير زاد بعده عن الجادة وظهر خطاؤه وتفاوت أمره.
فمن ذلك أنّه أقطع أكثر أعمال السواد على حال خرابه ونقصان ارتفاعه وقبل عودته إلى عمارته. ثم سامح الوزراء المقطعين وقبلوا منهم الرشى وأخذوا المصانعات في البعض وقبلوا الشفاعات في البعض فحصلت الإقطاعات لهم بعبر متفاوتة.
فلمّا أتت السنون وعمرت النواحي وزاد الارتفاع في بعضها بزيادة الغلّات ونقص في بعضها بانحطاط الأسعار - وذلك أنّ الوقت الذي أقطع فيه الجند الإقطاعات كان السعر مفرط الغلاء للقحط الذي ذكرناه - فتمسّك الرابحون بما حصل في أيديهم من إقطاعاتهم ولم يمكن الاستقصاء عليهم في العبرة.
وردّ الخاسرون إقطاعاتهم فعوّضوا عنها وتمّمت لهم نقائصها واتّسع الخرق حتى صار الرسم جاريا بأن يخرب الجند إقطاعاتهم ثم يردّوها ويعتاضوا عنها من حيث يختارون ويتوصلون إلى حصول الفضل والفوز بالربح.
وقلّدت الإقطاعات المرتجعة من كان غرضه تناول ما يجده فيها ورفع الحساب ببعضه وترك الشروع في عمارتها ثم صار المقطعون يعودون إلى تلك الإقطاعات وقد اختلط بعضها ببعض فيستقطعونها بالموجود بعد تناهيها في الاضمحلال والانحطاط.
وكانت الأصول تذوب على ممر السنين ودرست العبر القديمة وفسدت المشارب وبطلت المصالح وأتت الجوائح على التنّاء ورقّت أحوالهم فمن بين هارب جال وبين مظلوم صابر لا ينصف وبين مستريح إلى تسليم ضيعته إلى المقطع ليأمن شرّه وبوائقه.
فبطلت العمارات وأغلقت الدواوين وأمحى أثر الكتابة والعمالة ومات من كان يحسنها ونشأ قوم لا يعرفونها ومتى تولّى أحدهم شيئا منها كان فيه دخيلا متجلّفا. واقتصر المقطعون على تدبير نواحيهم بغلمانهم ووكلائهم فلا يضبطون ما يجرى على أيديهم ولا يهتدون إلى وجه تثمير ومصلحة ويقطعون أموالهم بضروب الإفساد واعتاض أصحابهم مما يذهب من أموالهم بمصادراتهم وبالحيف على معامليهم.
وأنصرف عمّال المصالح عنها لخروج الأعمال عن يد السلطان ووقع الاقتصار في عملها على أن يقدّر ما يحتاج إليه لها ويقسّط على المقطعين تقسيطات يتقاعدون بها وبأدائها وإن أدّوها وقعت الخيانة فيها فلم تنصرف إلى وجوهها.
وقلّ حفل الناظرين بالحوادث تعويلا على أخذ ما صفا وترك ما كدر والرجوع على السلطان بالمطالبة وردّ ما تخرب على أيديهم من الإقطاعات وفوّض تدبير كل ناحية إلى بعض الوجوه من خواص الديلم فاتخذه مسكنا وطعمة والتحف عليهم المتصرفون الخونة وصار غرض أحدهم الترجية والتمشية والدفع من سنة إلى سنة.
وعقدت النواحي الخارجة من الاقطاعات على طبقتين من الناس إحداهما أكابر القواد والجند والأخرى أصحاب الدراريع والمتصرفون فأمّا القوّاد فإنّهم حرصوا على جمع الأموال وحيازة الأرباح ودعوى المظالم والتماس الحطائط فان استقصى عليهم صاروا أعداءهم.
ولمّا كثرت أموالهم وانفتقت بهم الفتوق خرج منهم الخوارج وإن سومحوا استشرى طمعهم ولم يقفوا منه عند غاية.
وأمّا أصحاب الدراريع فكانوا أهدى من الجندي إلى تغريم السلطان والحيلة عليه في كسب الأموال ونظر بعضهم إلى بعض فيما تجرى عليه معاملاتهم وبذلوا المرافق واعتصموا بالوسائل ووجب أن يجمع الناس حكم واحد.
وتوالت السنون عليهم فتفردوا بنواحيهم وخلوا بمعامليهم فمن مستضعف يصادر ويغيّر رسمه وتنقص معاملته على قدر حاله وماله ومن مانع جانبه فيخفّف عنه الرسوم ويرتفق على ذلك منه بالأموال ويتخذه الضامن عضدا في شدائده وعند مناظرة سلطانه ويصطلم المستضعفين.
فبطل أن ترفع إلى الدواوين جماعة أو تعمل لعامل مؤامرة أو يسمع لأحد ظلامة أو يقبل من كاتب نصيحة واقتصر في محاسبة الضمناء على ذكر أصول العقد وما صح منه وبقي من غير تفتيش عما عوملت به الرعية وأجريت عليه أحوالها من جور أو نصفة من غير إشراف على احتراس من الخراب أو خراب يعاد إلى العمارة وجبايات تحدث على غير رسم ومصادرات ترفع على محض الظلم وإضافات إلى الارتفاع ليست بعبرة وحسبانات في النفقات لا حقيقة لشيء منها ومتى تكلم كاتب من الكتاب في شيء من ذلك فكان ذا حال ضمن ونكب واجتيح وقتل وباعه السلطان بالتطفيف. وإن كان ذا فاقة وخلّة أرضى باليسير فانقلب وصار عونا للخصم ولم يكن في ذلك بملوم لانّ سلطانه لا يحميه إذا خاف ولا ينصره إذا قال.
فهذه جملة الحال في ضياع الدخل فأمّا الخروج فإنّ النفقات تضاعفت وسوق الدواوين أزيلت والأزمّة بطلت إلى غير ذلك من أمور يتّسع فيها القول ويقتضى بعضها سياقة بعض فاقتصرنا على الإشارة دون التطويل.
معز الدولة يركب الهوى في أمور الغلمان
ثم ركب معز الدولة الهوى في أمور غلمانه فتوسّع في إقطاعاتهم وزياداتهم وأسرف في تمويلهم وتخويلهم فتعذّر عليه أن يذخر ذخيرة لنوائبه أو أن يستفضل شيئا من ارتفاع ولم تزل مؤونته تزيد ومواده تنقص حتى حصل عليه عجز لم يكن واقفا على حدّ منه بل يتضاعف تضاعفا متفاقما وأدى ذلك على مرّ السنين إلى الإخلال بالديلم فيما يستحقون من أموالهم وداخلتهم المنافسة للأتراك من أجل حسن أحوالهم.
وقادت الضرورة إلى ارتباط الأتراك وزيادة تقريبهم والاستظهار بهم على الديلم وبحسب انصراف العناية إلى هؤلاء ووقوع التقصير في أمور أولئك فسدت النيّات وفسد الفريقان أما الأتراك فبالطمع والضراوة وأمّا الديلم فبالضرّ والمسكنة واشرأبّوا إلى الفتن وصارت هذه المعاملة لقاحا لها وسببا لوقوع ما وقع فيها مما سنذكر جملا منه في مواضعها بمشيئة الله.
نوح بن نصر يقبض على إخوة ابن محتاج ويقتل بعضهم
وفي هذه السنة سملت علم القهرمانة وقطع بعد ذلك لسانها.
وفيها ورد الخبر بأنّ نوحا صاحب خراسان قبض على إخوة أبي على ابن محتاج وقتل بعضهم.
ذكر السبب في ذلك
لما انهزم ابن محتاج من بين يدي ركن الدولة بعد أن كان ضمن لصاحب خراسان فتح الري أمدّه صاحبه بابن ملك وجماعة من نظرائه وقوّاده وبالغ في تقويته فسار في عدّة وعدّة وافرة.
فكاتب ركن الدولة عماد الدولة وسأله المدد فأمره أن يخلى لهم الطريق ويصير إليه وأعلمه أنّ له تدبيرا في ذلك ففعل ركن الدولة ذلك ودخل الخراسانية الري.
فراسل عماد الدولة صاحب خراسان سرّا يعرّفه قلة جدوى الرّى عليه مع ما يلتزمه من النفقات على العساكر العظيمة وأنّ الاستيحاش بينهما زائد مع ذلك ويسأله أن يزيل هذه الوحشة بأن يضمنه أعمال الريّ عشر سنين بمثل ما تقرّر عليه بينه وبين ابن محتاج وزيادة مائة ألف دينار في كلّ سنة على أن يسلفه مال سنة. وسأله إنفاذ ثقة من ثقاته ليوقع العهد معه ويحمل المال على يده وأنّه يعاونه بعد ذلك على ابن محتاج حتى يظفر به.
فوردت هذه الرسالة على نوح بن نصر ونيّته فاسدة لابن محتاج وتطلعت نفسه إلى تحصيل المال فشاور ثقاته وكلهم أضداد وأعداء لابن محتاج فأشاروا عليه بقبول ما بذله عماد الدولة فأظهر حينئذ ما كان في نفسه وقبض على إخوة أبي عليّ ابن محتاج وأهله وأسبابه وقتل بعضهم.
وأنفذ إلى عماد الدولة عليّ بن موسى المعروف بالزرّاد وكان من قوّاده وأكابر حاشيته فسار على الجمازات واستقبله عماد الدولة وأكرمه وواصل إليه العطايا والتحف وماطله فيما ورد له.
وراسل أبا عليّ ابن محتاج يعلمه خبر هذا الرسول ويطلعه على ما ورد له وقرر في نفسه أنّه على عهده محافظ على وده وحذره من غدر نوح وخوفه منه فحينئذ أنفذ ابن محتاج رسوله إلى إبراهيم بن أحمد وهو عمّ نوح وكان إذ ذاك بالموصل أحد قوّاد ناصر الدولة فعرّفه أنّه قد عقد له الرياسة وأخذ له البيعة على أصحابه على أن يكون إليه خراسان ويمضى معه فيحاربان نوحا ويؤكد عليه أن يعجل إليه.
فرغب إبراهيم بن أحمد في ذلك واستأذن ناصر الدولة في المضي فقال له:
« نحن على المصير إلى بغداد فانتظر حتى ندخلها فإذا دخلناها قلّدك الخليفة وخلع عليك من داره وعقد لك لواء فيكون أعزّ لك وأقوى لأمرك. » وكان هذا في آخر أيام المستكفي بالله فعمل إبراهيم بن أحمد على ذلك فلمّا طالت المدة وحدث على المستكفي بالله الحادثة وانحدر ناصر الدولة إلى بغداد تتابعت رسل أبي على ابن محتاج إلى إبراهيم فعبر تكريت في سبعين غلاما ومضى إلى دقوقا ومنها إلى طريق خراسان.
ثم وردت كتبه من الريّ على ناصر الدولة بأنّه سائر إلى نيسابور لمحاربة ابن أخيه نوح فأنفذ إليه ناصر الدولة خلعا سلطانية ولواء عقده له عن الخليفة المطيع لله وحمل إليه ذلك مع خجخج المسمول فتطير الناس له من ذلك وقالوا أنّه لا يتمّ أمره.
ولمّا بلغ أبا على مسير إبراهيم تلقاه الى همذان وعاهده على السمع والطاعة والنصيحة وعاد معه إلى الريّ ثم نهضا جميعا إلى خراسان وكتب كتابا إلى ركن الدولة بانّه سائر إلى خراسان وأنّه قد أفرج له عن الريّ فكتب عماد الدولة إلى أخيه ركن الدولة بالمسير إليها فبادر إلى ذلك واضطرب خراسان على نوح بن نصر.
ذكر ما تم من الحيلة لعماد الدولة في تلك الحال
لمّا فرغ عماد الدولة من التضريب بين ابن محتاج وبين صاحبه وتمّت المكاشفة بالعداوة بينهما بادر بردّ الزراد رسول صاحب خراسان على نوح برسالة يقول فيها: إنّه قد ظهر ما كان ينذره به من سوء نية ابن محتاج وسعيه عليه وأنّه لمّا كاشفه بالحرب مع عمه إبراهيم أنفذ أخاه ركن الدولة إلى عسكره حتى إذا سارت جيوش نوح بن نصر إلى عمّه وإلى ابن محتاج واحتاج إلى أن يسير ركن الدولة من ورائهم معاونا له عليهما فعل ذلك.
وأقبل نوح إلى نيسابور في عساكره وجميع من معه من أصحاب جيوشه ورجاله فبرز له إبراهيم وابن محتاج فحارباه وكسراه وأسرا إبراهيم بن سمجور ومنصور بن قراتكين وعددا كثيرا من قوّاده واستأمن أكثر جيشه وانصرف نوح مفلولا على حال سيّئة من الضعف والحيرة واتبعه إبراهيم وابن محتاج وحملا معهما إبراهيم بن سمجور ومنصور بن قراتكين أسيرين واستمرّت بنوح الهزيمة إلى سمرقند فدخل إبراهيم بن أحمد بخارى واشتمل على الخزائن والذخائر وذلك في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
وكتب ابن محتاج إلى عماد الدولة يبشّره بما جرى ويسأله تجديد أمر السلطان لإبراهيم ابن أحمد بالخلع والعقد له على خراسان.
ذكر ما انتهى إليه أمر إبراهيم وابن محتاج مع نوح بن نصر وما اتّفق من الأسباب التي أعادت نوحا إلى سريره ومقرّ عزّه بخراسان
كان سبب ذلك أنّ إبراهيم أصغى إلى قوم حساد لأبي عليّ ابن محتاج فكانوا يوهمونه أنّ أبا عليّ إنّما استعان به ليجتمع له جيوش خراسان فإذا فرغ من نوح عطف عليه فعامله بمثل ما عامل به نوحا وأنّ الصواب له أن يحترز منه.
فوقر ذلك في نفس إبراهيم وأطلق ابن سمجور وابن قراتكين وخلع عليهما من غير رأى أبي عليّ ابن محتاج فاستوحش ابن محتاج وانقبض عن إبراهيم وتمكن ابن سمجور وابن قراتكين من استمالة الجند وكاتبا نوحا وتردّدت الرسل بينهم سرّا.
ثم إنّ نوحا سار إلى ثغور خراسان فجمع منها جيشا واستخرج أموالا وعاد إلى بخارى فملكها وقهر عمّه وحصل أسيرا في يده فسمله وسمل جماعة من أهل بيته.
ذكر الحيل التي تمت لنوح على عمه حتى تمكن منه ومن عسكره
كان إبراهيم وابن محتاج خرجا إلى ظاهر بخارى وعسكرا بموضع يقال له: ريكستان، فبينما هم نزول إذ صاح صائح في الميدان الذي بحذاء دار الامارة ببخارى:
« نوح يا منصور. » واجتمع إليه طائفة من الحشم.
ثم إنّ نوحا زحف إلى عمّه إبراهيم وكان يدبّر أمره ابن أبي داود البلخي فاحتال على تقوية قلوب أصحابه بأن أعلمهم أنّ مددا كثيرا قد أقبل إليهم وهم يلحقون في الليل وكانت الحرب قد وقعت في ذلك اليوم فكانت على نوح.
فلمّا كان في الليل أنفذ طائفة من عسكره مع مراكبهم وأمرهم بالإبعاد، فإذا كان في الثلث الآخر من الليل ضربوا بطبولهم وبوقاتهم ودبادبهم ودخلوا العسكر في صورة المدد، ففعلوا ذلك فلم يزالوا إلى الصبح يدخلون العسكر على هذه الصورة.
فلمّا أصبحوا وتصافّوا للحرب استأمن الديلم الذين كانوا مع إبراهيم وانهزم قوم من أصحابه وانهزم أبو عليّ ابن محتاج وظفر نوح بإبراهيم وعامله بما ذكرت.
وفي هذه السنة مات أبو بكر محمد بن طغج الأخشيد وتقلّد مكانه ابنه أبو القاسم بوجور وغلب كافور الخادم الأسود وكان خادم الأخشيد على الأمر.
وفيها مات علي بن عيسى عن تسعين سنة.
ودخلت سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
ذكر توثق معز الدولة من المطيع لله
لما اجتمع لمعز الدولة أمر بغداد في هذه السنة زاد في التوثّق من أمير المؤمنين المطيع لله، فاستحلفه بيمين عظيمة ألّا يتغيّب عن معز الدولة ولا يبغيه سوءا ولا يمالئ له عدوّا. فلمّا حلف أزال عنه التوكيل وعاد إلى دار الخلافة.
واعتزل أبو على الحسن بن هارون النظر في الأمور لتحامل الصيمري عليه ومصادرة كاتبه فردّ النظر في الأعمال إلى أبي الحسين علي بن محمد بن مقلة من قبل أبي جعفر الصيمري ورعى له معز الدولة مكاتبته له أيام مقامه في الجانب الغربي. فلمّا عبر معز الدولة ولقيه لزمه ثم ردّ في هذا الوقت إليه النظر في الأمور وقلّد كتبة الخليفة أبو أحمد الفضل ابن عبد الرحمن الشيرازي وسلّمت إليه ضياع الخدمة ارتفاع مائتي ألف دينار في السنة.
خبر دخول ركن الدولة الري وملكه الجبل بأسره
وفيها ورد الخبر في المحرّم بدخول الأمير ركن الدولة الريّ وأنّه ملك الجبل بأسره.
التماس ناصر الدولة الصلح من معز الدولة
وفيها ورد أبو بكر ابن قرابة من عكبرا برسالة ناصر الدولة يلتمس فيها من معز الدولة الصلح وقد كان تردّد قبل هذه الوقعة مرات فتقرّر أمر الصلح على أن يكون في يد ناصر الدولة من حد تكريت إلى فوق ويضاف إلى أعماله مصر والشام على أن لا يحمل عن الموصل وديار ربيعة شيئا ممّا كان يحمله من المال ويكون الذي يحمله عن مصر والشام ما كان يحمله الأخشيد محمّد بن طغج عنهما وعلى أن يدرّ ناصر الدولة الميرة إلى بغداد ولا تؤخذ لها ضريبة، وحلف معز الدولة بحضرة الخليفة والقضاة على ذلك والوفاء به.
وأنفذ القضاة مع ابن قرابة إلى معز الدولة لالتماس الصلح بغير موافقة منه للأتراك ولا علم منهم فلمّا علموا بذلك وظهر أمر الصلح اجتمع الأتراك للإيقاع به وأحسّ ناصر الدولة بذلك فخرج بالليل وعبر إلى خيمة ملهم.
وكان ملهم والقرامطة في الجانب الغربي والأتراك وناصر الدولة في الجانب الشرقي واستجاره فأجاره وسيّره في الجانب الغربي ومعه ابن شيرزاد وبقي الأتراك في الجانب الشرقي.
فلمّا فاتهم ناصر الدولة اجتمعوا على تأمير تكين الشيرزاذى وقبضوا على أبي بكر ابن قرابة بعد أن نزل به مكروه عظيم وقبضوا على كتّاب ناصر الدولة وأسبابه وساروا يطلبونه واستأمن ينال كوسه ولؤلؤ إلى معز الدولة وأسرع ناصر الدولة في سيره فلم يلحقه الأتراك.
ولما صار إلى مرج جهينة قبض على ابن شيرزاد وسلّمه وعلى طازاذ وعلى أبي سعيد ووهب بن إبراهيم وجوهر خادم ابن شيرزاد وأنفذ جماعتهم إلى القلعة.
ولم يتلبّث ناصر الدولة ومضى إلى نصيبين ورحل تكين الشيرزاذى والأتراك إلى الموصل وغلبوا عليها ثم ساروا في طلبه فمضى إلى سنجار فتبعوه وكتب إلى معز الدولة يستصرخه فأنفذ إليه معزّ الدولة جماعة من قوّاده ثم أنفذ إصفهدوست بعدهم ثم أخرج الصيمري.
ولمّا سار تكين الشيرزادى إلى سنجار في طلب ناصر الدولة سار من سنجار إلى الحديثة فتبعه تكين إلى الحديثة فلمّا قرب منه سار ناصر الدولة إلى السن وهناك لحق به جيش معز الدولة وأبو جعفر الصيمري وإصفهدوست فساروا بأسرهم إلى الحديثة للقاء تكين الشيرزادى.
ووقعت الوقعة بالحديثة وكانت شديدة فانهزم تكين وتقطع أصحابه واستؤسر منهم وجوه القوّاد وجماعة من الأصاغر وقتل منهم خلق بعد أن كان استعلى واستظهر في الحرب.
ذكر السبب في هزيمة تكين والظفر به بعد استعلائه
كانت العرب على كثرة عددهم في عسكر الصيمري ينقضون صفوف الديلم ولا يصدقون اللقاء فقال لهم الصيمري:
« اعتزلوا عنّا ولا تدخلوا بيننا وانظروا فإن انهزم واحد منهم فاتبعوه وإن ثبت فدعونا وإيّاه ما دام ثابتا واعلموا أنّكم إذا قربتم منّا واختلطتم بمصافنا بدأنا بكم قبل أعدائنا ».
ففعلوا واعتزلوا وصبر الفريقان وحمل الأتراك حملات شديدة ثبت لها الديلم ثم وثبوا في وجوه الأتراك فلمّا ولّوا حمل عليهم العرب ووضعوا الرماح بين ظهورهم ونكّسوهم فأكثروا القتل والأسر.
ثم استأسر جنود تكين الشيرزادى فتقرّبوا به إلى ناصر الدولة فسمله للوقت وأنفذه إلى قلعة من قلاعه وسار ناصر الدولة وأبو جعفر إلى الموصل فنزل الصيمري في الجانب الشرقي بإزاء الموصل ودخل إليه ناصر الدولة وحصل عنده في خيمته وخرج من عنده وعبر إلى الموصل ولم يعد إليه بعدها.
فحكى عن ناصر الدولة أنّه قال:
« لمّا حصلت مع أبي جعفر الصيمري في خيمته ندمت وعلمت أنّى قد أخطأت وغررت فبادرت إلى الانصراف. » وحكى عن الصيمري أنّه قال:
« لمّا خرج من عندي ناصر الدولة ندمت على تركي القبض عليه وعلمت أنّى قد ضيّعت الحزم وأخطأت بعد أن فاتنى الصواب. » ثم تسلّم أبو جعفر الصيمري طازاذ ووهبا وجوهرا وألف كرّ حنطة وشعيرا وانحدر بهم إلى بغداد مع ابن لناصر الدولة رهينة يقال له هبة الله وأدخل ابن شيرزاد بعده بيوم إلى بغداد موكّلا به وصادره معزّ الدولة على خمسمائة ألف درهم ثم حمل ناصر الدولة تكين الشيرزادى مسمولا إلى معزّ الدولة فأحسن إليه معزّ الدولة وأطلقه وأقطعه إقطاعا.
حوادث أخر
وفيها خرج لشكرورز بن سهلان في جيش إلى الأهواز ومعه عامل خراج وظهرت الوحشة بين الأمير معز الدولة وبين أبي القاسم البريدي.
وقبض معزّ الدولة على ينال كوسه وكان استحجبه وعلى أرسلان كور وعلى فتح اللشكري وحملهم إلى قلعة رامهرمز.
وفي يوم الأحد لثمان خلون من شوّال ضرب الصيمري ابن شيرزاد بحضرته بالمقارع وطالبه بمال المصادرة وأنحدر الصيمري إلى الأهواز.
وفيها جرت وقعة بين أصحاب البريدي وبين أصحاب معزّ الدولة فكانت على البريدي وأسر منهم نحو مائتي رجل من وجوه الديلم.
ودخلت سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة
المطيع ومعز الدولة ينتزعان البصرة من يد البريدي
وفيها سار المطيع لله والأمير معز الدولة إلى البصرة وانتزعاها من يد أبي القاسم البريدي فسارا من واسط في البريّة على الطفوف فلمّا صاروا في البريّة ورد على الأمير معزّ الدولة رسول الهجريين القرامطة من هجر بكتاب منهم إليه بالإنكار عليه في سلوك البريّة من غير أمرهم إذ كانت لهم. فلم يجب عن الكتاب وقال للرسول:
« قل لهم: ومن أنتم حتى تستأذنوا في سلوك البريّة وكأنّى أنا أقصد البصرة إنّما قصدي بلدكم وإليكم بعد فتحى إيّاها وستعرفون خبركم ».
وكلام في هذا المعنى فانصرف الرسول.
وانحدر أبو جعفر الصيمري وموسى فياذه في الماء فملك مسماران ودخل دار البريدي بها بعد حرب يسيرة ووصل الخليفة والأمير معزّ الدولة إلى الدرهمية فاستأمن إليه جيش البريدي بأسره وهرب أبو القاسم البريدي إلى هجر وملك معزّ الدولة البصرة فأنحلت الأسعار كلّها ببغداد انحلالا شديدا.
وقبض معزّ الدولة على جميع قوّاد البريدي بالبصرة واستخرج أمواله وودائعه وقبض خزائنه وأحرق كل ما وجد له من آلات الماء من الشذاآت والطيارات والزبازب واستدعى لؤلؤا من بغداد فقلّده أعمال البصرة والحرب.
معز الدولة يصل إلى الأهواز ليلقى أخاه عماد الدولة
ووصل معزّ الدولة من البصرة إلى الأهواز ليلقى أخاه عماد الدولة وتأخّر الخليفة والصيمري بالبصرة.
وتأخرّ كوركير عن صحبة معزّ الدولة من غير موافقة وقيل: إنّه في التدبير عليه، وعقد الرياسة لنفسه فوجّه إليه بأبي جعفر الصيمري فامتنع عليه وحاربه في داره فظفر به أبو جعفر وقبض عليه وصار به إلى معزّ الدولة فأنفذه إلى القلعة برامهرمز.
ولقي معزّ الدولة أخاه عماد الدولة فقبل الأرض بين يديه واجتهد به عماد الدولة أن يجلس بين يديه فلم يفعل وكان يتردّد إليه كل يوم بالغداة والعشيّة فيقف ولا يجلس.
وقيل للأمير معزّ الدولة: إنّ عماد الدولة يريد أن يسأله في الإفراج عن رامهرمز وعسكر مكرم. فحكى أبو الحسن المافرّوخى أنّه كان مع معزّ الدولة وكان عماد الدولة ورد أرجان فالتقيا بها قال: فدعاني عماد الدولة وقال:
« بلغني أنّه حكى لأخي أنّى وافيت إلى هذا الموضع لارتجع منه بعض أعمال الأهواز. » وضرب بيده إلى لحيته وقال:
« سوءة لها، إن أنا تواضعت لهذه الحال من لي حتى أحتاج إلى استكثار البلاد وادّخار المال له؟ هذا وأخوه ابناى وإنّما أريد الدنيا لهما، والله ما وافيت إلّا لأعقد ما بينهما أمر الرياسة حتى لا يجرى خلاف إن حدثت بي حادثة فإني عليل كما ترى واسأله أن يقدّم الكبير على نفسه كما جرت العادة وبارك الله له في بلاده ولو أراد بعض فارس لوهبته له ولقد أصبحت وأمسيت وما مناي على الله إلّا العافية وسلامتهما وإبقاؤهما فإنّهما أخواى بالنسب وابناي بالتربية وصنيعتاى بالولايات ومن لي غيرهما فيقدّر ما يقدّر. » قال: « فعدت إلى معزّ الدولة وحدّثته بالحديث فبكى وحضر في آخر النهار عند عماد الدولة فأسرف في الشكر والدعاء وتذكر الكلام فبكى بحضرته حتى ضمه عماد الدولة إلى نفسه. »
وتمّ الصلح مع ناصر الدولة
ثم انصرف إلى بغداد وامتدّ إلى باب الشماسية وقدم الخليفة فنزل بالزبيدية. وأظهر معزّ الدولة أنّه يريد الموصل وكتب عن المطيع لله كتابا إلى ناصر الدولة وورد أبو بكر ابن قرابة إلى هناك بجواب الرسالة وتردّد مرّات ثم حمل المال وتمّ الصلح.
ودخلت سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة
وفيها ورد الخبر بوقعة للروم مع سيف الدولة انهزم فيها سيف الدولة وأخذ الروم مرعش وأوقعوا بأهل طرسوس.
وفيها قبض معزّ الدولة على اصفهدوست وحمله إلى قلعة رامهرمز.
ذكر السبب في ذلك
كان اصفهدوست خال ولد معزّ الدولة وولد له من أخته الحبشي وكان يكثر الدالّة عليه ويقلّ الهيبة له وكان يزرى عليه في كثير من أفعاله. وبلغ معزّ الدولة عنه أنّه يراسل المطيع لله في الإيقاع به وأنّه قد استجاب له إلى ذلك فلمّا كثر عليه ذلك قبض عليه.
وفيها ورد الخبر بانّ ركن الدولة هزم العلوي الذي كان بجرجان وطبرستان.
وفيها دخل أبو القاسم البريدي في الأمان إلى بغداد ولقي معز الدولة وقبّل الأرض بين يديه وأنزله وأقطعه بمائة وعشرين ألف درهم ضياعا.
وفيها ورد الخبر بمسير السّلار وهو المرزبان بن محمّد إلى الريّ طامعا فيها وفي دفع ركن الدولة عنها فحاربه ركن الدولة وأسره مع ثلاثة عشر قائدا من قوّاده وحمله إلى القلعة بسميرم وحبسه فيها وعاد الأمير ركن الدولة إلى الريّ وقد شرحنا أمره على الاستقصاء فيما بعد.
تزوير خط ابن قرابة
وفيها خرج الأمير معزّ الدولة إلى الموصل ودخلها وجرت مراسلات بين ناصر الدولة ومعز الدولة استقرّ آخرها على أن يحمل عن الموصل وديار ربيعة وديار مضر والرحبة والشام في كل سنة ثمانية آلاف ألف درهم ويقيم الخطبة لعماد الدولة ومعزّ الدولة وبختيار بن معزّ الدولة وأخذ الفضل والحسين ابني ناصر الدولة رهينة وانصرف إلى بغداد.
ولم يكن الصيمري أخذ خطّ ناصر الدولة بهذه المفارقة وذلك لأنّ ابن قراتكين غلام صاحب خراسان قصد الريّ واضطرب معزّ الدولة فبادر إلى بغداد لينفذ منها جيشا إلى أخيه فعسف أبا جعفر عسفا شديدا في فصل القصّة.
فقال الصيمري تسكينا له:
« ارحل إذا شئت فقد أخذت الخطّ بثمانية آلاف ألف درهم. » ونما بعض الخبر إلى ناصر الدولة فامتنع على أبي جعفر من بذل الخط وخاف أبو جعفر أن يخبر الأمير معزّ الدولة بالصورة بعد الاعتراف فلا يقيله العثرة وانحدر إلى بغداد.
فقال أبو محمّد المهلبي وكان يخلف الصيمري: قلت لأبي جعفر:
« بأيّ شيء تحتجّ على الأمير إذا طالب بهذا الخط فلم تحضره إيّاه؟ » فقال: « أطالب ابن قرابة حتى يكتب خطّه عنه فإنّه لا يقدر على مخالفتي ثم إن أنكر ناصر الدولة قلت إنّه خليفته وما كتب عنه يلزمه. » قلت: « فإن لم يكتب ابن قرابة خطّه وهذا مما لا يجوز أن تكرهه عليه؟ » قال: « نزوّر على خطّ ابن قرابة. » (و كان ببغداد من يزورّ على الخطوط عجبا).
قلت: « فإذا صحّ رأيك على هذا فلا تطالب ابن قرابة بكتب الخطّ فإنّه إن امتنع عليك بطل التزوير به ولكن نزوّر. فزوّرنا والله على خطّ ابن قرابة ضمانا بثمانية آلاف ألف درهم وخرج الصيمري لحرب عمران ثم حدثت الحادثة من موت عماد الدولة وشخص وكانت كرّته التي ما عاد بعدها. » ووافى ابن قرابة وطالبته بالمال فأبى وأريته الخط فجحده وحلف بالطلاق أنّه ما كتبه ثم قال:
« ما أشك أنّه خطّى ولكن ما كتبته. ثم هذا يا هذا أنا قد شككت فكيف غيري ممّن تشتبه عليه الخطوط؟ وأنت تعلم يا با محمد أنّ ناصر الدولة امتنع من كتب الخطّ على أبي جعفر وانّ أبا جعفر خرج وما أخذه وقد أحاطت بي البلوى وليس هذا حقّى عليك. » فقلت: « الأستاذ أبو جعفر غائب وكلامك فيه لا يقبل والأمير ينصر وزيره ولا ينصرك ويشهد ونحن معه أنّ هذا خطّك لئلّا يبطل ماله ويصير محصوله مخاصمة وزيره ولكن الرأي أن تقول للأمير: لما حدث أمر ابن قراتكين وخرج الجيش إلى الري طمع ناصر الدولة وجحد الضمان والوجه مقاربته حتى يصحّ من جهته بعض المال وإلّا بطل الأصل، ثم إذا زال هذا الشغل بعد سنة صار الكلام لسنة مستأنفة ويعجّل شيئا يؤخذ منه فإنّ هذه السنة أصلح ». » فأعاد ذلك على الأمير معزّ الدولة ودعاني على خلوة وقال لي:
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)