سيرتهم وكيف ضبطوا ممالكهم ونيّات أصحابهم بضروب الضبط: أولا بالدين الذي يحفظ نظامهم ويملك سرائهم ثم بأصحاب الأخبار الثقات والعيون المذكاة على مدبّرى أمورهم والتفقّد لهم يوما يوما وحالا فحالا، وترك إيحاشهم ما أمكن، ومداراة من تجب مداراته، والبطش بمن لا حيلة في استصلاحه ولا دواء لسريرته. وقد كان حصفاء الملوك يخرجون من خزائنهم الأموال العظيمة جدا إلى أصحاب الأخبار ولا يستكثرونها في جنب ما ينتفعون به من جهاتهم.
فأما ما انتهى إليه أمر ديسم فإنّه خاف بعد ذلك على نفسه وسأل المرزبان أن يخرجه إلى قلعته بالطرم ليقيم فيها مع أهله ويقبض على ارتفاع ضياعه وهو ثلاثون ألف دينار في السنة وهو دون ما كان يبذله المرزبان له ويتكلّفه من مؤونته. فأجابه إلى ذلك وحصل في القلعة مصونا في أهله ونفسه وضياعه.
ودخلت سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة

وفيها وافى الأمير أبو الحسين أحمد بن بويه إلى عسكر أبي جعفر بإزاء البصرة وأظهر أنّ السلطان كاتبه في حرب البريدي. فأقام مدّة يحاربهم ثم استأمن جماعة من قوّاده إلى البريديين مثل روستاباش وغيره. فاستوحش من المقام وعاد إلى الأهواز بعد أن استأمن إليه جماعة من عسكر البريدي.
وفيها زوّج ناصر الدولة ابنته من الأمير أبي منصور ابن المتّقى ووقّع الأملاك والخطبة بحضرة المتقى ولم يحضر ناصر الدولة وجعل العقد إلى أبي عبد الله محمّد بن أبي موسى الهاشمي. وكان الخاطب القاضي الخرقى فلحن في مواضع وجعل الصداق والنحلة واحدا وجعلها صداقا وكان الصداق خمسمائة ألف درهم والنحلة مائة ألف دينار ولم يحسن أن يعقد التزويج فعقده ابن أبي موسى.
القبض على القراريطي وجعل اسم الوزارة على أبي العباس الإصفهاني

وفي رجب من هذه السنة عبر الوزير أبو إسحاق القراريطي إلى ناصر الدولة على رسمه، فقبض عليه وعلى جماعة معه. فكانت مدّة وزارته ثمانية أشهر وستة عشر يوما وجعل اسم الوزارة على أبي العباس أحمد بن عبد الله الإصفهاني وخلع عليه المتقى خلع الوزارة في دار السلطان لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب وانصرف بها إلى دار الأمير ناصر الدولة.
فكان يلبس القباء والسيف والمنطقة في أيام المواكب والمدبر للأمور أبو عبد الله الكوفي وصودر القراريطي والكتّاب والمتصرّفون.
استيفاء عدد الأيدى والأرجل المقطوعة

وكان ناصر الدولة ينظر في قصص أصحاب الجنايات من العامّة وفيما ينظر فيه صاحب الشرطة وتقام الحدود الواجبة عليهم من ضرب وقطع يد ورجل بحضرته وتعرض عليه الأيدى والأرجل إذا قطعت وتعد بحضرته ويستوفى العدد عليهم لئلا يرتفق أصحاب الشرطة من الجناة ويطلقوا من غير علمه.
ذكر ما آل إليه أمر سيف الدولة بواسط مع الأتراك وما اتصل بذلك من خبر ناصر الدولة ببغداد

كان سيف الدولة أبو الحسن مقيما بواسط مفكرا في أن يسير بالجيش والأتراك إلى البصرة ليفتحها. وكان أخوه ناصر الدولة يدافعه بحمل المال ويضايق الأتراك خاصة وكان توزون وخجخج يسيئان الأدب على سيف الدولة بواسط ويتحكّمان عليه حتى ضاق ذرعا بهما.
وكان ناصر الدولة قد أنفذ أبا عبد الله الكوفي إلى سيف الدولة أخيه ومعه ألفي ألف درهم وخمسين ألف دينار لينفق في الأتراك. فوثب توزون وخجخج به بحضرة سيف الدولة وأسمعاه مكروها. فضمّه سيف الدولة إلى نفسه ثم ستره في بيت وقال لهما:
« أما تستحيان مني فتجاملانى في كاتبي. » ثم واقف سيف الدولة كاتب خجخج أن يسير خجخج إلى المذار ويسوّغه ارتفاعها إذا حماها وواقف أبا عليّ المسيحي كاتب توزون على المسير بتوزون إلى الجامدة ويوهب له ارتفاعها وعليه حمايتها. وانتظم هذا التدبير وعاد الكوفي إلى مجلسه بحضرة سيف الدولة ورهب أن يعود إلى منزله وعبر خجخج إلى غربي واسط للمسير واستعدّ توزون أيضا للمسير إلى الجامدة.
فوافى أبو عمرو المسيحي وقت الظهر لثلاث بقين من شوّال هاربا من ناصر الدولة إلى أخيه أبي عليّ المسيحي وكان معه توقيع من ناصر الدولة بخطه إليه يقول فيه:
« قد اتّصل طمعك فيّ وانبساطك عليّ وأنا محتمل وأنت مغترّ. وبلغني إدخالك يدك في وقف فلان. وو الله لئن لم تخلّصها وتقصر عن فعلك المذموم لأقطعنّ يديك ورجليك. » فزعم أبو عمرو المسيحي أنّه قرأه وانحدر وذكر أنه قال له قبل ذلك بأيام:
« يا مسيحيّ، أنت مجتهد في أن تجعل توزون أميرا وعلى رأسك تحثو التراب. إن بلغ ما تؤمّله له لم يرضك كاتبا لنفسه وطلب ابن شيرزاد أو مثله وشبهه فاستكتبه وأنف منك فصادرك. » فتلافى سيف الدولة أبا عمرو المسيحي وواراه وراسل توزون وسكّنه. وكان سيف الدولة كثيرا يزهّد الأتراك في العراق ويحملهم على قصد الشام معه والاستيلاء عليه وعلى مصر ويضرّب بينهم وبين أخيه فكانوا يصدقونه في أخيه ويأتون عليه في البعد من العراق وكانوا يستحبّون على سيف الدولة ويطالبونه باستحقاقاتهم وينصّون على أن يوفيهم يوم الستين من أيامهم استحقاقهم ويستصغرونه وأخاه.
فلمّا وافى أبو عمرو المسيحي قالوا له:
« نحتاج أن تحمل مال قائد قائد ورجاله وتوفّينا ذلك بالقبّان وزنة واحدة مالا مالا. » فأجاب إلى ذلك قطعا للحجّة، وساموه أن يكون الوزن بالليل والنهار فصبر على ذلك كلّه وأذن فيه.
وأخرج سيف الدولة أبا عبد الله الكوفي ليلا وضمّ إليه ابن عمّه أبا وليد في جماعة من العرب وأصعد معه بنفسه إشفاقا عليه ثم وصّى العرب حتى بلغوا به المدائن. فلمّا كان ليلة الأحد انسلاخ شعبان كبس الأتراك سيف الدولة بالليل وهرب من معسكره ولزم نهرا بقرب معسكره، فأدّاه إلى قرية تعرف ببرقة ولزم البريّة حتى وافى بغداد. وأضرم الأتراك النار في عسكره وقد كان بقي من المال المحمول إليه مع الكوفي من عند أخيه شيء لم يفرّق فيهم فنهبوه ونهب جميع سواده فهذا خبر سيف الدولة بواسط.
خبر ناصر الدولة ببغداد

فأمّا خبر ناصر الدولة ببغداد فإنّ أبا عبد الله الكوفي وصل إلى بغداد ولقي ناصر الدولة ووصف له الصورة فبرز ناصر الدولة إلى باب الشمّاسية وركب إليه المتقي لله في دجلة يسأله التوقّف عن الخروج من بغداد فعبّر ناصر الدولة غلمانه إلى الجانب الشرقي من بغداد وأكثر جيشه ليوهم الأتراك أنه يعبر ويسير في الجانب الشرقي.
فلمّا حصل جيشه في الجانب الشرقي قطع الجسر وسار ناصر الدولة في الجانب الغربي فنهبت داره، وأفلت يانس غلام البريدي وأبو الفتح ابن أبي طاهر من الحبس وعادا إلى البصرة، واستتر أبو عبد الله الكوفي، وخرج من بقي من الديلم ببغداد إلى المصلّى وعسكروا هناك، وضبط الأتراك الذين كانوا ببغداد دار السلطان، ورحل الديلم من المصلّى ودبّر الأمور بالحضرة أبو إسحاق القراريطي من غير تسمية بوزارة، وانعقدت الرئاسة بواسط لتوزون.
فكانت مدّة إمارة ناصر الدولة أبي محمّد ابن حمدان ثلاثة عشر شهرا وثلاثة أيام.
ذكر ما جرى من أمر توزون بواسط مع الأتراك بعد هزيمة سيف الدولة حتى تمت له الإمارة

لمّا انصرف سيف الدولة من واسط على تلك الصورة وعاد توزون وخجخج إلى معسكرهما وقع الخلاف بينهما وتنازعا الرئاسة ثم استقرّت الحال على أن يكون توزون الأمير وجيء بالآس والريحان إليه على رسم العجم إذا ترأّس واحد منهم، وعلى أن يكون خجخج صاحب جيش وهو الاسفهسالار، وأمضى القوّاد ذلك عليهما بغير رضى جماعة. ثم صاهر القوّاد بينهما وطمع البريدي بواسط فأصعد إليها وتقدّم توزون إلى خجخج أن ينحدر إلى نهر أبان ويراعى من يرد من أصحاب البريدي ويطالعه فنفذ.
ووافى عيسى بن نصر برسالة البريدي إلى توزون يهنّئه بالإمارة ويسأله أن يضمّنه أعمال واسط ويعرّفه عنه أنّ الرأي تعجّله إلى الحضرة لإخراج ابن حمدان عنها. فأجابه جوابا جميلا وامتنع من التضمين وقال:
« إذا استقرّت الأمور تخاطبنا في الضمان فأمّا وأنا بصورتي هذه وأنت تظنّ انى مطلوب خائف من بنى حمدان فلا وعسكري عسكر بجكم الذي قد جرّبت وخبرت وطائفة منهم تفي لك. » وانصرف عيسى بن نصر وأتبعه توزون جاسوسا.
ذكر سبب قبض توزون على خجخج وسملة إياه

فعاد إليه الجاسوس وأعلمه أنّه اجتمع مع خجخج وتخاليا طويلا وأنّ خجخج على الاستئمان إلى البريدي. فسار إليه توزون للثاني عشر من رمضان ومعه مائة غلام من الأتراك ومائة من الخاصة واشكورج وجماعة من الكبار وكبسه في فراشه. فلمّا أحسّ به ركب دابة النوبة بقميصه وفي يده لتّ ودفع عن نفسه سويعة ثم أخذوه وجاءوا به إلى واسط وسملة توزون وهدأت نار خجخج.
وسعى أبو الحسين عليّ بن محمّد بن مقلة في الوزارة وراسل المتقي لله واستصلح قبل ذلك الترجمان وضمن له مالا فبعث المتقى إليه:
« إني راغب فيك مائل إليك محبّ لتقليدك، ولكن ليس يجوز أن أبتدئ بذكرك فأصلح أمرك مع الترجمان وقل له يسمّيك مع جماعة فإني أختارك من بينهم. » ففعل ذلك ولقي المتقي لله وقلّده وزارته وانصرف إلى منزله.
وورد الخبر بنزول سيف الدولة المورفه
ذكر الخبر عن مصير سيف الدولة إلى بغداد بعد هزيمته وما انتهت إليه حالته

لمّا بلغ سيف الدولة خلاف توزون وخجخج بواسط طمع في بغداد فوافى المورفة وظهر المستترون من أصحابه من الجند وخرجوا إليه. وانحدر أبو عمرو المسيحي كاتب توزون إلى واسط مستترا هاربا إلى صاحبه وانحدر أيضا الترجمان. وأرجف الناس بانحدار المتقى واضطرب الناس وأصبحوا على خوف شديد، فأمر المتقي لله بالنداء ببراءة الذمة ممّن أرجف بانحداره.
وجاء سيف الدولة في يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان إلى باب حرب، فنزل في المضارب وعليه وعلى أصحابه أثر الضرّ الشديد لما لحقهم في البرّية، وخرج إليه أصحابه ومن يريد الإثبات وجرت بينه وبين المتقي لله رسائل على يد أبي زكرياء السوسي وطالب بأن يحمل إليه مال، ووعد أن يقاتل توزون إن ورد الحضرة. فحمل إليه المتقى أربعمائة ألف درهم في دفعات وانضمّ إليه كلّ من بقي بالحضرة من القوّاد وما زال يقول في مجلسه: « ما أنصفنا أبو الوفاء توزون حيث كبسنا في الليل ونحن نيام وإلّا فليحضر نهارا ونحن مستيقظون. » ونحو هذا من الكلام.
وخلع المتقي لله على الوزير أبي الحسين بن مقلة يوم السبت لاثنى عشر بقيت من شهر رمضان.
ولمّا بلغ توزون وصول سيف الدولة الى بغداد خلّف بواسط كيغلغ في ثلاثمائة غلام وأصعد مبادرا من واسط إلى بغداد. ولمّا اتصل بسيف الدولة خبر إصعاده رحل من باب حرب مع من انضمّ إليه من قوّاد الحضرة وفيهم أبو عليّ الحسن بن هارون. ومضى على وجهه.
ودخل محمّد بن ينال الترجمان آذنا لتوزون إلى بغداد لستّ بقين من شهر رمضان ودخل توزون من الغد ونزل دار مونس واغتنم البريدي بعد توزون من واسط، فوافاها لثلاث بقين من شهر رمضان، فنهب وأحرق واحتوى على الغلات وأخذ جميعها وقبض توزون على أبي عمرو المسيحي كاتبه وقلّد كتابته أبا جعفر الكرخي وسلّم أبو إسحاق القراريطي إلى الوزير أبي الحسين ابن مقلة فصادره.
ذكر الخبر عن تقليد توزون إمرة الأمراء

لمّا حصل توزون ببغداد خلع المتقى عليه وعقد له لواء وقلّده إمرة الأمراء. وصار أبو جعفر الكرخي كاتب توزون ينظر في الأمور كما كان الكوفي ينظر فيها. فأمّا الكوفي فإنّه لحق بسيف الدولة وهرب معه فكان مدّة نظر الوزير أبي الحسين ابن مقلة في الأمور إلى أن ينظر فيها أبو جعفر الكرخي نحو شهر.
وقد كان كيغلغ لمّا استخلفه توزون بواسط أمره بقتال أبي الحسين البريدي فعجز عنه، فأصعد إلى بغداد ولم يمكن توزون المبادرة بالرجوع إلى واسط إلى أن تستقرّ الأمور بالحضرة، وتدبير جميع ما يحتاج إليه. فأقام مدّة شوّال وأكثر ذي القعدة إلى أن توطّأت الأمور واستقامت.
وكان وقت هزيمة سيف الدولة من واسط أسر غلاما له يقال له: ثمل، عزيزا على سيف الدولة فأطلقه ووهبه لسيف الدولة وأكرمه وأنفذه إليه في هذا الوقت لما حصل ببغداد، فحسن موقع ذلك منه ومن ناصر الدولة حتى قال بالموصل:
« توزون صنيعتي وقد قلّدته الحضرة واستخلفته بها ».
فسكنت نفس توزون إلى ذلك، وكان مغيظا على البريدي لقبح ما عامله به.
فانحدر توزون إلى واسط وخلّف الترجمان ببغداد وتقدّم إلى أبي جعفر الكرخي أن يلحق به، وضمّن ضياعه أبا الحسين ابن مقلة برغبة منه إليه بمائة وثلاثين ألف دينار في السنة.
ووافى في هذا الوقت أبو جعفر بن شيرزاد إلى توزون هاربا من البريدي فتلقّاه توزون في دجلة وسرّ به وقال له:
« يا أبا جعفر كملت إمارتى بك وتمّت النعمة عندي لأجلك. أنت أبي وهذا خاتمي - فنزعه من يده وأعطاه إليه - فدبّرنى وصرّفنى على رأيك. » فقبّل أبو جعفر يده وسأله أن يمهله، فلم يجبه. وكان أبو الحسن الأسمر واقفا وجماعة فقال الأسمر:
« بالله يا سيدي، أجب الأمير وتصدّق بصدقة وانظر في أمره. » ففعل ونظر في أمره وأنفذ طازاد ابن عيسى آخر ذلك اليوم إلى الحضرة لخلافته.
فكان مدّة كتابة أبي جعفر الكرخي ونظره نيّفا وعشرين يوما.
ذكر سبب مفارقة ابن شيرزاد البريدي والاتفاق الغريب له في ذلك

كان يوسف بن وجيه صاحب عمان وافى في ذي الحجّة في مراكب وشذاءات يريد البصرة فيحارب بنى البريدي وكان معه من يحارب بقوارير النار فأحرق شذاءاتهم وزبازبهم. فملك الأبلّة وضغطهم. فهرب في تلك الوهلة أبو جعفر ابن شيرزاد ومعه طازاد وغيره.
فأما سبب هزيمة يوسف بن وجيه بعد تمكّنه فسنذكره.
ذكر حيلة تمت على يوسف بن وجيه

كان قد استظهر استظهارا شديدا وقارب أن يملك البصرة وكان مع البريدي ملّاح يعرف بالزيادى. فلمّا ضغط يوسف بن وجيه البريديين وأشرفوا على الهلاك قال هذا الملّاح:
« إن أنا هزمت العدوّ وأحرقت مراكبه ما تصنع بي؟ » فوعده الإحسان إليه إن فعل ذلك.
ولم يعرّفه الملّاح ما يريد أن يعمل وكتم أمره ومضى. فأخذ بالنهار زورقين وليس يعلم أحد لما ذا يريدهما ولم يأخذ معه أحدا من أسباب البريدي ومضى فملأ الزورقين سعفا - ومثل هذا لا ينكر بالبصرة - وحدرهما في أوّل الليل - ومثل ذلك بالبصرة كثير لا يستراب به - وكان رسم مراكب ابن وجيه أن تشدّ بعضها إلى بعض بالليل في عرض دجلة فيصير كالجسر.
فلمّا كان في الليل ونام الناس وكلّ من في المراكب، أشعل ذلك الملّاح السعف وأرسل الزورقين والنار فيهما، فوقعا على تلك المراكب والشذاءات فاشتعلت واحترقت قلوسها وتقطّعت واحترق من فيها ونهب الناس منها مالا عظيما. وانقلع يوسف ابن وجيه ومضى هاربا على وجهه، وانكشف وجه البريدي ووفى للملّاح بما وعد له.
وفيها استوحش المتقى من توزون.
ذكر السبب في الوحشة بين توزون والمتقى وما آل إليه الأمر

كان الترجمان قد نفر من توزون لشيء بلغه عنه وكان أبو الحسين ابن مقلة خائفا من توزون لأنه خسر في مال ضمانه وأشفق أن يطالبه به ويهلكه وزاد في نفوره. وتقلّد أبي جعفر ابن شيرزاد كتبة توزون وما شكّ أحد أنّ أبا جعفر ابن شيرزاد وافى عن موافقة البريدي فطارت نفس ابن مقلة خوفا من ابن شيرزاد وأن يطالبه بمال ضمانه واقطاع توزون وخاف الترجمان وغيره وساءت الظنون وغلب القنوط على الكافّة من أهل الحضرة. فوقع التدبير بين أبي الحسين ابن مقلة وبين الترجمان على مكاتبة ناصر الدولة في إنفاذ من يشيّع المتقى ويخرجه إليه.
وقيل للمتقى:
« ثبتّ للبريدى بالأمس فجرى ما ندمت عليه وأخذ منك خمسمائة ألف دينار وخرجت إلى ناصر الدولة في دفعته الثانية فأظفرك الله وعدت موفورا وقد ضمنك بخمسمائة ألف دينار أخرى. » وقال لتوزون:
« هي باقية في يدك من تركة بجكم وهذا ابن شيرزاد وارد لتسليمك بعد خلعك. » فانزعج واعتبر بما مضى على مستأنف أمره. وأصعد بعد ذلك أبو جعفر ابن شيرزاد إلى الحضرة في ثلاثمائة غلام.
موت نصر بخراسان وانتصاب نوح ابنه

وفيها ورد الخبر بموت نصر بن أحمد بخراسان وانتصاب نوح ابنه مكانه.
ودخلت سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة