صفحة 4 من 10 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 13 إلى 16 من 45

الموضوع: تجارب أمم المجلد السادس

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    وسار يطلب ابن محتاج وانفلّ عن ابن محتاج رجاله وعادوا إلى صاحب خراسان وبقي أبو عليّ في مائتي رجل من أصحابه سوى من ضمّ إليه من الديلم فاضطرّ إلى الهرب من بين يدي ابن مالك.
    وورد خبره من الدامغان بأنّه صائر إلى ركن الدولة مستجيرا به، فقبله ركن الدولة أحسن قبول وأقام عنده بالريّ. ونزل ابن مالك بنيسابور وتتبع أسباب ابن محتاج.
    وفيها صرف الابزاعجى عن الشرطة ببغداد واعتقل وصودر على ثلاثمائة ألف درهم وقلّد الشرطة مكانه تكينك نقيب الأتراك وقد كان طولب قبل صرفه بأربعين ألف درهم على أن يقرّر في عمله من الشرطة ووعد بإقطاع فلم يفعل.
    ذكر الرأي الخطأ من الابزاعجى حتى استمرت عليه النكبة وعظمت بعد أن كانت خفيفة

    كان الابزاعجى منقطعا إلى أبي عليّ الخازن فاستشاره وكان أبو عليّ يعتنى به فأشار عليه ألّا يلتزم شيئا ولا يدخل تحت شيء مما يطالب به وقال له:
    « هذا يطمع فيك ويسير رسما عليك فإن امتنعت انحسم الطمع فيك وفيما بعده.
    فقبل رأيه فأدّاه ذلك إلى النكبة وما أراد به أبو عليّ إلّا الخير ولكنّه أخطأ الرأي كما يخطئ الإنسان ولمّا أدّى هذا المال وانصرف إلى منزله قبض أيضا عليه ونكب نكبة ثانية وسلّم إلى تكينك فجرى عليه مكروه عظيم وصودر على مائتين وخمسين ألفا فأدّاها.
    دخول ركن الدولة إلى جرجان

    وفيها دخل ركن الدولة إلى جرجان ومعه أبو عليّ ابن محتاج بغير حرب وانصرف وشمكير عنه ودخل خراسان.
    وفيها خطب (بمكة والحجاز) لركن الدولة ومعزّ الدولة وبختيار وبعدهم لابن طغج وذلك بعد حرب جرت بين أصحاب معزّ الدولة وبين المصريين.
    وكان أبو عليّ ابن محمّد بن عبيد الله صاحب الحاج من قبل السلطان بمكّة، فأبلى وقاتل وقتل ابن له بين يديه.
    ودخلت سنة أربع وأربعين وثلاثمائة

    تقليد معز الدولة إمرة الأمراء لابنه بختيار

    وفيها عقد معزّ الدولة لابنه أبي منصور بختيار الرياسة وقلّده إمرة الأمراء وذلك في المحرم من هذه السنة.
    وكان سبب ذلك أنّه عرض لمعزّ الدولة علّة يقال له: فرمافسمس وهي علّة الإنعاظ الدائم ويكون معه وجع شديد مع توتّر القضيب. وكان معزّ الدولة خوّارا في أمراضه فأوصى وقلّد ابنه كما حكينا إمرة الأمراء.
    عمران وأمتعة التجار

    وبلغ عمران بن شاهين أنّ معزّ الدولة قد مات واجتاز به مال يحمل إلى معزّ الدولة من الأهواز ومعه كار كبير فيه للتجار أمتعة عظيمة وكان مقدار المال المحمول لمعزّ الدولة مائة ألف دينار وما للتجار أضعاف ذلك.
    فمدّ عمران يده إلى المال والكار على رسمه في مثل ذلك فأخذ الجميع وقبض على المرعبل ملّاح معزّ الدولة الذي كان مع المال فصادره وضربه ضربا عظيما ودهقه إلى أن أزمنه. ثم أنفذ إليه معزّ الدولة أبا الحسين الكوكبي نقيب الطالبيين برسالة إلى أن ردّ المال وذهبت أمتعة التجار وانتقض الصلح وتأدّى الأمر إلى الوحشة.
    وكان الحاجب سبكتكين أخرج إلى شهرزور في جيش كثير ومعه عرّادات ومنجنيقات فأقام مدّة عليها ولم يمكنه فتحها واتّفق أنّ جيشا ورد من صاحب خراسان إلى الريّ فاحتيج إلى إنفاذ سبكتكين إلى ركن الدولة مددا له فانصرف من شهرزور ولم يصنع شيئا.
    استيلاء ابن ماكان على إصبهان ومبادرة ابن العميد

    وفيها ورد ابن ماكان أصبهان وكان مسيره إليها على طريق المفازة من خراسان فهجم هجوما وأضطرّ أبو منصور بويه بن ركن الدولة وعيال ركن الدولة وجميع أصحابه أن يخرجوا على وجوههم إلى خان ألنجان ومنها إلى الرباط على أقبح صورة واستولى ابن ماكان على أصبهان.
    وكان الأستاذ الرئيس أبو الفضل ابن العميد - رفع الله درجته - بأرجان فبادر مع قطعة من العرب ونفر يسير من الديلم كانوا معه، فوجد ابن ماكان قد تبع أبا منصور بويه بن ركن الدولة ومن معه من الحرم فلحق سواده وملك خزائنه وتخلّص الأمير بويه والحرم وقد أشرف هو والحرم على الفضيحة والأسر فلحقه الأستاذ الرئيس فعارض ابن ماكان ودافعه بخان ألنجان فأوقع به واستأسره وبه ضربات وأسر جميع قوّاده وقتل أصحابه قتلا ذريعا.
    وحمل الأستاذ الرئيس أبو الفضل ابن ماكان وقوّاده إلى القلعة بالخان ثم صار إلى إصبهان فأوقع بمن فيها من أصحاب ابن ماكان وورد الأمير أبا منصور بويه بن ركن الدولة مع الحرم إلى إصبهان مصونين وتلافى ذلك الخطب العظيم أحسن تلاف.
    وكان يحدّثني - رحمه الله - بخبر هذه الوقعة مرّات فيقول:
    لما التقينا بالخان انهزم عنى أصحابي واشتغل أصحاب ابن ماكان بالنهب والغارة وثبتّ أنفة فقط من غير رجاء مني في ظفر، بل وقفت وقوف المستسلم للقتل والأسر. وذلك أنّى فكرت في تلك الحالة وقلت: إن انصرفت بنفسي سالما ومثلت بين يدي صاحبي أيّ وجه يكون لي عنده وأيّ لسان يدور بعذر لي بحضرته بعد أن أسلمت أعزّته وأولاده وحرمه وبالجملة ملكه! ونظرت فإذا القتل عليّ في حالتي تلك أهون من هذه الحال التي تصوّرتها فصرت لان أقتل كريما.
    فسكنت واقفا وراء خيمة لي بعمودين وأنا أرى أطنابها تقطع وما فيها يخرج ومن يراني لا يظنّ أنّى أثبت في ذلك الموضع مع تلك الصورة، فبينما أنا كذلك وأصحاب ابن ماكان مشغولون عني بالنهب إذ ثاب إليّ غلامي روين وفلان وفلان وراءهم العرب فثاب منهم جماعة يسيرة فحملت بهم وصاح الناس:
    « الكرّة. » فقتلنا وأسرنا ولم يفلت أحد.
    ولما كان بعد ساعة من النهار لم يبق من جيش ابن ماكان عين تطرف إلّا من أخذ أسيرا، وحمل إليّ ابن ماكان وبه ضربة في يده وقد تعلّق منها إصبعان بجلدة رقيقة، فمدّها حتى قطعهما.
    فهو على ذلك بين يديّ حتى شقّ الزحمة إليه مكار أو ركابيّ فصفعه صفعة طنّ بها الموضع وغاص، فلحقني غيظ عظيم وأمرت بطلبه وهممت بالمثلة به وقطع يده فما وقف له على أثر ولا عرف له خبر إلى اليوم.
    وكان ابن ماكان مع عظم قدره في نفوس الديلم وشدّة بأسه محربا عظيم القوّة ورأيت أنا جوشنه وهو رزين جدا يعرض على فتيان الديلم وأشدائهم أن يلبسه فيستعفى منه لثقله على اليد.
    حوادث عدة

    وفي هذه السنة أنجد سيف الدولة ديسما وعاضده بعض الأكراد فقصد سلماس وملكها وخطب لسيف الدولة بها وكان السلّار غائبا بناحية باب الأبواب مشغولا بقوم خرجوا عليه هناك. فلمّا عاد من باب الأبواب وأصلح أمره هناك وظفر بعدوّه فقصد ديسما فاستأمن رجاله إلى سلّار وهرب ديسم ومضى الى ابن الديراني صاحب أرمينية مستجيرا به فقبله ثم غدر به وقبض عليه وقيّده وحمله إلى السلّار فيقال: إنّ السلّار سملة ثم قتله.
    وفيها مات أبو عليّ ابن محتاج وابنه بالريّ في وباء حدث هناك.
    وفيها تمّ الصلح بين ركن الدولة وصاحب خراسان.
    وفيها ورد أبو الفضل القاشاني صاحب ركن الدولة مع ابن أخت ابن مالك برسالة عبد الملك بن نوح صاحب خراسان يلتمس أن ينفذ إليه خلع ولواء على خراسان، فعقد له الخليفة اللواء وسلّمه مع الخلع إلى ابن أخته الوارد برسالته وردّه مع أبي الفضل القاشاني وقاد أيضا إليه فرسا وأضاف إلى خلع الولاية خلع منادمة.
    ودخلت سنة خمس وأربعين وثلاثمائة

    ذكر وزارة المهلّبي وخروج روزبهان على معزّ الدولة

    وفيها خوطب أبو محمّد المهلّبي بالوزارة وأمر بذلك معزّ الدولة وخلع عليه وزاد في إقطاعه.
    وفيها خرج روزبهان بن ونداذ خرشيد الديلمي على معزّ الدولة وخرج أخوه المسمى ببلكا بشيراز وكاشفا بالعصيان وفعل مثل ذلك أخوه الآخر أسفار بالأهواز وجاء روزبهان إلى الأهواز وكان بها الوزير المهلبي ليحاربه فاستأمن رجاله إلى روزبهان وانحاز الوزير عنه.
    وورد الخبر بذلك على معزّ الدولة فلم يكن يصدّق بذلك لشدّة ثقته به فإنّه هو الذي اصطنعه ونوّه باسمه فكان خاملا وعظّم قدره وكان صغيرا قبل ذلك من رجال موسى فياذه وصغار أصحابه.
    فأنفذ معزّ الدولة شيرزيل على مقدّمته للحرب واضطرب الديلم بأجمعهم على معزّ الدولة اضطرابا شديدا وأظهروا أشياء كانت في نفوسهم عليه من العتب والاستبطاء وكاشفوه وواجهوه بكلّ ما كره وأخذوا يستأمنون.
    فقلد معزّ الدولة الابزاعجى الشرطة بواسط وأنفذه إليها. وفي يوم الخميس لخمس خلون من شعبان خرج معزّ الدولة من داره ببغداد متوجها إلى قتال روزبهان وزاد الأمر في استئمان الديلم إلى روزبهان.
    وخرج الخليفة المطيع لله منحدرا إلى معزّ الدولة وذلك أنّ ناصر الدولة لمّا بلغه خبر روزبهان وما عمله هو وأخوته حدّث نفسه ببغداد فوجّه بابنه أبي المرجّى وآخر من أولاده إلى بغداد، وبلغ ذلك معزّ الدولة فردّ الحاجب سبكتكين من واسط لضبطها وكتب إلى مسافر بن سهلان - وكان بنهاوند متقلّدا لها - يأمره بالتعجّل إلى بغداد لمضامّة الحاجب سبكتكين ببغداد.
    فشغب الديلم المقيمون ببغداد لطلب أرزاقهم فبعث إليهم مسافر وسبكتكين ولشكرورز ووعدهم بالمال فسكنوا وكان مسافر نزل في أعلى القطيعة وخرج سبكتكين الحاجب فنزل بباب الشمّاسية وهم على قنوط من [ معزّ ] الدولة.
    ومنع معزّ الدولة جميع الديلم من العبور لقنطرة أربق معه لما رأى من استئمانهم إلى روزبهان ووكّل بالقنطرة من يمنعهم من عبورها قلّة ثقة بهم وخوفا من أن يغدروا به ويشوّشوا باقى عسكره لأنّه كان ينفق فيهم فإذا قبضوا النفقات صاروا إلى روزبهان من فورهم فما عبر معه من الديلم إلّا ليلى بن موسى فياذه وشيرزيل ابن وهرى والحسن بن فنّاخسره فقط.
    وكان اعتماد معزّ الدولة على غلمانه الأتراك فحارب روزبهان يوم الاثنين انسلاخ شهر رمضان نهاره كلّه إلى أن سقط القوم ثم حمل بنفسه في غلمان داره وحضّهم بأن قال:
    « يا أولادى قد ربّيتكم تربية الأولاد فأرونى غناءكم الساعة. » فحملوا معه حملة الصبيان الأغمار فلم يردّهم شيء وانهزم روزبهان وأصحابه وأسر روزبهان وبه ضربات وأسر كوركير وفتح اللشكري وأرسلان كور.
    شرح صورة هذه الحرب على سياقة من شاهدها

    استوحش الديلم من منع معزّ الدولة إيّاهم من العبور، فاجتمعوا عليه وقالوا له:
    « إن كنّا رجالك فأخرجنا نقاتل بين يديك فإنّا لا نصبر أن نجلس مع الصبيان لحفظ سوادك ونرى الأتراك يقاتلون عنك فمتى ظفرت بعدوّك خرجنا من المحمدة ومتى ظفر عدوّك فلحقنا العار والسبّة. » وكأنّهم سلكوا في هذا الكلام مسلك الحيلة ليطلق لهم العبور فيتمكّنون من كسر عسكره والاستئمان إلى عدوّه.
    فسألهم التوقّف وقال:
    « إنّما أريد أن أشامّ القوم ولا أناجزهم كما فعلت بالأمس فإذا كان في غد باكرناهم بأجمعنا على تعبية واستعنّا بالله وناجزناهم. » وكان يدرّ عليهم النفقات ويواصل العطايا ويكثر المداراة فأمسكوا عنه وعبر معزّ الدولة وعبّى غلمانه كراديس تتناوب في الحملات إلى وقت غروب الشمس فهناك فشل الأتراك وانقطعت حيلهم وفنى نشّابهم وشكوا إلى معزّ الدولة وقالوا:
    « ليس فينا فضل وقد أمسينا فنستريح الليلة وتفرّق فينا النشّاب ونباكرهم الحرب. » فعلم معزّ الدولة أنّه إن رجع عن هذه الحالة زحف روزبهان والديلم وثار من خلّف وراءه من أصحابه الديلم الذين كان يتّهمهم فلا يمكنه الهرب وكان الهلاك فبكى بين أيدى غلمانه وكان سريع الدمعة ثم سألهم أن تجمع الكراديس كلّها ويحملوا وهو في أوّلهم فإمّا أن يظفروا وإمّا أن يقتل أول من يقتل. فطالبوه بالنشاب فقال:
    « قد بقي مع الغلمان الأصاغر نشّاب فخذوه وتوزّعوه. » وكانت عدّة من الغلمان الأصاغر تحتهم الخيل الجياد العتاق وعليهم الجنن والتجافيف وكانوا سألوا معزّ الدولة أن يأذن لهم في الحملة نوبة في الكراديس فلم يأذن لهم وقال لهم:
    « إذا كان الوقت الذي يصلح لكم ما سألتم أذنت فيه. » فوجّه إليهم بنقيب وأومأ بيده أن اقبلوا ما يقول النقيب ليأخذ النشاب منهم فلم يشكوا أنّه إنّما أومأ إذنا لهم فيما كانوا يسألونه ووعدهم به، فحملوا وهم مستريحون وكذلك خيلهم فصدموا صفوف الديلم فكسروا بعضهم فوق بعض وصاروا من ورائهم وحمل معزّ الدولة فوضع فيهم اللتوت فكانت إيّاها وكتب بالظفر إلى بغداد.
    فورد على الديلم المقيمين ببغداد ما أدهشهم ولم يصدّقوا به وقدّروا أنّه أرجف بذلك إرجافا فكانوا يستهزئون استهزاء ظاهرا ويقولون:
    « نعم كانوا دجاجا وضع عليهم مكبّة فما أفلت أحد ».
    وكانت نفوسهم اشرأبّت إلى روزبهان. فلمّا صحّ عندهم الخبر ضعفت نفوسهم وانخذلوا.
    وأسرع معزّ الدولة الانصراف ليلحق بغداد قبل ورود أصحاب ناصر الدولة إليها. فدخل بغداد يوم الجمعة لاثنى عشرة ليلة بقيت من شوال ودخل داره ثم سار في يومه ذلك في الماء إلى معسكر الحاجب بباب الشمّاسية في زبزب ومعه روزبهان في زبزب آخر مكشوفا ليراه الناس وكوركير في زبزب آخر، واجتمع الناس على الشطوط فدعوا له وعلى روزبهان.
    وقد كانت العامّة محبّين لأيّام معزّ الدولة وذلك لما كان منه في سدّ بثق نهر الرّفيل وسدّ بثق بادوريا فإنّه خرج بنفسه حتى سدّ هذا البثق وحمل التراب بنفسه في برّكة قبائه حتى فعل جميع العسكر مثل فعله وسدّ ذلك البثق. ثم خرج إلى النهروانات فسدّ بثقابها وكانت النهروانات قد بطلت وكذلك بادوريا فلمّا سدّ بثوقها عمرت بغداد وبيع الخبز النقي عشرين رطلا بدرهم فمالت العامّة إلى أيّام معزّ الدولة وأحبّوه.
    ومضى الأمير معزّ الدولة ممتدّا إلى عسكره بقطربّل وكان أبو المرجّى وأخوه قد وصلا إلى عكبرا ووصلت خيولهما إلى البركان. فلمّا بلغهما قدوم معزّ الدولة وما جرى على روزبهان انصرفا من عكبرا إلى الموصل وتبعهما الحاجب سبكتكين فلم يلحقهما لإغذاذهما السير.
    وحبس روزبهان بالصراة في حصن كان هناك فكان الديلم يحدّثون أنفسهم بكبس موضعه وإخراجه. وأشار أبو العباس مسافر على معزّ الدولة بقتله فأبى وكره ذلك إلى أن قال جماعة من ثقاته:
    « إنّك إن لم تبادر إلى قتله أخذه الديلم غصبا وزالت الدولة وذهبت أرواحنا. » فاخرج حينئذ بالليل وغرّق في سميريّة أسفل دار الخليفة.
    وورد الخبر بعد ذلك بظفر الأستاذ ابن العميد ببلّكا أخي روزبهان وردّه الملك على أبي شجاع فناخسره بن ركن الدولة.
    فانطوى ذكر روزبهان وأخويه بعد أن اشتعل اشتعال النار وانحاز إليه وإلى أخيه بلّكا الديلم وظنّوا أنّهم قد نقلوا ملك بنى بويه ولله الأمر من قبل ومن بعد.
    ثم إنّ معزّ الدولة أسقط الديلم الروزبهانيّة وقبض على جماعة من قواده وأعرض عن سائر الديلم وأقبل على الأتراك واصطنعهم وكتب بالفتح إلى الأمصار.
    ودخلت سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة

    موت السلار المرزبان

    وفيها ورد الخبر بموت السلار المرزبان بآذربيجان في شهر رمضان وكانت وفاته بفساد المزاج. فلمّا يئس من نفسه أوصى إلى أخيه وهسوذان على أن يكون الرياسة له ثم من بعده لابنه جستان، وكان قد تقدّم إلى أصحاب قلاعه الموكّلين بحفظها إن حدث الموت ألّا يسلّموها إلّا إلى جستان ابنه فإن حدث به حدث الموت فإلى ابنه إبراهيم فإن مات فإلى ابنه ناصر.
    وكان له ولد رابع يقال له كيخسره فلم يذكره لصغره وقال: فإن لم يبق من هؤلاء أحد فسلّموها إلى أخي وهسوذان.
    ولما وصّى إلى أخيه وصيّته هذه عرّفه علاماته التي بينه وبين أصحاب قلاعه فأنفذ وهسوذان بعلاماته وخاتمه إلى المرتّبين في القلاع في تسليمها إليه فأبوا عليه وأظهروا وصيّته المستورة.
    وكان إبراهيم بن المرزبان متزوّجا بابنة ولكين بن خرشيد وهو من أكابر الديلم وكان ولكين هذا محبوسا من جهة المرزبان بأردبيل، فلمّا مات المرزبان خاطبته زوجته في أبيها وحملته على أن يمضى بنفسه ويخرجه من محبسه. فركب وأخرجه من غير استئذان عمّه وهسوذان فاستوحش وهسوذان وفكّر في مخاتلة أخيه له في الوصية وفي إقدام ابن أخيه إبراهيم عليه وإخراجه ولكين من محبسه بغير إذنه فساء ظنّه وخرج من أردبيل كالهارب إلى الطرم فاستولى جستان على ممالك أبيه وأطاعه أخواه إبراهيم وناصر وقلّد وزارته أبا عبد الله النعيمي وتوافى إليه قوّاد أبيه إلّا جستان بن شرمزن فإنّه تأخّر عنه وفكّر في التغلّب على ناحية أرمينية وكان واليا بها.
    وأخذ وهسوذان في التضريب بين أولاد أخيه وتفريق كلمتهم وإطماع أعدائهم فيهم والتشفّى بما عومل به حتى اضطرب عليهم عسكرهم وطالبوهم بما لا يتسعون له حتى تمكّن منهم وقتل بعضهم وحرّض على من لم يمكنه قتله حتى بلغ ما أراد واشتفى وزاد.
    ذكر أخبار الأمراض والمناخ والزلازل

    وفي هذه السنة كثر ببغداد أورام الحلق والماشرا وكثر الموت بهذين الضربين وموت الفجاءة وكل من افتصد انصبت إلى ذراعه مادّة حادّة عظيمة يتبعها حمّى حادّة فيحتاج إلى بطّ وما سلم أحد ممن افتصد.
    وكانت شتوة هذه السنة دفيّة عادمة الأمطار وحكى أهل البحر أنّ البحر نقص في هذه السنة ثمانين باعا وأنّه ظهر لهم جبال وجزائر لم يعرفوها ولا سمعوا بها قطّ وكانت زيادة دجلة في هذه السنة يسيرا نحو عشرة أذرع وكان بالريّ ونواحيها زلازل عظام مات فيها من الناس ما يعظم مقداره ويكثر عدده.
    ودخلت سنة سبع وأربعين وثلاثمائة

    حوادث عدة

    وفيها كثرت الزلازل ببغداد وحلوان وبلدان الجبل وعظم أمرها بالجبل خاصّة فخربت الأبنية وقتلت الخلق.
    وفيها شغب الأتراك والديلم بالموصل على ناصر الدولة وزحفوا إلى داره وأرادوا الفتك به فحاربهم بغلمانه وبالعامة وظفر بهم وقتل بعضهم في الوقعة وقبض على جماعة وهرب الباقون إلى بغداد.
    وفيها ورد الأمير أبو منصور بويه بن ركن الدولة إلى بغداد يخطب ابنة معزّ الدولة ومعه أبو عليّ ابن أبي الفضل القاشاني وزيرا ومعه أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد يكتب له على سبيل الترسل.
    فلمّا كان ليلة السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى زفّت بنت معزّ الدولة إلى أبي منصور بويه ثم حملها إلى إصبهان.
    طمع ناصر الدولة في ممالك معز الدولة بعد الصلح والموادعة

    وفيها خرج معزّ الدولة نحو الموصل يوم الخميس لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة وعبر من باب الشماسية إلى قطربّل وضرب مضاربه هناك وعزم على قصد الموصل لمحاربة ناصر الدولة وأولاده لما كان منهم في قصد ممالكه والطمع فيها بعد الصلح والموادعة وتردّدت الرسل فأمر معزّ الدولة أن تكتب عنه توبيخات وتهجينات عنيفة شديدة وأمر أن تقرأ وتستوفى أجوبتها.
    ذكر هذه التوبيخات
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    قال فيها:
    « أنت ذاكر ما جرى عليك من تكين الشيرزادى فإنّه أخرجك من نعمتك وكاد يأتى على مهجتك فلجأت إليّ بعد عداوة سبقت منك لي ومنازعة نازعتنيها عن بلاد لم يكن في يدك منها شيء فاطرحت الأحقاد واغتفرت الذنوب وآثرتك على تكين وهو إذ ذاك يبذل لي الخدمة والطاعة وحمل المال وإقامة الخطبة ولا يلتمس منى الأتراك الدخول بينك وبينه والانصراف عن النصرة لك عليه فآثرتك.
    « وأنفذت كاتبي وعسكري بأموال أنفقتها ومؤن تكلّفتها حتى أخذت بناصيته وسلّمته إليك فشفيت صدرك منه وعدت إلى وطنك.
    « ثم حصلت في يد وزيرى الصيمري حصول المستجير الذليل فوفى لك ولو شاء لأسرك واشتمل على بلادك وقلاعك.
    « وظننت أنّك تعرف لي حقّ هذه النعمة وتطالب نفسك عليها بالمجازاة فأبيت إلّا غدرا بي وتقبيحا في معاملتى.
    « وليتك - لما لم تعمل عمل الأصدقاء الأوفياء - عملت عمل الأعداء الحزماء، فكاتبتنى تعرض نفسك عليّ في النائبة العظيمة التي نابتنى في أوثق الناس عندي وتبذل لي معاونتك فكنت تنفذ عسكرك إلى تكريت على أنّه مدد لي فإن لاح لك استظهار مني تحمّدت عليّ وتودّدت إليّ وإن لاح لك استظهار عليّ أظهرت ما في نفسك حيث تكون فيه أعذر وأقل ملامة. » ثم أتبع هذا القول بالتوعّد والتهدّد بالمسير إلى أعماله واستيصاله.
    الجواب عن هذه الرسالة

    « إنّك قد صدقت في جميع ما عددت وإني معترف به، وو الله ما كان عن رأيي ولا أمرت به ولكني شيخ لي أولاد أحداث يخالفوننى في تدبيرهم فيركبون الهوى في أمورهم ولا رأي لمن لا يطاع. » وتمّت الموافقة بينه وبينه على تعجيل ألفي ألف درهم فعجلها له والتزم مثلها في كل سنة فأظهر معزّ الدولة الرضا ضرورة لأنّه كان غير واثق برجاله ولأنّ أعماله اختلّت بتلك الفتنة فعاد إلى داره.
    ثم أخّر ناصر الدولة المال الثاني لأنّ الأوّل كان في سنة ستّ فخرج معزّ الدولة إليه وسار ناصر الدولة إلى نصيبين ودخل معزّ الدولة الموصل وسار إلى نصيبين وخلف سبكتكين بالموصل.
    وأنفذ سريّة إلى سنجار لأنّه بلغه أن أبا المرجّى وهبة الله ابني ناصر الدولة بها وبلغهما خبر السريّة فانصرفا وقد كان أعجلهما الأمر فتركا خيمهما وجميع معسكرهما بحاله ولم يمكنهما حمل شيء. فأسرع الديلم الذين كانوا في السريّة إلى الغارة والنهب.
    ذكر عجلة وإضاعة حزم

    إنّ الديلم نزلوا في خيم أبي المرجّى وأخيه فعادا وكبسا العسكر واستأسرا جماعة وقتلا جماعة وكان ممّن قتل ابن ملك الديلم المعروف بسياه چشم قتله هبة الله ووقع في الأسر شيرزاد وشيرمردى وعدد كثير.
    ذكر السبب في هذه النكبة وضعف معز الدولة بعد الاستعلاء

    كان من عادة ناصر الدولة إذا تنحى من بين يدي معزّ الدولة ألّا يترك في البلد لا كاتبا ولا دليلا ولا أحدا ممّن يعرف نفع السلطان وضرّه ويحشرهم إلى قلاعه مع حسباناته ودواوينه. ثم يأمر الصعاليك والعرب أن يتطرّفوا البلد ويمنعوا العلّافة ومن يخرج لطلب العلف والطعام إلّا أن يكون معهم عسكر قويّ فإذا رأوا عسكرا قويا لم يظهروا ولم يتعرضوا وكان غرضه في ذلك أن يضيق المير والعلوفات فينصرف عنه معزّ الدولة. ففعل ذلك في هذا الوقت.
    وبلغ معزّ الدولة كثرة الغلات بنصيبين وكانت للسلطان فقصدها وخلّف حاجبه سبكتكين بالموصل. فلمّا صار ببرقعيد بلغه أن أبا المرجّى وهبة الله ابني ناصر الدولة مقيمان بسنجار فعمل على كبسهما وندب لذلك جماعة من القواد الكبار وجعل الرئيس عليهم تكين الجامدار - وكان غلاما أمرد وضيء الوجه منهمكا في الشرب لا يعرف الصحو ولا تقدّمت له حنكة - فأشار الوزير المهلبي ألّا يخرجه في مثل هذا الوجه وأن يعدل إلى أحد مشايخ القواد فلم يقبل منه وأنفذه في خمسمائة رجل فأشرفوا على أبي المرجّى وهبة الله فأرهقوهما عن تقويض الخيم واستصحاب شيء من رجالهما وأفلتا على ظهور دوابّهما وتركوا جميع مالهم فانتهبه العسكر.
    ثم تعجّل أصحاب معزّ الدولة إلى الخيم وتركوا الحزم فنزلوها واستقرّوا فعطف عليهم أولئك وصارت الكبسة لهم فقتلوا وأسروا وغنموا ما شاءوا.
    وبقي معزّ الدولة في عدد يسير ببرقعيد في طريقه إلى نصيبين فكتب إلى بغداد يستدعى العساكر فتعجّلوا وتلاحقوا إليه فلمّا قويت عدّته سار من برقعيد إلى نصيبين وسار ناصر الدولة من نصيبين إلى ميّافارقين وفضّ جيشه عنه بأسره وصرفهم، فصار جميعهم إلى معزّ الدولة في الأمان واستأمن أبو زهير أخو ناصر الدولة إلى معزّ الدولة ورحل ناصر الدولة من ميّافارقين إلى حلب مستجيرا بأخيه سيف الدولة فتلقّاه أخوه بأجمل تلقّ وقبله أحسن قبول وخدمه بنفسه حتى تولّى نزع خفّه بيده.
    وكان حامد بن النمس توجّه من قبل معزّ الدولة إلى الرحبة فهزم من كان بها من جيش ناصر الدولة.
    وكان طريف الخادم وهزار مرد وهما غلاما ناصر الدولة يتطرّفان الموصل في الجانب الشرقي منها كل يوم ويلتقطان عمّال معزّ الدولة ويأخذان العلّافة من عسكر الحاجب ويمنعان من ورود شيء إلى الموصل حتى صارت محاصرة وأخذا من الثرثار من عمّال معزّ الدولة رجلا يعرف بعليّ بن الصقر وحملاه إلى القلعة ثم كبسا الحديثة وكان فيها محرز حاجب الوزير أبي محمد المهلّبي وأبو العلاء ابن شاذان يتقلّد عمالتها فقبضا عليهما ثم أطلقا محرزا وحملا أبا العلاء إلى القلعة.
    وكان معزّ الدولة راسل كافور الخادم بمصر يأمره بحمل مال إلى الحضرة فحبس كافور الرسول حبسا جميلا وطاوله وبثّ جواسيسه لتعرّف الأخبار.
    فلمّا عرف انصراف معزّ الدولة عن ذلك الوجه إلى بغداد ردّ الرسول خائبا.
    وورد عمرو النقيب من قبل ناصر الدولة إلى نصيبين وسفر في الصلح وطال الخطب بينه وبين معزّ الدولة فلم يتمّ الصلح. فلمّا رأى عمرو الصورة استأمن إلى معزّ الدولة وأقام بحضرته ولم يعد إلى ناصر الدولة.
    ثم ترددت رسائل بين معزّ الدولة وبين سيف الدولة وتوسّط بين أخيه وبينه حتى تقرر ما بينهما ورجع معزّ الدولة من نصيبين قاصدا الموصل.
    ذكر اتفاق صعب غير محتسب

    لمّا صار معزّ الدولة بين المونسية وآذرمه في اليوم الخامس عشر من شباط هبّت ريح باردة مغربية ووقع دمق فتلف في ساعات يسيرة من النهار عدد عظيم من عسكره ولحق معزّ الدولة غشية وكاد يتلف من كثرة ما عليه من الوبر والخزّ.
    فقلع أهل العسكر سقوف آذرمه وأبوابها وأوقدوها فأطلق معزّ الدولة لأهلها ثلاثة آلاف درهم ليبتاعوا بها مكان ما أخذ من أنقاضها.
    ذكر تدبير سيّئ ورأى ظاهر الفساد رآه معزّ الدولة بعد فراغه من روزبهان أدّى إلى تخريب المملكة وسوء عاقبة الأولاد والرعية

    دبّر معزّ الدولة عند فراغه من حرب روزبهان أن يطرد الديلم الروزبهانيّة ويمسك من لم يفارقه منهم وإن كانوا متهمين عنده وكان وعدهم للعشرة ثلاثة في أصول أموالهم وظنّ أنّه إن وفى للكلّ لم يتّسع له مع أنّ الفتح للأتراك وكان مائلا إليهم بالهوى قبل الاستحقاق فكيف بعد هذا الأثر العظيم! فابتدأ يجازى الأتراك بالإحسان فقوّد منهم جماعة واستحجب جماعة ونقّب جماعة ورفع كل طبقة إلى ما هو أعلى منها ونفى الديلم الروزبهانيّة ليتوفّر عليهم مالهم ويصير ذلك بإزاء ما يلزمه لأصحابه الديلم من الزيادات.
    فأخرجهم إلى الأهواز وكتب إلى وزيره المهلّبي بجمعهم من جميع النواحي والأعمال والتوكيل بهم والمسير معهم إلى آخر الحدود ليتفرّقوا حيث شاءوا.
    فدفع الوزير من ذلك إلى خطّة صعبة وحال مخاطرة عظيمة. لأنّ القوم كانوا ذوي عدد وعدّة ألا أنّه تلطّف وأحسن التدبير حتى أخرجهم زمرة بعد زمرة.
    ثم حمل معزّ الدولة الأتراك على التسحّب على الديلم وتعييرهم بشقّ العصا وخلع الطاعة وتقريعهم بهذا ونحوه وأنّ عدد الأتراك مع قلته وفوا بهم حتى قهروهم وأذلّوهم.
    ثم رسم للأتراك رسوما صار سببا لضراوتهم وطلب الأموال والتغلّب على الأعمال والتسحّب على العمّال وذاك أنّه أمر بتسبيب ما يستحقّونه على واسط والبصرة والأهواز وأخرجهم طبقة بعد طبقة على النوبة لاستيفاء أموالهم ولمن وراءهم من رفقائهم المقيمين وأن يقام لهم نزل يأخذونه راتبا في كل يوم إلى أن يستوفى ماله ومبلغه عشرة دراهم لكل غلام في كل يوم وعشرون درهما لمن كان نقيبا وأراد أن ينفعهم عاجلا لا مؤبدا.
    وانفتح عليه من ذلك باب من الفساد كان أضرّ عليه من زيادة أوزارها في أصول استحقاقاتهم وذلك أنّهم آثروا أن تتأخر أموالهم المسببة لتكثر أيّام مقامهم وصيروا أصول أموالهم بضائع يتّجرون فيها وإذا راج لهم من مال تسبيباتهم لم ينسبوا شيئا منه إلى الأصل وقد بقي لهم درهم واحد ويستروح العمّال إلى إطلاق الشيء بعد الشيء لئلا يرهقوا بالمال جملة فربّما أقاموا سنتين وثلاثة.
    وحلت التجارات في صدورهم وإجازة ما يحصل لهم في الطريق بغير ضريبة ولا مؤونة ثم تجاوزه إلى الدخول في التلاجئ فملكوا البلاد واستطالوا على العمّال وحاموا على التجّار ومن اعتصم بهم فضعفت أيدى العمّال واستعبدوا الناس واستمرّ ذلك وازداد إلى اليوم.
    ودخلت سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة

    وفيها وافى أبو محمد الفياضى كاتب سيف الدولة إلى الموصل في المحرم وتقرّر الأمر على أن عقدت الموصل وديار ربيعة والرحبة على سيف الدولة بألفي ألف درهم وتسعمائة ألف في السنة وذلك لأنّ معزّ الدولة لم يستجب إلى عقدها على ناصر الدولة وعلى أن يقدّم من ذلك ألف ألف درهم ويطلق الأسارى الذين أسروا بسنجار.
    فلمّا تقرر هذا انحدر معزّ الدولة وتأخر الوزير المهلبي والحاجب سبكتكين بالموصل والجيش بأسره معهما إلى أن يحمل مال التعجيل ثم وردا مع الجيش ومع أبي محمّد الفياضى كاتب سيف الدولة.
    ذكر انحدار معز الدولة والسبب فيه بعد تمكنه من ديار ربيعة ومضر

    كان السبب في إصعاده الإضاقة الشديدة التي لحقته بعد الأمور التي ذكرناها وتأخر أموال الحمول عنه فعلم ناصر الدولة بذلك فانهزم من بين يديه وقال لأصحابه:
    « اذهبوا حيث شئتم فإني لا أقف للحرب. » فاستأمن أصحابه إلى معزّ الدولة كما كتبنا فيما تقدّم فازدادت إضاقة معزّ الدولة ولم يمكنه ضبط النواحي ولا الحماية، وتقاعد الناس بأداء الخراج احتجاجا بأنّهم لا يصلون إلى غلّاتهم وطلبوا الحماية واضطرّ معزّ الدولة إلى الانحدار ولكنّه أنف وأقام على كره ومشقّة. فلما ورد عليه رسالة سيف الدولة استراح إليها وأجابه بالشكر الجميل وشكا إليه أخاه وقلّة وفائه والغدر به مرّة بعد مرّة وقال له:
    « ان ضمنته أنت أجبت. » فضمنه وانحدر معزّ الدولة.
    وفي هذه السنة انقطعت الحمول من واسط إلى البصرة والأهواز
    ذكر السبب في ذلك

    السبب في ذلك ما كنّا ذكرناه من استيلاء الأتراك واستضامتهم العمّال ومضايقتهم إيّاهم حتى اضطرّوهم إلى بذل المرافق الكثيرة لهم فاقتنوا الأملاك وحاموا على قوم على سبيل التلاجى فتغلّبوا على حقوق بيت المال وصار العمّال يعولون على الغلمان الأتراك في أخذ حقوقهم على التنّاء فيتنجزّونها كما يتنجّزون تسبيباتهم. وتشبه بهم الديلم واصطلح الفريقان على هذا السبيل فكسروا على السلطان حقوقه.
    واجتمع العمال بذلك فكسروا أصول العقود وسألوا إزالة ما دهمهم فلم يمكن ذلك وصارا بمنزلة الداء الذي لا يرجى حسمه لأنّ الديلم كانوا مستوحشين ومتفرقين والأتراك متطاولين مدلّين. فلو قمعوا لصارت كلمتهم مع الديلم واحدة.
    فجرى الرسم بأن ينقل ما رفعه العمّال من فاضل ما عليهم إلى السنة التي بعدها وحصل الوزير وكلّ من دبّر فيه تدبيرا متعرضا لسفك دمه وذهاب نفسه إلّا أنّ هذا الفساد كان في أيّام معزّ الدولة كالطفل الناشئ لهيبته وبقيّة حشمته ثم ظهر الإفراط بعد على أولاده ولما أتى عليه الزمان بعد وفاته.
    حوادث عدة

    وفيها خلع السلطان على الأمير أبي منصور بختيار بن معزّ الدولة وعقد له لواء وقلّده إمرة الأمراء ولقّبه عزّ الدولة.
    وفيها أنفذ لواء وعهد إلى أبي عليّ بن الياس وكان السفير في ذلك كله القاضي أبو بكر أحمد بن سيّار الصيمري.
    وفيها مات أبو الحسن محمّد ابن أحمد المافرّوخى وكان يكتب لمعزّ الدولة وكتب له بعده أبو محمّد عليّ بن عبد العزيز المافرّوخى مدّة شهر. ثم استعفى وانصر تقلّد مكانه أبو بكر ابن أبي سعيد.
    وفيها كانت وقعة بين عليّ بن كامه ابن أخت ركن الدولة وبين بيستون ابن وشمكير فكانت على بيستون.
    وفيها غرق الحاج الواردون من الموصل وكانوا في بضعة عشر زورقا كبارا فيها من الرجال والنساء نحو ألف نسمة.
    وفيها غزا الروم المسلمين فأسروا وقتلوا وسبوا وانصرفوا وذلك في طرسوس والرها.
    ودخلت سنة تسع وأربعين وثلاثمائة

    وفيها ورد الخبر بأنّ صاحب خراسان قتل رجلا من قواده يسمى بختكين من وجوه قواد الأتراك فاضطربت خراسان لأجله.
    وفيها ورد الخبر بأن ابنا لعيسى بن المكتفي بالله ظهر بناحية أرمينية وتلقب بالمستجير بالله يدعو إلى المرتضى من آل محمّد رسول الله وسلّم - ولبس الصوف وأمر بالمعروف.
    وكان هذا الرجل مضى إلى بلد الجيل فاستنصر بجماعة من الديلم المعروفيّة والمسوّدة والمنتسبين إلى مذهب السنة من مذاهب المسلمين فخرجوا معه وصاروا إلى آذربيجان فغلب على عدة بلدان منها ما كان في يد سلّار الديلمي.
    ثم ورد الكتاب في شهر رمضان من جهة ابن سلّار بأنّه أوقع بهذا الرجل المتلقب بالمستجير بالله، فأسره وقتله.
    ذكر السبب في خروجه وسرعة هلاكه

    كان السبب فيه أن جستان بن المرزبان ترك طريقة أبيه في سياسة الجيش وتوفّر على النساء واللعب ثم أدخلهنّ في التدبير.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    وكان جستان بن شرمزن تحصّن بسور أرمية وكان وهسوذان بالطرم ويضرّب بين أولاد المرزبان كما حكينا فيما تقدّم.
    وكان جستان بن المرزبان قبض على وزيره النعيمي واتّفق بين النعيمي وبين كاتب جستان بن شرمزن وهو أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه مصاهرة.
    فلمّا قبض جستان بن المرزبان على النعيمي استوحش صهره أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه وحمل صاحبه على مكاتبة أخي جستان وكان يومئذ بأرمية وأطمعه في أموال عظيمة ووعده أن يقوم بين يديه وينصره بجيشه الذين جمعهم ويقيم مقام أخيه.
    فعمل إبراهيم على ذلك وأشار عليه نصحاؤه بألّا يفعل فخالفهم وركب هواه وسار إلى أرمية واجتمع مع جستان بن شرمزن وكاتبه أبو الحسن عبيد الله بن حمدويه ووعدهما بكل ما سكنا إليه فصاروا إلى المراغة واستولوا عليها.
    وقد كان جستان بن المرزبان صار إلى برذعة. فلمّا عرف خبر أخيه إبراهيم وانحيازه إلى جستان بن شرمزن عاد إلى أردبيل فراسل ابن شرمزن وكاتبهما ومنّاهما ووعدهما بإطلاق النعيمي وبذل لهما كل ما اقترحاه، فعادا إلى موالاته وتركا إبراهيم وانصرفا عنه إلى أرمية وأخلفاه في كلّ ما كانا بذلاه.
    فلمّا رأى إبراهيم ذلك عاد إلى أرمية وبقي جستان بن شرمزن وكاتبه يطمعان كل واحد من الأخوين أعنى إبراهيم وجستان ابني المرزبان أنّهما معه حتى استكملا بناء سور أرمية وقلعة في داخلها منيعة واستكثرا من جمع الأقوات والآلات.
    وظهر للأخوين معا نيّة ابن شرمزن في النفاق والعداوة فتراسلا وتصالحا وعملا على أن يجتمعا ويقصداه.
    واتفق أن هرب أبو عبد الله النعيمي من حبس جستان بن المرزبان وصار إلى موقان وكاتب ابن عيسى بن المكتفي بالله المتلقب بالمستجير بالله، وأطمعه في الخلافة وأن يجمع له من الرجال من يستولى بهم على آذربيجان فإذا قوى بالمال والرجال قصد العراق.
    فسار المستجير بالله في نحو ثلاثمائة رجل من المسوّدة ولم يكن بعد تمكّن ولا اجتمع له من الرجال ما أراد.
    فلمّا أطمعه النعيمي صار إليه واجتمع معه وصار أيضا إليه جستان بن شرمزن في عسكره فقوى به وقلّده أمر عسكره وبايعه الناس.
    وسار إليه جستان وإبراهيم ابنا المرزبان في جموعهما. فلمّا عبّى جستان عسكره تقدّم إليهم بأن يلزموا مصافّهم ويحفظوا نظامهم ولا يحملوا حتى يأذن لهم.
    وكان معهم الفضل بن أحمد الكردي القحطانى وهم صنف من الأكراد ومع جستان الصنف الآخر من الأكراد الذين يعرفون بالهدايانية وتلقاهم الهدايانية وابتدأوا بالحرب فانتقض على جستان بن شرمزن صفوفه فخرج من موضعه الذي كان فيه مع الديلم لينكر على الفضل مخالفته إيّاه ويردّه إلى موضعه فوجده قد أبعد فاتبعه فما شكّ أصحابه في انهزامه فاقتفوا أثره وصحت الهزيمة.
    وركب الهدايانية وأصحاب جستان وإبراهيم أكتافهم وأضطر جستان بن شرمزن إلى الانصراف إلى أرمية وظفر بإسحاق بن عيسى بن المكتفي بالله ولم يدر ما فعل به إلّا أنّى سمعت بقتله وسمعت بموته حتف أنفه في الحبس.
    وتمّ لوهسوذان تفريق كلمة بنى أخيه وذلك أنّه استزار إبراهيم.
    فلمّا صار إليه أكرمه ووصله بجوائز كثيرة وحمله على دوابّ وكاتب ناصرا واستغواه حتى صار إلى موقان مفارقا لأخيه ووجد الجند سبيلا إلى إقامة سوقهم والمطالبة بالأموال ففارق أكثرهم جستان وصاروا إلى ناصر فقوى وسار إلى أردبيل فملكها والجأ أخاه جستان إلى القلعة المعروفة بالنير.
    ثم اجتمع الديلم والأكراد على ناصر يطالبونه بما لا يفي به وقعد به عمّه وهسوذان فعلم حينئذ أنّ وهسوذان عمّه كان يغويه وعرفا جميعا مغزاه فتراسلا وتصالحا وسلم ناصر الأمر إلى أخيه جستان فنزل من قلعته وصارا جميعا إلى أردبيل على إضاقة شديدة لنفاد الأموال وكثرة المتغلّبين على الأطراف. فاضطرّا إلى الخروج الى عمّهما وهسوذان مع والدة جستان بعد أن توثّقوا منه بالأيمان الغليظة والعهود.
    فلمّا حصلوا تحت قبضته حبسهم ونكث واستولى على العسكر وعقد الإمارة لابنه إسماعيل بن وهسوذان وسلّم إليه أكبر قلاعه شميران وأخرج الأموال وأرضى الجند وجعل أبا القاسم شرمزن بن ميشكى صاحب جيشه وأخرجه إلى أردبيل.
    وكان إبراهيم قد صار إلى أرمينية فتأهّب لمنازعة إسماعيل ومحاربته ولاستنقاذ أخويه جستان وناصر من محبس عمّهما وهسوذان وكان وهسوذان قد ضيّق عليهما وأساء كل الإساءة إليهما.
    فلمّا عرف وهسوذان اجتماع إبراهيم على حرب إسماعيل واجتماع خلق من الديلم معه بادر بقتل جستان وناصر وأمّهما وأتى على كل من يقرب منهم ويخاف ناحيتهم وكاتب جستان بن شرمزن والحسين بن محمد بن الورّاد بقصد إبراهيم وأنفذ إليهما مددا من جهته فاستجابا له وزحفا إليه وزحف إسماعيل فهرب إبراهيم إلى أرمينية وكان جستان بن شرمزن قريبا منه فاستولى على عسكره وملك المراغة وأضافها إلى أرمية.
    غزو سيف الدولة الروم

    وفيها غزا سيف الدولة في جمع كثير فأثّر في بلدان الروم آثارا عظيمة وأحرق وفتح حصونا وحصل في يده سبى كثير وأسارى وانتهى في غزوه إلى خرشنة فلمّا أراد الخروج أخذ الروم عليه المضايق فما تهيّأ له أن يتخلّص إلّا بجهد عظيم هو ونحو ثلاثمائة غلام وهلك باقى أصحابه أسرا وقتلا وارتجع منه السبي كلّه والأسارى والغنيمة وأخذ جميع خزائنه وسلاحه وكراعه وقتل من الوجوه الذين معه حامد بن النمس وموسى بن سياكان والقاضي أبو حصين وكان معه من المسلمين ثلاثون ألفا وخرج أهل طرسوس من طريق آخر فسلموا.
    ذكر السبب في سلامتهم ومصاب سيف الدولة

    كان هذا الرجل أعنى سيف الدولة معجبا يحبّ أن يستبدّ برأيه وألّا تتحدث نفسان أنّه عمل برأى غيره وكان أشار عليه أهل طرسوس بأن يخرج معهم لأنّهم علموا أنّ الروم قد ملكوا عليه الدرب الذي يريد الخروج منه وشحنوه بالرجال فلم يقبل منهم ولجّ فأصيب المسلمون بأرواحهم وأصيب هو بماله وسواده وغلمانه.
    حوادث أخر

    وفيها استأمن أبو الفتح المعروف بابى العربان أخو عمران بن شاهين وصار إلى واسط بحرمه وعياله وولده لأنّه خاف أخاه ودخل بغداد في ذي القعدة ولقي معزّ الدولة.
    وفيها أملك أبو الفضل العبّاس بن الحسين الشيرازي بابنة الوزير أبي محمّد المهلّبي.
    وفيها مات أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن البريدي.
    وفيها أسلم من الأتراك نحو مائتي ألف خركاه.
    وفيها انصرف حاجّ مصر بعد أن قضوا حجّهم فنزلوا في واد بمكة. فلمّا كان بالليل حملهم الوادي وهم لا يشعرون فغرق أهل مصر وكانوا عددا كثيرا جدّا وكبسهم الماء مع أمتعتهم إلى البحر.
    ودخلت سنة خمسين وثلاثمائة

    اشتداد علة معز الدولة

    فيها اشتدت علّة معزّ الدولة وامتنع عليه البول فاشتدّ جزعه وقلقه واستدعى الوزير أبا محمّد المهلّبي في الليل والحاجب سبكتكين فأصلح بينهما عن وحشة قديمة وبكى وندب على نفسه على عادة الديلم.
    فلمّا كان آخر الليل بال دما بشدّة ثم تبعه رمل وخفّ ألمه. فلمّا كان من الغد وهو يوم الخميس لخمس خلون من المحرّم سلّم داره وكراعه وغلمانه إلى ابنه عزّ الدولة وفوّض إليه الأمور وجمع المهلّبي الوزير والحاجب سبكتكين على الوصاة به وخرج في عدّة يسيرة من غلمانه وخاصّته ليمضى إلى الأهواز.
    ذكر سبب هذه الحركة والخروج بعد ظهور الصلاح والبرء من المرض

    كان سبب ذلك استشعاره أنّ بغداد هي التي أحدثت له الأسقام وهي التي أفسدت عليه صحّته وتذكّر أيّام مقامه بالأهواز وهي أيّام شبابه ووفور قوّته وظنّ أنّ الأهواز هي التي كانت تجلب له الصحّة وأنّها توافقه.
    فوصّى الحاجب سبكتكين والوزير المهلبي بابنه عزّ الدولة وبالجيش وغيره ممّا كان في نفسه وانحدر إلى كلواذى.
    فلمّا صار بها أشار المهلّبي بأن يقيم ويتأمّل أمره ويفكّر فيه ولا يعجل.
    فأقام بكلواذى وأخذ في تقدير بناء قصر ثم انتقل إلى الشفيعى وقدّر هناك البناء ثم انتقل منه إلى قطربّل لأنّها أعلى بغداد والهواء والماء هناك أصفى وأعذب وعمل على أن يبنى من حدّ قطربّل إلى باب حرب قصرا.
    ثم صلح من علّته وأبو محمّد المهلبي في كل ذلك يعلّله ويصرف رأيه لعلمه بكثرة المؤن والنفقات التي تلزمه وبكراهة الجند والحاشية لانزعاجهم من أوطانهم ومألفهم ولكراهية تخريب بغداد بانتقال الملك عنها فلم يزل به حتى صرف رأيه. ولمّا علم أنّه لم يكن من البناء بدّ وأن يكون متصلا ببغداد من أعاليها ليكون هواؤه وماؤه أصحّ وأنظف، أنزله في البستان المعروف بالصيمرى وهو في أعلى بغداد من الجانب الشرقي بقصر فرج وأخذ في هدم ما يليه من العقارات وابتياعها من أهلها إلى حدود ربيعة الدور وكلّف أبا القاسم ابن مكرم وأبا القاسم ابن جستان العدلين ابتياع العقارات المجاورة له.
    وأصلح ميدانا على طول دجلة وبنى الاصطبلات على نهر مهدى وقلع الأبواب الحديد التي على المدينة: مدينة أبي جعفر المنصور، والتي بالرصافة وعلى شارع نهر المعلّى ونقلها إلى داره ونقض قصور الخلافة بسرّ من رأى وسور الحبس المعروف بالحديد وبنى به داره وبالآجرّ الذي استعمله وطبخه في الأتاتين ووثق البناء واختيرت له الآلات والجص والنورة وبالغ في الإحكام وجلب له البناءون الحذّاق المشهورون من جميع البلدان الكبار من الأهواز والموصل وإصبهان وبلدان الجبل وغيرها.
    ونزل لبعض الأساسات ستّا وثلاثين ذراعا ورفعها إلى وجه الأرض بالنورة والآجر إلى أن ارتفع فوق الأرض بأذرع.
    ولزمه على هذا البناء إلى أن مات ثلاثة عشر ألف ألف درهم صادر فيها أسبابه سوى ما لم يشتره من الآلات التي ذكرناها والتي لم نذكرها.
    وكان مقيما طول المدة في بستان الصيمري ثم انتقل إلى الدار التي بناها في يوم الاثنين لثمان بقين من ذي القعدة سنة خمسين وثلاثمائة قبل أن يستتمّ بناؤها.
    موت أبي بكر أحمد بن كامل صاحب الطبري

    وفيها مات أبو بكر أحمد ابن كامل القاضي - رحمه الله - ومنه سمعت كتاب التاريخ لأبي جعفر الطبري وكان صاحب أبي جعفر قد سمع منه شيئا كثيرا ولكني ما سمعت منه عن أبي جعفر غير هذا الكتاب بعضه قراءة عليه وبعضه إجازة لي وكان ينزل في شارع عبد الصمد ولي معه اجتماع كثير.
    موت قاضى القضاة وما كان من أمر غلامه

    وفيها مات قاضى القضاة أبو السائب عتبة بن عبيد الله وقبضت أملاكه وصودر محمّد الحاجب غلامه وضربه الوزير أبو محمّد المهلبي بحضرتى ضرب التلف لما كان بلغه [ عنه ] من التحرّم والتهتّك في أيّام أبي السائب ولم يكن به إلّا التشفّى منه فنثر كعابه ضربا.
    وكان هذا الرجل عاهرا يتعرّض لحرم الناس وكان مرسوما بحجبة قاضى القضاة. فكان لا يمتنع عليه من لها خصومة أو حاجة عند قاضى القضاة وكان جميلا مقبول الصورة ويتصنّع مع ذلك ويتهم بفواحش مع صاحبه.
    وفيها مات أبو نصر إبراهيم بن عليّ بن عيسى كاتب الخليفة فجأة وتقلّد كتبة الخليفة عن خاص أمره أبو الحسن سعيد بن عمرو بن سنجلا.
    قبض معز الدولة على الخازن وصاحبي ديوان

    وفيها قبض معزّ الدولة على أبي على الخازن وأبي مخلد وأبي الفرج محمّد بن العبّاس صاحب الديوان وعلى أبي الفضل العبّاس بن الحسين الشيرازي وأبي سهل ديزويه صاحب ديوان الجيش وحملهم إلى دار الوزير المهلّبي وسلّمهم إليه.
    ذكر السبب في ذلك

    احتيج إلى النفقة على البناء وكان الوزير المهلبي - رحمه الله - يقصد أبا عليّ الخازن لشيء كان بلغه عنه قديما وكذلك أبا مخلد وأبا الفرج فذكر لمعزّ الدولة أنّه يلتزم مالا ويلزم كلّ واحد من هؤلاء مما ادّخره واحتجنه ولا يحتاج إليه مالا يتمّ به أمر البناء.
    وكان معزّ الدولة شديد الثقة بأبي عليّ الخازن وكان أبو عليّ كثير التمويه متفاقرا يظهر من الفقر والإقتصاد أكثر مما يحتمل مثله.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    فقال معزّ الدولة للوزير أبي محمّد:
    « ما تريد من البائس الذي قد قنع منّا بالقوت اليسير؟ » فقال له الوزير:
    « أنا أستخرج منه وحده ما يحتاج إليه للبناء. » وتكلّم على غيره بقريب من ذلك. فسلّم الجميع إليه. فحضرت مناظرة الوزير أبي محمّد للجماعة.
    أمّا أبو مخلد فإنّه لما خوطب والتمس منه مال قال:
    « إني خدمت الأمير معزّ الدولة ولا أملك إلّا طنفسة وكساء ودواة، وأنا اليوم نظير أكبر ملك من ملوك الأطراف مالا وضياعا وأثاثا وغلمانا روقة وفرشا، فإلى أن أعود إلى رأس مالي فأنا على الربح.
    فألزمه الوزير خمسمائة ألف وجزّاه الخير وصرفه إلى منزله بعد أن أخذ خطّه بها.
    فلمّا خرج التفت الوزير إلينا وقال:
    « هذا رجل مقبل كنت أظنّه يتماتن ويخاطبني بحسب دالّته وموضعه من الأمير فقد اتّقانى بما قال وحمى نفسه وعرضه وماله وهكذا يصنع الإقبال بصاحبه. » وخاطب أبا على الخازن، فسلك سبيله المعروف وزعم أنّه لا يستبيت، ولم يستجب إلى شيء بتّة فنحى من بين يدي الوزير ووكّل به في ناحية من الدار.
    وأمّا أبو سهل ديزويه فتمارض وشدّ رأسه بخرقة فأحضر كرّازا ووضعه عند رأسه وقال:
    « أنا غريب. » فأضحك الناس من نفسه وأعرض الوزير عنه ذلك اليوم.
    وأمّا أبو الفضل فلحقته عناية الوزير لما بينهما من الوصلة فأخذ خطّه بثلاثمائة ألف درهم وصرفه إلى منزله. وكذلك فعل بأبي الفرج صاحب الديوان أجراه مجرى أبي الفضل وأخذ خطّه بثلاثمائة ألف.
    فلمّا كان بعد أيّام راسله ديزويه وسأله أن يعفو عنه ويجريه مجرى أبي الفضل ففعل ذلك به.
    وبقي أبو عليّ الخازن على لجاجه لا يلتزم شيئا ثم أنعم بعد التهديد بشيء وراسل أخت معزّ الدولة يستقرض منها ما يشترى به نفسه من مكروه الوزير وظنّ أنّ ذلك يبلغ الأمير فيكون سبب إطلاقه فخاطب معزّ الدولة الوزير فيه وقال:
    « ألم أقل لك إنّه لا يملك شيئا. » فقال: « أيّها الأمير لا تلتفت إلى مخاريقه وخدائعه ودعني أستخرج منه مالا عظيما. » فسكت عنه وراسل أبو عليّ الخازن كلّ من عرفه فاستقرض منه حتى شاع خبره في الدولة بالفقر وإنّ الوزير يقصده.
    فلمّا كان في بعض الليالي لسعه في ظهره شيء أدماه وتألّم منه وكان موضعه الذي وكّل فيه من دار الوزير موضع غنم فيما تقدّم فظنّه الناس لسع طبّوع وقالوا: ليس شيء من الهوامّ يخرج بلسعته الدم إلّا هذا الحيوان أو الأفعى.
    فاتّفق أن مات أبو عليّ الخازن بعد أيّام قلائل في اعتقاله وقامت على الوزير أبي محمّد المهلبي القيامة وخاف أن يتّهم به، ومع ذلك فلم يكن ارتفع من جهته إلّا شيء نزر قليل. ثم عرف أنّه قد وصل إليه من القروض أضعاف ما أدّاه في مصادرته فتعجّب من جلادته وتوقّع عتب الأمير معزّ الدولة في بابه ووطّن نفسه على مكروه.
    ثم رأى أن يبتدئ معزّ الدولة ويستأذنه في البحث والتنقير عن أسبابه وأظهر أنّه على ثقة من تلك الأموال التي وعده بها من جهته حتى سكّن من معزّ الدولة وأخذ إذنه في ذلك ولم يكن يثق بشيء مما ضمنه من جهته ولكنّه برّد عن نفسه في الحال.
    ثم أخذ في التفتيش فأثار له أموالا كثيرة بعضها جرى بحضرتى فكان من ذلك أن قبض على غلمانه وأسبابه وخلا بواحد واحد منهم فأرهبه وأرغبه وسأله هل يتّهم موضعا من داره بدفين أو يتّهم معاملا له بوديعة فقال له:
    « إنّ هذا الرجل كان أدهى من أن يعمل شيئا ممّا تطلبه وتبحث عنه بحضرة أحد ولست أتّهم أحدا إلّا أنّه طرد غلاما له مزيّنا من حجرة مرسومة به وجلس في حجرته للخلوة أيّاما. » فعبر الوزير بنفسه إلى دار أبي على الخازن والتمس حجرة المزيّن وكان غلاما حبشيا أو نوبيا فجلس فيها فحفر مواضع فيها فظفر بمال لم أعرف مبلغه.
    وكان في جملة المدفون آلة شبيهة بميزان، أعنى بيت الميزان من خشب الساج له طبق كطبق الميزان وليس فيه مواضع كفة ولا موضع السنج بل هو محفور من ترابيعه شبيها بحوض وعليه طبقة مهندما عليه وهو خال لا شيء فيه. فعجب منه ثم قلب ذلك الطبق ووجد عليه كتابة فحمل تلك الآلة إلى منزله وحمل المال إلى خزانة معزّ الدولة.
    فعهدي به يقلّب تلك الآلة ويتأمّل تلك الكتابة وكانت بخطّه خط ردىء، فإذا هي أسماء قوم ورموز لا يفهم منها شيء وكانت تلك الأسماء مفردة لا يقترن بها شيء يستدلّ به على صاحبه.
    فما شكّ الوزير أنّ تلك الأسماء أسماء قوم مودعين وأنّ تلك الرموز مبلغ ما عندهم من المال فاستعمل دهاءه فيه وقال:
    « أجد هذا الاسم وهو « عليّ » مكررا فإن استخرجناه أخرج لنا باقى الأسماء. » فقيل له:
    « كم من رجل اسمه عليّ كان يواصل هذا الرجل. » فقال: « لا تفعلوا فإنّ المعاملين الذين هذا اسم لهم قليلون فمن كان منهم يصلح للوديعة أقلّ منهم. » ثم تجاوز ذلك إلى اسم أظنّه « أحمد » فقال:
    « هذا اسم صيرفى في دار أبي على وهو في درب عون فأحضرونيه. » فأحضر وقال له الوزير:
    « قد وجدنا ثبتا باسمك وبخطّ أبي عليّ بمبلغ ما عندك، فأنفذ الساعة صاحبك ليحضره. » فاضطرب الرجل وأنكر أن يكون له عنده مال فبطش به ولحقه أذى ومكروه ثم أمر به فحبسه وقيّده بقيد ثقيل فيه ثلاثون منّا فتفسّخ فيه الرجل ودخل إليه المستخرج وهدّده فاعترف.
    وكان باسمه سبعة أنوكى ولم يكن فينا أحد يعرف معنى « انوكى ».
    فقال الوزير:
    « فطالبوه بسبع بدر دنانير استظهارا. » ففعل ذلك فوافق تخمينه صحّة الأمر وأدّى خمسين ألف دينار.
    ثم لم يزل يتتبع تلك الأسماء وقد صحت له الرموز فاستخرج نحو مائتي ألف دينار من هذه الوجوه سوى دفائنه.
    وقامت حرمة الوزير أبي محمّد عند معزّ الدولة وانبسط لسانه وجاهه وصار مقبول القول عنده بعد أن ظنّ أنّ الذي فاته من خازنه شيء لا عوض له منه أمانة وثقة ودينا.
    وتقلّد مكان أبي عليّ الخازن أبو محمّد عليّ بن العباس بن فسانجس للنصف من شعبان وأقطع إقطاع أبي عليّ.
    وفيها تقلد القاضي أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب القضاء في جانبي بغداد ومدينة أبي جعفر المنصور وقضاء القضاة وخلع عليه من دار السلطان من حيث امتنع الخليفة من أن يصل إليه.
    وركب بالخلع من دار معزّ الدولة وبين يديه الدبادب والكرك والبوقات وفي موكبه الغلمان الأتراك والجيش. وكان توصّل إلى تقلد ذلك بأن خدم أرسلان الجامدار فتى معزّ الدولة ووافقه على أن يحمل إلى خزانة الأمير في كل سنة مائتي ألف درهم وكتب عليه بها كتاب وجعلت على نجوم معروفة ولم يأذن الخليفة أن يصل إليه هذا القاضي في يوم موكب ولا غيره.
    وكان فعل القاضي ما فعله من سماجته وقبح ذكره سببا لأن ضمّنت الحسبة ببغداد وضمّنت الشرطة بعشرين ألف درهم في كل شهر من شهور الأهلّة وهذا القاضي مع قبح فعله قبيح الصورة مشوّهها.
    وفيها وافى أبو القاسم أخو عمران مستأمنا.
    وفيها ورد الخبر بأنّ عبد الملك بن نوح صاحب خراسان تقطّر به فرسه فمات وافتتنت خراسان ونصب مكانه أخ له يسمّى منصورا.
    وفيها حمل إلى إبراهيم السلّار من دار السلطان خلع، وعقد له على آذربيجان.
    ودخلت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة

    وفيها نقل الوزير أبو محمّد الحسن بن محمّد المهلبي سنة خمسين الخراجية إلى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.
    وفيها دخل الأمير ركن الدولة سارية من بلد طبرستان وانصرف عنها وشمكير إلى جرجان واستأمن من أصحابه إلى ركن الدولة ثلاثة آلاف رجل.
    ورود الروم عين زربة

    وفيها ورد الروم عين زربة في سفح جبل والجبل مطل عليها.
    فلمّا جاءه الدمستق في هذا الجمع العظيم أنفذ قطعة من جيشه إلى الجبل ونزل هو على بابها فملك جيشه الجبل. فلمّا رأى أهل عين زربة أنّ الجبل قد ملك عليهم وأنّ جيشا آخر قد ورد إلى باب المدينة وأنّ مع الدمستق دبّابات كثيرة وأنّه قد أخذ في نقب السور، طلبوا منه الأمان، فآمنهم وفتحوا له باب المدينة فدخلها.
    فوجد خيله الذين في الجبل قد نزلوا إلى المدينة فندم على إعطائهم الأمان فنادى في البلد من أول الليل بأن يخرج جميع أهله إلى المسجد الجامع وأنّ من تأخّر في منزله قتل. فخرج من أمكنه الخروج.
    فلمّا أصبح أنفذ رجّالته في المدينة وكانوا ستين ألف رجل وكل من وجدوه في منزله قتلوه. فقتلوا عالما من الرجال والنساء والصبيان والأطفال وأمر بجمع ما في البلد من السلاح فجمع منه أمر عظيم وكان في جملته أربعون ألف رمح وقطع ما في البلد من النخل فقطع نحو خمسين ألف نخلة.
    ونادى فيمن حصل في المسجد الجامع من الناس بأن يخرجوا عن البلد إلى حيث شاءوا وأنّ من أمسى ولم يخرج قتل.
    فخرج الناس مبادرين وتزاحموا في الأبواب فمات بالضغط جماعة من الرجال والنساء والصبيان ومرّوا على وجوههم حفاة عراة لا يدرون إلى أين يتوجّهون، فماتوا في الطرقات ومن وجد في المدينة آخر النهار قتل، وأخذ كل ما خلّفه الناس من أمتعتهم وأموالهم وهدم السوران اللذان على المدينة وهدمت المنازل.
    وبقي الدمستق مقيما في بلدان الإسلام أحدا وعشر يوما وفتح حول عين زربة أربعة وخمسين حصنا منها بالسيف ومنها بالأمان.
    فكان في بعض الحصون التي فتحت بالأمان حصن أمر أهله بالخروج منه فخرجوا فتعرّض بعض الأرمن للنساء اللواتي خرجن منه، فلحق رجالهن غيرة عليهن فجرّدوا سيوفهم فاغتاظ الدمستق منهم وأمر بقتل الجميع وكانوا أربعمائة رجل، وقتل النساء والصبيان ولم يترك إلّا جارية حدثة أو من يصلح أن يسترقّ.
    فلمّا أدركه الصوم انصرف على أن يعود بعد الفطر وزعم أنّه يخلّف جيشه بقيسارية.
    وكان ابن الزيات صاحب طرسوس خرج في أربعة آلاف رجل من الطرسوسيين فأوقع به الدمستق وقتل جميع من كان معه وقتل أخاه وكان ابن الزيات قد قطع الخطبة لسيف الدولة وأنفذ إليه رسلا فلمّا وقف ابن الزيات على ذلك لبس سلاحه واعتمّ وخرج إلى روشن داره وكانت داره، على شاطئ نهر، فرمى بنفسه من داره إلى النهر فغرّقها.
    حوادث عدة

    وفيها دخل ركن الدولة جرجان وذلك في المحرم.
    وفيها ورد الخبر بأنّ صاحب خراسان أنفذ جيشا كثيفا إلى غلام له شذّ عنه يقال له: الفتكين، وأنّ الفتكين أوقع بالجيش وهزمه واستأسر وجوه القوّاد وفيهم خال صاحب خراسان.
    وفيها لقّب الخليفة الأمير أبا شجاع فناخسره بن ركن الدولة عضد الدولة وكتب به كتاب.
    وفيها أسر الروم أبا فراس ابن أبي العلاء ابن حمدان من منبج وكان متقلدا لها.
    ورود الدمستق حلب

    وفيها ورد الخبر بأنّ الدمستق ورد إلى حلب وملكها وكان الدمستق وافاها ومعه ابن أخت الملك ولم يعلم سيف الدولة ولا أحد بخبره لأنّها كانت كبسة.
    فلمّا علم سيف الدولة به أعجله الأمر فخرج نحوه وحاربه قليلا فقتل أكثر من معه وقتل جميع ولد داود بن حمدان وابن للحسين بن حمدان.
    فانهزم سيف الدولة في نفر يسير وظفر الدمستق بداره وهي خارج مدينة حلب.
    فوجد لسيف الدولة من الورق ثلاثمائة وتسعون بدرة فأخذها ووجد له ألف وأربعمائة بغل فتسلّمها ووجد له من خزائن السلاح ما لا يحصى كثرة فقبض جميعها وأحرق الدار وملك الربض.
    وقاتله أهل حلب من وراء السور فقتل من الروم جماعة بالحجارة وسقطت ثلمة من السور على قوم من أهل حلب فقتلهم وطمع الروم في تلك الثلمة فأكبّوا عليها ودفعهم أهل البلد عنها.
    فلمّا جنّهم الليل اجتمع المسلمون عليها فبنوها وأصبحوا وقد فرغوا وعلوا عليها وكبّروا وبعد الروم قليلا إلى جبل هناك يعرف بجبل جوشن.
    وذهب رجالة الشرطة بحلب إلى منازل الناس وخانات التجار ينهبونها وقيل للناس:
    « الحقوا بمنازلكم فإنّها قد نهبت » فنزلوا عن السور وأخلوه ومضوا إلى منازلهم مبادرين ليدافعوا عنها.
    فلمّا رأى الروم السور خاليا وطالت المدة وتجاسر الروم صعدوا وأشرفوا على البلد ورأوا الفتنة فيه والنهب فنزلوا وفتحوا الأبواب ودخلوا فوضعوا السيف في الناس فقتلوا كل من لقيهم ولم يرفعوا السيف إلى أن كلّوا وضجروا.
    وكان في البلد من أسارى الروم ألف ومائتا رجل. فتخلصوا وحملوا السلاح على المسلمين وكان سيف الدولة قد أعدّ من الروم سبعمائة رجل ليفادى بهم فأخذهم الدمستق وسبى من البلد من المسلمين والمسلمات بضعة عشر ألف صبي وصبية، وأخذ من خزائن سيف الدولة وأمتعة التجار ما لا يحد ولا يوصف كثرة.
    فلمّا لم يبق معه شيء يحمل عليه أحرق الباقي بالنار وعمد إلى الحباب التي يحرز فيها الزيت، فصب فيها الماء حتى فاض الزيت على وجه الأرض وأخرب المساجد وأقام فيها تسعة أيام.

  • صفحة 4 من 10 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الخامس
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 53
      آخر مشاركة: 06-15-2010, 09:58 AM
    2. تجارب أمم المجلد الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 99
      آخر مشاركة: 06-15-2010, 01:21 AM
    3. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    4. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    5. انطلاق السباق المحلي السادس بقطر
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-11-2010, 12:27 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1