صلح بين صاحب خراسان وبين أمراء بنى بويه

وفيها خرج أبو مخلد وأبو بكر عبد الواحد بن أبي عمرو الشرابي حاجب الخليفة المطيع لله إلى صاحب خراسان في الصلح بينه وبين أمراء بنى بويه وكتب معهما كتاب عن الخليفة.
ودخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

وفيها مات أبو الفضل العباس ابن فسانجس بالبصرة وقلّد الديوان بعده أبو الفرج محمد ابنه وأجرى على رسم أبيه.
وفيها ليلة الجمعة للتاسع من جمادى الآخرة ولد الأمير أبو إسحاق إبراهيم بن معزّ الدولة بطالع السنبلة.
وفيها وافى أبو سالم ديسم بن إبراهيم الكردي منهزما من آذربيجان هزمه السلّار المرزبان وهو الذي حكينا أن ركن الدولة أسره وحبسه في قلعة سميرم فاحتال حتى فكّ قيده وقتل صاحب القلعة وخرج منها - وسنحكى حيلته هذه فيما بعد - وعاد إلى آذربيجان واجتمع إليه من كان مع ديسم من الديلم وانصرف ديسم عنها وصار إلى الحضرة مستجيرا بمعزّ الدولة ومستنصرا. فأكرمه معزّ الدولة جدّا ووقع منه وأنس به وعاشره وحمل إليه مالا وثيابا وكان يسمّيه في كتبه « الأخ أبو سالم ».
ذكر السبب في خروج ديسم عن آذربيجان بعد تمكنه منها وانهزامه من بين يدي المرزبان

كنا ذكرنا خبر ابن عبد الرزاق وتمكّنه من آذربيجان من قبل ركن الدولة واتّفق أن أوحش كاتبا له كان صحبه من خراسان واعتمد لوزارته ابن محمود لخدمته إيّاه بالأموال قديما ولخبرته بالبلدان. فاستوحش الكاتب وتركه إلى أن أشخصه لجياية الأموال في نواحي ديسم وضم إليه جيشا. فلمّا وجد الفرصة كاتب ديسما وهرب إليه بذلك الجيش كلّه.
فنفرت نفس ابن عبد الرزاق من آذربيجان وعاد إلى الريّ وأخذ معه ابن محمود وسار ديسم إلى أردبيل واستأذنه الكاتب الخراساني في العود إلى بلده فأذن له وأحسن بالخلع والجوائز.
ودبّر أمره أبو عبد الله النعيمي وابن الصقر النصراني وتوافر إليه الديلم والأكراد فملك آذربيجان وبلادها وجبى الأموال وأعطى البلاد له باليد.
فتمكن من نشوى ودبيل وكان عليهما الفضل ابن جعفر الحمداني وإبراهيم بن الضابى على سبيل التغلب فصلحت حاله وانتظمت.
واتفق أن مات ابن الصقر النصراني فوصل من تركته إليه مائة ألف درهم سوى ما أغضى عنه وهو شيء كثير فتفرّد النعيمي بوزارته.
ولم يزل أمره منتظما إلى أن شره إلى مال النعيمي وطمع فيه فقبض عليه ونصب في موضعه كاتبا له يقال له: عليّ بن عيسى، فاحتال النعيمي [ بأن سارع ] إلى بذل خطّه بكلّ ما اقترحه عليه ولم يحالفه وسلك سبيل المداراة ثم قال له:
« ان رددتني إلى العمل وسلمت إليّ خليفتي عليّ بن عيسى صحّحت لك من جهته وجهتي سوى مال المواقفة ألف ألف درهم. » فشرهت نفسه إلى ذلك ورده إلى موضعه وقبض على عليّ بن عيسى وسلّمه إليه.
وكان المرزبان بن محمد في تلك الأيام قد ملك القلعة التي حبس فيها بسميرم وقتل الموكّل به وهو شير اسفار وكان أيضا قد أفلت عليّ بن ميشكى المعروف ببلكا المأسور معه من حبس ركن الدولة وصار إلى الجبل وجمع جمعا كثيرا وكاتب الديلم الذين كانوا مع ديسم واستمالهم وسار حتى قرب من وهسوذان أخي المرزبان فكانا جميعا يدبّران على ديسم.
ثم وصلت كتب المرزبان إليها بخلاصه من القلعة وكاتب سائر الديلم بآذربيجان وليس عند ديسم من الخبر كلّه إلّا خبر عليّ بن ميشكى وظنّ أنّه وحده يقاتله.
فلحق بأردبيل ابن أخت له يقال له: غانم، مضموما إلى وزيره النعيمي ومستوفيا عليه المال الذي ضمنه عن نفسه وعن عليّ بن عيسى خليفته.
وسار على اغترار بمن معه من الديلم فوجد النعيمي الفرصة لما كان في نفسه وأفسد غانما على خاله ديسم وقتل عليّ بن عيسى بالمكروه العظيم واستأمن إلى عليّ بن ميشكى واحتمل معه كل ما قدر عليه من المال.
وبلغ الخبر ديسما فعاد إلى أردبيل بعد أن كان بلغ إلى زنجان وشغب الديلم عليه فأخرج كل ذخيرة له من الصياغات وغيرها وتوجه إلى برذعة على سبيل النزهة والصيد وهو يظن أن خصمه عليّ بن ميشكى وليس عنده خبر المرزبان.
وكان أنفذ إلى أرمينية من يوطّئ له نيّات ملوكها من ابن الديراني وابن خاجيق وأخيه حمزة وابن سباط وغيرهم ليلجأ إليهم إن حزبه أمر وورد عليه خبر عليّ بن ميشكى بتوجهه إلى أردبيل مع عدّة يسيرة ثقة بأنّ الديلم الذين مع ديسم سيستأمنون إليه، فانكفأ ديسم إلى أردبيل ووقعت الحرب فقلب الديلم تراسهم في وجهه وانحازوا إلى ابن ميشكى سوى جستان بن شرمزن فإنّه أخلص مودة ديسم فقبض الديلم عليه وانهزم ديسم في نفر من الأكراد إلى بلد الأرمن فحمل إليه ملوكها ما تماسك به.
وورد عليه خبر المرزبان هناك في مسيره عن قلعة سميرم التي كان محبوسا فيها وحصوله بأردبيل وتسلّمه القلاع والأموال وإنفاذه على ابن ميشكى في جيش لطلب ديسم فلم يمكنه المقام فهرب إلى الموصل ثم صار إلى بغداد وذلك في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة فتلقّاه معزّ الدولة وأكرمه ورتّبه في أعلى مرتبة وقضى حقّه وواصل إليه المبارّ والألطاف وبذل له خمسين ألف دينار إقطاعا في كلّ سنة على أن يقيم بحضرته فأقام مديدة في أطيب عيش وأرخى بال فكان يقول ذلك لكتّابه وأسبابه ويقول:
« أرغد عيش لي وأهناه أيّام مقامي ببغداد. » ثم كاتبه أسبابه من آذربيجان بما اغترّ به فنزع إلى الإمرة والاستبداد فرحل من بغداد وزوّده معزّ الدولة مالا كثيرا وثيابا ودوابّ ومراكب. فسار إلى الشام زائرا سيف الدولة في طريقه ثم انقلب من عنده إلى أرمينية وقصد ابن الديراني وابن خاجيق لثقته كانت به وإنّه كان أودعه ذخيرة له وكتب المرزبان إليه يلزمه القبض [ عليه ].
فدافعه ثم اضطر إلى أن أطاعه في القبض عليه وسأله ألّا يلزمه تسليمه إليه فأجابه المرزبان إلى ذلك فأوقع ابن الديراني الحيلة على ديسم حتى قبض عليه وحصله عنده. فلمّا فعل ذلك كتب إليه المرزبان يلزمه حمله إلى حضرته ناقضا الشرط فدافعه مدة ثم اضطرّ إلى تسليمه فحبسه عنده ثم سمل عينه فلمّا توفّى المرزبان قتله بعض أسبابه خوفا من غائلته.
ذكر حيلة المرزبان على صاحب قلعة سميرم وما تم عليه حتى أفلت من موضعه وعاد إلى مملكته بآذربيجان

لما حصل المرزبان في القلعة امتنع من الطعام والشراب خاصّة اللحوم وما أشبهها واقتصر على القوت اليسير من الحنطة التي يستظهر منه أيضا. فبلغ خبره ركن الدولة فأمر أن يوصل إليه طبّاخه الذي يثق به ليتولّى له ما كان يتولاه من المأكل والمشرب فحصل الطباخ في القلعة معه وأخذ المرزبان في تدبير الخلاص على يده.
وكان الطباخ خفيفا أحمق وظهر منه ما في نفسه وعرف خبره شيراسفار صاحب القلعة فرمى به من قلة القلعة فهلك وضيّق على المرزبان.
وكانت والدة المرزبان خراسويه بنت جستان بن وهسوذان الملك تبذل الأموال في تعرّف أخباره وتحتال في خلاصه وكان إبراهيم المعروف بابن الصابي - وقد تقدم ذكره - في حبس ديسم فتخلّص منه ولم يجد مفزعا إلّا خراسويه فقصدها ولاذ بها وضمن لها أن يتوصّل إلى المرزبان فأطلقت له مالا وأنفذته.
وكانت المراغة بها رجل يعرف بتوبان يصارع ويقامر ويدخل في كل منكر فطلبه أصحاب الشرط بها فخاف وهرب من المراغة وقصد خراسويه وضمن لها السعى لها في أمر ابنها فطمعت في جلادته وأطلقت له مالا وعرّفته خبر ابن الضابى وأنّه نفذ قبله.
فاجتمعا ولبسا لباس التجار وأظهرا الستر والدين والورع ولزما فناء القلعة وراسلا شيراسفار وعرّفاه أنّهما تاجران وأنّهما كانا فيما مضى يعاملان المرزبان وأنّه أخذ بضائعهما وامتعة التجار وسألاه أن يجمع بينهما وبين المرزبان ليتنجّزا كتبه وعلاماته بإزاحة علّتهما فيما يستحقانه وتستحقه التجار عليه وواصلا الدعاء له وعلى المرزبان وأكثرا لعنه وشتمه وكانا يقولان:
« الحمد لله الذي كفى الناس شرّ هذا الظالم الذي لا يعرف الله ولا يؤمن بنبيه . » وما أشبه هذا حتى رقّ شيراسفار لهما وأوصل واحدا واحدا منهما إليه من غير اجتماع فقال المرزبان:
« لا أعرفهما. » فأغلظا له وواجهاه بالقبيح وخوّفاه بالله وسوء العاقبة وقال:
« إني لا أعرف حسابهما ولكني أكتب بأن يحاسبا. » وكثر ترددهما إليه فضمت والدته إليهما وصيفا الديلمي المتطبّب - وكان في عسكر السلطان قديما - ورجلا آخر يعرف بأبي الحسن ابن جني وجماعة من أهل الطرم على هيئة التجار وحملوا الألطاف إلى شيراسفار وأسبابه وإلى بواب القلعة وكانوا يشترون منهم الحوائج ويعدونهم، إلى أن يصلوا إلى أموالهم وبضائعهم، أنّهم يبذلون لهم أموالا جليلة وفي خلال ذلك يبكون ويشكّون ظلم المرزبان وعدوانه وكانوا يصلون إلى المرزبان فرادى ويوصلون الكتب ويتنجّزون الأجوبة ويدسّون إليه في خلال ذلك الدنانير الكثيرة ليبذلها وينفقها فيما يحتاج إليه.
وكان لشيراسفار الموكّل بالقلعة غلام أمرد وضيء الوجه يحمل ترسه على مذهب الديلم فأظهر المرزبان عشقا له ومحبّة مفرطة فكان يعطيه سرّا الشيء بعد الشيء ويعده - إن هو تخلّص - بأمور عظيمة وولايات كبار حتى طمع الغلام وواطأه على كل ما أحبّ وأوصل إليه درعا في زنبيل فيه تراب وعدة سكاكين وأوصل إليه شموعا فيها مبارد واجتمع معه على وجوه الحيل.
وأظهر أولئك القوم الذين كانوا في زيّ التجار النسك والتألّه والخشوع، فصاروا يصلون إلى باب القلعة ويوصلهم البوّاب واحدا واحدا إلى أن تمّت الحيلة بموافقة هذا الغلام الإسبربر.
وكان اتفق معه على يوم بعينه: إذا دخل إليه شيراسفار يناوله الترس والزوبين الذي لصاحبه إذا استدعاه منه ووافق بعض أولئك التجار أن يكونوا مع البوّاب ليفتكوا به إذا صاح بهم.
فلمّا كان في ذلك اليوم وصل إليه توبان وكان أجلدهم وجلس آخر مع البوّاب ليفتك به إذا سمع الصوت وجلس الباقون قريبا من الباب ليدخلوا عند التمكن.
فلمّا صار إليه شيراسفار على رسم كان له وكان المرزبان قد برد مسمار قيده على مرّ الأيّام ولبس في ذلك اليوم درعه والتفّ بكسائه وكان يخاطب شيراسفار قديما ويسأله أن يطلقه ويعده المواعيد العظام فيمتنع عليه شيراسفار ويقول:
« لا أخون ركن الدولة أبدا ولكن أساعدك على كل ما يخفّف عنك غير هذا الباب. » فلمّا كان في ذلك اليوم عاد المرزبان في مسألته وكان توبان حاضرا فقال لهم توبان:
« بالله إلّا خلّصتمونى من الديون عليكم ثم عودوا لشأنكم. » فقال المرزبان لشيراسفار:
« قد أطلت عنائي. » ونهض من موضعه وقد أخرج رجله من القيد وبادر إلى الباب فتسلم الترس والزوبين من الغلام ونهض شيراسفار ليتعلق به فوثب توبان إليه وعاركه وصرعه ثم وجأه بسكين كان معه حتى قتله وصاح المرزبان:
« أشتلم. » على عادة الديلم فوثب الرجل الذي كان في الدهليز على البواب فقتله ودخل القوم الذين كانوا بالقرب فأحدقوا بالمرزبان وكان منغمسا في دم شيراسفار.
وكان الموكّلون في القلعة على تفرّق ولعب بالنرّد فتداخلهم الرعب واجتمعوا وطلبوا الأمان فجمعهم المرزبان في بيت وأخرج حرم المقتول شيراسفار وحرم الجماعة ثم طلب سلاح القوم الذين في البيت فملكه، ثم أخرجهم من القلعة وتوافى إليه الرجال حتى خرج ولحق بمأمنه.
ذكر الصلح بين ركن الدولة وابن محتاج

وفي هذه السنة تمّ الصلح بين ركن الدولة وابن محتاج بعد حروب كثيرة على باب الريّ ومنازلة ثلاثة أشهر وانصرف ابن محتاج إلى خراسان.
ذكر السبب في ذلك

كان استمدّ وشمكير على عادته صاحب خراسان فأمدّه بأبي عليّ ابن محتاج في جموع كثيرة وتوجّهوا إلى الريّ وظنّوا أنّه الاستيصال وأنّه لا ثبات لركن الدولة ولا بقيّة له.
وجاء وشمكير على ثقة بذلك فعلم ركن الدولة أنّه لا يقوم لهؤلاء الجمع الكثير إلّا بالمطاولة والتحصّن بحيث يكون القتال من وجه واحد فجعل بلد الريّ خلفه وحارب في الموضع المعروف بطبرك، فدامت الحرب وصبر الفريقان إلى أن قرب الشتاء وملّ الخراسانية فلم يصبروا وخافوا أيضا سقوط الثلج عليهم فأخذوا في العتاب والتراسل ورقّ أمر الحرب.
وكان الواسطة من قبل الخراسانية أبو جعفر الخازن وهو صاحب الكتاب المعروف بزيج الصفائح وله تقدّم في علوم الرياضة ومرّ بينهما كلام كثير انتهى إلى الموادعة والصلح.
فأشير على ركن الدولة بأن يجهز على الجرح ولا ينفس عن خناق عدوّه فإنّه إنّما جنح للسلم عن ضرورة وقد نفد صبره وماله وشغّب عليه جنده:
« ووراءك بلدة مثل الريّ وأنت وادع جامّ بها » ولم ير له أحد من نصحائه أن يجيبهم إلى الصلح وذاك أن النكول كان قد ظهر فيهم.
فلم يقبل ركن الدولة هذا الرأي من أحد على سداده ووضوحه ولو صدقهم بصدمة يصدمهم بها لأتى عليهم، والله أعلم بعواقب الأمور. فقبل الصلح وشقّ ذلك على وشمكير وبلغ منه مبلغا عظيما وذلك أنّه كان لا ينظر ولا يرجو أن يجمع أكثر مما جمع ولا يحتشد أكثر من هذا الاحتشاد.
فلمّا انصرف ابن محتاج طلب ركن الدولة وشمكير فانهزم من بين يديه ولم يقف فاتبعه حتى أخرجه من طبرستان وجرجان وحصل بإسفرايين.
وكتب إلى نوح بن نصر يعرفه ما جرى ويغريه بابن محتاج فاغتاظ نوح وتحرّك منه ما كان في نفسه على ابن محتاج فعزله من الجيش ببكر بن مالك وأنفذه في جيوش عظيمة.
فصار ذلك سببا قويّا ضروريا لمكاتبة أبي عليّ ابن محتاج ركن الدولة وعدوله إلى طاعته بعد أن أصابه في نفسه وأسبابه وأحواله مكاره عظيمة أزالت ثقته بصاحبه وثقة صاحبه به ولم يبق بينهما حال يرجى معها الصلاح.
وكتب الخليفة في هذا الصلح كتابا نفذ على يد ابن أبي عمرو الشرابي حاجب الخليفة وأبي مخلد عبد الله بن يحيى صاحب معزّ الدولة واتّفق موت نوح قبل أن يؤدّى الرسالة والكتاب وقعد مكانه عبد الملك بن نوح.
ولما قدم أبو مخلد من خراسان عائدا ومعه أبو بكر عبد الواحد بن أبي عمرو الشرابي اعترضهما ابن أبي الشوك الكردي من الشاذنجان وكان متقلّدا أعمال المعاون بحلوان وإليه الحماية والطريق وأظهر الخدمة وخرج معهما مبذرقا بهما.
ثم غدر فنهبهما ونهب القافلة التي كانت معهما وأسر أبا مخلد وأفلت أبو بكر عبد الواحد بن أبي عمرو الشرابي فطالب ابن أبي الشوك معزّ الدولة بإطلاق رهائنه ووعد أنّه أن أطلقوا أطلق أبا مخلد فضمن له ذلك وأطلقوا وأطلق أبا مخلد.
ثم خرج الحاجب سبكتكين إلى حلوان للإيقاع بالأكراد فدخل حلوان وقرّر أمر الأكراد وابن أبي الشوك وعاد.
ودخلت سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة

وفيها خرج أبو سالم ديسم من بغداد وذلك لما يئس من نصرة معزّ الدولة.
ذكر السبب في يأس ديسم من نصرة معز الدولة إياه

سبب ذلك أنّ ركن الدولة صالح المرزبان بن محمّد السلّار وصاهره وتمكّن سلّار من آذربيجان فانصرف ديسم من حضرة معزّ الدولة وودّعه وظنّ أنّه يجد عند ناصر الدولة عونا فقصده وأقام عنده بالموصل مدّة ثم مضى من عنده بعد اليأس منه إلى سيف الدولة أخيه وأقام عنده أيضا مدّة.
ركن الدولة يكتب عهدا لابن محتاج على خراسان من جهة الخليفة

وفي هذه السنة قصد أبو عليّ ابن محتاج ركن الدولة للضرورة التي ذكرناها وجاء على طريق جبل ونداذ هرمز فاستقبله ركن الدولة وبالغ في إكرامه وأضافه وجميع من معه وأقام لهم الأنزال الواسعة والتمس ابن محتاج عهدا يكتب له من جهة الخليفة على خراسان فكوتب معزّ الدولة في ذلك فتكفّل به حتى فعل.
وفيها وصل رسول ابن محتاج إلى بغداد ولقي معزّ الدولة فاحتشد له احتشادا كثيرا وأوصله إلى الخليفة حتى عقد لأبي عليّ على خراسان وقلّده إيّاها مكان نوح بن نصر وسلّم إليه العقد والخلع وضم إليه أبا مخلد وأبا بكر بن أبي عمرو الشرابي وأنفذ معهم معزّ الدولة أبا منصور لشكرورز نجدة لأبي عليّ ابن محتاج ومعاونة له على نوح.
فلمّا كان بعد مدّة ورد كتاب أبي عليّ ابن محتاج بأنّه قد خطب لأمير المؤمنين المطيع لله بنيسابور ولم يكن خطب له إلى هذه الغاية في شيء من بلدان خراسان وذكر في كتابه صحّة موت نوح.
وورد الخبر بأنّ نوحا لمّا حضرته الوفاة كان بحضرته ابن مالك وهو أحد قوّاده الكبار فغلب على الأمور وعقد الأمر لعبد الملك بن نوح في ولاية خراسان وتقلّد هو رئاسة الجيش مكان أبي عليّ ابن محتاج.