وكان جستان بن شرمزن تحصّن بسور أرمية وكان وهسوذان بالطرم ويضرّب بين أولاد المرزبان كما حكينا فيما تقدّم.
وكان جستان بن المرزبان قبض على وزيره النعيمي واتّفق بين النعيمي وبين كاتب جستان بن شرمزن وهو أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه مصاهرة.
فلمّا قبض جستان بن المرزبان على النعيمي استوحش صهره أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه وحمل صاحبه على مكاتبة أخي جستان وكان يومئذ بأرمية وأطمعه في أموال عظيمة ووعده أن يقوم بين يديه وينصره بجيشه الذين جمعهم ويقيم مقام أخيه.
فعمل إبراهيم على ذلك وأشار عليه نصحاؤه بألّا يفعل فخالفهم وركب هواه وسار إلى أرمية واجتمع مع جستان بن شرمزن وكاتبه أبو الحسن عبيد الله بن حمدويه ووعدهما بكل ما سكنا إليه فصاروا إلى المراغة واستولوا عليها.
وقد كان جستان بن المرزبان صار إلى برذعة. فلمّا عرف خبر أخيه إبراهيم وانحيازه إلى جستان بن شرمزن عاد إلى أردبيل فراسل ابن شرمزن وكاتبهما ومنّاهما ووعدهما بإطلاق النعيمي وبذل لهما كل ما اقترحاه، فعادا إلى موالاته وتركا إبراهيم وانصرفا عنه إلى أرمية وأخلفاه في كلّ ما كانا بذلاه.
فلمّا رأى إبراهيم ذلك عاد إلى أرمية وبقي جستان بن شرمزن وكاتبه يطمعان كل واحد من الأخوين أعنى إبراهيم وجستان ابني المرزبان أنّهما معه حتى استكملا بناء سور أرمية وقلعة في داخلها منيعة واستكثرا من جمع الأقوات والآلات.
وظهر للأخوين معا نيّة ابن شرمزن في النفاق والعداوة فتراسلا وتصالحا وعملا على أن يجتمعا ويقصداه.
واتفق أن هرب أبو عبد الله النعيمي من حبس جستان بن المرزبان وصار إلى موقان وكاتب ابن عيسى بن المكتفي بالله المتلقب بالمستجير بالله، وأطمعه في الخلافة وأن يجمع له من الرجال من يستولى بهم على آذربيجان فإذا قوى بالمال والرجال قصد العراق.
فسار المستجير بالله في نحو ثلاثمائة رجل من المسوّدة ولم يكن بعد تمكّن ولا اجتمع له من الرجال ما أراد.
فلمّا أطمعه النعيمي صار إليه واجتمع معه وصار أيضا إليه جستان بن شرمزن في عسكره فقوى به وقلّده أمر عسكره وبايعه الناس.
وسار إليه جستان وإبراهيم ابنا المرزبان في جموعهما. فلمّا عبّى جستان عسكره تقدّم إليهم بأن يلزموا مصافّهم ويحفظوا نظامهم ولا يحملوا حتى يأذن لهم.
وكان معهم الفضل بن أحمد الكردي القحطانى وهم صنف من الأكراد ومع جستان الصنف الآخر من الأكراد الذين يعرفون بالهدايانية وتلقاهم الهدايانية وابتدأوا بالحرب فانتقض على جستان بن شرمزن صفوفه فخرج من موضعه الذي كان فيه مع الديلم لينكر على الفضل مخالفته إيّاه ويردّه إلى موضعه فوجده قد أبعد فاتبعه فما شكّ أصحابه في انهزامه فاقتفوا أثره وصحت الهزيمة.
وركب الهدايانية وأصحاب جستان وإبراهيم أكتافهم وأضطر جستان بن شرمزن إلى الانصراف إلى أرمية وظفر بإسحاق بن عيسى بن المكتفي بالله ولم يدر ما فعل به إلّا أنّى سمعت بقتله وسمعت بموته حتف أنفه في الحبس.
وتمّ لوهسوذان تفريق كلمة بنى أخيه وذلك أنّه استزار إبراهيم.
فلمّا صار إليه أكرمه ووصله بجوائز كثيرة وحمله على دوابّ وكاتب ناصرا واستغواه حتى صار إلى موقان مفارقا لأخيه ووجد الجند سبيلا إلى إقامة سوقهم والمطالبة بالأموال ففارق أكثرهم جستان وصاروا إلى ناصر فقوى وسار إلى أردبيل فملكها والجأ أخاه جستان إلى القلعة المعروفة بالنير.
ثم اجتمع الديلم والأكراد على ناصر يطالبونه بما لا يفي به وقعد به عمّه وهسوذان فعلم حينئذ أنّ وهسوذان عمّه كان يغويه وعرفا جميعا مغزاه فتراسلا وتصالحا وسلم ناصر الأمر إلى أخيه جستان فنزل من قلعته وصارا جميعا إلى أردبيل على إضاقة شديدة لنفاد الأموال وكثرة المتغلّبين على الأطراف. فاضطرّا إلى الخروج الى عمّهما وهسوذان مع والدة جستان بعد أن توثّقوا منه بالأيمان الغليظة والعهود.
فلمّا حصلوا تحت قبضته حبسهم ونكث واستولى على العسكر وعقد الإمارة لابنه إسماعيل بن وهسوذان وسلّم إليه أكبر قلاعه شميران وأخرج الأموال وأرضى الجند وجعل أبا القاسم شرمزن بن ميشكى صاحب جيشه وأخرجه إلى أردبيل.
وكان إبراهيم قد صار إلى أرمينية فتأهّب لمنازعة إسماعيل ومحاربته ولاستنقاذ أخويه جستان وناصر من محبس عمّهما وهسوذان وكان وهسوذان قد ضيّق عليهما وأساء كل الإساءة إليهما.
فلمّا عرف وهسوذان اجتماع إبراهيم على حرب إسماعيل واجتماع خلق من الديلم معه بادر بقتل جستان وناصر وأمّهما وأتى على كل من يقرب منهم ويخاف ناحيتهم وكاتب جستان بن شرمزن والحسين بن محمد بن الورّاد بقصد إبراهيم وأنفذ إليهما مددا من جهته فاستجابا له وزحفا إليه وزحف إسماعيل فهرب إبراهيم إلى أرمينية وكان جستان بن شرمزن قريبا منه فاستولى على عسكره وملك المراغة وأضافها إلى أرمية.
غزو سيف الدولة الروم
وفيها غزا سيف الدولة في جمع كثير فأثّر في بلدان الروم آثارا عظيمة وأحرق وفتح حصونا وحصل في يده سبى كثير وأسارى وانتهى في غزوه إلى خرشنة فلمّا أراد الخروج أخذ الروم عليه المضايق فما تهيّأ له أن يتخلّص إلّا بجهد عظيم هو ونحو ثلاثمائة غلام وهلك باقى أصحابه أسرا وقتلا وارتجع منه السبي كلّه والأسارى والغنيمة وأخذ جميع خزائنه وسلاحه وكراعه وقتل من الوجوه الذين معه حامد بن النمس وموسى بن سياكان والقاضي أبو حصين وكان معه من المسلمين ثلاثون ألفا وخرج أهل طرسوس من طريق آخر فسلموا.
ذكر السبب في سلامتهم ومصاب سيف الدولة
كان هذا الرجل أعنى سيف الدولة معجبا يحبّ أن يستبدّ برأيه وألّا تتحدث نفسان أنّه عمل برأى غيره وكان أشار عليه أهل طرسوس بأن يخرج معهم لأنّهم علموا أنّ الروم قد ملكوا عليه الدرب الذي يريد الخروج منه وشحنوه بالرجال فلم يقبل منهم ولجّ فأصيب المسلمون بأرواحهم وأصيب هو بماله وسواده وغلمانه.
حوادث أخر
وفيها استأمن أبو الفتح المعروف بابى العربان أخو عمران بن شاهين وصار إلى واسط بحرمه وعياله وولده لأنّه خاف أخاه ودخل بغداد في ذي القعدة ولقي معزّ الدولة.
وفيها أملك أبو الفضل العبّاس بن الحسين الشيرازي بابنة الوزير أبي محمّد المهلّبي.
وفيها مات أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن البريدي.
وفيها أسلم من الأتراك نحو مائتي ألف خركاه.
وفيها انصرف حاجّ مصر بعد أن قضوا حجّهم فنزلوا في واد بمكة. فلمّا كان بالليل حملهم الوادي وهم لا يشعرون فغرق أهل مصر وكانوا عددا كثيرا جدّا وكبسهم الماء مع أمتعتهم إلى البحر.
ودخلت سنة خمسين وثلاثمائة
اشتداد علة معز الدولة
فيها اشتدت علّة معزّ الدولة وامتنع عليه البول فاشتدّ جزعه وقلقه واستدعى الوزير أبا محمّد المهلّبي في الليل والحاجب سبكتكين فأصلح بينهما عن وحشة قديمة وبكى وندب على نفسه على عادة الديلم.
فلمّا كان آخر الليل بال دما بشدّة ثم تبعه رمل وخفّ ألمه. فلمّا كان من الغد وهو يوم الخميس لخمس خلون من المحرّم سلّم داره وكراعه وغلمانه إلى ابنه عزّ الدولة وفوّض إليه الأمور وجمع المهلّبي الوزير والحاجب سبكتكين على الوصاة به وخرج في عدّة يسيرة من غلمانه وخاصّته ليمضى إلى الأهواز.
ذكر سبب هذه الحركة والخروج بعد ظهور الصلاح والبرء من المرض
كان سبب ذلك استشعاره أنّ بغداد هي التي أحدثت له الأسقام وهي التي أفسدت عليه صحّته وتذكّر أيّام مقامه بالأهواز وهي أيّام شبابه ووفور قوّته وظنّ أنّ الأهواز هي التي كانت تجلب له الصحّة وأنّها توافقه.
فوصّى الحاجب سبكتكين والوزير المهلبي بابنه عزّ الدولة وبالجيش وغيره ممّا كان في نفسه وانحدر إلى كلواذى.
فلمّا صار بها أشار المهلّبي بأن يقيم ويتأمّل أمره ويفكّر فيه ولا يعجل.
فأقام بكلواذى وأخذ في تقدير بناء قصر ثم انتقل إلى الشفيعى وقدّر هناك البناء ثم انتقل منه إلى قطربّل لأنّها أعلى بغداد والهواء والماء هناك أصفى وأعذب وعمل على أن يبنى من حدّ قطربّل إلى باب حرب قصرا.
ثم صلح من علّته وأبو محمّد المهلبي في كل ذلك يعلّله ويصرف رأيه لعلمه بكثرة المؤن والنفقات التي تلزمه وبكراهة الجند والحاشية لانزعاجهم من أوطانهم ومألفهم ولكراهية تخريب بغداد بانتقال الملك عنها فلم يزل به حتى صرف رأيه. ولمّا علم أنّه لم يكن من البناء بدّ وأن يكون متصلا ببغداد من أعاليها ليكون هواؤه وماؤه أصحّ وأنظف، أنزله في البستان المعروف بالصيمرى وهو في أعلى بغداد من الجانب الشرقي بقصر فرج وأخذ في هدم ما يليه من العقارات وابتياعها من أهلها إلى حدود ربيعة الدور وكلّف أبا القاسم ابن مكرم وأبا القاسم ابن جستان العدلين ابتياع العقارات المجاورة له.
وأصلح ميدانا على طول دجلة وبنى الاصطبلات على نهر مهدى وقلع الأبواب الحديد التي على المدينة: مدينة أبي جعفر المنصور، والتي بالرصافة وعلى شارع نهر المعلّى ونقلها إلى داره ونقض قصور الخلافة بسرّ من رأى وسور الحبس المعروف بالحديد وبنى به داره وبالآجرّ الذي استعمله وطبخه في الأتاتين ووثق البناء واختيرت له الآلات والجص والنورة وبالغ في الإحكام وجلب له البناءون الحذّاق المشهورون من جميع البلدان الكبار من الأهواز والموصل وإصبهان وبلدان الجبل وغيرها.
ونزل لبعض الأساسات ستّا وثلاثين ذراعا ورفعها إلى وجه الأرض بالنورة والآجر إلى أن ارتفع فوق الأرض بأذرع.
ولزمه على هذا البناء إلى أن مات ثلاثة عشر ألف ألف درهم صادر فيها أسبابه سوى ما لم يشتره من الآلات التي ذكرناها والتي لم نذكرها.
وكان مقيما طول المدة في بستان الصيمري ثم انتقل إلى الدار التي بناها في يوم الاثنين لثمان بقين من ذي القعدة سنة خمسين وثلاثمائة قبل أن يستتمّ بناؤها.
موت أبي بكر أحمد بن كامل صاحب الطبري
وفيها مات أبو بكر أحمد ابن كامل القاضي - رحمه الله - ومنه سمعت كتاب التاريخ لأبي جعفر الطبري وكان صاحب أبي جعفر قد سمع منه شيئا كثيرا ولكني ما سمعت منه عن أبي جعفر غير هذا الكتاب بعضه قراءة عليه وبعضه إجازة لي وكان ينزل في شارع عبد الصمد ولي معه اجتماع كثير.
موت قاضى القضاة وما كان من أمر غلامه
وفيها مات قاضى القضاة أبو السائب عتبة بن عبيد الله وقبضت أملاكه وصودر محمّد الحاجب غلامه وضربه الوزير أبو محمّد المهلبي بحضرتى ضرب التلف لما كان بلغه [ عنه ] من التحرّم والتهتّك في أيّام أبي السائب ولم يكن به إلّا التشفّى منه فنثر كعابه ضربا.
وكان هذا الرجل عاهرا يتعرّض لحرم الناس وكان مرسوما بحجبة قاضى القضاة. فكان لا يمتنع عليه من لها خصومة أو حاجة عند قاضى القضاة وكان جميلا مقبول الصورة ويتصنّع مع ذلك ويتهم بفواحش مع صاحبه.
وفيها مات أبو نصر إبراهيم بن عليّ بن عيسى كاتب الخليفة فجأة وتقلّد كتبة الخليفة عن خاص أمره أبو الحسن سعيد بن عمرو بن سنجلا.
قبض معز الدولة على الخازن وصاحبي ديوان
وفيها قبض معزّ الدولة على أبي على الخازن وأبي مخلد وأبي الفرج محمّد بن العبّاس صاحب الديوان وعلى أبي الفضل العبّاس بن الحسين الشيرازي وأبي سهل ديزويه صاحب ديوان الجيش وحملهم إلى دار الوزير المهلّبي وسلّمهم إليه.
ذكر السبب في ذلك
احتيج إلى النفقة على البناء وكان الوزير المهلبي - رحمه الله - يقصد أبا عليّ الخازن لشيء كان بلغه عنه قديما وكذلك أبا مخلد وأبا الفرج فذكر لمعزّ الدولة أنّه يلتزم مالا ويلزم كلّ واحد من هؤلاء مما ادّخره واحتجنه ولا يحتاج إليه مالا يتمّ به أمر البناء.
وكان معزّ الدولة شديد الثقة بأبي عليّ الخازن وكان أبو عليّ كثير التمويه متفاقرا يظهر من الفقر والإقتصاد أكثر مما يحتمل مثله.
فقال معزّ الدولة للوزير أبي محمّد:
« ما تريد من البائس الذي قد قنع منّا بالقوت اليسير؟ » فقال له الوزير:
« أنا أستخرج منه وحده ما يحتاج إليه للبناء. » وتكلّم على غيره بقريب من ذلك. فسلّم الجميع إليه. فحضرت مناظرة الوزير أبي محمّد للجماعة.
أمّا أبو مخلد فإنّه لما خوطب والتمس منه مال قال:
« إني خدمت الأمير معزّ الدولة ولا أملك إلّا طنفسة وكساء ودواة، وأنا اليوم نظير أكبر ملك من ملوك الأطراف مالا وضياعا وأثاثا وغلمانا روقة وفرشا، فإلى أن أعود إلى رأس مالي فأنا على الربح.
فألزمه الوزير خمسمائة ألف وجزّاه الخير وصرفه إلى منزله بعد أن أخذ خطّه بها.
فلمّا خرج التفت الوزير إلينا وقال:
« هذا رجل مقبل كنت أظنّه يتماتن ويخاطبني بحسب دالّته وموضعه من الأمير فقد اتّقانى بما قال وحمى نفسه وعرضه وماله وهكذا يصنع الإقبال بصاحبه. » وخاطب أبا على الخازن، فسلك سبيله المعروف وزعم أنّه لا يستبيت، ولم يستجب إلى شيء بتّة فنحى من بين يدي الوزير ووكّل به في ناحية من الدار.
وأمّا أبو سهل ديزويه فتمارض وشدّ رأسه بخرقة فأحضر كرّازا ووضعه عند رأسه وقال:
« أنا غريب. » فأضحك الناس من نفسه وأعرض الوزير عنه ذلك اليوم.
وأمّا أبو الفضل فلحقته عناية الوزير لما بينهما من الوصلة فأخذ خطّه بثلاثمائة ألف درهم وصرفه إلى منزله. وكذلك فعل بأبي الفرج صاحب الديوان أجراه مجرى أبي الفضل وأخذ خطّه بثلاثمائة ألف.
فلمّا كان بعد أيّام راسله ديزويه وسأله أن يعفو عنه ويجريه مجرى أبي الفضل ففعل ذلك به.
وبقي أبو عليّ الخازن على لجاجه لا يلتزم شيئا ثم أنعم بعد التهديد بشيء وراسل أخت معزّ الدولة يستقرض منها ما يشترى به نفسه من مكروه الوزير وظنّ أنّ ذلك يبلغ الأمير فيكون سبب إطلاقه فخاطب معزّ الدولة الوزير فيه وقال:
« ألم أقل لك إنّه لا يملك شيئا. » فقال: « أيّها الأمير لا تلتفت إلى مخاريقه وخدائعه ودعني أستخرج منه مالا عظيما. » فسكت عنه وراسل أبو عليّ الخازن كلّ من عرفه فاستقرض منه حتى شاع خبره في الدولة بالفقر وإنّ الوزير يقصده.
فلمّا كان في بعض الليالي لسعه في ظهره شيء أدماه وتألّم منه وكان موضعه الذي وكّل فيه من دار الوزير موضع غنم فيما تقدّم فظنّه الناس لسع طبّوع وقالوا: ليس شيء من الهوامّ يخرج بلسعته الدم إلّا هذا الحيوان أو الأفعى.
فاتّفق أن مات أبو عليّ الخازن بعد أيّام قلائل في اعتقاله وقامت على الوزير أبي محمّد المهلبي القيامة وخاف أن يتّهم به، ومع ذلك فلم يكن ارتفع من جهته إلّا شيء نزر قليل. ثم عرف أنّه قد وصل إليه من القروض أضعاف ما أدّاه في مصادرته فتعجّب من جلادته وتوقّع عتب الأمير معزّ الدولة في بابه ووطّن نفسه على مكروه.
ثم رأى أن يبتدئ معزّ الدولة ويستأذنه في البحث والتنقير عن أسبابه وأظهر أنّه على ثقة من تلك الأموال التي وعده بها من جهته حتى سكّن من معزّ الدولة وأخذ إذنه في ذلك ولم يكن يثق بشيء مما ضمنه من جهته ولكنّه برّد عن نفسه في الحال.
ثم أخذ في التفتيش فأثار له أموالا كثيرة بعضها جرى بحضرتى فكان من ذلك أن قبض على غلمانه وأسبابه وخلا بواحد واحد منهم فأرهبه وأرغبه وسأله هل يتّهم موضعا من داره بدفين أو يتّهم معاملا له بوديعة فقال له:
« إنّ هذا الرجل كان أدهى من أن يعمل شيئا ممّا تطلبه وتبحث عنه بحضرة أحد ولست أتّهم أحدا إلّا أنّه طرد غلاما له مزيّنا من حجرة مرسومة به وجلس في حجرته للخلوة أيّاما. » فعبر الوزير بنفسه إلى دار أبي على الخازن والتمس حجرة المزيّن وكان غلاما حبشيا أو نوبيا فجلس فيها فحفر مواضع فيها فظفر بمال لم أعرف مبلغه.
وكان في جملة المدفون آلة شبيهة بميزان، أعنى بيت الميزان من خشب الساج له طبق كطبق الميزان وليس فيه مواضع كفة ولا موضع السنج بل هو محفور من ترابيعه شبيها بحوض وعليه طبقة مهندما عليه وهو خال لا شيء فيه. فعجب منه ثم قلب ذلك الطبق ووجد عليه كتابة فحمل تلك الآلة إلى منزله وحمل المال إلى خزانة معزّ الدولة.
فعهدي به يقلّب تلك الآلة ويتأمّل تلك الكتابة وكانت بخطّه خط ردىء، فإذا هي أسماء قوم ورموز لا يفهم منها شيء وكانت تلك الأسماء مفردة لا يقترن بها شيء يستدلّ به على صاحبه.
فما شكّ الوزير أنّ تلك الأسماء أسماء قوم مودعين وأنّ تلك الرموز مبلغ ما عندهم من المال فاستعمل دهاءه فيه وقال:
« أجد هذا الاسم وهو « عليّ » مكررا فإن استخرجناه أخرج لنا باقى الأسماء. » فقيل له:
« كم من رجل اسمه عليّ كان يواصل هذا الرجل. » فقال: « لا تفعلوا فإنّ المعاملين الذين هذا اسم لهم قليلون فمن كان منهم يصلح للوديعة أقلّ منهم. » ثم تجاوز ذلك إلى اسم أظنّه « أحمد » فقال:
« هذا اسم صيرفى في دار أبي على وهو في درب عون فأحضرونيه. » فأحضر وقال له الوزير:
« قد وجدنا ثبتا باسمك وبخطّ أبي عليّ بمبلغ ما عندك، فأنفذ الساعة صاحبك ليحضره. » فاضطرب الرجل وأنكر أن يكون له عنده مال فبطش به ولحقه أذى ومكروه ثم أمر به فحبسه وقيّده بقيد ثقيل فيه ثلاثون منّا فتفسّخ فيه الرجل ودخل إليه المستخرج وهدّده فاعترف.
وكان باسمه سبعة أنوكى ولم يكن فينا أحد يعرف معنى « انوكى ».
فقال الوزير:
« فطالبوه بسبع بدر دنانير استظهارا. » ففعل ذلك فوافق تخمينه صحّة الأمر وأدّى خمسين ألف دينار.
ثم لم يزل يتتبع تلك الأسماء وقد صحت له الرموز فاستخرج نحو مائتي ألف دينار من هذه الوجوه سوى دفائنه.
وقامت حرمة الوزير أبي محمّد عند معزّ الدولة وانبسط لسانه وجاهه وصار مقبول القول عنده بعد أن ظنّ أنّ الذي فاته من خازنه شيء لا عوض له منه أمانة وثقة ودينا.
وتقلّد مكان أبي عليّ الخازن أبو محمّد عليّ بن العباس بن فسانجس للنصف من شعبان وأقطع إقطاع أبي عليّ.
وفيها تقلد القاضي أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب القضاء في جانبي بغداد ومدينة أبي جعفر المنصور وقضاء القضاة وخلع عليه من دار السلطان من حيث امتنع الخليفة من أن يصل إليه.
وركب بالخلع من دار معزّ الدولة وبين يديه الدبادب والكرك والبوقات وفي موكبه الغلمان الأتراك والجيش. وكان توصّل إلى تقلد ذلك بأن خدم أرسلان الجامدار فتى معزّ الدولة ووافقه على أن يحمل إلى خزانة الأمير في كل سنة مائتي ألف درهم وكتب عليه بها كتاب وجعلت على نجوم معروفة ولم يأذن الخليفة أن يصل إليه هذا القاضي في يوم موكب ولا غيره.
وكان فعل القاضي ما فعله من سماجته وقبح ذكره سببا لأن ضمّنت الحسبة ببغداد وضمّنت الشرطة بعشرين ألف درهم في كل شهر من شهور الأهلّة وهذا القاضي مع قبح فعله قبيح الصورة مشوّهها.
وفيها وافى أبو القاسم أخو عمران مستأمنا.
وفيها ورد الخبر بأنّ عبد الملك بن نوح صاحب خراسان تقطّر به فرسه فمات وافتتنت خراسان ونصب مكانه أخ له يسمّى منصورا.
وفيها حمل إلى إبراهيم السلّار من دار السلطان خلع، وعقد له على آذربيجان.
ودخلت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة
وفيها نقل الوزير أبو محمّد الحسن بن محمّد المهلبي سنة خمسين الخراجية إلى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.
وفيها دخل الأمير ركن الدولة سارية من بلد طبرستان وانصرف عنها وشمكير إلى جرجان واستأمن من أصحابه إلى ركن الدولة ثلاثة آلاف رجل.
ورود الروم عين زربة
وفيها ورد الروم عين زربة في سفح جبل والجبل مطل عليها.
فلمّا جاءه الدمستق في هذا الجمع العظيم أنفذ قطعة من جيشه إلى الجبل ونزل هو على بابها فملك جيشه الجبل. فلمّا رأى أهل عين زربة أنّ الجبل قد ملك عليهم وأنّ جيشا آخر قد ورد إلى باب المدينة وأنّ مع الدمستق دبّابات كثيرة وأنّه قد أخذ في نقب السور، طلبوا منه الأمان، فآمنهم وفتحوا له باب المدينة فدخلها.
فوجد خيله الذين في الجبل قد نزلوا إلى المدينة فندم على إعطائهم الأمان فنادى في البلد من أول الليل بأن يخرج جميع أهله إلى المسجد الجامع وأنّ من تأخّر في منزله قتل. فخرج من أمكنه الخروج.
فلمّا أصبح أنفذ رجّالته في المدينة وكانوا ستين ألف رجل وكل من وجدوه في منزله قتلوه. فقتلوا عالما من الرجال والنساء والصبيان والأطفال وأمر بجمع ما في البلد من السلاح فجمع منه أمر عظيم وكان في جملته أربعون ألف رمح وقطع ما في البلد من النخل فقطع نحو خمسين ألف نخلة.
ونادى فيمن حصل في المسجد الجامع من الناس بأن يخرجوا عن البلد إلى حيث شاءوا وأنّ من أمسى ولم يخرج قتل.
فخرج الناس مبادرين وتزاحموا في الأبواب فمات بالضغط جماعة من الرجال والنساء والصبيان ومرّوا على وجوههم حفاة عراة لا يدرون إلى أين يتوجّهون، فماتوا في الطرقات ومن وجد في المدينة آخر النهار قتل، وأخذ كل ما خلّفه الناس من أمتعتهم وأموالهم وهدم السوران اللذان على المدينة وهدمت المنازل.
وبقي الدمستق مقيما في بلدان الإسلام أحدا وعشر يوما وفتح حول عين زربة أربعة وخمسين حصنا منها بالسيف ومنها بالأمان.
فكان في بعض الحصون التي فتحت بالأمان حصن أمر أهله بالخروج منه فخرجوا فتعرّض بعض الأرمن للنساء اللواتي خرجن منه، فلحق رجالهن غيرة عليهن فجرّدوا سيوفهم فاغتاظ الدمستق منهم وأمر بقتل الجميع وكانوا أربعمائة رجل، وقتل النساء والصبيان ولم يترك إلّا جارية حدثة أو من يصلح أن يسترقّ.
فلمّا أدركه الصوم انصرف على أن يعود بعد الفطر وزعم أنّه يخلّف جيشه بقيسارية.
وكان ابن الزيات صاحب طرسوس خرج في أربعة آلاف رجل من الطرسوسيين فأوقع به الدمستق وقتل جميع من كان معه وقتل أخاه وكان ابن الزيات قد قطع الخطبة لسيف الدولة وأنفذ إليه رسلا فلمّا وقف ابن الزيات على ذلك لبس سلاحه واعتمّ وخرج إلى روشن داره وكانت داره، على شاطئ نهر، فرمى بنفسه من داره إلى النهر فغرّقها.
حوادث عدة
وفيها دخل ركن الدولة جرجان وذلك في المحرم.
وفيها ورد الخبر بأنّ صاحب خراسان أنفذ جيشا كثيفا إلى غلام له شذّ عنه يقال له: الفتكين، وأنّ الفتكين أوقع بالجيش وهزمه واستأسر وجوه القوّاد وفيهم خال صاحب خراسان.
وفيها لقّب الخليفة الأمير أبا شجاع فناخسره بن ركن الدولة عضد الدولة وكتب به كتاب.
وفيها أسر الروم أبا فراس ابن أبي العلاء ابن حمدان من منبج وكان متقلدا لها.
ورود الدمستق حلب
وفيها ورد الخبر بأنّ الدمستق ورد إلى حلب وملكها وكان الدمستق وافاها ومعه ابن أخت الملك ولم يعلم سيف الدولة ولا أحد بخبره لأنّها كانت كبسة.
فلمّا علم سيف الدولة به أعجله الأمر فخرج نحوه وحاربه قليلا فقتل أكثر من معه وقتل جميع ولد داود بن حمدان وابن للحسين بن حمدان.
فانهزم سيف الدولة في نفر يسير وظفر الدمستق بداره وهي خارج مدينة حلب.
فوجد لسيف الدولة من الورق ثلاثمائة وتسعون بدرة فأخذها ووجد له ألف وأربعمائة بغل فتسلّمها ووجد له من خزائن السلاح ما لا يحصى كثرة فقبض جميعها وأحرق الدار وملك الربض.
وقاتله أهل حلب من وراء السور فقتل من الروم جماعة بالحجارة وسقطت ثلمة من السور على قوم من أهل حلب فقتلهم وطمع الروم في تلك الثلمة فأكبّوا عليها ودفعهم أهل البلد عنها.
فلمّا جنّهم الليل اجتمع المسلمون عليها فبنوها وأصبحوا وقد فرغوا وعلوا عليها وكبّروا وبعد الروم قليلا إلى جبل هناك يعرف بجبل جوشن.
وذهب رجالة الشرطة بحلب إلى منازل الناس وخانات التجار ينهبونها وقيل للناس:
« الحقوا بمنازلكم فإنّها قد نهبت » فنزلوا عن السور وأخلوه ومضوا إلى منازلهم مبادرين ليدافعوا عنها.
فلمّا رأى الروم السور خاليا وطالت المدة وتجاسر الروم صعدوا وأشرفوا على البلد ورأوا الفتنة فيه والنهب فنزلوا وفتحوا الأبواب ودخلوا فوضعوا السيف في الناس فقتلوا كل من لقيهم ولم يرفعوا السيف إلى أن كلّوا وضجروا.
وكان في البلد من أسارى الروم ألف ومائتا رجل. فتخلصوا وحملوا السلاح على المسلمين وكان سيف الدولة قد أعدّ من الروم سبعمائة رجل ليفادى بهم فأخذهم الدمستق وسبى من البلد من المسلمين والمسلمات بضعة عشر ألف صبي وصبية، وأخذ من خزائن سيف الدولة وأمتعة التجار ما لا يحد ولا يوصف كثرة.
فلمّا لم يبق معه شيء يحمل عليه أحرق الباقي بالنار وعمد إلى الحباب التي يحرز فيها الزيت، فصب فيها الماء حتى فاض الزيت على وجه الأرض وأخرب المساجد وأقام فيها تسعة أيام.
وكان بذل لأهل البلد قبل أن يفتحه الأمان على أن يسلّموا إليه ثلاثة آلاف صبيّ وصبية ويحملوا إليه مالا وأمتعة حدّها وينصرف عنهم. فلم يستجيبوا له إلى ذلك.
وذكر أنّ عدّة رجاله كانت مائتي ألف رجل وأنّ عدة أصحاب الجواشن فيهم ثلاثون ألف رجل وفيهم ثلاثون ألف صانع للهدم ولتطريق الثلج أربعة آلاف بغل عليها حسك الحديد يطرحه حول عسكره بالليل وخركاهات عليها لبود مغربية فمن صعد قلعة حلب تخلّص بحشاشته.
ما فعله ابن أخت الملك
فلمّا كان بعد تسعة أيام أراد الدمستق أن ينصرف بما فاز به وحصل في يده فقال له ابن اخت الملك:
« هذا بلد قد حصل في أيدينا وليس بازائنا من يدفعنا عنه ومن كان فيه من العلوية وبنى هاشم والوزراء والكتّاب ومن لهم أموال مقيمون في القلعة فبأى سبب تنصرف عنه قبل فتح القلعة؟ » فقال له الدمستق:
« قد وصلنا إلى ما لم نكن نقدّره ولا يقدّرها الملك وقتلنا وسبينا وأسرنا وأحرقنا وهدمنا وخلّصنا أسراءنا وأخذنا من أردنا أن نفادى به بلا فدية وغنمنا غنيمة ما سمع بمثلها ومن حصل في القلعة فهم عراة وإذا نزلوا هلكوا لأنّهم لا يجدون قوتا والرأي أن ننصرف عنهم فإنّ طلب النهايات والغايات ردىء. » فأقام ابن أخت الملك على أمره ولجّ وقال:
« لا أنصرف أو أفتح القلعة. » فلمّا لجّ قال له الدمستق:
« فانزل عليها وحاصرها، فإنّ الصورة والضرورة تقود من فيها إلى فتحها. »
فقال: « لا أفتحها إلّا بالسيف. » فقال له:
« شأنك وما تريد، فإني أنا مقيم في عسكري على باب المدينة. » فلمّا كان من غد ترجّل وأخذ سيفا ودرقة وصعد راجلا والمسلك إلى باب القلعة ضيّق لا يحمل أن يسلكه أكثر من واحد فصعد وتبعه أصحابه واحدا واحدا.
وقد كان حصل في القلعة الجماعة من الديلم فتركوه حتى إذا قرب فتحوا الباب وأرسلوا عليه حجرا فوقع عليه وأنقلب ثم وثب وهو مدوّخ، فرماه واحد من الديلم بخشت فأنفذ صدره وركب رأسه فأخذه أصحابه وانصرفوا إلى الدمستق.
فلمّا رآه مقتولا أحضر من كان أسر من المسلمين فضرب أعناقهم بأجمعهم.
وسار إلى بلد الروم بما معه ولم يعرض لسواد حلب والقرى التي حولها وقال لأهلها:
« هذا البلد قد صار لنا فلا تقصروا في العمارة فإنّا بعد قليل نعود إليكم.
ودخلت سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
وفيها ورد الخبر بأنّ قوما من رجّالة الأرمن صاروا إلى الرّها فاستاقوا خمسة آلاف رأس من الغنم وخمسمائة رأس من البقر والدواب واستأسروا نفرا من المسلمين وانصرفوا موفورين.
وفيها قلّد القاضي أبو بشر عمر بن أكثم القضاء بمدينة السلام على أن يتولّى ذلك بلا رزق وأعفى مما كان يحمله أبو العباس ابن أبي الشوارب وخلع عليه وأمر بألّا يمضى شيئا من أحكام وسجلّات ابن أبي الشوارب ثم قلّد قضاء القضاة.
خروج أبي محمد المهلبي لفتح عمان وميتته العجيبة
وفيها خرج الوزير أبو محمّد المهلبي ومعه الجيش لفتح عمان وذلك يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الآخرة فانحدر وبلغ إلى هلتى من فم البحر واعتلّ.
فكنت أسمع من طبيبه فيروز بأنّه مسموم لا محالة وكنت أسأله عمّن سمّه فلا يصرح باسمه إلى أن كان بعد ذلك بمدة وانقضت تلك الأيام فذاكرته بذلك فقال:
« كان خرج معه فرج الخادم وكان أستاذ داره والمستولى على خاصّ أمره ومعه جماعة من الخدم يطيعونه وكان قد فارق نعمة ضخمة وخرج من خيش وثلج وتنعّم، إلى حرّ شديد وشقاء كثير وتوجّه إلى عمان فواطأ الخدم على سمّه وقتله والراحة من ذلك السفر وظنّوا أنّهم يسلمون ويعودون إلى نعمهم. » وكان فيروز الطبيب لما أحسّ بذلك استأذن في العود إلى بغداد وزعم أنّه لا يركب البحر فأرغب في مال كثير فامتنع ثم أرهب بالحبس فصبر وقال: لا أخرج البتة. فأذن له وانصرف.
فلمّا كان في النصف من شعبان ثقل وردّ إلى الأبلّه زائل العقل مسبوتا فيئس منه وعملت له آلة شبه المحفّة يحمله أربعون رجلا يتناوبون عليه وينام فيها وردّ على طريق البرّ. فلمّا كان يوم السبت لثلاث بقين من شعبان وقت العصر مات رحمه الله بزاوطا.
وكان معزّ الدولة لما سمع بخبر علّته أنفذ أبا على حمولى إليه لتعرّف خبره وتقدم إليه إن وصل إليه وقد توفّى أن يحتاط على تركته وأسبابه. ففعل ذلك وقبض على كتّابه وأسبابه وحمل جميعه إلى الحضرة.
وورد تابوته مدينة السلام يوم الأربعاء لخمس خلون من شهر رمضان وقبض على عياله وولده ومن دخل يوما إليه مثلا وصودروا حتى المكارين والملاحين الذين كانوا يخدمون حاشيته وجرى من ذلك ما لا جرى مثله إلّا على عدوّ مكاشف واستفظع الناس ذلك واستقبحوه لمعزّ الدولة.
وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر ومات بموته عن الكتاب الكرم والفضل رحمه الله. ولما مات الوزير أبو محمّد المهلبي رحمه الله نظر أبو الفضل وأبو الفرج في الأمور من غير تسمية لواحد منهما بالوزارة.
دخول الطرسوسيين وغلام سيف الدولة بلد الروم
وفيها ورد الخبر بأنّ الطرسوسيين غزوا ودخلوا من درب من دروب الروم إلى بلد الروم ودخل نجا غلام سيف الدولة من درب آخر فغنم أهل طرسوس غنيمة يسيرة وأقام سيف الدولة على درب آخر ولم يدخل لأنّه كان عليلا من فالج لحقه قبل ذلك بسنتين فلمّا خرج نجا والطرسوسيون عاد سيف الدولة إلى حلب وهو عليل ولحقته غشية ظن معها أنّه قد تلف.
وجاء أبو الحسين ابن دنحا إلى هبة الله ابن ناصر الدولة ليسلّم عليه ويهنّئه بعيد الفطر، وكان هبة الله راكبا فاستجرّ أبا الحسين ابن دنحا الحديث إلى إزاء صخر ثم رماه بخشت كان في يده فوقع في لبّته ومضى يركض يريد الهرب فلحقه هبة الله وإنّما فعل ذلك لغيرة لحقته من تعرض ابن دنحا لغلام من غلمانه.
وبلغ هبة الله أنّ عمه لم يمت وأنّه أفاق من غشيته فخافه واستوحش مما فعله بابن دنحا فجدّ في السير إلى حرّان.
وابن دنحا هذا هو الذي كان استأمن إلى معزّ الدولة ثم أنصرف عنه إلى سيف الدولة لأنّه لم يصل ببغداد إلى ما كان يرجوه وما جسر أن يعود إلى ناصر الدولة فساقه الحين إلى ما ذكرت.
فتبع نجا غلام سيف الدولة هبة الله فلم يلحقه ولحق سواده فأخذه وانصرف به إلى سيف الدولة يستنجده لينجده بالرجال ويقيم بحرّان ويدفع كل من نازعه عليها وطالب أهل حرّان بأن يحلفوا له أن يكونوا معه حربا لمن حاربه وسلما لمن سالمه وظنّ أهل حرّان أنّ الذي خبرهم به صحيح، فحلفوا له على ما أراد واستثنوا في يمينهم: إلّا أن يكون الذي يحاربه عمّه سيف الدولة، فإنّهم لا يحاربونه، ورضى بذلك منهم.
فلمّا كان بعد أيام وافى نما أخو نجا غلام سيف الدولة فأغلق هبة الله وأهل حران أبواب حرّان في وجوههم وعلم نما أنّه لا يمكنه فيهم حيلة فأظهر أنّه لم يرد حرّان وإنّما أراد قصد ارزن وميّافارقين. فانصرف عن حرّان إليها وكتب إلى أخيه نجا [ يعرفه ما جرى ويغريه بأهل حران فسار نجا إلى حران فلمّا قرب منها هرب هبة الله إلى أبيه وأسلم أهل حران فنزل نجا ] خارج حران.
وخرج إليه وجوه أهلها وأشرافها وهم سبعون شيخا ليسلّموا عليه فوكّل بهم وتهددهم بالقتل وطالبهم عن البلد بألف ألف درهم أرش ما عملوه من غلق الأبواب في وجه أخيه ولم يسمع لهم عذرا وجرت لهم معه خطوب إلى أن قنع منهم بثلاثمائة ألف درهم وعشرين ألف درهم ووجّه معهم بالفرسان والرجالة وألزمهم الأجعال الثقيلة ورسم أن يستخرج له المال في يوم واحد وبعد الجهد إلى أن يكون المدة خمسة أيّام وقسط المال على أهل البلد وأدخل فيه الملّيّ والذّميّ والسوقة والنساء الأرامل وغيرهم ووضع عليهم العصيّ والضرب في دورهم بحضرة حرمهم وعيالاتهم.
فأخرجوا أمتعتهم وباعوا ما يساوى دينارا بدرهم ولم يجدوا من يشترى لأنّ أهل البلد كلّهم كانوا يبيعون. فاشترى أصحاب نجا الأمتعة والحليّ بحكمهم وبما أرادوا.
ولزم أهل البلد من الأجعال أمر عظيم وخرب بذلك البلد وافتقر أهله وأنصرف عنهم نجا إلى ميّافارقين بعد أن استوفى جميع المال وترك البلد شاغرا بلا سلطان فتسلط عليهم العيّارون.
وأظهر نجا الخلاف على مولاه سيف الدولة والخروج عن طاعته ولم يزرع في هذه السنة أحد بديار مضر كبير شيء للجور الذي كانوا فيه.
ودخلت سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
ذكر الغازي الخراساني
وفيها ورد الخبر من حرّان بأنّه اجتاز بهم الغازي الوارد من خراسان في نحو خمسة آلاف رجل ماضين إلى حلب إلى سيف الدولة.
وهذا الرجل وافى من خراسان على طريق آذربيجان ثم إلى أرمينية ثم إلى ميافارقين ثم إلى حرّان ثم إلى حلب ثم ورد بأنّ هذا الغازي اجتمع مع نجا غلام سيف الدولة.
وكان ببلاد أرمينية وملازجرد رجل يعرف بأبي الورد قد استولى عليها، فطمع نجا فيه ولم يلتفت إلى حديث الغزو ولا إلى الخراساني وقصد أبا الورد فأوقع به وملك قلاعه وبلده وحصل في يده من أمواله ما يكثر قدره فأقام في القلعة وحصل في يده من بلدان أرمينية وملازجرد وخلاط وموش.
ومضى الغازي الخراساني إلى سيف الدولة فلمّا اجتمع معه نفر إلى المصيصة وورد الخبر بنزول الروم على المصيصة في جيش ضخم وفيه الدمستق وأنّه أقام عليها سبعة أيام ونقب في سورها نيفا وستين نقبا ولم يصل إليها ودفعه أهلها عنها ثم انصرف لما ضاقت به المير وغلا السعر وبعد أن أقام في بلاد الإسلام خمسة عشر يوما.
وأحرق رستاق المصيصة وأذنة وطرسوس وذلك لمعاونتهم أهل مصيصة فظفر بهم الروم وقتل منهم خمسة آلاف رجل وقتل أهل أذنة من الروم عددا قليلا وكذلك أهل طرسوس.
ولما مضى سيف الدولة والخراسانية إلى المصيصة وجد جيش الروم قد انصرف عنها وتفرقت جموع الخراساني لشدة الغلاء في الثغور وبحلب ورجع أكثرهم إلى بغداد وعادوا منها الى خراسان.
وقبل انصراف الدمستق عن الضّبعة وجّه إلى أهلها بأنّى منصرف عنكم لا لعجز عنكم وعن فتح مدينتكم ولكن لضيق العلوفة وأنا عائد إليكم بعد هذا الوقت فمن أراد منكم الانتقال، الى بلد آخر قبل رجوعي فلينتقل ومن وجدته بعد عودي قتلته.
الأكراد وقافلة الحاج
وفيها اجتمع الأكراد على قافلة الحاجّ الصادرة إلى خراسان فملكوها واجتاحوها فوق حلوان ورجع الحاج إلى حلوان.
اشتداد الغلاء بأنطاكية
وورد الخبر بأنّ الغلاء اشتدّ بأنطاكية وجميع الثغور حتى لم يقدر أحد على الخبز وأكل الناس الرطبة والحشيش وانتقل قوم من الثغور إلى الرملة ودمشق وغيرها نحو خمسين ألف انسان هربا من الغلاء فإنّ الدمستق قد جمع الجموع للخروج إلى بلدان الإسلام وإنّ السلطان بحرّان مقيم بعد الذي جرى على أهلها من نجا على ظلمهم وطرح الأمتعة عليهم والجور في معاملتهم وإنّ الغلاء بها وبالرقّة شديد جدّا.
الهجريون يستهدون الحديد من سيف الدولة
وفيها استهدى الهجريون من سيف الدولة حديدا فقلع سيف الدولة أبواب الرقة وهي من حديد وسدّ مكانها وأخذ حديدا بديار مضر حتى أخذ سنجات الباعة والبقالين ثم كتبوا إليه: إنّا قد استغنينا عن الحديد.
فأخذ القاضي أبو حصين الأبواب فكسرها وعمل منها أبوابا لداره. ثم كتب الهجريون يلتمسون الحديد فأخذ الأبواب التي عملها أبو حصين وسائر ما قدر عليه من الحديد وحمله في الفرات إلى هيت ثم منها إليهم في البرّية.
ورود رسالة ناصر الدولة
وفيها ورد أبو الحسين الباهلي برسالة ناصر الدولة ليقرّر ما بينه وبين معزّ الدولة فتقرّر على أن يحمل ناصر الدولة عن سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ألف ألف درهم يقدّم منها ثلاثمائة ألف درهم وعن سنتي ثلاث وأربع ألفي ألف درهم يقدّم منها مائتي ألف درهم والباقي في نجوم.
ولما تقرر الأمر بذل ناصر الدولة زيادة عشرة آلاف دينار على أن يعقد لابنه أبي تغلب فضل الله الغضنفر فلم يستجب معزّ الدولة إلى ذلك.
فلمّا كان مستهلّ جمادى الآخرة وردت الخمسمائة الألف الدرهم التي وقع الاتفاق عليها مع الباهلي وقبضت وصحّت في الخزانة.
وأظهر معزّ الدولة الإصعاد إلى الموصل وأخذ يستعدّ له فسأله الباهلي التوقف عن المسير إلى أن يمضى برسالة إلى ناصر الدولة ويعود. فقيل له: تمضى وتلتمس ردّ ما لزم من النفقة على التأهب للسفر.
فمضى وأخرج معزّ الدولة مضاربه إلى باب الشماسية وخرج الحاجب سبكتكين وجماعة من القوّاد على المقدمة إلى الموصل وتبعه معزّ الدولة.
ومدّ الجسر الذي ببغداد إلى السن وعقد هناك وعبر عليه مع الجيش إلى الجانب الغربي وسار على الظهر إلى الموصل.
وكان الباهلي قد عاد بجواب الرسالة وبذل أن يحمل ثلاثمائة ألف درهم عوضا عمّا لزمه من النفقة على السفر فلم يقبل منه وانصرف الباهلي من تكريت وتمم معزّ الدولة المسير.
ولما بلغ ناصر الدولة أن معزّ الدولة قد قرب من الموصل ولم يكن له عزم على لقائه رحل من الموصل إلى نصيبين ورحل معزّ الدولة من الموصل إلى بلد في آخر النهار وخلّف بالموصل أبا العلاء صاعد بن ثابت ليحمل الغلات ويستخرج الأموال وخلّف بكتوزون وسبكتكين العجمي ووهرى وجماعة من الأتراك والديلم لضبط البلد.
ولمّا بلغ ناصر الدولة مسير معزّ الدولة نحوه سار من نصيبين إلى ميافارقين ورحل ناصر الدولة عنها ورجع الحاجب إلى نصيبين وعرف معزّ الدولة أن العدو قد رحل لمّا قرب منه وأنّه لا يدرى أين قصد فرحل معزّ الدولة للوقت من نصيبين يريد الموصل خوفا من مخالفة ناصر الدولة إليها وخلف الحاجب وجماعة من القواد بنصيبين.
وكان صار أبو تغلب ابن ناصر الدولة واخوته إلى الموصل ووقع بينهم وبين من خلّفهم معزّ الدولة بها حرب شديدة وكانت على أولاد ناصر الدولة وانصرفوا إلى الموصل وأحرقوا زبازب معزّ الدولة التي كانت ببلد وزواريق العسكر التي كانت بالموصل وبلغ ذلك معزّ الدولة فسكنت نفسه إلى ظهور أصحابه بالموصل على بنى حمدان.
فلمّا كان بعد ذلك اجتمع ناصر الدولة مع أولاده وقصدوا الموصل فأوقعوا ببكتوزون وسبكتكين العجمي وعسكر معزّ الدولة الذي كان خلفه بالموصل واستأمن الديلم إلى ناصر الدولة فأخذ تراسهم وأحرقها ووهب لكل واحد منهم عشرة دراهم وصرفهم وأسر بكتوزون وسبكتكين وسائر الأتراك ووهرى وصاعدا وأحمد الطويل غلام موسى فياذه وكان قد أصعد من الأهواز ليتظلم إلى معزّ الدولة من وضيعة لحقته في ضمان كان في يده.
وأخذ بنو حمدان ما كان لمعزّ الدولة بالموصل من كراع وسلاح وثياب خز ومائتي ألف درهم كانت [ حملت إليه من بغداد ومائتي ألف درهم كانت ] للحاجب وحمل جميع ذلك مع الأسارى إلى القلعة.
وبلغ ناصر الدولة وأولاده مسير معزّ الدولة من نصيبين فلم يقيموا ومضوا إلى سنجار وصار معزّ الدولة إلى برقعيد ولم يكن عنده ما جرى على أصحابه بالموصل وبلغه ببرقعيد أنّ ناصر الدولة قد صار بالجزيرة فعدل من برقعيد إلى الجزيرة.
فبلغه إقبال حمدان بن ناصر الدولة إليه فوقف له فإذا هو مستأمن إليه مع علوان القشيري وسار معزّ الدولة إلى الجزيرة فلم يجد بها ناصر الدولة فسار إلى الموصل وبلغه في طريقه ما جرى على أصحابه بالموصل فكتب إلى الحاجب وهو بنصيبين أن يصير إلى بلد وعبر هو إلى بلد وأنفذ سواده إلى تكريت.
ووافاه الحاجب وأبو الهيجاء حرب بن أبي العلاء ابن حمدان مستأمنا وسار يريد نصيبين ووافاه أبو جعفر العلوي النصيبينى برسالة ناصر الدولة يلتمس الصلح فلم يجبه.
وكان أبو تغلب قد صار إلى الموصل ونزل في الدير الأعلى ولم يهج في أيام مقامه أسباب معزّ الدولة ولا عرض لهم وأظهر جميلا.
ومضى حمدان إلى الرحبة وكان بها الفتكين فحاربه هناك وأقبل معزّ الدولة إلى الموصل فرحل أبو تغلب من الدير الأعلى وجاء معزّ الدولة فنزل مكانه واستأمن إليه هزارمرد الصغير من غلمان أبي تغلب وجاء المسيّب والمهيّأ بكشمرد أسيرا فخلع على المسيب والمهيّأ وطوّقا وسوّرا.
وراسل أبو تغلب معزّ الدولة بصاحبه أبي الحسن عليّ بن عمرو بن ميمون وجرت له خطوب استقرّت على أن ضمن أبو تغلب ما كان في يد أبيه ناصر الدولة من الموصل وديار ربيعة والرحبة على أن يحمل عن بقايا سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، ستمائة ألف درهم وعن أربع سنين مستأنفة آخرها سنة سبع وخمسين لكل سنة ستة آلاف ألف ومائتي ألف درهم وأن يعجّل حمل الستمائة الالف مع الأسارى الذين في يده إلى الحديثة إذا حصل الأمير معزّ الدولة بها وضمن أن يرد من جملة ما حصل في أيديهم من المال والأمتعة التي أخذت في وقت الإيقاع ببكتوزون ما حصل في يده بقسطه ووعد بطلب الباقي وحمله وتقرر ذلك وأشهد معزّ الدولة على نفسه القوّاد والعدول وقاضى البلد بإمضاء ذلك وكتب إلى الفتكين بالانصراف من الرحبة وكتب عليّ بن عمرو خطه بضمان ما تقرّر عليه الأمر ورهن نفسه على إمضاء أبي تغلب ذلك.
وسار معزّ الدولة إلى الحديثة وورد صاحب أبي تغلب بالمال ثم وافاه بكتوزون وسبكتكين العجمي وسار إلى بغداد.
خروج الداعي الحسني من بغداد سرا إلى بلد الديلم
وفيها ورد الخبر بالموصل بانّ أبا عبد الله محمّد بن الحسين المعروف بابن الداعي الحسني خرج من بغداد سرّا إلى بلد الديلم وخلّف والدته وابنه وعياله في داره ببغداد ظاهرين.
سيف الدولة يصير إلى ميافارقين
وصار سيف الدولة إلى ميّافارقين واحتال أصحابه على القلعة التي كانت حصلت له من أبي الورد وهرب نجا فحصل لسيف الدولة القلاع وأسارى [ الروم ] وأخ لنجا.
وأقام الدمستق على المصيصة وهادي سيف الدولة ببغال ودوابّ وثياب وديباج روميّة وصياغات ذهب وقابله سيف الدولة بهدايا. فصار سببا لمقام الدمستق في بلدان الإسلام ثلاثة أشهر لا ينازعه أحد ولا يمكنه فتح المصيصة وانصرف عنها لأنّ البلد لم يحمله ووقع في أصحابه الوباء فاضطر إلى الانصراف بعد أن حمل إليه مال من المصيصة.
ظهور علوي مبرقع بالكوفة
وفيها ظهر بالكوفة رجل ذكر أنّه علويّ وكان مبرقعا فوقعت بينه وبين أبي الحسن محمّد بن عمر العلوي وقائع، فلمّا دخل معزّ الدولة هرب المبرقع.
وورد الخبر بأنّ نجا صار إلى مولاه سيف الدولة فأعاده إلى مرتبته.
ودخلت سنة أربع وخمسين وثلاثمائة
الفتك على نجا بالسيوف
وفيها فتك غلمان سيف الدولة بحضرته على نجا بالسيوف فقتلوه ولحق سيف الدولة في الوقت غشية مكث فيها نحو الساعة فأمرت زوجته وهي بنت أبي العلاء سعيد بن حمدان أن يجرّ برجل نجا ففعل ذلك إلى أن أخرج من قصرها وفيه كان جرى على نجا ما جرى وطرح في مجرى ماء ينصبّ إليه المياه والأقذار وبقي فيه إلى الغد وقت العصر ثم أخرج وكفّن ودفن.
وورد الخبر بأنّ الأتراك نزلوا على بلد الخزر واستنصروا أهل خوارزم فامتنعوا من نصرتهم وقالوا:
« أنتم يهود فإن أحببتم أن نعاونكم فأسلموا ».
فأسلموا إلّا ملكهم.
وصول ابن الداعي بلد الديلم وما كان بعده
وورد الخبر بأنّ أبا عبد الله ابن الداعي لمّا وصل إلى بلد الديلم اجتمع إليه منهم عشرة آلاف رجل وأنّ ابن الناصر العلوي هرب من بين يديه. ثم أوقع بقائد كبير من قوّاد وشمكير وأنّه تلقّب بالمهدي لدين الله.
بين الروم وأهل طرسوس
وورد الخبر بأنّ نقفور ملك الروم بنى بقيساريّة مدينة وهي تقرب من [ بلاد ] الإسلام فأقام بها ونقل إليها عياله ليقرب عليه ما يريد من بلدان الإسلام وأنّ أهل المصيصة وطرسوس أنفذوا إليه رسولا يسألونه أن يقبل منهم إتاوة يؤدونها إليه على أن ينفذ إليهم صاحبا له ليقيم فيهم. فعمل على إجابتهم إلى ذلك.
فورد عليه الخبر بأن أهل هذه البلدان قد ضعفوا جدّا وأنّه لا ناصر لهم ولا دافع له عنها وأنّه لم تبق أقوات وأنّه قد آل الأمر بأهل طرسوس إلى أكل الكلاب الميّتة وأنّه يخرج منها في كل يوم ثلاثمائة جنازة.
فانصرف رأيه عمّا كان عمل عليه وأحضر رسولهم وضرب له مثلا وقال:
« مثلكم مثل الحية في الشتاء إذا لحقها البرد وذبلت وضعفت حتى يقدّر من رآها أنّها قد ماتت فإن أخذها انسان وأحسن إليها وأدفأها انتعشت ولد غته وأنتم إنّما بخعتم بالطاعة لما ضعفتم وإن تركتكم حتى تستقيم أحوالكم تأذّيت بكم. » وأخذ الكتاب الذي أورده فأحرقه على رأسه فاحترقت لحيته. وقال:
« امض إليهم وعرّفهم أنّه ليس عندي إلّا السيف. » فانصرف وجمع الملك جيوشه وعمل على أن ينفذ جيشا إلى الشام وجيشا إلى الثغور وجيشا إلى ميّافارقين وكان سيف الدولة بميّافارقين يخلّص البطارقة الذين في يد نجا وكان بميافارقين نحو ألف كرّ حنطة فمزّقها وفرّقها لئلا تأخذها الروم.
ثم إنّ ملك الروم أنفذ إلى المصيصة قائدا من قوّاده فأقام عليها يحارب أهلها. ثم جاء الملك بنفسه فأقام عليها وفتحها عنوة بالسيف ووضع السيف في أهلها فقتل منهم مقتلة عظيمة. ثم رفع السيف وأمر أن يساق من بقي في المدينة من الرجال والنساء والصبيان إلى بلد الروم وكانوا نحو مائتي ألف انسان. ثم سار عنها إلى طرسوس فحاصرها فأذعن أهلها بالطاعة فأعطاهم الملك الأمان وفتحوا له أبوابها فدخلها ولقي أهلها بالجميل ودعا رؤساءهم إلى طعامه فأكلوا معه وأمرهم بالانتقال عنها وأن يحمل كلّ واحد من ماله وسلاحه ما أطاق حمله ويخلّف الباقي ففعلوا وساروا وسيّر معهم ثلاثة نفر من البطارقة يحمونهم فعرض لهم قوم من الأرمن فأوقع الملك بهم وعاقهم وقطع آنافهم لمخالفتهم أمره.
ولم يزل طول طريقهم يتعرّف أخبارهم بكتبه ورسله إلى أن عرف سلامتهم وحصولهم بأنطاكية وحمل بعضهم في البحر في شليذيّات له إلى حيث أرادوا.
ثم جعل الملك المسجد الجامع بطرسوس اصطبلا لدوابّه ونقل ما كان فيه من قناديل إلى بلده وأحرق المنبر وقلّد البلد بطريقا من بطارقته في خمسة آلاف رجل وقلّد المصيصة بطريقا آخر وتقدّم بعمارة طرسوس وتحصينها وجلب الميرة إليها من كل جهة فعمرت ورخص السعر بها حتى صار الخبز بها رطلين بدانق فتراجع أهلها إليها ودخلوا في طاعة الملك وتنصّر بعضهم وعمل الملك على أن يجعلها حصنا ومعقلا له لحصانتها وليقرب عليه ما يريد من بلدان الإسلام.
معز الدولة وأمير عمان والهجريون القرامطة
وكان معزّ الدولة قد أنفذ كردك النقيب إلى عمان فلقى أميرها نافعا وواقفه على الدخول في طاعة الأمير معزّ الدولة وإقامة الخطبة له وكتب اسمه على الدنانير والدراهم واستجاب نافع إلى ذلك وكتب اسم معزّ الدولة على الدراهم والدنانير.
فلمّا انصرف كردك عنه وقف أهل البلد على ما عمله نافع من ذلك فوثبوا به وأخرجوه من البلد وأدخلوا أصحاب الهجريين القرامطة وسلّموا البلد إليهم فهم يقيمون فيه نهارهم ويروحون إلى معسكرهم في آخر النهار وكتبوا إلى أصحابهم بهجر يعرّفونهم الخبر ليرد عليهم الأمر بما يعملون به.
عود ملك الروم إلى قسطنطينية
وورد الخبر بأنّ نقفور ملك الروم عاد إلى قسطنطينية وأنّ الدّمستق وهو ابن الشمشقيق كتب إليه يستأذنه في قصد سيف الدولة إلى ميّافارقين.
فكتب إليه بالتوقف إلى أن يلحق به بقسطنطينية فمضى إليه. وكان سيف الدولة قلّد رشيقا النسيمى وهو من وجوه أهل طرسوس فلمّا حصل سيف الدولة بديار بكر وسلم رشيق هذا طرسوس في جملة من سلّمها إلى ملك الروم خرج إلى أنطاكية.
فالتصق به انسان صغير القدر يعرف بابن الأهوازى كان يتضمن الأرجاء بأنطاكية وكان قد اجتمع عنده مال فأغوى رشيقا وسلّم إليه ما اجتمع عنده من المال وأطمعه في أنّ سيف الدولة لا يعود إلى الشام وخرج معه إلى حلب.
وجرت بينه وبين قرعويه حروب كثيرة وصعد قرعويه إلى قلعة حلب فتحصن فيها فأنفذ سيف الدولة خادما له أسود ويعرف ببشارة ليكون مع قرعويه في القلعة فنزل هذا الخادم في بعض الأيام وانضم إليه قطعة من الأعراب كانوا قد وافوه وجماعة من الجند والغلمان. فلمّا أحس بهم رشيق انهزم وسقط عن دابته فنزل إليه رجل من الأعراب من بنى معاوية عرفه فحزّ رأسه وصار به إلى قرعويه وبشارة وانهزم أصحاب رشيق وتركوا كلّ ما لهم في ظاهر حلب وهرب ابن الأهوازى إلى أنطاكية وكان أخوه مقيما بها.
فنصب رجلا من الديلم اسمه دزبر وسمّاه: الأمير، واعتضد برجل علويّ أفطسى ووعده العلوي إن تمّ له الأمر أن يجعله الرئيس والمدبّر وتسمّى بالأستاذ. فظلم الناس بأنطاكية وجمع الأموال وقصده قرعويه إلى انطاكية وجرت بينهما وقعة فكانت على الأهوازى أكثر الليل وقطعة من النهار ثم صارت له على قرعويه لأنّ أهل البلد عاونوه.
وقد كان سيف الدولة كتب إلى قرعويه ألّا يخرج إلى أنطاكية فانهزم قرعويه وعاد إلى حلب وانصرف سيف الدولة من الفداء ودخل حلب وأقام بها ليلة وخرج من غد فواقع دزبر وأسر دزبر وابن الأهوازى في ضيعة في طريق بالس يعرف بتسعين، فانهزم أصحاب دزبر وأسر دزبر ومضى ابن الأهوازى فطرح نفسه في بيوت بنى كلاب فوجّه إليهم سيف الدولة يطالبهم به ووهب لهم ثلاثين ألف درهم فسلّموه إليه وقتل دزبر واعتقل ابن الأهوازى مدّة.
ثم خرج ملك الروم إلى الشام واشتغل سيف الدولة به وأمر بإحضار ابن الأهوازى فقتل بحضرته.
معز الدولة يقبل المال ويرد الثياب
وفي هذه السنة أنفذ أبو تغلب ابن ناصر الدولة إلى الأمير معزّ الدولة شيئا كثيرا من المال والثياب التي كانت أخذت بالموصل وقت القبض على بكتوزون فأمّا المال فإنّه قبله وأمّا الثياب فإنّه ردّها عليهم وقال:
« لعلّ فيها شيئا استحسنتموها وقد وهبتها لكم. » وكانت لها قيمة عظيمة ولكنه ترفّع عن ارتجاعها.
ودخلت سنة خمس وخمسين وثلاثمائة
بنو سليم يقطعون الطريق على قافلة عظيمة
وفيها ورد الخبر بأنّ بنى سليم قطعوا الطريق على قافلة المغرب ومصر والشام الحاجّة إلى مكة في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وكانت قافلة عظيمة وكانت فيها من الحاج والتجار والمنتقلين من الشام إلى العراق هربا من الروم ومن الأمتعة التي لهم نحو عشرين ألف جمل منها دقّ مصر ألف وخمسمائة جمل ومن أمتعة العرب اثنا عشر ألف جمل وكان في الأعدال الأمتعة من العين والورق ما يكثر مقداره جدّا. وكان فيها لرجل يعرف بالخواتيمي قاضى طرسوس مائة وعشرون ألف دينار عينا. وإنّ بنى سليم أخذوا الجمال مع الأمتعة فبقى الناس رجّالة منقطعا بهم كما أصاب الناس في الهبير سنة القرمطي فمن الناس من عاد إلى مصر ومنهم وهم الأكثر تلف.
ابن الداعي العلوي يدعو إلى الجهاد
وورد الخبر بأنّ أبا عبد الله العلوي ابن الداعي لبس الصوف وأظهر النسك والصوم وتقلّد المصحف وواقع ابن وشمكير فهزمه وأسر جماعة من أصحابه وقوّاده وعمل على المسير إلى طبرستان وكتب إلى العراق كتابا يدعوهم فيه إلى الجهاد.
وفيها لقب الحبشي بن معزّ الدولة بسند الدولة وكتب به كتاب عن الخليفة.
ذكر ما جرى في عمان
كنا حكينا من أمر عمان ما جرى في أمرها إلى وقت دخول القرامطة إليها باختيار أهلها وكان مع القرامطة كاتب يعرف بعليّ بن أحمد وكان هو الذي ينظر في أمر البلد والجيش. وكان قاضى البلد رجلا له عشيرة وعزّ منيع، فرأى مع وجوه البلد بعد نفى نافع من البلدان أن ينصبوا في الإمرة رجلا يعرف بابن طغان وكان من صغار القواد بعمان وأدناهم مرتبة فخاف من القوّاد الذين فوقه في المرتبة والمحل أن يغلبوه على أمره، فقبض على ثمانين قائدا منهم وقتل بعضهم وغرّق بعضهم.
وقدم إلى البلد ابنا أخت لرجل ممّن غرق وسألا عن حاله فعرفا أنّه غرق فأمسكا وأقاما مدة. فلمّا كان يوم من أيام السلام دخلا في جملة المسلمين على ابن طغان فلمّا تقوّض المجلس فتكا به وقتلاه.
فأجمع رأى الناس على عقد الأمر لعبد الوهاب بن أحمد بن مروان قرابة القاضي، فوجّهوا يلتمسونه فاستتر. فألزموا القاضي إحضاره وإلزامه تقلّد إمارة البلد. ففعل القاضي ذلك وراسله فظهر وتقلّد الأمر وبويع له واستكتب له علي بن أحمد الكاتب الذي كان وافى مع الهجريين وواقف علي بن أحمد الجيش على أن يطلق لهم رزقتين صلة. فأخرجت الأموال وابتدأ عليّ بن أحمد ينفق في الناس رزقتين فلمّا انتهى إلى الزنج وهم ستة آلاف رجل لهم بأس وقوّة قال لهم:
« إنّ الأمير عبد الوهاب أمرنى أن أطلق لكم أنتم رزقة واحدة فقط. » واضطربوا من هذا، فقال لهم:
« امضوا إليه وخاطبوه. » فمضوا فلمّا بعدوا منه قليلا استردّهم إلى مجلسه وقال لهم:
« إنّكم إذا مضيتم لم يوصلكم إليه ولم يزدكم على رزقة واحدة. فهل لكم أن تبايعوني وأطلق لكم رزقتين وتكون الإمارة لي؟ »
فقالوا: « نعم. » فأطلق لهم رزقتين فاضطرب البيضان من ذلك ووقع بينهم وبين الزنج مناوشة فقتل من البيضان جماعة فسكنوا وصارت كلمتهم وكلمة الزنج واحدة وبايعوا عليّ بن أحمد ثم راسلوا عبد الوهاب بن أحمد بن مروان: بأنّا قد عقدنا الأمر لغيرك فاخرج عن البلد. فخرج وحصل الأمر لعليّ بن أحمد.
خروج معز الدولة إلى واسط لمحاربة عمران بن شاهين
وفيها خرج الأمير معزّ الدولة إلى واسط لمحاربة عمران بن شاهين وأنفذ جيشا إلى عمان وكان خروجه من بغداد يوم الثلاثاء الحادي عشر من رجب ورحل إلى واسط وهو محموم. فلمّا كان يوم الجمعة لليلتين بقيتا من رجب وافى نافع الأسود مولى يوسف بن وجيه مستأمنا إليه فقبله.
ونظر معزّ الدولة فيما يحتاج إليه من أمر عمان مما سنذكره وانحدر من واسط إلى الأبلّة ونزل في شاطئها في شاطئ عثمان في دار البريديين وأخذ في الاستعداد لإنفاذ جيش إلى عمان وبنى الشذاءات والمراكب قبل ذلك وطالب الديلم بالخروج إلى عمان فاستجابوا إلّا قوما وهم بضعة عشر رجلا، فإنّهم امتنعوا فأمر بطردهم فانقاد الديلم والأتراك إلى ما أراد وندب أبا الفرج محمّد بن العباس للخروج مع الجيش إلى عمان لرياستهم وتدبير الحرب وولاية البلد إذا فتحه.
فلمّا كان يوم الخميس للنصف من شوال نفذ الجيش في المراكب والشذاءات وهي مائة قطعة ومعهم المعروف بأبي عبد الله جبّ ونافع الأسود، فلمّا صاروا بسيراف انضم إليه جيش عضد الدولة في مراكب وشذاءات وكان أعدّهم هناك نجدة لعمّه. فلمّا وصل أبو الفرج إلى عمان مع الجيش دخلها وملكها وقتل بها مقتلة عظيمة وأحرق مراكب أهل عمان وهي تسعة وسبعون مركبا.
فأمّا عمران بن شاهين فإنّه أنفذ معزّ الدولة إليه أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي مع جيش فابتدأ أبو الفضل يسدّ الأنهار عن البطائح وأصعد معزّ الدولة إلى واسط ومنها إلى بغداد وخلف بواسط عسكره وغلمانه والحاجب الكبير على أن يعود إلى واسط بعد عشرين يوما فيستتمّ ما شرع فيه من أمر عمران. فلمّا وصل إلى بغداد مات فدفعت الضرورة إلى مصالحة عمران كما سنشرحه من أخباره في سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة.
انهزام إبراهيم السلار
وفي هذه السنة انهزم إبراهيم السلّار من بين يدي أبي القاسم ابن ميشكى بآذربيجان وورد حضرة ركن الدولة بدابّته وسوطه ولم يفلت معه أحد، فأكرمه ركن الدولة للوصلة التي كان عقدها المرزبان، وكان ركن الدولة قد رزق من أخت إبراهيم ابنه أبا العباس وبالغ ركن الدولة في إعظام إبراهيم وأجزل له العطاء وحمل إليه من كلّ صنف يكون عند الملوك وفي خزائنهم.
وكنت حاضرا بالريّ فركبت للنظر إلى الهدايا المحمولة إلى إبراهيم فوقفت مع جماعة النظارة قريبا من دار الامارة وابتدأت الهدايا تحمل من تخوت الثياب والرّزم والأسفاط من جميع أصناف الثياب فكانت مع مائة رجل يحملونها على رؤوسهم ثم ابتدأت هدايا الطيب [ وكانت على صوانى فضة وآلاتها من الأدراج وغيرها وكانت على أيدى ثلاثين رجلا ثم ابتدأت بدرّ الأموال ] فكانت على صدور الرجال مع صرار الذهب. أما أكياس الدراهم فكانت مع خمسين رجلا وأمّا صرر الدنانير فكانت من حرير أحمر مع عشرين رجلا ليفرّق بينهما، وكانت أكياس الورق بيضاء. ثم ابتدأت خزائن الفرش على البغال فلم أحصها، وتبعها جنائب الدوابّ بمراكب ذهب وفضة وجلال ثم تبعها الجمال مزيّنة موقّرة بآلات الفرش الثقيل والخيم والخركاهات والشُّرع والسرادقات. فكانت كثيرة حسنة لم أر مثلها هدية في وقت واحد يسمح بها.
ذكر السبب في هزيمة إبراهيم من آذربيجان على تلك الصورة القبيحة ووروده إلى حضرة ركن الدولة
لما انهزم إبراهيم من بين يدي إسماعيل بن وهسوذان وأبي القاسم ابن ميشكى إلى أرمينية ابتدأ في أهبة أخرى واستعداد آخر فبالغ واجتهد وكاتب ملوك أطرافه من الأرمن وغيرهم وجمع الأكراد واستصلح ناحية جستان بن شرمزن ورغب الناس في الولايات والاقطاعات وبذل خطّه لهم بها.
واتّفق أن توفّى إسماعيل بن وهسوذان فسار إبراهيم إلى أردبيل وملكها وانصرف ابن ميشكى مع جماعة إلى طاعة وهسوذان فزحف إبراهيم إلى الطّرم منازعا عمّه وطالبا بثأر أخويه جستان وناصر فأحجم وهسوذان عن لقائه والثبات له وشجّعه أبو القاسم ابن ميشكى فأبى عليه ورأى أن يسير إلى بلاد الديلم، فسار معه أبو القاسم بن ميشكى ودخل إبراهيم إلى أعماله فخبط أسبابه ودوّخ دياره وبحث عن أمواله وبالغ في الإضرار به مدة ثم عاد إلى آذربيجان.
وجمع وهسوذان وابن ميشكى الرجال من سائر بلدان الديلم فاحتفلا واحتشدا ورجعا إلى الطرم وسار أبو القاسم ابن ميشكى إلى آذربيجان وقد قوّاه وهسوذان بالمال والرجال، فنزل إليهم إبراهيم وجرت بينهما حروب كانت على إبراهيم. فانهزم على تلك الحال وتبعه الطلب من قبل عمّه وهسوذان فتقطّع الناس عنه حتى بلغ الريّ إلى حضرة ركن الدولة على حاله لائذا به.
من حوادث السنة
وفي هذه السنة تمّ الفداء بين سيف الدولة والروم وتسلم سيف الدولة أبا فراس الحارث بن سعيد بن حمدان وأبا الهيثم ابن القاضي أبي حصين.
وفيها لقّب الخليفة أبا منصور بويه بن ركن الدولة بمؤيّد الدولة وكتب بذلك إلى الأمصار.
وفيها ورد جيش من خراسان عظيم.
ذكر خبر الغزاة الواردين من خراسان وما دبّروه بالريّ على الديلم وما انعكس عليهم من الأمر بعد استعلائهم
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)