حُكي أن كعبًا في عام الرمادة قال لعمر: «إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء».
أقول: لم يعز إلى كتاب لينظر في سنده… ولا أراه إلا ساقطًا.
قال: ومما لا مراء فيه أن هذا اليهودي قد أراد بقوله هذا أن يخدع عمر عن أول أساس جاء عليه الدين الإسلامي وهو التوحيد الخالص، ليزلقه إلى هوة التوسل الذي هو الشرك بعينه).
أقول: أما المسلمون الذي يعرفون الإسلام فالذي لا مراء فيه عندهم أن أبا رية مجازف، وأنه على فرض صحة هذه الحكاية ليس فيها ما يدل على سوء طوية كعب. وإن استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما لا علاقة له بالشرك البتة، بل هو أمر يقره الشرع إجماعًا، ويؤيده الكتاب والسنة، قال الله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وقال سبحانه: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } وقال تعالى في يعقوب وبنيه: { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }. وتواتر في السنة طلب الصحابة من النبي أن يدعو لهم بالسقيا وغيرها، وأمرنا النبي أن نسلم عليه في التشهد، وبالصلاة عليه والدعاء له عقب الأذان، وغير ذلك مما صورته طلب الدعاء.
ثم ذكر خبر أنس الذي في صحيح البخاري أن عمر قال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا
81
فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا» وزعم أنه لا يصح، وعارضه بروايات منها عن خوّات قال: «خرج عمر يستسقي بهم فصلى ركعتين فقال: اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك، فما برح من مكانه حتى مطروا».
أقول: لا أدري ما سنده، ولو صح فلا يعارض خبر أنس، فقد تكون واقعة أخرى، فإن عمر لبث خليفة عشر سنين، وقد تكون واقعة واحدة اختصر خوات في ذكرها.
قال: (وعن الشعبي قال: خرج عمر يستسقي بالناس فما زاد على الاستغفار).
أقول: الشعبي لم يدرك عمر، وعمر لبث خليفة عشر سنين، فلم يكن استسقاؤه مرة واحدة.
قال: وقال الجاحظ: ولما صعد (عمر) على المنبر قابضًا على يد العباس… فذكر نحو خبر الشعبي، وذكر أبو رية أن الطبري أخرجه في تفسيره، وأن ابن قتيبة ذكره في الشعر والشعراء.
أقول: نعم، ولكن لم يقل أحد: (قابضًا على يد العباس) إلا الجاحظ، فأراه زادها توهما.
قال: قال معاوية لكعب…) عزا هذا إلى تفسير ابن كثير (3: 101) وإنما هو فيه (5: 323) قال في سنده: (ابن لهيعة حدثني سالم بن غيلان عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية…إلخ). وابن لهيعة ضعيف، وسعيد بن أبي هلال ولد بعد موت كعب بنحو أربعين سنة.
قال: (وذكر القرطبي في تفسير سورة غافر عن خالد بن معدان عن كعب…).
أقول: قال القرطبي: (قال ثور بن زيد عن خالد…. ) ولا أدري كيف السند إلى ثور، وخالد لم يدرك كعبًا.
قال: (وفي التفسير أن عبد الله بن قلابة… إلخ).
أقول: عبد الله بن قلابة مجهول لا ذكر له إلا في هذه الحكاية، وفي السند إليه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف كثير التخليط.
قال: (ص121): (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن كعب…).
أقول: كتاب العظمة تكثر فيه الرواية عن الكذابين والساقطين والمجاهيل.
قال: (وعن وهب بن منبه: أربعة أملاك يحملون العرش…).
أقول: وهذا أيضًا من كتاب العظمة.
82
قال: (وقرأ معاوية…. إلخ).
أقول: في سنده سعيد بن مسلمة بن هشام، قال فيه البخاري: (منكر الحديث فيه نظر)، وهذا من أشد الجرح في اصطلاح البخاري، وفي سياق القصة ما يشعر بانقطاع آخرها.
قال (ص122): (وذكر الحافظ ابن حجر أن كعب الأحبار روى أن باب السماء الذي يقال له: مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس، فأخذ منه بعض العلماء أن الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويًا…) قال أبو رية: (وهكذا تنفذ الإسرائيليات إلى معتقداتنا).
أقول: الحكاية عن كعب لا ندري ما سندها، وذاك الأخذ إنما هو احتمال لا تثبت به عقيدة ولا تنتفي.
قال: (وقال ابن حجر بعد أن أورد تلك الخرافة…).
أقول: من أين لك أنها خرافة؟
قال: (وروى كعب أن في الجنة ملكًا… إلخ).
أقول: ذكر بنحو ما هنا ابن القيم في حادي الأرواح المطبوع مع إعلام الموقعين (1/314) وهو من رواية شمر بن عطية عن كعب، وشمر لم يدرك كعبًا وليس في الحكاية ما يستنكره المسلم.
قال: (ومما يدلك على أن الصحابة كانوا يرجعون إليه [25] حتى فيما هو من علمهم، وبخاصة عند ما قال: ما من شيء إلا وهو مكتوب في التوراة. أن أبا عبد الرحمن محمد بن الحسين النيسابوري ذكر أن عمر قال لكعب -وذكر الشعر-: يا كعب! هل تجد للشعر ذكرًا في التوراة…).
أقول: عزاه إلى كتاب العمدة لابن رشيق، وابن رشيق لم يلق النيسابوري، والنيسابوري ضعيف جدًا حتى اتهم بالوضع، تجد ترجمته في لسان الميزان (5: 140) وبينه وبين عمر أكثر من ثلاثمائة سنة. وهبّ أن القصة صحت فأي شيء فيها يدل على تلك الدعوى الفاجرة؟ وما نسبه إلى كعب من قوله: (ما من شيء… إلخ) لم يعزه.
قال: (وروى البيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح عن ابن عباس [قال]… في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى).