وتوفى معزّ الدولة فنفق على عزّ الدولة بختيار وبذل له مرفقا يوصله إليه مما ينظر فيه. فقبل بختيار منه ذلك وردّت إليه الوكالة وقلد المطبخ فبلّغ بالمرفق الذي بذله لبختيار عشرة آلاف درهم في كل شهر واشترط أن ينصره على الكتّاب وأصحاب الدواوين ومنعهم من الاستقصاء عليه ويشدّ على يده في استيفاء أموال تسبيباته من الوكالة، فوفى له وكان يحمل إليه هذا المرفق الذي ذكرته مشاهرة. ثم أنس به في خلواته ومجالس لهوه وانبسط إليه بأنواع من المزاح كان يستعملها في مجالسه مع ندمائه.
فلطف موقفه ودخل معه كلّ مدخل.
ثم صار يهاديه بالخيل والبغال والجوارح والألطاف والجواري والعبيد ودخل في جلالة العزّ فعرض جاهه عنده حتى صار يتوسط بينه وبين كل رافع ظلامة وطالب حاجة. فلمّا أفضت هذه الوزارة الثانية التي نحن في ذكرها إلى أبي الفضل كان ابن بقية قد استولى غاية الاستيلاء وصار في مثل منزلة شيرزاد اختصاصا ومنزلة وغلبة على أمره واحتاج الوزير أبو الفضل إليه ليحفظ غيبه وانحدرت الجماعة إلى واسط لحرب عمران.
واستدعى الوزير أبو الفضل أبا الفرج محمد بن العباس إلى واسط وكان معتقلا بالبصرة وأخذ خطه بمال عظيم لا ينهض به وأنفذه إلى بغداد ليصححه هناك وكذلك فعل بأخيه أبي محمد فجرى عليهما ببغداد أمر قبيح يجرى مجرى التشفي من غير ضرب ولا مكروه في الجسم بل بضروب من الاستخفاف والإهانة والإسماع فتم لهما الهرب واستترا عند بعض أسباب سبكتكين.
فعادت الوحشة بين أبي الفضل وبين سبكتكين واتهم بأنّه يسفر له في العود إلى الوزارة وألجأته الحال إلى مطالبة عزّ الدولة بختيار باليمين الغموس على ألّا يستوزره أبدا ولا يستعين به في شيء من الأعمال إن لم يظهر بعد شهر من تاريخ اليمين فحلف له عزّ الدولة بحضرة القوّاد والقضاة والشهود ووجوه الحاشية وكان في اليمين كل ما يكون في أيمان البيعة ولقّنه بنفسه حرفا حرفا وبقي الأمر كذلك وأبو الفرج مستتر، إلى أن عاد عزّ الدولة إلى بغداد بعد سنتين وأخذ له ولأخيه أمان فظهر بعناية سبكتكين.
وضعف أمر الوزير أبي الفضل وضعفت منّته وتأدّى أمره إلى النكبة التي هلك فيها ووفى بختيار باليمين وقلد أبا طاهر ابن بقيّة الوزارة فكفّ عن أبي الفرج لأنّه علم أنّه لا يستوزر ولا يشرع في شيء من فساد حاله، ونفى أخاه أبا محمد إلى واسط وأجرى عليه رزقا.
ثم إنّ أبا محمد أصعد إلى بغداد بغير أمره وذلك لإرجاف أرجف عنده بالقبض على ابن بقيّة فاغتاظ لذلك وقبض عليه ونفاه إلى البطيحة فحصل عند عمران مدة ثم أصعد سرّا واستتر ببغداد في عرض الفتن التي كانت تجرى ثم تمكن ابن بقية منه ومن أخيه وطالبهما ثم نفاه ونفى أبا الفرج إلى سرّ من رأى واعتقله بها.
ذكر ما انتهى إليه أمر أبي قرة بعد حصوله بواسط وقوة أمره وعناية سبكتكين وأصحابه به

لما أنس أهل واسط بقرب عزّ الدولة منهم وطال مقامه بينهم، تظلموا إليه سرّا ولقيه نفر منهم، فأعلموه أنّه قد أخرب بلادهم وأفقرهم وظلمهم وغشمهم وصادرهم وملك عليهم ضياعهم وأنّه استحلّ منهم ما حرّمه الله وصححوا عنه سعة حاله وكثرة ماله وجلالة ضياعه. فاستعظم بختيار ذلك وغاظه فعله وتمكّنه من النعم الكثيرة حتى أزالها واستبدّ بها، فصرفه عن واسط وتقدّم إلى ابن بقيّة أن ينظر فيها على سبيل الأمانة.
فاتهم أبو قرّة الوزير أبا الفضل بأنّه عن رأيه ومساعدته ولم يكن كما ظن فكتب إلى سبكتكين الحاجب يعرفه ما جرى ويحرضه على أبي الفضل ويعلمه أنّه قد حنث في يمينه وعقوده التي بينهما وعاد إلى أسوأ فعله واعتقاده.
ثم عطف أبو قرة على أبي طاهر ابن بقية فخاطبه بكل ما كره وتوعده وهدده بالنكبة وطالبه بالحسبانات لما يجرى على يده دخلا وخرجا فاستطال عليه ابن بقيّة وانتصف منه ونصره بختيار فانخزل أبو قرّة.
واتصل بسهل بن بشر النصراني كاتب بختكين آزاذرويه وهو بالأهواز ما جرى على أبي قرة وضعف أمره وكانت بينهما عداوة قديمة فكتب إلى بختيار يضمنه بمال عظيم وساعده ابن بقيّة فقبض على أبي قرّة وأسبابه واستبيح ماله وقبضت ضياعه وغلّاته فسارع إلى التزام مصادرة ثقيلة عن نفسه وأسبابه وبذل بعد ذلك أموالا عظيمة يثيرها من محاسبات الضمناء، واستمال ابن بقية وعاهده على أن يكون كل واحد منهما ناصرا لصحابه.
ثم إنّ بختيار مال إلى ما بذله أبو قرة فأمر بأن يخلع عليه ولم يكره الوزير أبو الفضل ذلك لتزول التهمة التي سبقت إلى سبكتكين في أمره.
ذكر السبب في انتقاض أمر أبي قرة بعد تملكه وبعد إشرافه على الخلاص من النكبة

كانت الخلع أحضرت ليلبسها فكره المنجمون له الوقت وأشاروا عليه بالتوقف ليختار له يوم. فورد للوقت غلام لسهل بن بشر على البريد برسالة منه ومن بختكين آزاذرويه صاحبه يسألان تسليم أبي قرة إليه بزيادة بذلها وضمنه بها وصادف ذلك خوف الناس من عوده بعد سعايتهم به وأنّه عدوّ لهم يستأصلهم فسعوا إلى ابن بقية به حتى أشار على عزّ الدولة بتسليمه إلى سهل بن بشر وعرفه أنّه إنّما ضمن تلك الأموال حيلة في الخلاص والعود إلى التعزز عليه بسبكتكين. فسلّمه إلى رسل سهل بن بشر وحمل من ليلته إلى الأهواز وصودر هناك وتشفى منه وتلف في أنواع المكاره التي جرت عليه وقلّد ديوانه أبو أحمد ابن حفص.
ثم أفضت الوزارة إلى ابن بقية فضعفت يده وقلّ نظره لاستيلاء ابن بقية على المملكة فلم يبق من هذا الديوان إلّا الاسم.
وفي هذه السنة قتل حمدان أخاه أبا البركات
ذكر السبب في ذلك والاتفاق الحادث عن قصد وغير قصد

كنا ذكرنا ورود حمدان ورجوعه إلى الرحبة وتمام الصلح بينه وبين أخيه أبي تغلب ولم يلبث الأمر بينهما أن عاد إلى فساده فأنفذ أبو تغلب أخاه المكنى بأبي البركات إليه حتى دفعه عن الرحبة فسلك طريق البرية يريد دمشق وملك أبو البركات الرحبة فخلف بها طائفة من جيشه مع غلام من غلمانه وعامل من عماله ورحل منصرفا.
وانتهى حمدان إلى بعض طريق البرية ولحقه وأصحابه عطش ولم يمكنه الإتمام فرجع مخاطرا بنفسه ووصل إلى باب الرحبة ليلا والقوم الذين فيها غافلون نيام وتهيأ لنفر من غلمانه أن دخلوا البلد من ثلمة في السور غامضة كانوا يهتدون إليها وفتحوا له باب الرحبة فدخلها واستتر وراء السور وضرب بالبوق فبادر القوم إلى الباب متقطعين متفرقين وليس يعلمون بحصول حمدان من داخله فكان يوقع بهم أولا أولا وأسر عاملي الخراج والمعونة ووجد في أيديهم غلات قد وردت في السفن فغنمها وغنم سوادهم وآلاتهم وسلاحهم وكراعهم وصادرهم وأصعد على الفرات في الجانب الشامي إلى قرقيسيا.
واتصل خبره بأبي البركات وهو سائر إلى الموصل فعطف عليه وحاذاه من الجانب الجزري وتخاطبا وتراسلا فلم يتم بينهما صلح ولا اتفاق ولم يمكن أبا البركات المقام لضيق الميرة على عسكره، فرجع يريد الخابور.
فاتفق أن صار إلى حمدان مائتا فارس من بنى نمير مستأمنة وكانت عدته ثلاثمائة غلام فصار في خمسمائة فارس فتتبعت نفسه العبور في أثر أخيه والتصعلك على عسكره وكان فيه جرأة وإقدام. فخاطر وعبر في جريدة خيل وسار حتى أدركه بمنزل يقال له ماكسين وهو راحل مجتاز فنزل منه على فرسخين وبكّر في الغلس فزحف إليه فصادفه قد سبق بسواده وبعض جيشه وهو ماض على غير استعداد لأنّه لم يقع في ظنّه أنّ حمدان يقدم عليه مع التفاوت بين عدّتيهما.
فلمّا قيل له إنّه قد وافى، عطف إليه في طائفة من الرجال ليتلاحق به الباقون فبثّ حمدان أولئك العرب في الإغارة على سواده ومنع العسكر أن ينتظم شمله وحقق على أبي البركات في الحملة مع غلمانه فوجده متسرعا في أول الناس فاجتمعا متصادمين وعرف كل واحد منهما صاحبه فتضاربا بالسيوف ولم تكن على أبي البركات جنّة فضربه حمدان على رأسه فسقط إلى الأرض وأخذه أسيرا وبه رمق.
واستباح سواده واستأمن إليه جماعة من أصحابه وأسر جماعة وقتل بعض الأسارى واستبقى البعض وانكفأ إلى قرقيسيا ليعالج أخاه من ضربته وظنّ أنّه ينجو فتلف بعد ثلاث فأنفذه في تابوت إلى الموصل واستحكمت العداوة بينه وبين أخيه أبي تغلب.
واختلف باقى الإخوة وتخاذلوا وتنافسوا وكانوا متفرقين في أعمالهم. فبلغ أبا تغلب أنّ محمدا من بينهم المكنى أبا الفوارس وكان يتولى نصيبين قد كاتب حمدان وعمل على اللحاق به والاجتماع معه عليه فاحتال عليه واستدعاه وأطمعه في الإحسان والزيادة. فاغترّ محمد وصار إليه فقبض عليه واعتقله في قلعة أردمشت وضيّق عليه هناك وثقّله بالحديد حتى أطلقه عضد الدولة لمّا ملك تلك الديار.
وكنت مندوبا لنقل ما في تلك القلعة من الذخائر مأمونا على ما فيها فجرى ما سأذكره إذا انتهيت إليه.
واستوحش باقى إخوة أبي تغلب لما جرى على أخيهم محمد وأقبل أبو تغلب يستميلهم فخدعهم واحدا واحدا فصاروا إليه بعد أحوال تتقلب بهم سوى أبي طاهر إبراهيم فإنّه لم يسكن إليه ورحل إلى بغداد مستأمنا إلى عزّ الدولة بختيار على طريق دجلة.
وسار أبو تغلب إلى قرقيسيا وأنفذ منها أخاه أبا القاسم هبة الله سريّة في جيش كثيف إلى الرحبة تقديرا أن يكبس أخاه ويأخذه أسيرا فما أحس به حتى أطلّ عليه فخرج هاربا واتبعه ابنه وطائفة من غلمانه ولحقه هبة الله فابقى عليه حتى نجا.
ثم وقعت عليه سريّة للقرامطة كانت سائرة إلى الشام لقتال صاحب المغرب فأرادوا الإيقاع به فتعرف إليهم وكان متعلقا بينهم بذمام فكفّوا له وبذلوا له من نفوسهم ما أحبه فسألهم أن يسير معه نفر منهم إلى طريق عانة ففعلوا وعدل إلى مدينة السلام فاستقرّ الأخوان بها في ذي الحجة سنة ستّين وثلاثمائة وكتب بختيار إليهما بالانحدار إليه إلى واسط فانحدرا ووصلا إليه في صفر سنة إحدى وستّين وثلاثمائة وتلقاهما وأكرمهما وأمر بحمل أنزال كثيرة إليهما وردّهما إلى بغداد بعد أن حمل إلى كل واحد عند رحيلهما هدايا كثيرة من الثياب والورق والطيب والدواب والبغال والمراكب.
وسنذكر ما انتهت إليه أحوالهما بعد ذلك إن شاء الله.
ذكر تدبير دبره الوزير أبو الفضل على سبكتكين لما استوحش منه فانعكس عليه

قد قلنا انّ أبا الفضل اتهم سبكتكين بأنّه ستر أبا الفرج وأبا محمد وحامى عليهما وأنّه يريد أن يسعى لأبي الفرج في الوزارة وكان سبكتكين اتهم أبا الفضل بأنّه دبر على أبي قرّة حتى قتل بعد ذلك بالعذاب الطويل فشرع أبو الفضل في استصلاح سبكتكين بكل وجه وحيلة فلم يجد إلى ذلك سبيلا فصبر حينئذ على عداوته وأخذ في التدبير عليه.
فكان من ذلك أن أشار على بختيار بأن يستدعى آزاذرويه من الأهواز ويزيد في حاله ومحله ويقيمه كالضد لسبكتكين لينجذب الأتراك إلى هذا ويفلّهم عن ذلك فقبل بختيار بما أشار به عليه.
وورد بختكين واسطا فعظم أتم تعظيم وفخّم أمره أشد تفخيم وعقدت عليه واسط مضافة إلى الأهواز فلم يتم ما قدر من انفضاض الأتراك عن سبكتكين وذاك أنّهم تنبهوا على المقصد وعلموا أنّه إنّما دبر على تفريق شملهم وإيقاع التنافر بينهم وكانوا قد تحالفوا على المعاضدة وألّا يتفرقوا.
واشفق بختكين آزاذرويه من أن يعتزلهم وينفرد عنهم فصار واحدا منهم فانعكس تدبير الوزير أبي الفضل واضطر إلى العود إلى بابه والنزول تحت حكمه وطلب سلمه بعد معاتبات ومراسلات.
ولمّا عاد بختيار إلى بغداد زاد في منزله سبكتكين وأمر بأن يخاطب بالاسفهسلّار وتموهت الوحشة واندرجت على غير وثيقة. ولما عزم بختيار والوزير على الإصعاد عن واسط قدّما أبا طاهر ابن بقية إلى سبكتكين ليصلح ما تشعث بينه وبين الوزير أبي الفضل ويستعيد له جميل رأيه. فجرى الأمر ايضا في ذلك على نفاق ووحشة في السر واندمل الجرح على فساد إلى أن تم على الوزير الصّرف والنكبة واتصل بقتله وإبادته.
هلاك أبي طاهر عامل البصرة وكل من اتصل به

وفي هذه السنة هلك أبو طاهر الحسين بن الحسن عامل البصرة وكل من اتصل به وعفت آثارهم وزالت نعمهم ولم يبق منهم على وجه الأرض نافخ ضرمة.
ذكر السبب في اجتياح الزمان له ولهم

كان هذا الرجل فيه شهامة وكفاية وتهور مع ذلك ومخاطرة، ولما حصل بختيار بواسط أكثر الناس من حديثه وما وصل إليه من الأموال حتى اتسعت فيه الظنون.
وكان الوزير أبو الفضل يعلم أنّ ذلك باطل وليس يجب أن يفسد نظام أمور البصرة بصرفه والطمع في يسير ماله وكانت البصرة معتدلة الحال مستقيمة الأمور. فأغرى بختيار بالمصير إلى البصرة وأقيم في نفسه أنّه يصل منها إلى مال كثير ولم يكن وراءها.
فسار إليها ولم يجد بها ما كان مولعا به من المتصيدات ولا تمكنت البزاة والجوارح من الصيد لكثرة نخلها وشجرها ولاطفه هذا العامل بالهدايا والتحف وواقفه على مرفق يرفقه به ومشاهرة يقيمها له وتجاوز ذلك إلى أن ضمن له إثارة مال من البصرة على طريق التأويلات على التجار والمعاملين وأراد بذلك الدفع عن نفسه.
ووافى الوزير أبو الفضل البصرة بعد أن رتّب عساكره على طفوف البطيحة لأنّ المد وافى وكثر فلم يمكن طلب عمران بن شاهين واحتيج إلى الانتظار إلى وقت النقصان فأمره بختيار بالخلع على أبي طاهر العامل وتقبّل ما بذله له. ولم يستطب البصرة لعدم الصيد الذي ذكرته فعاد إلى واسط ووصى الوزير بتقوية يد العامل والزيادة في بسطه والرفع منه. فاضطرّ الوزير إلى امتثال ما رسم له وهو لا يختاره ولا يستصوبه.
فبسط أبو طاهر العامل يده في القبض على التجار والعوامّ وتأول عليهم بالمحال واستخرج منهم أموالا كثيرة وظنّ أنّه قد تمسك من بختيار بعهد يثق به وأنّه ممن يعتمد على قوله وذمامه وحدّث نفسه بمنزلة أبي قرّة وأن يرتقى منها إلى منزلة الوزارة.
فساء رأى الوزير أبي الفضل فيه وأخذ في التدبير عليه والسعى على دمه فكتب إلى بختيار يعرفه أنّه قد أخرب البصرة وأفسد نيّات أهلها وأنّهم عرب لا يحملون ما يحمله غيرهم ويزعم أنّ أموالهم الآن قد حصلت والصواب يقتضى إرضاءهم بالقبض على هذا العامل والاستبدال به ومصادرته على مال ينضاف إلى مصادرتهم. ثم دس إلى عزّ الدولة من يغريه به ويعظّم عليه جناياته ويطمعه في ماله إلى أن أمر بالقبض عليه فقبض الوزير عليه وعلى أخيه والمتصلين به حتى زوجته وعياله وأقاربه وأسبابه كلّهم.
عقد البصرة على رأس أبي القاسم المشرف

وعقد البصرة على عليّ بن الحسين المعروف بأبي القاسم المشرف وسلّمه إليه لعداوة كان يعرفه بينهما، وأخذ خطه بأن يستخرج منه ومن أسبابه مالا عظيما وأصعد عن البصرة لاستتمام منازلة عمران بن شاهين.
وكان هذا العامل - أعنى أبا طاهر - من أهل الشر فكثر خصماؤه وطلاب الطوائل عنده فعسفه عليّ بن الحسين وسلّمه إلى مستخرج كان قد وتره، فنالته منه مكاره عظيمة خاف معها أن يسلم فيكون بواره على يده.
فأتى على نفسه ثم ألحق به أخاه وأقاربه وزوجته فأتلف الجماعة بأسرها وعفى آثارها.
ثم عطف عليّ بن الحسين على معامليه ومخالطيه وقوم تأول عليهم فصادرهم لصحة المال الذي ضمنه فما صحّ له من جميع الجهات إلّا البعض وانكسر الباقي وانمحت آثار أبي طاهر من الأرض فلم يبق له بقيّة.