ذكر سوء تدبير بختيار لأمر عمران منذ انحدر من بغداد إلى أن خرج عائدا إليها وما تمّ لعمران من الطمع فيه والاستظهار عليه
كان بختيار لما خرج عن بغداد لمحاربة عمران أظهر أنّه يريد الخروج إلى التصيّد بناحية النعمانية مغالطة لعمران وظنّ أنّه يرهقه عن التحرز منه والاستعداد له.
وقد تفعل الملوك مثل هذا ولكن مع إتمام العزائم والصبر على مطاولة العدو بالمكايد التي تشبه هذا الابتداء، لا بأن يكون مبدأ التدبير صوابا يشبه الآراء الوثيقة ثم يتبعه باللعب والاشتغال عنه بالعبث وبترك الاستظهار وإهمال الجند حتى تخرق الهيبة وتزول الحشمة ويظهر للعدو عصيان الجند وقلة النظر في الحرب والتعويل على الجدّ دون الجدّ حتى يطلع على الحيرة والتبلّد ومكان العورة والضرورة الداعية إلى مقاربته في طلب الصلح منه والجنوح إلى السلم بعد النزاع إلى الحرب. فإنّ بختيار عمل في المبدء ذلك العمل الواحد ثم أتبعه بجميع ما ذكرته وذلك أنّه استطاب التصيد الذي أظهره مكيدة لعدوّه وأقام بالنعمانية شهرا مع عساكره التي علم معها عمران أنّ قصده بهم إيّاه لا غير.
ثم أمر وزيره أبا الفضل أن ينحدر إلى الجامدة وطفوف البطيحة وبنى أمره معه على أن يسدّ أفواه الأنهار ومجاري المياه إلى البطيحة ويعدل بها إلى غيره وأن يبنى مسنّاة عظيمة يمكن سلوك الديلم عليها مشيا إلى معقله وهذا ضد ما بنى عليه أمره في الابتداء ولا يشبه الحيلة التي تؤدى إلى إرهاق العدوّ ومنعه من الفكر. فإنّ الهجوم والكبس والبيات يتم بالمعاجلة والركض إلى الغاية دون التمهل والأخذ والتدابير البعيدة والأعمال الطويلة.
فلما طالت المدة في عمل هذه السدود وجرت في أضعافها وقائع لحقت المدود وغلب الماء والسيل علاج السكور فاحتيج إلى الإمساك عنها والانصراف عن إتمامها إلى حفظ ما عمل منها بالرجال حتى لا يفسدها العدو، لا سيما وعمران متدرب بذلك قد اعتاد في جميع حروبه أن يمسك عن عدوه حتى ينفق ماله ويكذ رجاله فإذا أحسّ بالمد ومجيء السيول احتال في تخريب ما يبنى له من السكور وإنّما يكفيه إيقاع ثلمة يسيرة في أحد نواحي السد ثم يحمل الماء فيتولى كفايته في الهدم والتخريب. فربما أفسد في ساعة من الليل أو النهار تعب سنة أو نحوها.
وذلك أنّ هذه السدود تكون من قصب وتراب يقام في وجوه المياه الجاريه عند ضعف جريانها وغاية نقصانها فإذا وردت المياه القوية ومنعت من حدورها كفى منها اليسير من المعونة حتى تنبعث ويدفع بعضها بعضا وربما كان سبب انبثاق الماء نقب فأرة ثم يوسعه الماء وينتهى فيه إلى حيث لا حيلة في سده. ولما عمل بختيار ووزيره ما ذكرته من السدود وأتى المد كان قصاراهما حفظ ما عمل بالرجال حتى لا يتم لعمران حيلة في هدمه فعدل عمران عن هدم سكوره إلى الانتقال إلى معقل آخر من معاقل البطيحة ونقل غلّاته وزواريقه وجميع أمتعته إلى هناك. فلما انحسر الماء وجاءت ايام الجفاف من السنة الثانية وجد مكان عمران خاليا منه ولم تكن له آلة يطلبه بها فطلب غلّاته فلم يجد فيها شيئا فانصرف خائبا.
وضجر العسكر من المقام على الشقاء ولم يصبروا على أذيّة البقّ وحرّ الهواء وانقطاع المواد التي ألفوها فشغبوا عليه وتناولوا الوزير بألسنتهم وهموا بالإيقاع به وتحالف الديلم والأتراك على التعصب واتفاق الكلمة وأبوا أن يقيموا أكثر مما أقاموا. فاضطر بختيار إلى طلب مصالحته على مال يلتمسه منه - وقد كان هابه في أول الأمر فبذل له خمسة آلاف ألف درهم - فلمّا طلب هذا المال بعد اضطراب الجند وطول المقام وانقطاع الحيلة امتنع عليه منها وبذل ألفي ألف درهم بوساطة سهل بن بشر كاتب بختكين آزاذرويه وكانت بينه وبين عمران صداقة فنجّم عليه هذا المبلغ ثم تماسك عمران وامتنع من التوثقة بما وافق عليه واقتصر منه على اليمين أيضا فاضطرّ الوسائط إلى أن يقولوا لبختيار أنّه قد حلف وما حلف. وانصرف بختيار عنه مع عسكره خائبين عليهم الزلّة.
وحدث للعسكر زيادة على المعهود من سوء الخدمة وقلّة الطاعة والاستطالة حتى وثبوا على سهل بن بشر مرّة لأجل مال كان حمله معه فأحسوا به وطمعوا فيه ونهبوه واجتهد بختيار في ارتجاع شيء منه، فما أمكنه ذلك.
ذكر الوثوب على الجرجرائي
ثم وثبوا أيضا على محمد بن أحمد الجرجرائي - وكان ينظر في أمورهم ويخلف الوزير عليهم - لأشياء كانوا نقموها عليه وأبوا أن يكون متوليا عليهم فأرضاهم الوزير بصرفه عنهم ووجد السبيل إلى مصادرته فاستخرج منه عشرة آلاف دينار كانت سبب حقده حتى صار في جملة من سعى به ودبر في هلاكه.
عضد الدولة يندب كوركير لمحاربة سليمان بن محمد بن إلياس
وقد كان قبل هذه السنة ندب عضد الدولة كوركير بن جستان لمحاربة سليمان بن محمد بن الياس وكان سليمان هذا بخراسان وأطمع صاحبها في كرمان والقفص والبلوص في طاعته. فضم إليه صاحب خراسان جيشا وجاء إلى كرمان فاستغوى هاتين الطائفتين وغيرهم من الأمم المفارقة لطاعة السلطان الأكبر فصارت هذه الطوائف يدا واحدة في شقّ العصا.
فلقيه كوركير بين جيرفت وبمّ وجرت بينهما حرب أجلت عن قتل سليمان وبكر والحسين ابني اليسع أخيه وعدد كثير من قواد خراسان والرجال المضمومين إليه وحملت رؤسهم إلى شيراز وأنفذها عضد الدولة إلى حضرة أبيه ركن الدولة.
واجتمعت المنوجانيّة وسائر القفص والبلوص وفيهم أبو سعيد البلوصى وأولاده وغيرهم من الرؤساء على كلمة واحدة في الخلاف وتحالفوا على الثبات والاجتهاد فضمّ عضد الدولة إلى كوركير عابد بن عليّ فسارا إلى جيرفت فيمن معهما من العساكر فوقعت الوقعة يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من صفر سنة ستّين وثلاثمائة وأجلت عن هزيمتهم وقتل خمسة آلاف رجل من أشدائهم ووجوههم وقتل ابنان لأبي سعيد البلوصى وحصل المعروف بأبي الفوارس المنوجانى في الأسر وابن أخيه أبو الليث وجماعة يجرون مجراهم.
ثم صمد عابد بن عليّ لقصّ آثارهم والتولج إلى مكانهم ليبيد غضراءهم.
فتابع الإيقاع بهم والإثخان فيهم وانتهى إلى هرموز فملكها واستولى على بلاد التيز ومكران وحصل في يده بعد من هلك في الحروب ألفا أسير من رجالهم ونسائهم وذراريّهم. فلاذوا بطلب الأمان وبذلوا تسليم المعاقل والجبال على أن يدخلوا في السلم وينزعوا شعار الحرب ويقتنعوا بالأقوات التي تحل وتطيب ويتحلّوا بسيماء المسلمين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا شهر رمضان ويتمسكوا بسائر شروط الإيمان. فعقدوا على أنفسهم بذلك عقدا وثيقا.
عدول عابد بن علي إلى الخرمية والجاسكية
ثم عدل عابد بن عليّ إلى طوائف أخر من الأمم المخالفة في حال تصاقبهم يعرفون بالخرّمية والجاشكية يخيفون السبل في البر والبحر وكانوا ضاموا سليمان بن محمد بن الياس فأوقع بهم وقتل كثيرا منهم وحصل في يده رئيسهم أبو علي بن كلاب فضرب عنقه وقبض على خلق منهم فأنفذهم إلى شيراز فتوطأت تلك الأعمال وصلحت مدّة من الزمان.
عضد الدولة يصير بنفسه إلى كرمان
ثم لم يلبث البلوص وكانوا أشد هذه الطوائف بأسا وأوعدهم جانبا وأشدهم كفرا أن اشتاقوا إلى عاداتهم من إخافة السبل وسفك الدماء الحرام ونقض ما كانوا تمسكوا به من تلك العهود. فلمّا فعلوا ذلك اعتقد عضد الدولة ألّا حيلة في صلاحهم ويئس منهم فرأى ألّا يبقى عليهم وعزم على المسير بنفسه إلى كرمان فسار في ذي القعدة سنة ستّين وثلاثمائة.
فلمّا انتهى إلى السيرجان وجد البلوص قد تبسطوا في الأعمال وسعوا فيها بالفساد ونصبوا للرئاسة عليهم عليّ بن محمد البارزى ولقي الناس منهم عنتا شديدا في جميع طرقات كرمان وسجستان وخراسان فجرّد عابد بن عليّ في عسكر كثيف من الديلم والجيل والأتراك والأعراب والأكراد والزطّ والرجال السّيفية وأنفذه إليهم فلمّا أحسّوا بإطلاله عليهم أوغلوا في الهرب وسلكوا طرقا ضيقة شاقة ظنّوا أنّ العسكر لا يمكنه سلوكها ولا اتباعهم فيها.
ثم إنّ عابدا أنفذ أخاه في سريّة قوية خلفهم وسار هو في باقى الجيش من طريق آخر إلى بلادهم التي يأوونها إلى جبال البارز ففتحها عنوة واستنزل عنها محمد بن عليّ البارزى وظفر بصهره أبي دارم وقد كانوا أنفذوا طلائع لهم وعيونا ليأتيهم بالأخبار فنذر بهم وقبض على جماعتهم فلم يرجع إليهم مخبر منهم.
فكانوا ساكنين غارّين إلى أن أطلّ الجيش في الموضع الذي ظنّوا أنّهم آمنون فيه فلم يجدوا مهربا ولا معدلا عن المجاهدة، فثبتوا سحابة يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وستّين وثلاثمائة، منذ طلوع الشمس إلى غروبها. ثم انجلت الوقعة عن قتل الرجال المقاتلة إلّا القليل وعن الاحاطة بحرمهم وذراريّهم وأملاكهم ونجا في الوقت رئيسهم المعروف بابن أبي الرجال البلوصى مع جماعة من الوجوه ثم ظفر بهم من بعد فقتلوا جميعا ودخل نفر يسير ممن بقي تحت الأمان وتشبثوا بالعهد والذمام فنقلوا عن تلك الجبال. وأسكن عضد الدولة مكانهم الأكرة المزارعين والمستورين من أجناس الرعية حتى طبّقوا تلك المواضع بالعمارات وطهرت تلك الجبال من معرّة أولئك المفسدين.
ثم عاد عابد بن عليّ إلى الامة المعروفة بالجاشكية ومن يجرى مجراها من الدعّار وكانوا وراء جبال القفص مما يلي التيز ومكران والسواحل إلى حدود عمان ولهم معرّة شديدة وفساد كثير وجنايات عظيمة على الناس وأنفذ عابد أخاه في عسكر قوى من الديلم والأتراك والعرب وغيرهم وحمل معه الزاد على الجمازات في البرّ وعلى الشذاآت والمراكب في البحر من سيراف إلى مكلّى هرموز وسواحل كرمان فقطع عدّة مضايق حتى وصل إليهم وهم غافلون لا يظنّون أنّ أحدا يصل إليهم. فأوقع بهم وقتل وأسر واصطلم ولم يبق من طبقات الدعّار في تلك النواحي أحدا.
وفي هذه السفرة تنكّر عضد الدولة لكوركير فقبض عليه وردّه إلى سيراف واعتقله اعتقالا جميلا فيه بقية للصلح.
ودخلت سنة احدى وستين وثلاثمائة
وزارة أبي الفتح ابن أبي الفضل ابن العميد
وفيها تمكن الأستاذ الجليل أبو الفتح ابن أبي الفضل ابن العميد رحمهما الله من الوزارة بعد أبيه وفوض إليه ركن الدولة تدبير ممالكه ومكّنه من أعنة الخيل فصار وزيرا وصاحب جيش على رسم والده، إلّا أنّ والده باشر هذه الأمور في كمال من أدواته وتمام من آلاته على ما شرحناه فيما تقدم، وكان لوفور عقله يدارى أمره مع صاحبه ومع عسكره ثم يسوس رعيّته والممالك التي يراعيها ويدبر الجميع تدبيرا ملائما لوقته موافقا لزمانه فلا يظهر من الزينة وأبّهة الوزارة إلّا بمقدار ما يقيم به مرتبته ولا يجاوز ذلك إلى ما يحسد عليه وينافس، ثم يتواضع تواضعا لا يخرج به إلى غضاضة تلحقه في جاهه أو تحطّه عن المنزلة العالية التي يرقى إليها وكانت سلامته طول مدته على أصناف الناس وطبقاتهم وقيام هيبته وتمام سياسته متصلة تزيد على الأيام ثناء وثباتا.
ذكر خصائص أبي الفتح في خلقه وسياسته
فأما ابنه أبو الفتح فكان فيه مع رجاحته وفضله في أدب الكتابة وتيقّظه وفراسته نزق الحداثة وسكر الشباب وجرأة القدرة، فتطلعت نفسه إلى اظهار الزينة الكثيرة واستخدام الديلم والأتراك والاحتشاد في المواكب التي يركب فيها واتخاذ الدعوات لصاحبه وسائر عسكره التي يلتزم فيها الخلع والحملان على الدواب والمراكب والإسراف في الصلات والنفقات تشبّها بوزراء عزّ الدولة بختيار الذين لا خبرة لهم بعواقب الأمور ولا نظر لهم في مصالح الملك وإنّما همة أحدهم في تناول شهواته والوصول إلى لذّاته وإثارة غيظ حسّادهم بإظهار الزينة التي فوق طاقته.
وليس يعلم أنّ أول من ينكر ذلك في نفسه وإن لم يبده له صاحبه فهو يحسده على مساواته له وعلى تمكنه مما يتمكن هو منه ثم مزاحمته له في الاستظهار والجمع وتبذير الأموال التي يرى أنّه أحق بها منه ثم خوفه من ميل الجند إليه وإجماعهم على جوده وسخائه واعتدادهم بما يصل إليهم له دون صاحبهم ووليّ نعمهم.
فكان أبو الفتح ابن العميد يسرف في ركوب هذه الأهواء ويحب أن يبلغ غاية ما يقدر عليه منها فجلب عليه ذلك ضروب الحسد من ضروب السلاطين وأصحاب السيوف والأقلام فكان صاحبه ركن الدولة قد شاخ وسئم ملابسة أمور الجند وأحب الراحة والدعة ففوض إليه الأمور ورآه شابّا قد استقبل الدنيا استقبالا فهو يحب التعب الذي قاساه ركن الدولة ثم ملّه ويستلذّ فيه الانتصاب للأمر والنهى ومخالطة الجند والركوب إلى الصيد ومشى خواص الديلم وكبار الجند بين يديه ثم مشاربتهم ومؤانستهم والإحسان إليهم بالخلع والحملان.
فأول من أنكر عليه هذا الفعل عضد الدولة ومؤيد الدولة ابنا ركن الدولة وكتّابهم ثم سائر مشايخ الدولة ورأوه يركب في موكب عظيم ويغشى الدار والديوان فإذا خرج تبعه الجميع وخلت دار الامارة حتى لا يوجد فيها إلّا المستخدمون من الاتباع والحاشية فقط.
ثم ترقّى أمره في قيادة الجيش والتحقق بها إلى أن ندب للخروج إلى العراق في جيش كثيف من الريّ والإجماع مع عضد الدولة لنصرة بختيار بن معز الدولة في الخلاف الذي وقع بينه وبين الأتراك المستعصين عليه كما سنشرحه فيما بعد بإذن الله. فأقام هناك ونظم أمور بختيار وتلقّب بذي الكفايتين من جهة الطائع لله وأخذ الخلع وواطأ بختيار على أمور خالف فيها عضد الدولة وأوحشه وتأدّى أمره إلى الهلاك.
وإنّما ذكرنا هاهنا جملة من سوء تدبيره لنفسه ونحن نشرحها مفصلة في الأمور التي حدثت في سنة خمس وستّين وثلاثمائة ليعتبر بها المعتبرون ويجرى مجرى تجارب الأمم التي يتكرر مثلها فيتحرّز منها.
فأمّا الآن فإنّا نشرع في الأمور التي حدثت في هذا الزمان الذي نحن في ذكره ونستقصى أخبار بختيار وما عمله في عوده من البصرة إلى واسط ليتصل حديثه ولا ينقطع بدخول حديث غيره فيه.
ذكر السبب في تجاسر العامة على السلطان والفتن الثائرة بهم حتى خربت بغداد
وذاك أنّ الكتب وردت عليه بأنّ الروم غزوا نصيبين فملكوها وأحرقوها وقتلوا الرجال وسبوا الذراري ثم ورد خلق من ديار ربيعة وديار بكر مدينة السلام واستنفروا المسلمين في المساجد الجامعة والأسواق وحكوا انفتاح الطريق للروم وأنّه لا مانع لهم من تورّد ديارهم وهي متصلة بالعراق.
محاولة الهجوم على دار المطيع لله وإسماعه ما يقبح ذكره
فلمّا تجمّع معهم خلق من أهل بغداد صاروا إلى دار المطيع لله وحاولوا الهجوم عليها وقلعوا البعض من شبابيكها فأغلقت الأبواب دونهم بعد أن كانوا يصلون إليه ويأتون عليه فأسمعوه ما كره ونسبوه إلى العجز عمّا أوجب الله على الائمة وتجاوزوا ذلك إلى ما يقبح ذكره.
وكان بختيار في هذا الوقت بالكوفة مظهرا زيارة المشهد وغرضه التصيّد فخرج إليه وجوه أهل بغداد منكرين عليه اشتغاله عن مصالح المسلمين وانصرافه عن تدبيرهم إلى مجاهدة عمران وهو من أهل القبلة، وإمهاله الروم وهم أعداء الملة، ثم تشاغله بالصيد واللهو عن جميع مهمّات المملكة. ووعدهم بالعود إلى واسط ومصالحة عمران والانكفاء إلى الثغور فسكنوا وانصرفوا.
فلمّا عاد كاتب أبا تغلب وهو صاحب الموصل، يعلمه فيه أنّه عامل على الغزو ويلزمه أن يعدّ له من الزاد والعلوفة ما يسعه وجنده في الطريق وأنفذ في ذلك بعض خواصه فقضى ابن حمدان حقّه وردّه بالإنعام والمسارعة إلى ما سأل وهو يعلم أنّه لا يفي بوعد ولا وعيد وأنّه يقول ولا يفعل.
ثم أنفذ محمد بن بقيّة برسالته إلى سبكتكين الحاجب وهو ببغداد يستصلحه لوزيره العباس بن الحسين ويستنهضه للغزو معه ويأمره بأن يستنفر من يرغب في الجهاد. فتقبّل سبكتكين ذلك تقبل المنافق ثم ركب ببغداد في الجيش واستنفر المسلمين فثار من العامة عدد كثير بأصناف السلاح والسيوف والرماح والقسيّ حتى استعظم ما شاهده منهم ولم يوفق لتربيتهم وضمهم إلى رئيس يقوم بهم بل جعلهم كالعدة لنفسه فصاروا وبالا عظيما وضروا على المحارمات بينهم وأظهروا ضروب العصبية وأثاروا الفتن وأقدم بعضهم على بعض بالقتل واستباحة الأموال والهجوم على الحرم والفروج وتفاقم الأمر بينهم وبلغ كل المبلغ في الشر وعجز السلطان عن إصلاحهم وإطفاء ما أثاره من نائرتهم حتى صار ذلك سببا لخراب بغداد.
وسنذكر شرح هذه الأحوال عند دخول سنة ستّ بعون الله.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)