وكان بذل لأهل البلد قبل أن يفتحه الأمان على أن يسلّموا إليه ثلاثة آلاف صبيّ وصبية ويحملوا إليه مالا وأمتعة حدّها وينصرف عنهم. فلم يستجيبوا له إلى ذلك.
وذكر أنّ عدّة رجاله كانت مائتي ألف رجل وأنّ عدة أصحاب الجواشن فيهم ثلاثون ألف رجل وفيهم ثلاثون ألف صانع للهدم ولتطريق الثلج أربعة آلاف بغل عليها حسك الحديد يطرحه حول عسكره بالليل وخركاهات عليها لبود مغربية فمن صعد قلعة حلب تخلّص بحشاشته.
ما فعله ابن أخت الملك
فلمّا كان بعد تسعة أيام أراد الدمستق أن ينصرف بما فاز به وحصل في يده فقال له ابن اخت الملك:
« هذا بلد قد حصل في أيدينا وليس بازائنا من يدفعنا عنه ومن كان فيه من العلوية وبنى هاشم والوزراء والكتّاب ومن لهم أموال مقيمون في القلعة فبأى سبب تنصرف عنه قبل فتح القلعة؟ » فقال له الدمستق:
« قد وصلنا إلى ما لم نكن نقدّره ولا يقدّرها الملك وقتلنا وسبينا وأسرنا وأحرقنا وهدمنا وخلّصنا أسراءنا وأخذنا من أردنا أن نفادى به بلا فدية وغنمنا غنيمة ما سمع بمثلها ومن حصل في القلعة فهم عراة وإذا نزلوا هلكوا لأنّهم لا يجدون قوتا والرأي أن ننصرف عنهم فإنّ طلب النهايات والغايات ردىء. » فأقام ابن أخت الملك على أمره ولجّ وقال:
« لا أنصرف أو أفتح القلعة. » فلمّا لجّ قال له الدمستق:
« فانزل عليها وحاصرها، فإنّ الصورة والضرورة تقود من فيها إلى فتحها. »
فقال: « لا أفتحها إلّا بالسيف. » فقال له:
« شأنك وما تريد، فإني أنا مقيم في عسكري على باب المدينة. » فلمّا كان من غد ترجّل وأخذ سيفا ودرقة وصعد راجلا والمسلك إلى باب القلعة ضيّق لا يحمل أن يسلكه أكثر من واحد فصعد وتبعه أصحابه واحدا واحدا.
وقد كان حصل في القلعة الجماعة من الديلم فتركوه حتى إذا قرب فتحوا الباب وأرسلوا عليه حجرا فوقع عليه وأنقلب ثم وثب وهو مدوّخ، فرماه واحد من الديلم بخشت فأنفذ صدره وركب رأسه فأخذه أصحابه وانصرفوا إلى الدمستق.
فلمّا رآه مقتولا أحضر من كان أسر من المسلمين فضرب أعناقهم بأجمعهم.
وسار إلى بلد الروم بما معه ولم يعرض لسواد حلب والقرى التي حولها وقال لأهلها:
« هذا البلد قد صار لنا فلا تقصروا في العمارة فإنّا بعد قليل نعود إليكم.
ودخلت سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
وفيها ورد الخبر بأنّ قوما من رجّالة الأرمن صاروا إلى الرّها فاستاقوا خمسة آلاف رأس من الغنم وخمسمائة رأس من البقر والدواب واستأسروا نفرا من المسلمين وانصرفوا موفورين.
وفيها قلّد القاضي أبو بشر عمر بن أكثم القضاء بمدينة السلام على أن يتولّى ذلك بلا رزق وأعفى مما كان يحمله أبو العباس ابن أبي الشوارب وخلع عليه وأمر بألّا يمضى شيئا من أحكام وسجلّات ابن أبي الشوارب ثم قلّد قضاء القضاة.
خروج أبي محمد المهلبي لفتح عمان وميتته العجيبة
وفيها خرج الوزير أبو محمّد المهلبي ومعه الجيش لفتح عمان وذلك يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الآخرة فانحدر وبلغ إلى هلتى من فم البحر واعتلّ.
فكنت أسمع من طبيبه فيروز بأنّه مسموم لا محالة وكنت أسأله عمّن سمّه فلا يصرح باسمه إلى أن كان بعد ذلك بمدة وانقضت تلك الأيام فذاكرته بذلك فقال:
« كان خرج معه فرج الخادم وكان أستاذ داره والمستولى على خاصّ أمره ومعه جماعة من الخدم يطيعونه وكان قد فارق نعمة ضخمة وخرج من خيش وثلج وتنعّم، إلى حرّ شديد وشقاء كثير وتوجّه إلى عمان فواطأ الخدم على سمّه وقتله والراحة من ذلك السفر وظنّوا أنّهم يسلمون ويعودون إلى نعمهم. » وكان فيروز الطبيب لما أحسّ بذلك استأذن في العود إلى بغداد وزعم أنّه لا يركب البحر فأرغب في مال كثير فامتنع ثم أرهب بالحبس فصبر وقال: لا أخرج البتة. فأذن له وانصرف.
فلمّا كان في النصف من شعبان ثقل وردّ إلى الأبلّه زائل العقل مسبوتا فيئس منه وعملت له آلة شبه المحفّة يحمله أربعون رجلا يتناوبون عليه وينام فيها وردّ على طريق البرّ. فلمّا كان يوم السبت لثلاث بقين من شعبان وقت العصر مات رحمه الله بزاوطا.
وكان معزّ الدولة لما سمع بخبر علّته أنفذ أبا على حمولى إليه لتعرّف خبره وتقدم إليه إن وصل إليه وقد توفّى أن يحتاط على تركته وأسبابه. ففعل ذلك وقبض على كتّابه وأسبابه وحمل جميعه إلى الحضرة.
وورد تابوته مدينة السلام يوم الأربعاء لخمس خلون من شهر رمضان وقبض على عياله وولده ومن دخل يوما إليه مثلا وصودروا حتى المكارين والملاحين الذين كانوا يخدمون حاشيته وجرى من ذلك ما لا جرى مثله إلّا على عدوّ مكاشف واستفظع الناس ذلك واستقبحوه لمعزّ الدولة.
وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر ومات بموته عن الكتاب الكرم والفضل رحمه الله. ولما مات الوزير أبو محمّد المهلبي رحمه الله نظر أبو الفضل وأبو الفرج في الأمور من غير تسمية لواحد منهما بالوزارة.
دخول الطرسوسيين وغلام سيف الدولة بلد الروم
وفيها ورد الخبر بأنّ الطرسوسيين غزوا ودخلوا من درب من دروب الروم إلى بلد الروم ودخل نجا غلام سيف الدولة من درب آخر فغنم أهل طرسوس غنيمة يسيرة وأقام سيف الدولة على درب آخر ولم يدخل لأنّه كان عليلا من فالج لحقه قبل ذلك بسنتين فلمّا خرج نجا والطرسوسيون عاد سيف الدولة إلى حلب وهو عليل ولحقته غشية ظن معها أنّه قد تلف.
وجاء أبو الحسين ابن دنحا إلى هبة الله ابن ناصر الدولة ليسلّم عليه ويهنّئه بعيد الفطر، وكان هبة الله راكبا فاستجرّ أبا الحسين ابن دنحا الحديث إلى إزاء صخر ثم رماه بخشت كان في يده فوقع في لبّته ومضى يركض يريد الهرب فلحقه هبة الله وإنّما فعل ذلك لغيرة لحقته من تعرض ابن دنحا لغلام من غلمانه.
وبلغ هبة الله أنّ عمه لم يمت وأنّه أفاق من غشيته فخافه واستوحش مما فعله بابن دنحا فجدّ في السير إلى حرّان.
وابن دنحا هذا هو الذي كان استأمن إلى معزّ الدولة ثم أنصرف عنه إلى سيف الدولة لأنّه لم يصل ببغداد إلى ما كان يرجوه وما جسر أن يعود إلى ناصر الدولة فساقه الحين إلى ما ذكرت.
فتبع نجا غلام سيف الدولة هبة الله فلم يلحقه ولحق سواده فأخذه وانصرف به إلى سيف الدولة يستنجده لينجده بالرجال ويقيم بحرّان ويدفع كل من نازعه عليها وطالب أهل حرّان بأن يحلفوا له أن يكونوا معه حربا لمن حاربه وسلما لمن سالمه وظنّ أهل حرّان أنّ الذي خبرهم به صحيح، فحلفوا له على ما أراد واستثنوا في يمينهم: إلّا أن يكون الذي يحاربه عمّه سيف الدولة، فإنّهم لا يحاربونه، ورضى بذلك منهم.
فلمّا كان بعد أيام وافى نما أخو نجا غلام سيف الدولة فأغلق هبة الله وأهل حران أبواب حرّان في وجوههم وعلم نما أنّه لا يمكنه فيهم حيلة فأظهر أنّه لم يرد حرّان وإنّما أراد قصد ارزن وميّافارقين. فانصرف عن حرّان إليها وكتب إلى أخيه نجا [ يعرفه ما جرى ويغريه بأهل حران فسار نجا إلى حران فلمّا قرب منها هرب هبة الله إلى أبيه وأسلم أهل حران فنزل نجا ] خارج حران.
وخرج إليه وجوه أهلها وأشرافها وهم سبعون شيخا ليسلّموا عليه فوكّل بهم وتهددهم بالقتل وطالبهم عن البلد بألف ألف درهم أرش ما عملوه من غلق الأبواب في وجه أخيه ولم يسمع لهم عذرا وجرت لهم معه خطوب إلى أن قنع منهم بثلاثمائة ألف درهم وعشرين ألف درهم ووجّه معهم بالفرسان والرجالة وألزمهم الأجعال الثقيلة ورسم أن يستخرج له المال في يوم واحد وبعد الجهد إلى أن يكون المدة خمسة أيّام وقسط المال على أهل البلد وأدخل فيه الملّيّ والذّميّ والسوقة والنساء الأرامل وغيرهم ووضع عليهم العصيّ والضرب في دورهم بحضرة حرمهم وعيالاتهم.
فأخرجوا أمتعتهم وباعوا ما يساوى دينارا بدرهم ولم يجدوا من يشترى لأنّ أهل البلد كلّهم كانوا يبيعون. فاشترى أصحاب نجا الأمتعة والحليّ بحكمهم وبما أرادوا.
ولزم أهل البلد من الأجعال أمر عظيم وخرب بذلك البلد وافتقر أهله وأنصرف عنهم نجا إلى ميّافارقين بعد أن استوفى جميع المال وترك البلد شاغرا بلا سلطان فتسلط عليهم العيّارون.
وأظهر نجا الخلاف على مولاه سيف الدولة والخروج عن طاعته ولم يزرع في هذه السنة أحد بديار مضر كبير شيء للجور الذي كانوا فيه.
ودخلت سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
ذكر الغازي الخراساني
وفيها ورد الخبر من حرّان بأنّه اجتاز بهم الغازي الوارد من خراسان في نحو خمسة آلاف رجل ماضين إلى حلب إلى سيف الدولة.
وهذا الرجل وافى من خراسان على طريق آذربيجان ثم إلى أرمينية ثم إلى ميافارقين ثم إلى حرّان ثم إلى حلب ثم ورد بأنّ هذا الغازي اجتمع مع نجا غلام سيف الدولة.
وكان ببلاد أرمينية وملازجرد رجل يعرف بأبي الورد قد استولى عليها، فطمع نجا فيه ولم يلتفت إلى حديث الغزو ولا إلى الخراساني وقصد أبا الورد فأوقع به وملك قلاعه وبلده وحصل في يده من أمواله ما يكثر قدره فأقام في القلعة وحصل في يده من بلدان أرمينية وملازجرد وخلاط وموش.
ومضى الغازي الخراساني إلى سيف الدولة فلمّا اجتمع معه نفر إلى المصيصة وورد الخبر بنزول الروم على المصيصة في جيش ضخم وفيه الدمستق وأنّه أقام عليها سبعة أيام ونقب في سورها نيفا وستين نقبا ولم يصل إليها ودفعه أهلها عنها ثم انصرف لما ضاقت به المير وغلا السعر وبعد أن أقام في بلاد الإسلام خمسة عشر يوما.
وأحرق رستاق المصيصة وأذنة وطرسوس وذلك لمعاونتهم أهل مصيصة فظفر بهم الروم وقتل منهم خمسة آلاف رجل وقتل أهل أذنة من الروم عددا قليلا وكذلك أهل طرسوس.
ولما مضى سيف الدولة والخراسانية إلى المصيصة وجد جيش الروم قد انصرف عنها وتفرقت جموع الخراساني لشدة الغلاء في الثغور وبحلب ورجع أكثرهم إلى بغداد وعادوا منها الى خراسان.
وقبل انصراف الدمستق عن الضّبعة وجّه إلى أهلها بأنّى منصرف عنكم لا لعجز عنكم وعن فتح مدينتكم ولكن لضيق العلوفة وأنا عائد إليكم بعد هذا الوقت فمن أراد منكم الانتقال، الى بلد آخر قبل رجوعي فلينتقل ومن وجدته بعد عودي قتلته.
الأكراد وقافلة الحاج
وفيها اجتمع الأكراد على قافلة الحاجّ الصادرة إلى خراسان فملكوها واجتاحوها فوق حلوان ورجع الحاج إلى حلوان.
اشتداد الغلاء بأنطاكية
وورد الخبر بأنّ الغلاء اشتدّ بأنطاكية وجميع الثغور حتى لم يقدر أحد على الخبز وأكل الناس الرطبة والحشيش وانتقل قوم من الثغور إلى الرملة ودمشق وغيرها نحو خمسين ألف انسان هربا من الغلاء فإنّ الدمستق قد جمع الجموع للخروج إلى بلدان الإسلام وإنّ السلطان بحرّان مقيم بعد الذي جرى على أهلها من نجا على ظلمهم وطرح الأمتعة عليهم والجور في معاملتهم وإنّ الغلاء بها وبالرقّة شديد جدّا.
الهجريون يستهدون الحديد من سيف الدولة
وفيها استهدى الهجريون من سيف الدولة حديدا فقلع سيف الدولة أبواب الرقة وهي من حديد وسدّ مكانها وأخذ حديدا بديار مضر حتى أخذ سنجات الباعة والبقالين ثم كتبوا إليه: إنّا قد استغنينا عن الحديد.
فأخذ القاضي أبو حصين الأبواب فكسرها وعمل منها أبوابا لداره. ثم كتب الهجريون يلتمسون الحديد فأخذ الأبواب التي عملها أبو حصين وسائر ما قدر عليه من الحديد وحمله في الفرات إلى هيت ثم منها إليهم في البرّية.
ورود رسالة ناصر الدولة
وفيها ورد أبو الحسين الباهلي برسالة ناصر الدولة ليقرّر ما بينه وبين معزّ الدولة فتقرّر على أن يحمل ناصر الدولة عن سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ألف ألف درهم يقدّم منها ثلاثمائة ألف درهم وعن سنتي ثلاث وأربع ألفي ألف درهم يقدّم منها مائتي ألف درهم والباقي في نجوم.
ولما تقرر الأمر بذل ناصر الدولة زيادة عشرة آلاف دينار على أن يعقد لابنه أبي تغلب فضل الله الغضنفر فلم يستجب معزّ الدولة إلى ذلك.
فلمّا كان مستهلّ جمادى الآخرة وردت الخمسمائة الألف الدرهم التي وقع الاتفاق عليها مع الباهلي وقبضت وصحّت في الخزانة.
وأظهر معزّ الدولة الإصعاد إلى الموصل وأخذ يستعدّ له فسأله الباهلي التوقف عن المسير إلى أن يمضى برسالة إلى ناصر الدولة ويعود. فقيل له: تمضى وتلتمس ردّ ما لزم من النفقة على التأهب للسفر.
فمضى وأخرج معزّ الدولة مضاربه إلى باب الشماسية وخرج الحاجب سبكتكين وجماعة من القوّاد على المقدمة إلى الموصل وتبعه معزّ الدولة.
ومدّ الجسر الذي ببغداد إلى السن وعقد هناك وعبر عليه مع الجيش إلى الجانب الغربي وسار على الظهر إلى الموصل.
وكان الباهلي قد عاد بجواب الرسالة وبذل أن يحمل ثلاثمائة ألف درهم عوضا عمّا لزمه من النفقة على السفر فلم يقبل منه وانصرف الباهلي من تكريت وتمم معزّ الدولة المسير.
ولما بلغ ناصر الدولة أن معزّ الدولة قد قرب من الموصل ولم يكن له عزم على لقائه رحل من الموصل إلى نصيبين ورحل معزّ الدولة من الموصل إلى بلد في آخر النهار وخلّف بالموصل أبا العلاء صاعد بن ثابت ليحمل الغلات ويستخرج الأموال وخلّف بكتوزون وسبكتكين العجمي ووهرى وجماعة من الأتراك والديلم لضبط البلد.
ولمّا بلغ ناصر الدولة مسير معزّ الدولة نحوه سار من نصيبين إلى ميافارقين ورحل ناصر الدولة عنها ورجع الحاجب إلى نصيبين وعرف معزّ الدولة أن العدو قد رحل لمّا قرب منه وأنّه لا يدرى أين قصد فرحل معزّ الدولة للوقت من نصيبين يريد الموصل خوفا من مخالفة ناصر الدولة إليها وخلف الحاجب وجماعة من القواد بنصيبين.
وكان صار أبو تغلب ابن ناصر الدولة واخوته إلى الموصل ووقع بينهم وبين من خلّفهم معزّ الدولة بها حرب شديدة وكانت على أولاد ناصر الدولة وانصرفوا إلى الموصل وأحرقوا زبازب معزّ الدولة التي كانت ببلد وزواريق العسكر التي كانت بالموصل وبلغ ذلك معزّ الدولة فسكنت نفسه إلى ظهور أصحابه بالموصل على بنى حمدان.
فلمّا كان بعد ذلك اجتمع ناصر الدولة مع أولاده وقصدوا الموصل فأوقعوا ببكتوزون وسبكتكين العجمي وعسكر معزّ الدولة الذي كان خلفه بالموصل واستأمن الديلم إلى ناصر الدولة فأخذ تراسهم وأحرقها ووهب لكل واحد منهم عشرة دراهم وصرفهم وأسر بكتوزون وسبكتكين وسائر الأتراك ووهرى وصاعدا وأحمد الطويل غلام موسى فياذه وكان قد أصعد من الأهواز ليتظلم إلى معزّ الدولة من وضيعة لحقته في ضمان كان في يده.
وأخذ بنو حمدان ما كان لمعزّ الدولة بالموصل من كراع وسلاح وثياب خز ومائتي ألف درهم كانت [ حملت إليه من بغداد ومائتي ألف درهم كانت ] للحاجب وحمل جميع ذلك مع الأسارى إلى القلعة.
وبلغ ناصر الدولة وأولاده مسير معزّ الدولة من نصيبين فلم يقيموا ومضوا إلى سنجار وصار معزّ الدولة إلى برقعيد ولم يكن عنده ما جرى على أصحابه بالموصل وبلغه ببرقعيد أنّ ناصر الدولة قد صار بالجزيرة فعدل من برقعيد إلى الجزيرة.
فبلغه إقبال حمدان بن ناصر الدولة إليه فوقف له فإذا هو مستأمن إليه مع علوان القشيري وسار معزّ الدولة إلى الجزيرة فلم يجد بها ناصر الدولة فسار إلى الموصل وبلغه في طريقه ما جرى على أصحابه بالموصل فكتب إلى الحاجب وهو بنصيبين أن يصير إلى بلد وعبر هو إلى بلد وأنفذ سواده إلى تكريت.
ووافاه الحاجب وأبو الهيجاء حرب بن أبي العلاء ابن حمدان مستأمنا وسار يريد نصيبين ووافاه أبو جعفر العلوي النصيبينى برسالة ناصر الدولة يلتمس الصلح فلم يجبه.
وكان أبو تغلب قد صار إلى الموصل ونزل في الدير الأعلى ولم يهج في أيام مقامه أسباب معزّ الدولة ولا عرض لهم وأظهر جميلا.
ومضى حمدان إلى الرحبة وكان بها الفتكين فحاربه هناك وأقبل معزّ الدولة إلى الموصل فرحل أبو تغلب من الدير الأعلى وجاء معزّ الدولة فنزل مكانه واستأمن إليه هزارمرد الصغير من غلمان أبي تغلب وجاء المسيّب والمهيّأ بكشمرد أسيرا فخلع على المسيب والمهيّأ وطوّقا وسوّرا.
وراسل أبو تغلب معزّ الدولة بصاحبه أبي الحسن عليّ بن عمرو بن ميمون وجرت له خطوب استقرّت على أن ضمن أبو تغلب ما كان في يد أبيه ناصر الدولة من الموصل وديار ربيعة والرحبة على أن يحمل عن بقايا سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، ستمائة ألف درهم وعن أربع سنين مستأنفة آخرها سنة سبع وخمسين لكل سنة ستة آلاف ألف ومائتي ألف درهم وأن يعجّل حمل الستمائة الالف مع الأسارى الذين في يده إلى الحديثة إذا حصل الأمير معزّ الدولة بها وضمن أن يرد من جملة ما حصل في أيديهم من المال والأمتعة التي أخذت في وقت الإيقاع ببكتوزون ما حصل في يده بقسطه ووعد بطلب الباقي وحمله وتقرر ذلك وأشهد معزّ الدولة على نفسه القوّاد والعدول وقاضى البلد بإمضاء ذلك وكتب إلى الفتكين بالانصراف من الرحبة وكتب عليّ بن عمرو خطه بضمان ما تقرّر عليه الأمر ورهن نفسه على إمضاء أبي تغلب ذلك.
وسار معزّ الدولة إلى الحديثة وورد صاحب أبي تغلب بالمال ثم وافاه بكتوزون وسبكتكين العجمي وسار إلى بغداد.
خروج الداعي الحسني من بغداد سرا إلى بلد الديلم
وفيها ورد الخبر بالموصل بانّ أبا عبد الله محمّد بن الحسين المعروف بابن الداعي الحسني خرج من بغداد سرّا إلى بلد الديلم وخلّف والدته وابنه وعياله في داره ببغداد ظاهرين.
سيف الدولة يصير إلى ميافارقين
وصار سيف الدولة إلى ميّافارقين واحتال أصحابه على القلعة التي كانت حصلت له من أبي الورد وهرب نجا فحصل لسيف الدولة القلاع وأسارى [ الروم ] وأخ لنجا.
وأقام الدمستق على المصيصة وهادي سيف الدولة ببغال ودوابّ وثياب وديباج روميّة وصياغات ذهب وقابله سيف الدولة بهدايا. فصار سببا لمقام الدمستق في بلدان الإسلام ثلاثة أشهر لا ينازعه أحد ولا يمكنه فتح المصيصة وانصرف عنها لأنّ البلد لم يحمله ووقع في أصحابه الوباء فاضطر إلى الانصراف بعد أن حمل إليه مال من المصيصة.
ظهور علوي مبرقع بالكوفة
وفيها ظهر بالكوفة رجل ذكر أنّه علويّ وكان مبرقعا فوقعت بينه وبين أبي الحسن محمّد بن عمر العلوي وقائع، فلمّا دخل معزّ الدولة هرب المبرقع.
وورد الخبر بأنّ نجا صار إلى مولاه سيف الدولة فأعاده إلى مرتبته.
ودخلت سنة أربع وخمسين وثلاثمائة
الفتك على نجا بالسيوف
وفيها فتك غلمان سيف الدولة بحضرته على نجا بالسيوف فقتلوه ولحق سيف الدولة في الوقت غشية مكث فيها نحو الساعة فأمرت زوجته وهي بنت أبي العلاء سعيد بن حمدان أن يجرّ برجل نجا ففعل ذلك إلى أن أخرج من قصرها وفيه كان جرى على نجا ما جرى وطرح في مجرى ماء ينصبّ إليه المياه والأقذار وبقي فيه إلى الغد وقت العصر ثم أخرج وكفّن ودفن.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)